شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [3]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ولا يعتقدون تشبيهاً لصفاته بصفات خلقه، فيقولون: إنه خلق آدم بيديه، كما نص سبحانه عليه في قوله عز من قائل: قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75].

ولا يحرفون الكلم عن مواضعه؛ بحمل اليدين على النعمتين أو القوتين تحريف المعتزلة والجهمية أهلكهم الله.

ولا يكيفونهما بكيف أو يشبهونهما بأيدي المخلوقين، تشبيه المشبهة خذلهم الله.

وقد أعاذ الله تعالى أهل السنة من التحريف والتشبيه والتكييف، ومَنَّ عليهم بالتعريف والتفهيم حتى سلكوا سبيل التوحيد والتنزيه، وتركوا القول بالتعليل والتشبيه، واتبعوا قول الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].

وكما ورد القرآن بذكر اليدين في قوله: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، وقوله: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ [المائدة:64]. ووردت الأخبار الصحاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر اليد، كخبر محاجة موسى وآدم، وقوله له: (خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته)، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي، كمن قلت له: كن فكان)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (خلق الله الفردوس بيده) ].

يبين أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني رحمه الله معتقد السلف وأصحاب الحديث فيقول رحمه الله: (إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة يشهدون لله تعالى بالوحدانية، ويشهدون لنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة والنبوة). وهذا هو أصل الدين وأساس الملة كما سبق.

إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله

وأيضاً من معتقدهم: أنهم يعرفون الله بصفاته وأسمائه وأفعاله، وهذه الصفات والأسماء والأفعال إنما تؤخذ من الوحيين الكتاب والسنة، وليس للناس أن يخترعوا لله أسماء وصفات من عند أنفسهم، وهذا هو معنى قول أهل العلم: الأسماء والصفات توقيفية، يعني: يوقف فيها عند النصوص، فما ورد إثباته لله من الأسماء والصفات في الكتاب العزيز أو في السنة المطهرة نثبته لله، وما ورد في الكتاب العزيز أو في السنة المطهرة نفيه عن الله ننفيه عن الله، كما نفى عن نفسه السنة والنوم والعجز والظلم: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49]، لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255]، وما لم يرد في الكتاب ولا في السنة إثباته ولا نفيه نتوقف فيه، لا نثبته ولا ننفيه، مثل الجسم والحيز والعرض والحد والجهة والأعراض والأبعاض، فهذه الأمور التي أثبتها أهل البدع نتوقف فيها لا نثبتها ولا ننفيها؛ لأنه لم يرد في الكتاب ولا في السنة إثباتها ولا نفيها، وهي مشتملة على حق وباطل، ونستفصل ممن أطلقها.

من قال: إن لله جسماً، أو قال: ليس بجسم. لا نطلق لا نفيه ولا إثباته، فلا نقول: إن لله جسماً، ولا نقول: ليس بجسم، ولا نقول: إنه في حيز ولا غير متحيز؛ لأنه لم يرد في الكتاب والسنة لا إثباته ولا نفيه، ومن أطلقها نفياً أو إثباتاً فإننا نستفصل منه، نقول له: ما مرادك؟

إن قال: أنا مرادي أن الله متصف بالصفات، نقول: هذا المعنى صحيح، لكن هذا اللفظ مشتمل على حق وباطل. إذاً: إذا كان المعنى صحيحاً نقبله، لكن اللفظ نرده ونقول: عبر بالتعبيرات التي جاءت في النصوص؛ لأنها بريئة وسالمة من الخطأ، أما هذا اللفظ الذي جئت به فلا نقبله والمعنى صحيح.

فإذا قال: أنا مقصودي أن الله يشبه المخلوقات، نقول: المعنى باطل، واللفظ باطل، ونرد المعنى واللفظ جميعاً.

فإذا قال: ماذا أقول؟ نقول: قل ما قال الله وقال رسوله، إن الله هو السميع البصير، هو العليم الحكيم، هذه ألفاظ من النصوص بريئة وسالمة من احتمال الخطأ، أما هذا اللفظ الذي أتيت به لا نقبله والمعنى سليم.

إذاً: القاعدة عند أهل السنة والجماعة في إثبات الأسماء والصفات والأفعال: ما ورد في الكتاب العزيز أو في السنة المطهرة إثباته لله وجب إثباتها لله، وما ورد في كتابه أو في السنة نفيه عن الله وجب نفيه عن الله، وما لم يرد في الكتاب ولا في السنة نفيه ولا إثباته لا ننفيه ولا نثبته، ومن أطلقه نفياً أو إثباتاً نستفصل منه: فإن أراد حقاً قبلنا المعنى ورددنا اللفظ، وإن أراد باطلاً رددنا اللفظ والمعنى جميعاً.

إثبات الصفات بلا تشبيه أو تمثيل

قوله: [ ولا يعتقدون تشبيهاً لصفاته بصفات خلقه ].

أهل السنة والجماعة يثبتون الأسماء والصفات، لكن ينفون التمثيل والتشبيه، فيقولون: إن الله تعالى له سمع وبصر وعلم وقدرة لكن لا يماثل أحداً من مخلوقاته.

المعنى معلوم، والعلم ضد الجهل، معنى السمع ضد الصمم، معنى البصر ضد العمى، لكن كيفية اتصاف الرب بالسمع والبصر والعلم لا نعلمه، ولا يعلم كيفية الصفات إلا هو.

إذاً: معاني الصفات معلومة خلافاً للمفوضة، وهم طائفة يفوضون المعنى، يقولون: لا نعلم معنى السمع، ولا البصر، كأنها كلمات أعجمية، وهذا من أبطل الباطل.

وبعضهم ينسب هذا إلى مذهب السلف، والسلف لا يفوضون بل يعرفون المعنى، لكن الذي يفوض هو علم الكيفية، كما قال الإمام مالك رحمه الله لما سئل عن الاستواء قال: (الاستواء معلوم) يعني: معلوم معناه في اللغة العربية، كما قال السلف: استوى استقر وعلا وصعد وارتفع.

لكن كيفية استواء الرب لا نعلمها؛ ولهذا قال الإمام مالك : (والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)، وهذا يقال في كل الصفات، فمعنى الصفات من السمع والبصر والعلم والقدرة معلومة، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

وهذا معنى قول المؤلف رحمه الله: (ولا يعتقدون تشبيهاً للصفات بصفات خلقه)، يعني: لا نقول: إن صفات الخالق تشبه صفات المخلوقين، ولا نكيف ونقول: إن كيفيتها كذا، ولا نحرف ولا نعطل.

الناس أقسام: من الناس من أثبت الصفات لكن شبهه بصفات المخلوقين، قال: لله سمع كسمعنا، وبصر كبصرنا، وعلم كعلمنا ويد كأيدينا، وهذا مذهب المشبهة، وهم غلاة الشيعة، ويسمونهم البيانية، وينسبون إلى بيان بن سمعان التميمي ، والسالمية الذين ينسبون إلى هشام بن سالم الجواليقي ، وكان بعضهم يقول: إن الله على صورة الإنسان، وينزل عشية عرفة على جمل، ويحاضر ويسامر ويصافح، ومنهم من قال: إنه يندم ويحزن ويبكي! قبحهم الله، تعالى الله عما يقولون.

فغلاة الشيعة البيانية والهاشمية يقولون: صفات الخالق مثل صفات المخلوق سواء.. وهؤلاء المشبهة كفرة، فمن شبه الله بخلقه أو شبهه بصفة من صفات خلقه فهو في الحقيقة ما عبد الله، وإنما عبد وثناً، صوره له خياله، ونحته له فكره، فهو من عباد الأوثان لا من عباد الرحمن، قال العلامة ابن القيم رحمه الله في الكافية الشافية:

لسنا نشبه وصفه بصفاتنا إن المشبه عابد الأوثان

والمشبه مشابه للنصارى الذين زعموا أن عيسى ابن الله، وشبهوا عيسى بالله، ولهذا يقول العلامة ابن القيم :

من شبه الله العظيم بخلقه فهو النسيب للمشرك النصراني

والطائفة الثانية: المعطلة، وهم الذين نفوا الصفات عن الله، وأنكروها، وقالوا: إن الله لا يسمع ولا يبصر، ولم يستو على العرش، ونفوا العلم وسائر الصفات، وهذا مذهب المعتزلة والجهمية، حيث يزعمون أنهم لو أثبتوا الصفات للزم من ذلك التشبيه بصفات المخلوقين، قالوا: لو قلنا: إن لله سمعاً لشبهنا الله بالخالق، ولو قلنا: إن لله له بصراً لشبهنا الخالق بالمخلوق، ولو قلنا: إن له استواء لشبهناه بالمخلوق.

فهم على طرفي نقيض، المشبهة أثبتوا وزادوا في الإثبات حتى غلوا وشبهوا صفة الخالق بصفات المخلوقين، والمعطلة مثل الجهمية والمعتزلة -وكذلك الأشاعرة لا يثبتون لله إلا سبع صفات، وبقية الصفات ينفونها- نفوا الصفات وقالوا: إن الله لا يعلم ولا يسمع، وهؤلاء بزعمهم في التنزيه حتى نفوا الصفات، وأولئك المشبهة غلو في الإثبات حتى شبهوا الله بخلقه، وهدى الله أهل السنة والجماعة فتوسطوا، فقالوا: نحن نثبت الصفات لكن لا نغلو في الإثبات حتى نصل إلى التشبيه كما قالت المشبهة، ونزهوا الله عن صفات المخلوقين، قالوا: إن الله لا يشبه خلقه، لكن لم يغلوا في هذا التنزيه حتى يصلوا إلى التعظيم، فصار مذهب أهل السنة والجماعة وسطاً وحقاً بين باطلين، وهدى بين ضلالين؛ فهم أخذوا الحق الذي مع المعطلة، وهو التنزيه، وتركوا الباطل وهو الزيادة في هذا التنزيه حتى نفوا الصفات، والمشبهة معهم حق وهو أصل الإثبات، لكن معهم باطل وهو الزيادة في هذا الإثبات حتى شبهوا الله بالمخلوقين، فأهل السنة والجماعة أخذوا الحق الذي مع المعطلة، وأخذوا الحق الذي مع المشبهة، ونفوا الباطل الذي مع المشبهة، ونفوا الباطل الذي مع المعطلة، فخرج مذهب أهل السنة مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ [النحل:66]، من بين ذم التشبيه وفرط التعظيم.

عقيدة أهل السنة في صفة اليد

فيقولون -يعني أهل السنة والجماعة- إنه خلق آدم بيده أو بيديه كما نص سبحانه عليه في قوله عز وجل: قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]) هذه الآية فيها إثبات اليدين لله، ونحن نقول: إن لله سبحانه وتعالى يدين لا يشابه فيها أيدي المخلوقين.

قوله: (ولا يحرفون الكلم عن مواضعه؛ بحمل اليدين على النعمتين أو القوتين تحريف المعتزلة والجهمية أهلكهم الله)، هذا دعاء من المؤلف عليهم بالهلاك.

فالمعتزلة والجهمية لما وردت عليهم النصوص التي فيها إثبات الصفات كان موقفهم منها النفي، فلما أوردت عليهم النصوص قيل لهم: ماذا تقولون في قوله تعالى: يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75] وكذلك الآية الأخرى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64] يعني: فيه صفة اليدين لله عز وجل.

وكذلك في الأحاديث التي ذكرها المؤلف خبر محاجة آدم موسى قال: (خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته)، وحديث: (خلق الفردوس بيدهتَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1]، (والذي نفسي بيده).

كل هذه فيها إثبات اليد لله، والمراد بيده الجنس، والمراد يدان لله، فأثبت اليدان لله.

أما المعتزلة والجهمية فقالوا: نحن نفسر اليد بالنعمة، أو بالقدرة.

ونحن نقول: الأول باطل؛ لأنه تحريف للكلم عن مواضعه ومعارضة للنصوص، وإبطال لها، وهل الله تعالى عاجز عن أن يقول: لما خلقت بنعمتي أو بقدرتي؟ لو كان مراده سبحانه وتعالى النعمة والقدرة لقال: لما خلقت بنعمتي أو بقدرتي.

الرد الثاني: أن تفسير اليد بالنعمة أو القوة يفسد المعنى؛ لأن الله سبحانه وتعالى أخبر أن له يدان: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64]، فلو لم يأت إلا ذكر يد واحدة لكان لتأويلهم وجه، يعني: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75] يقول اليد معناها: النعمة أو القدرة، لكن لما جاء في النصوص إطلاق اليدين: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64] إذا فسرت اليد بالنعمة سيكون المعنى: بنعمتي، وهذا يفيد حصر النعمة بنعمتين؟! والله له نعم كثيرة.

وإذا فسرتها بالقوة؛ فإن لله قوتان فقط، فيفسد المعنى.

إذاً: تفسير اليد بالنعمة أو القوة يفسد المعنى، أولاً: هو إبطال للنصوص، وتحريف لكلام الله عن مواضعه، وثانياً: لأنه جاء إثبات اليدين لله عز وجل، فليست يد واحدة وإنما هي يدان.

قوله: (ولا يكيفونهما بكيف) أي: لا يقولون: إن يد الله كيفيتها كذا، أو تكون على كيفية كذا، وإنما يقولون: الله أعلم كيفية اليد، فله يدان سبحانه وتعالى كريمتان تليقان بجلاله وعظمته لا تماثل أيدي المخلوقين، لا نقول: كيفيتها كذا ولا كذا. قوله: (أو يشبهونهما بأيدي المخلوقين) كذلك لا يقولون: إن يديه سبحانه تشبه يد المخلوقين، وهذا قول المشبهة الذين يكيفون ويمثلون ويشبهون تشبيه المشبهة خذلهم الله.

قوله: (وقد أعاذ الله أهل السنة من التحريف والتشبيه والتكييف)، فلم يشبهوا أو لم يقولوا: إن صفات الخالق تشبه صفات المخلوقين، ولم يكيفوها فيقولون: إن الكيفية على كذا وكذا.

فأعاذ الله تعالى أهل السنة من التحريف والتكييف والتشبيه الذي وقع فيه أهل البدع.

قوله: (ومن عليهم بالتعريف والتفهيم حتى سلكوا سبيل التوحيد والتنزيه) يعني: عرفهم وفهمهم الحق، فعلموا الحق وسلكوا مسلك الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم من الصحابة والتابعين والأئمة، فوحدوا الله ونزهوه عن مشابهة المخلوقين.

قوله: (وتركوا القول بالتعليل والتشبيه) أي ما قالوا: إننا نفي اليد لئلا يلزم منه التشبيه، أو لعلة كذا، أو لأجل كذا.

قوله: (واتبعوا قول الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]) هذه الآية فيها رد على الطائفتين: المشبهة الممثلة والمعطلة، فقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ رد على المشبهة، وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ رد على المعطلة، حيث أثبت لنفسه السمع والبصر، والمعطلة ينفون السمع والبصر، وقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ رد على المشبهة الذين يقولون: إن صفات الخالق تماثل صفات المخلوقين.

قوله: (وكما ورد القرآن بذكر اليدين في قوله: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75] وقوله: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ [المائدة:64]. ووردت الأخبار في الصحاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر اليد) يعني: كما ورد القرآن بذكر اليدين وردت السنة بذكر اليدين، فالمؤلف يقول: إن إثبات اليدين جاء في الكتاب العزيز وفي الأخبار الصحاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر اليد.

قوله: (كخبر محاجة آدم وقوله له: (خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته) ).

في الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لما لقي موسى آدم، احتج آدم وموسى، فقال موسى عليه الصلاة والسلام لآدم: (أنت آدم الذي خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فلماذا أخرجت نفسك من الجنة؟ فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه، فيكم وجدت مكتوباً علي قبل أن أخلق: وعصى آدم ربه فغوى فقال بكذا وكذا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فحج آدم موسى)، يعني: غلبه بالحجة، ذلك أن آدم احتج عليه بأن هذه المصيبة -وهي إخراجه من الجنة- مكتوبة عليه؛ فاحتج بالقدر، ولهذا حج آدم موسى، والاحتجاج بالقدر على المصائب لا بأس به، لكن الممنوع أن يحتج بالقدر على المعاصي، فهذه طريقة المشركين، أما الاحتجاج بالقدر على المصائب لا بأس به، إذا أصابتك مصيبة قل: إنا لله وإنا إليه راجعون، قدر الله وما شاء فعل.

فهذا آدم وموسى لما في خبر المحاجة قال موسى لآدم: (خلقك الله بيده)، أثبت اليد لله.

قوله: (ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: لا أجعل صالح من خلقت بيدي، كمن قلت له: كن فكان.

هذا الحديث احتج به العلماء على تفضيل الأنبياء وصالح البشر على الملائكة، وهذا يظهر في النهاية عند دخولهم الجنة حينما يكملهم الله عز وجل ويطهرهم، وهذه المسألة وهي: تفضيل الأنبياء وصالح البشر على الملائكة، أو تفضيل الملائكة على الأنبياء وصالح البشر، مسألة خلافية بين أهل العلم، والصواب كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الأنبياء وصالح البشر أفضل، ومن الأدلة هذا الحديث، فلما طلبت الملائكة من الله عز وجل أن يجعلهم أفضل من بني آدم قالت: (ربنا جعلت لهم الدنيا يأكلون ويشربون)، والملائكة لا تأكل ولا تشرب، فاجعل لنا الآخرة، فقال الله عز وجل: (لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له: كن فكان).

فآدم خلقه الله بيده، والملائكة قال الله لهم: كن فكانوا، فهذا من الأدلة التي احتج بها المحققون من أهل العلم على أن الأنبياء وصالح البشر أفضل من الملائكة في النهاية، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية : عندما يكملهم الله عند دخولهم الجنة.

قوله: (وقوله صلى الله عليه وسلم: (خلق الله الفردوس بيده) هذا الحديث فيه كلام لأهل العلم في صحته، فقد أعل بالإرسال، وسواء صح الحديث أو لم يصح فاليد ثابتة لله عز وجل في القرآن العزيز وفي السنة المطهرة.

وأيضاً من معتقدهم: أنهم يعرفون الله بصفاته وأسمائه وأفعاله، وهذه الصفات والأسماء والأفعال إنما تؤخذ من الوحيين الكتاب والسنة، وليس للناس أن يخترعوا لله أسماء وصفات من عند أنفسهم، وهذا هو معنى قول أهل العلم: الأسماء والصفات توقيفية، يعني: يوقف فيها عند النصوص، فما ورد إثباته لله من الأسماء والصفات في الكتاب العزيز أو في السنة المطهرة نثبته لله، وما ورد في الكتاب العزيز أو في السنة المطهرة نفيه عن الله ننفيه عن الله، كما نفى عن نفسه السنة والنوم والعجز والظلم: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49]، لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255]، وما لم يرد في الكتاب ولا في السنة إثباته ولا نفيه نتوقف فيه، لا نثبته ولا ننفيه، مثل الجسم والحيز والعرض والحد والجهة والأعراض والأبعاض، فهذه الأمور التي أثبتها أهل البدع نتوقف فيها لا نثبتها ولا ننفيها؛ لأنه لم يرد في الكتاب ولا في السنة إثباتها ولا نفيها، وهي مشتملة على حق وباطل، ونستفصل ممن أطلقها.

من قال: إن لله جسماً، أو قال: ليس بجسم. لا نطلق لا نفيه ولا إثباته، فلا نقول: إن لله جسماً، ولا نقول: ليس بجسم، ولا نقول: إنه في حيز ولا غير متحيز؛ لأنه لم يرد في الكتاب والسنة لا إثباته ولا نفيه، ومن أطلقها نفياً أو إثباتاً فإننا نستفصل منه، نقول له: ما مرادك؟

إن قال: أنا مرادي أن الله متصف بالصفات، نقول: هذا المعنى صحيح، لكن هذا اللفظ مشتمل على حق وباطل. إذاً: إذا كان المعنى صحيحاً نقبله، لكن اللفظ نرده ونقول: عبر بالتعبيرات التي جاءت في النصوص؛ لأنها بريئة وسالمة من الخطأ، أما هذا اللفظ الذي جئت به فلا نقبله والمعنى صحيح.

فإذا قال: أنا مقصودي أن الله يشبه المخلوقات، نقول: المعنى باطل، واللفظ باطل، ونرد المعنى واللفظ جميعاً.

فإذا قال: ماذا أقول؟ نقول: قل ما قال الله وقال رسوله، إن الله هو السميع البصير، هو العليم الحكيم، هذه ألفاظ من النصوص بريئة وسالمة من احتمال الخطأ، أما هذا اللفظ الذي أتيت به لا نقبله والمعنى سليم.

إذاً: القاعدة عند أهل السنة والجماعة في إثبات الأسماء والصفات والأفعال: ما ورد في الكتاب العزيز أو في السنة المطهرة إثباته لله وجب إثباتها لله، وما ورد في كتابه أو في السنة نفيه عن الله وجب نفيه عن الله، وما لم يرد في الكتاب ولا في السنة نفيه ولا إثباته لا ننفيه ولا نثبته، ومن أطلقه نفياً أو إثباتاً نستفصل منه: فإن أراد حقاً قبلنا المعنى ورددنا اللفظ، وإن أراد باطلاً رددنا اللفظ والمعنى جميعاً.