أرشيف المقالات

(98) الأمر بالمعروف في حقوق الآدميين (4) - الأحكام السلطانية للماوردي

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
الباب العشرون: في أحكام الحسبة
الأمر بالمعروف في حقوق الآدميين (4)
 
فصل:
فأمَّا الأمر بالمعروف في حقوق الآدميين فضربان: عام وخاص[1].
فأما العام: فكالبلد إذا تعطل شربه، أو استهدم سوره، أو كان يطرقه بنو السبيل من ذوي الحاجات فكفّوا عن معونتهم، فإن كان في بيت المال مال لم يتوجه عليهم فيه ضرر، أمر بإصلاح شربهم وبناء سورهم، وبمعونة بني السبيل في الاجتياز بهم؛ لأنها حقوق تلزم بيت المال دونهم، وكذلك لو استهدمت مساجدهم وجوامعهم، فأما إذا أعوز بيت المال كان الأمر ببناء سورهم وإصلاح شربهم وعمارة مساجدهم وجوامعيهم، ومراعاة ببني السبيل فيهم متوجهًا إلى كافة ذوي المكنة، ولا يتعين أحدهم في الأمر به، وإن شرع ذوو المكنة في عملهم، وفي مراعاة بني السبيل، وباشروا القيام به سقط عن المحتسب حق الأمر به، ولم يلزمهم الاستئذان في مراعاة بني السبيل ولا في بناء ما كان مهدومًا، ولكن لو أرادوا هدم ما يعيدون بناءه من المسترمّ والمستهدم لم يكن لهم الإقدام على هدمه فيما عم أهل البلد من سوره وجامعهم إلا باستئذان ولي الأمر دون المحتسب؛ ليأذن لهم في هدمه بعد تضميينه القيام بعمارته، وجاز فيما خص من المساجد في العشائر والقبائل ألا يستأذنوه، وعلى المحتسب أن يأخذهم ببناء ما هدموه، وليس له أن يأخذهم بإتمام ما استأنفوه، فأما إذا كف ذوو المكنة عن بناء ما استهدم وعمارة ما استرم، فإن كان المقام في البلد ممكنًا، وكان الشرب وإن قلَّ مقنعًا تاركهم وأباه، وإن تعذَّر المقام في البلد لتعطيل شربه واندحاض سوره نظر، فإن كان البلد ثغرًا يضر بدار الإسلام تعطيله لم يجز لولي الأمر أن يفسخ في الانتفال عنه، وكان حكمه حكم النوازل إذا حدثت في قيام كافة ذوي المكنة به، وكان تأثير المحتسب في مثل هذا إعلام السلطان به، وترغيب أهل المكنة في عمله، وإن لم يكن هذا البلد ثغرًا مضرًا بدار الإسلام كان أمره أيسر وحكمه أخف، ولم يكن للمحتسب أن يأخذ أهله جبرًا بعمارته؛ لأن السلطان أحق أن يقوم به، ولو أعوزه المال فيستجده فيقول لهم: المستحب ما استدام عجز السلطان عنه أنتم مخيرون بين الانتقال عنه، أو التزام ما يصرف في مصالحه التي يمكن معها دوام استيطانه عنه، أنتم مخيرون بين الانتقال عنه أو التزام ما يصرف في مصالحه التي يمكن معها دوام استيطانه، فإن أجابوه إلى التزام ذلك كلف جماعتهم ما تسمح به نفوسهم، ولم يجز أن يأخذ كل واحد منهم ما سهل عليه وطاب نفسًا به، ومن أعوزه المال أعان بالعمل حتى إذا اجتمعت كفاية المصلحة، أو يلوح اجتماعها لضمان كل واحد من أهل المكنة قدرًا طاب به نفسًا، شرع حينئذ في عمل المصلحة، وأخذ كل ضامن من الجماعة بالتزام ما ضمنه، وإن كان مثل هذا الضمان لا يلزم في المعاملات الخاصة؛ لأن حكم ما عم من المصالح موسع، فكان حكم الضمان فيه أوسع، وإذا عمت هذه المصلحة لم يكن للمحتسب أن يتقدم بالقيام بها حتى يستأذن السلطان فيها؛ لئلَّا يصير بالتفرُّد مفتاتًا عليه؛ إذ ليست هذه المصلحة من معهود حسبته، فإن قلَّت وشقَّ استئذان السلطان فيها، أو خيف زيادة الضرر لبعد استئذانه جاز شروعه فيها من غير استئذان.
وأما الخاص فكالحقوق إذا مطلت، والديوان إذا أخرت، فللمحتسب أن يأمر بالخروج منها مع المكنة إذا استعداده أصحاب الحقوق، وليس له أن يحبس بها؛ لأن الحبس حكم، وله أن يلازم عليها؛ لأنَّ لصاحب الحق أن يلازم، وليس له الأخذ بنفقات الأقارب لافتقار ذلك إلى اجتهاد شرعي فيمن تجب له، ويجب عليه إلا أن يكون الحاكم قد فرضها، فيجوز له
أن يأخذ له بأدائها، وكذلك كفالة من تجب كفالته من الصغار، والاعتراض له فيها حتى يحكم بها الحاكم، فيجوز حينئذ للمحتسب أن يأمر بالقيام لها على الشروط المستحقة فيها.
وأما قبول الوصايا والودائع، فليس له أن يأمر فيها أعيان الناس وآحادهم، ويجوز أن يأمر بها على العموم حثًّا على التعاون بالبر والتقوى، ثم على هذا المثال تكون أوامره بالمعروف في حقوق الآدميين.
__________
(1) قال الإمام النووي: الضرب الثاني: ما يتعلق بحق آدمي، وينقسم إلى عام كالبلد إذا تعطل شربه، أو انهدم سوره، أو الإشارة أبناء السبيل المحتاجون وتركوا معونتهم، فإن كان في بيت المال مال لم يؤمر الناس بذلك، وإن لم يكن أمر أهل المكنة برعايتها.
وإلى خاص: كمطل المدين الموسر، فالمحتسب يأمره بالخروج عنه إذا استعداده صاحب الدين، وليس له الضرب والحبس (روضة الطالبين: [10/ 218]).
 
الكتاب: الأحكام السلطانية
المؤلف: أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفى: 450هـ)
الناشر: دار الحديث  القاهرة
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢