شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [5]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويعتقد أصحاب الحديث ويشهدون أن الله سبحانه فوق سبع سماواته على عرشه مستوٍ كما نطق به كتابه في قوله عز وجل في سورة الأعراف: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54]، وقوله جل وعلا في سورة يونس: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ [يونس:3]، وقوله جل وعلا في سورة الرعد: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الرعد:2]، وقوله في سورة الفرقان: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا [الفرقان:59]، وقوله في سورة السجدة: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [السجدة:4]، وقوله في سورة طه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] ].

الأدلة الدالة على إثبات استواء الله على عرشه

استواء الله على العرش من الصفات التي اشتد النزاع فيها بين أهل السنة وبين أهل البدع، وصفتي الاستواء والعلو من الصفات التي ثبتت بالنصوص وبالعقل وبالفطرة، ومن الصفات اللازمة للرب عز وجل التي لا تنفك عن الباري، فالرب لم يزل عالياً فوق مخلوقاته، وفوق سماواته، وهو فوق العرش، الذي هو سقف المخلوقات، والله تعالى فوق العرش بعد أن تنتهي المخلوقات، والعلو من الصفات التي ثبتت بالنصوص والعقل والفطرة، فالله تعالى فطر الخلق على أن الله في العلو.

والأدلة التي فيها إثبات علو الله على خلقه تزيد على ثلاثة آلاف دليل، وهناك أنواع من الأدلة كل نوع تحته أفراد كثيرة.

والاستواء على العرش علو خاص، وهو علو على العرش، وهو من الصفات الفعلية، والعلو من الصفات الذاتية، فالفرق بين العلو والاستواء يكون من جهتين:

أولاً: أن صفة العلو من الصفات الثابتة بالعقل والشرع والفطرة، أما صفة الاستواء فهي ثابتة بالشرع، فلولا أن الله أخبرنا بأنه استوى على العرش لما علمنا ذلك.

ثانياً: أن صفة العلو من الصفات الذاتية التي لا تنفك عن الباري، وصفة الاستواء من الصفات الفعلية، فالله تعالى خلق العرش أولاً، ثم خلق السماوات والأرض ،ثم استوى على العرش بعد خلق السماوات والأرض.

والنصوص التي فيها بيان استواء الله على العرش في القرآن - نصوص الاستواء - وردت في سبعة مواضع:

الموضع الأول: في سورة الأعراف، قال تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا [الأعراف:54].

الموضع الثاني: في سورة يونس، قال تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ [يونس:3].

الموضع الثالث: في سورة الرعد، قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الرعد:2].

الموضع الرابع: في سورة طه، قال تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5].

الموضع الخامس: في سورة الفرقان، قال تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا [الفرقان:59].

الموضع السادس: في سورة السجدة، قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ [السجدة:4].

الموضع السابع: في سورة الحديد، قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد:4]، فهذه سبعة مواضع فيها التصريح بأن الله استوى على العرش بأداة (على) الصريحة والدالة على العلو والارتفاع.

وفي السنة توجد نصوص أخرى.

ذكر الأدلة الدالة على علو الله تعلى على خلقه

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وأخبر الله سبحانه عن فرعون اللعين أنه قال لـهامان : ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا [غافر:36-37]، وإنما قال ذلك لأنه سمع موسى عليه الصلاة والسلام يذكر أن ربه في السماء، ألا ترى إلى قوله: وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا [غافر:37]، يعني: في قوله: إن في السماء إلهاً.

وعلماء الأمة وأعيان الأئمة من السلف رحمهم الله لم يختلفوا في أن الله تعالى على عرشه، وعرشه فوق سماواته، يثبتون له من ذلك ما أثبته الله تعالى، ويؤمنون به، ويصدقون الرب جل جلاله في خبره، ويطلقون ما أطلقه سبحانه وتعالى من استوائه على العرش، ويمرونه على ظاهره، ويكلون علمه إلى الله جل وعلا ويقولون: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ [آل عمران:7]، كما أخبر الله تعالى عن الراسخين في العلم أنهم يقولون ذلك، ورضيه منهم فأثنى عليهم به ].

بدأ المؤلف رحمه الله هنا يذكر الأدلة الدالة على علو الله تعالى على خلقه، واستوائه على عرشه، وجاء في النسخة التي معي فيها قبل الآية التي ذكرها ذكر آيات، وهي قوله تعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فاطر:10]، استدل بها على العلو، والصعود إنما يكون من أسفل إلى أعلى، فدل على أن الله في العلو، وقوله: يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ [السجدة:5]، فالأمر ينزل من السماء التي هي العلو، فدل على أن الله في العلو، وقوله: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16]، والسماء تطلق ويراد بها العلو، والله تعالى له أعلى العلو وهو ما فوق العرش.

وتطلق السماء على الطباق المبنية، فإذا أريد بالسماء الطباق المبنية فتكون (في) بمعنى: على، أي: أأمنتم من على السماء، وإذا أريد بالسماء العلو تكون (في) للظرفية على بابها، وله تعالى أعلى العلو، وهو ما فوق العرش، قال تعالى: يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ [السجدة:5]، وقوله: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16].

قوله: [ وأخبر الله سبحانه عن فرعون اللعين أنه قال لـهامان : ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا [غافر:36-37]، وإنما قال ذلك لأن موسى عليه الصلاة والسلام يذكر أن ربه في السماء، ألا ترى إلى قوله: وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا [غافر:37]، يعني: في قوله: إن في السماء إلها ].

هذه الآية فيها إثبات العلو، ووجه الدلالة أن فرعون وقد ادعى الربوبية قال للناس: أنا ربكم الأعلى، وما علمت لكم من إله غيري، فهو منكر لوجود الله في الظاهر، وإن كان مستيقناً به في الباطن، كما قال الله تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14]، ففرعون منكر لوجود الله في الظاهر، وطلب من وزيره هامان أن يبني له صرحاً ليطلع إلى إله موسى؛ لأن موسى أعلمه أن الله في العلو، فطلب فرعون من وزيره هامان أن يبني له صرحاً ليطلع وليكذب موسى فيما زعمه أن الله في العلو، ولهذا قال: وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا [غافر:37]، أي: في دعواه أن الله في العلو.

فإذاً: فرعون منكر لوجود الله، ولهذا قال: وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا [غافر:37]، ولكن بعض الجهمية الآن في القديم والحديث قلبوا معنى الآية، وقالوا: إن فرعون طلب من وزيره هامان أن يبني له صرحاً، ففرعون مجسم لأنه مثبت لوجود الله في العلو، فمن قال: إن الله في العلو، وأثبت أن الله في العلو فمذهبه مذهب فرعون، ومن أنكر العلو فهو على الصواب! فهذا القول يقوله الجهمية المتقدمون والمتأخرون، حتى بعض المتأخرين الآن يقولون: إن من أثبت العلو فهو على مذهب فرعون.

فالجهمية يقولون: لو قلنا: إن الله فوق السماء لصار جسماً، ولصار محدوداً ومتحيزاً وهذا تنقص لله، حيث جعلوه مختلطاً بالمخلوقات نعوذ بالله!

فالجهمية أنكروا أن يكون الله في العلو زعماً منهم أن إثبات العلو فيه تجسيم وتنقص لله، ولهذا قالت الجهمية: إن فرعون مثبت للعلو لأنه مجسم، وقالوا: إن من أثبت العلو فهو على مذهب فرعون.

وهذا قلب للحقائق، ففرعون منكر لوجود الله، وقال للناس: أنا ربكم الأعلى، وقال: ما علمت لكم من إله غيري، وطلب من وزيره هامان أن يبني له صرحاً ليكذب موسى في دعواه أن الله في العلو.

يقول العلماء: من أثبت العلو فهو على دين محمد وموسى عليهما الصلاة والسلام، ومن أنكر العلو فهو على دين فرعون.

استواء الله على العرش من الصفات التي اشتد النزاع فيها بين أهل السنة وبين أهل البدع، وصفتي الاستواء والعلو من الصفات التي ثبتت بالنصوص وبالعقل وبالفطرة، ومن الصفات اللازمة للرب عز وجل التي لا تنفك عن الباري، فالرب لم يزل عالياً فوق مخلوقاته، وفوق سماواته، وهو فوق العرش، الذي هو سقف المخلوقات، والله تعالى فوق العرش بعد أن تنتهي المخلوقات، والعلو من الصفات التي ثبتت بالنصوص والعقل والفطرة، فالله تعالى فطر الخلق على أن الله في العلو.

والأدلة التي فيها إثبات علو الله على خلقه تزيد على ثلاثة آلاف دليل، وهناك أنواع من الأدلة كل نوع تحته أفراد كثيرة.

والاستواء على العرش علو خاص، وهو علو على العرش، وهو من الصفات الفعلية، والعلو من الصفات الذاتية، فالفرق بين العلو والاستواء يكون من جهتين:

أولاً: أن صفة العلو من الصفات الثابتة بالعقل والشرع والفطرة، أما صفة الاستواء فهي ثابتة بالشرع، فلولا أن الله أخبرنا بأنه استوى على العرش لما علمنا ذلك.

ثانياً: أن صفة العلو من الصفات الذاتية التي لا تنفك عن الباري، وصفة الاستواء من الصفات الفعلية، فالله تعالى خلق العرش أولاً، ثم خلق السماوات والأرض ،ثم استوى على العرش بعد خلق السماوات والأرض.

والنصوص التي فيها بيان استواء الله على العرش في القرآن - نصوص الاستواء - وردت في سبعة مواضع:

الموضع الأول: في سورة الأعراف، قال تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا [الأعراف:54].

الموضع الثاني: في سورة يونس، قال تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ [يونس:3].

الموضع الثالث: في سورة الرعد، قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الرعد:2].

الموضع الرابع: في سورة طه، قال تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5].

الموضع الخامس: في سورة الفرقان، قال تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا [الفرقان:59].

الموضع السادس: في سورة السجدة، قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ [السجدة:4].

الموضع السابع: في سورة الحديد، قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد:4]، فهذه سبعة مواضع فيها التصريح بأن الله استوى على العرش بأداة (على) الصريحة والدالة على العلو والارتفاع.

وفي السنة توجد نصوص أخرى.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وأخبر الله سبحانه عن فرعون اللعين أنه قال لـهامان : ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا [غافر:36-37]، وإنما قال ذلك لأنه سمع موسى عليه الصلاة والسلام يذكر أن ربه في السماء، ألا ترى إلى قوله: وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا [غافر:37]، يعني: في قوله: إن في السماء إلهاً.

وعلماء الأمة وأعيان الأئمة من السلف رحمهم الله لم يختلفوا في أن الله تعالى على عرشه، وعرشه فوق سماواته، يثبتون له من ذلك ما أثبته الله تعالى، ويؤمنون به، ويصدقون الرب جل جلاله في خبره، ويطلقون ما أطلقه سبحانه وتعالى من استوائه على العرش، ويمرونه على ظاهره، ويكلون علمه إلى الله جل وعلا ويقولون: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ [آل عمران:7]، كما أخبر الله تعالى عن الراسخين في العلم أنهم يقولون ذلك، ورضيه منهم فأثنى عليهم به ].

بدأ المؤلف رحمه الله هنا يذكر الأدلة الدالة على علو الله تعالى على خلقه، واستوائه على عرشه، وجاء في النسخة التي معي فيها قبل الآية التي ذكرها ذكر آيات، وهي قوله تعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فاطر:10]، استدل بها على العلو، والصعود إنما يكون من أسفل إلى أعلى، فدل على أن الله في العلو، وقوله: يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ [السجدة:5]، فالأمر ينزل من السماء التي هي العلو، فدل على أن الله في العلو، وقوله: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16]، والسماء تطلق ويراد بها العلو، والله تعالى له أعلى العلو وهو ما فوق العرش.

وتطلق السماء على الطباق المبنية، فإذا أريد بالسماء الطباق المبنية فتكون (في) بمعنى: على، أي: أأمنتم من على السماء، وإذا أريد بالسماء العلو تكون (في) للظرفية على بابها، وله تعالى أعلى العلو، وهو ما فوق العرش، قال تعالى: يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ [السجدة:5]، وقوله: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16].

قوله: [ وأخبر الله سبحانه عن فرعون اللعين أنه قال لـهامان : ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا [غافر:36-37]، وإنما قال ذلك لأن موسى عليه الصلاة والسلام يذكر أن ربه في السماء، ألا ترى إلى قوله: وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا [غافر:37]، يعني: في قوله: إن في السماء إلها ].

هذه الآية فيها إثبات العلو، ووجه الدلالة أن فرعون وقد ادعى الربوبية قال للناس: أنا ربكم الأعلى، وما علمت لكم من إله غيري، فهو منكر لوجود الله في الظاهر، وإن كان مستيقناً به في الباطن، كما قال الله تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14]، ففرعون منكر لوجود الله في الظاهر، وطلب من وزيره هامان أن يبني له صرحاً ليطلع إلى إله موسى؛ لأن موسى أعلمه أن الله في العلو، فطلب فرعون من وزيره هامان أن يبني له صرحاً ليطلع وليكذب موسى فيما زعمه أن الله في العلو، ولهذا قال: وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا [غافر:37]، أي: في دعواه أن الله في العلو.

فإذاً: فرعون منكر لوجود الله، ولهذا قال: وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا [غافر:37]، ولكن بعض الجهمية الآن في القديم والحديث قلبوا معنى الآية، وقالوا: إن فرعون طلب من وزيره هامان أن يبني له صرحاً، ففرعون مجسم لأنه مثبت لوجود الله في العلو، فمن قال: إن الله في العلو، وأثبت أن الله في العلو فمذهبه مذهب فرعون، ومن أنكر العلو فهو على الصواب! فهذا القول يقوله الجهمية المتقدمون والمتأخرون، حتى بعض المتأخرين الآن يقولون: إن من أثبت العلو فهو على مذهب فرعون.

فالجهمية يقولون: لو قلنا: إن الله فوق السماء لصار جسماً، ولصار محدوداً ومتحيزاً وهذا تنقص لله، حيث جعلوه مختلطاً بالمخلوقات نعوذ بالله!

فالجهمية أنكروا أن يكون الله في العلو زعماً منهم أن إثبات العلو فيه تجسيم وتنقص لله، ولهذا قالت الجهمية: إن فرعون مثبت للعلو لأنه مجسم، وقالوا: إن من أثبت العلو فهو على مذهب فرعون.

وهذا قلب للحقائق، ففرعون منكر لوجود الله، وقال للناس: أنا ربكم الأعلى، وقال: ما علمت لكم من إله غيري، وطلب من وزيره هامان أن يبني له صرحاً ليكذب موسى في دعواه أن الله في العلو.

يقول العلماء: من أثبت العلو فهو على دين محمد وموسى عليهما الصلاة والسلام، ومن أنكر العلو فهو على دين فرعون.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [10] 2192 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [9] 2102 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [8] 2053 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [3] 1939 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [7] 1899 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [12] 1886 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [1] 1793 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [15] 1736 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [13] 1700 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [4] 1586 استماع