شرح سنن ابن ماجه المقدمة [11]


الحلقة مفرغة

شرح حديث علي في الخوارج

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: في ذكر الخوارج.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا إسماعيل بن علية، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال، وذكر الخوارج. فقال: (فيهم رجل مخدج اليد أو مودن اليد أو مثدون اليد. ولولا أن تبطروا لحدثتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم)، قلت: أنت سمعته من محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: إي ورب الكعبة! ثلاث مرات ].

هذا فيه ذم الخوارج، والخوارج هم الذين خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه في خلافته، وأنكروا عليه وقاتلوه، فقاتلهم رضي الله عنه وقتلهم، وهم عباد، أي: عندهم عبادة عظيمة، لكن لهم رأي فاسد، يكفرون المسلمين بالمعاصي.

وسبب خروجهم هو أنهم حصلت لهم هذه الشبهة، وصاروا يكفرون المسلمين بالمعاصي، فمن ارتكب الكبيرة كفر عندهم، فالزاني يكفرونه، وكذا السارق وشارب الخمر ونحوهم، فأنكر عليهم الصحابة، وأنكر عليهم علي رضي الله عنه وقاتلهم حتى قتلهم، وحصل بينه وبينهم معارك.

والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن آيتهم: هذا الرجل مخدج اليد أو مثدون اليد يعني: ناقص اليد، أي: إحدى يديه ليس في طرفها سوى لحمة فيها شعيرات، ولما حصل بين علي رضي الله عنه وبينهم قتال فتشوا في القتلى حتى وجدوه، فكبر علي رضي الله عنه.

والخوارج جاءت فيهم أحاديث صحيحة متواترة، وهم عباد، لكن عندهم هذه العقيدة الفاسدة، وهي أنهم يكفرون المسلمين بالمعاصي، ويحملون الآية التي في الكفرة على عصاة المسلمين.

قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يحقر أحدكم صلاته عند صلاتهم، وصيامه عند صيامهم) فهم يصلون الليل ويتأوهون ويبكون، ويصومون النهار، وهم شجعان في القتال، فلا أحد يقف أمامهم، لكن عندهم العقيدة الخبيثة، يقول فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية).

يقول علي رضي الله: (لولا أن تبطروا لحدثتكم بما وعد الله من قتلهم) يعني: من الأجر والثواب الذي يكون لمن قتلهم.

ومن العلماء من قال في الخوارج: إنهم كفار، وسيأتي ذكر الأحاديث في الخوارج والحكم فيهم، ومن كفرهم معناه: أنه لا يصلى خلفهم، ومن لم يكفرهم قال: إن الصلاة خلفهم صحيحة، والإباضية طائفة من الخوارج، والخوارج هم ما يقارب من اثنتين وعشرين فرقة، وكذلك الشيعة.

شرح حديث: (يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان...)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعبد الله بن عامر بن زرارة، قالا: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن زر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول الناس، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون عن الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، فمن لقيهم فليقتلهم، فإن قتلهم أجر عند الله لمن قتلهم) ].

وهذا الحديث جاء معناه في الصحيح، وفيه وصف الخوارج، وأنهم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام.

ومعنى: (حدثاء الإسلام) أي: صغار السن، ومعنى: (سفهاء الأحلام) أي: عقولهم ضعيفة، (يقولون من خير قول الناس) وفي اللفظ الآخر في الصحيح: (يقولون من قول خير البرية).

وقوله: (يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم)، وفي لفظ آخر: (لا يجاوز تراقيهم) وفي اللفظ الآخر:: (لا يوجد حناجرهم)، وفي لفظ آخر: (يحقر أحدكم صلاته عند صلاتهم، وصيامه عند صيامهم، يمرقون من الدين)، وفي لفظ: (يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية).

وقوله: (فمن لقيهم فليقتلهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله)، وفي لفظ آخر: (فإن لقيتهم لأقتلهم قتل عاد).

وجمع من أهل العلم على كفر الخوارج، قالوا: هذا يدل على كفرهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية)، وفي اللفظ الآخر: (يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون إليه).

وشبههم بقوم عاد وهم كفرة، وأمر بقتلهم وقال: (يمرقون من الإسلام)، وذكر في اللفظ الآخر أن من أوصافهم: (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان).

وجمهور العلماء على أنهم مبتدعة، والصحابة عاملوهم معاملة المبتدعة، فالجمهور قالوا: إنهم متأولون فلا يكفرون، واستدلوا بقول علي رضي الله عنه لما سئل: أكفار هم؟ قال: (من الكفر فروا)، فالصحابة عاملوهم معاملة المبتدعة، وأيضاً وردت عنه روايتان رواية بكفرهم ورواية بعدم كفرهم.

فالجمهور على أنهم مبتدعة، والصحابة عاملوهم معاملة المبتدعة ولم يعاملوهم معاملة الكفار، والقول بالكفر قول قوي؛ لهذه الأحاديث.

ومن عنده علم له أن يناظرهم كما فعل علي رضي الله عنه، عند أن أذن لـابن عباس أن يناظرهم، وخطب فيهم ابن عباس حتى رجع أكثرهم، أي: مجموعة كبيرة من الخوارج استفادوا من خطبة ابن عباس ورجعوا، والباقي استمروا فقاتلهم علي رضي الله عنه.

قال المحقق في إسناد هذا الحديث: إسناده حسن، من أجل أبي بكر بن عياش ، وعاصم هو ابن بهدلة .

ومعنى هذا الحديث ثابت في الصحيحين.

وهنا قال: (يخرج في آخر الزمان)، وفي الصحيح: (يخرج قوم) وهذا اللفظ -أي: (في آخر الزمان)- فيه احتمال أن الذين خرجوا في زمان علي هم في آخر الزمان؛ لأن هذه الأمة هي آخر الأمم.

والذين خرجوا في زمان علي رضي الله عنه لهم أتباع إلى يوم القيامة يعتقدون عقيدتهم ويكفرون المسلمين بالمعاصي ويرون الخروج عليهم على ولاة الأمور، ولا يرون البيعة لولاة الأمور، وإنما يرون الخروج عليهم؛ لأنهم يكفرون بالمعاصي، ولا يرون البيعة، ولهذا في زمان الدولة الأموية وجدت فرق من الناس كثيرة متعددة قاتلوا الخوارج، وقاتلهم الحجاج بن يوسف سنين.

والخوارج أصلهم وأولهم هو الذي اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له: (اعدل يا محمد! فإنك لم تعدل! قال: ويحك! فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟ فاستأذن خالد رضي الله عنه في قتله قال: دعه فإنه يخرج من ضئضئي هذا قوم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وصيامكم إلى صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية).

والخوارج يقابلهم المرجئة، ولا يقارن بينهم، فكل منهما له عقيدة، والمرجئة طبقات، فالمرجئة الغلاة كفرة، وهم الجهم بن صفوان وأتباعه، وهناك مرجئة الفقهاء وهم أبو حنيفة وأصحابه المتأخرون.

شرح حديث أبي سعيد في وصف الحرورية

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة قال: قلت لـأبي سعيد الخدري رضي الله عنه: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر في الحرورية شيئاً؟ فقال: (سمعته يذكر قوماً يتعبدون يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصومه مع صومهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، أخذ سهمه فنظر في نصله فلم ير شيئاً، فنظر في رصافه فلم ير شيئاً، فنظر في قدحه فلم ير شيئاً، فنظر في القذذ فتمارى هل يرى شيئاً أم لا) ].

وهذا فيه بيان خروجهم من الإسلام، وأنهم يمرقون مروقاً شديداً كما يمرق السهم من الرمية، فإنه إذا دخل السهم في الرمية في الطائر أو في غيره ثم خرج بسرعة من شدة السرعة ما يكون فيه شيء من الدم، ينظر في نصلة في حديدة السهم في ريشة السهم فلا يرى فيها شيئاً من الدم؛ لشدة خروجه وسرعته، فهؤلاء يمرقون من الإسلام مروقاً سريعاً كما يمرق السهم من الرمية، وإذا نظرت في السهم فلا تجد فيه أثراً للدم؛ لشدة خروجه وسرعة خروجه.

والحديث فيه أنهم قوم عباد؛ ولهذا قال: (يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم)، يعني: إذا رأيت أحدهم يصلي الليل ويتعبد ساعتين.. ثلاثاً.. أربعاً.. خمساً.. تقول: أنا ما عندي شيء، فتحقر صلاتك عند صلاتهم، وإذا رأيت أحدهم يصوم النهار ويواصل الصيام تحقر صيامك عند صيامهم، وهكذا تجد أحدهم يقرأ القرآن كثيراً، لكن عندهم هذه العقيدة الخبيثة، وهي تكفير المسلمين وقتالهم، ولذلك يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان.

ومن كفرهم كفرهم لهذه الأحاديث ونحوها، ومن لم يكفرهم قال: إنهم متأولون، وإنهم قوم عباد.

شرح حديث: (إن بعدي من أمتي قوماً يقرءون القرآن لا يجاوز حلوقهم...)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو أسامة، عن سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بعدي من أمتي أو سيكون بعدي من أمتي قوماً يقرءون القرآن لا يجاوز حلوقهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، هم شرار الخلق أو الخليفة).

قال عبد الله بن الصامت: فذكرت ذلك لـرافع بن عمرو أخي الحكم بن عمرو الغفاري فقال: وأنا أيضاً قد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ].

قوله: (يمرقون من الدين كما يمرقون من الإسلام، ثم لا يعودون إليه) احتج بهذا من كفرهم وقال: هذا دليل على كفرهم؛ لأنهم يمرقون ولا يعودون إليه، وكذلك قوله: (لأقتلنهم قتل قتل عاد)، فإنه شببهم بعاد وهم قوم كفار.

شرح حديث: (ليقرأن القرآن ناس من أمتي يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وسويد بن سعيد، قالا: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليقرأن القرآن ناس من أمتي يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية) ].

وهذا الحديث فيه سماك ، ورواية سماك عن عكرمة مضطربة، لكن الحديث ثابت من طرق أخرى ومعناه صحيح.

شرح حديث: (كان رسول الله بالجعرانة وهو يقسم التبر والغنائم..)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن الصباح أنبأنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة وهو يقسم التبر والغنائم، وهو في حجر بلال ، فقال رجل: اعدل يا محمد! فإنك لم تعدل! فقال: ويلك ومن يعدل بعدي إذا لم أعدل؟! فقال عمر رضي الله عنه: دعني يا رسول الله! حتى أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا في أصحاب -أو أصيحاب- له يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) ].

نسأل الله العافية، وهذا أصل الخوارج، أي: الذي اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أنه منافق وأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك قتله، أو أنه من شدة وجده لما لم يعطه شيئاً من الغنائم قال ذلك.

والتبر هو الذهب الذي لم يضرب، يقال له: تبر، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم الغنائم تألفاً للإسلام، وعلى حسب مصلحة الإسلام والمسلمين، وهذا الرجل -والعياذ بالله- اغتاظ وقال: (اعدل يا محمد!)، وفي اللفظ الآخر: (فهذه قسمة ما أريد بها وجه الله) فقال صلى الله عليه وسلم: (ويلك! من يعدل إذا لم أعدل)، وفي اللفظ الآخر: (ومن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله)، وفي اللفظ الآخر: (يأتيني خبر السماء صباحاً ومساء).

ثم بين أنه يخرج من شبه هذا أو أصحاب لهذا الخوارج الذين يقرءون القرآن ولا يجاوز حناجرهم، فقال: (إن هذا في أصحاب له يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية).

شرح حديث: (الخوارج كلاب أهل النار)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا إسحاق الأزرق، عن الأعمش، عن ابن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الخوارج كلاب النار) ].

وهذا الحديث ضعيف للانقطاع بين الأعمش وابن أبي أوفى؛ فإن الأعمش ما أدرك عبد الله بن أبي أوفى، فيكون الحديث منقطعاً، لكن قد جاء له شاهد.

شرح حديث: (ينشأ نشء يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم...)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هشام بن عمار، حدثنا يحيى بن حمزة، حدثنا الأوزاعي، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ينشأ نشء يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما خرج قرن قطع ] قال ابن عمر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ كلما خرج قرن قطع ] أكثر من عشرين مرة، [ حتى يخرج في عراضهم الدجال) ].

يعني: أن الخوارج يتأخرون، وأنهم يستمرون حتى وقت خروج الدجال ، فيخرج في عراضهم، يعني: في خداعهم. أي: أن آخرهم يقابله ويناظره، وفي بعض النسخ: (أعراضهم) وهو جمع عرض بفتح فسكون، بمعنى: الجيش العظيم، وهو مستعار من العرض، بمعنى: ناحية الجبل.

فالخوارج يستمرون حتى يخرج في زمانهم الدجال.

شرح حديث: (يخرج قوم في آخر الزمان أو في هذه الأمة يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم...)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا بكر بن خلف أبو بشر، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج قوم في آخر الزمان، أو في هذه الأمة، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم أو حلوقهم، سيماهم التحليق، إذا رأيتموهم أو إذا لقيتموهم فاقتلوهم) ].

أي: أن من أوصافهم ومن سيماهم التحليق، يعني: حلق الرأس، فهم يشددون في حلق الرأس، ويتعبدون بحلقه. وفي صفة الرجل الذي اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث: (رجل ناتئ الوجه ناتئ الجبين محلوق الرأس).

فاعترض على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (اعدل يا محمد!) وهو على طريقتهم، وفي الحديث وصف هذا الرجل بأنه ناتئ الجبين محلوق الرأس، فهم يشددون في حلق الرأس، ويتعبدون بحلق الشعر، ويوجبون حلق شعر الرأس، فيستأصلون الشعر، فسيماهم التحليق، والحلق لا بأس به، وإن كان ترك الشعر سنة، كما قال الإمام أحمد : سنة حسنة لو أمكننا اتخذناه، لكن له كلفة ومشقة، لكن الحلق لا بأس به، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إنما يحلق في الحج والعمرة، لكن هؤلاء يتشددون في حلق الرأس واستئصال الشعر، ويتعبدون بحلق الرأس، فصار علامة لهم، فعلامتهم: التحليق.

شرح حديث أبي أمامة في شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء وخير قتيل

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سهل بن أبي سهل، حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي غالب، عن أبي أمامة رضي الله عنه يقول: (شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء، وخير قتيل من قتلوا، كلاب أهل النار، قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفاراً)، قلت: يا أبا أمامة ! هذا شيء تقوله؟ قال: بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ].

قوله: (شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء) يعني: الخوارج، فشر من قتل تحت أديم السماء هم الخوارج، وخير من قتل من قتلوه، فمن قتلوه فهو خير قتيل؛ لأنه شهيد، ومن قتل منهم فهو شر قتيل؛ لاعتقادهم الفاسد.

وقوله: (كلاب أهل النار) خبر لمبتدأ محذوف، يعني: هم كلاب أهل النار.

ثم قال: [ (قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفاراً، قلت: يا أبا أمامة ! هذا شيء تقوله؟ قال: بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم) ].

وقوله: (قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفاراً) هذه اللفظة في ثبوتها نظر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو صحت فإن الجمهور تأولوها على أن المراد: كفر أصغر لا يخرج من الملة، لكن وإن قال المحققون: إن هذا الحديث صحيح السند، فإن هذه اللفظة في ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم نظر.

وفيها ركاكة فتحتاج إلى تأمل، وما أظنه يخلو من المقال. ما أظن هذا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: في ذكر الخوارج.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا إسماعيل بن علية، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال، وذكر الخوارج. فقال: (فيهم رجل مخدج اليد أو مودن اليد أو مثدون اليد. ولولا أن تبطروا لحدثتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم)، قلت: أنت سمعته من محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: إي ورب الكعبة! ثلاث مرات ].

هذا فيه ذم الخوارج، والخوارج هم الذين خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه في خلافته، وأنكروا عليه وقاتلوه، فقاتلهم رضي الله عنه وقتلهم، وهم عباد، أي: عندهم عبادة عظيمة، لكن لهم رأي فاسد، يكفرون المسلمين بالمعاصي.

وسبب خروجهم هو أنهم حصلت لهم هذه الشبهة، وصاروا يكفرون المسلمين بالمعاصي، فمن ارتكب الكبيرة كفر عندهم، فالزاني يكفرونه، وكذا السارق وشارب الخمر ونحوهم، فأنكر عليهم الصحابة، وأنكر عليهم علي رضي الله عنه وقاتلهم حتى قتلهم، وحصل بينه وبينهم معارك.

والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن آيتهم: هذا الرجل مخدج اليد أو مثدون اليد يعني: ناقص اليد، أي: إحدى يديه ليس في طرفها سوى لحمة فيها شعيرات، ولما حصل بين علي رضي الله عنه وبينهم قتال فتشوا في القتلى حتى وجدوه، فكبر علي رضي الله عنه.

والخوارج جاءت فيهم أحاديث صحيحة متواترة، وهم عباد، لكن عندهم هذه العقيدة الفاسدة، وهي أنهم يكفرون المسلمين بالمعاصي، ويحملون الآية التي في الكفرة على عصاة المسلمين.

قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يحقر أحدكم صلاته عند صلاتهم، وصيامه عند صيامهم) فهم يصلون الليل ويتأوهون ويبكون، ويصومون النهار، وهم شجعان في القتال، فلا أحد يقف أمامهم، لكن عندهم العقيدة الخبيثة، يقول فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية).

يقول علي رضي الله: (لولا أن تبطروا لحدثتكم بما وعد الله من قتلهم) يعني: من الأجر والثواب الذي يكون لمن قتلهم.

ومن العلماء من قال في الخوارج: إنهم كفار، وسيأتي ذكر الأحاديث في الخوارج والحكم فيهم، ومن كفرهم معناه: أنه لا يصلى خلفهم، ومن لم يكفرهم قال: إن الصلاة خلفهم صحيحة، والإباضية طائفة من الخوارج، والخوارج هم ما يقارب من اثنتين وعشرين فرقة، وكذلك الشيعة.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن ابن ماجه المقدمة [12] 2220 استماع
شرح سنن ابن ماجه المقدمة [16] 2216 استماع
شرح سنن ابن ماجه المقدمة [9] 2140 استماع
شرح سنن ابن ماجه المقدمة [10] 2070 استماع
شرح سنن ابن ماجه المقدمة [2] 2027 استماع
شرح سنن ابن ماجه المقدمة [4] 1898 استماع
شرح سنن ابن ماجه المقدمة [18] 1794 استماع
شرح سنن ابن ماجه المقدمة [6] 1775 استماع
شرح سنن ابن ماجه المقدمة [1] 1749 استماع
شرح سنن ابن ماجه المقدمة [8] 1698 استماع