شرح منظومة الزمزمي [5]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[ العقد الرابع: ما يرجع إلى الألفاظ، وهي سبعة:

الأول والثاني: الغريب والمعرب.

يرجع للنقل لدى الغريب ما جاء كالمشكاة في التعريب

أواه والسجل ثم الكفل كذلك القسطاس وهو العدل

وهذه ونحوها قد أنكرا جمهورهم بالوفق قالوا: احذرا ].

العقد الرابع كما ذكر الزمزمي رحمه الله تعالى: (ما يرجع إلى الألفاظ)، وما يرجع إلى الألفاظ هنا، أي: من جهة العربية؛ لأنه سيأتينا ما يرجع إلى الألفاظ أيضاً، لكن من جهة الأحكام، وهي سبعة كما ذكرها.

مصدرها الأول والأصل كما ذكر البلقيني (الأول والثاني: الغريب والمعرب).

المقصود بالغريب

والغريب: المراد به هنا: معنى الألفاظ التي يحتاج إلى البحث عنها في اللغة كما ذكر السيوطي في إتمام الدراية.

ولو تأملنا ألفاظ القرآن من جهة معرفة الناس بها، فإن هناك من ألفاظ القرآن كما قال ابن عباس : ما تعرفه العامة، يعني: عامة الناس يعرفونه، مثل: السماء والأرض، والماء والبحر، هذا لا يكاد يخفى على أحد، وهناك نوع لا يعرفه إلا العارف باللغة، وهذا الذي يسمى عند العلماء: بغريب القرآن.

والغرابة نسبية، فما يكون غريبًا عندك، قد لا يكون غريبًا عند صاحبك، وما يكون غريبًا عند التابعين، لا يكون غريبًا عند الصحابة، وما يكون غريبًا عند بعض الصحابة، قد لا يكون غريبًا عند آخرين منهم.

فإذاً: الغرابة نسبية، ولا إشكال في إطلاق لفظة الغريب على القرآن، وقد تتابع العلماء على هذا المصطلح، والغرابة نسبية كما ذكرنا، وليس معنى الغريب هنا ما ذكره بعض أئمة اللغة في كتبهم في فقه اللغة في غريب الألفاظ الذي يساوي الحوشي من الألفاظ، يعني: الألفاظ التي لا تكاد تنطق بها العرب، فهي قليلة الورود والدوران عندهم، أو تكون هذه الألفاظ مما يستخدمه الأعراب، وتكون فيها معاني، أو اللفظ يكون فيه إشكال من جهة النطق به، مثل (الهعخع) كما ذكره وغيره، هذا لا يوجد في القرآن، وهو نوع من الغريب، لكنه يعتبر من الكلام المستوحش أو الحوشي كما يذكره علماء اللغة. فهذا النوع خليٌ كتاب الله سبحانه وتعالى منه ولا يوجد فيه.

إذاً: حينما نقول نحن: غريب القرآن، لا نقصد به هذا النوع، وإنما نقصد به النوع السائد والغالب الذي قد يخفى على بعض الناس دون بعض، والغرابة تكون نسبية بالنسبة للمتلقي، ولا يلزم أن تكون غريبة بمعنى: أن اللفظة هذه لا يعرف معناها أبدًا، أو أن تكون من النوع الذي ذكرته سابقاً.

مصادر معرفة معاني الغريب

يرجع في الغريب إلى النقل كما ذكر الإمام السيوطي هنا، وفيه كتب، من أشهر تصانيفه: غريب العَزيزي ، أو العُزيزي، وهو لـابن عزيز السجستاني ، وكتابه طُبع بتحقيقات متعددة، فهو كتاب مشهور ومتداول، يقول: وهو محرر سهل المأخذ.

وعندي في هذا نظر، ليس سهل المأخذ، كتاب ابن عُزيز من جهة معرفة الطالب لمكان اللفظة ليس سهلًا؛ لأنه رتبه: المفتوح، فالمضموم، فالمكسور، وأيضًا: لم يرتبه على أصل الكلمة، وإنما على استخدامها، يعني: (استحوذ) ستكون في باب الألف المكسورة التي سيكون بعدها السين؛ ولو كنت تمشي على الأصل ستذهب إلى مادة (ح و ذ) وترجع إلى أصلها.

المقصود: أن قضية كونه (سهل المأخذ) إن كان يقصد سهولة الوصول إلى الكلمة القرآنية فيه، فهذا ليس بدقيق؛ لأن الوصول إلى الكلمة فيه صعوبة؛ لأنه بناه على قضية الحركات، وأيضًا بناه على صيغة الكلمة، ولم يبنه على أصلها، هذه القضية الأولى.

القضية الثانية: أن هذا الكتاب قد لقي تقويمًا من بعض العلماء، ورفعوا من شأنه؛ لأن أبا بكر الأنباري، وهو من كبار علماء اللغة الكوفيين، قد قُرِئ عليه هذا الكتاب، ومصنفه حرره في سنوات، ولكن المتأمل فيه لا يجد قدرًا زائدًا على غيره من الكتب، بل إن بعض الكتب أبرع منه في نظري، وأكثر فائدة وغزارة مثل كتاب ابن قتيبة ، وهو قبله، ولا يكاد يوجد فيه شواهد شعرية إلا قليل جدًا، وليس هو بالنفيس كما ذكر هؤلاء، لكن هكذا كان نظر بعض العلماء لهذا الكتاب.

وهناك ما هو أنفس منه بمراحل، وهو كتاب الراغب الأصفهاني ، وأنا أستغرب من أن السيوطي مع معرفته بهذا الكتاب لم يشر إليه هنا، وما ذكره من كتاب أبي حيان ، فهو بالفعل كتاب لطيف يصلح أن يكون للمبتدئ، لأنه مختصر جدًا، ومشى فيه على ترتيب (أ، ب)، فهذا يمكن أن يُجعل عمدة لمن أراد أن يبحث عن المختصرات في غريب القرآن، أعلاها شأنًا هو كتاب الراغب الأصفهاني؛ لاعتبارات ليس هذا محلها.

ومن أنفسها أيضًا: كتاب ابن قتيبة ، ومن أسباب نفاسته أنه اعتمد على تفسير السلف في بيان معاني غريب القرآن، فجمع بين المأثور عن السلف، وما كتبه علماء اللغة، كـأبي عبيدة معمر بن المثنى وغيره، فجمع بين قول هؤلاء وهؤلاء.

ومن نفاسته: أنه يعد من كتب الاختيار؛ لأنه نص على الاختيار، وأنه يختار التفسير المناسب، وهذا أيضًا يحسب له، فضلًا عن أنه اعتمد على تفسير ابن عباس و مجاهد و قتادة و عكرمة وغيرهم، وإذا وقع خلاف بينهم فإنه يختار من أقوالهم، والاختيار هو أحد طبقات الاجتهاد في التفسير.

وهناك تفاصيل في قضية الغريب بالذات أو ما يتعلق بمفردات القرآن، ولعل الله سبحانه وتعالى ييسر أن أكتب مقدمة لغوية للمفسر، يعني: من أراد أن يفسر القرآن، ما هي المقدمة اللغوية التي يحتاجها لكي يفهم ما في التفاسير، أو أيضًا يستطيع أن يتعامل مع الخلاف الذي يرد في التفاسير من جهة مفردات اللغة؟ ولعلي أشير إلى بعضها فيما سيأتي إن شاء الله من القضايا المتعلقة بالعلوم العربية في هذا الكتاب.

والغريب: المراد به هنا: معنى الألفاظ التي يحتاج إلى البحث عنها في اللغة كما ذكر السيوطي في إتمام الدراية.

ولو تأملنا ألفاظ القرآن من جهة معرفة الناس بها، فإن هناك من ألفاظ القرآن كما قال ابن عباس : ما تعرفه العامة، يعني: عامة الناس يعرفونه، مثل: السماء والأرض، والماء والبحر، هذا لا يكاد يخفى على أحد، وهناك نوع لا يعرفه إلا العارف باللغة، وهذا الذي يسمى عند العلماء: بغريب القرآن.

والغرابة نسبية، فما يكون غريبًا عندك، قد لا يكون غريبًا عند صاحبك، وما يكون غريبًا عند التابعين، لا يكون غريبًا عند الصحابة، وما يكون غريبًا عند بعض الصحابة، قد لا يكون غريبًا عند آخرين منهم.

فإذاً: الغرابة نسبية، ولا إشكال في إطلاق لفظة الغريب على القرآن، وقد تتابع العلماء على هذا المصطلح، والغرابة نسبية كما ذكرنا، وليس معنى الغريب هنا ما ذكره بعض أئمة اللغة في كتبهم في فقه اللغة في غريب الألفاظ الذي يساوي الحوشي من الألفاظ، يعني: الألفاظ التي لا تكاد تنطق بها العرب، فهي قليلة الورود والدوران عندهم، أو تكون هذه الألفاظ مما يستخدمه الأعراب، وتكون فيها معاني، أو اللفظ يكون فيه إشكال من جهة النطق به، مثل (الهعخع) كما ذكره وغيره، هذا لا يوجد في القرآن، وهو نوع من الغريب، لكنه يعتبر من الكلام المستوحش أو الحوشي كما يذكره علماء اللغة. فهذا النوع خليٌ كتاب الله سبحانه وتعالى منه ولا يوجد فيه.

إذاً: حينما نقول نحن: غريب القرآن، لا نقصد به هذا النوع، وإنما نقصد به النوع السائد والغالب الذي قد يخفى على بعض الناس دون بعض، والغرابة تكون نسبية بالنسبة للمتلقي، ولا يلزم أن تكون غريبة بمعنى: أن اللفظة هذه لا يعرف معناها أبدًا، أو أن تكون من النوع الذي ذكرته سابقاً.

يرجع في الغريب إلى النقل كما ذكر الإمام السيوطي هنا، وفيه كتب، من أشهر تصانيفه: غريب العَزيزي ، أو العُزيزي، وهو لـابن عزيز السجستاني ، وكتابه طُبع بتحقيقات متعددة، فهو كتاب مشهور ومتداول، يقول: وهو محرر سهل المأخذ.

وعندي في هذا نظر، ليس سهل المأخذ، كتاب ابن عُزيز من جهة معرفة الطالب لمكان اللفظة ليس سهلًا؛ لأنه رتبه: المفتوح، فالمضموم، فالمكسور، وأيضًا: لم يرتبه على أصل الكلمة، وإنما على استخدامها، يعني: (استحوذ) ستكون في باب الألف المكسورة التي سيكون بعدها السين؛ ولو كنت تمشي على الأصل ستذهب إلى مادة (ح و ذ) وترجع إلى أصلها.

المقصود: أن قضية كونه (سهل المأخذ) إن كان يقصد سهولة الوصول إلى الكلمة القرآنية فيه، فهذا ليس بدقيق؛ لأن الوصول إلى الكلمة فيه صعوبة؛ لأنه بناه على قضية الحركات، وأيضًا بناه على صيغة الكلمة، ولم يبنه على أصلها، هذه القضية الأولى.

القضية الثانية: أن هذا الكتاب قد لقي تقويمًا من بعض العلماء، ورفعوا من شأنه؛ لأن أبا بكر الأنباري، وهو من كبار علماء اللغة الكوفيين، قد قُرِئ عليه هذا الكتاب، ومصنفه حرره في سنوات، ولكن المتأمل فيه لا يجد قدرًا زائدًا على غيره من الكتب، بل إن بعض الكتب أبرع منه في نظري، وأكثر فائدة وغزارة مثل كتاب ابن قتيبة ، وهو قبله، ولا يكاد يوجد فيه شواهد شعرية إلا قليل جدًا، وليس هو بالنفيس كما ذكر هؤلاء، لكن هكذا كان نظر بعض العلماء لهذا الكتاب.

وهناك ما هو أنفس منه بمراحل، وهو كتاب الراغب الأصفهاني ، وأنا أستغرب من أن السيوطي مع معرفته بهذا الكتاب لم يشر إليه هنا، وما ذكره من كتاب أبي حيان ، فهو بالفعل كتاب لطيف يصلح أن يكون للمبتدئ، لأنه مختصر جدًا، ومشى فيه على ترتيب (أ، ب)، فهذا يمكن أن يُجعل عمدة لمن أراد أن يبحث عن المختصرات في غريب القرآن، أعلاها شأنًا هو كتاب الراغب الأصفهاني؛ لاعتبارات ليس هذا محلها.

ومن أنفسها أيضًا: كتاب ابن قتيبة ، ومن أسباب نفاسته أنه اعتمد على تفسير السلف في بيان معاني غريب القرآن، فجمع بين المأثور عن السلف، وما كتبه علماء اللغة، كـأبي عبيدة معمر بن المثنى وغيره، فجمع بين قول هؤلاء وهؤلاء.

ومن نفاسته: أنه يعد من كتب الاختيار؛ لأنه نص على الاختيار، وأنه يختار التفسير المناسب، وهذا أيضًا يحسب له، فضلًا عن أنه اعتمد على تفسير ابن عباس و مجاهد و قتادة و عكرمة وغيرهم، وإذا وقع خلاف بينهم فإنه يختار من أقوالهم، والاختيار هو أحد طبقات الاجتهاد في التفسير.

وهناك تفاصيل في قضية الغريب بالذات أو ما يتعلق بمفردات القرآن، ولعل الله سبحانه وتعالى ييسر أن أكتب مقدمة لغوية للمفسر، يعني: من أراد أن يفسر القرآن، ما هي المقدمة اللغوية التي يحتاجها لكي يفهم ما في التفاسير، أو أيضًا يستطيع أن يتعامل مع الخلاف الذي يرد في التفاسير من جهة مفردات اللغة؟ ولعلي أشير إلى بعضها فيما سيأتي إن شاء الله من القضايا المتعلقة بالعلوم العربية في هذا الكتاب.

المعرب: -كما قال- بتشديد الراء، وهو لفظ استعملته العرب في معنىً وضع له في غير لغتهم.

الخلاف في وقوع المعرب

واختلف في وقوعه في القرآن، والاختلاف مشهور وقديم ومعروف، وبعض العلماء كان يشدد النكير في هذا، مثل أبي عبيدة معمر بن المثنى في مقدمة كتابه؛ فقد شدد النكير على من يرى وجود المعرب في القرآن، وكأن هذا أحد أسباب تأليفه لمجاز القرآن، لكي يبين أنه لا يوجد في القرآن لفظ غير عربي، فكل الألفاظ عنده عربية.

وقوم آخرون: قالوا بوجود المعرب، واستدلوا بالأسماء التي حكى علماء العربية أنها أعجمية وأنها ممنوعة من الصرف للعلمية والعجمة مثل: (إبراهيم، وإسحاق، وإسماعيل) وأمثالها، وكذلك أن بعض السلف نص على ذلك كـابن عباس و عكرمة و سعيد بن جبير وغيرهم، فقد نصوا على بعض الكلمات فقالوا: هي بلغة الحبشة كذا، هي بالسريانيةكذا، هي بالطورانية كذا.. وهكذا، فموجود عندنا نقل واضح جدًا في أنه يوجد في القرآن ما ليس عربيًا.

وآخرون قالوا: إن هذا جاء من باب توافق اللغات.

و الطبري -وهو مذهب أبي عبيدة قبل- انتصر له واحتج بحجة عقلية، وهي أن من ادعى أنه خاص بلغة العرب، فعليه من الدليل مثل ما على من ادعى أنه من غير لغة العرب، فمن ادعى أنه ليس من لغة العرب عليه الدليل، ومن ادعى أنه من لغة العرب وأخذه قوم آخرون فعليه الدليل.

إذاً: كان الطبري يرى أن هذا مما تتوافق فيه اللغات، وتوافق اللغات لا يمكن أن يجري إلا إذا كان الأصل الذي أخذت منه هذه اللغات واحدًا؛ لأنه لا يمكن التوافق في عدد من الألفاظ، إلا أن يكون الأصل الذي أخذت منه واحدًا، وقد انطلق معاصرون من هذه الفكرة إلى تأسيس نظرية جديدة في المعرب، وهي توافق من قال بتوافق اللغات، وهي مكملة لفكرة من رأى توافق اللغات، ومؤصلة لمن قال: بأنه لا يوجد في القرآن أعجمي. بمعنى: أن من قال بتوافق اللغات، ومن قال: بأنه لا يوجد في القرآن أعجمي، مثل أبي عبيدة ، هذا القول المعاصر يخدم هذين الطرفين، ويوصل في النتيجة النهائية إلى أنه لا يوجد في القرآن كلمة ليس لها أصل عربي، لكن يمكن أن يكون حدث لها تعجيم، مع كون أصولها الأولى عربية، هذا الرأي معاصر وأدلته قوية جدًا، وهي مرتبطة بقضية فقه اللغات القديمة، وليس هذا محل شرحها؛ لأنه يطول الأمر فيها، ولكن سأشير فقط إلى مثال لكي نتبين هذه الفكرة الجديدة.

فالمثال الآن في (إسماعيل)، إسماعيل أصل نطقه: (يسمع إيل)، ويسمع كلمة عربية من السماع، وإيل: يطلق على الله سبحانه وتعالى في اللغات القديمة، وموجود في لغات العرب القديمة، ولكنه مما قل استعماله عند العرب، وإذا نظرنا بعض الأسماء العربية في التعبيد، مثل (عبد يا ليل) وأمثالها، نجد أنها ما زالت موجودة عند العرب، لكن استعمالها قليل، وكثر استعمال (إيل) في منطقة الشمال، يعني: في الشام منذ القدم، وهي ترجع إلى الأصول الأولى للعربية، فتتفق مع عربية القرآن في أصل الاشتقاق هذا.

المقصود الآن: أن لفظة (يسمع إيل) إذا نطقناها بهذا النطق فواضح أنها عربية، لكن حصل لها نوع من التحوير عند أصحاب هذه اللغة في الشمال حتى تحولت إلى إسماعيل، تحورت عند عرب قريش، عرب التنزيل، من (يسمع إيل) إلى (إسماعيل)، فهذا التحوير جعلها غير مبنية على تصريف لغة العرب المعروفة، فادعي عليها العجمة، وإن كان أصلها عربياً.

فإذاً: يمكن أن نقول: إن هذه الكلمة أصولها عربية، لكن حصل لها نوع من التحوير، فتحولت من الصيغ العربية التي كانت في عهد التنزيل إلى صيغة غير موجودة في العربية، فادُّعي عليه العجمة من هذه الجهة، فإذا فهمنا العلم الأعجمي بهذا الأسلوب، واستطعنا أن نطبق هذه الفكرة على كل كلمة قيل: إنها أعجمية ووصلنا فيها إلى هذا الحل، غير الكلمات التي قيل فيها إنها أعجمية وليست أعجمية، لكن ما ثبت أنه بالفعل فيه إشكال في عجمته، إذا ثبت عندنا في مجموع الكلمات، فهذا يدل على أن هذه الكلمة أصالة عربية، ولكنها مع الزمن تحورت إلى أن صارت تنطق بهذا النطق الذي لم يتوافق مع تصريف عربية التنزيل، لكنه قد يتوافق مع تصريف عربية ما قبل التنزيل؛ لأن عربية ما قبل التنزيل لا يلزم أن تكون موافقة في كل قضاياها النحوية والتصريفية لعربية التنزيل.

قاعدة معرفة الأعجمي من الكلمات والألفاظ

وما ذكر من كلمات قيل إنها غير عربية، مثل: كِفل، ومثل: أواه، فهنا أيضًا قاعدة مهمة ننتبه لها، وهي: أن تصرف الكلمة في اللسان العربي دليل على عربيتها.

فمثلًا: (ذو الكفل) مأخوذة من مادة: (كَفَلَ: يَكْفُلُ، كِفْلًا، فهو كافل ومكفول)، فمادة (كَفَلَ) تتصرف في لغة العرب، أما حين تأتي إلى لفظة إبراهيم أو إسماعيل وترجع إلى المعجم العربي، فإنك لا تجد أن إبراهيم أو إسماعيل يتصرف مثل ما تتصرف مثل هذه الكلمة، مما يجعلك هناك تميل إلى القول بالعجمة، وهنا تقول: لا، هذه الكلمة ليست أعجمية.

فإذاً: هذه من الضوابط التي يعرف فيها: هل الكلمة بالفعل أعجمية، أو ليست بأعجمية؟ فإذا وجدنا تصرفها في لغة العرب كثيرًا، فإنه مما يثبت عربيتها، وأن ادعاء العجمة عليها ليس بصواب.

رأي الطبري في تعامله مع آثار السلف الواردة في المعرب

يبقى عندنا أيضًا من القضايا المرتبطة بهذا: ما ذكر عن بعض السلف، كـابن عباس وغيره: حكاية عجمة بعض كلمات القرآن، كيف نتعامل معها؟

مذهب الطبري رحمه الله تعالى: أنه يقول: إن من ذكر أن هذه الكلمات بغير لغة العرب، إنما أراد أن يشير إلى أن ما هو موجود عند العرب موجود عند هؤلاء فقط، ومن قال: بأنها بلسان الحبشة، أو بلسان الروم، أو بلسان السريانية، أو بلسان الفرس، لم ينفِ أنها عربية، فمن تكلم من السلف في أنهم وصفوا بعض الكلمات بأنها بلغة كذا، وبلغة كذا، قال: لم ينفِ، فعدم نفيه يستدل به الطبري على أنها عربية، ولكنها أيضًا مما نطقت به تلك اللغة، وهذا مذهبه في هذه القضية وتخريجه لأقوال السلف إذا جاءت على هذا المنوال، هو ذكرها في المقدمة، ثم بعد ذلك لم يرجع إلى ذكر هذه الفكرة، وإنما يروي الآثار، أثرًا بعد أثر دون أن يعلق عليها هذا التعليق، ولهذا لا بد من فهم هذا المنهج في رأي الطبري في المعرب من خلال مقدمته، وهذا هو باختصار رأي الطبري في تعامله مع آثار السلف الواردة في المعرب.

بعض الكتب المؤلفة في المعرب

والسيوطي رحمه الله تعالى كتب كتابًا في المعرب، وأيضاً نظم أبياتاً، ولكن كثيراً مما ذكر هو أو غيره أنه ليس عربي الأصل، ليس كذلك، بل هو عربي الأصل، ولهذا أنكر عليه وعلى غيره كثرة ذكر المعرب في القرآن، وهو في الحقيقة أصلي عربي بلا ريب.

ومما كتب (معرب القرآن عربي أصيل) وهو كتاب نفيس جدًا في هذا الباب، نبه فيه المؤلف على بعض الضوابط التي تدل على تأصيل الكلمة عربيًا، ومنها: الضابط الذي ذكرته لكم في قضية تصرف اللفظة.

وممن ذهب إلى المذهب السابق، وهو ما يمكن أن يسمى برحلة الكلمة وتعريبها، يعني: أن لها أصولاً عربية ثم أصابتها العجمة، ثم رجعت إلى لغة العرب معجمة، الدكتور علي ... وله كتابات في هذا كثيرة جدًا، من أهمها موضوع: هل في القرآن أعجمي؟ والكتاب للأسف مع أهميته ونفاسته، فإن توزيعه ضعيف عندنا في السعودية حتى في المعارض لا تكاد تجده، ولعله إن شاء الله ينزل على صيغة (بي دي إف) في النت فيستفاد منه؛ لأنه كتاب نفيس في هذا الباب، والدكتور علي فُتح له في هذا الباب، أي: في موضوع قضية تأصيل الكلمات العربية في كثير من اللغات القديمة، وله في هذا طبعًا مسلكه ومنهجه.

أيضًا هناك غيره ممن ذهب هذا المذهب، وهم متفقون على أصل، ثم قد يختلفون في طريقة تأصيل هذه الكلمات من جهة عربيتها، فيمكن القراءة في هذه الكتب للاستفادة منها فيما يتعلق بالمذهب الجديد في المعرب. هذا باختصار ما يتعلق بالمعرب.

واختلف في وقوعه في القرآن، والاختلاف مشهور وقديم ومعروف، وبعض العلماء كان يشدد النكير في هذا، مثل أبي عبيدة معمر بن المثنى في مقدمة كتابه؛ فقد شدد النكير على من يرى وجود المعرب في القرآن، وكأن هذا أحد أسباب تأليفه لمجاز القرآن، لكي يبين أنه لا يوجد في القرآن لفظ غير عربي، فكل الألفاظ عنده عربية.

وقوم آخرون: قالوا بوجود المعرب، واستدلوا بالأسماء التي حكى علماء العربية أنها أعجمية وأنها ممنوعة من الصرف للعلمية والعجمة مثل: (إبراهيم، وإسحاق، وإسماعيل) وأمثالها، وكذلك أن بعض السلف نص على ذلك كـابن عباس و عكرمة و سعيد بن جبير وغيرهم، فقد نصوا على بعض الكلمات فقالوا: هي بلغة الحبشة كذا، هي بالسريانيةكذا، هي بالطورانية كذا.. وهكذا، فموجود عندنا نقل واضح جدًا في أنه يوجد في القرآن ما ليس عربيًا.

وآخرون قالوا: إن هذا جاء من باب توافق اللغات.

و الطبري -وهو مذهب أبي عبيدة قبل- انتصر له واحتج بحجة عقلية، وهي أن من ادعى أنه خاص بلغة العرب، فعليه من الدليل مثل ما على من ادعى أنه من غير لغة العرب، فمن ادعى أنه ليس من لغة العرب عليه الدليل، ومن ادعى أنه من لغة العرب وأخذه قوم آخرون فعليه الدليل.

إذاً: كان الطبري يرى أن هذا مما تتوافق فيه اللغات، وتوافق اللغات لا يمكن أن يجري إلا إذا كان الأصل الذي أخذت منه هذه اللغات واحدًا؛ لأنه لا يمكن التوافق في عدد من الألفاظ، إلا أن يكون الأصل الذي أخذت منه واحدًا، وقد انطلق معاصرون من هذه الفكرة إلى تأسيس نظرية جديدة في المعرب، وهي توافق من قال بتوافق اللغات، وهي مكملة لفكرة من رأى توافق اللغات، ومؤصلة لمن قال: بأنه لا يوجد في القرآن أعجمي. بمعنى: أن من قال بتوافق اللغات، ومن قال: بأنه لا يوجد في القرآن أعجمي، مثل أبي عبيدة ، هذا القول المعاصر يخدم هذين الطرفين، ويوصل في النتيجة النهائية إلى أنه لا يوجد في القرآن كلمة ليس لها أصل عربي، لكن يمكن أن يكون حدث لها تعجيم، مع كون أصولها الأولى عربية، هذا الرأي معاصر وأدلته قوية جدًا، وهي مرتبطة بقضية فقه اللغات القديمة، وليس هذا محل شرحها؛ لأنه يطول الأمر فيها، ولكن سأشير فقط إلى مثال لكي نتبين هذه الفكرة الجديدة.

فالمثال الآن في (إسماعيل)، إسماعيل أصل نطقه: (يسمع إيل)، ويسمع كلمة عربية من السماع، وإيل: يطلق على الله سبحانه وتعالى في اللغات القديمة، وموجود في لغات العرب القديمة، ولكنه مما قل استعماله عند العرب، وإذا نظرنا بعض الأسماء العربية في التعبيد، مثل (عبد يا ليل) وأمثالها، نجد أنها ما زالت موجودة عند العرب، لكن استعمالها قليل، وكثر استعمال (إيل) في منطقة الشمال، يعني: في الشام منذ القدم، وهي ترجع إلى الأصول الأولى للعربية، فتتفق مع عربية القرآن في أصل الاشتقاق هذا.

المقصود الآن: أن لفظة (يسمع إيل) إذا نطقناها بهذا النطق فواضح أنها عربية، لكن حصل لها نوع من التحوير عند أصحاب هذه اللغة في الشمال حتى تحولت إلى إسماعيل، تحورت عند عرب قريش، عرب التنزيل، من (يسمع إيل) إلى (إسماعيل)، فهذا التحوير جعلها غير مبنية على تصريف لغة العرب المعروفة، فادعي عليها العجمة، وإن كان أصلها عربياً.

فإذاً: يمكن أن نقول: إن هذه الكلمة أصولها عربية، لكن حصل لها نوع من التحوير، فتحولت من الصيغ العربية التي كانت في عهد التنزيل إلى صيغة غير موجودة في العربية، فادُّعي عليه العجمة من هذه الجهة، فإذا فهمنا العلم الأعجمي بهذا الأسلوب، واستطعنا أن نطبق هذه الفكرة على كل كلمة قيل: إنها أعجمية ووصلنا فيها إلى هذا الحل، غير الكلمات التي قيل فيها إنها أعجمية وليست أعجمية، لكن ما ثبت أنه بالفعل فيه إشكال في عجمته، إذا ثبت عندنا في مجموع الكلمات، فهذا يدل على أن هذه الكلمة أصالة عربية، ولكنها مع الزمن تحورت إلى أن صارت تنطق بهذا النطق الذي لم يتوافق مع تصريف عربية التنزيل، لكنه قد يتوافق مع تصريف عربية ما قبل التنزيل؛ لأن عربية ما قبل التنزيل لا يلزم أن تكون موافقة في كل قضاياها النحوية والتصريفية لعربية التنزيل.

وما ذكر من كلمات قيل إنها غير عربية، مثل: كِفل، ومثل: أواه، فهنا أيضًا قاعدة مهمة ننتبه لها، وهي: أن تصرف الكلمة في اللسان العربي دليل على عربيتها.

فمثلًا: (ذو الكفل) مأخوذة من مادة: (كَفَلَ: يَكْفُلُ، كِفْلًا، فهو كافل ومكفول)، فمادة (كَفَلَ) تتصرف في لغة العرب، أما حين تأتي إلى لفظة إبراهيم أو إسماعيل وترجع إلى المعجم العربي، فإنك لا تجد أن إبراهيم أو إسماعيل يتصرف مثل ما تتصرف مثل هذه الكلمة، مما يجعلك هناك تميل إلى القول بالعجمة، وهنا تقول: لا، هذه الكلمة ليست أعجمية.

فإذاً: هذه من الضوابط التي يعرف فيها: هل الكلمة بالفعل أعجمية، أو ليست بأعجمية؟ فإذا وجدنا تصرفها في لغة العرب كثيرًا، فإنه مما يثبت عربيتها، وأن ادعاء العجمة عليها ليس بصواب.

يبقى عندنا أيضًا من القضايا المرتبطة بهذا: ما ذكر عن بعض السلف، كـابن عباس وغيره: حكاية عجمة بعض كلمات القرآن، كيف نتعامل معها؟

مذهب الطبري رحمه الله تعالى: أنه يقول: إن من ذكر أن هذه الكلمات بغير لغة العرب، إنما أراد أن يشير إلى أن ما هو موجود عند العرب موجود عند هؤلاء فقط، ومن قال: بأنها بلسان الحبشة، أو بلسان الروم، أو بلسان السريانية، أو بلسان الفرس، لم ينفِ أنها عربية، فمن تكلم من السلف في أنهم وصفوا بعض الكلمات بأنها بلغة كذا، وبلغة كذا، قال: لم ينفِ، فعدم نفيه يستدل به الطبري على أنها عربية، ولكنها أيضًا مما نطقت به تلك اللغة، وهذا مذهبه في هذه القضية وتخريجه لأقوال السلف إذا جاءت على هذا المنوال، هو ذكرها في المقدمة، ثم بعد ذلك لم يرجع إلى ذكر هذه الفكرة، وإنما يروي الآثار، أثرًا بعد أثر دون أن يعلق عليها هذا التعليق، ولهذا لا بد من فهم هذا المنهج في رأي الطبري في المعرب من خلال مقدمته، وهذا هو باختصار رأي الطبري في تعامله مع آثار السلف الواردة في المعرب.

والسيوطي رحمه الله تعالى كتب كتابًا في المعرب، وأيضاً نظم أبياتاً، ولكن كثيراً مما ذكر هو أو غيره أنه ليس عربي الأصل، ليس كذلك، بل هو عربي الأصل، ولهذا أنكر عليه وعلى غيره كثرة ذكر المعرب في القرآن، وهو في الحقيقة أصلي عربي بلا ريب.

ومما كتب (معرب القرآن عربي أصيل) وهو كتاب نفيس جدًا في هذا الباب، نبه فيه المؤلف على بعض الضوابط التي تدل على تأصيل الكلمة عربيًا، ومنها: الضابط الذي ذكرته لكم في قضية تصرف اللفظة.

وممن ذهب إلى المذهب السابق، وهو ما يمكن أن يسمى برحلة الكلمة وتعريبها، يعني: أن لها أصولاً عربية ثم أصابتها العجمة، ثم رجعت إلى لغة العرب معجمة، الدكتور علي ... وله كتابات في هذا كثيرة جدًا، من أهمها موضوع: هل في القرآن أعجمي؟ والكتاب للأسف مع أهميته ونفاسته، فإن توزيعه ضعيف عندنا في السعودية حتى في المعارض لا تكاد تجده، ولعله إن شاء الله ينزل على صيغة (بي دي إف) في النت فيستفاد منه؛ لأنه كتاب نفيس في هذا الباب، والدكتور علي فُتح له في هذا الباب، أي: في موضوع قضية تأصيل الكلمات العربية في كثير من اللغات القديمة، وله في هذا طبعًا مسلكه ومنهجه.

أيضًا هناك غيره ممن ذهب هذا المذهب، وهم متفقون على أصل، ثم قد يختلفون في طريقة تأصيل هذه الكلمات من جهة عربيتها، فيمكن القراءة في هذه الكتب للاستفادة منها فيما يتعلق بالمذهب الجديد في المعرب. هذا باختصار ما يتعلق بالمعرب.

لكن لو رجعنا إلى الغريب: هل له أثر في التفسير أو لا؟

الغريب هو من أصول التفسير قطعًا، يعني: من الأصول التي يجب على المفسر أن يرجع إليها، يعني: من لا يعرف غريب القرآن، لا يمكن أن يفسر القرآن.

كذلك المعرب، هل له أثر في التفسير؟ الجواب: لا، هذا هو الأصل؛ طبعًا إذا حررنا ووقفنا عند بعض الكلمات يمكن أن يقال: إنها معربة، وسنجد أنها ترتبط بأسماء أعلام، أو أماكن، أو آلات، مثل: (المشكاة، سندس، إستبرق، إبراهيم، إسماعيل)، وكل هذه لا أثر لها في المعاني ولا في الأساليب، ولهذا حكاية كون هذه الكلمة من المعرب -إذا عُرِفَ المراد منها- لا يؤثر على المعنى، فالمعرب من علوم القرآن من هذه الجهة، ولكن دِلالته، إذا كان له دلالة مثل (سجيل)، لو قيل: إنها أعجمية، فإنه سيكون له أثر؛ لأن معرفة الدلالة والمراد بسجيل جزء من علم التفسير.

والمعرب إذا نظرنا إليه على حسب الاختلاف الواسع عندنا، الأصل فيه: أنه من علوم القرآن، لكن قد يدخل بعض الألفاظ التي ذُكِرت في علم التفسير؛ لأنه مبني عليها دِلالة، ومع التحرير والتحقيق سنجد أن أغلب المعرب الذي يُبنى عليه دلالة هو من العربية أصالة، وليس من غيرها، أما الذي لا يؤثر على المعنى: مثل الأسماء، فإنها لو قيل بأعجميتها فلا يؤثر.

وهنا فائدة: أن المعرب اتخذه المستشرقون مطعنًا -فيما يزعمون- من المطاعن في القرآن، ولهم في ذلك أشياء مضحكة جدًا.

ومع الأسف هذا الشيء المضحك يكون عند قوم من باب العلم، مع أنه لا يتناسب إطلاقًا مع المنهج العلمي، ولهذا أنبه وأحذر في هذه المسألة من أن المستشرقين يدلسون علينا من حيث لا نشعر، فنحتاج أن نتنبه، حينما يتكلمون على القرآن دخلوا في هذا الباب وأفاضوا فيه، فجعلوا لفظة (سكين) ولفظة (سجيل) وأمثالها التي حكاها المتقدمون وغيرها، يعني: لم يقفوا عند ما ذكره المتقدمون، بل زادوا وجعلوها من غير لغة العرب، وأنهم بزعمهم؛ لأنهم لا يؤمنون بأن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى، فيقولون: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم سمع هذه الكلمة من الآراميين، فأخذها وهو لا يعرف المراد منها، وتكلم بها، وهذه أحد أقاويلهم في بعض الكلمات القرآنية، وهذا لا شك أنه في الفعل مما يضحك، كيف يكون هذا الكلام الذي يقولونه صحيحاً، ومحمد صلى الله عليه وسلم ينطق صباح مساء أمام قريش: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف:2]، ولو كان ما يقولونه حقًا لوقف أمامه صناديد قريش، بدلًا من أن يسفكوا دماءهم أمام هذه الدعوة، ويقولون: أنت تقول: إن القرآن عربي، وتكلمنا بغير العربية، لم يحتج أحد من قريش بهذه الحجة، مما يدل على أنه لو لم تكن من لغتهم هذه الكلمات الموجودة، والتي يدعى أنها معربة، وأنهم يعرفونها من لغتهم، لو لم تكن من لغتهم لاحتجوا على الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، فهم ادعوا أنه أساطير الأولين، وادعوا أنه شعر، وادعوا أنه كذب، وادعوا أنه يعلمه بشر، وهذه دعاوى كثيرة، وهو يقول لهم: (قُرْآنًا عَرَبِيًّا)، ويسمعونه، ولا ينبري واحد منهم. ما يذكر لا في القرآن ولا في السنة، ولا في السيرة، أن أحدًا منهم اعترض عليه في هذا المجال، فعدم اعتراض القوم عليه صلى الله عليه وسلم يدل على أنه كله عربي؟

فإذاً: دعوى المستشرقين في هذا، دعوى ضعيفة ومتهالكة، لكن تحتاج طبعًا إلى الذي يقرأ كتبهم، ويبدأ يناقشهم مناقشات كثيرة جدًا، هذه أحد الأدلة الكلية.

يأتي المستشرق إلى كلمة مثل (الفرقان)، ويدعي أن محمدًا صلى الله عليه وسلم أخذ هذه الكلمة من الآرامية، التي هي لغة -فيما يدعون- عيسى عليه الصلاة والسلام.

والآرامية في حقيقتها هي إحدى اللهجات العربية القديمة، لكنهم هم يصورونها على أنها لغة مستقلة، منفصلة عن لغة شبه الجزيرة العربية، وكأنها مثل ما نقول: اللغة الألمانية واللغة العربية، وهم يريدون أن يصوروا لنا: أن لغات العالم القديم في جزيرة العرب والعراق والشام مختلفة ومتباينة مثل ما تتباين الآن لغة الألمان عن لغة العرب، والحق أن الأمر ليس كذلك، بل كل هذا المحيط، وكذلك مصر معه، كانت لغتها واحدة مشتركة، وهي مجرد عدة لهجات كما نشاهده اليوم.

ولو افترضنا أن (الفرقان) آرامية، وهي كذلك؛ لأن هناك اشتراكاً في اللغات، هل هي الآن أصل في الآرامية، فانتقلت العربية، عربية القرآن، أو هي أصل في عربية القرآن، وأصل في آرامية لسان عيسى عليه الصلاة والسلام، وكِلا هذين الأصلين أصل مشترك مع أصول أخرى في نفس اللهجات المتعددة، وهذا هو الصواب: أن لفظة (الفرقان) أصل في هذه اللهجات المتعددة، لكن تلك اللغات ماتت، وبقيت لغة القرآن هي الحية، وكما قلت في قضية تصرف اللفظة، انظر مادة: (فرق) في لغة العرب، هل هي كثيرة التصرف، أو قليلة التصرف؟ يعني: افتح لسان العرب في مادة (فرق) وانظر كم فيها من التصرفات، مما يدل على أصالتها، فلا يمكن أن تكون مادة (فرق) التي منها (الفرقان) أن تكون لفظة مأخوذة من الآرامية بحال أبدًا.

فإذا بحثنا عن كل كلمة بهذه الطريقة، فسيدلنا البحث العلمي على أن المستشرقين يدلسون ويفترضون افتراضات وهمية لا وجود لها، وأيضًا حينما يتكلمون عن هذا، يتكلمون وكأنهم شمس تسطع على جميع لغات العالم، فعرفوا: أن محمدًا صلى الله عليه وسلم بزعمهم أخطأ في قراءة الكلمة، وأنه فهم هذه الكلمة خطأ، وأنه لما أراد أن يكتب هذه الكلمة أخطأ الذي سمعه منه، فكتب هكذا، وهذه افتراضات لا ينقضي منها الواحد منا عجبًا، وهي أشبه أحيانًا بخربشات الصبيان، لكن مع الأسف صار ما يكتبونه هو العلم، والمنهج العلمي السليم، هو منهجهم، ونحن لا ننكر أن عندهم منهجاً، لكنه ليس هو المنهج الصحيح دائمًا، وما أقاموه على كتابهم، ممكن أن يقبل؛ لأن كتابهم فيه تحريف، أما على كتابنا، فمهما احتكمنا إلى العقل السليم، العقل المنطقي الأصلي، فإنه سيثبت أن ما عندنا حق لا ريب فيه، والمسألة تطول، لكن من باب الإشارة إلى ما يتعلق بالمعرب عند المستشرقين.




استمع المزيد من صفحة د. مساعد الطيار - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح منظومة الزمزمي [3] 2816 استماع
شرح منظومة الزمزمي [1] 2302 استماع
شرح منظومة الزمزمي [6] 2060 استماع
شرح منظومة الزمزمي [2] 1773 استماع
شرح منظومة الزمزمي [4] 1678 استماع