شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [1]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على رسولنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وعلى أصحابه ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإننا إن شاء الله بحوله وقوته نشرع في شرح هذه الرسالة المسماة: عقيدة السلف وأصحاب الحديث، للإمام المحدث المفسر شيخ الإسلام أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني ، وهو من علماء القرن الرابع والخامس الهجري، فإن ولادته عام ثلاث وسبعين وثلاثمائة، ووفاته عام تسع وأربعمائة، وهذه العقيدة شاملة، بين فيها المؤلف رحمه الله عقيدة السلف وأصحاب الحديث في ألوهية الرب وربوبيته وأسمائه وصفاته، وأفاض وتوسع في الصفات التي اشتد فيها النزاع بين أهل السنة وبين أهل البدع كصفة الكلام، وناقش أهل البدع من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة الذين يقولون: إن كلام الله مخلوق، وإن القرآن مخلوق، وبين أن هذا كفر وضلال.

كما تكلم عن صفة النزول وبين أن النصوص فيها متواترة في الصحاح والسنن والمسانيد، وأنه يجب إثبات النزول لله عز وجل على ما يليق بجلاله وعظمته، وكذلك صفة الاستواء وصفة الرؤية، فهذه الصفات: الكلام والعلو والاستواء والرؤية اشتد فيها النزاع بين أهل السنة وبين أهل البدع، ولذلك أفاض فيها المؤلف رحمه الله.

وهذه الصفات الثلاث هي العلامة الفارقة بين أهل السنة وبين أهل البدع، فمن أثبتها فهو من أهل السنة ومن أنكرها فهو من أهل البدع.

وكذلك أيضاً بين عقيدة أهل السنة في عذاب القبر ونعيمه، وفي الجنة والنار، وفي الخير والشر، وفي المقتول هل هو مقتول بأجله، وفي القضاء والقدر، وفي الموت.

كذلك شرح عقيدة أهل السنة في الإيمان، وأنه قول باللسان، وتصديق بالقلب، وعمل بالقلب، وعمل بالجوارح، وبين عقيدة أهل السنة والجماعة في أنهم لا يكفرون بالذنب خلافاً للخوارج والمعتزلة.

وكذلك أيضاً بين عقيدة أهل السنة في الصحابة وأنهم يترضون عنهم ويتولونهم وينزلونهم منازلهم التي تليق بهم بالعدل والإنصاف على حسب النصوص لا بالهوى والتعصب، خلافاً للرافضة الذين كفروا الصحابة وفسقوهم وطعنوا فيهم، وعبدوا أهل البيت، وخلافاً للنواصب الذين نصبوا العداوة لأهل البيت.

وكذلك أيضاً بين عقيدة أهل السنة في وسوسة الشياطين وفي السحر والسحرة، وأن السحر له حقيقة وله خيال، خلافاً لمن قال: ليس منه حقيقة وإنما هو خيال.

وبين آداب أصحاب الحديث وبين علامات أهل البدع وعلامات أهل السنة وبين عواقب العباد، ومشيئة الله، وبين الإرادة وأنها تنقسم إلى نوعين، وتكلم عن الخير والشر، وتكلم عن الهداية وأقسامها، وبين أن أفعال العباد مخلوقة لله خلافاً للمعتزلة الذين يقولون: إن العبد يخلق فعل نفسه.

وكذلك بين عقيدة أهل السنة في الحوض والكوثر، والشفاعة والبعث بعد الموت، وهو أصل من أصول الإيمان، ومن أنكر البعث فهو كافر بنص القرآن.

وذكر عقيدة السلف من الأخبار الواردة في الأسماء والصفات، وأنهم إذا ثبت الخبر والنقل بالعدول الثقات الضابطين واتصل السند فإنه يعمل به ويقبل في العقائد وفي الأعمال وفي كل شيء، فإذا صح سند الحديث وعدلت رواته ولم يكن فيه شذوذ ولا علة فإنه مقبول في العقائد والأعمال والأخلاق وفي كل شيء، فهي عقيدة أهل السنة والجماعة خلافاً لأهل البدع من المعتزلة وغيرهم الذين يقولون: لا نقبل خبر الآحاد في العقائد، وهذا مذهب باطل مخالف لما عليه أهل السنة والجماعة، فهي عقيدة شاملة بين فيها المؤلف رحمه الله عقيدة السلف وأصحاب الحديث وفق ما دلت عليه النصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه الصحابة.

نسبه

قال المحقق: [ هو أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عامر بن عابد الصابوني النيسابوري الحافظ المفسر المحدث الفقيه الواعظ الملقب بشيخ الإسلام.

وأما لفظ الصابوني، فقد ذكر السمعاني في كتاب الأنساب:

أنه نسبة إلى عمل الصابون، وقال: هو بيت كبير بنيسابور الصابونية لعل بعض أجدادهم عمل الصابون فعرفوا به ].

هذه الطبعة دراسة وتحقيق الدكتور ناصر الجديع .

قال: [ وأما نسبه من جهة أمه فقد ذكر تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى، نقلاً عن عبد الغافر الفارسي في كتابه السير في تاريخ نيسابور: أنه النسيب المعمم المخول المدلي من جهة الأمومة إلى الحنفية والفضلية والشيبانية والقرشية والتميمية والمزنية والضبية، من الشعب النازلة إلى الشيخ أبي سعد يحيى بن منصور السلمي الزاهد الأكبر على ما هو مشهور من أنسابهم عند جماعة من العارفين بالأنساب بأنه أبو عثمان إسماعيل بن زين اليت ابنة الشيخ أبي سعد الزاهد ابن أحمد بن مريم بنت أبي سعد الأكبر الزاهد.

مولده ونشأته في طلب العلم

ولد في بوشنج من نواحي هراة في النصف من جماد الآخرة، سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة من الهجرة، قال عبد الغافر الفارسي : كان أبوه عبد الرحمن أبو نصر من كبار الواعظين في نيسابور، ففتك به لأجل التعصب والمذهب وقتل، وإسماعيل بعد حول سبع سنين، وأقعد بمجلس الوعظ مقام أبيه، وحضر أئمة الوقت مجالسه، وأخذ الإمام أبو الطيب سهل بن محمد الصعلوكي في تربيته وتهيئة أسبابه، وكان يحضر مجالسه ويثني عليه، وكذلك سائر الأئمة كالأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني ، والأستاذ الإمام أبو بكر بن فورك ، وسائر الأئمة كانوا يحضرون مجلس تذكيره، ويتعجبون من كمال ذكائه وعقله وحسن إيراده الكلام عربيه وفارسيه، وحفظه الأحاديث، حتى كبر وبلغ مبلغ الرجال، ولم يزل يرتفع شأنه حتى صار إلى ما صار إليه، وهو في جميع أوقاته مشتغل بكثرة العبادات ووظائف الطاعات، بالغ في العفاف والسداد وصيانة النفس، معروف بحسن الصلاة، وطول القنوت، واستشعار الهيبة حتى كان يضرب به المثل.

أقوال أهل العلم في الصابوني

وصفه عبد الغافر بأنه الإمام شيخ الإسلام الخطيب المفسر المحدث الواعظ، أوحد وقته في طريقته، وعظ المسلمين في مجالس التذكير سبعين سنة، وخطب وصلى في الجامع -يعني: بنيسابور- نحواً من عشرين سنة.

وقال: كان أكثر أهل العصر من المشايخ سماعاً وحفظاً ونشراً لمسموعاته وتصنيفاته وجمعاً وتحريضاً على السماع، وإقامة لمجالس الحديث، سمع الحديث بنيسابور وبسرخس وبهراك وبالشام وبالحجاز وبالجبال، وحدث بكثير من البلاد، وأكثر الناس السماع منه.

وقد ذكره السيوطي والداودي في كتابيهما طبقات المفسرين، وأوردا أنه أقام شهراً في تفسير آية، وهذا يدل على سعة علمه في تفسير القرآن العظيم، وكان الصابوني رحمه الله يحترم الحديث، ويهتم بالأسانيد، فقد حكى الفقيه أبو سعيد السكري عن بعض من يوثق بقوله من الصالحين: أن الصابوني قال: ما رويت خبراً ولا أثراً في المجلس إلا وعندي إسناده، وما دخلت بيت الكتب قط إلا على طهارة، وما رويت الحديث ولا عقدت المجلس ولا قعدت للتدريس إلا على طهارة.

وكان رحمه الله ينظم الشعر أحياناً، قال عبد الغافر الفارسي : من فضائله نظم الشعر على ما يليق بالعلماء من غير مبالغة في تعمق يلحقه بالمنهي، وهذا نموذج من شعره، قال رحمه الله:

ما لي أرى الدهر لا يشخو بذي كرم ولا يجود بمعوان ومفضال

ولا أرى أحداً في الناس مشترياً حسن الثناء بإنعام وإفضال

صاروا سواسية في لؤمهم شرعاً كأنما نسجوا فيه بمنوال

وقال رحمه الله:

إذا لم أصب من مالكم ونوالكم ولم أسل المعروف منكم ولا البَّر

وكنتم عبيداً للذي أنا عبده فمن أجل ماذا أتعب البدن الحرَّ

أسرته

له رحمه الله ولدان هما عبد الله أبو نصر مات في حياة والده في بعض ثغور أذربيجان وهو متوجه إلى الحجاز للحج، والآخر هو عبد الرحمن أبو بكر سمع أباه بنيسابور وسمع الحديث وأسمعه، وعقد مجلس الإملاء وتولى القضاء بأذربيجان، مات بأصبهان في حدود سنة خمسمائة، ومع أن كنية الصابوني أبو عثمان إلا أني لم أجد له ولداً بهذا الاسم في الكتب التي ترجمت له، وله أخ هو إسحاق بن عبد الرحمن الصابوني أبو يعلى الواعظ، ينوب عنه في الوعظ، سمع الحديث بهراة ونيسابور وبغداد.

كان مولده سنة خمس وسبعين وثلاثمائة للهجرة، ووفاته في ربيع الآخر سنة خمس وخمسين وأربعمائة للهجرة.

ويتضح مما سبق أن عائلة إسماعيل الصابوني عائلة علم ومعرفة وإرشاد؛ حيث كان أبوه من كبار الواعظين، وكان ابنه عبد الرحمن ممن اشتغل بالحديث وتولى القضاء، وكان أخوه إسحاق ينوب عنه في وعظ الناس، وسمع الحديث بعدة نواحي.

أقول: أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني عالم مفسر محدث فقيه، من أهل السنة والجماعة نشأ في بيت علم، وتتلمذ على العلماء، وأخذ عنه العلم عدد من التلاميذ، وهو من أهل السنة والجماعة، ومن العلماء الذين يشار إليهم بالبنان، رحمه الله وتغمده بواسع رحمته.

قال المحقق: [ هو أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عامر بن عابد الصابوني النيسابوري الحافظ المفسر المحدث الفقيه الواعظ الملقب بشيخ الإسلام.

وأما لفظ الصابوني، فقد ذكر السمعاني في كتاب الأنساب:

أنه نسبة إلى عمل الصابون، وقال: هو بيت كبير بنيسابور الصابونية لعل بعض أجدادهم عمل الصابون فعرفوا به ].

هذه الطبعة دراسة وتحقيق الدكتور ناصر الجديع .

قال: [ وأما نسبه من جهة أمه فقد ذكر تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى، نقلاً عن عبد الغافر الفارسي في كتابه السير في تاريخ نيسابور: أنه النسيب المعمم المخول المدلي من جهة الأمومة إلى الحنفية والفضلية والشيبانية والقرشية والتميمية والمزنية والضبية، من الشعب النازلة إلى الشيخ أبي سعد يحيى بن منصور السلمي الزاهد الأكبر على ما هو مشهور من أنسابهم عند جماعة من العارفين بالأنساب بأنه أبو عثمان إسماعيل بن زين اليت ابنة الشيخ أبي سعد الزاهد ابن أحمد بن مريم بنت أبي سعد الأكبر الزاهد.

ولد في بوشنج من نواحي هراة في النصف من جماد الآخرة، سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة من الهجرة، قال عبد الغافر الفارسي : كان أبوه عبد الرحمن أبو نصر من كبار الواعظين في نيسابور، ففتك به لأجل التعصب والمذهب وقتل، وإسماعيل بعد حول سبع سنين، وأقعد بمجلس الوعظ مقام أبيه، وحضر أئمة الوقت مجالسه، وأخذ الإمام أبو الطيب سهل بن محمد الصعلوكي في تربيته وتهيئة أسبابه، وكان يحضر مجالسه ويثني عليه، وكذلك سائر الأئمة كالأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني ، والأستاذ الإمام أبو بكر بن فورك ، وسائر الأئمة كانوا يحضرون مجلس تذكيره، ويتعجبون من كمال ذكائه وعقله وحسن إيراده الكلام عربيه وفارسيه، وحفظه الأحاديث، حتى كبر وبلغ مبلغ الرجال، ولم يزل يرتفع شأنه حتى صار إلى ما صار إليه، وهو في جميع أوقاته مشتغل بكثرة العبادات ووظائف الطاعات، بالغ في العفاف والسداد وصيانة النفس، معروف بحسن الصلاة، وطول القنوت، واستشعار الهيبة حتى كان يضرب به المثل.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [10] 2191 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [9] 2102 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [8] 2052 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [3] 1938 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [7] 1898 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [12] 1885 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [15] 1735 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [13] 1699 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [4] 1585 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [6] 1546 استماع