شرح منظومة الزمزمي [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

وقفنا عند قول المؤلف:

[ والآية الطائفة المفصولة من كلمات منه والمفضولة

منه على القول له كـ(تبت) والفاضل الذ منه فيه أتت ].

هنا يتكلم عن فاضل القرآن ومفضوله ومن أراد أن يفك عبارات المؤلف يرجع إلى الكتاب الذي سبق أن أشرت إليه وهو إتمام الدراية لقراء النُقاية، فهذا الكتاب اعتمد عليه المؤلف مع أصله الذي هو النقاية في هذا المتن، فعباراته هي ضبط للمتن ولشرحه.

المستند في تفضيل الآيات والسور

هنا الحديث عن فاضل القرآن ومفضوله، ومعلوم من الأحاديث: أن القرآن ينقسم إلى فاضل ومفضول، والتفضيل إنما يكون من جهة النبي صلى الله عليه وسلم، بمعنى أن التفضيل الذي يترتب عليه أجر، أو أنه يترتب عليه قراءة آيات أو سور في زمن معين، بمعنى: أن تخص بزمن معين، هذا لا يكون إلا للشارع، فإذا ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قراءة آيات، أو سور في زمن معين، أو ورد عنه صلى الله عليه وسلم بيان فضل لسورة من السور، أو ورد عنه صلى الله عليه وسلم زيادة على بيان الفضل بيان الأثر، فإن هذا كله يدل على أفضلية هذه الآيات وهذه السور، وهي التي بنى عليها العلماء كتب فضائل القرآن، وهم حينما تكلموا عن فضائل القرآن يتكلمون عن الفضائل العامة، ثم يذكرون فضائل السور، ثم فضائل الآيات.

فإذاً مقام التفضيل إنما يكون من النبي صلى الله عليه وسلم، بمعنى: أنه لا بد من وجود نص عن الشارع، ومن اعترض على التفضيل بين السور لبعض الدعاوى العقلية، فإن قوله محجوج بثبوت النص عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن بعضهم اعترض على التفضيل بدعوى أنه قد يفهم المسلم أن السورة المفضولة أنقص من السورة الفاضلة، حتى لو فهم هذا، فهذا خطأ في فهمه، والشارع أحرص على بيان الحق، وعلى معرفة عقول الناس من غيره، فلا يعترض عليه بمثل هذه الحجج التي يدعى أنها حجج عقلية، وهي إنما هي أقرب ما تكون إلى الشبه.

فإذاً يثبت ما أثبته الرسول صلى الله عليه وسلم.

سبب أفضلية بعض السور

ونحن لما نرجع إلى تحرير بعض العلماء ما هو سبب أفضلية بعض السور؟ فهذا يرجع إلى موضوع السورة أو الآية كما ذكر بعض العلماء، فمثلاً: سورة: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، من جهة التعبد، هل تخالف سورة: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1] فهذه لها من الأجر مثل ما لتلك: ( لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف.. )، الحديث، فعلى هذا الحديث لا تختلف أي سورة من سور القرآن، بل تتفق في هذه الأفضلية: التي هي جهة التعبد، لكن لما جاءنا حديث: ( أن سورة قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، تعدل ثلث القرآن )، دل على فضيلة زائدة خاصة، فما هو سبب تفضيل هذه السورة؟

بحث العلماء أيضاً هذا، وهو الذي أشار إليه المؤلف وقال: (والفاضل الذ منه فيه أتت)، يعني: ما أتى في الحديث عن الباري سبحانه وتعالى فهو أفضل لموضوعه، فالحديث عن الباري هو أفضل موضوعات القرآن، ولهذا قال العلماء: إن سبب تفضيل سورة: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، كونها كلها في الإخلاص وفي توحيد الله سبحانه وتعالى، وفي ذكره سبحانه وتعالى.

فإذاً قضية البحث عن سبب التفضيل مسألة ليس لها علاقة بأصل التفضيل؛ لأن أصل التفضيل يكون من جهة النبي صلى الله عليه وسلم، أما البحث عن سبب التفضيل فهذه مسألة أو قدر زائد على قضية إثبات التفضيل أو التفاضل بين السور والآيات. هذا باختصار ما يتعلق بقضية: الفاضل والمفضول.

هنا الحديث عن فاضل القرآن ومفضوله، ومعلوم من الأحاديث: أن القرآن ينقسم إلى فاضل ومفضول، والتفضيل إنما يكون من جهة النبي صلى الله عليه وسلم، بمعنى أن التفضيل الذي يترتب عليه أجر، أو أنه يترتب عليه قراءة آيات أو سور في زمن معين، بمعنى: أن تخص بزمن معين، هذا لا يكون إلا للشارع، فإذا ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قراءة آيات، أو سور في زمن معين، أو ورد عنه صلى الله عليه وسلم بيان فضل لسورة من السور، أو ورد عنه صلى الله عليه وسلم زيادة على بيان الفضل بيان الأثر، فإن هذا كله يدل على أفضلية هذه الآيات وهذه السور، وهي التي بنى عليها العلماء كتب فضائل القرآن، وهم حينما تكلموا عن فضائل القرآن يتكلمون عن الفضائل العامة، ثم يذكرون فضائل السور، ثم فضائل الآيات.

فإذاً مقام التفضيل إنما يكون من النبي صلى الله عليه وسلم، بمعنى: أنه لا بد من وجود نص عن الشارع، ومن اعترض على التفضيل بين السور لبعض الدعاوى العقلية، فإن قوله محجوج بثبوت النص عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن بعضهم اعترض على التفضيل بدعوى أنه قد يفهم المسلم أن السورة المفضولة أنقص من السورة الفاضلة، حتى لو فهم هذا، فهذا خطأ في فهمه، والشارع أحرص على بيان الحق، وعلى معرفة عقول الناس من غيره، فلا يعترض عليه بمثل هذه الحجج التي يدعى أنها حجج عقلية، وهي إنما هي أقرب ما تكون إلى الشبه.

فإذاً يثبت ما أثبته الرسول صلى الله عليه وسلم.

ونحن لما نرجع إلى تحرير بعض العلماء ما هو سبب أفضلية بعض السور؟ فهذا يرجع إلى موضوع السورة أو الآية كما ذكر بعض العلماء، فمثلاً: سورة: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، من جهة التعبد، هل تخالف سورة: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1] فهذه لها من الأجر مثل ما لتلك: ( لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف.. )، الحديث، فعلى هذا الحديث لا تختلف أي سورة من سور القرآن، بل تتفق في هذه الأفضلية: التي هي جهة التعبد، لكن لما جاءنا حديث: ( أن سورة قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، تعدل ثلث القرآن )، دل على فضيلة زائدة خاصة، فما هو سبب تفضيل هذه السورة؟

بحث العلماء أيضاً هذا، وهو الذي أشار إليه المؤلف وقال: (والفاضل الذ منه فيه أتت)، يعني: ما أتى في الحديث عن الباري سبحانه وتعالى فهو أفضل لموضوعه، فالحديث عن الباري هو أفضل موضوعات القرآن، ولهذا قال العلماء: إن سبب تفضيل سورة: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، كونها كلها في الإخلاص وفي توحيد الله سبحانه وتعالى، وفي ذكره سبحانه وتعالى.

فإذاً قضية البحث عن سبب التفضيل مسألة ليس لها علاقة بأصل التفضيل؛ لأن أصل التفضيل يكون من جهة النبي صلى الله عليه وسلم، أما البحث عن سبب التفضيل فهذه مسألة أو قدر زائد على قضية إثبات التفضيل أو التفاضل بين السور والآيات. هذا باختصار ما يتعلق بقضية: الفاضل والمفضول.

ثم قال:

[ بغير لفظ العربي تحرم قراءة وأن به يترجم ].

الآن المؤلف يحكي هذه القضية وهي: أن يقرأ القرآن بغير العربية أو أن يترجم بالترجمة الحرفية هنا.

ترجمة القرآن

ولنا وقفة هنا في هذه القضية الآن. هل يتصور أن يوجد ترجمة حرفية مطابقة تماماً للفظ العربي؟ الجواب: لا، ولا حتى في اللفظ العربي، بمعنى: أننا لو أردنا أن نغير ألفاظ القرآن بألفاظ عربية، فإنه لا يكون هو النص الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وهنا ضابط في هذه المسألة: أنه لا يمكن بحال أن يغير لفظ في العربية فيؤدي معنى اللفظ القرآني، فضلاً عن أن يؤديه لفظ في لغة أخرى.

فإذا كانت هذه القضية واضحة، فإذاً أي دعوى بأن يقرأ القرآن بغير اللفظ العربي، فإنها غير ممكنة، أو أن يترجم ترجمة حرفية، فإنها غير ممكنة، يعني: هذا في باب المحالات، وما يسمى بالترجمة الحرفية إن قصد: إن يؤتى باللفظ كما هو في لغة العرب، فهذا من باب المحالات.

ومن لطائف الترجمة التي نفهم أنه لا تمكن، لو قلنا لأحد المترجمين: اقرأ قول الله سبحانه وتعالى: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1]، الذي أشار إليه المؤلف وترجمها للإنجليزية مثلاً، ثم جئنا بإنسان لا يعرف القرآن لكنه يعرف العربية، وقلنا له: ترجم لنا هذا النص الذي حول إلى الإنجليزية إلى العربية، هل يتصور أن يعيده كما هو في نصه العربي؟ الجواب: لا، لا يمكن، ليس فقط في القرآن، في أي ترجمة كانت، لا يمكن أن يعيد المترجم اللفظ إلى أصله العربي إلا إذا كان يعرف الأصل العربي، لكن إذا كان ما يعرف فإنه لا يمكن أن يعيده بحذافيره كما كان.

المقصد من ذلك: أن من يتكلم عن الترجمة الحرفية لا بد أن يتصور مسألة لكي يحكم، فهي غير ممكنة أصلاً، يعني: هي في باب المحالات؛ لأنها غير ممكنة، فمن يقول ترجمة حرفية، هل يمكن ترجمة القرآن ترجمة حرفية؟ إذا كان مراده هذا فنقول: هذا محال، وإن كان مراده بالترجمة الحرفية شيء آخر، فهذه قضية أخرى، ورجعنا إلى قضية ترجمة المعاني، وترجمة المعاني شيء، واللفظ القرآني شيء آخر، يعني: لا بد من الفصل بين الأمرين، ترجمة المعاني شيء، وترجمة اللفظ القرآني شيء آخر.

إذاً إذا كان كذلك فإنه لا يتصور قراءة القرآن العربي بغير العربية إلا إذا قيل: إن الذي يقرأ القرآن يقرؤه باللفظ العربي ولكنه يلحن، مثل ما نسمع أحياناً بعض العجم ليس عندهم حرف الحاء وحرف العين، فيقول: (الهمد لله رب العالمين)، فهذا لحن، لكنه لا يقال: إنه بغير اللفظ العربي، نقول: لفظ عربي، لكن وقع فيه لحن، وليس هذا هو مراد المؤلف.

الخلاف عند عدم قدرة المسلم على قراءة الفاتحة بالعربية

وطبعاً المؤلف يشير إلى خلاف حكاه بعض الفقهاء في ما لو لم يستطع المسلم أن يقرأ الفاتحة بلغة العرب، هل يجوز له أن يقرأها بغير لغة العرب، يعني: تترجم له فيقرأها بغير اللفظ العربي أو لا؟ هذا خلاف ذكر، ولكن المشاهد أنه لا يكاد يوجد مسلم في شرق الأرض وغربها كائناً من كان، لا يستطيع أن يتعلم سورة الفاتحة بالذات، مما يدل على أن الله سبحانه وتعالى قد يسر هذا القرآن بكل لسان، فإذا تعلمه فإنه يكون قادراً على القراءة، فحكاية الخلاف هي حكاية لسبب فيما لو وقع ولكنه قليل ونادر، وقد يكون في بدايات إسلام المرء، وليس بعد أن يتقن قراءة القرآن، فلا نحتاج إلى مثل هذا إلا إذا وقع بالفعل، وصار مشكلةً في أنه يوجد قوم لا يمكنهم قراءة القرآن بلغة العرب.

قراءة القرآن بالمعنى

يقول: (كذاك بالمعنى)، يعني: قراءة القرآن بالمعنى أيضاً لا تجوز، وهذه القراءة بالمعنى لها قضية تاريخية، وبعض القراءات التي وردت في جيل التابعين أو نسبت لبعض الصحابة، بعضهم يحملها على أنها قراءة بالمعنى، ويستدلون بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو حديث السبعة الأحرف، قال: ( ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب، وآية عذاب بآية رحمة )، هم يقولون: أن هذا قوله صلى الله عليه وسلم هذا يدل على جواز القراءة بالمعنى، ويستدلون أيضاً ببعض الآثار أن أحد الصحابة كان يعلم أحد التابعين فأبدل كلمة بكلمة، فهذه تعتبر قراءة بالمعنى، لكن نقول: لو ثبتت عن آحاد من العلماء ليس طبعاً من العامة، فإنها لا تقبل لو ثبتت؛ لأن الأصل قراءة القرآن كما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.

ومن جعل هذا الحديث شاهداً له فهذا نقول: فيه شبهة، ولكنه لا يدل على ما ذهبوا إليه.

ومن باب الفائدة: هذا المقطع من الحديث مشكل، يعني: إذا كان حديث الأحرف السبعة بذاته مشكلاً، فإن هذا المقطع بالذات من الأحرف السبعة أيضاً مشكل، والجواب أن يقال: إن هذا المقطع من قوله: ( ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب، وآية عذاب بآية رحمة )، أنه نزل مع أول نزول الأحرف السبعة، ثم رفع، والدليل على رفعه: أننا لا نجد في القرآن المتواتر بين أيدينا مثالاً لذلك، في أنه يستبدل آية رحمة بآية عذاب، يعني: أنه استبدل آية رحمة بآية رحمة، أو آية عذاب بآية عذاب، ونجدها موجودة ومذكورة عندنا في القرآن، فما دامت غير موجودة، وقد نزلت بها الرخصة زمناً، فمعنى ذلك: أنها كانت زمناً معيناً ثم نسخت هذه الرخصة، هذا أقوى جواب عن هذا المقطع الذي في حديث الأحرف السبعة.

وعلماء الوقف والابتداء لهم نظر آخر في الحديث، ولكن حديث الأحرف السبعة لا يدل عليه، يعني: سياق حديث الأحرف السبعة لا يدل على تخريج علماء الوقف، وعلماء الوقف أخذوه من باب الوصل والوقف، فنقول: إن حديث الأحرف السبعة سياقه لا يدل على ما ذهبوا إليه.

إذاً أجمع العلماء: على أنه لا يجوز قراءة القرآن بالمعنى، وأنه لا يوجد لفظ يمكن أن يؤدي اللفظ القرآني بتمامه، نعم قد يؤدي جزءاً من معناه، ولهذا يقول ابن عطية : أنك لو أخذت لفظاً من القرآن ثم أدرت لسان العرب لتجد لفظاً غيره فإنك لن تجد، يعني: من شدة فصاحة القرآن؛ لأنه لا يمكن أن توجد لفظة يمكن أن تركب مكان لفظة من ألفاظ القرآن.

ولنا وقفة هنا في هذه القضية الآن. هل يتصور أن يوجد ترجمة حرفية مطابقة تماماً للفظ العربي؟ الجواب: لا، ولا حتى في اللفظ العربي، بمعنى: أننا لو أردنا أن نغير ألفاظ القرآن بألفاظ عربية، فإنه لا يكون هو النص الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وهنا ضابط في هذه المسألة: أنه لا يمكن بحال أن يغير لفظ في العربية فيؤدي معنى اللفظ القرآني، فضلاً عن أن يؤديه لفظ في لغة أخرى.

فإذا كانت هذه القضية واضحة، فإذاً أي دعوى بأن يقرأ القرآن بغير اللفظ العربي، فإنها غير ممكنة، أو أن يترجم ترجمة حرفية، فإنها غير ممكنة، يعني: هذا في باب المحالات، وما يسمى بالترجمة الحرفية إن قصد: إن يؤتى باللفظ كما هو في لغة العرب، فهذا من باب المحالات.

ومن لطائف الترجمة التي نفهم أنه لا تمكن، لو قلنا لأحد المترجمين: اقرأ قول الله سبحانه وتعالى: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1]، الذي أشار إليه المؤلف وترجمها للإنجليزية مثلاً، ثم جئنا بإنسان لا يعرف القرآن لكنه يعرف العربية، وقلنا له: ترجم لنا هذا النص الذي حول إلى الإنجليزية إلى العربية، هل يتصور أن يعيده كما هو في نصه العربي؟ الجواب: لا، لا يمكن، ليس فقط في القرآن، في أي ترجمة كانت، لا يمكن أن يعيد المترجم اللفظ إلى أصله العربي إلا إذا كان يعرف الأصل العربي، لكن إذا كان ما يعرف فإنه لا يمكن أن يعيده بحذافيره كما كان.

المقصد من ذلك: أن من يتكلم عن الترجمة الحرفية لا بد أن يتصور مسألة لكي يحكم، فهي غير ممكنة أصلاً، يعني: هي في باب المحالات؛ لأنها غير ممكنة، فمن يقول ترجمة حرفية، هل يمكن ترجمة القرآن ترجمة حرفية؟ إذا كان مراده هذا فنقول: هذا محال، وإن كان مراده بالترجمة الحرفية شيء آخر، فهذه قضية أخرى، ورجعنا إلى قضية ترجمة المعاني، وترجمة المعاني شيء، واللفظ القرآني شيء آخر، يعني: لا بد من الفصل بين الأمرين، ترجمة المعاني شيء، وترجمة اللفظ القرآني شيء آخر.

إذاً إذا كان كذلك فإنه لا يتصور قراءة القرآن العربي بغير العربية إلا إذا قيل: إن الذي يقرأ القرآن يقرؤه باللفظ العربي ولكنه يلحن، مثل ما نسمع أحياناً بعض العجم ليس عندهم حرف الحاء وحرف العين، فيقول: (الهمد لله رب العالمين)، فهذا لحن، لكنه لا يقال: إنه بغير اللفظ العربي، نقول: لفظ عربي، لكن وقع فيه لحن، وليس هذا هو مراد المؤلف.

وطبعاً المؤلف يشير إلى خلاف حكاه بعض الفقهاء في ما لو لم يستطع المسلم أن يقرأ الفاتحة بلغة العرب، هل يجوز له أن يقرأها بغير لغة العرب، يعني: تترجم له فيقرأها بغير اللفظ العربي أو لا؟ هذا خلاف ذكر، ولكن المشاهد أنه لا يكاد يوجد مسلم في شرق الأرض وغربها كائناً من كان، لا يستطيع أن يتعلم سورة الفاتحة بالذات، مما يدل على أن الله سبحانه وتعالى قد يسر هذا القرآن بكل لسان، فإذا تعلمه فإنه يكون قادراً على القراءة، فحكاية الخلاف هي حكاية لسبب فيما لو وقع ولكنه قليل ونادر، وقد يكون في بدايات إسلام المرء، وليس بعد أن يتقن قراءة القرآن، فلا نحتاج إلى مثل هذا إلا إذا وقع بالفعل، وصار مشكلةً في أنه يوجد قوم لا يمكنهم قراءة القرآن بلغة العرب.

يقول: (كذاك بالمعنى)، يعني: قراءة القرآن بالمعنى أيضاً لا تجوز، وهذه القراءة بالمعنى لها قضية تاريخية، وبعض القراءات التي وردت في جيل التابعين أو نسبت لبعض الصحابة، بعضهم يحملها على أنها قراءة بالمعنى، ويستدلون بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو حديث السبعة الأحرف، قال: ( ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب، وآية عذاب بآية رحمة )، هم يقولون: أن هذا قوله صلى الله عليه وسلم هذا يدل على جواز القراءة بالمعنى، ويستدلون أيضاً ببعض الآثار أن أحد الصحابة كان يعلم أحد التابعين فأبدل كلمة بكلمة، فهذه تعتبر قراءة بالمعنى، لكن نقول: لو ثبتت عن آحاد من العلماء ليس طبعاً من العامة، فإنها لا تقبل لو ثبتت؛ لأن الأصل قراءة القرآن كما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.

ومن جعل هذا الحديث شاهداً له فهذا نقول: فيه شبهة، ولكنه لا يدل على ما ذهبوا إليه.

ومن باب الفائدة: هذا المقطع من الحديث مشكل، يعني: إذا كان حديث الأحرف السبعة بذاته مشكلاً، فإن هذا المقطع بالذات من الأحرف السبعة أيضاً مشكل، والجواب أن يقال: إن هذا المقطع من قوله: ( ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب، وآية عذاب بآية رحمة )، أنه نزل مع أول نزول الأحرف السبعة، ثم رفع، والدليل على رفعه: أننا لا نجد في القرآن المتواتر بين أيدينا مثالاً لذلك، في أنه يستبدل آية رحمة بآية عذاب، يعني: أنه استبدل آية رحمة بآية رحمة، أو آية عذاب بآية عذاب، ونجدها موجودة ومذكورة عندنا في القرآن، فما دامت غير موجودة، وقد نزلت بها الرخصة زمناً، فمعنى ذلك: أنها كانت زمناً معيناً ثم نسخت هذه الرخصة، هذا أقوى جواب عن هذا المقطع الذي في حديث الأحرف السبعة.

وعلماء الوقف والابتداء لهم نظر آخر في الحديث، ولكن حديث الأحرف السبعة لا يدل عليه، يعني: سياق حديث الأحرف السبعة لا يدل على تخريج علماء الوقف، وعلماء الوقف أخذوه من باب الوصل والوقف، فنقول: إن حديث الأحرف السبعة سياقه لا يدل على ما ذهبوا إليه.

إذاً أجمع العلماء: على أنه لا يجوز قراءة القرآن بالمعنى، وأنه لا يوجد لفظ يمكن أن يؤدي اللفظ القرآني بتمامه، نعم قد يؤدي جزءاً من معناه، ولهذا يقول ابن عطية : أنك لو أخذت لفظاً من القرآن ثم أدرت لسان العرب لتجد لفظاً غيره فإنك لن تجد، يعني: من شدة فصاحة القرآن؛ لأنه لا يمكن أن توجد لفظة يمكن أن تركب مكان لفظة من ألفاظ القرآن.

ثم قال: [ كذاك بالمعنى وأن يفسرا بالرأي لا تأويله فحررا ].

يعني: ويحرم أن يفسر بالرأي، (لا تأويله)، أي: يجوز تأويله ولا يجوز تفسيره بالرأي، يعني: بناءً على قول الناظم، التأويل بالرأي يجوز والا ما يجوز؟ يجوز. والتفسير بالرأي لا يجوز، يعني: إذاً هو جعل التفسير شيئاً والتأويل شيئاً آخر، ونحن إذا رجعنا إلى الأصل نجد أنه قال: ويحرم تفسيره بالرأي، قال صلى الله عليه وسلم: ( من قال بالقرآن برأييه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار ).

ثم قال بعد ذلك: (لا تأويله)، أي: لا يحرم بالرأي للعالم بالقواعد، قال: والفرق أن التفسير للسيوطي الشهادة على الله تعالى والقطع بأنه عنى بهذا اللفظ هذا، فلم يجز إلا بنص من النبي صلى الله عليه وسلم، أو الصحابة الذي شاهدوا التنزيل والوحي، قال: ولهذا جزم الحاكم : بأن تفسير الصحابي مطلقاً في حكم المرفوع. طبعاً الكلام هذا فيه نظر، وليس هذا مقام التفصيل.

ثم قال: وأما التأويل فهو ترجيح أحد المحتملات بدون القطع والشهادة على الله تعالى، قال: فاغتفر، يعني: اغتفر التأويل ولم يغتفر التفسير.

ثم قال: وقد اختلف جماعة من الصحابة والسلف في تأويل آيات، ولو كان عندهم فيها نص من النبي صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا، إلى آخر كلامه.

الآن التفريق بين التفسير والتأويل بهذا المنظور الذي ذكره الإمام السيوطي رحمه الله تعالى في شرحه، هل هذا التفريق تفريق صحيح ومعتبر، أو فيه نوع من التخصيص وتخصيص لا دليل عليه؟ يعني: هل هناك دليل على صحة هذا التفريق؟

التخصيص في التفريق بين التأويل والتفسير

لو تأملنا لن نجد دليلاً على صحة هذا التفريق، بمعنى: أنه جعل التفسير بهذا المعنى والتأويل بمعنى تخصيص، ومن قاله طبعاً هو قيل قبل السيوطي رحمه الله تعالى، و السيوطي اعتمده هنا، فمن قال بهذا فهو نوع من التخصيص للمصطلحات، وهذا التخصيص إن حكم به على الإطلاق فهو غير مقبول، بمعنى: لو قال هذا العالم: هذا هو الفرق بين التفسير والتأويل لا غير، وأبطل جميع الفروق الأخرى التي ذكرها العلماء، فنقول: إن هذا التخصيص الذي ذكرته في الفرق بين التفسير والتأويل لا دليل عليه، وإنما هو مصطلح خاص، لكن إذا جعل هذا اصطلاحاً خاصاً مثل ما فعل الماتريدي في تفسيره واعتمد هذا التفريق، وكتب تفسيره على هذا المنهج، وحينما نتعامل مع الماتريدي في تفسيره، وهو قد استخدم هذا المصطلح، هل نخطئ الماتريدي من جهة المصطلح، نقول: لا هذا خطأ، أو نقول: ما دام قد اعتمد هذا المصطلح لنفسه، فنحن نحاكمه لمصطلحه، بمعنى: أننا إذا قرأنا في تفسير الماتريدي نحاكمه لمصطلحه، ما التفسير عندك؟ وما التأويل عندك؟ فإذا حكمناه إلى مصطلحه الذي اصطلحه فهذا هو الصواب، لكن أيضاً نقول: إن هذا المصطلح الذي اختاره هو خاص به، وقد طبقه في كتابه، ولكنه ليس هو الصحيح في الفرق بين التفسير والتأويل.

العمل التفسيري

ننظر المسألة من زاوية أخرى، (العمل التفسيري)، ما معنى العمل التفسيري؟ يعني: أنا إذا أردت أن أقرأ في التفسير وأعرف الراجح من المرجوح، أو إذا أردت أن أفسر القرآن، هل هذه المصطلحات تكون حاضرة في ذهني، وأفرق حينما أتعامل مع التفسير أو لا؟ لننظر مثالاً: لما نأت إلى قول الله سبحانه وتعالى: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ [التكوير:15-16]، فأنت غافل عن مصطلحات التفسير والتأويل كلها، ولو قلت لك: ما معنى: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ [التكوير:15]؟ تقول: والله أنا قرأت في تفسير ابن كثير فوجدته يقول: إن بعض السلف قالوا: إن الخنس هي النجوم والكواكب، فإذا أردت أفسر الآية تقول: (فلا أقسم بالنجوم والكواكب)، الْجَوَارِ الْكُنَّسِ [التكوير:16]، يعني: حال خنوسها وحال جريانها وحال كنوسها. فالمعنى الآن بالنسبة لك كعمل تفسيري انتهى. لكن لو جاء آخر وقال: لا، أنا قرأت أيضاً أن الراجح: أنها بقر الوحش والظباء، أقول: أنا أفسر، فقلت: يقسم ربنا ببقر هذا الوحش والظباء حال خنوسها وكنوسها، وبينت معنى الخنوس والكنوس في بقر الوحش والظباء والجريان، وبين صاحبك معنى الخنوس والكنوس والجريان في النجوم، فأنا لما اختار هذا القول عمله التفسيري الآن صحيح أو ليس بصحيح؟ يعني: ما الخلاف الذي صار بينك وبينه وهي مجرد اختيار المعنى؟ هل هذا المعنى هو المراد، أو هذا المعنى هو المراد؟ لكن أنت الآن تعتبر في العمل التفسيري مفسراً، أو لا تعتبر مفسراً في هذا المقام؟ تعتبر مفسراً، وصاحبك أيضاً يعتبر مفسراً، بمعنى: أن الاختيار من هذه الأقوال لم يخرجك عن دائرة التفسير؛ لأن فيه أقوالاً متعددة.

نأتي إلى مثال آخر: اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، قال ابن أبي حاتم : لا أعلم خلافاً بين المفسرين في هذا الحرف: أن المغضوب عليهم اليهود، وأن الضالين النصارى، وهو التفسير الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هناك قول آخر، وكل الأقوال التي قيلت بعد ذلك هي مندرجة في النهاية تحت هذا القول، فالآن عندنا قول واحد، لما أقول لك: ما معنى المغضوب عليهم والضالين؟ تقول: اليهود والنصارى، ولما أسأل غيرك يقول: اليهود والنصارى، الآن كعمل تفسيري هل اختلف الآن طريقة تفسيرك في المغضوب عليهم والضالين عن طريقة تفسيرك في الخنس؟ لم يختلف، يعني: أنت الآن في العمل التفسيري سواء كان ما هناك إلا قول واحد، يعني: نقطع على الله أنه أراد بقوله: غَيْرِ المَغْضُوبِ [الفاتحة:7]، اليهود، و الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، النصارى، لماذا نقطع؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فسر هذا، ولأنه لم يرد خلاف بين السلف في أن المراد به هذا المعنى.

هذا بناءً على قول الماتريدي الذي نقله الآن السيوطي ، ولكن لما نأت عند الْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ [التكوير:15-16]، بناءً على رأي الماتريدي الذي ذكره السيوطي ، سيكون تأويلاً وإلا تفسيراً؟ سيكون تأويلاً؛ لأنه الآن عندك اختيار متعدد، فإذا كان اختياراً متعدداً يسميه تأويلاً، يعني: عملك تأويل، وإذا صار قولاً واحداً ليس هناك غيره فيسميه تفسيراً.

هذا الآن التفريق هل هو داخل العمل التفسيري، وإلا خارج العمل التفسيري؟ يعني: هل هو من صلب العمل التفسيري أو خارج؟

هو في الحقيقة وصف خارج العمل التفسيري، يعني: هذا وصف أنت تصف هكذا، أنا كمفسر لا يلزمني هل هذا تفسير أو تأويل على رأيك، في النهاية أنا في قوله: غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، مفسر، وفي قوله: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ [التكوير:15]، مفسر، الحقيقة أني مفسر، أنا شرحت لك رأيي، والآن أنبه أنه في العمل التفسيري هل يختلف العمل التفسيري بين كوني فسرت في آية الفاتحة وكوني فسرت في آية التكوير اختلف؟ ما يختلف، يعني: العمل التفسيري واحد.

فإذاً قضية التفريق التي ذكرها السيوطي رحمه الله تعالى هي قضية لا اعتبار لها في العمل التفسيري، وإلا نضطر نقف عند كل آية وننظر: هل نقطع على الله أو ما نقطع؟ والدليل على أننا نقطع هو كذا وكذا، وإذا كنا ما نقطع فهو تأويل، وهذه مسألة طويلة تدل على صعوبة هذا الأمر، ولهذا نقول: إن هذا التفريق غير سليم، وفيه نظر.

الصحيح في التفريق بين التأويل والتفسير

طبعاً التفريق الصحيح في أن التأويل يأتي بمعنى التفسير كما هو وراد في القرآن، وكما هو وارد أيضاً عند السلف، وهو الذي عليه جمهور العلماء من المفسرين واللغويين، وأن التأويل ينفرد عن التفسير بمعنى آخر وهو ما تئول إليه حقيقة الشيء، هذان المعنيان للتأويل كل ما قيل من الفروق المذكورة بين التفسير والتأويل غير هذين، فإنها ترجع إلى أحدهما لا محالة، فإن لم يرجعا إلى أحدهما فإن ذلك يدل على إشكال في القول المذكور.

يعني: كل ما قيل في الفرق بين التفسير والتأويل، فإنه يرجع إلى ما ذكره السلف: أن التأويل بمعنى التفسير، أو التأويل ما تئول إليه حقيقة الشيء، فإن لم يرجع إلى أحد القولين، فهذا يدل على أن في هذا التفريق إشكالاً من جهة أخرى، والمثال الذي ذكرناه الآن في قضية القطع وعدم القطع، هل يختلف عندي وعندك في الحالين أن نقول: أولت قوله تعالى: غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7]، بأنهم اليهود، وأولت قوله: الْخُنَّسِ [التكوير:15]، بأنها النجوم، أو أقول: فسرت قوله تعالى: غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7]، بأنهم اليهود، وفسرت قوله: الْخُنَّسِ [التكوير:15]، بأنها النجوم، هل هناك إشكال في العبارتين؟ ما هناك إشكال، إذاً لاحظوا كل هذا التفريق رجع إلى معنى التفسير، وفي النهاية سميته تأويلاً وتفسيراً، وفي النهاية في الحقيقة تفسير، وهو في النوع الأول من أنواع التأويل الذي يطابق التفسير، أو يماثل التفسير.

مثال آخر: من المشهور عندنا أن المتأخرين يقولون: بأن التأويل صرف اللفظ عن ظاهره، أو صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لقرينة. ولما نأت الآن إلى قولهم: (صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المرجوح لقرينة) إذا صح تطبيق هذا المصطلح على آية من الآيات، هو في النهاية تفسير، فإذاً في الحقيقة كل الفروق التي تذكر في الفرق بين التفسير والتأويل هي في النهاية مآلها إلى أحد هذين النوعين من التأويل، إما أن تكون التأويل بمعنى التفسير، وإما أن تكون التأويل ما تئول إليه حقيقة الشيء، وإذا خرج عن هذين فإنه يدل على أن هناك مشكلة في المصطلح، والعلماء قد أطالوا في قضية الفرق بين التفسير والتأويل.

هذا باختصار ما يتعلق بقضية الفرق بين التفسير والتأويل كما أشار إليها المؤلف رحمه الله تعالى.




استمع المزيد من صفحة د. مساعد الطيار - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح منظومة الزمزمي [5] 3927 استماع
شرح منظومة الزمزمي [3] 2815 استماع
شرح منظومة الزمزمي [1] 2302 استماع
شرح منظومة الزمزمي [6] 2060 استماع
شرح منظومة الزمزمي [4] 1677 استماع