خطب ومحاضرات
الأحزاب
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين, حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى, وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه, عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار, وعدد ما اختلف الليل والنهار, وعلى المهاجرين والأنصار.
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا علماً نافعاً, وارزقنا عملاً صالحاً, ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:
سنتحدث بإذن الله عن غزوة الأحزاب، فقد كان سببها أن يهود بني النضير بقيادة عدو الله حيي بن أخطب النضري قد تحرقت قلوبهم غيظاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فخرج وفد منهم وفيهم حيي بن أخطب النضري و سلام بن أبي الحقيق و كنانة بن الربيع حتى أتوا مكة فحرضوا المشركين على غزو المدينة, فقال لهم المشركون: يا معشر اليهود! أنتم أهل العلم بالكتاب الأول, نسألكم هل ديننا خير أم دين محمد؟
فقال لهم اليهود: بل دينكم خير من دين محمد, فأنزل الله عز وجل قوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا[النساء:51-52].
وبعض المستشرقين من اليهود ذم هذا الموقف, وهو الدكتور إسرائيل ويلفنسون قال: وما كان لليهود أن يتورطوا في مثل هذه الشهادة, بأن يفضلوا الوثنية العربية على التوحيد الإسلامي, مهما كان الخلاف الذي بينهم وبين محمد صلى الله عليه وسلم.
فاليهود بعد ذلك طافوا على قبائل العرب, غطفان وبني تميم وبني مرة والأحابيش, حتى تكون جيش قوامه عشرة آلاف مقاتل.
خرج المشركون من قريش وعددهم أربعة آلاف بقيادة أبي سفيان صخر بن حرب , وخرجت تميم بقيادة الأقرع بن حابس , وخرجت فزارة بقيادة عيينة بن حصن الذي يقال له: الأحمق المطاع, وخرج بنو مرة بقيادة الحارث بن عوف المري , وخرج غيرهم ومعهم أولئك اليهود الأخباث, ثم جاء حيي بن أخطب إلى صاحبه كعب بن أسد سيد بني قريظة فضرب عليه بابه, فأبى كعب أن يفتح له، وقال له: ارجع يا حيي فإنك امرؤ مشئوم, قال له: افتح فقد جئتك بعز الدهر. قال: بل جئتني بذل الدهر, ارجع فإني لم أر من محمد إلا وفاء وصدقاً, لكن عدو الله ما زال يخاذله ويفتل له في الذروة والغارب، ويقول له: جئتك بقريش مع قادتها وسادتها, وجئتك بغطفان مع قادتها وسادتها, وقد حلفوا ألا يرجعوا حتى يستأصلوا محمداً ومن معه, فهنا غلبت على كعب يهوديته وفتح لـحيي بن أخطب وتحالف معه على المسلمين, ولكن اشترط عليه أن يدخل معه في الحصن فيصيبه الذي يصيبه.
لما بلغ الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على عادته استشار الصحابة.
فإن قالوا: الخطة التي قالوها يوم أحد فإنه لا ينفع؛ لأنه لا يصلح أن يسمح لجيش كبير قوامه عشرة آلاف أن يدخل إلى المدينة.
وفي هذه الحالة لا بد أن يحولوا بينه وبين الدخول، فمن الناحية الغربية حرة واقم, ومن الناحية الشرقية حرة الوبرة, ومن الناحية الجنوبية ديار بني عمرو بن عوف في قباء وهي كثيرة النخل, ولا يمكن للمشركين أن يدخلوا من تلك النواحي, أما نقطة الضعف الوحيدة في المدينة فهي الناحية الشمالية؛ لأنها أرض منبسطة وفضاء, عندها أشار سلمان بأن يحفر خندق في تلك الناحية, فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون في حفر الخندق, وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحفر معهم بنفسه.
والحديث في الصحيحين عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: (
والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الأولى قد بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا
يمد صوته بآخرها صلى الله عليه وسلم ).
والمسلمون في ذلك الجو الإيماني يشتغلون في حفر الخندق رضوان الله عليهم، والنبي صلى الله عليه وسلم معهم حتى أتموا حفر الخندق, وكانوا يعانون من ثلاث مصائب عظيمة, يعانون من البرد الشديد, والجوع الشديد, والخوف الشديد, ومصيبة واحدة كافية, فلو أن شخصاً شبعان لكنه في البرد الشديد فإنها مصيبة, ولو كان الجو معتدلاً لكن البطن خاوية على عروشها فإنها مصيبة, ولو أن شخصاً شبعان دافئاً لكن هناك كلب عقور يكشر عن أنيابه وينبح ويقترب منه شيئاً فشيئاً فإن قلبه سيكون في حنجرته.
المهم أن المسلمين اجتمعت عليهم المصائب الثلاث وبلغت القلوب الحناجر, حتى جاء بعضهم يشكو للرسول صلى الله عليه وسلم: ( يرفع رداءه فإذا على بطنه حجر من شدة الجوع, فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رداءه فإذا على بطنه حجران ), رأى أبو طلحة رضي الله عنه هذا المنظر فذهب إلى زوجته وقال لها: ( إن الجوع قد بلغ من رسول الله كل مبلغ, هل عندك طعام؟ قالت: ما عندنا إلا عناق -عنز صغيرة- وقرصان من شعير, قال لها: اذبحي العناق واخبزي الشعير, فإني داع رسول الله صلى الله عليه وسلم, قالت: ادعه وادع معه رجلاً أو رجلين, يعني: لا تذهب وتأتيني بعشرة, فإنه لا يوجد من الأكل ما يشبعهم. فذهب أبو طلحة وكلم النبي صلى الله عليه وسلم في أذنه يعني: الغداء عندنا يا رسول الله! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: يا بلال ! أذن في الناس أن الغداء عند أبي طلحة ، فرجع أبو طلحة وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون, ثم أخبر امرأته أم سليم الصالحة الطيبة فقالت له: أنت دعوت الناس أم دعاهم رسول الله؟ قال: بل دعاهم رسول الله قالت: إذاً لن يضيعنا الله, وأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أبي طلحة : لا تنزل البرمة, فجاء صلى الله عليه وسلم فتفل في تلك القدر وقال ما شاء الله أن يقول ثم أخذ الشعير فهشمه وصب عليه من المرق, ووضع اللحم وقال: يا بلال ! ادع عشرة فأكلوا, ثم قال: ادع عشرة, ادع عشرة, يقول أبو طلحة : والذي بعث محمداً بالحق لقد أكل من طعامي ألف نفس وانصرفوا, وإن قدرنا لتفور, وإن عجيننا ليخبز ). يعني: لو جاء ألف آخرون لأكلوا.
أقام المشركون حول المدينة شهراً ثم بعد ذلك -إذا أراد الله أمراً هيأ له الأسباب- كان النبي صلى الله عليه وسلم منشغلاً بالدعاء ويقول: ( اللهم منزل الكتاب, مجري السحاب, هازم الأحزاب, اهزمهم وانصرنا عليهم )، يدعو بهذا الدعاء ويكرره عليه الصلاة والسلام.
تخذيل نعيم بن مسعود بين قريش ومن معها وبين بني قريظة
فقدر الله أن جاء رجل اسمه نعيم بن مسعود الأجدعي وقال: ( يا رسول الله! إني قد آمنت بك وصدقتك, وشهدت أن ما جئت به هو الحق, فمرني بأمرك, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنما أنت رجل واحد, فخذل عنا ما استطعت, فإن الحرب خَدعة ), أو: ( خُدعة ), كلتا الروايتين تصح, خَدعة اسم مرة, يعني بخَدعة واحدة تحسم الحرب, أو ( إن الحرب خُدعة ), مصدر, يعني: الحرب تعتمد على الخداع.
فذهب نعيم رضي الله عنه وجزاه الله عن الإسلام خيراً, وبدأ باليهود؛ لأنهم هم الحلقة الضعيفة، وقال لهم: يا معشر بني قريظة! تعلمون نصحي لكم, ومحبتي إياكم قالوا: نعم, وما أنت عندنا بمتهم, قال لهم: إنكم لستم كقريش, ولستم كغطفان, فإن القوم يوشك إن أصابوا من القوم غرة أن ينتهزوها, وإلا رجعوا إلى ديارهم وخلوا بينكم وبين الرجل, وما لكم به من طاقة, وإني أرى أن تبعثوا إليهم فتطلبوا منهم أن يدفعوا إليكم عشرين من قادتهم, حتى يكونوا رهناً بأيديكم لتضمنوا ألا يخلوا بينكم وبين الرجل, قالوا له: قد أشرت بالرأي, يعني: والله كلامك هذا عين الصواب.
ثم أسرع إلى قريش فقال لهم: يا معشر قريش! تعلمون محبتي لكم وحرصي عليكم, ونصحي إياكم, قالوا: نعم وما أنت عندنا بمتهم. قال لهم: إن قريظة قد ندموا على ما صنعوا, وراسلوا محمداً على أن يأخذوا عشرين من قادتكم وسادتكم رهائن ويدفعوا بهم إلى محمد ليحتز أعناقهم فلا تجيبوهم, فقال القرشيون: قد أشرت بالرأي.
ثم ذهب إلى غطفان فقال لهم مثلما قال لقريش, ثم إن قريشاً بعثوا وفداً إلى قريظة وقالوا لهم: قد طال بنا المقام, وإن البرد شديد, فهلموا لنناجز محمداً, فقال لهم اليهود: إن اليوم يوم السبت, وقد مسخ الله قوماً منا قد اعتدوا في السبت, وما نحن بمقاتلي محمد حتى تدفعوا إلينا عشرين من قادتكم يكونون رهناً بأيدينا, فإنا نخشى أن ترجعوا وتخلوا بيننا وبين الرجل, فهنا القوم نظر بعضهم إلى بعض وقالوا: ما قاله نعيم حق, فرجعوا إلى قومهم فبعثوا إلى اليهود بأننا لسنا بمسلميكم أحداً منا، فقال اليهود: إذاً ما قاله نعيم حق؛ فألقى الله بينهم العداوة والبغضاء.
مفاوضة رسول الله لغطفان وبني تميم على ثلث ثمار المدينة
وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد حاول أيضاً أن يزعزع صفوفهم ففاوض غطفان وبني تميم, أي: فاوض الأقرع بن حابس و عيينة بن حصن على أن يعطيهم ثلث ثمار المدينة, ثم شاور السعدين, والسعدان هما: سيد الأوس سعد بن معاذ , وسيد الخزرج سعد بن عبادة، قال القائل:
فإن يسلم السعدان يصبح محمد بمكة لا يخشى خلاف المخالف
أيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصراً ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف
أجيبا إلى داعي الهدى وتمنيا على الله في الفردوس منية عارف
فإن جنان الله للطالب الهدى جنان من الفردوس ذات رفارف
فشاور النبي صلى الله عليه وسلم السعدين وقال لهم: إني فاوضت هؤلاء الناس على كذا وكذا, وما بقي إلا التوقيع. فقال السعدان في أدب جم, وخلق رفيع: ( يا رسول الله! أهذا أمر من الله ما لنا فيه بد؟ أم شيء تحبه أنت فنصنعه؟ ) يعني: أم شيء تصنعه من أجلنا؟
وبعض كتاب السير قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن قاصداً أن يعطيهم شيئاً, وإنما أراد أن يختبر صبر الأنصار؛ لأنهم هم المتضررون, وهم أصحاب الأرض, وأصحاب الزرع رضي الله عنهم.
فقدر الله أن جاء رجل اسمه نعيم بن مسعود الأجدعي وقال: ( يا رسول الله! إني قد آمنت بك وصدقتك, وشهدت أن ما جئت به هو الحق, فمرني بأمرك, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنما أنت رجل واحد, فخذل عنا ما استطعت, فإن الحرب خَدعة ), أو: ( خُدعة ), كلتا الروايتين تصح, خَدعة اسم مرة, يعني بخَدعة واحدة تحسم الحرب, أو ( إن الحرب خُدعة ), مصدر, يعني: الحرب تعتمد على الخداع.
فذهب نعيم رضي الله عنه وجزاه الله عن الإسلام خيراً, وبدأ باليهود؛ لأنهم هم الحلقة الضعيفة، وقال لهم: يا معشر بني قريظة! تعلمون نصحي لكم, ومحبتي إياكم قالوا: نعم, وما أنت عندنا بمتهم, قال لهم: إنكم لستم كقريش, ولستم كغطفان, فإن القوم يوشك إن أصابوا من القوم غرة أن ينتهزوها, وإلا رجعوا إلى ديارهم وخلوا بينكم وبين الرجل, وما لكم به من طاقة, وإني أرى أن تبعثوا إليهم فتطلبوا منهم أن يدفعوا إليكم عشرين من قادتهم, حتى يكونوا رهناً بأيديكم لتضمنوا ألا يخلوا بينكم وبين الرجل, قالوا له: قد أشرت بالرأي, يعني: والله كلامك هذا عين الصواب.
ثم أسرع إلى قريش فقال لهم: يا معشر قريش! تعلمون محبتي لكم وحرصي عليكم, ونصحي إياكم, قالوا: نعم وما أنت عندنا بمتهم. قال لهم: إن قريظة قد ندموا على ما صنعوا, وراسلوا محمداً على أن يأخذوا عشرين من قادتكم وسادتكم رهائن ويدفعوا بهم إلى محمد ليحتز أعناقهم فلا تجيبوهم, فقال القرشيون: قد أشرت بالرأي.
ثم ذهب إلى غطفان فقال لهم مثلما قال لقريش, ثم إن قريشاً بعثوا وفداً إلى قريظة وقالوا لهم: قد طال بنا المقام, وإن البرد شديد, فهلموا لنناجز محمداً, فقال لهم اليهود: إن اليوم يوم السبت, وقد مسخ الله قوماً منا قد اعتدوا في السبت, وما نحن بمقاتلي محمد حتى تدفعوا إلينا عشرين من قادتكم يكونون رهناً بأيدينا, فإنا نخشى أن ترجعوا وتخلوا بيننا وبين الرجل, فهنا القوم نظر بعضهم إلى بعض وقالوا: ما قاله نعيم حق, فرجعوا إلى قومهم فبعثوا إلى اليهود بأننا لسنا بمسلميكم أحداً منا، فقال اليهود: إذاً ما قاله نعيم حق؛ فألقى الله بينهم العداوة والبغضاء.
وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد حاول أيضاً أن يزعزع صفوفهم ففاوض غطفان وبني تميم, أي: فاوض الأقرع بن حابس و عيينة بن حصن على أن يعطيهم ثلث ثمار المدينة, ثم شاور السعدين, والسعدان هما: سيد الأوس سعد بن معاذ , وسيد الخزرج سعد بن عبادة، قال القائل:
فإن يسلم السعدان يصبح محمد بمكة لا يخشى خلاف المخالف
أيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصراً ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف
أجيبا إلى داعي الهدى وتمنيا على الله في الفردوس منية عارف
فإن جنان الله للطالب الهدى جنان من الفردوس ذات رفارف
فشاور النبي صلى الله عليه وسلم السعدين وقال لهم: إني فاوضت هؤلاء الناس على كذا وكذا, وما بقي إلا التوقيع. فقال السعدان في أدب جم, وخلق رفيع: ( يا رسول الله! أهذا أمر من الله ما لنا فيه بد؟ أم شيء تحبه أنت فنصنعه؟ ) يعني: أم شيء تصنعه من أجلنا؟
وبعض كتاب السير قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن قاصداً أن يعطيهم شيئاً, وإنما أراد أن يختبر صبر الأنصار؛ لأنهم هم المتضررون, وهم أصحاب الأرض, وأصحاب الزرع رضي الله عنهم.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
تعريف الجهاد وأقسامه [1] | 2436 استماع |
بني قريظة وبني لحيان ومريسيع | 2389 استماع |
الحديبية وذي قرد وخيبر | 2301 استماع |
تعريف الجهاد وأقسامه [2] | 2270 استماع |
مقدمة في السيرة النبوية | 2158 استماع |
بني سليم وبني قينقاع | 2140 استماع |
أحد وحمراء الأسد [1] | 2119 استماع |
بدر الكبرى [2] | 2025 استماع |
الأبواء وبواط والعشيرة | 1985 استماع |
بدر الكبرى [1] | 1890 استماع |