النجاسات الحسية والمعنوية


الحلقة مفرغة

حث الشرع على النظافة والطهارة، وجعل ذلك آكد في حق من أراد الصلاة، حتى علق صحتها على الطهور، وكما أن الصلاة تحتاج إلى طهارة حسية كذلك الصدقة تحتاج لأن تخرج من مال طاهر، فلا تقبل إن كانت من مال مسروق أو مغلول، فإن الله طيب لا يقبل من العمل إلا الطيب.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

أما بعــد:

فإن حديثنا -أيها الإخوة- في هذه الخطبة عن إزالة النجاسات، وقد اخترت هذا الموضوع لعدد من الأسباب، منها: أنه لا تصح بعض العبادات إلا بذلك، فإن من شروط الصلاة مثلاً إزالة النجاسات من الثوب والبدن والبقعة، وكذلك فإن السؤال يكثر عنها، وأيضاً يقع الاستحياء من السؤال، فعدد من الناس باقٍ على الجهالة، ثم إن هذا الأمر فيه خطورة؛ لأن من أسباب عذاب القبر إهماله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مر بقبرين، قال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير -ثم قال:- وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله) رواه البخاري رحمه الله تعالى.

وكذلك فإن من الأسباب الدافعة إلى طرح هذا الموضوع انتشار أمر الوسوسة فيه، ومن سبل القضاء عليها معرفة الطريقة الصحيحة لإزالة النجاسة، واليقين الذي يقضي على الوسوسة أمر مطلوب، فلا يزاد على الطريقة الشرعية.

وكذلك فهذا الموضوع من التفقه في الدين: (ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين).

ثم إن النجاسات الحسية تذكرنا بأمور أخرى من المعنويات ستأتي الإشارات إليها في آخر الخطبة إن شاء الله تعالى.

تعريف الطهارة

عباد الله: لقد أمرنا الله عز وجل بالطهارة، وأثنى على المتطهرين، والطهارة: رفع الحدث وإزالة النجاسة، فهي طهارة من الحدث وطهارة من النجاسة، فطهارة الجسد والثوب والمكان الذي يصلي فيه المصلي، وإزالة النجاسة منه مشروعة ومأمور بها، قال الله عز وجل: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4] وقال تعالى: وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [البقرة:125].

وقال صلى الله عليه وسلم: (اغسلي الدم وصلي).

تعريف النجاسة وأقسامها

والنجاسة هي: الخبث والقذر، وكل ما هو مستقذر شرعاً، وهي إما أن تكون حسية كالبول والغائط والميتة، أو معنوية كنجاسة الكفار والأصنام والمعتقدات الشركية، وهي: إما أن تكون عينية، فالنجس عيناً لا يطهر بحال أبداً، فلو أتيت بماء البحر وأهرقته على روثة حمار لم تطهر، أو أعيان متنجسة نجاسة حكمية؛ كأي شيء كان طاهراً في الأصل، ثم طرأت عليه النجاسة، فيكون في حكم النجس، وهذا يمكن تطهيره.

وقد قسم بعض العلماء النجاسة إلى أقسام باعتبار آخر، فقالوا: منها ما هو مغلظ، وهي نجاسة الكلب، ومنها ما هو مخفف كبول الذكر الرضيع، ومنها ما هو متوسط كسائر النجاسات من البول والغائط.

استحباب المبادرة إلى إزالة النجاسة

وتنبغي المبادرة إلى إزالة النجاسة؛ فإذا أصاب البدن أو الثوب أو البقعة نجاسة، فعليك أن تبادر -أيها المسلم- إلى إزالة ذلك وبسرعة.

أولاً: لأن هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولما بال الأعرابي في المسجد، قال عليه الصلاة والسلام للصحابة لما قضى بوله: (أهريقوا عليه دلواً من ماء) وفي رواية: (أمر بذَنوب من ماء فأريق عليه)، فبادر عليه الصلاة والسلام إلى إزالتها.

وثانياً: لأنه تخلص من القذر والخبث والرائحة الكريهة.

وثالثاً: حتى لا يقع الإنسان في النسيان، فينسى النجاسة أو يجهل مكانها بعد ذلك، وربما أدى ذلك إلى الصلاة في النجاسة.

فبادر يا عبد الله إلى إزالة النجاسة حال وقوعها.

وهنالك نجاسات اتفق العلماء عليها، كالميتة والبول والعذرة من الآدمي، وبعضها قد اختلف فيه كنجاسة الدم وغير ذلك.

وقد اتفق العلماء على أن التطهير من النجاسة لا يحتاج إلى نية، فليست النية شرطاً في طهارة الخبث، فلو أزاله بغير نية ثم صلى، فصلاته صحيحة.

عباد الله: لقد أمرنا الله عز وجل بالطهارة، وأثنى على المتطهرين، والطهارة: رفع الحدث وإزالة النجاسة، فهي طهارة من الحدث وطهارة من النجاسة، فطهارة الجسد والثوب والمكان الذي يصلي فيه المصلي، وإزالة النجاسة منه مشروعة ومأمور بها، قال الله عز وجل: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4] وقال تعالى: وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [البقرة:125].

وقال صلى الله عليه وسلم: (اغسلي الدم وصلي).

والنجاسة هي: الخبث والقذر، وكل ما هو مستقذر شرعاً، وهي إما أن تكون حسية كالبول والغائط والميتة، أو معنوية كنجاسة الكفار والأصنام والمعتقدات الشركية، وهي: إما أن تكون عينية، فالنجس عيناً لا يطهر بحال أبداً، فلو أتيت بماء البحر وأهرقته على روثة حمار لم تطهر، أو أعيان متنجسة نجاسة حكمية؛ كأي شيء كان طاهراً في الأصل، ثم طرأت عليه النجاسة، فيكون في حكم النجس، وهذا يمكن تطهيره.

وقد قسم بعض العلماء النجاسة إلى أقسام باعتبار آخر، فقالوا: منها ما هو مغلظ، وهي نجاسة الكلب، ومنها ما هو مخفف كبول الذكر الرضيع، ومنها ما هو متوسط كسائر النجاسات من البول والغائط.

وتنبغي المبادرة إلى إزالة النجاسة؛ فإذا أصاب البدن أو الثوب أو البقعة نجاسة، فعليك أن تبادر -أيها المسلم- إلى إزالة ذلك وبسرعة.

أولاً: لأن هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولما بال الأعرابي في المسجد، قال عليه الصلاة والسلام للصحابة لما قضى بوله: (أهريقوا عليه دلواً من ماء) وفي رواية: (أمر بذَنوب من ماء فأريق عليه)، فبادر عليه الصلاة والسلام إلى إزالتها.

وثانياً: لأنه تخلص من القذر والخبث والرائحة الكريهة.

وثالثاً: حتى لا يقع الإنسان في النسيان، فينسى النجاسة أو يجهل مكانها بعد ذلك، وربما أدى ذلك إلى الصلاة في النجاسة.

فبادر يا عبد الله إلى إزالة النجاسة حال وقوعها.

وهنالك نجاسات اتفق العلماء عليها، كالميتة والبول والعذرة من الآدمي، وبعضها قد اختلف فيه كنجاسة الدم وغير ذلك.

وقد اتفق العلماء على أن التطهير من النجاسة لا يحتاج إلى نية، فليست النية شرطاً في طهارة الخبث، فلو أزاله بغير نية ثم صلى، فصلاته صحيحة.

وهاكم يا أيها المسلمون طائفة من الأحكام لخصتها لكم من كلام أهل العلم، فانتبهوا رحمكم الله لها، قد اختصرت الكلام فيها على القول الراجح مع الدليل ما أمكن.

لقد اتفق الفقهاء رحمهم الله على أن الماء المطلق رافعٌ للحدث مزيلٌ للنجاسة، لقوله تعالى: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ [الأنفال:11] ولحديث أسماء قالت: (جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة، فماذا تصنع به؟ قال: تحته، ثم تقرصه، ثم تنضحه بالماء، ثم تصلي فيه) متفق عليه.

التطهير بالاستحالة

وقد اتفق الفقهاء على أن هناك نجاسات تزول بالاستحالة، كقولهم في الخمر باعتبار أنها نجسة عندهم: إنها تزول بالاستحالة إذا انقلبت خلاً بنفسها، وكذلك إذا تنجس بالتغير، فزال التغير بنفسه طهر، وجاء في بعض الأحاديث التطهير بالدباغة، كقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا دبغ الإهاب فقد طهر) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه .

التطهير بالمنظفات الكيماوية وبتكرير مياه المجاري

لكن هل يشترط في إزالة النجاسة الماء، أو يصح بكل مزيل حتى لو لم يكن ماءً؟

الراجح أنه يزول ويصح التطهير بأي طريقة، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قال العلامة الشوكاني : والحق أن الماء أصلٌ في التطهير، لوصفه بذلك كتاباً وسنة، لكن القول بتعينه وعدم إجزاء غيره يرده حديث مسح النعل، ولم يأت دليل بحصر التطهير في الماء. فبأي مزيل زالت النجاسة أجزأ ذلك، حتى لو كان بالمعقمات والمطهرات الكيماوية، فإن ذلك مجزئ على الراجح.

فمادام قد زال وصف النجاسة، فلا ريح ولا طعم ولا لون، فقد صار الشيء طاهراً، وقد كثرت وسائل التعقيم والتكرير، فها أنت ترى في بعض الأماكن تكرير مياه المجاري حتى تعود نظيفة، فهذه إذا زال وصف النجاسة عنها عادت إلى الطهارة، وكذلك بعض المغاسل تنظف الملابس بالمنظفات الكيماوية، فإذا زالت النجاسة وعينها وأوصافها، فهذا يرجع إلى الطهارة، وهذا هو الراجح إن شاء الله تعالى.

التطهير بالشمس والريح

واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم -وهو مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى- أن الشمس تطهر المتنجس إذا زال أثر النجاسة به، إذ أن المقصود هو الإزالة، وكذلك الريح تطهر المتنجس، ولكن مجرد اليبس ليس تطهيراً، بل لابد أن يمضي عليه زمن تزول عين النجاسة منه، ولذلك إذا وقعت النجاسة على ثوب أو أرض، ثم جفت فلابد من غسلها.

تطهير السطوح الصقيلة

وأما السطوح المصقولة، كالمرآة والسكين والرخام وبعض البلاط في زمننا هذا، فإنه يكفي دلكه حتى تزول النجاسة منه، فلو تنجست مرآة ثم دلكتها حتى أصبحت واضحة لا دنس فيها، فإنها تطهر على الراجح.

وزوال النجاسة بالدلك كذلك اختيار شيخ الإسلام رحمه الله، وكذلك اختار أن النجاسة لو تحولت فصارت رماداً أو ملحاً فإنها تطهر بهذه الاستحالة، وكذلك اختار ذلك تلميذه ابن القيم رحمه الله، كما في أعلام الموقعين .