خطب ومحاضرات
مقدمة في التفسير - مقدمة في تفسير سورة الفاتحة - أين نزلت
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.
سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فستكون موعظتنا في هذا اليوم إن شاء الله حول مدارسة أفضل سور القرآن .. سورة الفاتحة إن شاء الله.
وقبل أن نبدأ في مدارسة تفسير هذه السورة الكريمة هناك أسئلة وجهها بعض الأخوات الصالحات في المواعظ السابقة أجيب عليها باختصار إن شاء الله ثم نتدارس ما نحن بصدده كما بينت وأخبرت.
حكم تقبيل المرأة للمرأة عند السلام
الجواب: المشروع عند لقاء المسلمين بعضهم بعضاً الذكور، مع الذكور والنساء مع النساء، والنساء مع محارمهن، المشروع هو السلام ثم المصافحة، وإذا قدم الإنسان من سفر فيعانق، ولا بأس أيضاً بالتقبيل في حال مجيء الإنسان من سفر، وأما إذا لم يكن هناك سفر والتقت المرأة بأختها أو الأخ بأخيه أو المرأة بمحرمها فما ينبغي أن يحصل إلا السلام والمصافحة، وأما التقبيل لو حصل فليس بحرام والتحريم يحتاج إلى نص شرعي يبين أن هذا يعتبر حراماً وعليه إثم -أي: على فاعله إثم في فعله- ولا يوجد ما يدل على هذا.
نعم ليس هذا من سنة المسلمين ولذلك هو خلاف الأولى، وقد نص شيخ الإسلام الإمام النووي عليه رحمة الله في الأذكار على أن التقبيل بين المسلمين عند اللقاء في غير ما شرع التقبيل فيه كقدوم الإنسان من سفر مكروه كراهة تنزيه.
وإليكن الأدلة على ذلك أخواتي الكريمات: ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي، والحديث رواه ابن ماجه في سننه أيضاً وإسناد الحديث صحيح من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: ( الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا. فقال: أفيلتزمه ويقبله؟ -يعني: يعانقه ويضمه إليه ثم يقبله من رأسه أو من وجه- فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لا. فقال الرجل: أفيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: نعم، يأخذ بيده ويصافحه ).
وفي رواية في سنن ابن ماجه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ( أينحني بعضنا لبعض؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لا. فقال الرجل: أفيعانق بعضنا بعضاً؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، ولكن تصافحوا ).
وورد في معجم الطبراني الأوسط بسند حسن من حديث أنس أيضاً رضي الله عنه وأرضاه ( أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا )، فالمشروع إذاً عند اللقاء إذا لم يكن هناك سفر المصافحة، وعند السفر المعانقة، وإذا ضم إليها التقبيل فهو جائز مشروع وورد هذا، ولذلك قال الإمام النووي عليه رحمة الله: المصافحة سنة مجمع عليها عند التلاقي، ولا بأس بتقبيل الرجل وجه صاحبه، وهكذا بتقبيل المرأة وجه صاحبتها إذا قدما من سفر، والدليل على هذا: ما رواه الإمام الترمذي في سننه بإسناد حسن عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: ( قدم
( فلما سمع النبي عليه الصلاة والسلام لصوته على الباب خرج نبينا عليه الصلاة والسلام فرحاً بقدوم زيد يجر ثوبه، تقول
وإذا كان الناس في حضر كما قلت فلا يشرع التقبيل، لا يقبل الناس إذا كان الناس في حضر، لا يقبل إلا الرجل العالم بالنسبة للرجال، والمرأة العالمة بالنسبة للنساء، وهكذا الأم.. هذا من باب الاحترام، يقبل الإنسان يديها يقبل الإنسان رأسها .. جبهتها هذا يشرع في كل وقت، وهذا الذي كان يفعل مع نبينا عليه الصلاة والسلام، ففي سنن أبي داود وغيره بإسناد حسن أخبر أنهم كانوا يقبلون يد النبي عليه الصلاة والسلام، فتقبيل اليد وتقبيل الرأس بالنسبة للرجل الكبير بالنسبة للعالم .. للعالمة للأم للأب كل هذا مشروع وإن لم يكن هناك سفر، وأما المعانقة بين الأصحاب والتقبيل فلا يشرع هذا إلا إذا حصل سفر.
وعليه فإذا كان الناس يقيمون في بلد ما وتقابلوا ينبغي أن يسلم بعضهم على بعض وأن يصافح بعضهم بعضاً، لو وقع الالتزام والتقبيل فلا يقال: إن هذا حرام إنما يقال: خلاف الأولى، وتركه أحسن، والعلم عند الله جل وعلا.
حكم مصافحة المرأة للأقارب من غير المحارم
الجواب: تسأل عن مصافحة أقاربها إذا لم يكونوا من محارمها، يعني: إذا أرادت أن تصافح الأقارب من الرجال من الذكور كابن عمها وابن عمتها وابن خالها وخالتها وما شاكل هذا، أي: كل من يحل له أن يتزوجها، والمحرم من لا يحل له أن يتزوجها بحال من الأحوال، فإذا أرادت المرأة أن تسلم على ذوي رحمها من الرجال فهل يشرع لها مصافحتهم؟
الجواب: لا يجوز للمرأة أن تصافح رجلاً أجنبياً سواء كان قريباً أو بعيداً، والأجنبي هو من يحل له أن يتزوجها، كل من يحل للمرأة أن تتزوجه لا يجوز لها أن تصافحه، وهكذا الرجل لا يجوز أن يصافح المرأة إذا كان يحل له أن يتزوجها سواء بينه وبينها قرابة أو لا. نعم يصافح أخته .. يصافح ابنته .. يصافح بعد ذلك خالته .. عمته كل من لا يحل له أن يتزوجها، وما عدا هذا فحرام حرام، وقد ثبت في معجم الطبراني الكبير والحديث في سنن البيهقي ورواه الإمام الروياني في مسنده والحديث صحيح عن معقل بن يسار رضي الله عنه وهو من الصحابة الأبرار، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لأن يطعن برأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ) وهكذا المرأة لأن يطعن في رأس امرأة بمخيط من حديد خير لها من أن تمس رجلاً لا يحل لها أن تمسه، أي: ليس هو من محارمها.
وعليه فالمصافحة حرام، والذي يفعل ذلك آثم عند الرحمن وعليه أن يتوب إلى ذي الجلال والإكرام.
إذاً: لا مانع على المرأة أن تسلم على أقاربها بدون أن يكون هناك كشف لوجه ومصافحة بيد، وليس هناك محذور شرعي فلا مانع، إن سلم عليها قريبها.. ابن عمتها .. ابن عمها من وراء حجاب ومن وراء ستار ثم ردت عليه السلام فلا مانع دون أن تحصل مجالسة وكشف لوجه واختلاط، ومن باب أولى دون أن يحصل ملامسة ومصافحة.
حكم الصور والنقوش التي تعلق في البيت أو تكون مصورة على الذهب
الجواب: الصور محرمة، فيحرم على الإنسان أن يصور أو يتصور، ولا يجوز أن يعلق شيئاً من الصور في بيته أو على بدنه، وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، وأخبرنا أن من فعل ذلك فهو ملعون وهو أشد الناس عذاباً يوم القيامة، ولا تقرب الملائكة مكاناً فيه صورة، ثبت في المسند والصحيحين من حديث أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: ( قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت سهوة في البيت بقرام فيه تصاوير ) وفي رواية: ( فيه تماثيل )، والسهوة هي الطاقة والنافذة وهي الفتحة التي تكون في الجدار يوضع فيها أمتعة. سهوة في البيت. نافذة .. طاقة .. فتحة في الجدار يوضع فيها أحياناً شيء من الأمتعة من دواء، من شيء يوضع فيها، من كتاب. سهوة سترتها بقرام، أي: بستارة من خرق من قماش وضعت عليها ستارة، هذه الستارة على السهوة والستارة فيها تصاوير .. فيها تماثيل، يعني: فيها صور حيوانات مثلاً.
تقول: ( فلما جاء النبي عليه الصلاة والسلام ودخل على هذا البيت ورأى هذا القرام يستر السهوة قال: يا
وفي رواية في الصحيحين أيضاً أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لأمنا عائشة: ( يا
وعدم دخول الملائكة للبيت الذي فيه صورة ثابت في أحاديث كثيرة تصل إلى درجة التواتر، منها: ما ثبت في المسند والصحيحين وسنن الترمذي والنسائي وابن ماجة والحديث في أعلى درجات الصحة من رواية أبي طلحة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب أو صورة ) أي: إذا كان في البيت كلب لا تدخله الملائكة وإن كان في البيت صورة لا تدخل الملائكة هذا المكان، وكما قلت: من يفعل هذا فهو أشد الناس عذاباً يوم القيامة.
وعليه فلا يجوز أن يكون في البيت صورة في ستارة على نافذة أو على باب.
ولا يجوز أن تكون صورة في الحلي الذي تلبسه النساء؛ لأن هذا كله يمنع من دخول الملائكة وفيه تعظيم.
نعم رخص أئمتنا أن توجد الصورة في البساط الذي يوطأ بالأرجل لأنه ممتهن، ومع ذلك الإمام النووي عليه رحمة الله في شرح صحيح مسلم يقول: مع الترخيص وعدم الإثم في اقتناء البساط والفراش الذي فيه صورة لأنه يوطأ بالرجل فهو ممتهن، مع ذلك: لا تدخل الملائكة هذا البيت لإطلاق قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب أو صورة ).
إذاً: بما أنه يوجد صورة فالملائكة لا تدخل سواء كانت هذه الصورة على بساط أو على الستارة أو في الحلي أو في غير ذلك، أما إذا كانت في الحلي أو على الستارة هذا لا يرخص للإنسان في استعمالها ولا تدخل الملائكة، وإذا استعملها فهو آثم عاص، وأما إذا كانت في البساط فيجوز أن يستعملها وليس بعاص لكنه يحرم من دخول ملائكة الرحمة إلى هذا المكان فيفقد الخيرات والبركات.
تعريف النقاب وبيان حكمه
الجواب: إذا كانت الأخت تقصد بالنقاب: غطاء الوجه وستر الوجه فهذا من حجاب المرأة قطعاً وجزماً، وإذا كانت تقصد من النقاب خصوص البرقع الذي يلبس فهذا لا يشترط للمرأة إنما ينبغي أن تستر وجهها ولا يجوز أن يبدو شيء من بدنها. وقد حققت هذا أخواتي الكريمات وتكلمت عليه في محاضرة مسجلة على شريط ولو سمعتن الشريط فستجدن هذا الحكم فيه جلياً واضحاً بأدلته.
إذاً: المرأة لا يجوز أن تكشف عن وجهها، ووجهها ينبغي أن يستر كسائر جسمها، بل هو أولى بالستر من ذراعيها ومن ساقيها فهو محط الفتنة ومحل الجمال، وإذا كانت تستر الساقين وتستر الذراعين فينبغي أن تستر الوجه من باب أولى، وآية الحجاب التي فرض الله فيها الحجاب نزلت من أجل ستر الوجه فقط: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الأحزاب:59] والمرأة إذا أرادت أن تستر بدنها وأرخت الجلباب الذي تلبسه من فوق رأسها على صدرها وضربت بخمرها على جيبها فقد سترت الوجه وسترت فتحة العنق ولم يظهر شيء من البدن.
وقبل نزول هذه الآية -أعني: آية الحجاب- كن نساء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يكشفن عن وجوههن وأيديهن، فما كنت امرأة منهن تتبذل تبذل الساقطات في هذه الأيام فتخرج مكشوفة الفخذين أو مكشوفة الصدر أو الظهر .. هذا لا يوجد، إنما كانت المرأة تكشف وجهها وتكشف يديها، فأمرن بالحجاب.
أي حجاب أمرن به؟ بستر ما كان يكشف، أي: بستر الوجه والكفين الذين كانا يكشفان فقط.
إذاً: الحجاب فرض أصالة لتغطية الوجه واليدين ليستر هذان العضوان كما تستر سائر أعضاء المرأة، والعلم عند الله جل وعلا.
أخواتي الكريمات! كما قلت في الشريط وضحت هذا غاية الوضوح، وذكرت الأحاديث عن نساء السلف وأن أمنا عائشة رضي الله عنها كانت تخبر أنها في حالة الإحرام وهي مع النبي عليه الصلاة والسلام والصحب الكرام إذا حاذى الرجال النساء تسدل كل امرأة حجابها فتستر وجهها فإذا جاوز الرجال النساء وابتعدوا عن النساء تكشف المرأة وجهها لأنها بين صاحباتها وأخواتها.
وذكرت أيضاً أثر أسماء وهو صحيح ثابت في المستدرك وغيره أنها قالت: ( كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم )، وهكذا فاطمة بنت المنذر كانت تقول: كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهن أجمعين.
وعليه فغطاء الوجه واجب، وهذا من جملة حجابها ولا يجوز للمرأة أن تكشف عن وجهها.
أخواتي الكريمات! رخص الله للمرأة إذا كانت قاعدة -أي: قعد سنها عن طلب النكاح فلا ترغب في النكاح ولا يرغب الرجال في نكاحها- إذا كانت قاعدة أن تكشف عن وجهها، يقول الله: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [النور:60].
إذاً: يجوز للمرأة إذا بلغت سبعين سنة وأكثر فتجعد وجهها وصار طبقات يجوز لها في هذه الحالة أن تكشف عن وجهها وعن يديها وأن تظهر بالملابس الطويلة أمام الرجال الأجانب وإن لم يكن عليها جلباب فوق ثيابها.
وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ [النور:60] أي ثياب تضعها؟ الجلباب بحيث يبدو الوجه.. تبدو اليدان ولا تلبس جلباباً واسعاً فوق ثيابها الطويلة التي تجرها على الأرض، ثم قال الله: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60] أي: المرأة التي وصلت سبعين وثمانين وتسعين ومائة إذا سترت وجهها ويديها فهذا أفضل لها عند ربها.
الذي أريده من هذا أخواتي الكريمات: إذا كانت المرأة القاعد يرخص لها أن تكشف عن وجهها وندبها الإسلام إلى ستر وجهها فكيف للصبية الشابة؟ أي: القاعد يرخص لها في كشف الوجه والأفضل أن تستره، فكيف يكون الأمر بالشابة؟ هل الشابة صارت قاعدة حتى تجعل نفسها كالقاعدة: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ [النور:60] لا يأملن ولا يطمعن في الزواج ولا يطمع في زواجهن أحد فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ [النور:60].
أي ثياب؟ هل تكون أمام الناس عارية؟ هذا لا يمكن (أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ) يعني: لا حرج عليها أن تكشف عن وجهها وأن تبدي يديها فالفتنة قد انقطعت والرغبة فيها قد انقطعت والذي يراها لا يتأثر ولا يحصل في قلبه شهوة، وهي أيضاً لا تفتتن ولا تفكر في هذا الأمر، وعليه فلا مانع أن تكشف الوجه واليدين من أجل سهولة الحركة بالنسبة لها وهي ضعيفة قد تحتاج إلى كشف هذا من أجل أن تستعين في الطريق بأخذ حاجة ثم مع هذا: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [النور:60].
وأما المرأة الشابة فيحرم عليها أن تكشف وجهها، ولا يجوز أن يرى وجهها إلا محرم أو زوج والعلم عند الله جل وعلا.
حكم هجر المرأة لزوجها بسبب المشكلات العائلية
الجواب: سبحان الله العظيم! هل يتصور هذا؟ امرأة تهجر زوجها؟! من أجل مشاكل عائلية جرى بينها وبينه شيء من الخصومة والملاحاة فهجرته، هذا حقيقة معيب ومنقصة ومذموم وهو حرام، وينبغي أن تعلمن أخواتي أن أعظم الناس حقاً على المرأة زوجها، كما أن أعظم الناس حقاً على الرجل أمه، وقد ثبت هذا في مسند الإمام أحمد ومستدرك الحاكم ومسند البزار بسند صحيح كالشمس من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: ( سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! أي الناس أعظم حقاً على المرأة؟ قال: زوجها. قلت: فأي الناس أعظم حقاً على الرجل؟ قال: أمه ) فالرجل أعظم الناس حقاً عليه أمه، والمرأة أعظم الناس حقاً عليها زوجها.
إذاً: هذا الزوج الذي هو أعظم الناس حقاً عليها حتى من أبويها هل يليق بها أن تهجره؟ لا ثم لا، وإذا هجرته ونفرت عنه وهو يريدها ستلعن من قبل ملائكة السماء ويسخط عليها رب الأرض والسماء حتى يرضى عنها زوجها، وقد ثبت هذا في المسند والصحيحين والحديث في أعلى درجات الصحة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات وهو عليها غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح ). وفي رواية في صحيح البخاري: ( إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها زوجها ) يسخط الله عليها والملائكة تلعنها حتى يرضى عليها زوجها، فكيف يليق بالمرأة أن تهجر زوجها من أجل مشاكل عائلية؟ هذا لا يصلح، ولو قدر أن الزوج تأثر منها فهي ينبغي أن تبدأ بالصلح وأن تتعرض له وأما أن تفارقه وأن تهجره فهي بهذا ترتكب كبيرة وأثمها شنيع فضيع، والمرأة إذا أطاعت ربها ورضي عنها زوجها تدخل جنة ربها كما ثبت هذا في سنن الترمذي وابن ماجة ، والحديث رواه الحاكم في المستدرك من رواية أمنا أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة ) ولذلك ينبغي على النساء أن ينتبهن إلى هذا الأمر، ولا يحل للمرأة أن تهجر زوجها لمشاكل عائلية.
حكم استماع الأغاني وواجب المسلم نحو ما يقام من حفلات الرقص والغناء
الجواب: أخواتي الكريمات! أما الغناء فلا خلاف عند أئمتنا المعتبرين في تحريمه واستماعه فسق والتلذذ به كفر، استماع الغناء فسق ومن استمعه فهو فاسق عاص لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام، ومن بدأ يتلذذ به ويطرب فهذا أشنع وأشنع، استماعه فسق والتلذذ به كفر، وكنت وضحت حكم الغناء في محاضرة طويلة اسمها: (جواب الحنفاء عن حكم الغناء)، فلو سمعتن الشريط أخواتي لعله في حدود ثلاث ساعات يتبين لكن الحق في هذه المسألة، وهو عند أئمتنا الأربعة أهل المذاهب المتبعة أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد محرم بالاتفاق، وبعد ذلك إذا وجد ترخص من بعض العلماء فهو بين أمرين: إما أنه يفتي ويترخص وهو مفت ماجن لا يتقي الله في كلامه، وإما أنه لا يعرف حقيقة الغناء، الغناء كما قال أئمتنا: كلام موزون مقفى. أي: له قافية محددة على حسب القصيدة التي يقولها المغني والمغنية.
كلام موزون مقفى يقال بتكسر وتخنث. أي: يحتوي ويشتمل على فحش وخنا. أي: فيه فحش وفيه خنا وفيه بذاءة وفيه سفاهة وفيه حض على الشهوات والمنكرات. هذا الغناء لا خلاف في تحريمه، وقد دلت آيات القرآن وأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام على تحريمه فكن على علم بذلك.
استماع الغناء فسق والتلذذ به كفر، وكما قلت: إذا ترخص بعض الناس فإما هو متساهل مفرط ماجن وإما أنه لا يعرف حقيقة الغناء حتى يقول: ممكن أن يستمع الناس الغناء وأن يترخصوا فيه وأن يرفهوا على أنفسهم، فالغناء حرام، وجميع آلات العزف والموسيقى حرام، سواء كانت مثيرة أو لا، فلا فارق بين جميع آلات اللهو في التحريم، وقد ثبت في أصح الكتب بعد كتاب الله في صحيح البخاري من حديث أبي مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ) الحر. أي: الفروج والزنا. والحرير: يلبسه الرجال. والخمر يسمونها بغير اسمها، والمعازف قال أئمتنا: جمع معزفة، وهي جميع آلات اللهو بلا خلاف بين علماء اللغة، ثم أخبر النبي عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث أنهم يمسخون قردة وخنازير إلى يوم القيامة.
إذاً: المعازف والمزامير بأنواعها والغناء الذي ذكرت تعريفه حرام بلا خلاف بين أئمة الإسلام، ولذلك لما قيل للإمام مالك عليه رحمة الله: إن أهل المدينة يترخصون في الغناء ويستمعون إليه. قال: ويحكم لا يفعل ذلك عندنا إلا الفساق.
وقيل للإمام مالك وقبله لـابن عباس رضي الله عنهم أجمعين، وقيل لعدد من أئمة الإسلام هذا السؤال فأجابوا بهذا الجواب، قيل لـمالك ولـابن عباس ولغيرهم: ما حكم الغناء؟ فكان كل واحد من ابن عباس والإمام مالك والقاسم بن محمد هؤلاء الذين سئلوا هذا السؤال يقولون للسائل: إذا كان يوم القيامة وميز الله بين الحق والباطل ففي أيهما يكون الغناء؟ فيكون الجواب من السائل: الغناء يكون في قسم الباطل، فيقول ابن عباس والقاسم بن محمد والإمام مالك للسائل: قد أفتيت نفسك. يعني: إذا وقفنا بين يدي الله وميز الله بين الحق والباطل وبين المحقين والمبطلين هل الباطل يكون مع الحق وفي كفة الحق أم مع الباطل وفي كفة الباطل؟ فالسائل هو بنفسه كان يقول: يأتي يوم القيامة الغناء فيكون مع الباطل، فماذا بعد الحق إلا الضلال، أنت نفسك تقول هذا إذاً لم تسألنا؟
وهذا كما يسأل الآن كثير من الناس عن الدخان ما حكمه؟ هذا التتن الذي يشرب، قل له: نافع أو ضار؟ يقول: ضار. فقل له: أفتيت نفسك، إذا كان يضر وفيه هذه الرائحة المنتنة وإتلاف للأموال وضرر على الأبدان وسبب لمرض السرطان أنت تقول هذا، ثم تقول: ما حكمه؟ أما عندك عقل؟ وهنا أنت تقول: إذا كان يوم القيامة سيكون الغناء في كفة الباطل، فهذا ضلال وحرام وانتهى الأمر، فماذا بعد الحق إلا الضلال.
وعليه أخواتي الكريمات الغناء حرام، وأسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن يبتعدون عن الحرام بجميع أشكاله وألوانه، قال الإمام عمر بن عبد العزيز رحمه الله ورضي عنه لمؤدب أولاده: ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الغناء الذي مبدأه من الشيطان وعاقبته سخط الرحمن.
والغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل، والغناء رقية الزنا، وما أحد سمع الغناء إلا زنا أو تمنى، وعليه فما يترخصه بعض الناس ترخص مردود.
وأما ماذا نفعل نحو ما يقام من حفلات رقص وغناء؟
أخواتي الكريمات! أول ما يجب أن نحصن أنفسنا وإذا حصن الإنسان نفسه فهنيئاً له، لو أن الخلق كلهم دخلوا جهنم ودخلت أنت الجنة فلا يضرك، ولو أن الخلق كلهم دخلوا الجنة ودخلت أنت النار فأنت الخاسر، فنحن إذا حصنا أنفسنا فهذه نعمة عظيمة من الله علينا، ثم بعد ذلك نحذر الأمة على حسب استطاعتنا، ونسأل الله أن يجعلنا من الذين آمنوا وعلموا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.
السؤال: هل تقبيل المرأة للمرأة حرام عند السلام؟ وهل يترك هذا الأمر لعادات كل بلد في كيفية السلام؟
الجواب: المشروع عند لقاء المسلمين بعضهم بعضاً الذكور، مع الذكور والنساء مع النساء، والنساء مع محارمهن، المشروع هو السلام ثم المصافحة، وإذا قدم الإنسان من سفر فيعانق، ولا بأس أيضاً بالتقبيل في حال مجيء الإنسان من سفر، وأما إذا لم يكن هناك سفر والتقت المرأة بأختها أو الأخ بأخيه أو المرأة بمحرمها فما ينبغي أن يحصل إلا السلام والمصافحة، وأما التقبيل لو حصل فليس بحرام والتحريم يحتاج إلى نص شرعي يبين أن هذا يعتبر حراماً وعليه إثم -أي: على فاعله إثم في فعله- ولا يوجد ما يدل على هذا.
نعم ليس هذا من سنة المسلمين ولذلك هو خلاف الأولى، وقد نص شيخ الإسلام الإمام النووي عليه رحمة الله في الأذكار على أن التقبيل بين المسلمين عند اللقاء في غير ما شرع التقبيل فيه كقدوم الإنسان من سفر مكروه كراهة تنزيه.
وإليكن الأدلة على ذلك أخواتي الكريمات: ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي، والحديث رواه ابن ماجه في سننه أيضاً وإسناد الحديث صحيح من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: ( الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا. فقال: أفيلتزمه ويقبله؟ -يعني: يعانقه ويضمه إليه ثم يقبله من رأسه أو من وجه- فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لا. فقال الرجل: أفيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: نعم، يأخذ بيده ويصافحه ).
وفي رواية في سنن ابن ماجه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ( أينحني بعضنا لبعض؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لا. فقال الرجل: أفيعانق بعضنا بعضاً؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، ولكن تصافحوا ).
وورد في معجم الطبراني الأوسط بسند حسن من حديث أنس أيضاً رضي الله عنه وأرضاه ( أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا )، فالمشروع إذاً عند اللقاء إذا لم يكن هناك سفر المصافحة، وعند السفر المعانقة، وإذا ضم إليها التقبيل فهو جائز مشروع وورد هذا، ولذلك قال الإمام النووي عليه رحمة الله: المصافحة سنة مجمع عليها عند التلاقي، ولا بأس بتقبيل الرجل وجه صاحبه، وهكذا بتقبيل المرأة وجه صاحبتها إذا قدما من سفر، والدليل على هذا: ما رواه الإمام الترمذي في سننه بإسناد حسن عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: ( قدم
( فلما سمع النبي عليه الصلاة والسلام لصوته على الباب خرج نبينا عليه الصلاة والسلام فرحاً بقدوم زيد يجر ثوبه، تقول
وإذا كان الناس في حضر كما قلت فلا يشرع التقبيل، لا يقبل الناس إذا كان الناس في حضر، لا يقبل إلا الرجل العالم بالنسبة للرجال، والمرأة العالمة بالنسبة للنساء، وهكذا الأم.. هذا من باب الاحترام، يقبل الإنسان يديها يقبل الإنسان رأسها .. جبهتها هذا يشرع في كل وقت، وهذا الذي كان يفعل مع نبينا عليه الصلاة والسلام، ففي سنن أبي داود وغيره بإسناد حسن أخبر أنهم كانوا يقبلون يد النبي عليه الصلاة والسلام، فتقبيل اليد وتقبيل الرأس بالنسبة للرجل الكبير بالنسبة للعالم .. للعالمة للأم للأب كل هذا مشروع وإن لم يكن هناك سفر، وأما المعانقة بين الأصحاب والتقبيل فلا يشرع هذا إلا إذا حصل سفر.
وعليه فإذا كان الناس يقيمون في بلد ما وتقابلوا ينبغي أن يسلم بعضهم على بعض وأن يصافح بعضهم بعضاً، لو وقع الالتزام والتقبيل فلا يقال: إن هذا حرام إنما يقال: خلاف الأولى، وتركه أحسن، والعلم عند الله جل وعلا.
السؤال: ما حكم مصافحة المرأة للأقارب الذين ليسوا من المحارم؟
الجواب: تسأل عن مصافحة أقاربها إذا لم يكونوا من محارمها، يعني: إذا أرادت أن تصافح الأقارب من الرجال من الذكور كابن عمها وابن عمتها وابن خالها وخالتها وما شاكل هذا، أي: كل من يحل له أن يتزوجها، والمحرم من لا يحل له أن يتزوجها بحال من الأحوال، فإذا أرادت المرأة أن تسلم على ذوي رحمها من الرجال فهل يشرع لها مصافحتهم؟
الجواب: لا يجوز للمرأة أن تصافح رجلاً أجنبياً سواء كان قريباً أو بعيداً، والأجنبي هو من يحل له أن يتزوجها، كل من يحل للمرأة أن تتزوجه لا يجوز لها أن تصافحه، وهكذا الرجل لا يجوز أن يصافح المرأة إذا كان يحل له أن يتزوجها سواء بينه وبينها قرابة أو لا. نعم يصافح أخته .. يصافح ابنته .. يصافح بعد ذلك خالته .. عمته كل من لا يحل له أن يتزوجها، وما عدا هذا فحرام حرام، وقد ثبت في معجم الطبراني الكبير والحديث في سنن البيهقي ورواه الإمام الروياني في مسنده والحديث صحيح عن معقل بن يسار رضي الله عنه وهو من الصحابة الأبرار، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لأن يطعن برأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ) وهكذا المرأة لأن يطعن في رأس امرأة بمخيط من حديد خير لها من أن تمس رجلاً لا يحل لها أن تمسه، أي: ليس هو من محارمها.
وعليه فالمصافحة حرام، والذي يفعل ذلك آثم عند الرحمن وعليه أن يتوب إلى ذي الجلال والإكرام.
إذاً: لا مانع على المرأة أن تسلم على أقاربها بدون أن يكون هناك كشف لوجه ومصافحة بيد، وليس هناك محذور شرعي فلا مانع، إن سلم عليها قريبها.. ابن عمتها .. ابن عمها من وراء حجاب ومن وراء ستار ثم ردت عليه السلام فلا مانع دون أن تحصل مجالسة وكشف لوجه واختلاط، ومن باب أولى دون أن يحصل ملامسة ومصافحة.
السؤال: ما حكم الصور والنقوش التي تعلق في البيت؟ وما حكم الصور التي تكون في الذهب؟
الجواب: الصور محرمة، فيحرم على الإنسان أن يصور أو يتصور، ولا يجوز أن يعلق شيئاً من الصور في بيته أو على بدنه، وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، وأخبرنا أن من فعل ذلك فهو ملعون وهو أشد الناس عذاباً يوم القيامة، ولا تقرب الملائكة مكاناً فيه صورة، ثبت في المسند والصحيحين من حديث أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: ( قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت سهوة في البيت بقرام فيه تصاوير ) وفي رواية: ( فيه تماثيل )، والسهوة هي الطاقة والنافذة وهي الفتحة التي تكون في الجدار يوضع فيها أمتعة. سهوة في البيت. نافذة .. طاقة .. فتحة في الجدار يوضع فيها أحياناً شيء من الأمتعة من دواء، من شيء يوضع فيها، من كتاب. سهوة سترتها بقرام، أي: بستارة من خرق من قماش وضعت عليها ستارة، هذه الستارة على السهوة والستارة فيها تصاوير .. فيها تماثيل، يعني: فيها صور حيوانات مثلاً.
تقول: ( فلما جاء النبي عليه الصلاة والسلام ودخل على هذا البيت ورأى هذا القرام يستر السهوة قال: يا
وفي رواية في الصحيحين أيضاً أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لأمنا عائشة: ( يا
وعدم دخول الملائكة للبيت الذي فيه صورة ثابت في أحاديث كثيرة تصل إلى درجة التواتر، منها: ما ثبت في المسند والصحيحين وسنن الترمذي والنسائي وابن ماجة والحديث في أعلى درجات الصحة من رواية أبي طلحة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب أو صورة ) أي: إذا كان في البيت كلب لا تدخله الملائكة وإن كان في البيت صورة لا تدخل الملائكة هذا المكان، وكما قلت: من يفعل هذا فهو أشد الناس عذاباً يوم القيامة.
وعليه فلا يجوز أن يكون في البيت صورة في ستارة على نافذة أو على باب.
ولا يجوز أن تكون صورة في الحلي الذي تلبسه النساء؛ لأن هذا كله يمنع من دخول الملائكة وفيه تعظيم.
نعم رخص أئمتنا أن توجد الصورة في البساط الذي يوطأ بالأرجل لأنه ممتهن، ومع ذلك الإمام النووي عليه رحمة الله في شرح صحيح مسلم يقول: مع الترخيص وعدم الإثم في اقتناء البساط والفراش الذي فيه صورة لأنه يوطأ بالرجل فهو ممتهن، مع ذلك: لا تدخل الملائكة هذا البيت لإطلاق قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب أو صورة ).
إذاً: بما أنه يوجد صورة فالملائكة لا تدخل سواء كانت هذه الصورة على بساط أو على الستارة أو في الحلي أو في غير ذلك، أما إذا كانت في الحلي أو على الستارة هذا لا يرخص للإنسان في استعمالها ولا تدخل الملائكة، وإذا استعملها فهو آثم عاص، وأما إذا كانت في البساط فيجوز أن يستعملها وليس بعاص لكنه يحرم من دخول ملائكة الرحمة إلى هذا المكان فيفقد الخيرات والبركات.
السؤال: هل النقاب لا يعتبر من حجاب المرأة؟
الجواب: إذا كانت الأخت تقصد بالنقاب: غطاء الوجه وستر الوجه فهذا من حجاب المرأة قطعاً وجزماً، وإذا كانت تقصد من النقاب خصوص البرقع الذي يلبس فهذا لا يشترط للمرأة إنما ينبغي أن تستر وجهها ولا يجوز أن يبدو شيء من بدنها. وقد حققت هذا أخواتي الكريمات وتكلمت عليه في محاضرة مسجلة على شريط ولو سمعتن الشريط فستجدن هذا الحكم فيه جلياً واضحاً بأدلته.
إذاً: المرأة لا يجوز أن تكشف عن وجهها، ووجهها ينبغي أن يستر كسائر جسمها، بل هو أولى بالستر من ذراعيها ومن ساقيها فهو محط الفتنة ومحل الجمال، وإذا كانت تستر الساقين وتستر الذراعين فينبغي أن تستر الوجه من باب أولى، وآية الحجاب التي فرض الله فيها الحجاب نزلت من أجل ستر الوجه فقط: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الأحزاب:59] والمرأة إذا أرادت أن تستر بدنها وأرخت الجلباب الذي تلبسه من فوق رأسها على صدرها وضربت بخمرها على جيبها فقد سترت الوجه وسترت فتحة العنق ولم يظهر شيء من البدن.
وقبل نزول هذه الآية -أعني: آية الحجاب- كن نساء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يكشفن عن وجوههن وأيديهن، فما كنت امرأة منهن تتبذل تبذل الساقطات في هذه الأيام فتخرج مكشوفة الفخذين أو مكشوفة الصدر أو الظهر .. هذا لا يوجد، إنما كانت المرأة تكشف وجهها وتكشف يديها، فأمرن بالحجاب.
أي حجاب أمرن به؟ بستر ما كان يكشف، أي: بستر الوجه والكفين الذين كانا يكشفان فقط.
إذاً: الحجاب فرض أصالة لتغطية الوجه واليدين ليستر هذان العضوان كما تستر سائر أعضاء المرأة، والعلم عند الله جل وعلا.
أخواتي الكريمات! كما قلت في الشريط وضحت هذا غاية الوضوح، وذكرت الأحاديث عن نساء السلف وأن أمنا عائشة رضي الله عنها كانت تخبر أنها في حالة الإحرام وهي مع النبي عليه الصلاة والسلام والصحب الكرام إذا حاذى الرجال النساء تسدل كل امرأة حجابها فتستر وجهها فإذا جاوز الرجال النساء وابتعدوا عن النساء تكشف المرأة وجهها لأنها بين صاحباتها وأخواتها.
وذكرت أيضاً أثر أسماء وهو صحيح ثابت في المستدرك وغيره أنها قالت: ( كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم )، وهكذا فاطمة بنت المنذر كانت تقول: كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهن أجمعين.
وعليه فغطاء الوجه واجب، وهذا من جملة حجابها ولا يجوز للمرأة أن تكشف عن وجهها.
أخواتي الكريمات! رخص الله للمرأة إذا كانت قاعدة -أي: قعد سنها عن طلب النكاح فلا ترغب في النكاح ولا يرغب الرجال في نكاحها- إذا كانت قاعدة أن تكشف عن وجهها، يقول الله: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [النور:60].
إذاً: يجوز للمرأة إذا بلغت سبعين سنة وأكثر فتجعد وجهها وصار طبقات يجوز لها في هذه الحالة أن تكشف عن وجهها وعن يديها وأن تظهر بالملابس الطويلة أمام الرجال الأجانب وإن لم يكن عليها جلباب فوق ثيابها.
وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ [النور:60] أي ثياب تضعها؟ الجلباب بحيث يبدو الوجه.. تبدو اليدان ولا تلبس جلباباً واسعاً فوق ثيابها الطويلة التي تجرها على الأرض، ثم قال الله: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60] أي: المرأة التي وصلت سبعين وثمانين وتسعين ومائة إذا سترت وجهها ويديها فهذا أفضل لها عند ربها.
الذي أريده من هذا أخواتي الكريمات: إذا كانت المرأة القاعد يرخص لها أن تكشف عن وجهها وندبها الإسلام إلى ستر وجهها فكيف للصبية الشابة؟ أي: القاعد يرخص لها في كشف الوجه والأفضل أن تستره، فكيف يكون الأمر بالشابة؟ هل الشابة صارت قاعدة حتى تجعل نفسها كالقاعدة: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ [النور:60] لا يأملن ولا يطمعن في الزواج ولا يطمع في زواجهن أحد فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ [النور:60].
أي ثياب؟ هل تكون أمام الناس عارية؟ هذا لا يمكن (أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ) يعني: لا حرج عليها أن تكشف عن وجهها وأن تبدي يديها فالفتنة قد انقطعت والرغبة فيها قد انقطعت والذي يراها لا يتأثر ولا يحصل في قلبه شهوة، وهي أيضاً لا تفتتن ولا تفكر في هذا الأمر، وعليه فلا مانع أن تكشف الوجه واليدين من أجل سهولة الحركة بالنسبة لها وهي ضعيفة قد تحتاج إلى كشف هذا من أجل أن تستعين في الطريق بأخذ حاجة ثم مع هذا: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [النور:60].
وأما المرأة الشابة فيحرم عليها أن تكشف وجهها، ولا يجوز أن يرى وجهها إلا محرم أو زوج والعلم عند الله جل وعلا.
السؤال: ما حكم المرأة التي تهجر زوجها بسبب مشاكل عائلية؟
الجواب: سبحان الله العظيم! هل يتصور هذا؟ امرأة تهجر زوجها؟! من أجل مشاكل عائلية جرى بينها وبينه شيء من الخصومة والملاحاة فهجرته، هذا حقيقة معيب ومنقصة ومذموم وهو حرام، وينبغي أن تعلمن أخواتي أن أعظم الناس حقاً على المرأة زوجها، كما أن أعظم الناس حقاً على الرجل أمه، وقد ثبت هذا في مسند الإمام أحمد ومستدرك الحاكم ومسند البزار بسند صحيح كالشمس من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: ( سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! أي الناس أعظم حقاً على المرأة؟ قال: زوجها. قلت: فأي الناس أعظم حقاً على الرجل؟ قال: أمه ) فالرجل أعظم الناس حقاً عليه أمه، والمرأة أعظم الناس حقاً عليها زوجها.
إذاً: هذا الزوج الذي هو أعظم الناس حقاً عليها حتى من أبويها هل يليق بها أن تهجره؟ لا ثم لا، وإذا هجرته ونفرت عنه وهو يريدها ستلعن من قبل ملائكة السماء ويسخط عليها رب الأرض والسماء حتى يرضى عنها زوجها، وقد ثبت هذا في المسند والصحيحين والحديث في أعلى درجات الصحة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات وهو عليها غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح ). وفي رواية في صحيح البخاري: ( إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها زوجها ) يسخط الله عليها والملائكة تلعنها حتى يرضى عليها زوجها، فكيف يليق بالمرأة أن تهجر زوجها من أجل مشاكل عائلية؟ هذا لا يصلح، ولو قدر أن الزوج تأثر منها فهي ينبغي أن تبدأ بالصلح وأن تتعرض له وأما أن تفارقه وأن تهجره فهي بهذا ترتكب كبيرة وأثمها شنيع فضيع، والمرأة إذا أطاعت ربها ورضي عنها زوجها تدخل جنة ربها كما ثبت هذا في سنن الترمذي وابن ماجة ، والحديث رواه الحاكم في المستدرك من رواية أمنا أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة ) ولذلك ينبغي على النساء أن ينتبهن إلى هذا الأمر، ولا يحل للمرأة أن تهجر زوجها لمشاكل عائلية.
استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
مقدمة في التفسير - أحكام البسملة [2] | 3836 استماع |
مقدمة في التفسير - أحكام البسملة [1] | 3517 استماع |
مقدمة في التفسير - أسماء سورة الفاتحة وآياتها [2] | 2855 استماع |
مقدمة في التفسير - أسماء سورة الفاتحة [1] | 2756 استماع |
مقدمة في التفسير - موضوع سورة الفاتحة | 2441 استماع |
مقدمة في التفسير - أسماء سورة الفاتحة وآياتها [1] | 1368 استماع |