معوقات الهداية [2.1]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونشكره ولا نكفره، ونخلع ونترك من يفْجُره.

اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفِد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجِدَّ بالكفار مُلْحِق.

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه، صلوات ربي عليه صلاة دائمة متتابعة ما تتابع الليل والنهار، وسلَّم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها الإخوة في الله: الإيمان ولزوم طريق الإيمان نعمة يمن الله بها على من يشاء من عباده، ونور يقذفه الله عز وجل في قلب من يشاء من عباده، نعمةٌ لا ككل النعم، ونور يختلف عن جميع الأنوار، يقول الله عز وجل في وصـف هذه النعمـة: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة:3] أي: ديني.

ويقول للرسول صلى الله عليه وسلم: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً [الفتح:1-2].

ويقول عز وجل في سورة يوسف على لسان يعقوب: وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ [يوسف:6] اللهم أتمم علينا نعمة الدين والإيمان والهداية؛ لأن الإنسان بغير دين لا معنى له، ولا قيمة لوجوده، بل هو سَعفة في مهب الريح، ذرة هائمة من ذرات هذا الكون، حشرة تافهة من حشرات هذا العالم، لكنه بالدين والإيمان والهداية عنصرٌ فريد، إنسانٌ كريم، الله أكرمه، أنزل عليه كتابه، أرسل إليه رسوله، بيَّن له الطريق، أعدَّ له الجنة، كرامات إثر كرامات، متى تستحقها؟ إذا سرت في الطريق، إذا رُزِقت نعمة الهداية.

نعمة الهداية نعمة تفسِّر لك هذه الحياة، وتقدِّم لك التفسير الحقيقي لِلُغْزِها، وتدلُّك على الطريق الصحيح الموصل إلى الله عز وجل، وتسكب في قلبك الأمن والطمأنينة والسرور والانشراح، وتطمئنك على المستقبل، وتبيِّن لك أن ما أمامك سيكون خيراً لك مما أنت فيه إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ .. [فصلت:30-31] لما كنتم أولياء لله كانت الملائكة أولياء لكم؛ لأن الملائكة توالي من والى الله، وتعادي من عادى الله: نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ ... [فصلت:31] منذ كنتم في الحياة الدنيا وفي الآخرة نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:31-32].

نعمة الهداية نعمةٌ ثمرتها الجنة، والحديث عن الجنة تُشرق له النفوس، دون أن تعلم حقيقة الحديث، فإن كل ما خطر في بالك فالجنة بخلاف ذلك، كل ما تتصور، اذهب بخيالك واسرح ببالك في آفاق الخيال، وتصور كل ما يمكن أن يهديك إليه بالك وخيالك، ولكن أغلى الأماني عندك وأعظم الخيالات لديك تقف دون أن تصل إلى حقيقة ما في الجنة، يقول الله عز وجل: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17]..يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ [الواقعة:17-22] جاء الوصف مترتباً بعضه على بعض إلى أن جاء كمال النعمة بزوجات الجنة، غذاء، وطعام، وشراب، وفاكهة، وبعد ذلك لحوم، وبعد ذلك لا بد من شيء بعد هذا، حتى يتم السرور كله، قال الله: وَحُورٌ عِينٌ [الواقعة:22] كيف هُنَّ يا ربِّ؟ قال: كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ [الواقعة:23] الحورية كاللؤلؤة المكنونة جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً * إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً [الواقعة:24-26]. نسأل الله وإياكم من فضله.

يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف:71] وفوق هذا كله طمأنينة، لا خروج وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف:71].

هذه نعمة الجنة، ثمرة من ثمار الهداية والإيمان والدين.

وثمرة أخرى، لا تقل عن هذه أهمية، هي: النجاة من النار، والله لو ما في الهداية إلا النجاة من النار لكانت السلامة كرامة، لو أمرك الله أن تخر ساجداً منذ خلقك إلى أن تموت من أجل أن تنجو من النار، وبعد ذلك يصيرك الله تراباً، لكان من حقك ألا تعصي الله طرفة عين؛ من أجل أن تنجو، أو لو أن الله أمرك منذ خلقك إلى أن تموت أن تخر له ساجداً من أجل أن تدخل الجنة وإذا عصيت يصيرك تراباً؛ لكان من حقك أن تطيع الله، فكيف إذا أطعته أدخلك الجنة ونجاك من النار؟! هل بقي لك مسوغ عقلي أن تعصي الله من أجل شهوة طاغية، ومن أجل لذة زائلة، ومن أجل شُبهة مضللة؟! لا والله.

كذلك النار، كلما يمكن أن تتصوره من العذاب مهما سرحت في الخيال، وتصورت في البال فإن ما أعد الله لأهل النار في العذاب لا يخطر على بال، يقول الله عز وجل: وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47] بدا لهم من العذاب ومن النكال والدمار ما لم يكن يخطر لهم على بال وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً [مريم:71-72].

يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [العنكبوت:55].

لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ [الزمر:16].

إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ.. [القمر:47-48] على وجهه، أغلى ما في المرء وجهه، تود أن تُسحب على كل شيء إلا على وجهك أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ [الزمر:24]، لكن: وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47]..يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:48-49].

إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ.. [غافر:71] أغلال، الغل هو: القيد الواسع، الذي يوضع في الرقبة، ثم إن الغل مربوط بسلسلة (..وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ [غافر:71-72].

إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ [الدخان:43-46] إذا بلعه فلا ينـزل من حلقه إلا بتعب، زقومٌ، ينشف لا يطلع ولا ينـزل، ثم إذا نزل فإنه ينـزل بدافع الماء الحميم، يشرب الماء فينزله، فإذا نزل اشتعل في بطنه، نفس الطعام إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ [الدخان:43-44] وما هو نوعه؟ قال: كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ [الدخان:45] يشتعل في بطنه، لا إله إلا الله! كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ [الدخان:47] أي: إلى وسط النار ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ [الدخان:48] لماذا؟ قال: ذُقْ.. [الدخان:49] ذُقْ يا شخصية! ذُقْ يا عظيم! ذُقْ يا ثري! ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان:49] كنتَ عزيزاً في الدنيا وكريماً في الدنيا؛ لكن ما كنتَ عزيزاً على الله، ما كنتَ كريماً لدى الله، عزيزاً في الدنيا، في المادة والدرهم والمنصب والجاه والسلطة، ولكن لا وزن لك عند الله، لا قيمة لك عند الله عز وجل ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان:49] هذا عذاب ذكره الله، وذكر غيره كثيراً في القرآن.

فيا إخواني! من يصبر على هذا العذاب؟! الذي لديه إمكانية يرفع إصبعه ويقوم، وما نذهب به إلى نار مثل هذه النار، نُشعل في يده عود الثقاب فقط -عود كبريت- ونقول له: يا بطل الأبطال! ويا متحدي النيران! أشعل هذا الثقاب واصبر عليه حتى يصل إلى إصبعك، وكن شجاعاً، اصبر لنرى كم تتحمل من نار هذا الثقاب! مهما كانت شجاعتُه، ومهما كانت بطولته، والله لا يستطيع أن يصبر على نار عود الثقاب، ولهذا يقول الله: فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ [البقرة:175] ما أصبرهم على عذاب الله، وقد كان بإمكانهم ألا يطئوا النار وألا يدخلوها، من يصبر على هذا العذاب؟! ومن يصبر أن يفوته النعيم الذي ذكره الله في الجنة؟!

إخواني! ما هذه الغفلة، وإلى البِلى المصيرْ؟!

وما هذا التواني والعمر قصيرْ؟!

وإلى متى هذا التمادي في البطالة والتقصيرْ؟!

وما هذا الكسل في الطاعة، وقد أنذركم النذيرْ؟!

وإلى متى تُماطلون، وتعِدُون، وتكذبون، والناقد بصيرْ؟!

انتبهوا -رحمكم الله- فالأمر والله شديد، وبادروا بقية العمر، فالندم بعد الموت لا يفيد!

وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19].

أين أحبابكم الذين سلفوا؟!

أين أترابكم الذين رحلوا وانصرفوا؟!

أين أرباب الأموال والمناصب وما خلَّفوا؟!

ندموا على التفريط، يا ليتهم عرفوا!

حول مقام يشيب من هوله الوليدْ !

وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19].

واعجباً لك -يا أخي!- كلما دُعيت إلى الله توانَيتْ!

وكلما حرَّكتك المواعظ إلى الخيرات أبَيتَ وماطلتَ وتمادَيتْ!

وكلما حذَّرك الموت ما انتهيتْ!

يا من جسده حي وقلبه مَيْتْ!

ستُعايِن والله عند الحسرات ما لا تريدْ!

وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19].

كم أزعج المنون نفوساً من ديارها؟! فَيَبْنِي الإنسانُ العمارة، والفيلة، وغرف النوم الواسعة، والدواوين، والصوالين العريضة، والسيارات الفارهة، فيأتي الموت يُخرجه منكوس الرأس، يُخرجه من القصر إلى القبر، ومن النور إلى الظلام، ومن الأنس إلى الوحشة، ومن الأهل إلى الوحدة.

كم أزعج المنون نفوساً من ديارها؟!

وكم أباد البِلى من أجساد منعَّمة ولَمْ يُدارِها؟!

وكم نقل إلى القبر أرواحاً بأوزاها؟!

أما علمت أن الموت لك بالمرصادْ؟!

أما صاد غيرك ولك سيصطادْ؟!

أما بلغك ما فعل بسائر العبادْ؟!

أما سمعتَ قول الملك المجيدْ: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19]؟

إخواني! أين مَن بنى وشاد وطوَّلْ؟!

أين مَن تأمَّر على العباد وساد في الأوَّلْ؟!

أين مَن ظن أنه لا يتحوَّلْ؟!

لم يدفع عنه المال ولا العبيدْ؟!

وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19].

كأنك -يا أخي!- بالموت وقد اختطفكْ!

فيهرب منك الأخ وينسى إخاءكْ!

ويُعرض عنك الصديق ويرفض ولاءكْ!

وتذهل عن أولادك وعن نسائكْ!

ويرجعون يقتسمون مالك ومتاعكْ!

وأنت في اللحد فريد وحيدْ!

وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19].

والله لقد رُميت القلوب بالقسوة والغفلة، فلا تنتفع بوعظ ولا تخاف من تهديدْ!

فإلى الله نشكي قسوة قلوبنا ونفوسنا الظالمة، إنه يفعل ما يريدْ، ونسأله العفو والعافية. فإنه نعم المولى ونحن بئس العبيدْ.

إخواني في الله: لا مجال لنا في المماطلة، ولا مصلحة لنا من تأخير التوبة، إن الخيار الصحيح والبديل الأمثل أن نستجيب لله من أول لحظة، ثم نلزم الطريق ولا ننتكس، فإن العبرة بالخواتيم، لو صمتَ إلى قبل الغروب بلحظة ثم أفطرتَ بطل صيامُك، ولو صليتَ العشاء إلى قبل السلام بلحظة ثم انتقض وضوءُك بطلت صلاتُك، لا تنتفع بشيء إلا مع حُسن الخاتمة، فلا تطل عليك المدة، وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16].

سر في طريق الإيمان والزمه، وعض عليه، واثبت عليه، ولو خالفك العالم كله، إذا عرفت فالزم؛ لكن متى يرجع الإنسان وينتكس؟ إذا لم يعرف، وهو ما سنتكلم عنه في سؤال نجيب عنه إن شاء الله في الأسئلة.

أما الهداية، والموانع والمعوقات التي تمنع الناس منها، فهي كثيرة جداً، طريقٌ لاحِدٌ طويل، وعقبةٌ شاقةٌ كَئود، جنة عالية، سلعة غالية.

تهون علينا في المعالي نفوسنا      ومن يخطب الحسناء لَمْ يغلها مهرُ

الجنة سلعة الله الغالية، في طريقها عقبات، ودونها موانع، ومن بينك وبينها معوقات، إذا استطعت أن تزيح هذه الموانع، وأن تقتحم هذه المعوقات وصلت إلى الهداية، وإن قصُرت بك الهمة، وضعُفت بك النفس، ووقفتَ أمام هذه المعوقات موقف العاجز الضعيف، وتقهقرت إلى الوراء، خسرتَ الدنيا وخسرتَ الآخرة ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الحج:11].

ما هذه المعقوقات؟ وما هذه الموانع؟

هي كثيرة جداً، نذكر منها هذه الليلة ستة موانع:

جليس السوء

المعوق الأول -وهو أخطرها، وأهمها، وأعظمها-: الزميل السيئ، والرفيق الفاسد:-

هذا قاطع طريق بينك وبين الله، كلما أردتَ أن تسلك إلى الله قطع الطريق بينك وبينه، لا يريدك أن تهتدي، لا يريد منك أن تسير إلى الله، يقطع الطريق عليك، يريدها عوجاً والله يريدها سمحة، يريدها ضلالاً والله يريدها هُدى، يريدها معصية والله يريدها طاعة، يريدها ظلاماً والله يريدها نوراً.

الزميل السيئ: قد عرفنا من التجربة ومن الواقع كم سبَّبت زمالة السوء من نكبة لأصحابها، يقول علي رضي الله عنه:

فلا تصحب أخا الفِسقِ           وإياكَ وإياهُ

فكم من فاسق أردى      مطيعاً حين ماشاهُ

يُقاس المرء بالمرءِ           إذا ما المرء ماشاهُ

وللمرء على المرءِ           مقاييس وأشباهُ

وللقلب على القلبِ      دليل حين يلقاهُ

ويقول الآخر:

عن المرء لا تسل وسل عن قرينهِ     فكل قرين بالمقارَن يَقتدي

إذا ما صحبتَ القوم فاصحب خيارهمْ     ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي

ولا تصحب العاصي؛ لأنه يرديك ويُهلكك، ففي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الجليس الصالح، كمثل حامل المسك، إما أن يُحْذِيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة.) أنت رابح مع الزميل الصالح في كل الأحوال، اشتريت، أو أهدى لك، أو وجدتَ ريحاً طيبة (..ومثل الجليس السوء، كنافخ الكير، إما أن يُحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة).

وقصة أبي طالب؛ عم رسول الله صلى الله عليه وسلم في السيرة ثابتة وواضحة، لما حضرتْه الوفاة، وكان ممن يُدافع عن الإسلام وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، دافع عن رسول الله دفاعاً عظيماً، وما استطاعت قريش أن تنال من رسول الله شيئاً يوم كان حياً، يقول في كلامه:

ولقد علمتُ أن دين محمـد     من خير أديان البرية دينا

ثم يقول:

لولا الملامة أو حذار مسبة     لوجدْتَني سمحاً بذاك مبيناً

يقول: أنا أعرف أنه أعظم دين؛ لكن أخاف من اللوم، رأسُه ناشف..متعصب..جاهلي..يخاف من أن يلومه أحد، وما الشيء الذي يلومونك عليه؟! أيلومونك إذا دخلت الجنة وتركت النار؟! هذا مثلما يقول الآن بعض الناس عندما تأتي عنده، وتقول له: حجِّب نساءك، فيقول: يا شيخ! هذه عاداتنا، والله لا أستطيع أن أحجِّب امرأتي على فلان، إذا حجَّبتها فهذا عار عندنا، أعارٌ أن تدخل الجنة؟! العار إذا دخلت جهنم ونُكِّست على وجهك أنت وامرأتك في جهنم، هذا هو العار الصحيح، أما أن تحتجب زوجتك، وتطبق أمر ربك فما هو بعار.

فهذا الرجل الجاهلي، لَمَّا حضَرته الوفاة جاءه الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول في أبياته:

والله لن يصلوا إليك بضربـةٍ     حتى أُوسَّد في التراب دفينا

يقول: إذا متُّ فهو عُذري، أما وأنا حي فوالله لن ينال منك أحدٌ منهم بشيء، وعندما جاءت قريش تفاوضه، وقالوا: نعطيك شاباً من خيرة شبابنا يكون ولداً لك وتعطينا ولدك نقتله، قال: ما أسفه عقولكم! تعطوني ولدكم أغذوه، وأعطيكم ولدي تقتلوه. ثم طردهم، وبصق في وجوههم.

هذا الرجل لَمَّا حضرته الوفاة كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يقول كلمة: لا إله إلا الله، من أجل أن يجد له مبرراً يشفع له به عند الله، من أجل المواقف العظيمة النبيلة التي وقفها في حماية الدين والإسلام، فجاء إليه وقال: (يا عم! قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله) أعطني فقط حُجة أنك قلت لا إله إلا الله؛ حتى أستطيع أن أشفع لك عند الله. فالرجل لان قلبُه لهذه الكلمة، ثم أنه لن يخسر شيئاً، فهو ذاهبٌ ذاهبٌ في تلك اللحظات، لم تبق إلا لحظات ويموت، فلا يصلي، ولا يصوم، ولا يتعب، فقط يقل الكلمة هذه، والبقية على الله عز وجل، فأراد أن يقولها؛ لكن قرناء السوء حالوا بينه وبينها، كان عنده أبو لهب وأبو جهل، وعنده الوليد بن المغيرة ، وعنده العاص بن وائل ، هؤلاء رؤساء الكفر، صناديد قريش واقفون عند رأسه، فلما نظروا إليه وهو يتردد يريد أن يقولها، قالوا: أترغب عن ملة عبد المطلب ؟! فضربوه على الوتر الحساس، على العصبية، فعرفوا أن رأسه ناشف، فذكّروه بـملة أبيه وجـده، قالـوا: أترغب عن ملة عبد المطلب ؟! فقال: بل على ملة عبد المطلب ، ومات عليها، فقال صلى الله عليه وسلم بعد أن مات: (والله لأستغفرن لك، ما لم أُنْهَ عنك) واستغفر له الرسول صلى الله عليه وسلم، ونهاه الله، وقال له: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى [التوبة:113] ولو كان عمّه مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113] وقال فيه: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص:56].

فكان من عذابه أن معه نعلان من نار يغلي منها رأسه مثلما يغلي اللحم في القدر، يرون أهل النار أنه أخفهم عذاباً وهو يرى أنه أشد أهل النار عذاباً.

تصوَّر حذاءً من نار! إذا أردتَ أن تعرف العملية بالضبط، فإذا جاء الغد، وأنت خارج من المسجد في القائلة، فاخرج بدون حذاء، وامش على الأسفلت بدون حذاء، هل تستطيع؟! وفي القائلة؟! ودرجة الحرارة (40) درجة مئوية، لا تستطيع أن تمشي.

لقد رأيتُ رجلاً وأنا في العُمرة، خرج من المسجد الحرام، وقد سُرقت حذاؤه، فأراد أن يقطع الشارع فقط ليشتري حذاءً، فعَبَر الأسفلت، فانسلخت أرجله من حرارة الأسفلت، وهو يبكي من حرارة الشمس، وهي فقط مسافة خمسة أمتار فقط يقطع فيها الشارع إلى المكان الآخر ليشتري حذاءً، فكيف بمن له نعلان من نار يغلي بها دماغه، وهو في ضحضاح من نار، وهو أخف أهل النار عذاباً، بسبب ماذا؟ بسبب الزميل والرفيق السيئ، فالزميل الصالح: يقول: قل لا إله إلا الله، والزميل السيئ يقول: لا. بل على ملة عبد المطلب ، انظروا دور هذا ودور هذا.

وأيضاً: في السنة تفسير الآية الكريمة في القرآن الكريم، قصة عُقبة بن أبي مُعيط -عليه لعائن الله المتتابعة- عُقبة هذا كان رجلاً أريباً وعاقلاً ولبيباً، وكان يحب أن يهتدي ويُسلم، ولكن كان له زميل خبيث، يصرفه عن الهداية، ويحول بينه وبين الإيمان، استغل عُقبة سفر زميله هذا إلى الشام ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واستمع القرآن، وكاد أن يُسلم، ولكنه تأخر، حتى جاء زميله من الشام ، ولَمَّا دخل الزميل السيئ البيت سأل زوجتَه عن زميله، قال: ما صنع رفيقي فلان؟ قالت: صَبَأ -صَبَأ أي: أسلم- قال: صَبَأ؟!، قالت: نعم. فخرج من بيته لِتَوِّه، ما نام، وذهب إلى بيت زميله، وطرق عليه الباب، فلما خرج وحياه قال: علمتُ أنك صَبَأتَ، قال: لا. قال: بل صَبَأتَ، قال: لا. قال: إن كنتَ صادقاً فهيا معي الآن إلى المسجد الحرام، وابصق في وجه محمد -الرسول صلى الله عليه وسلم- قال: أبشِر، فخرج معه إلى المسجد، وجاء والرسول ساجد في الكعبة عند المسجد الحرام، ما كان له أحد يحميه -صلوات الله وسلامه عليه- كان يتعرض لجميع أنواع الأذى، يُصب سلا الجزور على ظهره..يُبصَق في وجهه..يُرجم بالحجارة..يُضرب، ولكنه صابر، ولا يدعو عليهم، وإنما كلما آذوه يقول: (اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون) هذا هو الداعية، هكذا يكون الذي يدعو إلى الله، لكن بعض الناس بمجرد أن تعبس على وجهه قال: الله أكبر عليك أنت لا خير فيك. وذلك بمجرد أن تقول له كلمة واحدة، فلا يحب إلا أن تصفق له وتطبل له، وتقول: جزاك الله خيراً، لكن بمجرد أن يتعرض لأقل ابتلاء فإنه يغضب مباشرة ويسب ويشتم ويشتكي ويعمل الأعمال، ويقول: هؤلاء لا خير فيهم، هؤلاء منافقون، لا يا أخي! أنت داعية، اصبر على ما ينالك، احتسب كل ما يأتيك، لا تشتكِ إلا على الله، اعفُ، اسمح.

فجاء عقبة وزميلُه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من حادثة الطائف عندما قال له مَلَك الجبال: أتريد أن أُطبق عليهم الأخشبين؟ فقال: (لا. إني أرجو الله أن يُخرج من أصلابهم من يعبده) حيث كان نَظَرُ النبي صلى الله عليه وسلم بعيداً، وحُلُمه واسعاً، ونفسه كبيرة، فهي نفس نبي. جاء عقبة وبصق في وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فمسح عن وجهه البُصاق، ودعا له: (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) ولم يقل بعدها أية كلمة، ورجع هذا الشقي عُقبة، وعاش بقية عمره، إلى أن بقيت أيام قليلة، فبعد هذه الحادثة هاجر الرسول، وحدثت معركة بدر الكبرى، وكان مِن ضمن مَن قُتل عقبة بن أبي مُعيط ، قُتل إلى النار، وأدخله الله النار، وأخبر الله عز وجل عنه في النار أنه يعضُّ يديه ندماً؛ لأنه ما اهتدى، قال عز وجل: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ... [الفرقان:27] لم يقل: على يده ولا إصبعه، بل قال: عَلَى يَدَيْهِ [الفرقان:27] يأكل يديه كلها، فأنت إذا دخلت السوق واشتريت لك شماغاً بستين ريالاً، ووجدتها في دكان آخر بثلاثين ريالاً، فما رأيُك؟ وكيف سيكون شعورك؟ ستذهب إلى البيت ولن تتعشى تلك الليلة، يقال لك: تعشَّ، فتقول: لا والله، كيف أشتري الشماغ بستين وغيري اشتراه بثلاثين؟! أين عقلي أنا؟! هل كنتُ مجنوناً؟! لماذا لم أبحث جيداً في الأسواق؟! لماذا لم أبحث في عشرة دكاكين واحداً واحداً. فمن أجل ثلاثين ريالاً لن تتعشى؛ لأنك ضيعت شيئاً من حقك بغير حق؛ لكن يوم القيامة غبنٌ أعظم، سمى الله ذلك بيوم التغابن؛ يُغبن أهل النار بدخول النار ويفرح أهل الجنة بدخول الجنة، ويتمنى أصحاب النار يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا [الأحزاب:66] يقول: ردوني أعمل صالحاً، لكن لن ينفع، قال الله: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى.. [الفرقان:27-28] يدعو على نفسه بالويل والثبور وعظائم الأمور (..يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً [الفرقان:28] وهنا نكَّر اللهُ فلاناً لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً [الفرقان:28-29] وهناك نكر الله فلاناً يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً [الفرقان:28] كل من أضلك عن الله يدخل تحت تعريف فلان، الزميل في المدرسة الذي يضلك فلان، القريب أو ابن العم وابن الخال الذي يضحك عليك عندما يراك مهتدياً وهو ضال فلان والأصل أن تضحك عليه أنت كما كان يقول نوح عليه السلام لقومه: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا.. [هود:38] ماذا؟ (..فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ [هود:38-39] فإذا سخر منك أحد من جماعتك بسبب التزامك فأجب كما أجاب نوح قومه؛ لأن بعض الشباب عندما يلتزم ويهتدي ويتمسك بالدين، فبمجرد هزة بسيطة أو كلمة واحدة تجده ينكمش، ويتمنى أنه لم يهتدِ، لا. بل كن قوياً في دين الله، كن أسداً، إذا أحدٌ ضحك عليك فاضحك أنت عليه.

أحد الشباب أطلق لحيته، وتمسك بالسنة، فجاءه شخص من الحِلِّيْقِين، قد حلق لحيته وصيَّرها صحراء قاحلة لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، من الأذن إلى الأذن ، لا شارب ولا لحية، يحلق لحيته كل يوم، وبعضُهم لا يحلق لحيته بمكينية، لا. بل يذهب ويضع ثلاثين ريالاً على حلق لحيته، وبالخيط أيضاً، وكأنه يقول له: انزعها من عروقها، لا تدعها تنبت، لا أريد هذه اللحية، لا إله إلا الله! ما هذا الحرب وهذا العداء على لحى المسلمين؟! كنتُ في العمرة في رمضان ودخلتُ في أحد صوالين الحلاقة أريد أن أحلق رأسي، وجلستُ وإذا بذلك الشاب المسكين المعذَّب، قد عذَّبه الحلاق، وصنع فيه أفاعيل، فربطه وكتَّفه، ثم جاءه ودبغ وجهه دبغاً، بالصوابين وما إليها، بالأيادي القذرة الملوَّثة، ثم جاء وسلخ لحيته، ثم جاء بالموس وأخذ يقلِّب رأسَه، ويحرِّكه، ويرفعه، ويخفضه، حتى تعبتُ وأنا جالس أنتظره، قلت: يا أخي! ذبحتَ المسكين، دعني أحلق رأسي وأمضي، أنا ليس عندي إلا شعرتين هنا وشعرتين هنا، دعني أذهب، قال: اصبر، هناك سِرَة، امسك سِرَة، أخيراً والله ذهبتُ من عنده، ما عاد لدي طاقة لأن أمسك سِرَة؛ لأني ضقت مما يفعل بهذا المسكين، وذاك المسكين مثل الشاة المربوطة، وبعد ذلك يفتح المحفظة ويعطيه منها ثلاثين ريالاً، فيقول الحلاق: نعيماً. لا أنعم الله عليك، نعيماً على ماذا؟ هذه جحيماً لا نعيماً، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فهذا الشاب المؤمن المهتدي قد أعفى لحيته، فجاءه ذاك وهو حالق للحيته، لا توجد شعرة واحدة في وجهه، قال له -بدل أن يخجل من مخالفة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم- قال: لماذا تربي لحيتك؟! -ينكر عليه تربية اللحية- قال له: وأنت لماذا تحلق لحيتك؟! انظروا إلى الرجل، بطل، لا يعرف اللعب، لم يخف ويرتعد لا! بل قال: وأنت لماذا تحلق لحيتك؟! قال: أنا حر، قال: وأنا هل أنا عبدٌ؟ فإذا كنتَ حراً في حلقها، فأنا حر في إعفائها، قال: الشعر يُحلق في أماكن، ويُترك في أماكن، يقصد: أن الشعر يُحلق في الوجه وفي الأسفل، ويُترك في الرأس، قال: أنا أحب أن يكون وجهي مثل رأسي، وأنت تحب أن يكون وجهك مثل ... شيء آخر.

فيا أخي! لا تضعف أمام من يأتي ليهزأ بك، ويسخر منك، ويضحك عليك، وأنت على الحق، لا تضعف، فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ [هود:38] لا يمكن لك أن تضعف أمام شخص ضال يستهزئ بك؛ لأنك على الحق وهو على الباطل، أنت على النور وهو على الظلام، أنت على الهدى وهو على الضلال، كيف تكون ضعيفاً وأنت القوي؟! أنت العزيز بعزة الله، أنت عبدٌ من عباد الله: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ.. [المنافقون:8] ولمن؟ ..وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [المنافقون:8]..مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ.. [فاطر:10] أين؟ (..فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً.. [فاطر:10]، من أراد العزة فليطلبها بطاعة الله، ثم قال: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10] .. وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ.. [فاطر:10] من معاصٍِ، وشهوات، وأغانٍ، وبنات، وتمشيات، ولعب، وسهرات، وورق، (..وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ.. [فاطر:10] وبعد ذلك؟ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ [فاطر:10] ينكشف، وينفضح، فيأتون يوم القيامة ووجوههم عارية، وأجسادهم عارية، وسوءاتهم مكشوفة، وحساباتهم مفضوحة، ما عندهم شيء فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً [الكهف:105].

فهذا الرجل يقول: يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي [الفرقان:28-29] فكل من أضلك عن الله فهو يدخل تحت كلمة فلان؛ زميلك في المدرسة، أو قريبك، أو شريطك الذي تشتريه، فالشريط يضلك، وكثير من الناس ضلوا على يد شريط، أو كتاب ككتاب جنس أو حب أو عشق أو غرام، أو مجلة رخيصة عارية، فيها البنت الجميلة، والتي نَظَرْتَ إليها وافتتنتَ بها، فهذه تدخل في (فلان) أيضاً: يدخل تحت كلمة فلان: المدرس الفاسد المجرم الخبيث، فهناك مدرسون يضلون عن الله، وهناك مدرسون يحملون لواء الهدم بمعول الأمة، وهناك مدرسون يدعون إلى الشيطان، إذا رأوا شاباً ملتزماً في الفصل الدراسي مَقَتُوه واحتقروه وسخروا منه، وأخذ المدرس يناديه: أنت يا ولد! أنت يا مُطَوِّع! قم، فليقل: نعم. مُطَوِّع والحمد لله، وأنت يا مُعَصِّي، أنا مُطَوِّع وأنت مُعَصِّي، فمن هو الجيد؟! فلا تخجل إذا قال لك: يا مُطَوِّع! فأصل الناس كلهم مَطاوِعَة إما لله وإما للشيطان، فأنت مُطَوِّع للرحمن، وهذا مُطَوِّع لإبليس.

في مدرسة من مدارس الثانوية بمنطقة أبها يوجد طالبٌ ملتزم في السنة الثالثة القسم العلمي، وكان في فصله مدرس يدرسهم مادة من المواد، وعلماً أنه قد انتهى وذهب إلى غير رجعة، هذا المدرس خبيث، وذو ميول إلى دغدغة مشاعر الشباب في المرحلة الثانوية في سن المراهقة؛ لأن طبيعة الشباب أنه يريد مثل هذا الكلام، فكان يتكلم معهم ويأتي لهم بقصص عن الحب وعن العشق، فوقف أحد الطلاب وقال: يا أستاذ! لماذا المَطاوِعَة لا يحبون؟! وكان يعني بالمَطاوِعَة: مجموعة من الشباب في الفصل، وهم أربعة شباب ملتزمون ومهتدون، ولكنهم ليسوا مع الشباب في الفساد والضلال، فقال هذا الطالب: يا أستاذ! لماذا زملاؤنا هؤلاء المَطاوِعَة لا يحبون؟ أي: ليس لهم عشيقات، ولا لهم زميلات؟! فقال المدرس الخبيث: هؤلاء قوم مات في قلوبهم الوجدان، يقول: الوجدان ميت في قلوبهم ولهذا لا يحبون، فضحكوا كلهم، لكن البطل موجود، ثبته الله ووفقه في الدنيا والآخرة، هذا الشاب البطل الآن يحمل شهادة الدكتوراه، ويعمل الآن أستاذاً بكلية الشريعة بـأبها ، ثبت وذهب وجاء بالدكتوراه، وقف هذا البطل وقال: لا يا أستاذ! نحن ما مات في صدورنا الوجدان، عندنا وجدان حي، نحن نحب، ولكننا نحب الله ورسوله والدار الآخرة، يقول: نحن نحب، لكن حبنا يختلف عن حب هؤلاء؛ هؤلاء يحبون كما تحب الحمير، لو سألنا الحمار: ماذا تحب؟ فماذا سيقول لك الحمار؟ وكذلك الكلب والقرد والخنـزير؟ سيقول: إنه يحب الحمارة، هذا أقصى ما عنده، والكلب يحب الكلبة، والقرد يحب القردة، والعاصي الفاجر يحب العاصية الفاجرة.

أما المؤمن فلا، بل يحب الله ورسوله والدار الآخرة، يقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ [البقرة:165] يحبهم ويحبونه، يحبون الله ورسوله والدار الآخرة. فالرجل سكت، وقمعه الله، وبعدما خرج المدرس، قال الطالب لزملائه: أريد منكم مَشْهداً بالكلام هذا، قالوا: أبشر، وهم أيضاً رجال، فوقعوا المشهد، وبعد أيام، وإذا بالبرقية تأتي بإلغائه وطرده وطي قيده، إلى غير رجعة ولله الحمد والمنه.

فالزميل السيئ له تأثير عليك، وهو مانع بينك وبين الله، ولذا احذر كل الحذر من أن تصحب شخصاً فاسداً، ولو لرحلة من المدرسة إلى البيت، لا تصحبه؛ لأن الوقت من المدرسة إلى البيت [5] دقائق، أو [10] دقائق، أو ربع ساعة بالسيارة كثير، ربما يشغِّل لك شريطاً فيفسدك، وكم من أناس قد فسدوا بمثل هذا الفعل، وعليك بصاحب الخير، صاحب الهداية، امشِ معه، حتى ولو لم تمشِ معه إلا لحظة واحدة، فإنك ستكسب معه.

اتصل بي أحد الإخوة الذين تابوا إلى الله من الذنوب، حيث كان مطرباً ومغنياً، فيخبرني بقصة هدايته، فيقول: خرجتُ من عملي في نهاية الدوام، وجئتُ إلى سيارتي وإذا بالإطار خالٍ من الهواء -مُبَنْشِر- ونظرتُ يميناً وشمالاً لأجد لي زميلاً من زملائي الذين أعرفهم وأحبهم ويحبوني، فما لقيتُ أحداً، والناس قد انصرفوا، وما وجدتُ بجوار سيارتي إلا سيارة، لستُ أدري لمن هي، فوقفتُ أنتظر صاحبها، وإذا به أحد الموظفين ولكنه مُطَوِّع؛ وأنا لا أحب هذه الأشكال، فقد كنتُ عازف عود ومغنياً ومطرباً، ولكن لا توجد إلا سيارته، أو أجلس تحت الشمس، فتطفلتُ وقلتُ له: من فضلك توصلني إلى البيت؟ قال: أبشر تفضل، فركبتُ معه وأنا كأنني أركب على شوك، متضايق، ومنكمش، وزَهْقان، من هذا المُطَوِّع، لماذا يوصلني معه؟ أنا لا أستصيغ أن أنظر إليه فكيف أركب معه؟ لكن للضرورة حكمها، فركبتُ معه، وما إن حرك السيارة حتى شغَّل شريطاً، فجاءت المصيبة الثانية، وهذه هي الورطة، ركبنا معه، وإذا به يحدثنا الآن، فلما شغل الشريط ضقتُ وزَهِقْتُ؛ لأن الشيطان كان ينفخه، ويريد أن يضله، قال: فأردتُ أن أبدله بيدي، ولكني استحييت، وقلتُ في نفسي: هذه سيارة الرجل، ويأخذني ويتجمل فيَّ ثم أغلق الشريط! هذا ليس من المروءة، ولا هو من اللباقة، فتحملت وصبرتُ، وقلتُ: كلها (10) دقائق، ويفكنا الله من هذا المُطَوِّع ومن هذا الشريط، وفي الطريق سمعتُ الشريط، وإذا فيه كلام يحتوي على نكتة، فضحَّكني، وكانت نفسي مُقْفَلَة تماماً، أولاً: من الدوام، ثم من الجوع، ثم من بَنْشَرَة السيارة، ومن المُطَوِّع، ومن الشريط، كلها على (24)، لا يوجد مقدار أنملة من راحة، ولكن جاء الشريط بالنكتة هذه، فضحكتُ منها ضحكة فتَحَت صدري كله. ثم أوصلني إلى البيت، وشكرتُه، وفي اليوم التالي تذكرتُ تلك الضحكة فضحكتُ، فرفعتُ السماعة وسألتُ عنه، وكلمتُه في التليفون، وهذه أول مرة أكلم فيها مطوعاً في حياتي، وقلت له: يا أخي! أنا ركبتُ معك بالأمس وسمعتُ شريطاً من عندك، أريد من هذه الأشرطة لهذا الإنسان الذي سمَّعتني. قال: -فوالله- ما اشتريتها بقصد أن أهتدي وألتزم، ولكن؛ لأنني أريد أن أضحك، فما دام أنها تضحِّك فنريد أن نضحك؛ لأن العاصي يجد ظلاماً وضيقاً في قلبه، يريد أن يضحك بأي وسيلة. قال: فأرسل لي بخمسة أشرطة. -جزاه الله خيراً-. قال: فسمعتُ الشريط الأول، والثاني، والثالث، وإذا القضية ليست ضحكاً، بل بكاء، فبكيتُ على نفسي، وعرفتُ أين أنا من حقيقة الأمر، وقررتُ التوبة،وهأنذا الآن داعية إلى الله، حطمتُ العود والكمان، وبدلتهما بالقرآن، وأصبحَ جميع أعضاء الفرقة الموسيقية الآن دعاة إلى الله، نجلس على ذكر الله، ونتهادى الكتاب والشريط الإسلامي، وندعو إلى الله، ونحافظ على الصلوات الخمس.

هذا كله لأسباب ماذا؟ لأسباب الزميل الصالح، ولمدة كم؟ لمدة (10) دقائق، أو ربع ساعة، زميلٌ صالح لمدة ربع ساعة أنقذ الله به حياة هذا الرجل، وربما يكون هناك زميلٌ سيئ يدمر الله به حياة إنسان، وقد حدث، وأقص لكم قصة عكسية لهذه القصة.

هناك شاب أعرفه، عندنا في أبها ، اهتدى والتـزم وتمسك، ومِن أحسن ما يمكن، حتى والله إنه كان لا ينام إلا في المسجد، حتى لا تفوته صلاة الفجر؛ لأن أباه وأمه لا يقومون للصلاة، وهو شاب ثقيل النوم، فتفوت عليه الصلاة، فيقول: إذا جاء النوم، آخذُ مخدة وبطانية وآتي لأنام في المسجد؛ لكي أُقَوَّم لصلاة الفجر. فأدخلُ أنا المسجد والله أوقظه، فأقول: عبد الله! قم، وبمجرد أن يسمعني يقوم فيتوضأ، ويصلي، وبعد الصلاة يذهب لينام في البيت، فمرَّ على هذا الأمر فترة طويلة، وبعد ذلك، يقول: وأنا ذاهبٌ يوماً من المدرسة إلى البيت، كنتُ راكباً مع زميل لي، وشغَّل لي شريط أغاني، ومباشرة مددتُ يدي على المسجلة وأقفلتها، فقال لي: لماذا تقفلها؟ ألا تحب الأغاني؟ قلت: لا. لا أحبها، قال: لماذا؟ قلت: حرام، قال: من قال لك أنها حرام؟ قلت: المشايخ والدعاة يقولون: إنها حرام، قال: مَن هم المشايخ هؤلاء الذين قالوا لك هذا؟ قلت: سعيد بن مسفر ، قال: سعيد بن مسفر ؟! أعوذ بالله، ما وجدتَ إلا هذا يحدثك بهذا؟! هذا المعقَّد الذي يعقِّد على الناس ويشدِّد عليهم، يا رجل! أبداً ليست بحرام، الأغاني ليست لها أية علاقة بالدين، ما دَخْلُ الأغاني بالدين؟ -انظروا إلى الزميل الخبيث- قال: الدين صلاة، وصوم، وحج، نعم، أما الأغاني فهذه فقط تطرب النفس، وتسعدك، وتجعلك تعيش مبسوطاً، قلت: هل هذا صحيح؟! قال: نعم. وفي ذمتي. أفتاه، يقول الله عز وجل أن المُضِلِّين يقولون: اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا.. [العنكبوت:12] ماذا؟ ..وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ.. [العنكبوت: 12] ما كَفَتْه ذنوبُه، إنما يقول: عليَّ، وعلى رقبتي، قال الله: ..وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [العنكبوت:12]. فقال: ليس فيها شيء؟ قال: ليس فيها شيء أبداً، فالصلاة لا مانع من أن تصلي، وجزاك الله خيراً، فهي ركن الإسلام الأعظم، والزكاة ركن، والصوم ركن، والحج ركن؛ لكن الأغاني لا شيء فيها ألبتة، هي كلام يدخل من هنا ويخرج من هنا، فقط تُسمَع لكي ينبسط المستمِع، ويكون مسروراً دائماً، فعندما لا تَسمع الأغاني فإنك ستكون مهموماً دائماً، اسمع، لا شيء فيها. فما زال به حتى أغراه بالأغنية. ونزل عند البيت، ثم دخل يشغِّل الشريط، فشغَّل الشريط الأول، والثاني، والثالث. ودائماً عندما يرجع المضَلَّل فإنه يرجع رجعة لا يستطيع العودة منها إلى أن يصل إلى النار، فالسيارة عندما تصعد الجبل وهي قوية فإنها تصعد إلى آخر الجبل؛ لكن إذا عجزت في وسط الجبل ورجعت فكيف ستكون رجعتها؟ ستنقلب في أي ملف، لماذا؟ لأنها رجعت إلى الوراء. وهذا رجع إلى الوراء، وجاء الشيطان عليه وكَبَسَه وهو يُرَجِّعُه، واستمر به الوضع هكذا. فبعد الأغاني ما عاد يحضر المسجد، ولا يصلي معنا، وأخيراً: ترك الصلاة، ثم كفر بالله.

وأذكر أنني بعد فترة من الفترات عندما افتقدتُه ولم أرَه كان عندما يراني في طريق يلُفُّ إلى طريق أخرى، ويحاول أن يتهرب مني، ويخجل مني، بعد أن كان عندما يراني من بُعد يَبُشُّ لي ويسلم علي. فذهبت إليه في البيت، ودَقَقْتُ عليه الباب، ودعوتُه، وقلت: يا عبد الله! فقال: نعم. قلتُ: تعال، فنـزل علي وهو خجلان، وقال: تفضل يا شيخ! قلت: لا، أريد أن تأتي معي، فأخذتُه وذهبتُ به إلى المنـزل عندي، ووعظتُه وذكرتُه بالله واليوم الآخر، والله حتى بكى وبكيت معه، ولكن خرج من عندي واستمر على وضعه. كل هذا لسبب ربع ساعة من زميل سيئ.

فانتبه يا أخي الشاب! لا تجلس مع زميل السوء، ولا تقرب من رفيق السوء؛ لأنه قاطع للطريق بينك وبين الله، هل تريد أن أحداً يقطع الطريق بينك وبين ربك؟! بينك وبين السعادة؟! بينك وبين الجنة؟! بينك وبين الهداية؟! بينك وبين النور في الدنيا والآخرة؟! إن رفيق السوء هو الذي يقطع الطريق بينك وبين الله عز وجل، فاحذر منه، إذا رأيتَه في طريق فاذهب من طريق آخر. ما رأيُك لو أنك دخلتَ مع رفيق من رفقائك تحبه ويحبُّك، ووجدت أنه مصاب بمرض الإيدز هل ستجلس معه؟! أبداً لن تجلس معه، بل لا بد من أن تجعل شيئاً حاجزاً بينك وبينه؛ لأنه فيه إيْدِز، إذاً: الذي فيه إيْدِز في إيمانه، أو عنده كُولِيرا في عقيدته، أو عنده سِل في أخلاقه، فهل تجلس معه؟ لا. بل هذا أخطر من ذاك؛ لأن الذي فيه إيْدِز وصابك منه إيْدِز فإنك تموت فقط، أما الذي فيه إيْدِز في إيمانه فإنه يوصلك إلى جهنم، وليتك تموت في النار، وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ [إبراهيم:17].

فأول قاطع للطريق ومعوق بينك وبين الله: زميل السوء. كم من شخص يريد الهداية، ويشد نفسه، ويعزم، ومن المسجد يقرر، ويقول: عزمت، ومجرد أن يسمُر، أو يلعب في الغد في الملعب، أو يذهب إلى المدرسة ويلقاه زميله، إذا به ينتكس.

إن أول عائق -كما قلتُ لكم- هو: الزميل السيئ. فعليك أن تحذر -يا أخي الشاب!- من الزميل السيئ، وتستطيع أن تحدد الزميل السيئ والزميل الصالح من خلال السلوك، ومن خلال التعرف عليه من علاقته بالله، فإذا أمرك بمعصية فهو زميل سيئ، وإذا أمرك بطاعة ونهاك عن معصية فهو زميل صالح، فامسك به والزمه، فإنه سيدعوك إلى النجاة في الدنيا والآخرة.

اتباع الهوى

المعوق الثاني من معوقات الهداية: اتباع الهوى لا اتباع الشرع:-

وذلك كما يقول أكثر الناس اليوم، عندما تعرض على أحدهم الدليل من كتاب الله وسنة رسوله، يقول: صدقت، ولكن -يا شيخ- نفسي تقول لي كذا، وهواي يقول لي كذا. فهذا عبد هواه ولم يعبد مولاه، وهذا لا يهديه الله، يقول الله عز وجل: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ.. [الجاثية:23] أي: نفسه، وكيفه، ومزاجه، ..وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ [الجاثية:23] كيف يهديه الله وقد اتخذ إلهه هواه؟ فلما اتخذ إلهه هواه جاءت العقوبة عليه أن الله ختم على سمعه وعلى قلبه، وجعل على بصره غشاوة، فلا يرى الحق، ولا يرى طريق النور، ولا يسمع الحق ولا يفقهه؛ لأنه اتخذ إلهه هواه.

قال الله: فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [الجاثية:23] فيجب عليك أن تخضع لأمر مولاك، ولا تقل: أنا على كيفي، أو على مزاجي، لا. لا كيف لك ولا مزاج ولا نفس، أنت على مراد ربك، أنت على شرع خالقك، أنت على هدي نبيك، وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [الحشر:7]، ولو كان أمر الله عز وجل لا تقبله نفسُك الأمارة بالسوء بسرعة أقصرها، وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى [النازعات:40] فإذا قالت نفسك: اسمع الأغاني، فقل لها: لا. أو قالت نفسك: انظر إلى النساء، فقل: لا. أو قالت نفسك: احلق لحيتك، فقل: لا. أو قالت نفسك: اسحب ثيابك، فقل: لا. أو قالت نفسك: اترك الصلاة، فقل: لا. أو قالت نفسك: عق والديك، فقل: لا. لماذا؟ لأنك تسير وفق شرع ربك وخالقك، هذا هو المؤمن.

أما أن تسمع أمر الله وتصر على المعاصي، فهذا ما لا ينبغي، كأن تعرف أن الغناء حرام، وتقول لمن ينصحك بتركه: والله صدقت، لكن ماذا أفعل؟ لا أستطيع، نفسي والله تحب الغناء، أحب الطرب. فهذا الذي يحب الطرب سوف يندم على الطرب يوم القيامة.

دخلتُ في سوق من الأسواق في أيام العيد أشتري سلعة، وإذا بصاحب الدكان ينظر إلى جهاز التلفزيون وفيه مطرب -مغنٍ-، وهو يعزف بألحان، والرجل فاغرٌ فاه ينظر إليه، فسألتُه: بكم هذا؟ ما سمعَني، قلت: يا هذا، يا أخي تكلم! ماذا وراءك؟ قال: يا شيخ! ما رأيتَ؟ قلت: ماذا هناك؟ قال: المطرب العظيم هذا، أما تعرفه؟ قلت: لا والله لا أعرفه، نسأل الله أن يجعلني لا أعرفه، معرفة هذا وأشكاله خسارة، لا أعرفه، قال: (أوه!) فاتك نصف عمرك، قلت: وأنت فاتك كل عمرك، كيف فاتني نصف عمري؟! قال: هذا المطرب العظيم الذي كذا وكذا. وجعل يشيد به، قلت: وماذا في المطرب؟ ماذا يفعل؟ هل اخترع شيئاً؟ قال: لا. بل مطرب، يجعل الناس يلحنون ويغنون، قلت: حسناً، إذا مات هل ينفعه الطرب عند الله؟ أجاب مباشرة بنفسه، وقال: لا. قلت: إذاً: ماذا يفعل بهذا الطرب؟! قال: والله لا يحبه الله، قلت: الإنسان خُلق في الدنيا لكي يطرب ويغني فيدخل النار؟! إذا لم يكن في هذه الحياة خير ينفعني في الآخرة فما قيمة حياتي؟! يقول الله عز وجل: يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر:23] أي: لم تعد تنفعه الذكرى، فماذا يقول؟! يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24] أين هي حياته؟ أهي هذه التي نحن فيها؟ لا. هذه ليست حياته يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24] أي: للآخرة، التي فيها الحياة الطويلة، قلت: هذا المطرب لن ينفعه شيء من الطرب في الآخرة، قال: نعم. والله لن ينفعه، قلت: وما رأيك في الجماهير الذين يحبونه؟! أيحشرون معه يوم القيامة؟! قال: والله معه، قلت: أوينفعهم هذا؟ قال: لا ينفعهم، قلت: وأنت ما موقفك؟ تبرأْ منه الآن حتى لا تكون معه في الآخرة، أما إذا كان هو يطرب وأنت تشجع، فجمهوره في النار، كما جاء في حديث ابن ماجة عن عمرو بن مرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المغنين يُبعثون يوم القيامة عرايا، لا يستترون بِهَدَبَة، لهم عواء كعواء الكلاب في النار) الصياح الذي كان يصيحه في الدنيا يتحول من صياح إلى شكل آخر، صياح والنار تصلاه، والعذاب يناله في كل جزء من جسمه، يصيح صياحاً يؤذي أهل النار، لا حول ولا قوة إلا بالله.

فانتبه لا تتبع الهوى، واتبع الشرع، فعليك أن تتبع دين الله عز وجل، يقول الله تبارك وتعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ [القصص:50] أي: لا أحد أضل ممن اتبع هواه، أي: لا يهديه الله، ألستَ تريد الهداية؟ ستقول: نعم. سنقول لك: إذاً الهداية في اتباع الشرع، لا تتبع الهوى، لا تقل: أنا على كيفي وعلى هواي وعلى مزاجي ومع نفسي، لا. بل كن على كيف ربك، على هوى ودين شرع ربك، أما هواك فلا فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ... [الأعراف:30]، لماذا؟ قال: ... إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الأعراف:30] عندما اتخذ الشيطان ولياً من دون الله صرفه الله عز وجل عن الهداية، وحقت عليه الضلالة،

المعوق الأول -وهو أخطرها، وأهمها، وأعظمها-: الزميل السيئ، والرفيق الفاسد:-

هذا قاطع طريق بينك وبين الله، كلما أردتَ أن تسلك إلى الله قطع الطريق بينك وبينه، لا يريدك أن تهتدي، لا يريد منك أن تسير إلى الله، يقطع الطريق عليك، يريدها عوجاً والله يريدها سمحة، يريدها ضلالاً والله يريدها هُدى، يريدها معصية والله يريدها طاعة، يريدها ظلاماً والله يريدها نوراً.

الزميل السيئ: قد عرفنا من التجربة ومن الواقع كم سبَّبت زمالة السوء من نكبة لأصحابها، يقول علي رضي الله عنه:

فلا تصحب أخا الفِسقِ           وإياكَ وإياهُ

فكم من فاسق أردى      مطيعاً حين ماشاهُ

يُقاس المرء بالمرءِ           إذا ما المرء ماشاهُ

وللمرء على المرءِ           مقاييس وأشباهُ

وللقلب على القلبِ      دليل حين يلقاهُ

ويقول الآخر:

عن المرء لا تسل وسل عن قرينهِ     فكل قرين بالمقارَن يَقتدي

إذا ما صحبتَ القوم فاصحب خيارهمْ     ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي

ولا تصحب العاصي؛ لأنه يرديك ويُهلكك، ففي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الجليس الصالح، كمثل حامل المسك، إما أن يُحْذِيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة.) أنت رابح مع الزميل الصالح في كل الأحوال، اشتريت، أو أهدى لك، أو وجدتَ ريحاً طيبة (..ومثل الجليس السوء، كنافخ الكير، إما أن يُحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة).

وقصة أبي طالب؛ عم رسول الله صلى الله عليه وسلم في السيرة ثابتة وواضحة، لما حضرتْه الوفاة، وكان ممن يُدافع عن الإسلام وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، دافع عن رسول الله دفاعاً عظيماً، وما استطاعت قريش أن تنال من رسول الله شيئاً يوم كان حياً، يقول في كلامه:

ولقد علمتُ أن دين محمـد     من خير أديان البرية دينا

ثم يقول:

لولا الملامة أو حذار مسبة     لوجدْتَني سمحاً بذاك مبيناً

يقول: أنا أعرف أنه أعظم دين؛ لكن أخاف من اللوم، رأسُه ناشف..متعصب..جاهلي..يخاف من أن يلومه أحد، وما الشيء الذي يلومونك عليه؟! أيلومونك إذا دخلت الجنة وتركت النار؟! هذا مثلما يقول الآن بعض الناس عندما تأتي عنده، وتقول له: حجِّب نساءك، فيقول: يا شيخ! هذه عاداتنا، والله لا أستطيع أن أحجِّب امرأتي على فلان، إذا حجَّبتها فهذا عار عندنا، أعارٌ أن تدخل الجنة؟! العار إذا دخلت جهنم ونُكِّست على وجهك أنت وامرأتك في جهنم، هذا هو العار الصحيح، أما أن تحتجب زوجتك، وتطبق أمر ربك فما هو بعار.

فهذا الرجل الجاهلي، لَمَّا حضَرته الوفاة جاءه الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول في أبياته:

والله لن يصلوا إليك بضربـةٍ     حتى أُوسَّد في التراب دفينا

يقول: إذا متُّ فهو عُذري، أما وأنا حي فوالله لن ينال منك أحدٌ منهم بشيء، وعندما جاءت قريش تفاوضه، وقالوا: نعطيك شاباً من خيرة شبابنا يكون ولداً لك وتعطينا ولدك نقتله، قال: ما أسفه عقولكم! تعطوني ولدكم أغذوه، وأعطيكم ولدي تقتلوه. ثم طردهم، وبصق في وجوههم.

هذا الرجل لَمَّا حضرته الوفاة كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يقول كلمة: لا إله إلا الله، من أجل أن يجد له مبرراً يشفع له به عند الله، من أجل المواقف العظيمة النبيلة التي وقفها في حماية الدين والإسلام، فجاء إليه وقال: (يا عم! قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله) أعطني فقط حُجة أنك قلت لا إله إلا الله؛ حتى أستطيع أن أشفع لك عند الله. فالرجل لان قلبُه لهذه الكلمة، ثم أنه لن يخسر شيئاً، فهو ذاهبٌ ذاهبٌ في تلك اللحظات، لم تبق إلا لحظات ويموت، فلا يصلي، ولا يصوم، ولا يتعب، فقط يقل الكلمة هذه، والبقية على الله عز وجل، فأراد أن يقولها؛ لكن قرناء السوء حالوا بينه وبينها، كان عنده أبو لهب وأبو جهل، وعنده الوليد بن المغيرة ، وعنده العاص بن وائل ، هؤلاء رؤساء الكفر، صناديد قريش واقفون عند رأسه، فلما نظروا إليه وهو يتردد يريد أن يقولها، قالوا: أترغب عن ملة عبد المطلب ؟! فضربوه على الوتر الحساس، على العصبية، فعرفوا أن رأسه ناشف، فذكّروه بـملة أبيه وجـده، قالـوا: أترغب عن ملة عبد المطلب ؟! فقال: بل على ملة عبد المطلب ، ومات عليها، فقال صلى الله عليه وسلم بعد أن مات: (والله لأستغفرن لك، ما لم أُنْهَ عنك) واستغفر له الرسول صلى الله عليه وسلم، ونهاه الله، وقال له: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى [التوبة:113] ولو كان عمّه مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113] وقال فيه: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص:56].

فكان من عذابه أن معه نعلان من نار يغلي منها رأسه مثلما يغلي اللحم في القدر، يرون أهل النار أنه أخفهم عذاباً وهو يرى أنه أشد أهل النار عذاباً.

تصوَّر حذاءً من نار! إذا أردتَ أن تعرف العملية بالضبط، فإذا جاء الغد، وأنت خارج من المسجد في القائلة، فاخرج بدون حذاء، وامش على الأسفلت بدون حذاء، هل تستطيع؟! وفي القائلة؟! ودرجة الحرارة (40) درجة مئوية، لا تستطيع أن تمشي.

لقد رأيتُ رجلاً وأنا في العُمرة، خرج من المسجد الحرام، وقد سُرقت حذاؤه، فأراد أن يقطع الشارع فقط ليشتري حذاءً، فعَبَر الأسفلت، فانسلخت أرجله من حرارة الأسفلت، وهو يبكي من حرارة الشمس، وهي فقط مسافة خمسة أمتار فقط يقطع فيها الشارع إلى المكان الآخر ليشتري حذاءً، فكيف بمن له نعلان من نار يغلي بها دماغه، وهو في ضحضاح من نار، وهو أخف أهل النار عذاباً، بسبب ماذا؟ بسبب الزميل والرفيق السيئ، فالزميل الصالح: يقول: قل لا إله إلا الله، والزميل السيئ يقول: لا. بل على ملة عبد المطلب ، انظروا دور هذا ودور هذا.

وأيضاً: في السنة تفسير الآية الكريمة في القرآن الكريم، قصة عُقبة بن أبي مُعيط -عليه لعائن الله المتتابعة- عُقبة هذا كان رجلاً أريباً وعاقلاً ولبيباً، وكان يحب أن يهتدي ويُسلم، ولكن كان له زميل خبيث، يصرفه عن الهداية، ويحول بينه وبين الإيمان، استغل عُقبة سفر زميله هذا إلى الشام ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واستمع القرآن، وكاد أن يُسلم، ولكنه تأخر، حتى جاء زميله من الشام ، ولَمَّا دخل الزميل السيئ البيت سأل زوجتَه عن زميله، قال: ما صنع رفيقي فلان؟ قالت: صَبَأ -صَبَأ أي: أسلم- قال: صَبَأ؟!، قالت: نعم. فخرج من بيته لِتَوِّه، ما نام، وذهب إلى بيت زميله، وطرق عليه الباب، فلما خرج وحياه قال: علمتُ أنك صَبَأتَ، قال: لا. قال: بل صَبَأتَ، قال: لا. قال: إن كنتَ صادقاً فهيا معي الآن إلى المسجد الحرام، وابصق في وجه محمد -الرسول صلى الله عليه وسلم- قال: أبشِر، فخرج معه إلى المسجد، وجاء والرسول ساجد في الكعبة عند المسجد الحرام، ما كان له أحد يحميه -صلوات الله وسلامه عليه- كان يتعرض لجميع أنواع الأذى، يُصب سلا الجزور على ظهره..يُبصَق في وجهه..يُرجم بالحجارة..يُضرب، ولكنه صابر، ولا يدعو عليهم، وإنما كلما آذوه يقول: (اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون) هذا هو الداعية، هكذا يكون الذي يدعو إلى الله، لكن بعض الناس بمجرد أن تعبس على وجهه قال: الله أكبر عليك أنت لا خير فيك. وذلك بمجرد أن تقول له كلمة واحدة، فلا يحب إلا أن تصفق له وتطبل له، وتقول: جزاك الله خيراً، لكن بمجرد أن يتعرض لأقل ابتلاء فإنه يغضب مباشرة ويسب ويشتم ويشتكي ويعمل الأعمال، ويقول: هؤلاء لا خير فيهم، هؤلاء منافقون، لا يا أخي! أنت داعية، اصبر على ما ينالك، احتسب كل ما يأتيك، لا تشتكِ إلا على الله، اعفُ، اسمح.

فجاء عقبة وزميلُه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من حادثة الطائف عندما قال له مَلَك الجبال: أتريد أن أُطبق عليهم الأخشبين؟ فقال: (لا. إني أرجو الله أن يُخرج من أصلابهم من يعبده) حيث كان نَظَرُ النبي صلى الله عليه وسلم بعيداً، وحُلُمه واسعاً، ونفسه كبيرة، فهي نفس نبي. جاء عقبة وبصق في وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فمسح عن وجهه البُصاق، ودعا له: (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) ولم يقل بعدها أية كلمة، ورجع هذا الشقي عُقبة، وعاش بقية عمره، إلى أن بقيت أيام قليلة، فبعد هذه الحادثة هاجر الرسول، وحدثت معركة بدر الكبرى، وكان مِن ضمن مَن قُتل عقبة بن أبي مُعيط ، قُتل إلى النار، وأدخله الله النار، وأخبر الله عز وجل عنه في النار أنه يعضُّ يديه ندماً؛ لأنه ما اهتدى، قال عز وجل: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ... [الفرقان:27] لم يقل: على يده ولا إصبعه، بل قال: عَلَى يَدَيْهِ [الفرقان:27] يأكل يديه كلها، فأنت إذا دخلت السوق واشتريت لك شماغاً بستين ريالاً، ووجدتها في دكان آخر بثلاثين ريالاً، فما رأيُك؟ وكيف سيكون شعورك؟ ستذهب إلى البيت ولن تتعشى تلك الليلة، يقال لك: تعشَّ، فتقول: لا والله، كيف أشتري الشماغ بستين وغيري اشتراه بثلاثين؟! أين عقلي أنا؟! هل كنتُ مجنوناً؟! لماذا لم أبحث جيداً في الأسواق؟! لماذا لم أبحث في عشرة دكاكين واحداً واحداً. فمن أجل ثلاثين ريالاً لن تتعشى؛ لأنك ضيعت شيئاً من حقك بغير حق؛ لكن يوم القيامة غبنٌ أعظم، سمى الله ذلك بيوم التغابن؛ يُغبن أهل النار بدخول النار ويفرح أهل الجنة بدخول الجنة، ويتمنى أصحاب النار يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا [الأحزاب:66] يقول: ردوني أعمل صالحاً، لكن لن ينفع، قال الله: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى.. [الفرقان:27-28] يدعو على نفسه بالويل والثبور وعظائم الأمور (..يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً [الفرقان:28] وهنا نكَّر اللهُ فلاناً لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً [الفرقان:28-29] وهناك نكر الله فلاناً يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً [الفرقان:28] كل من أضلك عن الله يدخل تحت تعريف فلان، الزميل في المدرسة الذي يضلك فلان، القريب أو ابن العم وابن الخال الذي يضحك عليك عندما يراك مهتدياً وهو ضال فلان والأصل أن تضحك عليه أنت كما كان يقول نوح عليه السلام لقومه: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا.. [هود:38] ماذا؟ (..فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ [هود:38-39] فإذا سخر منك أحد من جماعتك بسبب التزامك فأجب كما أجاب نوح قومه؛ لأن بعض الشباب عندما يلتزم ويهتدي ويتمسك بالدين، فبمجرد هزة بسيطة أو كلمة واحدة تجده ينكمش، ويتمنى أنه لم يهتدِ، لا. بل كن قوياً في دين الله، كن أسداً، إذا أحدٌ ضحك عليك فاضحك أنت عليه.

أحد الشباب أطلق لحيته، وتمسك بالسنة، فجاءه شخص من الحِلِّيْقِين، قد حلق لحيته وصيَّرها صحراء قاحلة لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، من الأذن إلى الأذن ، لا شارب ولا لحية، يحلق لحيته كل يوم، وبعضُهم لا يحلق لحيته بمكينية، لا. بل يذهب ويضع ثلاثين ريالاً على حلق لحيته، وبالخيط أيضاً، وكأنه يقول له: انزعها من عروقها، لا تدعها تنبت، لا أريد هذه اللحية، لا إله إلا الله! ما هذا الحرب وهذا العداء على لحى المسلمين؟! كنتُ في العمرة في رمضان ودخلتُ في أحد صوالين الحلاقة أريد أن أحلق رأسي، وجلستُ وإذا بذلك الشاب المسكين المعذَّب، قد عذَّبه الحلاق، وصنع فيه أفاعيل، فربطه وكتَّفه، ثم جاءه ودبغ وجهه دبغاً، بالصوابين وما إليها، بالأيادي القذرة الملوَّثة، ثم جاء وسلخ لحيته، ثم جاء بالموس وأخذ يقلِّب رأسَه، ويحرِّكه، ويرفعه، ويخفضه، حتى تعبتُ وأنا جالس أنتظره، قلت: يا أخي! ذبحتَ المسكين، دعني أحلق رأسي وأمضي، أنا ليس عندي إلا شعرتين هنا وشعرتين هنا، دعني أذهب، قال: اصبر، هناك سِرَة، امسك سِرَة، أخيراً والله ذهبتُ من عنده، ما عاد لدي طاقة لأن أمسك سِرَة؛ لأني ضقت مما يفعل بهذا المسكين، وذاك المسكين مثل الشاة المربوطة، وبعد ذلك يفتح المحفظة ويعطيه منها ثلاثين ريالاً، فيقول الحلاق: نعيماً. لا أنعم الله عليك، نعيماً على ماذا؟ هذه جحيماً لا نعيماً، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فهذا الشاب المؤمن المهتدي قد أعفى لحيته، فجاءه ذاك وهو حالق للحيته، لا توجد شعرة واحدة في وجهه، قال له -بدل أن يخجل من مخالفة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم- قال: لماذا تربي لحيتك؟! -ينكر عليه تربية اللحية- قال له: وأنت لماذا تحلق لحيتك؟! انظروا إلى الرجل، بطل، لا يعرف اللعب، لم يخف ويرتعد لا! بل قال: وأنت لماذا تحلق لحيتك؟! قال: أنا حر، قال: وأنا هل أنا عبدٌ؟ فإذا كنتَ حراً في حلقها، فأنا حر في إعفائها، قال: الشعر يُحلق في أماكن، ويُترك في أماكن، يقصد: أن الشعر يُحلق في الوجه وفي الأسفل، ويُترك في الرأس، قال: أنا أحب أن يكون وجهي مثل رأسي، وأنت تحب أن يكون وجهك مثل ... شيء آخر.

فيا أخي! لا تضعف أمام من يأتي ليهزأ بك، ويسخر منك، ويضحك عليك، وأنت على الحق، لا تضعف، فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ [هود:38] لا يمكن لك أن تضعف أمام شخص ضال يستهزئ بك؛ لأنك على الحق وهو على الباطل، أنت على النور وهو على الظلام، أنت على الهدى وهو على الضلال، كيف تكون ضعيفاً وأنت القوي؟! أنت العزيز بعزة الله، أنت عبدٌ من عباد الله: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ.. [المنافقون:8] ولمن؟ ..وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [المنافقون:8]..مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ.. [فاطر:10] أين؟ (..فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً.. [فاطر:10]، من أراد العزة فليطلبها بطاعة الله، ثم قال: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10] .. وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ.. [فاطر:10] من معاصٍِ، وشهوات، وأغانٍ، وبنات، وتمشيات، ولعب، وسهرات، وورق، (..وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ.. [فاطر:10] وبعد ذلك؟ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ [فاطر:10] ينكشف، وينفضح، فيأتون يوم القيامة ووجوههم عارية، وأجسادهم عارية، وسوءاتهم مكشوفة، وحساباتهم مفضوحة، ما عندهم شيء فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً [الكهف:105].

فهذا الرجل يقول: يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي [الفرقان:28-29] فكل من أضلك عن الله فهو يدخل تحت كلمة فلان؛ زميلك في المدرسة، أو قريبك، أو شريطك الذي تشتريه، فالشريط يضلك، وكثير من الناس ضلوا على يد شريط، أو كتاب ككتاب جنس أو حب أو عشق أو غرام، أو مجلة رخيصة عارية، فيها البنت الجميلة، والتي نَظَرْتَ إليها وافتتنتَ بها، فهذه تدخل في (فلان) أيضاً: يدخل تحت كلمة فلان: المدرس الفاسد المجرم الخبيث، فهناك مدرسون يضلون عن الله، وهناك مدرسون يحملون لواء الهدم بمعول الأمة، وهناك مدرسون يدعون إلى الشيطان، إذا رأوا شاباً ملتزماً في الفصل الدراسي مَقَتُوه واحتقروه وسخروا منه، وأخذ المدرس يناديه: أنت يا ولد! أنت يا مُطَوِّع! قم، فليقل: نعم. مُطَوِّع والحمد لله، وأنت يا مُعَصِّي، أنا مُطَوِّع وأنت مُعَصِّي، فمن هو الجيد؟! فلا تخجل إذا قال لك: يا مُطَوِّع! فأصل الناس كلهم مَطاوِعَة إما لله وإما للشيطان، فأنت مُطَوِّع للرحمن، وهذا مُطَوِّع لإبليس.

في مدرسة من مدارس الثانوية بمنطقة أبها يوجد طالبٌ ملتزم في السنة الثالثة القسم العلمي، وكان في فصله مدرس يدرسهم مادة من المواد، وعلماً أنه قد انتهى وذهب إلى غير رجعة، هذا المدرس خبيث، وذو ميول إلى دغدغة مشاعر الشباب في المرحلة الثانوية في سن المراهقة؛ لأن طبيعة الشباب أنه يريد مثل هذا الكلام، فكان يتكلم معهم ويأتي لهم بقصص عن الحب وعن العشق، فوقف أحد الطلاب وقال: يا أستاذ! لماذا المَطاوِعَة لا يحبون؟! وكان يعني بالمَطاوِعَة: مجموعة من الشباب في الفصل، وهم أربعة شباب ملتزمون ومهتدون، ولكنهم ليسوا مع الشباب في الفساد والضلال، فقال هذا الطالب: يا أستاذ! لماذا زملاؤنا هؤلاء المَطاوِعَة لا يحبون؟ أي: ليس لهم عشيقات، ولا لهم زميلات؟! فقال المدرس الخبيث: هؤلاء قوم مات في قلوبهم الوجدان، يقول: الوجدان ميت في قلوبهم ولهذا لا يحبون، فضحكوا كلهم، لكن البطل موجود، ثبته الله ووفقه في الدنيا والآخرة، هذا الشاب البطل الآن يحمل شهادة الدكتوراه، ويعمل الآن أستاذاً بكلية الشريعة بـأبها ، ثبت وذهب وجاء بالدكتوراه، وقف هذا البطل وقال: لا يا أستاذ! نحن ما مات في صدورنا الوجدان، عندنا وجدان حي، نحن نحب، ولكننا نحب الله ورسوله والدار الآخرة، يقول: نحن نحب، لكن حبنا يختلف عن حب هؤلاء؛ هؤلاء يحبون كما تحب الحمير، لو سألنا الحمار: ماذا تحب؟ فماذا سيقول لك الحمار؟ وكذلك الكلب والقرد والخنـزير؟ سيقول: إنه يحب الحمارة، هذا أقصى ما عنده، والكلب يحب الكلبة، والقرد يحب القردة، والعاصي الفاجر يحب العاصية الفاجرة.

أما المؤمن فلا، بل يحب الله ورسوله والدار الآخرة، يقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ [البقرة:165] يحبهم ويحبونه، يحبون الله ورسوله والدار الآخرة. فالرجل سكت، وقمعه الله، وبعدما خرج المدرس، قال الطالب لزملائه: أريد منكم مَشْهداً بالكلام هذا، قالوا: أبشر، وهم أيضاً رجال، فوقعوا المشهد، وبعد أيام، وإذا بالبرقية تأتي بإلغائه وطرده وطي قيده، إلى غير رجعة ولله الحمد والمنه.

فالزميل السيئ له تأثير عليك، وهو مانع بينك وبين الله، ولذا احذر كل الحذر من أن تصحب شخصاً فاسداً، ولو لرحلة من المدرسة إلى البيت، لا تصحبه؛ لأن الوقت من المدرسة إلى البيت [5] دقائق، أو [10] دقائق، أو ربع ساعة بالسيارة كثير، ربما يشغِّل لك شريطاً فيفسدك، وكم من أناس قد فسدوا بمثل هذا الفعل، وعليك بصاحب الخير، صاحب الهداية، امشِ معه، حتى ولو لم تمشِ معه إلا لحظة واحدة، فإنك ستكسب معه.

اتصل بي أحد الإخوة الذين تابوا إلى الله من الذنوب، حيث كان مطرباً ومغنياً، فيخبرني بقصة هدايته، فيقول: خرجتُ من عملي في نهاية الدوام، وجئتُ إلى سيارتي وإذا بالإطار خالٍ من الهواء -مُبَنْشِر- ونظرتُ يميناً وشمالاً لأجد لي زميلاً من زملائي الذين أعرفهم وأحبهم ويحبوني، فما لقيتُ أحداً، والناس قد انصرفوا، وما وجدتُ بجوار سيارتي إلا سيارة، لستُ أدري لمن هي، فوقفتُ أنتظر صاحبها، وإذا به أحد الموظفين ولكنه مُطَوِّع؛ وأنا لا أحب هذه الأشكال، فقد كنتُ عازف عود ومغنياً ومطرباً، ولكن لا توجد إلا سيارته، أو أجلس تحت الشمس، فتطفلتُ وقلتُ له: من فضلك توصلني إلى البيت؟ قال: أبشر تفضل، فركبتُ معه وأنا كأنني أركب على شوك، متضايق، ومنكمش، وزَهْقان، من هذا المُطَوِّع، لماذا يوصلني معه؟ أنا لا أستصيغ أن أنظر إليه فكيف أركب معه؟ لكن للضرورة حكمها، فركبتُ معه، وما إن حرك السيارة حتى شغَّل شريطاً، فجاءت المصيبة الثانية، وهذه هي الورطة، ركبنا معه، وإذا به يحدثنا الآن، فلما شغل الشريط ضقتُ وزَهِقْتُ؛ لأن الشيطان كان ينفخه، ويريد أن يضله، قال: فأردتُ أن أبدله بيدي، ولكني استحييت، وقلتُ في نفسي: هذه سيارة الرجل، ويأخذني ويتجمل فيَّ ثم أغلق الشريط! هذا ليس من المروءة، ولا هو من اللباقة، فتحملت وصبرتُ، وقلتُ: كلها (10) دقائق، ويفكنا الله من هذا المُطَوِّع ومن هذا الشريط، وفي الطريق سمعتُ الشريط، وإذا فيه كلام يحتوي على نكتة، فضحَّكني، وكانت نفسي مُقْفَلَة تماماً، أولاً: من الدوام، ثم من الجوع، ثم من بَنْشَرَة السيارة، ومن المُطَوِّع، ومن الشريط، كلها على (24)، لا يوجد مقدار أنملة من راحة، ولكن جاء الشريط بالنكتة هذه، فضحكتُ منها ضحكة فتَحَت صدري كله. ثم أوصلني إلى البيت، وشكرتُه، وفي اليوم التالي تذكرتُ تلك الضحكة فضحكتُ، فرفعتُ السماعة وسألتُ عنه، وكلمتُه في التليفون، وهذه أول مرة أكلم فيها مطوعاً في حياتي، وقلت له: يا أخي! أنا ركبتُ معك بالأمس وسمعتُ شريطاً من عندك، أريد من هذه الأشرطة لهذا الإنسان الذي سمَّعتني. قال: -فوالله- ما اشتريتها بقصد أن أهتدي وألتزم، ولكن؛ لأنني أريد أن أضحك، فما دام أنها تضحِّك فنريد أن نضحك؛ لأن العاصي يجد ظلاماً وضيقاً في قلبه، يريد أن يضحك بأي وسيلة. قال: فأرسل لي بخمسة أشرطة. -جزاه الله خيراً-. قال: فسمعتُ الشريط الأول، والثاني، والثالث، وإذا القضية ليست ضحكاً، بل بكاء، فبكيتُ على نفسي، وعرفتُ أين أنا من حقيقة الأمر، وقررتُ التوبة،وهأنذا الآن داعية إلى الله، حطمتُ العود والكمان، وبدلتهما بالقرآن، وأصبحَ جميع أعضاء الفرقة الموسيقية الآن دعاة إلى الله، نجلس على ذكر الله، ونتهادى الكتاب والشريط الإسلامي، وندعو إلى الله، ونحافظ على الصلوات الخمس.

هذا كله لأسباب ماذا؟ لأسباب الزميل الصالح، ولمدة كم؟ لمدة (10) دقائق، أو ربع ساعة، زميلٌ صالح لمدة ربع ساعة أنقذ الله به حياة هذا الرجل، وربما يكون هناك زميلٌ سيئ يدمر الله به حياة إنسان، وقد حدث، وأقص لكم قصة عكسية لهذه القصة.

هناك شاب أعرفه، عندنا في أبها ، اهتدى والتـزم وتمسك، ومِن أحسن ما يمكن، حتى والله إنه كان لا ينام إلا في المسجد، حتى لا تفوته صلاة الفجر؛ لأن أباه وأمه لا يقومون للصلاة، وهو شاب ثقيل النوم، فتفوت عليه الصلاة، فيقول: إذا جاء النوم، آخذُ مخدة وبطانية وآتي لأنام في المسجد؛ لكي أُقَوَّم لصلاة الفجر. فأدخلُ أنا المسجد والله أوقظه، فأقول: عبد الله! قم، وبمجرد أن يسمعني يقوم فيتوضأ، ويصلي، وبعد الصلاة يذهب لينام في البيت، فمرَّ على هذا الأمر فترة طويلة، وبعد ذلك، يقول: وأنا ذاهبٌ يوماً من المدرسة إلى البيت، كنتُ راكباً مع زميل لي، وشغَّل لي شريط أغاني، ومباشرة مددتُ يدي على المسجلة وأقفلتها، فقال لي: لماذا تقفلها؟ ألا تحب الأغاني؟ قلت: لا. لا أحبها، قال: لماذا؟ قلت: حرام، قال: من قال لك أنها حرام؟ قلت: المشايخ والدعاة يقولون: إنها حرام، قال: مَن هم المشايخ هؤلاء الذين قالوا لك هذا؟ قلت: سعيد بن مسفر ، قال: سعيد بن مسفر ؟! أعوذ بالله، ما وجدتَ إلا هذا يحدثك بهذا؟! هذا المعقَّد الذي يعقِّد على الناس ويشدِّد عليهم، يا رجل! أبداً ليست بحرام، الأغاني ليست لها أية علاقة بالدين، ما دَخْلُ الأغاني بالدين؟ -انظروا إلى الزميل الخبيث- قال: الدين صلاة، وصوم، وحج، نعم، أما الأغاني فهذه فقط تطرب النفس، وتسعدك، وتجعلك تعيش مبسوطاً، قلت: هل هذا صحيح؟! قال: نعم. وفي ذمتي. أفتاه، يقول الله عز وجل أن المُضِلِّين يقولون: اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا.. [العنكبوت:12] ماذا؟ ..وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ.. [العنكبوت: 12] ما كَفَتْه ذنوبُه، إنما يقول: عليَّ، وعلى رقبتي، قال الله: ..وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [العنكبوت:12]. فقال: ليس فيها شيء؟ قال: ليس فيها شيء أبداً، فالصلاة لا مانع من أن تصلي، وجزاك الله خيراً، فهي ركن الإسلام الأعظم، والزكاة ركن، والصوم ركن، والحج ركن؛ لكن الأغاني لا شيء فيها ألبتة، هي كلام يدخل من هنا ويخرج من هنا، فقط تُسمَع لكي ينبسط المستمِع، ويكون مسروراً دائماً، فعندما لا تَسمع الأغاني فإنك ستكون مهموماً دائماً، اسمع، لا شيء فيها. فما زال به حتى أغراه بالأغنية. ونزل عند البيت، ثم دخل يشغِّل الشريط، فشغَّل الشريط الأول، والثاني، والثالث. ودائماً عندما يرجع المضَلَّل فإنه يرجع رجعة لا يستطيع العودة منها إلى أن يصل إلى النار، فالسيارة عندما تصعد الجبل وهي قوية فإنها تصعد إلى آخر الجبل؛ لكن إذا عجزت في وسط الجبل ورجعت فكيف ستكون رجعتها؟ ستنقلب في أي ملف، لماذا؟ لأنها رجعت إلى الوراء. وهذا رجع إلى الوراء، وجاء الشيطان عليه وكَبَسَه وهو يُرَجِّعُه، واستمر به الوضع هكذا. فبعد الأغاني ما عاد يحضر المسجد، ولا يصلي معنا، وأخيراً: ترك الصلاة، ثم كفر بالله.

وأذكر أنني بعد فترة من الفترات عندما افتقدتُه ولم أرَه كان عندما يراني في طريق يلُفُّ إلى طريق أخرى، ويحاول أن يتهرب مني، ويخجل مني، بعد أن كان عندما يراني من بُعد يَبُشُّ لي ويسلم علي. فذهبت إليه في البيت، ودَقَقْتُ عليه الباب، ودعوتُه، وقلت: يا عبد الله! فقال: نعم. قلتُ: تعال، فنـزل علي وهو خجلان، وقال: تفضل يا شيخ! قلت: لا، أريد أن تأتي معي، فأخذتُه وذهبتُ به إلى المنـزل عندي، ووعظتُه وذكرتُه بالله واليوم الآخر، والله حتى بكى وبكيت معه، ولكن خرج من عندي واستمر على وضعه. كل هذا لسبب ربع ساعة من زميل سيئ.

فانتبه يا أخي الشاب! لا تجلس مع زميل السوء، ولا تقرب من رفيق السوء؛ لأنه قاطع للطريق بينك وبين الله، هل تريد أن أحداً يقطع الطريق بينك وبين ربك؟! بينك وبين السعادة؟! بينك وبين الجنة؟! بينك وبين الهداية؟! بينك وبين النور في الدنيا والآخرة؟! إن رفيق السوء هو الذي يقطع الطريق بينك وبين الله عز وجل، فاحذر منه، إذا رأيتَه في طريق فاذهب من طريق آخر. ما رأيُك لو أنك دخلتَ مع رفيق من رفقائك تحبه ويحبُّك، ووجدت أنه مصاب بمرض الإيدز هل ستجلس معه؟! أبداً لن تجلس معه، بل لا بد من أن تجعل شيئاً حاجزاً بينك وبينه؛ لأنه فيه إيْدِز، إذاً: الذي فيه إيْدِز في إيمانه، أو عنده كُولِيرا في عقيدته، أو عنده سِل في أخلاقه، فهل تجلس معه؟ لا. بل هذا أخطر من ذاك؛ لأن الذي فيه إيْدِز وصابك منه إيْدِز فإنك تموت فقط، أما الذي فيه إيْدِز في إيمانه فإنه يوصلك إلى جهنم، وليتك تموت في النار، وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ [إبراهيم:17].

فأول قاطع للطريق ومعوق بينك وبين الله: زميل السوء. كم من شخص يريد الهداية، ويشد نفسه، ويعزم، ومن المسجد يقرر، ويقول: عزمت، ومجرد أن يسمُر، أو يلعب في الغد في الملعب، أو يذهب إلى المدرسة ويلقاه زميله، إذا به ينتكس.

إن أول عائق -كما قلتُ لكم- هو: الزميل السيئ. فعليك أن تحذر -يا أخي الشاب!- من الزميل السيئ، وتستطيع أن تحدد الزميل السيئ والزميل الصالح من خلال السلوك، ومن خلال التعرف عليه من علاقته بالله، فإذا أمرك بمعصية فهو زميل سيئ، وإذا أمرك بطاعة ونهاك عن معصية فهو زميل صالح، فامسك به والزمه، فإنه سيدعوك إلى النجاة في الدنيا والآخرة.

المعوق الثاني من معوقات الهداية: اتباع الهوى لا اتباع الشرع:-

وذلك كما يقول أكثر الناس اليوم، عندما تعرض على أحدهم الدليل من كتاب الله وسنة رسوله، يقول: صدقت، ولكن -يا شيخ- نفسي تقول لي كذا، وهواي يقول لي كذا. فهذا عبد هواه ولم يعبد مولاه، وهذا لا يهديه الله، يقول الله عز وجل: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ.. [الجاثية:23] أي: نفسه، وكيفه، ومزاجه، ..وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ [الجاثية:23] كيف يهديه الله وقد اتخذ إلهه هواه؟ فلما اتخذ إلهه هواه جاءت العقوبة عليه أن الله ختم على سمعه وعلى قلبه، وجعل على بصره غشاوة، فلا يرى الحق، ولا يرى طريق النور، ولا يسمع الحق ولا يفقهه؛ لأنه اتخذ إلهه هواه.

قال الله: فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [الجاثية:23] فيجب عليك أن تخضع لأمر مولاك، ولا تقل: أنا على كيفي، أو على مزاجي، لا. لا كيف لك ولا مزاج ولا نفس، أنت على مراد ربك، أنت على شرع خالقك، أنت على هدي نبيك، وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [الحشر:7]، ولو كان أمر الله عز وجل لا تقبله نفسُك الأمارة بالسوء بسرعة أقصرها، وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى [النازعات:40] فإذا قالت نفسك: اسمع الأغاني، فقل لها: لا. أو قالت نفسك: انظر إلى النساء، فقل: لا. أو قالت نفسك: احلق لحيتك، فقل: لا. أو قالت نفسك: اسحب ثيابك، فقل: لا. أو قالت نفسك: اترك الصلاة، فقل: لا. أو قالت نفسك: عق والديك، فقل: لا. لماذا؟ لأنك تسير وفق شرع ربك وخالقك، هذا هو المؤمن.

أما أن تسمع أمر الله وتصر على المعاصي، فهذا ما لا ينبغي، كأن تعرف أن الغناء حرام، وتقول لمن ينصحك بتركه: والله صدقت، لكن ماذا أفعل؟ لا أستطيع، نفسي والله تحب الغناء، أحب الطرب. فهذا الذي يحب الطرب سوف يندم على الطرب يوم القيامة.

دخلتُ في سوق من الأسواق في أيام العيد أشتري سلعة، وإذا بصاحب الدكان ينظر إلى جهاز التلفزيون وفيه مطرب -مغنٍ-، وهو يعزف بألحان، والرجل فاغرٌ فاه ينظر إليه، فسألتُه: بكم هذا؟ ما سمعَني، قلت: يا هذا، يا أخي تكلم! ماذا وراءك؟ قال: يا شيخ! ما رأيتَ؟ قلت: ماذا هناك؟ قال: المطرب العظيم هذا، أما تعرفه؟ قلت: لا والله لا أعرفه، نسأل الله أن يجعلني لا أعرفه، معرفة هذا وأشكاله خسارة، لا أعرفه، قال: (أوه!) فاتك نصف عمرك، قلت: وأنت فاتك كل عمرك، كيف فاتني نصف عمري؟! قال: هذا المطرب العظيم الذي كذا وكذا. وجعل يشيد به، قلت: وماذا في المطرب؟ ماذا يفعل؟ هل اخترع شيئاً؟ قال: لا. بل مطرب، يجعل الناس يلحنون ويغنون، قلت: حسناً، إذا مات هل ينفعه الطرب عند الله؟ أجاب مباشرة بنفسه، وقال: لا. قلت: إذاً: ماذا يفعل بهذا الطرب؟! قال: والله لا يحبه الله، قلت: الإنسان خُلق في الدنيا لكي يطرب ويغني فيدخل النار؟! إذا لم يكن في هذه الحياة خير ينفعني في الآخرة فما قيمة حياتي؟! يقول الله عز وجل: يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر:23] أي: لم تعد تنفعه الذكرى، فماذا يقول؟! يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24] أين هي حياته؟ أهي هذه التي نحن فيها؟ لا. هذه ليست حياته يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24] أي: للآخرة، التي فيها الحياة الطويلة، قلت: هذا المطرب لن ينفعه شيء من الطرب في الآخرة، قال: نعم. والله لن ينفعه، قلت: وما رأيك في الجماهير الذين يحبونه؟! أيحشرون معه يوم القيامة؟! قال: والله معه، قلت: أوينفعهم هذا؟ قال: لا ينفعهم، قلت: وأنت ما موقفك؟ تبرأْ منه الآن حتى لا تكون معه في الآخرة، أما إذا كان هو يطرب وأنت تشجع، فجمهوره في النار، كما جاء في حديث ابن ماجة عن عمرو بن مرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المغنين يُبعثون يوم القيامة عرايا، لا يستترون بِهَدَبَة، لهم عواء كعواء الكلاب في النار) الصياح الذي كان يصيحه في الدنيا يتحول من صياح إلى شكل آخر، صياح والنار تصلاه، والعذاب يناله في كل جزء من جسمه، يصيح صياحاً يؤذي أهل النار، لا حول ولا قوة إلا بالله.

فانتبه لا تتبع الهوى، واتبع الشرع، فعليك أن تتبع دين الله عز وجل، يقول الله تبارك وتعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ [القصص:50] أي: لا أحد أضل ممن اتبع هواه، أي: لا يهديه الله، ألستَ تريد الهداية؟ ستقول: نعم. سنقول لك: إذاً الهداية في اتباع الشرع، لا تتبع الهوى، لا تقل: أنا على كيفي وعلى هواي وعلى مزاجي ومع نفسي، لا. بل كن على كيف ربك، على هوى ودين شرع ربك، أما هواك فلا فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ... [الأعراف:30]، لماذا؟ قال: ... إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الأعراف:30] عندما اتخذ الشيطان ولياً من دون الله صرفه الله عز وجل عن الهداية، وحقت عليه الضلالة، وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ [الأعراف:30] والعياذ بالله.

هذا المعوق الثاني، وهو اتباع الهوى، وعدم اتباع الشرع.

نريد أن نضبط هذه المعوقات واحدة تلو الأخرى، نريد أن تكون هذه المجالس مجالس عمل..مجالس منهج، لا نريد كلاماً ثم نخرج وكفى، لا. بل من هذا المجلس تقرر مصيرك، من هذا المجلس تحدد اتجاهك إلى الله، تغير واقعك رأساً على عقب، تغير كل شيء في حياتك؛ لأنك اهتديت إلى الله.

أولاً: الزميل السيئ، ارفضه.

ثانياً: الهوى المتَّبع، ارفُضْه، فماذا تتبع إذاً؟ تتبع الشرع.

فما هو الهوى؟ الهوى: ما تَرِد عليك من خواطر، ومن أفكار، ومن رغبات، ومن شبهات، ومن شهوات، هذا هو الهوى.




استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة اسٌتمع
كيف تنال محبة الله؟ 2924 استماع
اتق المحارم تكن أعبد الناس 2921 استماع
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً 2800 استماع
أمن وإيمان 2672 استماع
حال الناس في القبور 2671 استماع
توجيهات للمرأة المسلمة 2596 استماع
فرصة الرجوع إلى الله 2568 استماع
النهر الجاري 2472 استماع
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله 2464 استماع
مرحباً شهر الصيام 2394 استماع