شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [2]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله: [قلت وبالله التوفيق: إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة -حفظ الله تعالى أحياءهم ورحم أمواتهم- يشهدون لله تعالى بالوحدانية، وللرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة والنبوة، ويعرفون ربهم عز وجل بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله].

أو شهد له بها رسوله صلى الله عليه وسلم على ما وردت الأخبار الصحاح به، ونقلته العدول الثقات عنه، ويثبتون له جل جلاله ما أثبته لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يعتقدون تشبيهاً لصفاته بصفات خلقه.

قوله: (قلت وبالله التوفيق) التوفيق هو أن يوفق الإنسان للصواب، وأن يجعله الله يقول بالحق ويعمل به.

التمسك بالكتاب والسنة

قوله: (إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة) أوحى الله سبحانه وتعالى إلى نبيه الكريم وحيين: الوحي الأول: القرآن، أوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بلفظه ومعناه، فهو كلام الله لفظه ومعناه، والوحي الثاني: السنة المطهرة، وهي نوعان:

النوع الأول: الحديث القدسي، وهذا من كلام الله لفظاً ومعنى، كما في حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا) فهذا حديث قدسي نسبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه عز وجل، فهو من كلام الله لفظاً ومعنى.

والنوع الثاني: الحديث غير القدسي، فهذا من كلام الله معنى، ومن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لفظاً، كقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، فهذا الحديث وحي من الله، إلا أن لفظ الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، فالحديث لفظه من الرسول صلى الله عليه وسلم ومعناه من الله، أما الحديث القدسي فلفظه ومعناه من الله، مثل القرآن، إلا أن له أحكاماً تختلف عن القرآن:

- فالقرآن يتعبد بتلاوته، والحديث القدسي لا يتعبد بتلاوته.

- القرآن يقرأ في الصلاة، والحديث القدسي لا يقرأ في الصلاة.

- القرآن معجز بلفظه ومعناه، والحديث القدسي قد لا يكون له وصف الإعجاز.

- القرآن لا يمسه إلا المتوضئ، والحديث القدسي يمسه غير المتوضئ.

أما السنة فلها مع القرآن على أحوال ثلاثة:

الحالة الأولى: أنها تبين المجمل، مثل الصلاة: جاء في القرآن: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:43]، جاءت السنة وفصلت الصلاة، وبينت أن الصلاة خمس صلوات في اليوم والليلة، وبينت عدد ركعات الصلاة؛ إذ ليس في القرآن أن صلاة الظهر أربعاً، وصلاة العصر أربعاً، وصلاة المغرب ثلاثاً فالسنة وضحت وفصلت هذا الإجمال.

كذلك الزكاة أوجبها الله في القرآن، وجاءت السنة وفصلت وبينت أن لا زكاة في المال حتى يحول عليه الحول، وأنه لابد من النصاب.

كذلك الحج جاء في القرآن، وجاءت السنة وفصلت هذه المناسك.

الحالة الثانية: أن تقيد المطلق وتخصص العام.

الحالة الثالثة: أن تأتي بأحكام جديدة ليست في القرآن؛ كتحريم كل ذي ناب من السباع، وتحريم كل ذي مخلب من الطير، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والجمع بين المرأة وخالتها، هذه أحكام ليست في القرآن جاءت بها السنة، فالسنة وحي ثان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه).

قوله: (حفظ الله أحياءهم، ورحم أمواتهم)، هذا دعاء من المؤلف لأهل الحديث بأن يحفظ الله الأحياء ويرحم الأموات.

الشهادة لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة

قوله: (يشهدون لله تعالى بالوحدانية، وللرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة والنبوة). هذا أصل الدين وأساس الملة، أن تشهد لله تعالى بالوحدانية، ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة والنبوة.

ومعنى شاهدة أن لا إله إلا الله أن تشهد لله تعالى بالوحدانية، وأن الله واحد في ربوبيته، وألوهيته وأسمائه وصفاته، فهو سبحانه وتعالى واجب الوجود بذاته، وهو فوق العرش، وهو الرب وغيره مربوب، وهو الخالق وغيره مخلوق، وهو المالك وغيره مملوك، وهو المدبر وغيره المدبَر، وكذلك تشهد لله تعالى بالوحدانية في أسمائه وصفاته، وأنه ليس له شريك في أسمائه وصفاته، كما قال: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الأعراف:180]، وليس له شريك في أفعاله أيضاً، وليس له شريك في ألوهيته وعبادته، فهو مستحق العبادة وغيره لا يستحق شيئاً من العبادة، فلا يستحق العبادة أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل.

وتشهد لنبيه الكريم عليه الصلاة والسلام بالرسالة والنبوة، ومن لم يشهد لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة فليس بمؤمن. ومعنى أن تشهد لله تعالى بالوحدانية: أن تنطق بلسانك وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وتعتقد بقلبك وتصدق بأن الله هو الرب وغيره مربوب، وأنه الخالق وغيره مخلوق، وأنه المالك وغيره مملوك، وأنه المدبر وغيره المدَبر، وتشهد بأن الله له الأسماء الحسنى والصفات العلى التي لا يشاركه فيها أحد، وتشهد بأن الله هو مستحق العبادة بجميع أنواعها، لا يستحقها غيره لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، فالله تعالى هو المعبود بالحق، هو الذي يدعى ولا يدعى غيره، يذبح له وينذر ويتوكل عليه ويرجى ويخاف منه، والعبادة حق الله لا يستحقها النبي صلى الله عليه وسلم ولا جبريل ولا غيره، ومن صرف شيئاً من أنواع العبادة لغيره فهو مشرك كافر وتنتقض عليه الشهادة، فمن قال: لا إله إلا الله، ثم دعا غير الله، أو ذبح لغير الله، أو نذر لغير الله، بطلت شهادته.

الشهادة لله تعالى بالوحدانية ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة أصل الدين وأساس الملة، وهذا هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، تشهد بربوبية الله، وبألوهيته، وبأسمائه وصفاته، فلا تصرف شيئاً منها لغير الله، ولا يقع في عمل الشرك حتى لا تنتقض عليه العبادة، الشهادة لله تعالى بالوحدانية في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وأفعاله بشرط ألا يفعل الإنسان ناقضاً من نواقض الإسلام، فإن فعل ناقضاً من نواقض الإسلام بطلت هذه الشهادة؛ كما يتوضأ الإنسان أحسن الوضوء يتطهر أحسن الطاهرة ثم خرج منه بول أو غائط أو ريح فقد بطلت الطهارة، فكذلك إذا شهد لله تعالى بالوحدانية، ثم دعا غير الله، أو ذبح لغير الله، أو فعل ناقضاً من نواقض الإسلام بأن اعتقد أن الصلاة غير واجبة، أو الحج غير واجب، أو الصوم غير واجب، أو أن الزنا ليس بمحرم، أو أنكر تحريم الربا أو الزنا أو الخمر أو عقوق الوالدين أو ما هو معلوم من الدين بالضرورة بطلت الشهادة وانتقضت.

الشهادة للنبي بالرسالة

ومعنى الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة والنبوة: أن تشهد أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي العربي المكي ثم المدني هو رسول الله حقاً، وأن رسالته عامة للعرب وللعجم وللجن والإنس، وأنه خاتم النبيين ليس بعده نبي، فمن قال: إن رسالته خاصة بالعرب أو بالإنس أو بعده نبي فهو كافر بإجماع المسلمين ولا تنفعه، وتبطل شهادة أن لا إله إلا الله؛ لأن من شرط الشهادتان: أنه لابد منهما جميعاً، فهما متلازمتان لا تنفك إحداهما عن الأخرى، فمن شهد: أن لا إله إلا الله، ولم يشهد أن محمداً رسول لم تقبل منه، ومن شهد: أن محمداً رسول الله، ولم يشهد أن لا إله إلا الله لم تقبل منه، حتى يشهد أن لا إله إلا الله ويشهد أن محمداً رسول الله، فمن قال: إن محمداً عليه الصلاة والسلام ليس بعده نبي، أو ليست رسالته عامة، لا تنفعه شهادة أن لا إله إلا الله؛ لأنه لم يأت بشرطها، ولذلك لما أنكر اليهود والنصارى رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وهم يزعمون أنهم يؤمنون بالله، بين الله أن إيمانهم لا شيء، وأنه لا قيمة له، فقال سبحانه: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29]، فنفى عنهم الإيمان وقال: لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ، وهم يزعمون أنهم يؤمنون بالله، لكن لما لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم نفى الله عنهم الإيمان.

كذلك يشهدون أن محمداً رسول الله، ويصدقونه في أخباره عليه الصلاة والسلام، ويمتثلون أوامره، ويجتنبون نواهيه، ويتعبدون لله بما شرعه.

معرفة صفات الله بوحيه وتنزيله

قوله: (ويعرفون ربهم عز وجل بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله)، من عقيدة أصحاب: الحديث أنهم يعرفون ربهم بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، فالله تعالى وصف نفسه بأنه الحي القيوم، وأنه الخالق الرازق المدبر المحيي المميت، ووصف نفسه بالعلم والسمع والبصر والقدرة قال الله تعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [الحشر:22]، يعرفون ربهم بأنه سبحانه وتعالى لا إله إلا هو، لا معبود بحق سواه، وأنه عالم الغيب والشهادة، وأنه الرحمن الرحيم: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ [الحشر:23]، يعرفونه بأسمائه: سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الحشر:23-24] يؤمنون بذلك.

قوله: (أو شهد له بها رسوله صلى الله عليه وسلم على ما وردت الأخبار الصحاح به ونقلته العدول الثقات عنه)، فما ورد في السنة من الأسماء والصفات يجب إثباتها لله عز وجل، فإذا ثبت وصح سند الحديث، وعدلت الرواة، ولم يكن شاذاً ولا معللاً فيجب إثبات ما ورد في السنة من أسماء الله وصفاته، ولذلك قيد المؤلف الأخبار -يعني: الأحاديث- بالصحاح، وهي جمع صحيح، يعني: الحديث الصحيح، أما الحديث الضعيف فلا، كما لو كان الحديث في سنده انقطاع أو راو ضعيف في الحفظ أو الديانة فلا يصح الحديث ولا يقبل ما دل عليه، لابد أن يكون الحديث صحيحاً.

وشروط الحديث الصحيح عند المحدثين: أن يكون متصل السند، وأن يكون الرواة عدول ثقات ضابطين، وألا يكون الحديث فيه شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة ولأصول الشريعة، وألا يخالف الثقة من هو أوثق منه، وألا يكون الحديث فيه علة قادحة ظاهرة أو خفية، فإذا وجدت هذه الشروط فإن الحديث صحيح، ويجب قبوله، والعمل بما دل عليه في العقائد والأخلاق والأعمال وكل شيء، خلافاً لأهل البدع من المعتزلة وغيرهم الذين يقولون: إنما يقبل خبر الآحاد في الأعمال، أما العقائد فلا يقبل فيها أخبار الآحاد، وهذا منهج باطل.

ولقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه باباً سماه: باب أخبار الآحاد، وذكر نصوصاً كثيرة في قبول خبر الآحاد، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل كتبه إلى الملوك والرؤساء، والذي يرسله واحد، ومع ذلك يقبل خبر الواحد.

إثبات ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله

قوله: (ويثبتون له جل جلاله منها ما أثبت لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم)، هكذا أهل السنة يثبتون لله عز وجل ما أثبته لنفسه في كتابه العزيز من الأسماء والصفات، أو ما ثبت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سبق في الآيات: هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ [الحشر:24].. هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ [الحشر:23]، ومثلما ورد أيضاً: (إن الله جميل يحب الجمال) وهكذا.. (إن الله حيي ستير) فمن أسماء الله الستير.. وهكذا. فما ثبت في الحديث مثلما ورد في القرآن الكريم إذا كان الحديث صحيحاً.

عدم اعتقاد التشبيه في صفات الله

قوله: (ولا يعتقدون تشبيهاً لصفاته بصفات خلقه) هكذا أهل السنة يثبتون الأسماء والصفات لله ولا يشبهون ولا يمثلون، كما قال سبحانه عن نفسه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فالصفات والأسماء ثابتة لله على ما يليق بجلالته وعظمته، لا يماثل أحداً من خلقه.

أهل السنة لا يكيفون فيقولون: صفة الله كيفيتها كذا، ولا يمثلون فيقولون: مثل صفات المخلوقين، بل يثبتون الأسماء والصفات ويثبتون المعنى، ويفوضون الكيفية إلى الله، كما قال الإمام مالك رحمه الله لما سئل عن الاستواء: (الاستواء معلوم) يعني: معلوم معناه في اللغة العربية، فالاستواء: هو الاستقرار والصعود والعلو والارتفاع، (والكيف مجهول) كيفية استواء الله على عرشه مجهولة لا نعلمها، (والإيمان به واجب) يجب الإيمان باستوائه، (والسؤال عنه بدعة) وهذا يقال في النزول والاستواء والعلو والسمع والبصر كلها: معلوم معناه في اللغة العربية، نعرف أن العلم ضد الجهل، السمع ضد الصمم، والبصر ضد العمى، والعلو ضد السفول، أما كيفية استواء الرب وكيفية علوه وكيفية سمعه وبصره فلا يعلم به إلا الله، هذا معنى قول الإمام مالك.

قوله: (إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة) أوحى الله سبحانه وتعالى إلى نبيه الكريم وحيين: الوحي الأول: القرآن، أوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بلفظه ومعناه، فهو كلام الله لفظه ومعناه، والوحي الثاني: السنة المطهرة، وهي نوعان:

النوع الأول: الحديث القدسي، وهذا من كلام الله لفظاً ومعنى، كما في حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا) فهذا حديث قدسي نسبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه عز وجل، فهو من كلام الله لفظاً ومعنى.

والنوع الثاني: الحديث غير القدسي، فهذا من كلام الله معنى، ومن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لفظاً، كقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، فهذا الحديث وحي من الله، إلا أن لفظ الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، فالحديث لفظه من الرسول صلى الله عليه وسلم ومعناه من الله، أما الحديث القدسي فلفظه ومعناه من الله، مثل القرآن، إلا أن له أحكاماً تختلف عن القرآن:

- فالقرآن يتعبد بتلاوته، والحديث القدسي لا يتعبد بتلاوته.

- القرآن يقرأ في الصلاة، والحديث القدسي لا يقرأ في الصلاة.

- القرآن معجز بلفظه ومعناه، والحديث القدسي قد لا يكون له وصف الإعجاز.

- القرآن لا يمسه إلا المتوضئ، والحديث القدسي يمسه غير المتوضئ.

أما السنة فلها مع القرآن على أحوال ثلاثة:

الحالة الأولى: أنها تبين المجمل، مثل الصلاة: جاء في القرآن: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:43]، جاءت السنة وفصلت الصلاة، وبينت أن الصلاة خمس صلوات في اليوم والليلة، وبينت عدد ركعات الصلاة؛ إذ ليس في القرآن أن صلاة الظهر أربعاً، وصلاة العصر أربعاً، وصلاة المغرب ثلاثاً فالسنة وضحت وفصلت هذا الإجمال.

كذلك الزكاة أوجبها الله في القرآن، وجاءت السنة وفصلت وبينت أن لا زكاة في المال حتى يحول عليه الحول، وأنه لابد من النصاب.

كذلك الحج جاء في القرآن، وجاءت السنة وفصلت هذه المناسك.

الحالة الثانية: أن تقيد المطلق وتخصص العام.

الحالة الثالثة: أن تأتي بأحكام جديدة ليست في القرآن؛ كتحريم كل ذي ناب من السباع، وتحريم كل ذي مخلب من الطير، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والجمع بين المرأة وخالتها، هذه أحكام ليست في القرآن جاءت بها السنة، فالسنة وحي ثان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه).

قوله: (حفظ الله أحياءهم، ورحم أمواتهم)، هذا دعاء من المؤلف لأهل الحديث بأن يحفظ الله الأحياء ويرحم الأموات.




استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [10] 2187 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [9] 2099 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [8] 2050 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [3] 1937 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [12] 1882 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [7] 1864 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [1] 1792 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [15] 1734 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [13] 1699 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني [4] 1582 استماع