التحديات التي تواجه المرأة


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى جعل الإنسان ممتحناً في هذه الدار التي هي دار عمل ولا جزاء، وجعل له فرصاً للسعي لنجاة نفسه في هذه الدار قبل أن ينتقل منها إلى الدار الآخرة، فللإنسان داران: دار الدنيا، وهي دار عمل ولا جزاء، والدار الآخرة وهي دار جزاء ولا عمل.

وهذه الدار الأولى سميت الدنيا إما أن يكون اسمها مشتقاً من الدنو؛ لقربها؛ فهي قبل الآخرة، أو أن يكون مشتقاً من الدناءة لأنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، لكنها مع ذلك هي مطية الآخرة، فما لم يتزود الإنسان من هذه الدار لن يجده أمامه: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ [آل عمران:30].

وقد جعل الله عز وجل للإنسان في هذه الحياة الدنيا ثلاث فرص للنجاة بنفسه من عذاب الله:

عمر الإنسان الشخصي

الفرصة الأولى: عمر الإنسان الشخصي، الذي بدأ بنفخ الروح فيه وهو جنين في بطن أمه، وينتهي بانتزاع الروح منه إذا أتى أجله؛ كما قال تعالى: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ [الأنعام:61]، فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34]، فما لم يفعله الإنسان في عمره هذا لا يمكن أن يجده، ونهاية هذا العمر مجهولة؛ فإن ساعة موت الإنسان إنما يعلمها ربه سبحانه وتعالى، ولا يمكن أن يطلع الإنسان عليها؛ لأن أحواله متفاوتة، فمن الناس من يموت في نومه، ومنهم من يموت في يقظته بفجأة، ومنهم من يصاب بمرض يكون سبباً لموته.. إلى غير ذلك؛ ولهذا قال الله تعالى: اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا المَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر:42].

عمر هذه الدنيا

ثم الفرصة الثانية هي: عمر هذه الدنيا؛ فإن لها نهاية حتمية، هي بإذن الله للملك في النفخ في الصور نفخة الفزع، التي يصعق الناس لها جميعاً، ويهتفون أربعين سنة، ثم ينفخ النفخة الثانية فإذا هم قيام ينظرون، وقد أخذ الملك الآن الصور فجعله في فيه وهو مصغ ليتاً؛ ينتظر الإذن، والساعة لا تأتيكم إلا بغته ولا يعلم إتيانها إلا الله عز وجل؛ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ [الأعراف:187].

وما لم يعمله الإنسان قبل قيام الساعة وقبل أشراطها الكبرى فإنه لا ينفعه؛ لقول الله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ [الأنعام:158].

التمكين بأنواع النعم

الفرصة الثالثة: ما مكننا الله فيه في هذه الدنيا من أنواع النعم؛ فقد أنعم الله علينا بأنواع النعم؛ فخلق أبانا آدم بيمينه ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وكرم ذريته بأنواع التكريم؛ فقال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [الإسراء:70]، فقد جعل الله هذا الجنس البشري خليفة في هذه الأرض، وجعله بين صنفين أحدهما أسمى منه، وهم الملائكة، والآخر أدنى منه وهو الحيوان البهيمي.

والملائكة شرفهم الله بالطاعات والتكاليف، ولم يمتحنهم بالشهوات؛ فالإنسان جمع الله له بين التكاليف والشهوات؛ فهو مكلف بتكاليف مبتلىً بالشهوات، والحيوان البهيمي سلط الله عليه الشهوات ولم يمتحنه بالتكاليف؛ فإذا أراد الإنسان أن يسمو ويرتفع فإن عليه أن يؤدي تكاليفه وأن لا يتبع الشهوات، وإذا أراد كذلك الالتحاق بالصنف الأدنى وهو الحيوان البهيمي؛ فإنه يتبع الشهوات ويضيع التكاليف.

الفرصة الأولى: عمر الإنسان الشخصي، الذي بدأ بنفخ الروح فيه وهو جنين في بطن أمه، وينتهي بانتزاع الروح منه إذا أتى أجله؛ كما قال تعالى: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ [الأنعام:61]، فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34]، فما لم يفعله الإنسان في عمره هذا لا يمكن أن يجده، ونهاية هذا العمر مجهولة؛ فإن ساعة موت الإنسان إنما يعلمها ربه سبحانه وتعالى، ولا يمكن أن يطلع الإنسان عليها؛ لأن أحواله متفاوتة، فمن الناس من يموت في نومه، ومنهم من يموت في يقظته بفجأة، ومنهم من يصاب بمرض يكون سبباً لموته.. إلى غير ذلك؛ ولهذا قال الله تعالى: اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا المَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر:42].

ثم الفرصة الثانية هي: عمر هذه الدنيا؛ فإن لها نهاية حتمية، هي بإذن الله للملك في النفخ في الصور نفخة الفزع، التي يصعق الناس لها جميعاً، ويهتفون أربعين سنة، ثم ينفخ النفخة الثانية فإذا هم قيام ينظرون، وقد أخذ الملك الآن الصور فجعله في فيه وهو مصغ ليتاً؛ ينتظر الإذن، والساعة لا تأتيكم إلا بغته ولا يعلم إتيانها إلا الله عز وجل؛ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ [الأعراف:187].

وما لم يعمله الإنسان قبل قيام الساعة وقبل أشراطها الكبرى فإنه لا ينفعه؛ لقول الله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ [الأنعام:158].

الفرصة الثالثة: ما مكننا الله فيه في هذه الدنيا من أنواع النعم؛ فقد أنعم الله علينا بأنواع النعم؛ فخلق أبانا آدم بيمينه ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وكرم ذريته بأنواع التكريم؛ فقال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [الإسراء:70]، فقد جعل الله هذا الجنس البشري خليفة في هذه الأرض، وجعله بين صنفين أحدهما أسمى منه، وهم الملائكة، والآخر أدنى منه وهو الحيوان البهيمي.

والملائكة شرفهم الله بالطاعات والتكاليف، ولم يمتحنهم بالشهوات؛ فالإنسان جمع الله له بين التكاليف والشهوات؛ فهو مكلف بتكاليف مبتلىً بالشهوات، والحيوان البهيمي سلط الله عليه الشهوات ولم يمتحنه بالتكاليف؛ فإذا أراد الإنسان أن يسمو ويرتفع فإن عليه أن يؤدي تكاليفه وأن لا يتبع الشهوات، وإذا أراد كذلك الالتحاق بالصنف الأدنى وهو الحيوان البهيمي؛ فإنه يتبع الشهوات ويضيع التكاليف.

لا بد للإنسان في هذه الحياة الدنيا من أزمات وامتحانات تواجهه، وهذه الأزمات هي التي يمحصه الله بها ويعرف مستوى إيمانه ومستوى طاعته، وقد جعلها الله امتحاناً لازماً لكل إنسان؛ قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم، ((الــم)) * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)) [العنكبوت:1-3]، فلا بد من هذا الافتتان، وهو سنة كونية مستمرة، لكن لله فيه حكماً عجيبة؛ فما يصيب الإنسان في هذه الحياة الدنيا من الامتحانات في طريق الحق منه ما هو تكفير لسيئاته وذنوبه ومنه ما هو رفع لدرجته ومنه ما هو تثبيت له على طريق الحق، وهذه التحديات يثبت الله فيها أقواماً فتكون قلوبهم بيضاء نقية لا تلتصق بها الفتن، ويصرف بها أقواماً آخرين لا يرتضي خدمتهم للدين ولا يرتضيهم للجنة؛ فيرتدون على وجوههم بعد أن يعرفوا الحق، كما قال تعالى: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا [الأعراف:146]، وكما قال تعالى: يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ [الذاريات:9]، وكما قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ المُبِينُ [الحج:11].

وهذه التحديات لا تختص بشريحة من شرائح البشر عن غيرها من الشرائح، بل كل الناس تعروهم هذه التحديات وتطالهم، لكن على كل شريحة أن تعرف ما يواجهها من التحديات؛ لتحذر أن تكتب على وجوهها في النار.

والمرأة كانت في القديم توصف بأنها نصف المجتمع، ولكن الواقع تغير؛ فالمرأة الآن أكثر من نصف المجتمع؛ فقد بين صلى الله عليه وسلم وقوع ذلك وحصوله في آخر الزمان؛ فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن بين يدي الساعة أياماً يظهر فيها الجهل، ويرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج، ويكثر فيها النساء ويقل الرجال؛ حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد ).

ولذلك فلا بد من التركيز على هذه الشريحة لكثرة ما يواجهها من التحديات التي من أعظمها أن هذه الشريحة في الأصل يستغلها أعداء الله عز وجل للصرف عن طريق الحق، وهي كذلك مبتلاة بقوة العاطفة التي كثيراً ما تؤثر على العقل وعلى المصلحة؛ فإن من كان قوي العاطفة؛ كثيراً ما يتأثر بعاطفته في أمر لا يصلح له عقلاً ولا شرعاً.

اهتمام الإسلام بالمرأة

فلهذا احتاج النساء إلى خصوصية فيما يتعلق بمطاولة التحديات، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك؛ فقد خطب يوم العيد فظن أنه لم يسمع النساء؛ فتوكأ على بلال فوقف على النساء فوعظهن وذكرهن، وقال: ( يا معشر النساء! تصدقن فإن رأيتكن أكثر أهل النار؛ فقالت امرأة: ولم يا رسول الله؟ أيكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير؛ لو أحسنت إلى أحداهن الدهر ثم رأت منك سوءاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط! ).

وكذلك فإن واحدة من النساء حين أتته صلى الله عليه وسلم فقالت: ( يا رسول الله! إن إخواننا من الرجال قد غلبونا عليك فاجعل لنا يوماً من نفسك؛ اجعل لهن يوم الخميس؛ فكن يجتمعن إليه فيعظهن ويعلمهن )، وكان فيما قال لهن: ( ما من امرأة يموت لها ثلاثة من الولد لم يبلغوا حجاباً إلا كانوا لها حجاباً من النار، فقالت امرأة: واثنين؟ فقال: واثنين )، وكذلك سألنه عن التصدق على أزواجهن فأرشدهن إلى ذلك وبين أن في ذلك صدقة وصلة.

نماذج لتأثير المرأة في صناعة الرجال ودورها في المجتمع

كل هذا يدلنا على أن هذه الشريحة ينبغي أن يعتنى بها عناية بالغة، وأن في إصلاحها إصلاحاً للمجتمع فيما سواها؛ فإن أهل بيت إذا صلحت منه امرأة واحدة بالإمكان أن تصلح البيت بكامله، وإذا فسدت بالإمكان أن تغوي البيت بكامله، ولاحظوا أن أم سليم بنت ملحان رضي الله عنها كانت سر فلاح بيتها، وهي التي أتت بـأنس بن مالك وهو في العاشرة من عمره، وهو ولدها اليتيم، الوحيد، فجاءت به إلى رسول الله فقالت: ( يا رسول الله! هذا خويدمك، أنس يخدمك ) ثم سعت لإسلام ابن عمها أبي طلحة الأنصاري ودفعته إلى الإسلام دفعاً حتى أسلم، وكان صوته في الجيش خيراً من فئة أو من مائة، كما في الحديث، وكان لها منه عشرة من الولد اشتهروا بالعلم والصلاح، وكان بعضهم من مشاهير الصحابة، وبعضهم من مشاهير التابعين.

وهكذا؛ فالنساء المؤثرات يصلحن ما وراءهن؛ ولذلك فإن القاعدة الغربية التي تقول: (وراء كل عظيم امرأة) جرب صدقها في كثير من الأحيان، فإن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ما أقدم على كثير من بطولاته إلا بتحديث أسماء أمه له، وهي التي قالت له: (يا بني! إن الشاة لا يؤلمها السلخ بعد الذبح؛ فإن كنت على الحق فاصبر عليه حتى تلقى الله). وكذلك الخنساء هي التي شجعت أولادها على الشهادة في سبيل الله حتى استشهدوا جميعاً في موقعة واحدة، ويقول أحدهم:

يا إخوتي! إن العجوز الناصحة قد ناصحتنا إذ دعتنا البارحة

وكذلك الزبير بن العوام حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يوزن بألف رجل، ما تربى هذه التربية إلا بفعل أمه صفية بنت عبد المطلب ؛ فقد تربى يتيماً في أحضانها؛ فكانت تعوده على كبريات الأمور في صغره وكانت تضربه وتشتد في معاقبته إذا أخطأ، فكان أعمامه ينكرون عليها؛ فكانت تقول:

من خالني أبغضه فقد كذب وإنما أضربه لكي يلب

ويهزم الجيش ويأتي بالسلــب

وأتاها رجل من أعدائه ذات يوم يسأل عنه فقال: أين الزبير ؟ فقالت: خرج إلى النخل فاذهب إليه؛ فذهب إليه فلم تنشغل صفية لعلمها أن الزبير يكفي نفسه، فما مكثت إلا فترة يسيرة حتى جاء الزبير يحمل الرجل على كتفه قد شده وتافه؛ فوضعه فجاءت صفية فقرعته بعود في يدها، فقالت:

كيف وجدت زبرا؟

أعسلاً وتمراً

أم أسداً هزبراً؟!

وكذلك فإن أم الإمام مالك رحمه الله يقول: إنها كانت السبب في علمه؛ فقد كان في خباه لا يشتغل بالعلم، فقالت له أمه: اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل أن تتعلم من علمه، قال: فجمعت دراهم فوضعتها في صرة واشترت لي ملابس بيضاً وعممتني بعمامة وقالت: اذهب إلى الحلقة ولا ترجع إلي حتى تكون سيد الحلقة.

وكذلك أم محمد بن إسماعيل البخاري وقد كانت من الصالحات المستجابات الدعاء، لقد تربى في أحضانها يتيماً ليس له أخ ولا أخت، فأصيب بالجدري فعمي وهو في الرابعة من عمره، كف بصره، لكن أمه لم تيأس أن يكون ولدها هذا إمام من أئمة المسلمين وأمير للمؤمنين في الحديث؛ فكانت تجتهد في الصدقة والدعاء وفي قيام الليل، يقول: أيقظتني ذات ليلة فقالت: قم وأبشر! فإني كنت أدعو أن يرد الله عليك بصرك فأخبرت في نومتي هذه بالإجابة؛ فأصبح وقد رد الله عليه بصره، ثم خرج في طلب الحديث فقالت له: إن مغزلي كاف بجمع ما تحتاج إليه من الدنيا، فكانت تعمل بمغزلها وتجمع له كل ما يحتاج إليه من الدراهم والدنانير، فيشتري الكتب ويسافر الأسفار حتى لم تبق مدينة في العالم فيها من يشتهر بعلم الحديث أو العلم إلا دخلها وأخذ عنه.

مجال التنافس بين حزب الله وحزب الشيطان

وهكذا كثير من النساء كن وراء كثير من العباقرة والسادة والقادة في أمتنا الإسلامية؛ لهذا كان التركيز على النساء من لدن أعداء الحق أيضاً تركيزاً عظيماً، والجميع يعرف أن مجال التنافس في هذه الحياة الدنيا بين حزب الله وحزب الشيطان في العامل البشري؛ فحزب الله لا ينافس على الدنيا ولا على المال ولا على السلطة ولا على الشهرة، بل لا يزن هذه الأمور بأي ميزان، لكن إنما ينافس على البشر؛ فهو يريد هداية أكبر قدر ممكن من البشر، وحزب الشيطان يريد إغواء أكبر قدر ممكن من البشر، ومن هنا فمجال التنافس هو البشر؛ لذلك فإن حزب الشيطان لا يجد مجموعة من البشر أياً كانت إلا حاول إغواءها أو أن يزرع فيها من يفسد فيها ويهلك الحرث والنسل، وهذه سنة حزب الشيطان دائماً، وفي المقابل لا بد أن يقع الدفع؛ لأن من سنة الله أن يبقى التدافع مستمراً في هذه الأرض بين حزب الله وحزب الشيطان ولو توقف هذا التدافع لحظة واحدة لفسدت الأرض، كما قال الله تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ [البقرة:251].

وجوب الاهتمام بالتحديات التي تواجه المرأة المسلمة وخاصة في عصر الفتن

لذلك كان لزاماً علينا أن نهتم بالتحديات التي تواجه المرأة المسلمة وبالأخص في عصرنا هذا الذي له خصوصيته؛ فنحن في آخر الأمم وكذلك في آخر هذه الأمة، وكذلك في وسط الفتن التي بين النبي صلى الله عليه وسلم حصولها ووقوعها، فقد صح عنه أنه قال: ( إن بين يدي الساعة أياماً يكثر فيها الهرج )، وبين كذلك: ( إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم؛ يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا )، وكذلك بين صلى الله عليه وسلم ما يخرج بين يدي الدجال من الدجاجلة، ونبه إلى ضرورة المبادرة بالأعمال الصالحة قبل حصول ذلك، فقد أخرج الترمذي في السنن وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بادروا بالأعمال ستاً؛ فهل تنتظرون إلا غنىً مطغياً أو فقراً منسياً أو مرضاً مضنياً أو هرماً مفنداً أو الدجال فـالدجال شر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر )؛ فلذلك لا بد من المبادرة بالأعمال الصالحة في هذه الأمور كلها وهي من التحديات المقبلة التي لا بد أن تقع.


استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
خطورة المتاجرة بكلمة الحق 4830 استماع
بشائر النصر 4289 استماع
أسئلة عامة [2] 4132 استماع
المسؤولية في الإسلام 4060 استماع
كيف نستقبل رمضان [1] 4000 استماع
نواقض الإيمان [2] 3947 استماع
عداوة الشيطان 3934 استماع
اللغة العربية 3931 استماع
المسابقة إلى الخيرات 3907 استماع
القضاء في الإسلام 3897 استماع