شرح سنن ابن ماجه المقدمة [5]


الحلقة مفرغة

شرح حديث ابن مسعود في أطوار خلق الإنسان في بطن أمه وبعد خروجه

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في القدر.

حدثنا علي بن محمد قال حدثنا وكيع ومحمد بن فضيل وأبو معاوية ح وحدثنا علي بن ميمون الرقي قال: حدثنا أبو معاوية ومحمد بن عبيد عن الأعمش عن زيد بن وهب قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق (إنه يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه الملك، فيؤمر بأربع كلمات، فيقول: أكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أم سعيد، فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).

حديث ابن مسعود رضي الله عنه أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم رحمهما الله، وهذا السند فيه عنعنةالأعمش، وقد صرح الأعمش بالتحديث عند أحمد ، والبخاري ، وأبي داود ، والترمذي .

وإن كان في هذا السند قد عنعن لكن تدليسه قليل، وقد صرح في أماكن أخرى، وهذا الحديث حديث عظيم، وهو دليل على أن الإنسان عندما يخلق في بطن أمه يكون على أطوار وعلى مراحل، فالطور الأول: يكون أربعين يوماً نطفة، فيجتمع فيها ماء الرجل وماء المرأة، ثم بعد الأربعين ينتقل إلى طور آخر، فتكون النطفة علقة، أي: قطعة دم، كانت ماءً، ثم تنتقل إلى الطور الثالث بعد الأربعين فتكون مضغة، أي: قطعة لحم، قدر ما يمضغ الفم.

فإذا تجاوز الجنين هذه الأطوار الثلاثة -أي: بعد مائة وعشرين يوماً- يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، فيكون إنساناً آدمياً، ويؤمر الملك بكتابة أربع كلمات: الرزق والأجل والعمل والشقاوة والسعادة.

وجاء في بعض الأحاديث أن الملك يأتي بعد اثنين وثمانين يوماً، فلعل معظم النطف بعضها تخلق بعد ثمانين يوماً، وبعضها تخلق بعد مائة وعشرين يوماً.

وفيه أن الشقاوة والسعادة سابقة قد كتبت على الإنسان، وأن الله تعالى ييسر الإنسان لما خلق له، ولما قال الصحابة رضوان الله عليهم: (يا رسول الله! ما يكدح فيه الناس أفي شيء قضي وفرغ منه أم في شيء يستقبل؟ قال: في شيء قضي وفرغ منه، قالوا: ففيم العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فسييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فسييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قول الله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-10]).

أنواع التقدير

التقدير أنواع: الأول: التقدير العام، وهو ما كتبه الله في اللوح المحفوظ الثاني: التقدير العمري، وهذا يوافق القدر السابق ولا يخالفه، فالرزق، والأجل، والعمل، والشقاوة كل ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ، ويكتب على الإنسان في عمره.

الثالث: التقدير السنوي، وهو ما يكتب في ليلة القدر، حيث يقدر الله فيها ما يكون من سعادة وشقاوة، وإعزاز وإذلال، وصحة ومرض، وحياة وموت في تلك السنة.

الرابع: التقدير اليومي، وهو قول الله عز وجل: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29]، أي: أن الله كل يوم يخفض ويرفع، ويعز ويذل، ويحيي ويميت، ويسعد ويشقي، سبحانه وتعالى.

قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فوالذي نفسي بيده) فيه إثبات اليد لله عز وجل، وهذا قسم يقسم به النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق عليه الصلاة والسلام، فهو مصدق وإن لم يقسم، لكن هذا لتأكيد المقام، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق في كلامه وفي قوله عليه السلام، وهو المصدوق من ربه عز وجل.

قوله: (فوالذي نفسي بيده! إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب)، قوله: (الكتاب): هو الذي كتب عليه أولاً في اللوح المحفوظ وهو في بطن أمه.

قوله: (فيعمل بعمل أهل الجنة) أي: فيختم له بعمل أهل الجنة، فيدخل الجنة.

قوله: (وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب -أي: الكتاب الأول- فيعمل بعمل أهل الجنة)، فيختم له بعمل أهل الجنة، فيموت على عمل من أعمال الجنة فيدخلها.

تعريف القدر

القدر هو مصدر قدّر يقدّر تقديراً، وهو في اللغة بمعنى: قدرت الشيء، أي: أحطت بمقداره، وشرعاً: تعلق علم الله أزلاً بالكائنات قبل وجودها، أو الإيمان بأن الله علم الأشياء وقدرها وكتبها، وأراد كل شيء في هذا الوجود وخلقه، والإيمان بعلم الله وأزله السابق وخلقه للأشياء.

حكم الإيمان بالقدر

الإيمان بالقدر واجب، ومن أنكر القدر فهو كافر؛ لأن القدر أصل من أصول الإيمان، وهو الركن السادس من أركان الإيمان، كما في حديث جبريل: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره).

أول من تكلم في القدر

أول من تكلم بالقدر من القدرية هو معبد الجهني بالبصرة، ثم أخذه عنه غيلان الدمشقي ، فأنكر ذلك عليهم بعض التابعين، فجاءوا يسألون عبد الله بن عمر ، فجاء منهم رجلان ودعوا أن ييسر الله لهما أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى يسألاه عما حدث عندهم، والسائلان هما: يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن الحميري، فقالا: فوفق لنا عبد الله بن عمر فسألته وظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت: أبا عبد الرحمن ! إنه ظهر قبلنا أناس يتقفرون العلم، أي: يطلبون العلم، ويزعمون أن الأمر أنف، يعني: مستألف وجديد لم يقدر، قال: إذا لقيت هؤلاء فأخبرهم أني منهم برئ، وأنهم برآء مني، والذي نفس ابن عمر بيده! لو أن لأحد مثل أحد ذهباً ثم أنفقه في سبيل الله ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر، ثم استدل بحديث جبريل لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، قال: (الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره)، فمن أنكر القدر فقد أنكر أحد أصول الدين، وإذا مات مات على كفر وخلد في النار خلوداً مؤبداً، وأما إذا مات على المعاصي فإنه تحت المشيئة، وهو على خطر، وإذا أدخله الله النار فإنه يطهر فيها بقدر ذنوبه ومعاصيه، ثم يخرج منها إلى الجنة.

ويروى عن عمر أنه قال: اللهم إن كنت كتبتني شقياً فامحها واكتبني سعيداً. وقوله هذا يحمل على أنه يمحى ما في كتب الحفظة، ليوافق ما في اللوح المحفوظ، وأما ما في اللوح المحفوظ فلا يغير ولا يبدل، كما قال الله عز وجل: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ [الرعد:39] أي: من صحف الحفظة، ليوافق ما في اللوح المحفوظ؛ ولهذا قال: وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39]، فهذا إن صح عن عمر فهو محمول على ما ذكرنا، لكن الأولى أن يسأل الإنسان ربه السلامة والعافية، وأن يوفقه للعمل الصالح، وإلى الخاتمة الحسنة.

سقوط الجنين قبل إتمام الحمل

إذا أسقطت المرأة سقطاً وتبين فيه خلق الإنسان فهي نفساء، كأن يكون فيه يد أو رجل أو أصبع، فيكون إنسان، ودمها دم نفاس، ويسمى هذا المولود ويعق عنه ولو خرج ميتاً، وأما إذا أسقطت قطعة لحم ليس فيها يد ولا رجل ولا أصبع فليست نفاساً، والدم دم فساد، وعليها أن تصوم وتصلي.

فالجنين قبل أربعة أشهر لا يتخلق، فإذا أسقطت المرأة قبل أربعة أشهر فسيكون قطعة لحم أو دم فقط.

حكم تعمد إسقاط الجنين

من تعمدت أن تسقط جنينها بعد أربعة أشهر فهي قاتلة لنفس إذا كانت متعمدة وعليها الدية.

ولا يجوز إلقاؤه عند العلماء إلا إذا كان الإنسان نطفة في الأربعين الأولى، ويجوز إلقاء النطفة قبل أربعين يوماً بدواء مباح عند الحاجة، وأما إذا انتقل إلى طور آخر فلا يجوز.

ولا شك أن من تفعل ذلك فهي جانية، لكن هل عليها حكم جناية الإنسان؟ هذا محل تأمل، وإن كنا لا نشك أنها جانية مخطئة.

ولو قال قائل: هل يجوز أن تلقي المرأة الجنين إن كان مشوهاً؟ والجواب: لا يجوز إلقاؤه إلا إذا كان يخشى موتها هي، وأما مجرد التشويه فليس لها ذلك، بل ينبغي أن تتركه كما خلقه الله؛ إذ ليس لأحد أن يسقط الجنين مطلقاً.

شرح حديث: (لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا إسحاق بن سليمان قال: سمعت أبا سنان عن وهب بن خالد الحمصي عن ابن الديلمي قال: وقع في نفسي شيء من هذا القدر، خشيت أن يفسد علي ديني وأمري، فأتيت أبي بن كعب رضي الله عنه فقلت: أبا المنذر ! إنه قد وقع في نفسي شيء من هذا القدر فخشيت على ديني وأمري، فحدثني من ذلك بشيء لعل الله أن ينفعني به، فقال: لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو كان لك مثل جبل أحد ذهباً أو مثل جبل أحد تنفقه في سبيل الله ما قبل منك حتى تؤمن بالقدر، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصبك، وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار، ولا عليك أن تأتي أخي عبد الله بن مسعود فتسأله، فأتيت عبد الله رضي الله عنه فسألته، فذكر مثل ما قال أبي ، وقال لي: ولا عليك أن تأتي حذيفة ، فأتيت حذيفة فسألته، فقال مثل ما قالا، وقال: ائت زيد بن ثابت فاسأله، فأتيت زيد بن ثابت فسألته، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو كان لك مثل أحد ذهباً أو مثل جبل أحد تنفقه في سبيل الله ما قبله منك حتى تؤمن بالقدر كله، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار).

وهذا فيه بيان وجوب الإيمان بالقدر، وأن من لم يؤمن بالقدر فليس بمسلم، والقدر له مراتب أربع:

المرتبة الأولى: العلم، ويراد به علم الله الأزلي السابق الشامل لما كان في الماضي، وما يكون في المستقبل، وما لم يكن لو كان كيف يكون.

المرتبة الثانية: الكتابة، ويراد بها كتابة جميع ما يكون في هذا الكون في اللوح المحفوظ.

المرتبة الثالثة: المشيئة، وهي إرادة الله الشاملة لكل شيء في هذا الوجود، فلا يقع في ملك الله إلا ما أراد.

المرتبة الرابعة: الخلق، ويراد به خلق الله للأشياء كلها.

ومن لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر.

وكان القدرية الأوائل ينكرون مرتبتي العلم والكتابة، وهم الذين قال فيهم ابن عمر : أخبرهم أني منهم برئ، وأنهم برآء مني. وكانوا يزعمون أن الأمر أنف، أي: مستأنف، فيقولون: إن الله لا يعلم الأشياء حتى تقع، وهم الذين قال فيهم شيخ الإسلام رحمه الله: ناظر القدرية بالعلم، فإن أقروا به فسلهم: كيف يقر الله العصاة على عمل المعصية ولم يمنعهم وهم الذين خلقوها؟ فسيفهمون.

وإن أنكروه كفروا، وقد كفرهم الأئمة: مالك والشافعي وأحمد ؛ لأنهم ينسبون الله إلى الجهل، وقد انقرضت هذه الطائفة، وبقيت عامة القدرية يؤمنون بعلم الله الشامل، ولكن ينكرون عموم إرادة الله للأشياء حتى تشمل أفعال العباد، وينكرون عموم خلق الله للأشياء، ويقولون: إن الله خلق كل شيء إلا أفعال العباد فإن العباد هم الذين خلقوا أفعالهم، وهم في قولهم هذا مبتدعة.

وهذا الحديث في بعضه شواهد، وهو من ما ذكره الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد في باب منكري القدر، وفيه أن ابن الديلمي قال: إنه وقع في نفسه شيء من القدر، وجاء إلى أبي بن كعب وقال: وقع في نفسي شيء من القدر فحدثني بشيء لعل الله يذهبه من نفسي، وفي لفظ أنه قال: خشيت أن يفسد علي ديني، فبين له رضي الله عنه أنه لا بد من الإيمان بالقدر، وقال: والذي نفسي بيده! لو كان لك مثل أحد ذهباً ثم أنفقته ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، يريد: المكتوب في اللوح المحفوظ، فلا يمكن أن يصيبك شيء لم يقدره الله، ولا يمكن أن يخطئك شيء قدر الله عليك أن يقع، وقال له: ائت عبد الله بن مسعود ، فأتى عبد الله بن مسعود فأخبره مثل ذلك، قال: وائت حذيفة ، فأتى حذيفة فقال له مثل ذلك، قال: وائت زيد بن ثابت فأتاه، فكلهم حدثوه بمثل ما حدثه به أبي بن كعب .

وفي بعض ألفاظه: أن من لم يؤمن بهذا أحرقه الله في النار.

والحديث إسناده صحيح، وأبو سنان هو سعيد بن سنان البرجمي الشيباني الكوفي: ثقة، والحديث مرفوع من حديث زيد بن ثابت ، وموقوف من حديث أبي بن كعب وابن مسعود وحذيفة بن اليمان .

وابن الديلمي هو أبو بسط عبد الله بن فيروز من كبار التابعين الثقات.

شرح حديث: (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع ح وحدثنا علي بن محمد قال: حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي رضي الله عنه قال: (كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم وبيده عود، فنكت في الأرض ثم رفع رأسه فقال: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار، قيل: يا رسول الله! أفلا نتكل؟ قال: لا، اعملوا ولا تتكلوا، فكل ميسر لما خلق له، ثم قرأ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-10]) ].

هذا الحديث أخرجه الشيخان، وهو حديث ثابت ومعروف، وفيه أن الله تعالى كتب الشقاوة والسعادة على البشر، بدليل قوله: (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار)، وقد أشكل هذا على الصحابة، وقالوا: (يا رسول الله! ففيم العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فسييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فسييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ الآية: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-10]).

والكيس اللبيب لا يزيده الإيمان بالقدر إلا نشاطاً وقوة في العمل، فلا يحجم عن العمل وإنما يزداد من أعمال الخير ما ييسر له ذلك، والقدر من شئون الله وليس من شئون العبد، فالعبد مأمور بالعمل فحسب، والقدر من اختصاص الله ومن شئون الله، وهو مغيب عنك، وعليك أن تعمل بطاعة الله، وتجتنب معاصي الله.

ولا يجوز أن يتكل الإنسان ويكسل عن العمل، وإذا وقع في المعصية فليحرص أن يدفع هذه المعصية، وإن كانت بقدر يدفعها بقدر آخر، فيدفع قدر المعصية بقدر الطاعة، ويدفع قدر السيئة بقدر الحسنة، فهذا مقدر وهذا مقدر.

ولهذا لما جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالصحابة إلى الشام، وقد فشا فيها الطاعون -طاعون عمواس- استشار الناس هل يدخل بهم إلى البلد وفيها الطاعون أم لا يدخل؟ فاستشار الأنصار، فأشار بعضهم بأن يدخل، وبعضهم أشار بأن يرجع، واستشار المهاجرين، واستشار من أسلم في الفتح، فقال بعضهم: إن هذا الوباء قد وقع في البلاد، ومعك خيار الناس وأصحاب رسول الله، فلا نرى أن تقدمهم عليه، وبعضهم قال: نرى أن تقدم وأن تدخل، وما قدره الله كان.

ثم عزم عمر رضي الله عنه على أن يرجع، فقال له أبو عبيدة : أفراراً من قدر الله يا عمر ؟!

قال: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ! نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان عندك عدوتان: عدوة فيها عشب، وعدوة ليس فيها عشب، في أيها ترعى جملك؟ قال: في العدوة التي فيها عشب، قال: أليس إذا رعيت العدوة المعشبة بقدر الله، وإذا رعيت الأرض الأخرى بقدر الله؟ قال: بلى، قال: فكذلك هذا، ثم جاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيباً في حاجة وهم يتحاورون فقال: إن عندي من هذا علماً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا وقع الطاعون في بلد وأنتم فيها فلا تخرجوا منها، وإذا كنتم في أرض ليس فيها فلا تقدموا عليها)، فحمد الله عمر رضي الله عنه أن وافق اجتهاده النص، ورجع بالناس.

فإذا وقع الطاعون في بلد فلا يشرع للإنسان أن يدخل فيها، وإذا وقع في أرض فلا يقدم عليها، كما لا ينبغي أن يخرج منها فراراً منه؛ بل يبقى فيها، ويعتمد على الله ويتوكل عليه.

شرح حديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وعلي بن محمد الطنافسي قالا: حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن ربيعة بن عثمان ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان) ].

هذا الحديث إسناده حسن، وربيعة بن عثمان بن ربيعة التيمي المدني ، روى له مسلم هو صدوق حسن الحديث، وليس له في الكتب الستة سوى هذا الحديث.

والمؤمن القوي هو الذي يتعدى نفعه إلى الآخرين بشفاعته، أو ببدنه، أو بماله، أو بتوجيهه وإرشاده، وأما المؤمن الضعيف فهو الذي يقتصر نفعه على نفسه؛ ولهذا قال: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير)، وإن اشتركا في الخيرية بالإيمان إلا أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.

وليس المراد من قوله: (القوي) قوي الجسم فقط، فقد يكون قوي الجسم وهو مؤمن ضعيف لا ينفع إلا نفسه، وقد يكون على فراشه وهو مؤمن قوي ينفع الناس بشفاعاته، وبنفقاته، وبتوجيهه وإرشاده، وبتعليمه.

ثم قال: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز) أي: على الأسباب التي تنفعك في أمور الدين وأمور الدنيا، قوله: (ولا تعجز)، أي: لا تكسل، ثم قال: (وإن أصابك شيء؛ فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله)، أي: هذا قدر الله، (وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)، قوله: لو يعني: هي التي فيها الاعتراض على القدر، والتحسر من وقوعه، كأن يقول الإنسان حين تنزل به مصيبة: لو فعل كذا ما أصابه كذا وكذا، أو لو أصاب كذا ما أصابه المرض، لو ذهب إلى كذا ما أصابه كذا، فهذا اعتراض على قدر الله، ولو في قوله هذا تفتح عمل الشيطان.

أما لو في تمني الخير فلا بأس بقولها، إذ هي ليست من هذا الباب، كأن يقال لشخص: إن هناك درس في المسجد الفلاني، وما علم بإقامته، فقال: لو علمت بالدرس لحضرت، فهذا لا بأس به، وذلك مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، ولأحللت معه)، فلو في تمني الخير شيء لا بأس به، لكن إذا كان قولها من أجل الاعتراض على القدر، فهذه هي الممنوعة، وهي التي تفتح عمل الشيطان.

شرح حديث احتجاج آدم وموسى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هشام بن عمار ويعقوب بن حميد بن كاسب قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمع طاوساً يقول: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (احتج آدم وموسى عليهما الصلاة والسلام، فقال له موسى: يا آدم! أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة بذنبك، فقال له آدم: يا موسى! اصطفاك الله بكلامه، وخط لك التوراة بيده، أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى) ثلاثاً ].

وهذا الحديث رواه الشيخان: البخاري ومسلم رحمهما الله، كما أخرجه أبو داود في السنن، وفيه ذكر احتجاج آدم وموسى عليهما الصلاة والسلام، وأن موسى لقي آدم فقال له: يا آدم! أنت آدم أبو البشر، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فلماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ وفي هذا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة، فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته، وكلمك، -وفي هذه الرواية- وخط لك التوراة بيده، أتلومني على شيء كتبه الله علي قبل أن أخلق بأربعين عاماً؟ وفي لفظ آخر: (هل وجدت ذلك مكتوباً علي؟ قال: نعم، فقال النبي: فحج آدم موسى).

قوله: (حج آدم موسى) أي: غلبه بالحجة وخصمه، وذلك أن موسى عليه الصلاة والسلام لامه على المصيبة التي لحقته وذريته، وهي الخروج من الجنة، وليس المراد أن موسى لامه على الذنب؛ لأنه قد تاب منه، والتائب من الذنب لا يلام عليه، وإنما لامه على المصيبة التي لحقته وذريته وهي الخروج من الجنة؛ فاحتج آدم بأن هذه المصيبة مكتوبة عليه، والاحتجاج بالقدر على المصائب لا بأس به، وأما الاحتجاج بالقدر على المعاصي فهو ممنوع، فلا يصح أن يحتج الإنسان بالقدر على المعصية، لكن يحتج بالقدر على المصائب.

شرح حديث: (لا يؤمن العبد حتى يؤمن بأربع:... والقدر)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة قال: حدثنا شريك عن منصور عن ربعي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن العبد حتى يؤمن بأربع: بالله وحده لا شريك له، وأني رسول الله، وبالبعث بعد الموت، والقدر) ].

الحديث أخرجه الترمذي وقال: حديث صحيح، وفيه شريك بن عبد الله النخعي ، وهو حسن الحديث عند المتابعة، وقد تابعه شعبة ، وشريك بن عبد الله القاضي ، كان جيد الحفظ، فلما تولى القضاء اشتغل به؛ فساء حفظه، وصار ضعيفاً، لكن إذا وجد له متابع صار حديثه حسناً.

وقد نص الحديث على أربع لابد منها: الإيمان بالله، والإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام، والإيمان بالبعث، والإيمان بالقدر، فمن لا يؤمن بواحدة منها فليس بمؤمن.

شرح حديث عائشة: (طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة غلام من الأنصار، فقلت: يا رسول الله! طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه، قال صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك يا عائشة ؟! إن الله خلق للجنة أهلاً، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم) ].

وهذا الحديث صحيح أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على عائشة لما شهدت لهذا الصبي بالجنة، وقالت: هذا عصفور من عصافير الجنة، قال: (أو غير ذلِك يا عائشة ؟! إن الله خلق للجنة أهلاً، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم).

وإن كان لا شك أن أطفال المسلمين في الجنة تبعاً لآبائهم، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على عائشة شهادتها للمعين، أي: لهذا الشخص بعينه، فالمؤمنون كلهم في الجنة يشهد لهم على العموم، لكن لا يشهد لواحد بالجنة إلا لمن شهدت لهم النصوص، كالعشرة المبشرين بالجنة، وعكاشة بن محصن ، فلما شهدت عائشة لهذا الصبي بعينه أنكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم.

ويحتمل أنه أنكر عليها قبل أن يخبره الله بأن أطفال المسلمين في الجنة، ثم بعد ذلك بين الله للنبي عليه الصلاة والسلام أن أطفال المسلمين في الجنة.

القول في مآل أطفال الكفار

أما أطفال الكفار ففي حالهم خلاف، وقد ذكر فيهم ابن القيم رحمه الله في طريق الهجرتين ثمانية أقوال لأهل العلم، أرجحها قولان:

القول الأول: أنهم يمتحنون يوم القيامة مع أهل الفترة، فمن أجاب دخل الجنة، ومن أبى دخل النار.

والقول الثاني: أنهم في الجنة، وهذا هو الراجح، والدليل على هذا ما ثبت في الحديث الصحيح عند البخاري في قصة إبراهيم في الرؤيا، وأن النبي رأى إبراهيم وحوله ولدان، وهم أولاد الكفار، فهم في الجنة؛ لأنهم ماتوا قبل البلوغ ولم يكلفوا، وهم أيضاً ولدوا على الفطرة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرناه، أو يمجسانه).

وأطفال المشركين لهم أحكام في الدنيا غير أحكامهم في الآخرة، فأحكامهم في الدنيا: أنهم يسبون مع آبائهم، وإذا قتلوا قتلوا معهم، ويرثهم آبائهم ويرثونهم، وأما في الآخرة فلهم أحكام أخرى تختلف عنها في الدنيا، وظن بعض الناس أنهم إذا كانوا مع آبائهم، وأنهم يتوارثون فيرثهم آباؤهم ويرثونهم، أن حكمهم في الآخرة كذلك، وهذا ليس بصحيح، بل الصواب أنهم في الجنة.

شرح حديث أبي هريرة: (جاء مشركو قريش يخاصمون النبي في القدر...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في القدر.

حدثنا علي بن محمد قال حدثنا وكيع ومحمد بن فضيل وأبو معاوية ح وحدثنا علي بن ميمون الرقي قال: حدثنا أبو معاوية ومحمد بن عبيد عن الأعمش عن زيد بن وهب قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق (إنه يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه الملك، فيؤمر بأربع كلمات، فيقول: أكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أم سعيد، فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).

حديث ابن مسعود رضي الله عنه أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم رحمهما الله، وهذا السند فيه عنعنةالأعمش، وقد صرح الأعمش بالتحديث عند أحمد ، والبخاري ، وأبي داود ، والترمذي .

وإن كان في هذا السند قد عنعن لكن تدليسه قليل، وقد صرح في أماكن أخرى، وهذا الحديث حديث عظيم، وهو دليل على أن الإنسان عندما يخلق في بطن أمه يكون على أطوار وعلى مراحل، فالطور الأول: يكون أربعين يوماً نطفة، فيجتمع فيها ماء الرجل وماء المرأة، ثم بعد الأربعين ينتقل إلى طور آخر، فتكون النطفة علقة، أي: قطعة دم، كانت ماءً، ثم تنتقل إلى الطور الثالث بعد الأربعين فتكون مضغة، أي: قطعة لحم، قدر ما يمضغ الفم.

فإذا تجاوز الجنين هذه الأطوار الثلاثة -أي: بعد مائة وعشرين يوماً- يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، فيكون إنساناً آدمياً، ويؤمر الملك بكتابة أربع كلمات: الرزق والأجل والعمل والشقاوة والسعادة.

وجاء في بعض الأحاديث أن الملك يأتي بعد اثنين وثمانين يوماً، فلعل معظم النطف بعضها تخلق بعد ثمانين يوماً، وبعضها تخلق بعد مائة وعشرين يوماً.

وفيه أن الشقاوة والسعادة سابقة قد كتبت على الإنسان، وأن الله تعالى ييسر الإنسان لما خلق له، ولما قال الصحابة رضوان الله عليهم: (يا رسول الله! ما يكدح فيه الناس أفي شيء قضي وفرغ منه أم في شيء يستقبل؟ قال: في شيء قضي وفرغ منه، قالوا: ففيم العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فسييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فسييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قول الله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-10]).

التقدير أنواع: الأول: التقدير العام، وهو ما كتبه الله في اللوح المحفوظ الثاني: التقدير العمري، وهذا يوافق القدر السابق ولا يخالفه، فالرزق، والأجل، والعمل، والشقاوة كل ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ، ويكتب على الإنسان في عمره.

الثالث: التقدير السنوي، وهو ما يكتب في ليلة القدر، حيث يقدر الله فيها ما يكون من سعادة وشقاوة، وإعزاز وإذلال، وصحة ومرض، وحياة وموت في تلك السنة.

الرابع: التقدير اليومي، وهو قول الله عز وجل: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29]، أي: أن الله كل يوم يخفض ويرفع، ويعز ويذل، ويحيي ويميت، ويسعد ويشقي، سبحانه وتعالى.

قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فوالذي نفسي بيده) فيه إثبات اليد لله عز وجل، وهذا قسم يقسم به النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق عليه الصلاة والسلام، فهو مصدق وإن لم يقسم، لكن هذا لتأكيد المقام، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق في كلامه وفي قوله عليه السلام، وهو المصدوق من ربه عز وجل.

قوله: (فوالذي نفسي بيده! إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب)، قوله: (الكتاب): هو الذي كتب عليه أولاً في اللوح المحفوظ وهو في بطن أمه.

قوله: (فيعمل بعمل أهل الجنة) أي: فيختم له بعمل أهل الجنة، فيدخل الجنة.

قوله: (وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب -أي: الكتاب الأول- فيعمل بعمل أهل الجنة)، فيختم له بعمل أهل الجنة، فيموت على عمل من أعمال الجنة فيدخلها.