مقدمة في التفسير - موضوع سورة الفاتحة


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.

سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أخواتي الكريمات! كنا نتدارس مقدمة لتفسير سورة الفاتحة، وهذه المقدمة قلت: تتعلق بتفسير سورة الفاتحة وترتبط بها وهي بمثابة إثبات شخصية هذه السورة الكريمة، وكل سورة يدرسها الإنسان ينبغي أن يحيط بهذه المعالم نحوها، وقلت: هذه المعالم التي تثبت شخصية كل سورة وتميزها عن غيرها ستة معالم:

أولها: أين نزلت، وثانيها: موضوعها، وثالثها: فضلها، ورابعها: أسماؤها، وخامسها: عدد آياتها وسادسها: صلتها بما سبقها وبما يأتي بعدها.

والمعلم الأول من هذه المعالم والمبحث الأول انتهينا من مدارسته في الدرس الماضي: أين نزلت سورة الفاتحة وقلت: نقل عن أئمتنا الكرام في ذلك ثلاثة أقوال حسان نجمع بينها بحيث تجتمع في القول الثالث، فقيل: إنها مكية وهذا صحيح كما تقدم معنا، وقيل: أنها مدنية، والذي يجمع بين الأمرين هو القول الثالث: مكية مدنية تكرر نزولها لعظم شأنها وكبير منزلتها، فهي مكية مدنية، أي: نزلت بمكة ثم تكرر نزولها بالمدينة المنورة على نبينا صلوات الله وسلامه، وآخر ما ختمت به الدرس الماضي بيان الطريق لمعرفة المكي والمدني فقلت: إن الطريق في ذلك هو الرواية لا الرأي والنقل لا العقل.

وننتقل الآن إلى مدارسة المبحث الثاني والمعلم الثاني من المعالم البارزة في تفسير كل سورة وإثبات شخصيتها: موضوع سورة الفاتحة.

عظم حق الزوج على زوجته وكيفية تعامل المرأة مع زوجها الذي يسيء إليها

قبل أن أتكلم على موضوعها ننظر في الأسئلة التي قدمت في الأسبوع الماضي وكان يفترض أن أجيب عليها جميعاً، لكن بعضها فيه شيء من الطول وهي أسئلة متعددة فأرجئ الكلام عليها إن شاء الله للموعظة الآتية بعون الله، لكن هناك سؤال واحد تقدمه أخت كريمة حقيقة ينبغي الإجابة عليه عاجلاً لخطورته وأهميته ولعله يتعلق ببيت كل مسلم من المسلمين، وقد تجري مثل هذه الحادثة فلابد من إعطاء حكم الله فيها، ونصح كل من الزوجين في هذا الأمر.

أخت كريمة تقول: إنها متزوجة، أسأل الله أن يؤلف بينها وبين زوجها وبين المسلمين والمسلمات إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، وهي تحسن عشرة زوجها لكن ذلك الزوج يسيء إليها فيعذبها عذاباً شديداً ويضربها ويسبها، ثم هي بعد أن تشرح وضعها تقول: هل أفارقه وأترك المنزل وأطلب الطلاق أم ماذا تشيرون علي؟

والجواب عن هذا الأمر وعن هذه المشكلة يدور على عدة أمور:

أولها: هي الأخت الكريمة التي تقول أنها تحسن خلقها مع زوجها وتحسن عشرتها معه. هذا إن شاء الله هي صادقة ومصيبة في ذلك، لكنني مع ذلك أذكرها بأول أمر من هذه الأمور التي سأذكرها وسأسردها لتنتبه لهذا الأمر غاية الانتباه، فأخشى أنها تقدر أنها تحسن عشرة زوجها لكن الأمر بخلاف ذلك، ولذلك ينبغي أن تنتبه لهذا الأمر انتباهاً كبيراً.

أولاً: منزلة الزوج منزلة عظيمة كبيرة فأعظم الناس حقاً على المرأة زوجها، وإذا ماتت المرأة وزوجها عنها راض دخلت الجنة، لو كان أحد من الخلق يستحق السجود في هذه الحياة ويجوز أن يسجد له لأمر الشرع المطهر المرأة بأن تسجد لزوجها كما بين لنا هذا نبينا صلى الله عليه وسلم، ففي مسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجه والحديث رواه ابن حبان في صحيحه من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ) والحديث أخواتي الكريمات صحيح صحيح، روي عن عدة من الصحابة الكرام، رواه الترمذي أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه الترمذي أيضاً عن أمنا عائشة رضي الله عنها، ورواه الإمام أحمد في المسند عن معاذ بن جبل، ورواه الحاكم عن بريدة رضي الله عنهم أجمعين: ( لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ) والزوج له حق عظيم على المرأة، لو علمت هذه المرأة المزوجة بحق زوجها لفعلت هذا الفعل مع زوجها الذي أشار إليه نبينا صلى الله عليه وسلم كما في معجم الطبراني الكبير ومسند البزار، وإسناد الحديث صحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لو تعلم المرأة حق زوجها عليها لم تقعد ما حضر غداؤه وعشاؤه حتى يفرغ منه ) فإذا وضعت الغداء ليأكل هذا الزوج الذي جاء من التعب والعناء من خارج البيت تقف على رأسه تنظر ماذا يريد لتقدم له، وهكذا عند العشاء تقف حتى يفرغ من غدائه وعشائه؛ لمنزلة الزوج وعظم حقه.

وعليه فهذه الأخت الكريمة التي تحسن العشرة مع زوجها وتطيعه ولكن هو على تعبيرها يظلمها ويسيء عشرتها ويعذبها ويضربها ويسبها أنا أقول لها: حسني أيضاً خلقك ما استطعت، وإذا أخطأ الزوج أحياناً فلا تقابلي الخطأ بالخطأ، وما ينبغي أن يتمعر وجهك ولا أن تتأففي ولا أن تظهري له الكره، أظهري له المحبة وقولي له: يا عبد الله! فارقت أهلي وأبوي وأسرتي من إخوتي وأخواتي طاعة لله من أجل أن أكون معك لننجب ذرية مسلمة تعبد الله وتوحده، ذكريه بهذه الأمور، وإذا رأى منك حقيقة الجد في حسن العشرة فحقيقة سيميل قلبه إذا كان يخاف الله ويتقيه ويتعلق به، لكن إذا أحياناً أخطأ فتأففت وتغير وجهك وأعرضت عنه وظهرت عليك علامات الاشمئزاز يأتي الشيطان ويستغل هذا الموقف منك فيوقع في قلبه ما يوقع من العداوة والبغضاء ليفرق بين المرء وزوجه، فأنت الواجب عليك في أول الأمور ألا تجعلي للشيطان سبيلاً على زوجك، كل طريق يمكن أن يدخل منه الشيطان من أجل نفور الزوج عنك سديه، واجعلي بين هذا الطريق وبين زوجك حواجز كثيرة.

الأمر الثاني: أحياناً المرأة قد تبتلى حقيقة بزوج عنده شيء من سوء العشرة، وهي تتقي الله وتطيع الزوج ولا تقصر في حقه لكنه يقصر في حقها، فانتقلي معه إلى المرحلة الثانية، بعد المرحلة الأولى: لا يظهر -كما قلت- عليك علامة غضب ولا استياء ولا اشمئزاز ولا نفور ولا كره، لا في حال ولا في قال، لا في قول ولا في فعل، إذا عملت هذا مدة طويلة لا تقل عن شهر وشهرين وثلاثة وما رأيت منه رجوعاً إلى الصواب والرشد فاسلكي معه الطريق الثاني، ذكريه بالله، فهو مؤمن مهما كان عنده من عصيان ومن انحراف، مهما كان فهو مؤمن يعلم أن الله خلقه وينبغي أن يطيعه وأن يعبده وأنه سيئول إلى الله وأن الظلم حرام، فذكريه بالله، كما أشار إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له: أنا أطيعك وأنت زوجي وسيدي والله سمى الزوج سيداً في كتاب الله: وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ [يوسف:25] كما في سورة يوسف (سيدها) يعني زوجها، أنت زوجي سيدي والد أولادي، أطيعك في طاعة الله، وكل ما تأمرني به على العين والرأس إلا في معصية الله، لكني لا أرى منك حسن عشرة ولا حسن معاملة وأريد أن تحسن خلقك معي كما أمر الله وكما أوصاك بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتذكريه بالأحاديث التي تدل على حسن عشرة الزوج لزوجته، ومن هذه الأحاديث ما ثبت في سنن الترمذي وصحيح ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم ).

إذاً: حسن الخلق هذا يدل على أن من يتصف به وأن صاحبه هو أرفع المؤمنين عند رب العالمين، وخير المؤمنين عند الله هو خيرهم لزوجه ولنسائه: ( خياركم خياركم لنسائهم ) فالذي يحسن عشرته ومعاملته مع زوجته هذا من علامة خيريته وفضيلته ورفعة درجته عند الله جل وعلا: ( خياركم خياركم لنسائهم ) والحديث ثابت من رواية عدة من الصحابة الكرام، رواه الترمذي أيضاً، وابن حبان في صحيحه، والإمام الدارمي عن أمنا عائشة رضي الله عنها بلفظ قالت: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي ). والحديث رواه ابن ماجه في سننه والحاكم في مستدركه عن ابن عباس رضي الله عنهما باللفظ المتقدم: ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) ورواية الحاكم لفظها: ( خيركم خيركم للنساء ) والحديث رواه ابن ماجه في سننه أيضاً عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خياركم خياركم لنسائهم ).

ذكريه بهذا الحديث، فإذا استجاب فالحمد لله، وذكريه بالأحاديث الأخرى التي حذرت من ضرب النساء ونفرت من ذلك، وأخبرت أنه لا يضرب الأخيار النساء، وما ضرب النبي صلى الله عليه وسلم امرأة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله سبحانه وتعالى.

ثبت في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه والحديث رواه ابن حبان والحاكم في المستدرك والدارمي وإسناده صحيح عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب رضي الله عنه وهو من الصحابة الكرام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا تضربوا إماء الله ) يعني: النساء، لا تضربوا زوجاتكم ( لا تضربوا إماء الله، فجاء عمر رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! ذئر النساء على أزواجهن ) ذئر. أي: تجرأ النساء على أزواجهن عندما نهيت عن ضرب النساء، فبدأت المرأة تعلم أنه لا يوجد من يضربها إذا خرجت عن الحدود الشرعية المحددة لها فبدأت تتطاول على زوجها ( ذئر النساء على أزواجهن، فرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم بضربهن، فطاف تلك الليلة ببيوت النبي عليه الصلاة والسلام سبعون امرأة كل واحدة تشتكي من زوجها وأنه ضربها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد طاف بآل محمد عليه الصلاة والسلام سبعون امرأة كل امرأة تشتكي زوجها، فلا تجدون أولئك خياركم ) أي: هؤلاء الذين ضربوا ليسوا من الخيار.

فذكري الزوج بهذا أن يتقي الله في عشرتك وصحبتك، وأن يحسن خلقه معك، وأن يكف يده عنك، وإذا ضرب فليس من الخيار، وإذا أساء المعاملة فليس هو من الأبرار، ذكريه بهذا، هو مؤمن فإذا أخطأ ذكريه وانصحيه بدون عبوس وجه ولا فضاضة لفظ إنما بليونة، فإذا لم يجد الطريق الثاني أيضاً، حسنت خلقك وما رجع إلى الهدى وصراط الله المستقيم، وذكرتيه بالله وما رجع ولا استقام، فأنت الآن بين أمرين، وأنت التي تقررين الأمر في هذا، إذا صبرت فهذا خير لك عند ربك جل وعلا، والله يوفيك أجرك بغير حساب، وإذا أردت الفراق ولا يوجد مجال للإصلاح بعد الطريق الثاني وهو التذكير بالله ونصحه، إذا لم يجد معه وما وجدت نفسك تتحمل فالله جل وعلا لا يرضى لعبده المؤمن أن يصبر على ذلة ومهانة إذا كان لا يتحمل، فإذا كنت لا تتحملين فليس في طلبك الفراق معصية: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ [النساء:130] ومن واسع فضله سبحانه وتعالى، لكن إذا كان هناك مجال للتحمل ولو كما يقال: واحد في الألف وليس من مائة فتحملي لعل الله يصلحه وبعد ذلك سيعطيك الله من الأجر ما لا يخطر بالبال، إنما الطريقان الأولان ينبغي المحافظة عليهما:

أولاً: حسن عشرة منك على وجه التمام، ثم تذكير للزوج بالرحمن، فإذا ما نفع فيه الأول ولا الثاني كما قلت فأنت بالخيار بين أمرين اثنين: إن صبرت فهذا أعظم لأجرك وأبقى لك عند ربك، وإن طلبت الفراق فليس عليك إثم في ذلك، والله يتولاك ويتولى المسلمين أجمعين، أسأل الله أن يؤلف بين المؤمنين والمؤمنات إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

هذا السؤال كما قلت أخواتي الكريمات لعله يتكرر في كثير من بيوت المسلمين في هذا الحين عندما ضعف الوازع الديني، وعندما ما وجد في القلوب تقوى ولا خشية من الله جل وعلا، تتكرر مثل هذه الصور، أحياناً امرأة تسيء عشرة الزوج وأحياناً زوج يسيء عشرة المرأة وكل هذا حرام.

أولى الناس بمعروفك زوجتك وأنت أولى الناس بإكرامك واحترامك زوجك، وكل واحد يتقي الله في صاحبه، وكما قال نبينا عليه الصلاة السلام: ( خيركم خيركم لأهله ) وهو كان خيرنا لأهله ولنسائه عليه صلوات الله وسلامه.

قبل أن أتكلم على موضوعها ننظر في الأسئلة التي قدمت في الأسبوع الماضي وكان يفترض أن أجيب عليها جميعاً، لكن بعضها فيه شيء من الطول وهي أسئلة متعددة فأرجئ الكلام عليها إن شاء الله للموعظة الآتية بعون الله، لكن هناك سؤال واحد تقدمه أخت كريمة حقيقة ينبغي الإجابة عليه عاجلاً لخطورته وأهميته ولعله يتعلق ببيت كل مسلم من المسلمين، وقد تجري مثل هذه الحادثة فلابد من إعطاء حكم الله فيها، ونصح كل من الزوجين في هذا الأمر.

أخت كريمة تقول: إنها متزوجة، أسأل الله أن يؤلف بينها وبين زوجها وبين المسلمين والمسلمات إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، وهي تحسن عشرة زوجها لكن ذلك الزوج يسيء إليها فيعذبها عذاباً شديداً ويضربها ويسبها، ثم هي بعد أن تشرح وضعها تقول: هل أفارقه وأترك المنزل وأطلب الطلاق أم ماذا تشيرون علي؟

والجواب عن هذا الأمر وعن هذه المشكلة يدور على عدة أمور:

أولها: هي الأخت الكريمة التي تقول أنها تحسن خلقها مع زوجها وتحسن عشرتها معه. هذا إن شاء الله هي صادقة ومصيبة في ذلك، لكنني مع ذلك أذكرها بأول أمر من هذه الأمور التي سأذكرها وسأسردها لتنتبه لهذا الأمر غاية الانتباه، فأخشى أنها تقدر أنها تحسن عشرة زوجها لكن الأمر بخلاف ذلك، ولذلك ينبغي أن تنتبه لهذا الأمر انتباهاً كبيراً.

أولاً: منزلة الزوج منزلة عظيمة كبيرة فأعظم الناس حقاً على المرأة زوجها، وإذا ماتت المرأة وزوجها عنها راض دخلت الجنة، لو كان أحد من الخلق يستحق السجود في هذه الحياة ويجوز أن يسجد له لأمر الشرع المطهر المرأة بأن تسجد لزوجها كما بين لنا هذا نبينا صلى الله عليه وسلم، ففي مسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجه والحديث رواه ابن حبان في صحيحه من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ) والحديث أخواتي الكريمات صحيح صحيح، روي عن عدة من الصحابة الكرام، رواه الترمذي أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه الترمذي أيضاً عن أمنا عائشة رضي الله عنها، ورواه الإمام أحمد في المسند عن معاذ بن جبل، ورواه الحاكم عن بريدة رضي الله عنهم أجمعين: ( لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ) والزوج له حق عظيم على المرأة، لو علمت هذه المرأة المزوجة بحق زوجها لفعلت هذا الفعل مع زوجها الذي أشار إليه نبينا صلى الله عليه وسلم كما في معجم الطبراني الكبير ومسند البزار، وإسناد الحديث صحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لو تعلم المرأة حق زوجها عليها لم تقعد ما حضر غداؤه وعشاؤه حتى يفرغ منه ) فإذا وضعت الغداء ليأكل هذا الزوج الذي جاء من التعب والعناء من خارج البيت تقف على رأسه تنظر ماذا يريد لتقدم له، وهكذا عند العشاء تقف حتى يفرغ من غدائه وعشائه؛ لمنزلة الزوج وعظم حقه.

وعليه فهذه الأخت الكريمة التي تحسن العشرة مع زوجها وتطيعه ولكن هو على تعبيرها يظلمها ويسيء عشرتها ويعذبها ويضربها ويسبها أنا أقول لها: حسني أيضاً خلقك ما استطعت، وإذا أخطأ الزوج أحياناً فلا تقابلي الخطأ بالخطأ، وما ينبغي أن يتمعر وجهك ولا أن تتأففي ولا أن تظهري له الكره، أظهري له المحبة وقولي له: يا عبد الله! فارقت أهلي وأبوي وأسرتي من إخوتي وأخواتي طاعة لله من أجل أن أكون معك لننجب ذرية مسلمة تعبد الله وتوحده، ذكريه بهذه الأمور، وإذا رأى منك حقيقة الجد في حسن العشرة فحقيقة سيميل قلبه إذا كان يخاف الله ويتقيه ويتعلق به، لكن إذا أحياناً أخطأ فتأففت وتغير وجهك وأعرضت عنه وظهرت عليك علامات الاشمئزاز يأتي الشيطان ويستغل هذا الموقف منك فيوقع في قلبه ما يوقع من العداوة والبغضاء ليفرق بين المرء وزوجه، فأنت الواجب عليك في أول الأمور ألا تجعلي للشيطان سبيلاً على زوجك، كل طريق يمكن أن يدخل منه الشيطان من أجل نفور الزوج عنك سديه، واجعلي بين هذا الطريق وبين زوجك حواجز كثيرة.

الأمر الثاني: أحياناً المرأة قد تبتلى حقيقة بزوج عنده شيء من سوء العشرة، وهي تتقي الله وتطيع الزوج ولا تقصر في حقه لكنه يقصر في حقها، فانتقلي معه إلى المرحلة الثانية، بعد المرحلة الأولى: لا يظهر -كما قلت- عليك علامة غضب ولا استياء ولا اشمئزاز ولا نفور ولا كره، لا في حال ولا في قال، لا في قول ولا في فعل، إذا عملت هذا مدة طويلة لا تقل عن شهر وشهرين وثلاثة وما رأيت منه رجوعاً إلى الصواب والرشد فاسلكي معه الطريق الثاني، ذكريه بالله، فهو مؤمن مهما كان عنده من عصيان ومن انحراف، مهما كان فهو مؤمن يعلم أن الله خلقه وينبغي أن يطيعه وأن يعبده وأنه سيئول إلى الله وأن الظلم حرام، فذكريه بالله، كما أشار إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له: أنا أطيعك وأنت زوجي وسيدي والله سمى الزوج سيداً في كتاب الله: وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ [يوسف:25] كما في سورة يوسف (سيدها) يعني زوجها، أنت زوجي سيدي والد أولادي، أطيعك في طاعة الله، وكل ما تأمرني به على العين والرأس إلا في معصية الله، لكني لا أرى منك حسن عشرة ولا حسن معاملة وأريد أن تحسن خلقك معي كما أمر الله وكما أوصاك بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتذكريه بالأحاديث التي تدل على حسن عشرة الزوج لزوجته، ومن هذه الأحاديث ما ثبت في سنن الترمذي وصحيح ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم ).

إذاً: حسن الخلق هذا يدل على أن من يتصف به وأن صاحبه هو أرفع المؤمنين عند رب العالمين، وخير المؤمنين عند الله هو خيرهم لزوجه ولنسائه: ( خياركم خياركم لنسائهم ) فالذي يحسن عشرته ومعاملته مع زوجته هذا من علامة خيريته وفضيلته ورفعة درجته عند الله جل وعلا: ( خياركم خياركم لنسائهم ) والحديث ثابت من رواية عدة من الصحابة الكرام، رواه الترمذي أيضاً، وابن حبان في صحيحه، والإمام الدارمي عن أمنا عائشة رضي الله عنها بلفظ قالت: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي ). والحديث رواه ابن ماجه في سننه والحاكم في مستدركه عن ابن عباس رضي الله عنهما باللفظ المتقدم: ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) ورواية الحاكم لفظها: ( خيركم خيركم للنساء ) والحديث رواه ابن ماجه في سننه أيضاً عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خياركم خياركم لنسائهم ).

ذكريه بهذا الحديث، فإذا استجاب فالحمد لله، وذكريه بالأحاديث الأخرى التي حذرت من ضرب النساء ونفرت من ذلك، وأخبرت أنه لا يضرب الأخيار النساء، وما ضرب النبي صلى الله عليه وسلم امرأة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله سبحانه وتعالى.

ثبت في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه والحديث رواه ابن حبان والحاكم في المستدرك والدارمي وإسناده صحيح عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب رضي الله عنه وهو من الصحابة الكرام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا تضربوا إماء الله ) يعني: النساء، لا تضربوا زوجاتكم ( لا تضربوا إماء الله، فجاء عمر رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! ذئر النساء على أزواجهن ) ذئر. أي: تجرأ النساء على أزواجهن عندما نهيت عن ضرب النساء، فبدأت المرأة تعلم أنه لا يوجد من يضربها إذا خرجت عن الحدود الشرعية المحددة لها فبدأت تتطاول على زوجها ( ذئر النساء على أزواجهن، فرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم بضربهن، فطاف تلك الليلة ببيوت النبي عليه الصلاة والسلام سبعون امرأة كل واحدة تشتكي من زوجها وأنه ضربها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد طاف بآل محمد عليه الصلاة والسلام سبعون امرأة كل امرأة تشتكي زوجها، فلا تجدون أولئك خياركم ) أي: هؤلاء الذين ضربوا ليسوا من الخيار.

فذكري الزوج بهذا أن يتقي الله في عشرتك وصحبتك، وأن يحسن خلقه معك، وأن يكف يده عنك، وإذا ضرب فليس من الخيار، وإذا أساء المعاملة فليس هو من الأبرار، ذكريه بهذا، هو مؤمن فإذا أخطأ ذكريه وانصحيه بدون عبوس وجه ولا فضاضة لفظ إنما بليونة، فإذا لم يجد الطريق الثاني أيضاً، حسنت خلقك وما رجع إلى الهدى وصراط الله المستقيم، وذكرتيه بالله وما رجع ولا استقام، فأنت الآن بين أمرين، وأنت التي تقررين الأمر في هذا، إذا صبرت فهذا خير لك عند ربك جل وعلا، والله يوفيك أجرك بغير حساب، وإذا أردت الفراق ولا يوجد مجال للإصلاح بعد الطريق الثاني وهو التذكير بالله ونصحه، إذا لم يجد معه وما وجدت نفسك تتحمل فالله جل وعلا لا يرضى لعبده المؤمن أن يصبر على ذلة ومهانة إذا كان لا يتحمل، فإذا كنت لا تتحملين فليس في طلبك الفراق معصية: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ [النساء:130] ومن واسع فضله سبحانه وتعالى، لكن إذا كان هناك مجال للتحمل ولو كما يقال: واحد في الألف وليس من مائة فتحملي لعل الله يصلحه وبعد ذلك سيعطيك الله من الأجر ما لا يخطر بالبال، إنما الطريقان الأولان ينبغي المحافظة عليهما:

أولاً: حسن عشرة منك على وجه التمام، ثم تذكير للزوج بالرحمن، فإذا ما نفع فيه الأول ولا الثاني كما قلت فأنت بالخيار بين أمرين اثنين: إن صبرت فهذا أعظم لأجرك وأبقى لك عند ربك، وإن طلبت الفراق فليس عليك إثم في ذلك، والله يتولاك ويتولى المسلمين أجمعين، أسأل الله أن يؤلف بين المؤمنين والمؤمنات إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

هذا السؤال كما قلت أخواتي الكريمات لعله يتكرر في كثير من بيوت المسلمين في هذا الحين عندما ضعف الوازع الديني، وعندما ما وجد في القلوب تقوى ولا خشية من الله جل وعلا، تتكرر مثل هذه الصور، أحياناً امرأة تسيء عشرة الزوج وأحياناً زوج يسيء عشرة المرأة وكل هذا حرام.

أولى الناس بمعروفك زوجتك وأنت أولى الناس بإكرامك واحترامك زوجك، وكل واحد يتقي الله في صاحبه، وكما قال نبينا عليه الصلاة السلام: ( خيركم خيركم لأهله ) وهو كان خيرنا لأهله ولنسائه عليه صلوات الله وسلامه.

أخواتي الكريمات! أنتقل بعد هذا إلى لمبحث الثاني من المعالم البارزة التي ينبغي أن نتدارسها عند تفسير سورة الفاتحة:

المعلم الثاني: موضوع سورة الفاتحة. ما هو الموضوع البارز والمحور الرئيسي الذي دارت آيات سورة الفاتحة حوله؟

مسائل الاعتقاد في القرآن المكي

موضوع سورة الفاتحة ومقصودها الأعظم التي دارت آياتها حوله هو: موضوع القرآن المكي، والقرآن المكي الذي نزل قبل الهجرة على نبينا عليه الصلاة والسلام دار حول بناء القلوب عن طريق تقويتها وصلتها بعلام الغيوب، فكان القرآن المكي يركز على هذا الأمر.. تقوية القلب ليتصل بالرب جل وعلا.

يركز على هذا الأمر عن طريقين اثنين:

أولهما: قضية الربوبية والله جل وعلا هو الخالق هو الرب لهذا الوجود، وهذا كان يسلم به المشركون ويسلم به كل مخلوق فلابد لهذا الخلق من خالق، فهذا الرب وهذا الخالق وهذا الموجد وهذا المدبر لهذا الكون له على عباده حق الطاعة والعبادة والاستعانة سبحانه وتعالى، فينبغي أن يطيعوه وأن يعبدوه وأن يستعينوا به في جميع أحوالهم، فهذا الإله الحق هو الذي يتصف بكل كمال ويتنزه عن كل نقصان.. قضية الألوهية والعبودية .. هذان الركنان دار حولهما القرآن المكي.

الإله هو الخالق الموجد يتصف بكل صفات حسنة ويتنزه عن كل صفات ذميمة ناقصة سبحانه وتعالى.

قضية العبودية: المخلوق ضعيف ينبغي أن يعبد خالقه وأن يستعين به وأن يلجأ إليه في جميع شئونه وأحواله.

إذاً: القرآن المكي هذا موضوعه، وبما أن سورة الفاتحة مكية فدارت حول هذا الأمر .. إثبات قضية الألوهية، وأن الله يتصف بالصفات الكاملة الحسنة سبحانه وتعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] وإذا كان الأمر كذلك فالواجب على العباد وهو الشق الثاني من الأمرين اللذين دار حولهما القرآن المكي فيجب إذاً على العباد أن يعبدوا الله وأن يستعينوا به، فهذا الخالق جليل كريم عظيم رحمن رحيم سيؤول إليه العباد يوم الدين ليجزيهم على ما عملوا: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه [الزلزلة:7-8] وهذا المخلوق فقير مسكين ينبغي أن يلجأ إلى الله في كل حين، وأن يسأله الهداية للصراط المستقيم، وأن يستعيذ به من طريق المغضوب عليهم والضالين؛ فبذلك يكون من العابدين ومن المستعينين بالله العظيم.

إذاً: سورة الفاتحة دارت حول هذين الأمرين: قضية الألوهية وما يترتب عليها من واجب العباد نحو ربهم جل وعلا.

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] هو الرب السيد المالك فهو مالكنا سيدنا خالقنا مدبر جميع شئوننا رب العالمين، ليس هو رب الإنس والجن فقط بل كل ما عدا الله عالم، وعالمين جمع عالم، فهو مالك وسيد وخالق هذا الوجود بأسره وهو يتصف بكل كمال ويتنزه عن كل نقصان، هو الرحمن هو الرحيم إليه سنئول يوم الدين مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] وهو ملك في ذلك اليوم، وهو الذي يملك في ذلك اليوم: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16].

ثم جاء لقضية العبودية وواجب العباد نحو ربهم فقال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، الدين من أوله إلى آخره عبادة لله واستعانة به؛ لأنه هو الذي يستحق ذلك ولا ينبغي أن يصرف شيء من ذلك إلى غير الخالق .. إلى غير الإله الحق وهو الله جل وعلا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] وإذا كنا نعبدك ولا نستعين إلا بك فنسألك إذن وهذا من عبادتنا لله واستعانتنا به أن يهدينا الصراط المستقيم، وأن يجنبنا طريق المغضوب عليهم والضالين.

إذاً: سورة الفاتحة دارت حول ما دارت حوله السور المكية والقرآن المكي كما قلت حول قضية الألوهية وقضية العبودية، فالعبد مخلوق ضعيف: يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15] والله جل وعلا غني عزيز حميد فينبغي على هذا العبد المخلوق الفقير الضعيف ينبغي عليه أن يعبد الله وأن يستعين به وأن يلجأ إليه في جميع شئونه، فمن عرف نفسه بالفقر عرف ربه بالغنى، ومن عرف نفسه بالذل عرف ربه بالعز، وهكذا من عرف نفسه بالضعف عرف ربه بالقوة، ولذلك من عرف نفسه عرف ربه كما أثر هذا الكلام عن يحيى بن معاذ الرازي وأثر عن سهل بن عبد الله التستري عليهم جميعاً رحمة الله، وليس هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه كلام حق وصدق (من عرفه نفسه عرف ربه) وهذا الكلام تأويله على أحد تأويلات ثلاث معتبرة في معنى هذه الجملة: (من عرف نفسه بالفقر يعرف ربه بضد ذلك .. بالغنى، ومن عرف نفسه بالضعف عرف ربه بالقوة، ومن عرف نفسه بالذل عرف ربه بالعز)، فأنت مخلوق مسكين ضعيف والله جل وعلا بضد ذلك سبحانه وتعالى، (من عرف نفسه عرف ربه).

ويحتمل هذا الكلام معناً آخر من باب الفائدة كما قال أئمتنا: من عرف نفسه وأن هذه النفس البشرية تحتمل صفات الكمال وتتصف بها من العلم والرحمة والقدرة على حسب ما يليق بها .. من عرف نفسه وأنه يتعلم وعنده علم وعنده قدرة وفيه رحمة عرف ربه بأنه يتصف بتلك الصفات من باب أولى.

إذاً: هناك عرف ربه من باب ضد صفاته، وهنا إذا ثبتت لك هذه الكمالات فتثبت للخالق من باب أولى.

والمعنى الثالث من باب الفائدة: من عرفه نفسه عرف ربه، والوقوف على حقيقة النفس وكنهها مجهول: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً [الإسراء:85] فإذا لم تحط علماً بحقيقة نفسك فلن تحيط علماً بحقيقة ربك سبحانه وتعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11].. قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:1-4]، من عرف نفسه عرف ربه إما بالضدية أو الأولوية أو النفي.

خلاصة الكلام أخواتي الكريمات! سورة الفاتحة مكية كما تقدم معنا، وموضوعها هو موضوع القرآن المكي حول تثبيت العقيدة وتقوية القلب ليتصل بالرب عن طريقين اثنين: قضية الألوهية وقضية العبودية، والصلة بين العباد وبين ربهم جل وعلا، وفاتحة الكتاب كما قلت فيها هذا المعنى.

سر اهتمام القرآن المكي بأمور العقيدة

قد يتساءل متسائل فيقول: لم كان القرآن المكي يدور حول هذا الأمر ويقرره وأن الإله الموجود يتصف بكل كمال ويتنزه عن كل نقصان وأن هذا الإله الحق ينبغي أن نعبده وحده لا شريك له، وأن نستعين به وأن نلجأ إليه. لم كان القرآن المكي يعالج هذا الأمر؟

أخواتي الكريمات! هذا الأمر حقيقة هو الذي يحدد سلوك الإنسان في هذه الحياة، فهذا القلب إذا طهر وعلم القلب أن الله جل وعلا الذي خلقه يتصف بكل كمال له عليه حق العبادة والطاعة، وأن هذا الإنسان لو ترك لنفسه لتخبط في ظلمات الضلالات والجهالات وصار الناس في هذه الحياة كأنهم يعيشون في الغابات. لو علم الإنسان هذا فقوي قلبه عندما يتصل بربه سيستقيم بعد ذلك كل فعل منه، فجميع أفعال الإنسان مرتبطة باعتقاداته .. بما في قلبه من أفكار؛ وبما في قلبه من معان وإرادات، فإذا طهر القلب وزكى استقام الفعل وحسن واستقام، ولذلك لابد من تطهير القلب في أول الأمر، ولا يصلح أن نوجه الإنسان بالفعل في الظاهر ونقول له: افعل ولا تفعل، ولا زال القلب في خراب، لا يصلح هذا، وقد أشارت أمنا عائشة رضي الله عنها إلى هذا الأمر، والأثر في صحيح البخاري في كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: ( أول ما أنزل من القرآن سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل من أول الأمر لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنا أبداً، ولو نزل من أول الأمر لا تشربوا الخمر لقالوا: لا نترك الخمر أبداً، لقد أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ [القمر:46] وأنا جارية ألعب وما نزلت البقرة والنساء إلا وأنا عنده في المدينة ) على نبينا صلوات الله وسلامه.

أول ما أنزل من القرآن سورة من المفصل وسيأتينا إن شاء الله أخواتي الكريمات عند بقية مباحث سورة الفاتحة أن المفصل يبتدئ من سورة (ق) إلى نهاية سورة الناس، وسميت بالمفصل لكثرة الفصل بين السور بالبسملة لأن السور تكون قصيرة ليست كالسور التي قبل (ق) فيقال لها المفصل، وآخر أرباع القرآن ربع المفصل.

تقول عائشة: (أول ما أنزل من القرآن سورة من المفصل)، تقصد من أول ما أنزل سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، وهذه السورة التي تقصدها أمنا عائشة رضي الله عنها هي سورة المدثر، وهي ثاني ما نزل على نبينا عليه الصلاة والسلام من القرآن والسور بعد خمس آيات من سورة العلق، واكتملت سورة المدثر قبل اكتمال سورة العلق، وفي سورة المدثر يذكر الله الجنة والنار فيقول: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ [المدثر:8-10] ... إلى آخر الآيات. ثم يأتي بعد ذلك إلى النار ويتحدث عنها فيقول: عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ [المدثر:30-31] ... إلى آخر السورة، إلى أن يأتي إلى قوله: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:39-43] إلى آخر السورة.

إذاً: هذه فيها ذكر الجنة والنار، فلما حصل في القلوب الخشية من علام الغيوب وارتبط القلب بالرب نزل بعد ذلك تفاصيل أحكام الإسلام من الحلال والحرام.

قالت: (ولو نزل من أول الأمر: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا نترك الخمر أبداً)، تحريم الخمر كان في العام الثامن للهجرة، أي: بعد بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام بإحدى وعشرين سنة.

وفي العام الثامن من الهجرة ينزل التحريم بعد ثلاثة عشر سنة، في مكة لم تحرم الخمر، وثمان سنين في المدينة لم تحرم، وحرمت بعد ذلك أي: قبل وفاة نبينا عليه الصلاة والسلام بسنتين. فلما نزلت الآية: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:90-91] قالوا: انتهينا انتهينا. وبعضهم كان أخذ أقداح الخمر بيده ورفعها إلى فمه فإذا بالمنادي ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت فطرح القدح من يده وما عاد إلى شرب الخمر بعد ذلك.

إذا طهر القلب يستجيب لنداء الرب سبحانه وتعالى، ولذلك أول ما نزل من القرآن سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار.

قالت: ( حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل من أول الأمر: (لا تزنوا) لقالوا: لا ندع الزنا أبداً، ولو نزل من أول الأمر: (لا تشربوا الخمر) لقالوا: لا نترك الخمر أبداً، أنزل على النبي عليه الصلاة والسلام وأنا جارية ألعب: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ [القمر:46] -وهي في سورة القمر وهي مكية بالاتفاق- وما نزلت البقرة والنساء إلا وأنا عنده في المدينة ) أي: بعد أن صارت زوجة لنبينا عليه الصلاة والسلام، وتزوجها عليه صلوات الله وسلامه ودخل بها في العام الثاني من الهجرة الشريفة على نبينا وآل بيته الطيبين الطاهرين صلوات الله وسلامه.

إذاً: البقرة والنساء مدنيتان فيهما أحكام كثيرة .. هذه الأحكام لا يمكن أن تنفذ ولا أن تطبق ولا أن تفعل ولا أن تمتثل إذا لم يكن هناك قلب طاهر واتصلت هذه العبودية بالألوهية وقامت بأداء حقوق الله جل وعلا، وعلمت أن الله هو الخالق الذي يتصف بكل كمال ويتنزه عن كل نقصان وينبغي أن يفرد بالعبادة وحده لا شريك له، وينبغي أن نستعين به في جميع أمورنا، إذا غرست هذه المعاني الحقة في القلب فإن القلب يستجيب بعد ذلك لنداء الرب.

ولذلك إخوتي الكرام تعلم سلفنا الكرام الإيمان قبل القرآن، فلما تعلموا القرآن بعد ذلك ازدادوا إيماناً، يخبرنا عن هذه القضية والحقيقة عبد الله بن عمر كما في مستدرك الحاكم بإسناد صحيح على شرط الشيخين والأثر رواه الطبراني في معجمه الأوسط ورواه الإمام البيهقي، يقول: ( لقد عشنا برهة من الدهر -أي: فترة طويلة- وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، ثم كانت السورة من القرآن تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها وما ينبغي أن يوقف عندها، ولقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن -كأنه يريد أن يقول: يتعجل بأخذ القرآن قبل أن تغرس معاني الإيمان في قلبه- يؤتى أحدهم القرآن يقرأه من فاتحته إلى خاتمته لا يعرف أمره ولا زجره ولا ما ينبغي أن يوقف عنده ينثره نثر الدقل ) أي: رديء التمر وحشف التمر هذرمة بلا وعي وبلا فهم لما يقرأ ولما يتلوا، ومن باب أولى إذا ما وعى ولا فهم ولا تدبر لن يحصل هناك التزام وعمل، ولذلك كان الصحابة الكرام في أول أمرهم يتلقون الإيمان قبل أن تنزل جميع سور القرآن، والنبي عليه الصلاة والسلام يغرس هذه المعاني في قلوبهم ويربط قلوبهم بربهم، فإذا نزلت السورة بعد ذلك عكفوا عليها ودرسوها وتعلموا أحكامها وحلالها وحرامها وما ينبغي أن يقفوا عندها، فتعلموا القرآن بعد الإيمان.

ولذلك يقول جندب بن عبد الله أيضاً كما في سنن ابن ماجة والحديث إسناده صحيح يقول: ( كنا ونحن فتيان حزاور -جمع حزور، أي: فتيان ممتلئون نشاطاً وقوة وشباباً وحيوية- كنا ونحن فتيان حزاور نتعلم الإيمان قبل القرآن، فإذا نزل القرآن ازددنا إيماناً إلى إيمان ).

إذاً: لابد أخواتي الكريمات من العناية بهذا الأمر ألا وهو تطهير القلب ليتصل بالرب سبحانه وتعالى، ثم بعد ذلك عندما يقرأ الإنسان القرآن يمتثل أحكامه ويطبقها في حياته لوجود الطهارة في قلبه، لكن إذا ما استقرت خشية الله في القلب وما طهر القلب وما طاب القلب ماذا يستفيد الإنسان من قراءة القرآن من أوله إلى آخره؟ نسأل الله أن يرزقنا إيماناً كاملاً، وأن يجعلنا ممن ينتفعون بالقرآن؛ إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

موضوع سورة الفاتحة ومقصودها الأعظم التي دارت آياتها حوله هو: موضوع القرآن المكي، والقرآن المكي الذي نزل قبل الهجرة على نبينا عليه الصلاة والسلام دار حول بناء القلوب عن طريق تقويتها وصلتها بعلام الغيوب، فكان القرآن المكي يركز على هذا الأمر.. تقوية القلب ليتصل بالرب جل وعلا.

يركز على هذا الأمر عن طريقين اثنين:

أولهما: قضية الربوبية والله جل وعلا هو الخالق هو الرب لهذا الوجود، وهذا كان يسلم به المشركون ويسلم به كل مخلوق فلابد لهذا الخلق من خالق، فهذا الرب وهذا الخالق وهذا الموجد وهذا المدبر لهذا الكون له على عباده حق الطاعة والعبادة والاستعانة سبحانه وتعالى، فينبغي أن يطيعوه وأن يعبدوه وأن يستعينوا به في جميع أحوالهم، فهذا الإله الحق هو الذي يتصف بكل كمال ويتنزه عن كل نقصان.. قضية الألوهية والعبودية .. هذان الركنان دار حولهما القرآن المكي.

الإله هو الخالق الموجد يتصف بكل صفات حسنة ويتنزه عن كل صفات ذميمة ناقصة سبحانه وتعالى.

قضية العبودية: المخلوق ضعيف ينبغي أن يعبد خالقه وأن يستعين به وأن يلجأ إليه في جميع شئونه وأحواله.

إذاً: القرآن المكي هذا موضوعه، وبما أن سورة الفاتحة مكية فدارت حول هذا الأمر .. إثبات قضية الألوهية، وأن الله يتصف بالصفات الكاملة الحسنة سبحانه وتعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] وإذا كان الأمر كذلك فالواجب على العباد وهو الشق الثاني من الأمرين اللذين دار حولهما القرآن المكي فيجب إذاً على العباد أن يعبدوا الله وأن يستعينوا به، فهذا الخالق جليل كريم عظيم رحمن رحيم سيؤول إليه العباد يوم الدين ليجزيهم على ما عملوا: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه [الزلزلة:7-8] وهذا المخلوق فقير مسكين ينبغي أن يلجأ إلى الله في كل حين، وأن يسأله الهداية للصراط المستقيم، وأن يستعيذ به من طريق المغضوب عليهم والضالين؛ فبذلك يكون من العابدين ومن المستعينين بالله العظيم.

إذاً: سورة الفاتحة دارت حول هذين الأمرين: قضية الألوهية وما يترتب عليها من واجب العباد نحو ربهم جل وعلا.

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] هو الرب السيد المالك فهو مالكنا سيدنا خالقنا مدبر جميع شئوننا رب العالمين، ليس هو رب الإنس والجن فقط بل كل ما عدا الله عالم، وعالمين جمع عالم، فهو مالك وسيد وخالق هذا الوجود بأسره وهو يتصف بكل كمال ويتنزه عن كل نقصان، هو الرحمن هو الرحيم إليه سنئول يوم الدين مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] وهو ملك في ذلك اليوم، وهو الذي يملك في ذلك اليوم: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16].

ثم جاء لقضية العبودية وواجب العباد نحو ربهم فقال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، الدين من أوله إلى آخره عبادة لله واستعانة به؛ لأنه هو الذي يستحق ذلك ولا ينبغي أن يصرف شيء من ذلك إلى غير الخالق .. إلى غير الإله الحق وهو الله جل وعلا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] وإذا كنا نعبدك ولا نستعين إلا بك فنسألك إذن وهذا من عبادتنا لله واستعانتنا به أن يهدينا الصراط المستقيم، وأن يجنبنا طريق المغضوب عليهم والضالين.

إذاً: سورة الفاتحة دارت حول ما دارت حوله السور المكية والقرآن المكي كما قلت حول قضية الألوهية وقضية العبودية، فالعبد مخلوق ضعيف: يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15] والله جل وعلا غني عزيز حميد فينبغي على هذا العبد المخلوق الفقير الضعيف ينبغي عليه أن يعبد الله وأن يستعين به وأن يلجأ إليه في جميع شئونه، فمن عرف نفسه بالفقر عرف ربه بالغنى، ومن عرف نفسه بالذل عرف ربه بالعز، وهكذا من عرف نفسه بالضعف عرف ربه بالقوة، ولذلك من عرف نفسه عرف ربه كما أثر هذا الكلام عن يحيى بن معاذ الرازي وأثر عن سهل بن عبد الله التستري عليهم جميعاً رحمة الله، وليس هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه كلام حق وصدق (من عرفه نفسه عرف ربه) وهذا الكلام تأويله على أحد تأويلات ثلاث معتبرة في معنى هذه الجملة: (من عرف نفسه بالفقر يعرف ربه بضد ذلك .. بالغنى، ومن عرف نفسه بالضعف عرف ربه بالقوة، ومن عرف نفسه بالذل عرف ربه بالعز)، فأنت مخلوق مسكين ضعيف والله جل وعلا بضد ذلك سبحانه وتعالى، (من عرف نفسه عرف ربه).

ويحتمل هذا الكلام معناً آخر من باب الفائدة كما قال أئمتنا: من عرف نفسه وأن هذه النفس البشرية تحتمل صفات الكمال وتتصف بها من العلم والرحمة والقدرة على حسب ما يليق بها .. من عرف نفسه وأنه يتعلم وعنده علم وعنده قدرة وفيه رحمة عرف ربه بأنه يتصف بتلك الصفات من باب أولى.

إذاً: هناك عرف ربه من باب ضد صفاته، وهنا إذا ثبتت لك هذه الكمالات فتثبت للخالق من باب أولى.

والمعنى الثالث من باب الفائدة: من عرفه نفسه عرف ربه، والوقوف على حقيقة النفس وكنهها مجهول: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً [الإسراء:85] فإذا لم تحط علماً بحقيقة نفسك فلن تحيط علماً بحقيقة ربك سبحانه وتعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11].. قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:1-4]، من عرف نفسه عرف ربه إما بالضدية أو الأولوية أو النفي.

خلاصة الكلام أخواتي الكريمات! سورة الفاتحة مكية كما تقدم معنا، وموضوعها هو موضوع القرآن المكي حول تثبيت العقيدة وتقوية القلب ليتصل بالرب عن طريقين اثنين: قضية الألوهية وقضية العبودية، والصلة بين العباد وبين ربهم جل وعلا، وفاتحة الكتاب كما قلت فيها هذا المعنى.




استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
مقدمة في التفسير - أحكام البسملة [2] 3833 استماع
مقدمة في التفسير - أحكام البسملة [1] 3513 استماع
مقدمة في التفسير - أسماء سورة الفاتحة وآياتها [2] 2852 استماع
مقدمة في التفسير - أسماء سورة الفاتحة [1] 2744 استماع
مقدمة في التفسير - مقدمة في تفسير سورة الفاتحة - أين نزلت 2722 استماع
مقدمة في التفسير - أسماء سورة الفاتحة وآياتها [1] 1362 استماع