خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/975"> الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/975?sub=4847"> مقدمات في العلوم الشرعية
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
مقدمات في العلوم الشرعية [27]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين, وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
مؤسس المذهب الظاهري وكتبه
فإن المذهب الظاهري قد اندرست كتبه، ولم يبقَ منها إلا بعض كتب الإمام ابن حزم رحمه الله, وأهمهما كتاب المحلى بالآثار, وهو اختصار لكتابه الكبير المجلى, وقد وجد أكثره مسوَّداً في صحفه ولم يروَ عنه, ولذلك حصل فيه بعض الأخطاء عن المؤلف رحمه الله, وسقط منه بعض الأبواب فوصلت، فإما أن يكون ولده اختصرها من كتاب المجلى فأضافها تحت عنوان إيصال, أي: إضافة على ما كتبه ابن حزم, أو أن يكون أحد طلابه فعل ذلك.
وقد تعرض ابن حزم في كتبه الأخرى لكثير من المباحث للمذهب الظاهرية, ومن أهم ذلك: أبحاثه في كتابه الإحكام في أصول الأحكام، وهو في أصول الفقه, والكتاب الصغير الذي اسمه النبذ في الأصول, وكذلك كتابه في العموم والخصوص في الأصول أيضاً, وبعض آراء الظاهرية تعرض لها في ردوده على اليهود والنصارى من أهل الكتاب عموماً, فله معهم مساجلات طويلة.
وقد ألف عدداً من الكتب لكن لأنه كان شديداً على المالكية في الأندلس تعصب عليه بعضهم، فأمر أحد السلاطين بإحراق كتبه, فأُحرق ما ليس فيه حديث من كتبه, فالكتب التي ليس فيها الحديث أحرقوها, مثل: الكتب الفلسفية والكلامية ونحو هذا, فأحرقوها ولم ينجُ منها إلا الفصل في الملل والنحل, وبعض كتبه الأدبية أحرقت أيضاً فلم ينجُ من كتبه الأدبية تقريباً إلا طوق الحمامة, وكذلك المفاضلة بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المسمى: المفاضلة بين الصحابة. وما سوى ذلك من كتبه أحرق, وفيه يقول هو رحمه الله:
فإن يحرقوا القرطاس لا يحرقوا الذي تضمنه القرطاس بل هو في صدري
يسير معي حيث استقلت ركائبي ويمكث إن أمكث ويدفن في قبري
ولا شك أن كتابه المجلى من كتب أهل العلم البارزة النافعة, لكن الإسبان وضعوه في النهر لما احتلوا قرطبة، فكان من الكتب التي وضعت في النهر فضاعت, وقد تلف في فعلتهم تلك الكثير من أمهات كتب الإسلام العظيمة جداً, ولم يبقَ منها إلا بقايا قليلة وضعوها في مكتبتهم الموجودة الآن باسم لوسكريال في مدريد.
ظاهرية المشرق
أما ظاهرية المشرق فقد كان حظهم من التعصب أكثر؛ لمعايشتهم الحنفية, وهم أولو دولة وسلطان, فلذلك لم يبقَ لكتبهم باقية, مع أن كثيراً منهم قد كان لهم مكانة علمية كبيرة، فـابن داود كان يجلس في مجلسه سبعون صاحب طيلسان، أي: سبعون عالماً يحضرون درسه, وحصلت له قصة عظيمة عجيبة جداً مع أحد الصوفية, وهي أنه دخل عليه في مجلسه وهو شاب صغير ما في وجهه لحية، وهو يدرس حوله سبعون صاحب طيلسان من مشاهير العلماء يكتبون عنه, وهو على كرسيه والناس مطرقون من حوله, فجلس الصوفي في ثيابه المتقشفة فسمع الدرس فأعجب به؛ لكنه خشي العجب على صاحبه, فأراد أن يعالج عنه ذلك، فلما انتهى قال له: أحسنت يا غلام, اسأل عما بدا لك, فضحك من حوله في المجلس فقال له هو: لا أسألك إلا عن الحجامة؟ يريد الاستهزاء به أن لباسه وشكله على هيئة حجام، فلا يسأل إلا عن الحجامة, فقال الصوفي: بسم الله, والحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد: فإن الحجامة فعالة للمصدر من حجم، وبدأ يتكلم عن اشتقاقها اللغوي ثم بعد ذلك عن تاريخ الحجامة، ثم عن مواضعها في البدن ثم عن الأمراض التي تعالجها ثم عن فوائدها وتنشيطها للبدن, ثم عن ما ورد فيها من النصوص الشرعية, ثم عن الخلاف الفقهي في الحجامة، هل تفطر الصائم, وهل تنقض الوضوء أم لا، وذكر أقوال أهل العلم وأدلتهم في المسألة, ثم عن الاشتغال بها وحكمه, وذكر الحديث الذي أخرجه أبو داود: ( وكسب الحجام خبيث )، وذكر علله وما يتعلق بإسناده وتراجم أهله, ثم ذكر ( أن النبي صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة وأعطاه صاعاً من تمر أو صاعين من تمر ). فجمع بين الحديثين بجمع بديع جداً، وعليه يعتمد الناس اليوم في الجمع بين الحديثين, وأتى بأشياء عجيبة جداً في الحجامة, ثم ذكر ما في التاريخ من الحجامين في الإسلام وقصصهم ومشاهيرهم, وذكر ما يتعلق بأدوات الحجامة ومشارطها، ثم الخلاف فيما يعفى عنه الدم بين الشرطات والشرطات, وما يمسح عليه من القرطاس الذي يوضع عليها, والفرق بين الحجامة والفصد, والآثار التي ترتب على الفصد, وما يعفى عنه من النجاسة من الدم عموماً, من دم الحجامة مطلقاً للحاجم والمحجوم.
وأطال الكلام في هذا الأمر والناس يتعجبون منه, ثم لما انتهى فإذا ابن داود مشدوه ينظر إليه بتعجب, وأتى بأشياء عجيبة كأنه حضرها من قبل وما حضر شيئاً، مع هذا أحاط بالموضوع من كل جوانبه, فسأله: من أين أنت؟ فقال: ما أنا إلا عبيد من عباد الله، لكني حضرت الدرس فوجدت به أي: أعجبت به, فخشيت عليك أن يحصل في نفسك ما حصل في نفسي. وأستغفر الله لي ولك, وانصرف وما رأوه، ورجع إلى مكانه.
فإن المذهب الظاهري قد اندرست كتبه، ولم يبقَ منها إلا بعض كتب الإمام ابن حزم رحمه الله, وأهمهما كتاب المحلى بالآثار, وهو اختصار لكتابه الكبير المجلى, وقد وجد أكثره مسوَّداً في صحفه ولم يروَ عنه, ولذلك حصل فيه بعض الأخطاء عن المؤلف رحمه الله, وسقط منه بعض الأبواب فوصلت، فإما أن يكون ولده اختصرها من كتاب المجلى فأضافها تحت عنوان إيصال, أي: إضافة على ما كتبه ابن حزم, أو أن يكون أحد طلابه فعل ذلك.
وقد تعرض ابن حزم في كتبه الأخرى لكثير من المباحث للمذهب الظاهرية, ومن أهم ذلك: أبحاثه في كتابه الإحكام في أصول الأحكام، وهو في أصول الفقه, والكتاب الصغير الذي اسمه النبذ في الأصول, وكذلك كتابه في العموم والخصوص في الأصول أيضاً, وبعض آراء الظاهرية تعرض لها في ردوده على اليهود والنصارى من أهل الكتاب عموماً, فله معهم مساجلات طويلة.
وقد ألف عدداً من الكتب لكن لأنه كان شديداً على المالكية في الأندلس تعصب عليه بعضهم، فأمر أحد السلاطين بإحراق كتبه, فأُحرق ما ليس فيه حديث من كتبه, فالكتب التي ليس فيها الحديث أحرقوها, مثل: الكتب الفلسفية والكلامية ونحو هذا, فأحرقوها ولم ينجُ منها إلا الفصل في الملل والنحل, وبعض كتبه الأدبية أحرقت أيضاً فلم ينجُ من كتبه الأدبية تقريباً إلا طوق الحمامة, وكذلك المفاضلة بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المسمى: المفاضلة بين الصحابة. وما سوى ذلك من كتبه أحرق, وفيه يقول هو رحمه الله:
فإن يحرقوا القرطاس لا يحرقوا الذي تضمنه القرطاس بل هو في صدري
يسير معي حيث استقلت ركائبي ويمكث إن أمكث ويدفن في قبري
ولا شك أن كتابه المجلى من كتب أهل العلم البارزة النافعة, لكن الإسبان وضعوه في النهر لما احتلوا قرطبة، فكان من الكتب التي وضعت في النهر فضاعت, وقد تلف في فعلتهم تلك الكثير من أمهات كتب الإسلام العظيمة جداً, ولم يبقَ منها إلا بقايا قليلة وضعوها في مكتبتهم الموجودة الآن باسم لوسكريال في مدريد.
أما ظاهرية المشرق فقد كان حظهم من التعصب أكثر؛ لمعايشتهم الحنفية, وهم أولو دولة وسلطان, فلذلك لم يبقَ لكتبهم باقية, مع أن كثيراً منهم قد كان لهم مكانة علمية كبيرة، فـابن داود كان يجلس في مجلسه سبعون صاحب طيلسان، أي: سبعون عالماً يحضرون درسه, وحصلت له قصة عظيمة عجيبة جداً مع أحد الصوفية, وهي أنه دخل عليه في مجلسه وهو شاب صغير ما في وجهه لحية، وهو يدرس حوله سبعون صاحب طيلسان من مشاهير العلماء يكتبون عنه, وهو على كرسيه والناس مطرقون من حوله, فجلس الصوفي في ثيابه المتقشفة فسمع الدرس فأعجب به؛ لكنه خشي العجب على صاحبه, فأراد أن يعالج عنه ذلك، فلما انتهى قال له: أحسنت يا غلام, اسأل عما بدا لك, فضحك من حوله في المجلس فقال له هو: لا أسألك إلا عن الحجامة؟ يريد الاستهزاء به أن لباسه وشكله على هيئة حجام، فلا يسأل إلا عن الحجامة, فقال الصوفي: بسم الله, والحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد: فإن الحجامة فعالة للمصدر من حجم، وبدأ يتكلم عن اشتقاقها اللغوي ثم بعد ذلك عن تاريخ الحجامة، ثم عن مواضعها في البدن ثم عن الأمراض التي تعالجها ثم عن فوائدها وتنشيطها للبدن, ثم عن ما ورد فيها من النصوص الشرعية, ثم عن الخلاف الفقهي في الحجامة، هل تفطر الصائم, وهل تنقض الوضوء أم لا، وذكر أقوال أهل العلم وأدلتهم في المسألة, ثم عن الاشتغال بها وحكمه, وذكر الحديث الذي أخرجه أبو داود: ( وكسب الحجام خبيث )، وذكر علله وما يتعلق بإسناده وتراجم أهله, ثم ذكر ( أن النبي صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة وأعطاه صاعاً من تمر أو صاعين من تمر ). فجمع بين الحديثين بجمع بديع جداً، وعليه يعتمد الناس اليوم في الجمع بين الحديثين, وأتى بأشياء عجيبة جداً في الحجامة, ثم ذكر ما في التاريخ من الحجامين في الإسلام وقصصهم ومشاهيرهم, وذكر ما يتعلق بأدوات الحجامة ومشارطها، ثم الخلاف فيما يعفى عنه الدم بين الشرطات والشرطات, وما يمسح عليه من القرطاس الذي يوضع عليها, والفرق بين الحجامة والفصد, والآثار التي ترتب على الفصد, وما يعفى عنه من النجاسة من الدم عموماً, من دم الحجامة مطلقاً للحاجم والمحجوم.
وأطال الكلام في هذا الأمر والناس يتعجبون منه, ثم لما انتهى فإذا ابن داود مشدوه ينظر إليه بتعجب, وأتى بأشياء عجيبة كأنه حضرها من قبل وما حضر شيئاً، مع هذا أحاط بالموضوع من كل جوانبه, فسأله: من أين أنت؟ فقال: ما أنا إلا عبيد من عباد الله، لكني حضرت الدرس فوجدت به أي: أعجبت به, فخشيت عليك أن يحصل في نفسك ما حصل في نفسي. وأستغفر الله لي ولك, وانصرف وما رأوه، ورجع إلى مكانه.
أما المذهب الإباضي فإن اعتمادهم في الحديث على مسند أبي الشعثاء جابر بن زيد, وهو من كبار التابعين من أصحاب ابن عباس, ومستندهم في الفقه على كتاب النيل وشروحه، فهو أهم كتاب في مذهبهم, وعليه شروح كثيرة, وله كتب مختصة يكتبونها عمن سواهم, ويدسونها في مخابئ لم تطبع إلى الآن، فلم يخرج من كتبهم المطبوعة التي تباع في الأسواق إلا كتاب النيل وشروحه, لكنهم في الجزائر وليبيا وتونس لهم كتب مخطوطة يتداولونها، ولا تعطى إلا لمن وصل مقاماً معيناً عندهم، فهو الذي يمكن أن يدرس تلك الكتب, وأن يطلع عليها.
وأما المذهب الجعفري فللإمامية عدد كبير من الكتب، من أشهرها كتاب شرائع الإسلام للحلي, وهم يعتمدون في الحديث على كتاب الكافي للكليني, وعلى بعض مروياتهم من كتب السابقين, واليوم يعتمدون على مؤلفات المتأخرين منهم، وهذه المؤلفات كثير منها بغير العربية؛ إما بالتركية وإما بالفارسية أو بغير ذلك, وقد طبع منها عدد من الكتب بالفارسية والتركية, ومن مراجعهم المشهورة الآن كتاب تحرير الوسيلة لآية الله العظمى الإمام الخميني, وقد ألف كتاباً آخر سماه: الحكومة الإسلامية, وتعرض فيه للأحكام العامة، كالولاية والإمامة وما يتعلق بها, وأتى فيه بنظريته المشهورة: ولاية الفقيه, وقد أصبح مجدداً في مذهبهم، ومع هذا لا يتفقون عليه، فليس هو المرجع الوحيد من مراجع الشيعة الإمامية، بل لهم مراجع كثيرة سواه.
وقد أدى التقارب في العراق بينهم وبين بعض أهل السنة إلى رجوعهم إلى بعض مراجع أهل السنة, فقد أصبحوا يعتمدون بعضها, وبالأخص كتب المفكرين المتأخرين، فأصبحوا يعتمدون عليها, ولهم كتب في التفسير تحوي أحكام القرآن، ومن أشهرها: تفسير الكشي وتفسير القمي وغيرهما من المفسرين.
أما المذهب الزيدي فإن أصل اعتماده على مسند الإمام زيد, وهذا المسند ليس من تأليف زيد نفسه، وإنما هو من تأليف بعض الذين جمعوا مروياته, ثم كان لأئمة الزيدية كتب كثيرة اشتهر منها كتاب الأزهار، وهو المختصر الذين يعولون عليه في فقههم كله، وعليه وضع الإمام الشوكاني كتابه المشهور: السيل الجرار على حدائق الأزهار, فأتى بالسيل لينسف هذه الحدائق, وأصل ذلك: أن أباه كان إماماً من أئمتهم، عالماً من علمائهم وقاضياً، فدرس عليه الشوكاني وهو صغير كتاب الأزهار، فلما بلغ فرائض الوضوء ذكر أن من فرائض الوضوء: غسل المخرجين، ودليل فرائض الوضوء قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6], فقال الشوكاني: إما أن يكون هذا ليس فرضاً من فرائض الوضوء, وإما أن يكون أسقط من الآية, فبهت أبوه، وقال له: يا بني عندما تكبر ستعرف دليل ذلك, فمن ذلك الوقت اهتم الشوكاني بكتاب الأزهار حتى وضع عليه هذا السيل الذي جرفه.
ومن الملاحظ في المذهب الزيدي أن كل مؤلف من المؤلفين عندهم لابد أن يأتي بابتكارات ومخالفات للمذهب، فيكون كتابه بمثابة مذهب مستقل, وتنتسب إليه طائفة، فكل طائفة تدرس كتاباً من كتبهم تنتسب إلى ذلك الكتاب وتجعله مذهباً مستقلاً, ولذلك فأئمتهم -أئمة الدولة اليمنية- ألفوا كتباً فكانت لهم طوائف تنتسب إلى تلك الكتب، كالهادوية والمهدوية والناصرية؛ الذين ينتسبون إلى الهادي والمهدي والناصر، من أئمة الدولة الزيدية في اليمن.
وقد وضعوا كتباً كثيرةً وبالأخص أئمة العترة؛ فعترة النبي صلى الله عليه وسلم آل البيت لهم كتب كثيرة جداً في المسائل الفقهية، وقد جددوا فيها فعلاً؛ لأن مذهبهم مذهب اجتهاد وليس مذهب تقليد, فالمذهب الزيدي مذهب يدعو إلى الاجتهاد ولا يدعو إلى التقليد، بخلاف كثير من المذاهب حتى مذاهب أهل السنة, ولذلك فإن كثيراً من أئمتهم إذا قرأت في كتبهم تجدهم يدعون إلى الخلاف الصارخ لما عليه مثل الزيدية؛ للاستدلال بحديث صححوه أو صححه غيرهم من أهل العلم, وليس لديهم من التعصب ما يمنعهم من قبول رواية من سواهم من أهل السنة, ولذلك رجع كثير من أئمتهم الكبار إلى الأحاديث الصحيحة لدى أهل السنة في مقابل بعض مروياتهم عنهم.
وبالأخص أن بعضهم قد تبحر في علم الرواية، فأصبحوا ينقدون روايات الشيعة ويبطلونهم, ومن مشاهير هؤلاء الإمام الأمير الصنعاني, وقد خرج من عقيدتهم بالكلية، فهم يعتقدون عقيدة المعتزلة, فهو خرج من عقيدتهم ورد عليهم, وكذلك ابن الوزير اليماني وقد خرج من عقيدتهم كذلك ورد عليهم, ونفس الشيء يمكن أن نصف الإمام الشوكاني مع أنه ينكر التقليد جملةً وتفصيلاً وألف في ذلك كتاباً, ويرى أنه لابد لكل طالب علم أو كل مهتم بالعلم أن يجتهد في دين الله، وألا يقلد أحداً إلا في الرواية فقط, فالدراية لا تقليد فيها, والرواية نحن مضطرون للتقليد فيها.
وعموماً فإن المذهب الزيدي على هذا يصعب وقفه بأنه مذهب واحد, بل يمكن أن ترى المذهب عبارةً عن طائفة من الكتب, وكل كتاب يخالف غيره من الكتب في بعض المسائل والجزيئات, ولهذا يكون لهم في المسألة الواحدة في بعض الأحيان خمسة مذاهب, مثل: طهارة الجلد بالدباغ؛ فللزيدية في هذه المسألة خمسة مذاهب, والمسألة فيها أحد عشر مذهباً لأهل العلم, وكذلك المسائل الأخرى التي فيها خلاف كثير، كالمسح على القدمين في الوضوء والمسح على الخفين, للزيدية في هذه المسائل أقوال كثيرة جداً. هذا عن هذه المذاهب الموجودة الآن وكتبها.
أما المذاهب المندرسة فلم يبقَ لها كتب تذكر، اللهم إلا ما يروى من جامع سفيان, وكتاب جامع سفيان الثوري هو جامع في الفقه, وقد تداوله الناس ونقلوه حتى وصل إلى بدايات القرن الثالث الهجري، وكان يروى في القيروان وتونس ثم ذهبت أخباره بعد ذلك, ولا نعلم عنه الآن أي شيء.
وكذلك كتب الليث بن سعد كانت تتداول في مصر زماناً حتى استقر بها الشافعي, فذهبت كتب الليث ولا يعرف لها أثر.
وكذلك كتب الأوزاعي فقد كانت تتداول في الشام وبالأخص في لبنان، ثم انتقلت إلى الأندلس واستقرت فيها زماناً، ثم ذهبت بالكلية من مجيء عبد الملك بن حبيب المالكي.
هذا عن الكتب المختصة المؤلفة في مذهب واحد.