خطب ومحاضرات
صحة الإنسان في شريعة الرحمن
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فإن موضوع درس هذه الليلة سيكون عن الصحة في الإسلام، وقد تتعجبون من اختياري لهذا الموضوع، ولكن إذا علمتم أن الصحة واهتمام الإسلام بها وتركيزه عليها يعتبر مظهراً من مظاهر إعجاز النبي صلى الله عليه وسلم، ودليلاً من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام؛ لزال العجب، إذ قد يقول قائل: ما علاقة الصحة بدراسة العقيدة والتوحيد؟
فنقول: إن العلاقة قوية، والصلة شديدة، إذ أنك إذا علمت هذه الأمور التي هي أعظم مما قد تصل إليه عقول البشر عبر سنيها وتجاربها الطويلة، وقد سبق إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع الجوانب الصحية، الوقائية منها والعلاجية، فإنك بهذا تدرك أن هذا الرسول صلى الله عليه وسلم مرسل من عند الله، فتترسخ عقيدتك، ويزداد إيمانك، ويقوى يقينك، وتخضع لشريعة مولاك بعد أن علمت أنه صلوات الله وسلامه عليه لا ينطق عن الهوى.
ومن خصائص هذا الدين العظيم الذي ارتضاه الله للعالمين: الشمول والتكامل والإحاطة بجميع جوانب الحياة، عقيدةً وعبادةً، وسلوكاً ومعاملةً وأخلاقاً، وهذه دلالة واضحةٌ على أنه من عند الله عز وجل، وتؤكد لنا هذا تأكيداً جازماً، فيزداد المسلم إيماناً ويقيناً، ويعيش على نورٍ من الله وبرهان، فينال السعادة في الدنيا والفوز والفلاح في الدار الآخرة.
والمتأمل لكتاب الله، والمطلع على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتابع لسيرة أصحابه وحياتهم رضي الله عنهم وأرضاهم، والمتابع لحياته صلوات الله وسلامه عليه في مسجده وبيته، وفي جهاده وسلمه، وفي حله وترحاله، يجد أن للصحة مساحةً واسعةً وقدراً كبيراً من الاهتمام.
كيف لا! وهي تتعلق بالإنسان الذي هو المستخلف على هذه الأرض، ويجد ويلمس ما يبعث على الدهشة، ويثير العجب، ويشعر بأنه أمام إعجازٍ باهرٍ يؤكد أن هذا الدين من عند الله، وأن هذا النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فكيف يمكن لرجل أمي لا يقرأ ولا يكتب، يعيش في مجتمعٍ أولي لا توجد به جامعات ولا مراكز بحث علمي؛ كيف يمكن لهذا أن يضع الأسس العامة للصحة الوقائية والعلاجية التي يعجز عنها أمهر الباحثين والخبراء، وكبار الأساتذة والأطباء، رغم تقدم الوسائل وكثرة الإمكانيات، ووجود المجاهر والمختبرات ومزارع الميكروبات وأجهزة الكمبيوتر إلى هذا الوقت، فبالرغم مما استطاع الإنسان أن يصل إليه من هذه الإمكانيات، إلا أنه عاجز أن يصل إلى ما وصل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فتُثبِت هذه الأمور عندنا، وتقيم لدينا أدلةً واضحة ساطعة كالشمس في رابعة النهار على أنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلى وحي يوحى.
وسوف نقضي هذا الوقت الضيق والقصير مع الإعجاز النبوي في مجال صحة الإنسان في الجانبين: الجانب الوقائي، والجانب العلاجي، فإن الوقاية خير من العلاج، ودرهم وقاية خير من قنطار علاج، وإذا استطعت أن تقي نفسك من المرض فأنت أفهم وأقدر من أن تصبر حتى يأتيك المرض ثم تعالج نفسك.
أما في مجال الوقاية فقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخطوط الرئيسية لما يسميه الأطباء اليوم: بالوقاية، والتي تعتبر خط الدفاع الأول ضد الأمراض المعدية وغير المعدية.
الحجر الصحي كوسيلة من وسائل الوقاية
وكان العلماء قبل مسألة الحجر الصحي يقولون: كيف -إذا دخل الطاعون- نبقى ولا نخرج، نعرض أنفسنا للموت ونبقى فيها! لكن لما جاء الطب بمسألة الحجر وجدوا أن الحديث فيه معاني الحجر الصحي، إذ أنه إذا دخل الطاعون في أرض وأنت فيها فلا تخرج منها؛ حتى لا يؤدي خروجك منها إلى نقل الوباء إلى الآخرين، فابق فيها واصبر على قضاء الله وقدره، وإذا حلَّ الطاعون في أرض وأنت خارجها فلا تدخل إليها.
وتحدثنا كتب المغازي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وصل إلى ( عمواس ) وهي أرض في الشام ، وجد الطاعون قد تفشى بها فلم يدخلها، فقال له أبو عبيدة رضي الله عنه: [أفراراً من قدر الله يا أمير المؤمنين؟! قال: يا
هذا الإجراء هو ما يعرف اليوم بالحجر الصحي، أي: عزل الأماكن والناس عند تفشي الأمراض الوبائية كالطاعون والكوليرا، والجدري، وذلك لمحاصرة المرض والتغلب عليه، والحيلولة دون انتشاره، هذا أول عامل من عوامل الوقاية بالحجر.
النظافة من وسائل الوقاية
ففي نظافة البدن شرع الإسلام الوضوء للصلوات الخمس في اليوم والليلة خمس مرات، وليس من الطهارة، بل من الوضاءة، أي: الحسن والجمال، ولذا ترى الذي يتوضأ دائماً عليه إشراقة ونور، بينما الكافر لو اغتسل في اليوم مائة مرة ما عليه وضاءة، ولا فيه نور ولا جمال، لماذا؟ لأن الكفر يغطيه -والعياذ بالله- فالوضوء الذي تمارسه كعبادة يختلف عن النظافة التي تمارسها كعادة، وهذا أمر فوق النظافة، وفيه يتم غسل الأعضاء الخارجية التي غالباً ما تكون عرضة للتلوث وحمل الجراثيم والإفرازات التي لا تنقطع، فقد أخرج البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ).
والوضوء طهارة مادية للأعضاء، وطهارة معنوية للقلب بتكفير الذنوب والخطايا ومحو السيئات، روى الإمام مسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط).
وفوائد الوضوء الصحية كثيرة منها: الحيلولة دون إصابة الجلد بالالتهابات وسرطان الجلد، وقد أجريت دراسات وبحوث بين مجموعة من المسلمين الذي يتوضئون في اليوم خمس مرات، وبين مجموعة من غير المسلمين الذين لا يتوضئون، ووجد أن نسبة إصابة المسلمين بسرطان الجلد والالتهابات اليدوية الجلدية نادرة بل ومعدومة، وأنها كثيرة جداً في الكفار الذين لا يتوضئون، فهذا من إعجاز النبي صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً يحول دون إصابة أصابع القدمين بالفطريات، وغسل الوجه يمنع حب الشباب وخشونة البشرة، وقد اهتم الإسلام أيضاً ضمن الوضوء بنظافة الفم وتطهيره، وتجلية الأسنان وتنقيتها عن طريق المضمضة واستعمال السواك عند الوضوء والصلاة وقراءة القرآن، وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم ضرورة استعماله لما له من الفوائد المادية والمعنوية، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام أحمد في المسند : (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) وفي الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) وفي رواية: (عند كل وضوء).
والسواك أفضل من غيره من وسائل التطهير، فوسائل التطهير الأخرى -وهي الفرشاة والمعجون- طيبة ولكن السواك أفضل منها؛ لأنه يشد اللثة ويقويها، وفيه مادة حارقة تذيب العوالق الكلسية التي تترسب على الأسنان، وإذا جمعت بين السواك والفرشاه كان حسناً.
سنن الفطرة من وسائل الوقاية
وإليك تفصيل سنن الفطرة الخمس:
الختان: وهو إزالة القطعة اللحمية الموجودة على رأس قضيب الرجل؛ لما يترتب على بقائها من وجود أقذار وأوساخ تأتي عن طريق خروج البول، فحرص الإسلام على إزالتها؛ ليكون العضو قابلاً للتطهير والتنظيف بسهولة، لكن بوجودها تبقى الفضلات، ولذا فأكثر الأمراض الجنسية في العالم موجودة في الأعضاء التناسلية في الرجل والمرأة بأسبابٍ منها وجود هذه القلفة وعدم الختان، أما المسلم فإنه بالختان يجنب نفسه جميع هذه الأمراض، والحمد لله.
الاستحداد: وهو حلق شعر العانة؛ لأن وجود الشعر في تلك المنطقة وقربها من النجاسات، يؤدي إلى نمو بعض الحشرات، ووجود بعض الحبيبات، فلو لم يحلق لترتب على وجود ذلك مفاسد وأضرار صحية.
نتف الإبط: فالإبط منطقة مغلقة دائماً عن طريق إرخاء العضد على الجنب، ويترتب على وجود الشعر في هذه المنطقة صعود روائح كريهة، ثم يصير عفناً، ويترتب على العفن نمو ميكروبات وفطريات وأمراض، فجاء الإسلام وأمر بنتف الإبط.
وأيضاً تقليم الأظافر، فالله أوجد الأظافر لحماية الأصابع، إذ لو لم يكن معك ظفر لما عرفت كيف تعيش بإصبعك، فالظفر له أهمية كبيرة في حماية الإصبع، وفي نفس الوقت تجديد قوتها، وأيضاً الاستعانة على لقط الأشياء به، ولكن إذا طال تجمعت الجراثيم والميكروبات تحته، ثم إذا جئت تأكل انتقلت الميكروبات إلى فمك، وبالتالي إلى جسمك وترتب على هذا مرض، فجاء الإسلام وجعل من الفطرة تقليم الأظافر.
ولكنا نرى أن الناس اليوم يصادمون الفطرة، ويغالبون سنن الله، فتجد بعض النساء إذا رأيتها كأنها قطة -والعياذ بالله- تطيل أظافرها ثم تصبغها بالمادة الحمراء كأنها قطة كانت تخمش لحماً، فتتقزز نفسك من منظرها، ثم أيضاً تضع على شفتيها حمرة حمراء كأنها كانت تلعق الدم، فإذا نظرت إليها قلت: ما هذه القطة التي تخمش بأصابعها وتلعق بفمها؟! هي تبحث عن الجمال والحقيقة أنه قبح؛ لأن الجمال شيء آخر غير هذا، فإطالة الأظافر مخالفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً: قص الشارب بحيث يبقى على الإطار؛ لأن إطالة الشارب يؤدي إلى أنك إذا شربت لبناً أو ماءً أو غيره تلوث هذا المشروب بانغماس الشارب فيه؛ لأن شعر الشارب قد يكون محملاً بالجراثيم والميكروبات العالقة في الأجواء أو النازلة من أنفك؛ لأنك عندما تمتخط أو تستنثر تخرج هذه الميكروبات وقد يعلق شيء منها في شاربك، وإذا جئت تشرب وقعت في اللبن أو في الماء أو في المرق وشربته بسبب طول شاربك، فقص شاربك وأعف لحيتك كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الناس نكسوا الفطرة، فالنساء قلبن المسألة في أصابعهن، والرجال قلبوا الحكم إلى لحاهم، فحلقوا اللحى وأرخوا الشوارب، ترى شارب الواحد طويلاً تقول: ما هذا؟ قال: شنب، لماذا تطلق الشارب هكذا والرسول يقول: (قصوا الشوارب) .. (أعفوا اللحى) .. (أكرموا اللحى) .. (أرخوا اللحى) .. (جزوا الشوارب) .. (أنهكوا الشوارب) لا بد أن تقصه.
فلا إله إلا الله! بل بعضهم مشغول بفتل شاربه، يريده أن يكبر ويقف عليه الصقر، يا أخي! طول الشارب للقطط، فهل تريد أن تتشبه بها أم تتشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول: قص شاربك وأعف لحيتك؟
كما حرم الإسلام وحذر من إهمال تنظيف اليد والفم من الأطعمة ذات الرائحة النفاذة والزهومة كاللحم والسمك، وكره أن ينام المسلم ورائحة الطعام وزهومة اللحم واللبن لا تزال عالقة في يده أو في فمه، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث رواه البزار : (من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه) فإذا نمت ويداك فيهما رائحة لحم أو رائحة سمك، أو فمك فيه رائحة لبن أو في يديك، ثم أصابك شيء فلا تلومن إلا نفسك، لماذا؟ قال العلماء: لأن هذه الروائح تجلب الحشرات، وتجلب الآفات والقاذورات، فلهذا عليك أن تنظف فمك قبل أن تنام وتنظف يديك بالماء والصابون إن وجد، وكذلك الأسنان حتى تنام وأنت طاهر، فلا تعرض نفسك لشيء من ذلك.
وشرع الإسلام للمسلم غسل البدن كله ونظافته عند الدواعي التي تفرض ذلك، وجعل الغسل أساساً لا بد منه لممارسة العبادات، ولم يدع الغسل خاضعاً لظروف الإنسان، فقد يتكاسل الإنسان عن الاغتسال ما دامت دواعيه لم تقم، لذلك وقَّت للغسل أوقاتاً، فجعل في كل أسبوع يوماً واحداً وهو غسل الجمعة، والحديث في الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) والعلماء يختلفون في كلمة واجب هنا، هل هو الوجوب الفرضي الذي يلزم بتركه الإثم؟ أم أنه وجوب على درجة الاستحباب لأحاديث أخرى؟ والصحيح من أقوال أهل العلم أنه ليس بواجب حتمي ولكنه سنة مؤكدة ومرغب فيه، والدليل ما روى البخاري بعد هذا الحديث؛ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخطب فدخل عثمان بن عفان ، فلما دخل قطع عمر الخطبة وقال: [أفي هذه الساعة يا
أيضاً سن الإسلام الغسل لمن أراد الإحرام، وعند دخول مكة، وعند الوقوف بـعرفة ، وسنه لمن غسل ميتاً، كما فرضه فرضاً عند حدوث الجنابة بالجماع أو بالاحتلام، كما فرضه للتطهر من الحيض أو النفاس، ومما يؤكد حرص الإسلام على النظافة أنه ألزم المسلم بإعادة التطهر بعد الحدث حتى ولو كان الإنسان لا يزال نظيفاً، فمن توضأ ثم انتقض وضوءه بأي ناقضٍ لزمه الوضوء مرة ثانية ولو بعد لحظات، ومن اغتسل ثم وقع منه ما يوجب الغسل، فعليه الغسل مرةً ثانية ولو بعد لحظات، لماذا؟ من اهتمام الإسلام بالنظافة.
أيضاً اهتم الإسلام بنظافة الملبس وحسن المنظر، وكريم الهيئة، وجمال السمت والزي وهو شيء ملاحظ، فقد ألحق الإسلام ذلك بآداب الصلاة فقال عز وجل: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]، ولفظ المسجد يدل على أن الزينة عبادة يقصد بها رضوان الله، إذ لا يستوي من يتزين للمسجد ومن يتزين للملعب أو للمنتزه، أو للمرقص، فرق بين هذا وذاك: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] إذ ينبغي لك إذا أردت أن تقف بين يدي الله أن تأخذ زينتك وثيابك الجميلة ذات الرائحة الطيبة، ثم تأتي لتقف بين يدي الله وأنت جميل الشكل طيب الريح حتى لا تؤذي المسلمين، ولا تؤذي الملائكة، ولكن وللأسف فقد قلبت المسألة عند بعض المسلمين؛ فيأتي ليصلي وهو يلبس (بجامة) النوم، ولكنه لا يستطيع أن يذهب إلى الدوام (ببجامة) النوم، ما هو رأيكم لو ذهب شخص إلى العمل وجلس على الكرسي وهو (بالبجامة) ماذا يقول عنه الناس؟ على الفور يحكمون عليه بالجنون، معقول تأتي تداوم (بالبجامة)؟ أين عقلك تأتي ورأسك عارٍ، أما أن يأتي ويصلي ويقف بين يدي الله ورأسه عارٍ و(بالبجامة) فلا أحد يقول له شيئاً، ما هو بمجنون في هذه الحالة، لكن في الحالة السابقة مجنون، يقول تعالى: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] اجعل لصلاتك ثياباً طاهرةً نظيفة تصلي فيها حتى تقف وكأنك الشامة البيضاء.
أيضاً: كان صلى الله عليه وسلم يلبس أحسن الثياب وأجملها وأنظفها، وكانت له حلة جديدة يتجمل بها ويلبسها في الجمع والأعياد، وعند مقابلة الوفود التي كانت تفد إلى المدينة ، وقد شوهد مرة وهو ينظر صلوات الله وسلامه عليه إلى ركوة ماء يسوي ثيابه وشعر لحيته، وقد اتخذ من صفحة الماء مرآة فقيل له: وأنت تفعل هذا يا رسول الله؟ يعني: تنظر في المرآة فترى فيها نفسك، فقال: (إن الله يحب من عبده إذا خرج للقاء إخوانه أن يكون حسن الهيئة حسن المنظر) ثم قال: (إن الله جميل يحب الجمال) رواه الإمام مسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يحب الطيب ويقول: (حبب إليَّ من دنياكم الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة) وكان يكثر من استعماله صلوات الله وسلامه عليه، وكانت أردانه الشريفة تعبق ريحاً عظيماً بالطيب، وإذا مشى انبعثت رائحته الزكية لتعطر الأجواء، يقول جابر رضي الله عنه: [لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلك من هذا الطريق] يعرفون أنه مشى من أثر رائحته، إذا جاءوا بعده قالوا: مر الرسول صلى الله عليه وسلم من هنا، وكان الصحابة يعرفون قدومه صلوات الله وسلامه عليه بشم رائحة عطره الذي يسبقه من مسافة بعيدة.
ولقد اجتمع فيه صلوات الله وسلامه عليه الرائحة المادية والمعنوية، أما المادية فحبه للعطر، وأما المعنوية فإنه أكرم مخلوق خلقه الله على وجه الأرض، وكان إذا صافح أحداً بيده ظل طوال يومه يجد رائحة الطيب من مصافحة النبي صلى الله عليه وسلم.
نظافة الشعر والثياب من وسائل الوقاية
(ورأى رجلاً ثائر الرأس فأشار إليه الرسول إشارة فهم منها أنه يأمره بإصلاح شعره، ففعل الرجل، ثم عاد وهو حسن الهيئة وقد رجَّل شعره، فقال صلى الله عليه وسلم: أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان) رواه الإمام مالك.
وقد سمعت واحداً من العلماء -نسأل الله أن يعفو عنه- يستدل بهذا الحديث على حلق اللحية، وهذا استدلال باطل وفهم معكوس؛ لأنه قال في الحديث: جاء رجل ثائر الرأس، يعني: شعره منفوش، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: رجّل رأسك -وذلك لما نظر إليه كأنه أنكر عليه- فذهب الرجل ومشط رأسه ودهنه ورجَّله وجمعه، فلما جاء وإذا به جميل فقال: (أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان).
وكان يكره صلوات الله وسلامه عليه أن تقع عينه على رجل رث الهيئة وسخ الثياب وفي إمكانه أن يظهر في زي أفضل وفي صورة مقبولة، روى جابر بن عبد الله قال: (نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى راعٍ لنا يرعى إبلنا) -وتعرفون أن الراعي لا وقت لديه ليغتسل ولا ليغير ثيابه، فهو طوال يومه يطارد الإبل والغنم (وعليه بردان قد بليا وفنيا، فقال: أما له غير هذين؟ قيل: بلى يا رسول الله! له بردان جديدان في عيبة عندنا، قال: ادعه يا
ولكن الاهتمام بالنظافة يجب أن يكون باعتدال، فإن الإسلام دين الوسطية والاعتدال، يدعو إلى النظافة، وإلى المنظر الجميل والأناقة، ولكن في غير ما سرف ولا مبالغة وتصنع وتزويق وتلميع.
كما يدعو إلى الاهتمام بالشكل ولكن بعد الاهتمام الأكبر بالمضمون، إذ ليس من الإسلام ما نلاحظه اليوم على بعض الشباب من المبالغة في الملابس، والعناية بالمظاهر والأحذية الفاخرة الغالية، وبالتغييرات المتعددة، والاهتمام بالشكل؛ في حين أهملوا قلوبهم ولم ينظفوها من أدران الشهوات والشبهات والانحراف والضلالات والمعاصي والسيئات.
كما أنه ليس من الإسلام في شيء من يظن أن اتساخ الثياب والملابس ضرب من الزهد والعبادة، وأن الثياب الجميلة والنظيفة تدل على الكبرياء والغطرسة، فهذا ظن خاطئ، فقد روى الإمام مسلم قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرةٍ من كبرٍ، فقال رجل: يا رسول الله! إن الرجل يحب أن يكون ثوبه نظيفاً ونعله حسناً، فقال عليه الصلاة والسلام: ليس هذا من الكبر، إن الله جميلٌ يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس) هذا هو الكبر، وبطر الحق رفضه، كأن جاءك الحق ورفضته فأنت متكبر، والذي يتكبر ويرفض الحق لا يهديه الله، يقول الله عز وجل: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الأعراف:146] ويقول: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ [الأعراف:40].
إذا علمت أن غض البصر أمر من أوامر الله، وأن إطلاقه إلى النساء حرام ثم رفضت فقد تكبرت على الله ورددت الحق، فهذا بطر الحق، أما غمط الناس، أي: احتقارهم وازدراؤهم وظلمهم فهذا هو الكبر، أما أن يكون ثوبك جميلاً، ونعلك حسناً، وسمتك جميلاً فليس هذا من الكبر في شيء.
نظافة المساكن والبيوت والطرقات من وسائل الوقاية
ومن ضمن وسائل الاهتمام بالمساكن إصلاحها وتفقدها، وحسن تصميمها وتهويتها وإضاءتها وتعريضها للشمس، وكنسها وتطهيرها من الحشرات المؤذية، وتخليتها من الفضلات والقمامات، ولقد حذر عليه الصلاة والسلام من كل ذلك كما هو شأن اليهود، يروي البزار في مسنده حديثاً يقول فيه عليه الصلاة والسلام: (إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفناءكم وساحاتكم ولا تشبهوا باليهود يجمعون الأكب في دورهم) والأكب: هي الفضلات والكناس والقمامة التي تتجمع في البيت، فبعض الناس عنده زبالة في بيته مجتمعة منذ أسبوع، خاصةً إذا كان (عزوبياً) فيتولد عن هذه التجميعات ميكروبات وفضلات، فالمفروض أن تغيرها مرة في اليوم، أو مرتين في الصباح والمساء؛ لأنه يأتي عليها الذباب والبعوض والحشرات والصراصير، ويترتب على هذا فساد صحتك وتعريضك للمرض.
كما أوجب الإسلام على المسلم المساهمة في نظافة الطريق وعدم إلقاء الفضلات فيها، فليس من الإسلام وأنت ماشٍ أن ترمي المنديل في الشارع، فمن يأتي ويأخذه؟ تقول: البلدية، وأنت ما هو دورك؟ دورك أن تحمي الشارع من هذه الفضلة، فلا ترمِ المنديل، ولا تبصق، وإذا بصقت في منديل فاجعله في جيبك إلى أن تصل إلى القمامة وتضعه فيها، ولا ترمِ علبة (البيبسي) والماء، أو قشور البرتقال أو الموز أو التفاح، لا ترمِ أي شيء من الفضلات في الشارع، لماذا؟ لأن إماطة الأذى عن الشارع والطريق صدقة، ومفهوم الحديث: أن وضع الأذى في الطريق معصية، فأنت تعصي الله بهذا الأمر، ولو أن الناس كلهم فعلوا هذا ما كنا نحتاج إلى البلدية، لكن الله المستعان، شخص يبني وآخر يهدم، والذي يبني يتعب أما الذي يهتم، فإنه يرمي ولا يهمه، يقول:
أرى ألف بانٍ لا يقوم لهـادم فكيف ببانٍ خلفه ألف هادم |
وإماطة الأذى عن الطريق من الإيمان، يقول عليه الصلاة والسلام: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) وكان بعض السلف يخرج إلى الأسواق ليس له عمل إلا أن يميط الأذى عن الطريق، فيلتقط المسامير والزجاجات والحجارة والأخشاب، وإذا أخذه قال: لا إله إلا الله، قالوا: مالك؟ قال: أريد أن أجمع بين أعلى درجات الإيمان وشعبه وبين أدناها، يأخذ فيقول: لا إله إلا الله، فيأتي بأعلى شعب الإيمان وهي لا إله إلا الله، وأدنى شعب الإيمان وهي إزالة الأذى عن الطريق.
كما حرم الإسلام البصاق في المسجد والسوق والأماكن العامة ووسائل المواصلات، وفي الطرق التي يغشاها الناس، ففي صحيح البخاري ومسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (البصاق في المسجد خطيئة -يعني: معصية- وكفارتها دفنها) والدفن كان كفارة يوم أن كانت المساجد من التراب والرمل، فما هناك وسيلة إلا أن تدفنها، لكن الآن إذا بصق الإنسان على الفراش لا يوجد دفن لها؛ لأن الدفن يؤدي إلى التلويث، ولا بد من إزالتها وغسل الموضع الذي وقعت فيه؛ لأنه سيأتي من يضع رأسه يصلي، وقد يشم بأنفه موقع بصاقك، ويكون في بصاقك ميكروب أو مرض فينتقل إليه وهو لا يدري، فأنت الذي غششته وخدعته؛ لأنه جاء ليؤدي عبادة وأنت أعطيته هذا المرض وهذا الوباء -والعياذ بالله- فلا يجوز للمسلم أن يبصق في المسجد.
كما حرم الإسلام التبول والتبرز في المياه والظل والأماكن التي يجلس فيها الناس ويرتادونها مثل أماكن النـزهة، فإذا خرجت إلى مكانٍ فينبغي عليك أن تحرص على أن تترك الموقع مثل ما جئت إليه؛ لأن بعض الناس يأتي ويجلس ويستمتع تحت شجرة أو في مكان أو في منتزه، فلا يقوم إلا وقد ترك المكان وقذراً وملطخاً بكل الأوبئة والأمراض والفضلات -والعياذ بالله- بترك حفاظات أطفاله وقاذوراتهم، وأيضاً فضلات طعامه، لا يا أخي! إذا جاء شخص بعدك ورأى المكان هكذا ماذا يقول؟ يدعو عليك ويقول: الله أكبر عليك! الله يجعلها في وجه هذا الوسخ الذي جلس هنا؛ لأنك يوم أن جئت ووجدت المكان نظيفاً فرحت، ولو وجدته قذراً لانزعجت، فعليك أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، يقول عليه الصلاة والسلام: (اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في المورد، وقارعة الطريق، وفي الظل) وسميت ملاعن لأنها تسبب لصاحبها اللعنة، إذا جاء واحد وأراد أن يجلس تحت شجرة فتلفت وإذا تحتها نجاسة فماذا يقول؟ يقول: لعن الله من وضعها، هكذا تستحق: (اتقوا الملاعن)، إنه يريد أن يجلس، وإذا بالأذى بجانبه فتسببت في طرده من هذا الموقع، لأنه لا يقدر على الجلوس والأذى بجانبه، الظل ليس لك لوحدك يا أخي! بل هو حق لكل مسلم يستظل فيه، والطريق إذا مشى فيها ماشٍ وهو آمن وإذا برجله تقع في النجاسة، فمن حين يقع فيها وهو يلعن، يقول: لعن الله من وضع هذه، فهذا يستحق: (اتقوا الملاعن الثلاثة ) لماذا؟ لأنها تسبب لصاحبها اللعن، كما أن الشخص الذي يتخلى في الطريق العامة والظل يعتبر ساقط المروءة، يؤذي المسلمين، ويستوجب سخطهم، وتتوجه إليه لعائنهم، فقد روى البيهقي في السنن يقول: (من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم)، والعياذ بالله!
نظافة بيوت العبادة والوسائل التي تؤدى بها
وقد بال أعرابي في المسجد، وكان له كل المبررات في أن يفعل ذلك؛ لأن المساجد جديدة في حياة المسلمين، فقبل الإسلام ما كان هناك مساجد، أما الآن فالحمد لله المساجد نعيشها ونعيش حبها وعظمتها وكرمها في قلوبنا من الصغر؛ لأننا معها من يوم خلقنا، لكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بني المسجد فجاء الأعرابي من الصحراء لا يدري ما هذا المكان، ولا يعرف ما هذا الموقع، فجلس في طرفه وبال كأنه في طرف بيته، فغضب الصحابة غضباً شديداً، وقاموا إليه ليضربوه وليقتلوه، ولكن النبي صلوات الله وسلامه عليه قال: دعوه لا تزرموه، لماذا؟ قالوا: الحكمة تستدعي أن يكمل؛ لأنه لو قام وهو يبول، فسيرش به المسجد كله، وبدل ما كان البول في جزء سيكون في جميع المسجد، أليس من الحكمة أن يكمل في مكانه؟ اللهم صلِّ وسلم على رسول الله.
ثانياً: سيؤدي احتباسه بالبول إلى أن يمرض، فإن الإنسان إذا أخرج البول ثم أمر بقبضه أصبح عنده التهابات، إذ أن هذا الماء المستعد للخروج يتلوث ثم تقبضه فيرجع إلى المثانة ويعمل إجراءات صعبة في المثانة فيحدث بذلك مرض للإنسان.
ثالثاً: يؤدي إلى أنه يكره الإسلام، فيمكن أنه جاء لكي يسلم، لكن من أجل هذا البول يخرج، فلا يرجع أبداً فيدخل النار، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: دعوه، فلما أكمل دعاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال للصحابة: (صبوا على بول الأعرابي ذنوباً من ماء) لأن الأرض كانت ترابية، والماء يصب على ظهرها فيمتص النجاسة وتذهب النجاسة إلى باطن الأرض، ليس هناك وسيلة أعظم من هذه الوسيلة، ثم دعاه وقال: (إن المساجد لا ينبغي أن تكون لشيءٍ من هذا، فقال الرجل بعد أن رأى كرم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لي ولمحمدٍ ولا تغفر لأحد معنا) يقول: هؤلاء الذين كانوا يريدون أن يضربوني لا تغفر لأحد منهم فقال عليه الصلاة والسلام وقد تبسم: (لقد حجرت واسعاً) أي: ضيقت واسعا، فمغفرة الله واسعة ورحمته عظيمة. فهذا من اهتمام الإسلام بالنظافة.
أيضاً: اهتم الإسلام بنظافة المسكن بتركيزه على نظافة المياه وحماية مصادرها من التلوث، وتنقيتها من الشوائب؛ لأن فساد الماء وتلوثه يسبب الأمراض الكثيرة والأوبئة الخطيرة، فمن وسائل الوقاية النهي عن البول في الماء الراكد، فممنوع أن تبول في الماء الراكد، فقد روى مسلم : (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه) لأن هذه الفضلات ملوثة، وإذا وضعتها في الماء الراكد انتشرت فيه ثم إذا اغتسلت لوثت نفسك، والعلماء يقولون: ليس معنى هذا جواز البول في الماء الجاري، فإن الماء الجاري أيضاً لا يجوز أن تبول فيه؛ لأنك أيضاً تلوثه ولو كان جارياً، لكن الرسول بينَّ أن الماء الراكد إذا بال فيه الإنسان لا يجوز فيه الغسل؛ لأنه يصير نجساً، أما الماء الدائم الجاري فإنه لو بال فيه أحد لا ينجس ولكن قد يتلوث، ولذا لا ينبغي لك أن تبول في الماء، فإذا أردت أن تبول فبل في المكان البعيد، ثم خذ معك من الماء فاستنج وتطهر، ثم توضأ في الماء الجاري.
ومن أبرز الأمراض التي تنتشر من المياه الملوثة البلهارسيا وحمى التيفود.
القضاء على الحيوانات الضارة من وسائل الوقاية
وأيضاً روى البخاري عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: (كان بي أذىً من رأسي، فحملت إلى رسول الله وأنا محرم والقمل يتناثر على وجهي، فقال: ما كنت أرى الجهد قد بلغ بك ما أرى) وأمره أن يحلق رأسه رغم أن حلق الشعر للمحرم لا يجوز، لكن للضرورة فقال: (احلق رأسك) وأمره أن يطعم ستة فقراء، أو يذبح شاة، أو يصوم ثلاثة أيام؛ وهي كفارة لما يرتكبه الإنسان من محظورات الإحرام والتي منها حلق الشعر .
وقد نهى الإسلام عن اقتناء الكلب إلا لضرورة، والضرورة محددة لحرثٍ أو صيد أو ماشية، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث في صحيح البخاري : (من اقتنى كلباً فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراط، قيل: وما القيراط؟ قال: مثل جبل أحد ، إلا كلب حرث أو ماشية) وفي رواية للنسائي وابن ماجة : (أو صيد) وقد ثبت طبياً أن الكلاب تنقل الدودة الشريطية، وأنها لا تموت إلا بمادة كيماوية لا توجد إلا في التراب، يقول عليه الصلاة والس
ندب الشرع إلى الوقاية بالحجر الصحي، وهو الذي يسميه الأطباء اليوم: (الكرنتينا) أو الحجر الصحي، فقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (كان في وفد ثقيف رجلٌ مجذوم قدم ليبايع النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليه صلى الله عليه وسلم أن ارجع فقد بايعناك) لماذا؟ للحجر، حتى لا يأتي فتنتقل عدواه إلى بقية الناس، وثبت في صحيح البخاري عنه صلى الله عليه وسلم قوله: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)، وفي الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام: (لا يوردن ممرض على مصح) من أجل ألا تنتقل العدوى إلى الصحيح، وهذا هو أساس الحجر الصحي، وأيضاً ورد في الصحيحين حديث عن الطاعون قال فيه عليه الصلاة والسلام: (إذا سمعتم بالطاعون بأرضٍ فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا منها).
وكان العلماء قبل مسألة الحجر الصحي يقولون: كيف -إذا دخل الطاعون- نبقى ولا نخرج، نعرض أنفسنا للموت ونبقى فيها! لكن لما جاء الطب بمسألة الحجر وجدوا أن الحديث فيه معاني الحجر الصحي، إذ أنه إذا دخل الطاعون في أرض وأنت فيها فلا تخرج منها؛ حتى لا يؤدي خروجك منها إلى نقل الوباء إلى الآخرين، فابق فيها واصبر على قضاء الله وقدره، وإذا حلَّ الطاعون في أرض وأنت خارجها فلا تدخل إليها.
وتحدثنا كتب المغازي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وصل إلى ( عمواس ) وهي أرض في الشام ، وجد الطاعون قد تفشى بها فلم يدخلها، فقال له أبو عبيدة رضي الله عنه: [أفراراً من قدر الله يا أمير المؤمنين؟! قال: يا
هذا الإجراء هو ما يعرف اليوم بالحجر الصحي، أي: عزل الأماكن والناس عند تفشي الأمراض الوبائية كالطاعون والكوليرا، والجدري، وذلك لمحاصرة المرض والتغلب عليه، والحيلولة دون انتشاره، هذا أول عامل من عوامل الوقاية بالحجر.
العامل الثاني من عوامل الوقاية: النظافة؛ فإن النظافة من أهم العوامل الصحية التي تحول بين الإنسان وبين الوقوع في الأمراض، ولقد عني الإسلام بأمر النظافة عناية فائقة، ووجه الأنظار إليها، واعتبرها من صميم رسالة الإسلام، فأوجب نظافة البدن والثياب والأمكنة والطرق والبيوت، ونظافة كل شيء، حتى جعل النظافة جزءاً من الإيمان.
ففي نظافة البدن شرع الإسلام الوضوء للصلوات الخمس في اليوم والليلة خمس مرات، وليس من الطهارة، بل من الوضاءة، أي: الحسن والجمال، ولذا ترى الذي يتوضأ دائماً عليه إشراقة ونور، بينما الكافر لو اغتسل في اليوم مائة مرة ما عليه وضاءة، ولا فيه نور ولا جمال، لماذا؟ لأن الكفر يغطيه -والعياذ بالله- فالوضوء الذي تمارسه كعبادة يختلف عن النظافة التي تمارسها كعادة، وهذا أمر فوق النظافة، وفيه يتم غسل الأعضاء الخارجية التي غالباً ما تكون عرضة للتلوث وحمل الجراثيم والإفرازات التي لا تنقطع، فقد أخرج البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ).
والوضوء طهارة مادية للأعضاء، وطهارة معنوية للقلب بتكفير الذنوب والخطايا ومحو السيئات، روى الإمام مسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط).
وفوائد الوضوء الصحية كثيرة منها: الحيلولة دون إصابة الجلد بالالتهابات وسرطان الجلد، وقد أجريت دراسات وبحوث بين مجموعة من المسلمين الذي يتوضئون في اليوم خمس مرات، وبين مجموعة من غير المسلمين الذين لا يتوضئون، ووجد أن نسبة إصابة المسلمين بسرطان الجلد والالتهابات اليدوية الجلدية نادرة بل ومعدومة، وأنها كثيرة جداً في الكفار الذين لا يتوضئون، فهذا من إعجاز النبي صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً يحول دون إصابة أصابع القدمين بالفطريات، وغسل الوجه يمنع حب الشباب وخشونة البشرة، وقد اهتم الإسلام أيضاً ضمن الوضوء بنظافة الفم وتطهيره، وتجلية الأسنان وتنقيتها عن طريق المضمضة واستعمال السواك عند الوضوء والصلاة وقراءة القرآن، وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم ضرورة استعماله لما له من الفوائد المادية والمعنوية، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام أحمد في المسند : (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) وفي الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) وفي رواية: (عند كل وضوء).
والسواك أفضل من غيره من وسائل التطهير، فوسائل التطهير الأخرى -وهي الفرشاة والمعجون- طيبة ولكن السواك أفضل منها؛ لأنه يشد اللثة ويقويها، وفيه مادة حارقة تذيب العوالق الكلسية التي تترسب على الأسنان، وإذا جمعت بين السواك والفرشاه كان حسناً.
ومن اهتمام الإسلام بنظافة الجسم ما شرعه لأتباعه من سنن الفطرة، وهذه غير موجودة في أي أرض إلا عند المسلمين، ففي الصحيحين : (خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد -يعني: حلق العانة- وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط)، وهذه فضلات، فمن أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الأشياء لولا أنه رسول من عند الله، وقد وصل الطب في زماننا إلى نظافة متناهية لكنهم يتركون هذه الأشياء فيقعون عن طريقها في أمراض كثيرة.
وإليك تفصيل سنن الفطرة الخمس:
الختان: وهو إزالة القطعة اللحمية الموجودة على رأس قضيب الرجل؛ لما يترتب على بقائها من وجود أقذار وأوساخ تأتي عن طريق خروج البول، فحرص الإسلام على إزالتها؛ ليكون العضو قابلاً للتطهير والتنظيف بسهولة، لكن بوجودها تبقى الفضلات، ولذا فأكثر الأمراض الجنسية في العالم موجودة في الأعضاء التناسلية في الرجل والمرأة بأسبابٍ منها وجود هذه القلفة وعدم الختان، أما المسلم فإنه بالختان يجنب نفسه جميع هذه الأمراض، والحمد لله.
الاستحداد: وهو حلق شعر العانة؛ لأن وجود الشعر في تلك المنطقة وقربها من النجاسات، يؤدي إلى نمو بعض الحشرات، ووجود بعض الحبيبات، فلو لم يحلق لترتب على وجود ذلك مفاسد وأضرار صحية.
نتف الإبط: فالإبط منطقة مغلقة دائماً عن طريق إرخاء العضد على الجنب، ويترتب على وجود الشعر في هذه المنطقة صعود روائح كريهة، ثم يصير عفناً، ويترتب على العفن نمو ميكروبات وفطريات وأمراض، فجاء الإسلام وأمر بنتف الإبط.
وأيضاً تقليم الأظافر، فالله أوجد الأظافر لحماية الأصابع، إذ لو لم يكن معك ظفر لما عرفت كيف تعيش بإصبعك، فالظفر له أهمية كبيرة في حماية الإصبع، وفي نفس الوقت تجديد قوتها، وأيضاً الاستعانة على لقط الأشياء به، ولكن إذا طال تجمعت الجراثيم والميكروبات تحته، ثم إذا جئت تأكل انتقلت الميكروبات إلى فمك، وبالتالي إلى جسمك وترتب على هذا مرض، فجاء الإسلام وجعل من الفطرة تقليم الأظافر.
ولكنا نرى أن الناس اليوم يصادمون الفطرة، ويغالبون سنن الله، فتجد بعض النساء إذا رأيتها كأنها قطة -والعياذ بالله- تطيل أظافرها ثم تصبغها بالمادة الحمراء كأنها قطة كانت تخمش لحماً، فتتقزز نفسك من منظرها، ثم أيضاً تضع على شفتيها حمرة حمراء كأنها كانت تلعق الدم، فإذا نظرت إليها قلت: ما هذه القطة التي تخمش بأصابعها وتلعق بفمها؟! هي تبحث عن الجمال والحقيقة أنه قبح؛ لأن الجمال شيء آخر غير هذا، فإطالة الأظافر مخالفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً: قص الشارب بحيث يبقى على الإطار؛ لأن إطالة الشارب يؤدي إلى أنك إذا شربت لبناً أو ماءً أو غيره تلوث هذا المشروب بانغماس الشارب فيه؛ لأن شعر الشارب قد يكون محملاً بالجراثيم والميكروبات العالقة في الأجواء أو النازلة من أنفك؛ لأنك عندما تمتخط أو تستنثر تخرج هذه الميكروبات وقد يعلق شيء منها في شاربك، وإذا جئت تشرب وقعت في اللبن أو في الماء أو في المرق وشربته بسبب طول شاربك، فقص شاربك وأعف لحيتك كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الناس نكسوا الفطرة، فالنساء قلبن المسألة في أصابعهن، والرجال قلبوا الحكم إلى لحاهم، فحلقوا اللحى وأرخوا الشوارب، ترى شارب الواحد طويلاً تقول: ما هذا؟ قال: شنب، لماذا تطلق الشارب هكذا والرسول يقول: (قصوا الشوارب) .. (أعفوا اللحى) .. (أكرموا اللحى) .. (أرخوا اللحى) .. (جزوا الشوارب) .. (أنهكوا الشوارب) لا بد أن تقصه.
فلا إله إلا الله! بل بعضهم مشغول بفتل شاربه، يريده أن يكبر ويقف عليه الصقر، يا أخي! طول الشارب للقطط، فهل تريد أن تتشبه بها أم تتشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول: قص شاربك وأعف لحيتك؟
كما حرم الإسلام وحذر من إهمال تنظيف اليد والفم من الأطعمة ذات الرائحة النفاذة والزهومة كاللحم والسمك، وكره أن ينام المسلم ورائحة الطعام وزهومة اللحم واللبن لا تزال عالقة في يده أو في فمه، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث رواه البزار : (من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه) فإذا نمت ويداك فيهما رائحة لحم أو رائحة سمك، أو فمك فيه رائحة لبن أو في يديك، ثم أصابك شيء فلا تلومن إلا نفسك، لماذا؟ قال العلماء: لأن هذه الروائح تجلب الحشرات، وتجلب الآفات والقاذورات، فلهذا عليك أن تنظف فمك قبل أن تنام وتنظف يديك بالماء والصابون إن وجد، وكذلك الأسنان حتى تنام وأنت طاهر، فلا تعرض نفسك لشيء من ذلك.
وشرع الإسلام للمسلم غسل البدن كله ونظافته عند الدواعي التي تفرض ذلك، وجعل الغسل أساساً لا بد منه لممارسة العبادات، ولم يدع الغسل خاضعاً لظروف الإنسان، فقد يتكاسل الإنسان عن الاغتسال ما دامت دواعيه لم تقم، لذلك وقَّت للغسل أوقاتاً، فجعل في كل أسبوع يوماً واحداً وهو غسل الجمعة، والحديث في الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) والعلماء يختلفون في كلمة واجب هنا، هل هو الوجوب الفرضي الذي يلزم بتركه الإثم؟ أم أنه وجوب على درجة الاستحباب لأحاديث أخرى؟ والصحيح من أقوال أهل العلم أنه ليس بواجب حتمي ولكنه سنة مؤكدة ومرغب فيه، والدليل ما روى البخاري بعد هذا الحديث؛ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخطب فدخل عثمان بن عفان ، فلما دخل قطع عمر الخطبة وقال: [أفي هذه الساعة يا
أيضاً سن الإسلام الغسل لمن أراد الإحرام، وعند دخول مكة، وعند الوقوف بـعرفة ، وسنه لمن غسل ميتاً، كما فرضه فرضاً عند حدوث الجنابة بالجماع أو بالاحتلام، كما فرضه للتطهر من الحيض أو النفاس، ومما يؤكد حرص الإسلام على النظافة أنه ألزم المسلم بإعادة التطهر بعد الحدث حتى ولو كان الإنسان لا يزال نظيفاً، فمن توضأ ثم انتقض وضوءه بأي ناقضٍ لزمه الوضوء مرة ثانية ولو بعد لحظات، ومن اغتسل ثم وقع منه ما يوجب الغسل، فعليه الغسل مرةً ثانية ولو بعد لحظات، لماذا؟ من اهتمام الإسلام بالنظافة.
أيضاً اهتم الإسلام بنظافة الملبس وحسن المنظر، وكريم الهيئة، وجمال السمت والزي وهو شيء ملاحظ، فقد ألحق الإسلام ذلك بآداب الصلاة فقال عز وجل: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]، ولفظ المسجد يدل على أن الزينة عبادة يقصد بها رضوان الله، إذ لا يستوي من يتزين للمسجد ومن يتزين للملعب أو للمنتزه، أو للمرقص، فرق بين هذا وذاك: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] إذ ينبغي لك إذا أردت أن تقف بين يدي الله أن تأخذ زينتك وثيابك الجميلة ذات الرائحة الطيبة، ثم تأتي لتقف بين يدي الله وأنت جميل الشكل طيب الريح حتى لا تؤذي المسلمين، ولا تؤذي الملائكة، ولكن وللأسف فقد قلبت المسألة عند بعض المسلمين؛ فيأتي ليصلي وهو يلبس (بجامة) النوم، ولكنه لا يستطيع أن يذهب إلى الدوام (ببجامة) النوم، ما هو رأيكم لو ذهب شخص إلى العمل وجلس على الكرسي وهو (بالبجامة) ماذا يقول عنه الناس؟ على الفور يحكمون عليه بالجنون، معقول تأتي تداوم (بالبجامة)؟ أين عقلك تأتي ورأسك عارٍ، أما أن يأتي ويصلي ويقف بين يدي الله ورأسه عارٍ و(بالبجامة) فلا أحد يقول له شيئاً، ما هو بمجنون في هذه الحالة، لكن في الحالة السابقة مجنون، يقول تعالى: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] اجعل لصلاتك ثياباً طاهرةً نظيفة تصلي فيها حتى تقف وكأنك الشامة البيضاء.
أيضاً: كان صلى الله عليه وسلم يلبس أحسن الثياب وأجملها وأنظفها، وكانت له حلة جديدة يتجمل بها ويلبسها في الجمع والأعياد، وعند مقابلة الوفود التي كانت تفد إلى المدينة ، وقد شوهد مرة وهو ينظر صلوات الله وسلامه عليه إلى ركوة ماء يسوي ثيابه وشعر لحيته، وقد اتخذ من صفحة الماء مرآة فقيل له: وأنت تفعل هذا يا رسول الله؟ يعني: تنظر في المرآة فترى فيها نفسك، فقال: (إن الله يحب من عبده إذا خرج للقاء إخوانه أن يكون حسن الهيئة حسن المنظر) ثم قال: (إن الله جميل يحب الجمال) رواه الإمام مسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يحب الطيب ويقول: (حبب إليَّ من دنياكم الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة) وكان يكثر من استعماله صلوات الله وسلامه عليه، وكانت أردانه الشريفة تعبق ريحاً عظيماً بالطيب، وإذا مشى انبعثت رائحته الزكية لتعطر الأجواء، يقول جابر رضي الله عنه: [لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلك من هذا الطريق] يعرفون أنه مشى من أثر رائحته، إذا جاءوا بعده قالوا: مر الرسول صلى الله عليه وسلم من هنا، وكان الصحابة يعرفون قدومه صلوات الله وسلامه عليه بشم رائحة عطره الذي يسبقه من مسافة بعيدة.
ولقد اجتمع فيه صلوات الله وسلامه عليه الرائحة المادية والمعنوية، أما المادية فحبه للعطر، وأما المعنوية فإنه أكرم مخلوق خلقه الله على وجه الأرض، وكان إذا صافح أحداً بيده ظل طوال يومه يجد رائحة الطيب من مصافحة النبي صلى الله عليه وسلم.
استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
كيف تنال محبة الله؟ | 2926 استماع |
اتق المحارم تكن أعبد الناس | 2925 استماع |
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً | 2803 استماع |
أمن وإيمان | 2674 استماع |
حال الناس في القبور | 2674 استماع |
توجيهات للمرأة المسلمة | 2602 استماع |
فرصة الرجوع إلى الله | 2570 استماع |
النهر الجاري | 2474 استماع |
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله | 2465 استماع |
مرحباً شهر الصيام | 2398 استماع |