خطب ومحاضرات
كيف ندعو إلى الله؟
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على نعمه وآلائه التي لا تحصى ولا تعد، له الحمد تبارك وتعالى، وله الفضل والمنة، له الحمد بالإسلام، وله الحمد بالإيمان، وله الحمد بالقرآن، وله الحمد بكل نعمة أنعم بها علينا من قديم أو حديث، أو سر أو علانية، أو حي أو ميت، أو شاهد أو غائب، له الحمد حتى يرضى، وله الحمد إذا رضي.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد:
فضيلة مدير المعهد..
أيها الإخوة الكرام المشرفون على برنامج التوعية في هذه المؤسسة العلمية..
أيها الإخوة الطلاب الذين حرصوا على الحضور في هذا اللقاء المبارك، الذي لم أكن قد تهيأت له بالمادة العلمية التي تليق به، على اعتبار أنه لقاء أخوي فقط، وليست محاضرة أو كلمة، وإن كنت لست من فرسان هذه الميادين، وقد أنفع في مجال ولا أنفع في مثل هذا المجال أمام العلماء، وأمام طلبة العلم المتقدمين في العلم والسن؛ ولكن قِدتُ إليه فنسأل الله أن يعينني وإياكم.
هذه الدنيا أو هذه الحياة -أيها الشباب- ورطة، من خلق فيها فقد ورط، ولا مخرج له من هذه الورطة إلا باللجوء إلى الله، يقول الله عز وجل: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ * وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ [الذاريات:50-51].
الورطة: هي المهلكة والابتلاء والمحنة والفتنة، الله يقول: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الكهف:7] ويقول عز وجل: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك:2] أي: ليختبركم وليوجدكم على مسرح هذه الحياة من أجل الافتتان، ومن أجل الابتلاء والاختبار؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيي عن بينة.
لم يؤخذ لنا رأي في قضية وجودنا في هذه الحياة، هل أخذ رأي أحدنا؟ لا. خلقنا رغم إرادتنا، ولم يؤخذ لنا رأي في قضية انتقالنا من هذه الحياة، ولو أخذ لنا رأي ما كان أحدنا يريد أن يموت؛ لأن الإنسان يكد ويتعب ويحصل ويتوظف ويبني ويتزوج ويصير له أولاد، فإذا صلحت له الدنيا من كل جانب جاء الموت ليشطبها من كل جانب.
لهوت وغرتك الأماني وعندمـا أتمت لك الأفراح فوجئت بالقبر |
فليس لنا رأي في المجيء، وليس لنا رأي في الانتقال، وإنما نحن مطلوب منا أن نعمل في هذه الدنيا عملاً صالحاً، والله عز وجل سيجازينا في الآخرة على ضوء ما نعمل في هذه الحياة، فالذي يريد أن يخلِّص نفسه من الورطة، والذي يريد أن يخلِّص نفسه من هذه الفتنة ومن هذا الابتلاء ليس له مجال ولا طريق إلا باللجوء إلى الله؛ لأنه سيقدم على الله شاء أم أبى، وستكون له المعاملة في الآخرة على ضوء معاملته لله في هذه الدنيا.
إذا كنت في الدنيا كما يريد الله، كان الله لك في الآخرة كما تريد، وإذا كنت في الدنيا بعكس مراد الله، كان الله لك بعكس مرادك في الدار الآخرة، وأنت الآن تكسب وتعمل، وسوف ترحل وتقدم على الله، وتجيء بشيء مثقل إما بالحسنات أو بالسيئات، والله يقول: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النمل:89-90] ويقول في آية أخرى: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا [الأنعام:160].
فأنت الآن تحصد وتعمل، سواء تعمل في طريق الخير أو في طريق الشر، والناس مذ خلقوا ووطئوا هذه الأرض وهم مسافرون، وما من يوم يمر ولا شهر ينتهي ولا سنة تتبدل إلا وأنت تقطع بهذه السنة وبهذا الشهر؛ وبهذا اليوم وبهذه الساعة وبالدقيقة مرحلة من مراحل عمرك إلى الله وإلى الدار الآخرة، وهذه اللحظة أو هذا اليوم أو هذا الشهر فيه عمل.
هل يستطيع الإنسان أن يقف على عجلة الزمن فلا يعمل لا عملاً صالحاً ولا عملاً سيئاً؟ لا. فلا بد من عمل؛ لأنه بين أمر ونهي، وبين طاعة ومعصية، وبين استجابة لله واستجابة للشيطان، فإذا استجاب لله لم يستجب للشيطان، إذا رفض أمر الله استجاب للشيطان، إذا أمره الله بالصلاة وقام إلى الصلاة أطاع الله، وإذا أمره الله بالصلاة ولم يقم قام الشيطان بدعوته إلى النوم وترك الصلاة، فترك الصلاة فأطاع الشيطان، فهو بين أمر الله أو نهيه، وبين أمر الشيطان أو نهيه.
وهو يستجيب إما لهذا وإما لهذا، وتنتقل الساعة والشهر واليوم والسنة، وهو يملأ هذه الخزائن بهذا العمل، ثم يقدم على الله تبارك وتعالى، وهناك يجازى على ضوء ما سبق أن قدم وعلى ضوء ما سلك في هذه الدنيا، هذه قضية ليس فيها جدال بين أهل العقول. لكن لسائل أن يقول: كيف الطريق إلى الله؟ ومن أي السبل نسلك على الله؟ لأن الشيطان يسول للناس أن طريق الهداية والالتزام والتدين والاستقامة طريق شائك وطريق صعب، ولا يمكن أن يسير فيه أحد، وأنه طريق معتم ومظلم، والحقيقة عكس ذلك، الطريق إلى الله من أسهل الطرق، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وإنه ليسير على من يسره الله عليه) اللهم يسره علينا يا رب العالمين! طريق سهل ممهد مضاء واضح، كما سمعتم في خطبة الشيخ سعد كالمحجة البيضاء -المحجة: هي الطريق الواضح- ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، هذا الطريق -طريق الجنة، طريق الإيمان، طريق الهداية، طريق الالتزام- له أربع مسارات، وله أيضاً قبل ذلك ثلاث خطوات:
الخطوة الأولى: تصحيح الماضي بالاستغفار
حتى نربط بين ما قيل وبين ما سيقال، حتى لا يفوت الإخوة الذين جاءوا شيئاً نقول: إن طريق الجنة طريق السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة عبر أربع مسارات، مسارين موجبين للجنة، ومسارين في عكس الاتجاه مانعين من الجنة ومؤديين إلى النار، وقبل السير هناك ثلاث خطوات يجب أن يتخذها الإنسان وهي: أن الإنسان بين ماض ومستقبل وحاضر.. أليس كذلك؟
هل في الزمن شيء غير الماضي والحاضر الذي فيه الإنسان والمستقبل؟ لا يوجد شيء غير هذا.
ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها |
فالماضي: حياتك التي أمضيتها في السابق المملوءة بما ملئت به من خير أو شر، إذا أردت السير في طريق الله عز وجل فينبغي قبل كل شيء أن تصحح الماضي، ومن رحمة الله تبارك وتعالى أن جعل تصحيح الماضي من أيسر السبل ومن أسهل الإمكانات، ولا يكلف الإنسان شيئاً أبداً إلا عملاً لسانياً وعملاً قلبياً:
فالعمل القلبي: وهو العزم على التوبة.
والعمل اللساني: وهو أستغفر الله وأتوب إليه..
هل يعجز الواحد أن يستغفر ويتوب من المعاصي.. من الجرائم.. من الذنوب.. من الزنا.. من الخمور.. من اللواط.. من الغناء.. من الفجور.. من أي عمل قد عملت من الشرك.. من قطع الصلاة، أي مهلكة.. أي جريمة؟
الله يقول: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ [الزمر:53-54] فإذا أناب الإنسان إلى الله، وأسلم لله، ووجه وجهه إلى مولاه، فإن الماضي كله يغفر: فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70].
فهل في الاستغفار وتصحيح الماضي فيه صعوبة؟ لا. لا يوجد أحد يقول: لا والله لا أستطيع أن أستغفر، إلا إذا كان لا يريد أن يستغفر ويظل عاصياً، ويريد أن يبقى عدواً لنفسه.. عدواً لدينه.. عدواً لرسوله.. عدواً لكتابه.. عدواً لمولاه.. هذا هالك خاسر لا خير فيه، لا تحزن عليه واتركه، لا تتصور أنه يعادي الناس أو يعادي القبيلة.. بل إنه يعادي نفسه فيهلكها ويوردها موارد الدمار، يوردها في النار، ثم يقول: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:127-128].. فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ * نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ [لقمان:23-24].. ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر:3].. فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ [الزخرف:83].
الخطوة الثانية: إصلاح المستقبل بالنية الطيبة
هل توجد طريق غير طريق الله؟ هل يستطيع أن يمتنع إذا دعاه داعي الله؟
إذا تخلى عنه الرجال، وتخلت عنه الأموال والأولاد، وتخلت عنه المناصب، من يمنعه من الله؟ من يمنعه من رب العالمين؟ وهناك يقبض الله عليه قبضة لا يفلته إلا في النار، هذا ليس فيه حيلة، فالله يقول: وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:40-41] مهما خوفته لا يخاف؛ لأن الله يقول: وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً [الإسراء:60] مهما رغبته في رحمة الله عز وجل وفتحت له الآيات الساطعات الواضحات، يقول الله: وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا [الأنعام:25] .. وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً [الأعراف:146].
هؤلاء ما عندهم قابلية للسير في طريق الله، لا يريدون أصلاً هداية الله، فهؤلاء يقول الله تبارك وتعالى فيهم: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ [الحجر:88] أي: اتركهم والمرجع إلينا.
لكن شخص يقول: أريد أن أرجع يا رب إليك، وأريد أن أتحول بقلبي وقالبي إليك، فكيف الطريق؟
نقول له: الطريق سهل، الماضي تمحوه بالاستغفار، والمستقبل تصلحه بالنية الطيبة، وهل في أن تنوي النية الطيبة تعب عليك؟ ليس هناك تعب أن تنوي وتعقد العزم في المستقبل أن لا تعمل سيئاً، ولا تترك لله طاعة، هذه النية خير من عملك، بحيث أنك لو مت فكل هذه النية الطيبة الله يكتبها لك.
الخطوة الثالثة: إصلاح الحاضر بفعل الأوامر وترك النواهي
نهى الله عن النظر إلى الحرام فلا تنظر إلى الحرام..
نهى الله عن سماع الغناء والحرام فلا تسمع..
نهى الله عن الغيبة والنميمة فلا تغتب ولا تنم..
نهى الله عن البطش باليد في الحرام فلا تبطش بيدك حراماً..
نهى الله عن أن تسعى بقدمك إلى الحرام فلا تمش.. لماذا؟
أنت مقيد، أنت عبد رباني تسير على نور من الله..
أنت تنظر بالله.. وتسمع بالله.. وتتكلم بالله.. وتبطش بالله.. وتمشي بالله.. لأنك عبد مع الله.. نور الله قلبك.. فتح الله بصيرتك.. ربطك به.. لست عبداً حيوانياً.. لست عبداً شهوانياً.. لست إنساناً شيطانياً.. لست عبد هواك ولا عبد شيطانك.. لا.
أنت إنسان تسير في الأرض ومعلق بالسماء: أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ [آل عمران:162] .. أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الملك:22] ليس هذا كهذا أبداً.
هذه هي المراحل الثلاث التي تصلحها أيها الشاب قبل الهداية: أن تصلح الماضي بالاستغفار، وتصلح المستقبل بالنية الحسنة، وتصلح الحاضر بالعزم على أنك لا تعصي الله فيه، ولا ترتكب معصية ولا تترك لله فيه طاعة.
أول خطوة: تصحيح الماضي:
حتى نربط بين ما قيل وبين ما سيقال، حتى لا يفوت الإخوة الذين جاءوا شيئاً نقول: إن طريق الجنة طريق السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة عبر أربع مسارات، مسارين موجبين للجنة، ومسارين في عكس الاتجاه مانعين من الجنة ومؤديين إلى النار، وقبل السير هناك ثلاث خطوات يجب أن يتخذها الإنسان وهي: أن الإنسان بين ماض ومستقبل وحاضر.. أليس كذلك؟
هل في الزمن شيء غير الماضي والحاضر الذي فيه الإنسان والمستقبل؟ لا يوجد شيء غير هذا.
ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها |
فالماضي: حياتك التي أمضيتها في السابق المملوءة بما ملئت به من خير أو شر، إذا أردت السير في طريق الله عز وجل فينبغي قبل كل شيء أن تصحح الماضي، ومن رحمة الله تبارك وتعالى أن جعل تصحيح الماضي من أيسر السبل ومن أسهل الإمكانات، ولا يكلف الإنسان شيئاً أبداً إلا عملاً لسانياً وعملاً قلبياً:
فالعمل القلبي: وهو العزم على التوبة.
والعمل اللساني: وهو أستغفر الله وأتوب إليه..
هل يعجز الواحد أن يستغفر ويتوب من المعاصي.. من الجرائم.. من الذنوب.. من الزنا.. من الخمور.. من اللواط.. من الغناء.. من الفجور.. من أي عمل قد عملت من الشرك.. من قطع الصلاة، أي مهلكة.. أي جريمة؟
الله يقول: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ [الزمر:53-54] فإذا أناب الإنسان إلى الله، وأسلم لله، ووجه وجهه إلى مولاه، فإن الماضي كله يغفر: فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70].
فهل في الاستغفار وتصحيح الماضي فيه صعوبة؟ لا. لا يوجد أحد يقول: لا والله لا أستطيع أن أستغفر، إلا إذا كان لا يريد أن يستغفر ويظل عاصياً، ويريد أن يبقى عدواً لنفسه.. عدواً لدينه.. عدواً لرسوله.. عدواً لكتابه.. عدواً لمولاه.. هذا هالك خاسر لا خير فيه، لا تحزن عليه واتركه، لا تتصور أنه يعادي الناس أو يعادي القبيلة.. بل إنه يعادي نفسه فيهلكها ويوردها موارد الدمار، يوردها في النار، ثم يقول: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:127-128].. فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ * نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ [لقمان:23-24].. ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر:3].. فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ [الزخرف:83].
هذا الذي يرفض ولا يريد أن يستغفر أو يتوب لا تحزن عليه: إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ [الغاشية:25-26] دعه يلهو.. دعه يلعب.. دعه يغني.. دعه يسهر.. دعه يسكر.. دعه يفجر.. لكن من أين الطريق؟
هل توجد طريق غير طريق الله؟ هل يستطيع أن يمتنع إذا دعاه داعي الله؟
إذا تخلى عنه الرجال، وتخلت عنه الأموال والأولاد، وتخلت عنه المناصب، من يمنعه من الله؟ من يمنعه من رب العالمين؟ وهناك يقبض الله عليه قبضة لا يفلته إلا في النار، هذا ليس فيه حيلة، فالله يقول: وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:40-41] مهما خوفته لا يخاف؛ لأن الله يقول: وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً [الإسراء:60] مهما رغبته في رحمة الله عز وجل وفتحت له الآيات الساطعات الواضحات، يقول الله: وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا [الأنعام:25] .. وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً [الأعراف:146].
هؤلاء ما عندهم قابلية للسير في طريق الله، لا يريدون أصلاً هداية الله، فهؤلاء يقول الله تبارك وتعالى فيهم: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ [الحجر:88] أي: اتركهم والمرجع إلينا.
لكن شخص يقول: أريد أن أرجع يا رب إليك، وأريد أن أتحول بقلبي وقالبي إليك، فكيف الطريق؟
نقول له: الطريق سهل، الماضي تمحوه بالاستغفار، والمستقبل تصلحه بالنية الطيبة، وهل في أن تنوي النية الطيبة تعب عليك؟ ليس هناك تعب أن تنوي وتعقد العزم في المستقبل أن لا تعمل سيئاً، ولا تترك لله طاعة، هذه النية خير من عملك، بحيث أنك لو مت فكل هذه النية الطيبة الله يكتبها لك.
وماذا بقي معك بعد الماضي والمستقبل؟ بقي الحاضر الذي نعنيه الآن، ما من لحظة تمر عليك الآن إلا ولله عز وجل أمر ونهي عليك، اجتهد أن تنفذ الأمر وتترك النهي فقط، إذا أمر الله بالصلاة تصلي، إذا أمر الله بالصوم تصوم، إذا أمر الله بالحج تحج، إذا كنت صاحب مال وأمر الله بزكاته فزك، ثم ماذا بعد؟
نهى الله عن النظر إلى الحرام فلا تنظر إلى الحرام..
نهى الله عن سماع الغناء والحرام فلا تسمع..
نهى الله عن الغيبة والنميمة فلا تغتب ولا تنم..
نهى الله عن البطش باليد في الحرام فلا تبطش بيدك حراماً..
نهى الله عن أن تسعى بقدمك إلى الحرام فلا تمش.. لماذا؟
أنت مقيد، أنت عبد رباني تسير على نور من الله..
أنت تنظر بالله.. وتسمع بالله.. وتتكلم بالله.. وتبطش بالله.. وتمشي بالله.. لأنك عبد مع الله.. نور الله قلبك.. فتح الله بصيرتك.. ربطك به.. لست عبداً حيوانياً.. لست عبداً شهوانياً.. لست إنساناً شيطانياً.. لست عبد هواك ولا عبد شيطانك.. لا.
أنت إنسان تسير في الأرض ومعلق بالسماء: أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ [آل عمران:162] .. أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الملك:22] ليس هذا كهذا أبداً.
هذه هي المراحل الثلاث التي تصلحها أيها الشاب قبل الهداية: أن تصلح الماضي بالاستغفار، وتصلح المستقبل بالنية الحسنة، وتصلح الحاضر بالعزم على أنك لا تعصي الله فيه، ولا ترتكب معصية ولا تترك لله فيه طاعة.
استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
اتق المحارم تكن أعبد الناس | 2930 استماع |
كيف تنال محبة الله؟ | 2929 استماع |
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً | 2805 استماع |
أمن وإيمان | 2678 استماع |
حال الناس في القبور | 2676 استماع |
توجيهات للمرأة المسلمة | 2605 استماع |
فرصة الرجوع إلى الله | 2572 استماع |
النهر الجاري | 2478 استماع |
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله | 2468 استماع |
مرحباً شهر الصيام | 2403 استماع |