أرشيف المقالات

إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (23)

مدة قراءة المادة : 15 دقائق .
إتحاف الخيرة
بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (23)
 
قوله:
.................................
♦♦♦ ثُمَّ اصْطَفَى صَفِيَّةً صَفِيَّهْ
عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه في قصة خيبر، قال: فأصبناها عَنوةً، فجمع السبي، فجاء دحية الكلبي رضي الله عنه فقال: يا نبي الله، أعطني جاريةً من السبي، قال: ((اذهب فخذ جاريةً))، فأخذ صفية بنت حيي، فجاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله، أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة والنضير، لا تصلح إلا لك، قال: ((ادعوه بها))، فجاء بها، فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خذ جاريةً من السبي غيرها))، قال: فأعتقها النبي صلى الله عليه وسلم وتزوجها، حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليمٍ، فأهدتها له من الليل، فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم عروسًا، فقال: ((من كان عنده شيءٌ، فليجِئْ به))، وبسط نِطَعًا، فجعل الرجل يجيء بالتمر، وجعل الرجل يجيء بالسمن، قال: وأحسبه قد ذكر السويق، قال: فحاسوا حيسًا، فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم[1].
 
وعن أنسٍ أيضًا قال: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليالٍ يبنى عليه بصفية، فدعوت المسلمين إلى وليمته، وما كان فيها من خبزٍ ولا لحمٍ، وما كان فيها إلا أن أمر بلالًا بالأنطاع فبسطت، فألقى عليها التمر، والأقط، والسمن، فقال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين، أو ما ملكت يمينه، قالوا: إن حجبها، فهي إحدى أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها، فهي مما ملكت يمينه، فلما ارتحل وطأ لها خلفه ومد الحجاب[2].
 
ويقول أنسٌ رضي الله عنه: قدمنا خيبر، فلما فتح الله عليه الحصن، ذكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب، وقد قتل زوجها، وكانت عروسًا، فاصطفاها النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه، فخرج بها حتى بلغنا سد الصهباء حلت، فبنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صنع حيسًا في نطعٍ صغيرٍ، ثم قال لي: ((آذن من حولك))، فكانت تلك وليمته على صفية، ثم خرجنا إلى المدينة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحوي لها وراءه بعباءةٍ، ثم يجلس عند بعيره، فيضع ركبته، وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب[3]، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم عتقها صداقها[4].
 
قوله:
ثُمَّ أَتَتْ وَمَنْ بَقِي مُهَاجِرَا ♦♦♦ ....................................
 
أي: أتت أم حبيبة رضي الله عنها، ومن بقي من مهاجري الحبشة بعدما فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر.
 
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن[5]، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي، أنا أصغرهما، أحدهما أبو بردة، والآخر أبو رهمٍ، إما قال: بضعًا، وإما قال: ثلاثةً وخمسين أو اثنين وخمسين رجلًا من قومي، فركبنا سفينةً، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالبٍ، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعًا، فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر[6].
 
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن افتتح خيبر، فقسم لنا، ولم يقسم لأحدٍ لم يشهد الفتح غيرنا[7].
 
قوله:
...................................
♦♦♦ وَعَقْدُ مَيْمُونَةَ كَانَ الْآخِرَا
 
قال ابن القيم رحمه الله:
"ثم تزوج ميمونة بنت الحارث الهلالية، وهي آخر من تزوج بها؛ تزوجها بمكة في عمرة القضاء بعد أن حل منها - على الصحيح"[8].
 
عن ميمونة رضي الله عنها: أنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها، وهما حلالان بسرف، بعدما رجع[9].
 
قوله:
وَقَبْلُ إِسْلَامُ أَبِي هُرَيْرَهْ ♦♦♦ ......................................
 
أي: وقبلَ خيبرَ كان إسلام أبي هريرة رضي الله عنه، ثم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر.
 
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بعدما افتتحوها[10].
 
وعن خثيم بن عراكٍ، عن أبيه: أن أبا هريرة رضي الله عنه، قدم المدينة في رهطٍ من قومه، والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، وقد استخلف سباع بن عرفطة على المدينة، قال: فانتهيت إليه وهو يقرأ في صلاة الصبح في الركعة الأولى بـ: (كهيعص)، وفي الثانية: (ويلٌ للمطففين)، قال: فقلت لنفسي: ويلٌ لفلانٍ إذا اكتال اكتال بالوافي، وإذا كال كال بالناقص، قال: فلما صلى، زودنا شيئًا حتى أتينا خيبر، وقد افتتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر، قال: فكلم المسلمين فأشركونا في سهامهم[11].
 
قوله:
...................................
♦♦♦ وَبَعْدُ عُمْرَةُ الْقَضَا الشَّهِيرَهْ
 
أي: وفي السنة السابعة كانت عمرة القضاء.
وتسمى أيضًا:
1- عمرة القضية[12].
2- عمرة الصلح[13].
3- عمرة القِصاص[14].
 
وأما عن أحداث هذه الرحلة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد توجه إلى مكة معتمرًا حسب اتفاقه مع مشركي مكة يوم الحديبية؛ أن يرجع إلى المدينة عامه هذا، على أن يخلوا بينه وبين البيت عام قابلٍ[15].
 
فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة سنة سبعٍ[16]؛ حيث اتفقوا ألا يدخل مكة السلاح، إلا السيف في القراب، وألا يخرج من أهلها بأحدٍ إن أراد أن يتبعه، وألا يمنع من أصحابه أحدًا إن أراد أن يقيم بها[17]، وألا يقيم بها أكثر من ثلاثة أيامٍ[18].
 
فسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخل مكة وعبدالله بن رواحة يمشي بين يديه، وهو يقول:






خلوا بني الكفار عن سبيله
اليوم نَضْرِبْكم على تنزيله


ضربًا يزيل الهام عن مقيله
ويذهل الخليل عن خليله






 
فقال له عمر: يا بن رواحة، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حرم الله تقول الشعر؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خَلِّ عنه يا عمر؛ فلهي أسرع فيهم من نضح النبل))[19].
 
وطاف المسلمون بالكعبة، وصعد المشركون على جبل قعيقعان المواجه لما بين الركنين من الكعبة؛ حيث أشاعوا أن المسلمين ضعفاء ولن يستطيعوا الطواف بالبيت وتأدية المناسك[20].
 
حيث قال المشركون: إنه يَقدَم عليكم قومٌ قد وهنتهم حمى يثرب، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا[21] الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا ما بين الركنين، ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم، فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا[22].
 
وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يرملوا بين الصفا والمروة؛ ليري المشركين قوته[23].
 
وكان الصحابة - رضوان الله عليهم - يسترون رسول الله صلى الله عليه وسلم من غلمان المشركين؛ خشية أن يؤذوه[24].
 
فلما مضى الأجل، أتى المشركون عليًّا، فقالوا: قل لصاحبك: اخرج عنا؛ فقد مضى الأجل، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم[25].
 
وتبعته ابنة حمزة رضي الله عنه تنادي: يا عم يا عم، فتناولها علي رضي الله عنه فأخذ بيدها، وقال لفاطمة: دونك ابنة عمك، فحملتها، فاختصم فيها علي وزيدٌ وجعفرٌ، قال علي: أنا أخذتها وهي بنت عمي، وقال جعفرٌ: ابنة عمي وخالتها تحتي[26]، وقال زيدٌ: ابنة أخي[27]، فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها، وقال: ((الخالة بمنزلة الأم))، وقال لزيدٍ: ((أنت أخونا ومولانا))[28].
 
فكانت تلك العمرة هي وعد الله تعالى الذي وعد رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 27].



[1] متفق عليه: أخرجه البخاري (371)، ومسلم (1365).


[2] أخرجه البخاري (4213).


[3] أخرجه البخاري (4211).


[4] متفق عليه: أخرجه البخاري (4200)، ومسلم (1365).


[5] أي: بلغنا مبعثه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم حينها بمكة.


[6] متفق عليه: أخرجه البخاري (4230)، ومسلم (2502).


[7] أخرجه البخاري (4233).


[8] "زاد المعاد" (1/ 109).


[9] أخرجه مسلم (1411)، وأحمد (26841)، واللفظ له.


[10] متفق عليه: أخرجه البخاري (4230)، ومسلم (2502).


[11] أخرجه أحمد (8552)، والطيالسي (2713)، وابن حبان (7156)، والبيهقي في "الكبرى" (4020)، والحاكم في "المستدرك" (4337)، وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في "الصحيحة" (2965).


[12] سميت عمرة القضاء أو عمرة القضية؛ لأنها كانت قضاءً عن عمرة الحديبية، أو لأنها وقعت حسب المقاضاة - أي: المصالحة التي وقعت في الحديبية.


[13] لأنه اتفق عليها في صلح الحديبية.


[14] قال السهيلي: تسميتها عمرة القِصاص أولى؛ لأن هذه الآية نزلت فيها: ﴿ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ﴾ [البقرة: 194]؛ "فتح الباري" (7/ 571، 572).


[15] انظر ذلك الشرط في صلح الحديبية.


[16] قال ابن حجر: وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه بسند حسن عن ابن عمر قال: كانت عمرة القضية في ذي القعدة سنة سبع؛ اهـ "فتح الباري" (7/ 572)، وهو قول ابن إسحاق، وموسى بن عقبة.


[17] أخرجه البخاري (4251).


[18] انظر ذلك الشرط في صلح الحديبية.


[19] أخرجه الترمذي (2847)، والنسائي (2873)، وصححه الألباني في "مختصر الشمائل" (210).


[20] أخرجه البخاري (4256).


[21] الرَّمَل: الإسراع في السير مع تقارب الخطى.


[22] متفق عليه: أخرجه البخاري (4256)، ومسلم (1266).


[23] متفق عليه: أخرجه البخاري (4257)، ومسلم (1264).


[24] أخرجه البخاري (4255).


[25] أخرجه البخاري (4251).


[26] وخالتها هذه هي أسماء بنت عميس، وكانت زوجة جعفر بن أبي طالب، وقيل: ابنة حمزة هذه اسمها عمارة.


[27] قال زيد: ابنة أخي، بالمؤاخاة التي بينه وبين آل البيت.


[28] الحديث السابق.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣