مقدمة في التفسير - أسماء سورة الفاتحة وآياتها [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.

سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فننتقل أخواتي الكريمات إلى المبحث الخامس من مباحث سورة الفاتحة ألا وهو عدد آيات سورة الفاتحة، وآيات سورة الفاتحة بالاتفاق والإجماع سبع آيات كما دل القرآن على هذا، قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87] وقلت: المراد بالسبع المثاني هي سورة الفاتحة، استثنيت لهذه الأمة، وفيها ثناء عظيم على الله الكريم، وتثنى في كل ركعة وتكرر وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87].

إذاً: هي سبع آيات، وهي أيضاً القرآن العظيم الذي أوتيه نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام، وفيها مقاصد القرآن على التمام كما تقدم معنا إيضاح هذا في أسماء سورة الفاتحة.

إذاً: هي سبع آيات بالإجماع، لكن اختلف أئمتنا في بيان آياتها، وهذا الاختلاف لا دخل للرأي فيه على الإطلاق، إنما هو بناء على ما نقل عن نبينا عليه الصلاة والسلام، فالكلام في آيات القرآن هذا لا دخل فيه لرأي الإنسان على الإطلاق، والعمدة في ذلك الرواية لا الرأي، والنقل لا العقل، فلا دخل للعقول البشرية في موضوع عدد الآيات، اختلفوا في عدد الآيات بكيفية معينة أخرى، والكل كلام الله، هذه الفاتحة وهذه الفاتحة، هنا سبع آيات وهنا سبع آيات.

كيف هذا؟

ثبت في مصاحف مكة ومصاحف الكوفة وعلى هذا القراء الكوفيون وقراء مكة -ونحن نقرأ أخواتي الكريمات بقراءة الكوفة. أي: بقراءة حفص عن عاصم وهو كوفي، والذي سأذكره الآن هو الموجود في المصاحف بناء على الرسم الكوفي والرسم المكي الذي هو متواتر عن النبي عليه الصلاة والسلام- ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرئ بعض الصحابة الكرام سورة الفاتحة ويجعل بسم الله الرحمن الرحيم آية من الفاتحة، وهذا موجود في مصاحف مكة ومصاحف الكوفة، وإذا كانت المصاحف بين أيديكن فافتحن عليها أخواتي الكريمات وانظرن: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1] يعني: هذه الآية الأولى، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] آية ثانية، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] آية ثالثة، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] آية رابعة، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] آية خامسة، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] آية سادسة، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] آية سابعة، هذا موجود في مصاحف مكة ومصاحف الكوفة، وهو الذي يقرأ به قراء مكة وقراء الكوفة، وقراءاتهم متواترة عن نبينا عليه الصلاة والسلام، ولا أقول: من أنكر حرفاً منها كفر، بل من شك في حرف منها فهو كافر مرتد، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً.. قراءات متواترة عن خير البررة نبينا عليه صلوات الله وسلامه.

وفي المصاحف الأخرى في مصاحف المدينة وفي مصاحف البصرة وفي مصاحف الشام من الشامي والحمصي (بسم الله الرحمن الرحيم) لم تعد آية، فأول آية من الفاتحة هي: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] وقد أقرأ نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام بعض الصحابة الطيبين هذا.

إذاً: نعد آيات سورة الفاتحة على القول الثاني الثابت بالتواتر القطعي عن النبي عليه الصلاة والسلام الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] آية. والبسملة ليست آية من الفاتحة على هذه القراءة. الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] آية ثانية، وهذا خلاف ترتيب المصاحف التي بين أيدينا، والآن مصاحف المغرب التي تطبع هناك تعد الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] -لأنها تتبع قراءة نافع المدني - هي الآية الأولى لا الثانية كما هو في مصاحفنا.

إذاً: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] هي الآية الأولى الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] آية ثانية، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] آية ثالثة، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] آية رابعة، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] آية خامسة، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] (عليهم) هنا هي الآية السادسة، وإذا معكن المصاحف فستلاحظن أن عند قوله: (عليهم) لا يوجد عندنا آية ولا يوجد وقف في الآية، وهي في مصاحف المدينة المنورة والشام والحمصي والبصرة هنا الآية السادسة صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] آية سادسة، والسابعة غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7].

إذاً: آيات سورة الفاتحة -كما قلت- سبع بالاتفاق، لكن اختلف في كيفية العد بناء على الثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام.

المصاحف التي يؤخذ منها عدّ الآيات وبيان القراءات العشر المتواترة

في هذه المناسبة أحب أن أذكر المصاحف التي يؤخذ منها العد وأبين القراءات العشر المتواترة لأنها تلزمنا في دروسنا في التفسير في المستقبل إن شاء الله.

أخواتي الكريمات! المصاحف التي يؤخذ منها عد الآيات: المدني الأول، والمدني الثاني، والمكي، والكوفي، والبصري، والشامي، والحمصي. سبعة مصاحف، وهي التي كتبت في عهد عثمان رضي الله عنه وأرضاه ذو النورين ووزعت على أمصار المسلمين، فما فيها من عد فهو ثابت متواتر عن نبينا عليه الصلاة والسلام، لكن كيفية العد تختلف على حسب ما كان النبي عليه الصلاة والسلام يقرئ الصحابة الكرام، فانتبهن لهذا، فأحياناً يجعل الوقف آية، وأحياناً يغير الوقف على حسب القراءات الثابتة النازلة عليه عليه صلوات الله وسلامه، وهي القراءات العشر وما خرج عنها فليس بمتواتر ولا يجوز القراءة به.

وهذه القراءات المتواترة -كما قلت- هي كلام الله، والذي لا أقول ينكر حرفاً، بل الذي يشكك في حرف فهو كافر مرتد كما لو أنكر سورة الإخلاص قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1].

والقراءات العشر المتواترة: أولها وثانيها: المدنيان نافع وأبو جعفر يزيد بن القعقاع، يقال لهما المدنيان.

ثالثها: المكي وهو القارئ الثالث: عبد الله بن كثير ، ويليه الرابع: الشامي عبد الله بن عامر، ثم يليه الكوفيون الأربعة وهم: حمزة والكسائي وخلف وعاصم، ونحن نقرأ بقراءة حفص عن عاصم، ثم قراءة البصريين أبي عمرو بن العلاء ويعقوب، هؤلاء عشرة.

إذاً: مدنيان اثنان، ومكي وشامي، وأربعة كوفيون، صاروا ثمانية، وبصريان اثنان، فصاروا عشرة، والبصريان هما: أبو عمرو بن العلاء ويعقوب الحضرمي. هذه قراءات متواترة موجودة في أمصار المسلمين نسبت إلى هؤلاء الأئمة؛ لأنهم أبرز من عني بها وأبرز من ضبطها، فأراد أئمتنا أن يجمعوا تلك الأحرف وتلك القراءات فقالوا: هذا حرف نافع .. هذا حرف أبي جعفر .. هذا حرف عبد الله بن كثير .. هذا حرف عبد الله بن عامر .

وقراءة الشام التي تلقاها أهل الشام عن الصحابة الكرام متواترة، لكن أبرز من كان يقرأ بها في عهد تدوين القراءات: عبد الله بن عامر فنسبت إليه لكنها متواترة يقرأ بها لا أقول الألوف بل مئات الألوف والملايين، فنسبت إليه لهذه العلة؛ لأنه أبرز المتقنين لها في زمنه، وهو من تصدر للإقراء بها في تلك البلاد، فلأجل أن تضبط قيل: قراءة الشام تنسب إلى قراءة عبد الله بن عامر.

وقراءة أهل مكة قاطبة تنسب إلى عبد الله بن كثير، ففي عهد تدوين القراءات كان هو أبرز قارئ لقراءة مكة التي فيها المصاحف المطبوعة في عهد عثمان رضي الله عنه وعن الصحابة الكرام، وفيها القرآن المنزل على النبي عليه الصلاة والسلام، فأبرز المقرئين لقراءة أهل مكة في ذلك الزمان وفي عهد تدوين القراءات هو عبد الله بن كثير.

وفي المدينة المنورة: نافع وشيخه أبو جعفر يزيد بن القعقاع، وفي الكوفة الكوفيون الأربعة: عاصم ونحن نقرأ بقراءة حفص عن عاصم، والراوي الثاني لــعاصم : شعبة، وتختلف قراءة شعبة عن حفص وكلاهما ينتميان إلى شيخ واحد في قرابة خمسمائة حرف.

إذاً: الكوفيون الأربعة حفص عن عاصم الكوفي، حمزة الكوفي، الكسائي الكوفي، خلف الكوفي.

والبصريون أبرز من كان يقرأ في البصرة بالقراءة المتواترة التي هي موجودة في المصحف الذي بعث به في عهد عثمان رضي الله عنه وأرضاه: أبو عمرو بن العلاء ، ويعقوب الحضرمي. هؤلاء يقال لهم: القراء العشرة.

تقدم معنا أن المصاحف التي يؤخذ منها العد هي المصاحف السبعة، وهذه القراءات متواترة عن خير البريات عليه صلوات الله وسلامه.

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:2-6] قراءتان متواترتان عن النبي عليه الصلاة والسلام.

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] و(اهدنا السراط المستقيم) بالصاد والسين، وهذا متواتر عن النبي عليه الصلاة والسلام، وقرأ به الصحابة الكرام حسب ما تلقوا من نبينا عليه وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، وأقرءوه للمسلمين في عهد تدوين القراءات لتضبط فضبطت هذه القراءات ونسبت قراءة كل مصر إلى أبرز الشيوخ في ذلك الوقت.. إلى أبرز المقرئين فقيل: قراءة حمزة ، قراءة عاصم ، قراءة نافع ، قراءة ابن عامر وما شاكل هذا، ولا يجوز -كما قلت- القراءة بغير هذه القراءات، وهذه القراءات متواترة عن خير البرية عليه الصلاة والسلام.

حقيقة الاختلاف في آيات سورة الفاتحة

وعلى هذا أخواتي الكريمات! فسورة الفاتحة سبع آيات، لكن كما قلت اختلف في بيان آياتها على حسب الثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام، وهذا الاختلاف هو من باب اختلاف التنوع وليس اختلاف آراء متقابلة، أي: اختلف عد آياتها إلى كيفيتين ثابتتين متواترتين عن نبينا عليه الصلاة والسلام، فبعض القراءات اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم فيها البسملة آية من الفاتحة وبعض القراءات لم يعتبر البسملة آية من الفاتحة، ومرد هذا للسماع المحض ولا دخل للعقل ولا للقياس فيه مطلقاً، فانتبهن أخواتي الكريمات إلى هذا، فهذه قضية ينبغي للمسلمين أن يعوها ألا وهي: أن هناك خلافاً كبيراً بين قراءة الأئمة القراء وبين فقه الأئمة الفقهاء، فقراءة الأئمة القراء لا نقول كلها صحيحة فقط، بل نقول: كلها قطعية الثبوت، ومن شك في حرف منها فهو كافر، ولا يوجد صحيح فيها وأصح، ولا قوي وأقوى، ومن باب أولى لا يوجد فيها مقبول ومردود، فكلها كلام الرب المعبود سبحانه وتعالى، فمن قرأ: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] قرأ بكلام رب العالمين، ومن قرأ: (ملك يوم الدين) قرأ بكلام رب العالمين، وهذا كله مرده للسماع لا للقياس، ولذلك في سورة الفاتحة (مالك، ملك) أما في سورة الناس: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ [الناس:1-2] من قرأ (مالك الناس) نقطع رقبته، فإذا قال: لم؟ الرسم واحد في السورتين: (ملك الناس) و(ملك يوم الدين) واسمهما في المصحف واحد لم هنا تقرءون مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] (ملك يوم الدين) وفي سورة الناس: مَلِكِ النَّاسِ [الناس:2] ولا يجوز (مالك الناس)؟

نقول: جواز القراءات يتبع النزول لا الرأي والقياس، ذاك نازل ووارد عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهو متواتر، فأثبتناه ، وأما في سورة الناس فما أقرأ خير الأسياد نبينا عليه الصلاة والسلام وما أقرأ الصحابة الكرام: (مالك الناس) بل قرءوا: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ [الناس:1-4] فنقف عند الوارد ولا نشغل عقولنا.

إذاً: قراءة الأئمة القراء لا تصحيح فيها ولا تضعيف، فلا نقول: هذه أصح، وهذه صحيحة وهذه أقوى وهذه قوية، وهذه مقبولة وهذه مردودة، كل هذا لا يقال، بل يقال: كلها كلام الله. وأنت تقرأ بما شئت، وحسبما تعلم منها وكلها متواترة ولا حرج، تقرأ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] (ملك يوم الدين)، ولا يجوز لأحد أن يقول: هذه أفضل أو هذه أفضل، والذي يقول فهو مبتدع، فالتفضيل بين القراءات بدعة؛ لأنها كلها كلام رب الأرض والسماوات، فلا نفضل، ولا نقول: هذه قراءة أفضل من تلك. لا، هذا كلام الله، ومن باب أولى: لا نقول هذه مقبولة وتلك مردودة، فمن قال هذا فهو ضال، أما فقه الفقهاء فيختلف عن قراءة الأئمة القراء، ففقه الفقهاء فيه صحيح وأصح، وقوي وأقوى، ومقبول ومردود. لماذا؟ لأن فقه الفقهاء دخل فيه العقل البشري في الاستنباط، وهذا العقل البشري قد يخطئ وقد يصيب، قد يصيب فنقول: صحيح، وقد يصيب لكن الإصابة تختلف فنقول: هذا صحيح وهذا أصح، وقد لا يصيب فنقول: هذا خطأ، مع أنه مأجور ولا نضلل الفقيه فهو مأجور في جميع أحواله، لكن لا يلزم أن يصيب في جميع أحواله، وفي الحديث: ( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر )، له أجر الاجتهاد وخطؤه مغفور، وإذا أصاب فله أجران أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وأما القراءات فلا دخل فيها لعقول المخلوقات على الإطلاق فهي سماع محض وكفى، ولذلك لا تصحيح ولا تفاوت في القراءات، ومن باب أولى لا تقديم قراءة ورد وتضعيف قراءة أخرى.

إذاً: القراءات سماع محض عن النبي عليه الصلاة والسلام عن طريق التواتر لا دخل في ذلك لعقل إنسان، فانتبهن لهذه القضية التي يغفل عنها كثير من البرية.

إذاً: سورة الفاتحة سبع آيات، سبع آيات لكن كيفية العد تنوعت، ولو أردنا أن نتحاشى اللفظ الموهم بدل اختلفت نقول: تنوعت إلى كيفيتين ثابتتين عن سيد الكونين عليه الصلاة والسلام:

الكيفية الأولى: بسم الله الرحمن الرحيم هي الآية الأولى.

والكيفية الثانية: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] هي الآية الأولى.

وكل هذا ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام، والكيفية الأولى أخذ بها قراء الكوفة وقراء مكة وهم خمسة .. نصف القراء تماماً، الكوفيون والمكي.

والكيفية الثانية أخذ بها المدنيان والشامي والبصريان خمسة أيضاً على أن الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] هي أول الآيات، وبسم الله الرحمن الرحيم ليست آية في أول الفاتحة.

إذاً: اتفق علماء العد على عد آيات الفاتحة سبع آيات، لكن كيفية العد تنوعت حسبما نقل عن النبي عليه الصلاة والسلام.

في هذه المناسبة أحب أن أذكر المصاحف التي يؤخذ منها العد وأبين القراءات العشر المتواترة لأنها تلزمنا في دروسنا في التفسير في المستقبل إن شاء الله.

أخواتي الكريمات! المصاحف التي يؤخذ منها عد الآيات: المدني الأول، والمدني الثاني، والمكي، والكوفي، والبصري، والشامي، والحمصي. سبعة مصاحف، وهي التي كتبت في عهد عثمان رضي الله عنه وأرضاه ذو النورين ووزعت على أمصار المسلمين، فما فيها من عد فهو ثابت متواتر عن نبينا عليه الصلاة والسلام، لكن كيفية العد تختلف على حسب ما كان النبي عليه الصلاة والسلام يقرئ الصحابة الكرام، فانتبهن لهذا، فأحياناً يجعل الوقف آية، وأحياناً يغير الوقف على حسب القراءات الثابتة النازلة عليه عليه صلوات الله وسلامه، وهي القراءات العشر وما خرج عنها فليس بمتواتر ولا يجوز القراءة به.

وهذه القراءات المتواترة -كما قلت- هي كلام الله، والذي لا أقول ينكر حرفاً، بل الذي يشكك في حرف فهو كافر مرتد كما لو أنكر سورة الإخلاص قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1].

والقراءات العشر المتواترة: أولها وثانيها: المدنيان نافع وأبو جعفر يزيد بن القعقاع، يقال لهما المدنيان.

ثالثها: المكي وهو القارئ الثالث: عبد الله بن كثير ، ويليه الرابع: الشامي عبد الله بن عامر، ثم يليه الكوفيون الأربعة وهم: حمزة والكسائي وخلف وعاصم، ونحن نقرأ بقراءة حفص عن عاصم، ثم قراءة البصريين أبي عمرو بن العلاء ويعقوب، هؤلاء عشرة.

إذاً: مدنيان اثنان، ومكي وشامي، وأربعة كوفيون، صاروا ثمانية، وبصريان اثنان، فصاروا عشرة، والبصريان هما: أبو عمرو بن العلاء ويعقوب الحضرمي. هذه قراءات متواترة موجودة في أمصار المسلمين نسبت إلى هؤلاء الأئمة؛ لأنهم أبرز من عني بها وأبرز من ضبطها، فأراد أئمتنا أن يجمعوا تلك الأحرف وتلك القراءات فقالوا: هذا حرف نافع .. هذا حرف أبي جعفر .. هذا حرف عبد الله بن كثير .. هذا حرف عبد الله بن عامر .

وقراءة الشام التي تلقاها أهل الشام عن الصحابة الكرام متواترة، لكن أبرز من كان يقرأ بها في عهد تدوين القراءات: عبد الله بن عامر فنسبت إليه لكنها متواترة يقرأ بها لا أقول الألوف بل مئات الألوف والملايين، فنسبت إليه لهذه العلة؛ لأنه أبرز المتقنين لها في زمنه، وهو من تصدر للإقراء بها في تلك البلاد، فلأجل أن تضبط قيل: قراءة الشام تنسب إلى قراءة عبد الله بن عامر.

وقراءة أهل مكة قاطبة تنسب إلى عبد الله بن كثير، ففي عهد تدوين القراءات كان هو أبرز قارئ لقراءة مكة التي فيها المصاحف المطبوعة في عهد عثمان رضي الله عنه وعن الصحابة الكرام، وفيها القرآن المنزل على النبي عليه الصلاة والسلام، فأبرز المقرئين لقراءة أهل مكة في ذلك الزمان وفي عهد تدوين القراءات هو عبد الله بن كثير.

وفي المدينة المنورة: نافع وشيخه أبو جعفر يزيد بن القعقاع، وفي الكوفة الكوفيون الأربعة: عاصم ونحن نقرأ بقراءة حفص عن عاصم، والراوي الثاني لــعاصم : شعبة، وتختلف قراءة شعبة عن حفص وكلاهما ينتميان إلى شيخ واحد في قرابة خمسمائة حرف.

إذاً: الكوفيون الأربعة حفص عن عاصم الكوفي، حمزة الكوفي، الكسائي الكوفي، خلف الكوفي.

والبصريون أبرز من كان يقرأ في البصرة بالقراءة المتواترة التي هي موجودة في المصحف الذي بعث به في عهد عثمان رضي الله عنه وأرضاه: أبو عمرو بن العلاء ، ويعقوب الحضرمي. هؤلاء يقال لهم: القراء العشرة.

تقدم معنا أن المصاحف التي يؤخذ منها العد هي المصاحف السبعة، وهذه القراءات متواترة عن خير البريات عليه صلوات الله وسلامه.

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:2-6] قراءتان متواترتان عن النبي عليه الصلاة والسلام.

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] و(اهدنا السراط المستقيم) بالصاد والسين، وهذا متواتر عن النبي عليه الصلاة والسلام، وقرأ به الصحابة الكرام حسب ما تلقوا من نبينا عليه وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، وأقرءوه للمسلمين في عهد تدوين القراءات لتضبط فضبطت هذه القراءات ونسبت قراءة كل مصر إلى أبرز الشيوخ في ذلك الوقت.. إلى أبرز المقرئين فقيل: قراءة حمزة ، قراءة عاصم ، قراءة نافع ، قراءة ابن عامر وما شاكل هذا، ولا يجوز -كما قلت- القراءة بغير هذه القراءات، وهذه القراءات متواترة عن خير البرية عليه الصلاة والسلام.