خطب ومحاضرات
سلسلة مقتطفات من السيرة [21]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، حمد عباده الذاكرين الشاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذه الحلقة -بمشيئة الله عز وجل- هي الحلقة الحادية والعشرون في سلسلة حديثنا عن السيرة العطرة على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التسليمات من رب الأرض والسماوات.
إن كثيراً منا يعتقدون أن حادثة الإسراء والمعراج كانت في السابع والعشرين من رجب، ولعل المحققين في التاريخ يقولون بخلاف ذلك، ولكن لا نريد الدخول في الخلافات التاريخية، سواء أكانت حادثة الإسراء والمعراج في أول رجب من السنة العاشرة من البعثة، أم كانت في ذي القعدة، أم كانت في السابع والعشرين من رجب، فالقضية هنا لا تهم، والإسلام لا يهتم بقضية الزمان أو قضية المكان ما لم تتعلق بهما عبرة، وما يهم المسلم هو العظة والعبرة التي يتخذها من كل حادثة في التاريخ.
إن الله عز وجل اطلع على قلوب عباده، فوجد أن أنقى القلوب وأصفى القلوب وأشوق القلوب إلى لقائه عز وجل هو قلب الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم.
فعلم سبحانه وتعالى في سابق علمه أن قلب الحبيب متشوق إلى رؤية مولاه عز وجل، فاستزاره في ليلة المعراج، ثم اطلع الله على قلوب العباد، فوجد أصفى القلوب وأنقى القلوب بعد قلب سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام قلوب صحابته الطاهرة، فقد نصروا الإسلام، ووقفوا بجوار الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقرأنا في التاريخ وعلمنا في السيرة ما هو الهول الذي لاقوه من الكفار ومن المشركين، وكيف تحملوا التبعات وهاجر بعضهم الهجرتين: الهجرة الأولى إلى الحبشة، ثم الهجرة الثانية إلى المدينة المنورة.
موقفه مع عمه أبي طالب
فقد جاء أبو طالب إليه وقال: يا ابن أخي! لقد جئت قومك بما لم يأت به أحد غيرك. فارفق بي وبنفسك. وذلك أنهم يعبدون أصناماً من دون الله، ويعبدون الملائكة ليقربوهم إلى الله زلفى، ويقولون عن الملائكة: إنهم بنات الله، ويطوفون بالبيت عرايا، وجاء هو ليقول غير ذلك!
فكان يريد أن يقول له: يا ابن أخي! أنا لا أريد إهانة عند أهل مكة.
وفي هذا الوقت لم يكن حول الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرين شخصاً في مكة كلها، حيث صناديد مكة والعتاة الكبار والمجرمون والطغاة، فقال له قولته الشهيرة التي نحفظها قولاً ولا يطبقها واحد منا عملاً: (والله -يا عم- لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه).
يعني أنه لن يتراجع عما أمره الله به، فإما أن يظهر الله هذا الأمر، وإما أن يهلك دونه ويستشهد في سبيل الله عز وجل.
وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم صدقاً ما بعده صدق، وفي ليلة الهجرة جعل علياً يبيت مكانه؛ حتى إذا أصبح أعاد أمانات قريش إلى أهلها، فانظر كيف يعملون به وكيف يعاملهم!
فرسول الله عليه الصلاة والسلام إنسان رباه الله عز وجل، فما ظنك بمن رباه المولى عز وجل؟!
إنك حين ترى ولداً مؤدباً تقول: الله يجزي من علمك الخير، ونسأل الله أن يبارك في والديك، فما بالك بمن كان مربيه هو هاديه وبارئه وخالقه؟!
هديه في العبادة
فلما بلغه صلى الله عليه وسلم هذا الكلام، صعد إلى المنبر، فقال: (بلغني عن أقوام كذا وكذا، أما إني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).
رحمته بأمته
فيضرب الرسول لنا أحسن مثل، فيقول للصحابة: (إنما مثلي ومثل هذا الرجل كمثل رجل له ناقة شردت فاتبعها الناس، فما زادوها إلا نفوراً، فقال صاحب الناقة: يا قوم! خلوا السبيل بيني وبين ناقتي؛ فأنا أعلم بها، فجمع لها من قمام الأرض في حجره إلى أن جاءت فناخت واستناخت، فلو قتلتموه لدخل النار).
يقول: قصتي مع هذا الرجل تماماً مثل رجل عنده ناقة شردت، فجرى الناس وراءها وهم غرباء عنها، فولت، فقال لهم صاحبها: إن الناقة لي، وأنا أدرى بها، وأنا أعرف الذي يجذبها، فجمع لها من حشائش الأرض فجاءت فأناخت، فيقول: إن هذا الرجل الأعرابي مثل الناقة تماماً، فلو أنكم وقت أن قال: إنه ليس براض قتلتموه لذهب إلى جهنم؛ لأنه شتم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن الرسول صبر حتى رضي الرجل.
تألفه الناس بالعطاء والنوال
فالنبي صلى الله عليه وسلم ترك له مجموعة من النعاج، ولكن الخير الذي وراءه كان كثيراً.
وقد وقعت صفية بنت حيي في السبي بعد خيبر، فأعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها.
وكانت السيدة عائشة والسيدة حفصة تقولان لها: يا ابنة اليهودية. لأن أمها ماتت على اليهودية، فشكت ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم، فكان يقول لها: (قولي لهما: إن كانت أمي يهودية فأبي هارون وعمي موسى وزوجي محمد، فأين لكما من هؤلاء؟!) فهل أحد يجتمع له أب وعم وزوج مثل هؤلاء الثلاثة؟! فأبوها في السلالة سيدنا هارون، وعمها سيدنا موسى أخوه، وزوجها محمد صلى الله عليه وسلم، فمن التي يجتمع لها مثل هذا؟!
أخذه باليسر في الأمور
فكيف بهذا من فعل سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم حين ذكر إسبال الثياب، فقالت أم سلمة : ما تصنع إحدانا بثوبها؟ فقال: (ترخيه شبراً) ثم رخص في إرخائه ذراعاً، وبعد ذلك سألنه عن مرورهن بالثياب المرخاة على النجاسة وهن ذاهبات إلى الصلاة، فقال: (ألا تمشين على أرض جافة؟ فقلن: نعم، فقال: هذا يطهر هذا).
وفي ذات مرة كان يمشي مع سيدنا عمر والصحابة، فحضرت صلاة العصر، فوجدوا رجلاً عنده بئر وعنده مجموعة من الغنم، فتقدم عمر وكان مقداماً رضي الله عنه، فقال: يا صاحب البئر! أترد السباع عليه؟ أي: هل السباع تشرب من هذا البئر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (يا صاحب البئر! لا تخبرنا، إنا نرد على السباع وترد علينا).
رحمته بأتباعه
وما وقعت ذبابة على جسده الشريف قط، كأن يده أخرجت من جؤنة عطار، أي كأنه غمسها في إناء العطور وأخرجها، وكان يمسح على وجه الصحابي فتظل الرائحة على وجهه من الجمعة إلى الجمعة.
وقد جاء قتادة، وكان دميم الوجه، فكلما أراد أن يخطب امرأة قالت: لا أريده، فجاء بمسكنة وبأدب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: هل أتزوج من الحور العين يا رسول الله في الجنة؟ يعني: إذا كنت غير مقبول في الدنيا، فهل لي في الآخرة من أمل؟! فقال صلى الله عليه وسلم: (بل تتزوج في الدنيا والآخرة)، ومسح بيده على وجه قتادة، فأصبح جميلاً، فيده كلها فيها الخير صلى الله عليه وسلم.
وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قوة لمن حوله، وكان يعطيهم الطمأنينة ويعطيهم الأمان، ويعطيهم الثقة ويعطيهم الصدق، ويعطيهم اليقين، ويعطيهم صدق التوكل على رب العباد سبحانه وتعالى، فلم يتزعزع قط.
فقد جاء أبو طالب إليه وقال: يا ابن أخي! لقد جئت قومك بما لم يأت به أحد غيرك. فارفق بي وبنفسك. وذلك أنهم يعبدون أصناماً من دون الله، ويعبدون الملائكة ليقربوهم إلى الله زلفى، ويقولون عن الملائكة: إنهم بنات الله، ويطوفون بالبيت عرايا، وجاء هو ليقول غير ذلك!
فكان يريد أن يقول له: يا ابن أخي! أنا لا أريد إهانة عند أهل مكة.
وفي هذا الوقت لم يكن حول الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرين شخصاً في مكة كلها، حيث صناديد مكة والعتاة الكبار والمجرمون والطغاة، فقال له قولته الشهيرة التي نحفظها قولاً ولا يطبقها واحد منا عملاً: (والله -يا عم- لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه).
يعني أنه لن يتراجع عما أمره الله به، فإما أن يظهر الله هذا الأمر، وإما أن يهلك دونه ويستشهد في سبيل الله عز وجل.
وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم صدقاً ما بعده صدق، وفي ليلة الهجرة جعل علياً يبيت مكانه؛ حتى إذا أصبح أعاد أمانات قريش إلى أهلها، فانظر كيف يعملون به وكيف يعاملهم!
فرسول الله عليه الصلاة والسلام إنسان رباه الله عز وجل، فما ظنك بمن رباه المولى عز وجل؟!
إنك حين ترى ولداً مؤدباً تقول: الله يجزي من علمك الخير، ونسأل الله أن يبارك في والديك، فما بالك بمن كان مربيه هو هاديه وبارئه وخالقه؟!
وليس هذا فحسب، فقد ذهب بعض الصحابة إلى بيوت النبي يسألون عن عبادته، فأخبر نساء النبي الصحابة بكيفية عبادة الرسول لربه، فتعجبوا من حال الرسول الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، حيث يعمل هذا كله، فقال أحدهم: أنا أصوم الدهر كله ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أقوم الليل كله ولا أنام، وقال ثالث: وأنا أعتزل النساء، بسبب أنهن يعطلن عن العبادة.
فلما بلغه صلى الله عليه وسلم هذا الكلام، صعد إلى المنبر، فقال: (بلغني عن أقوام كذا وكذا، أما إني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).
ودخل عليه الأعرابي يطلب منه شيئاً فأعطاه، ثم قال له: هل رضيت؟ قال: ما رضيت، فأخذه إلى البيت وأعطاه حتى رضي، وخرج الأعرابي ليعلن رضاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فيضرب الرسول لنا أحسن مثل، فيقول للصحابة: (إنما مثلي ومثل هذا الرجل كمثل رجل له ناقة شردت فاتبعها الناس، فما زادوها إلا نفوراً، فقال صاحب الناقة: يا قوم! خلوا السبيل بيني وبين ناقتي؛ فأنا أعلم بها، فجمع لها من قمام الأرض في حجره إلى أن جاءت فناخت واستناخت، فلو قتلتموه لدخل النار).
يقول: قصتي مع هذا الرجل تماماً مثل رجل عنده ناقة شردت، فجرى الناس وراءها وهم غرباء عنها، فولت، فقال لهم صاحبها: إن الناقة لي، وأنا أدرى بها، وأنا أعرف الذي يجذبها، فجمع لها من حشائش الأرض فجاءت فأناخت، فيقول: إن هذا الرجل الأعرابي مثل الناقة تماماً، فلو أنكم وقت أن قال: إنه ليس براض قتلتموه لذهب إلى جهنم؛ لأنه شتم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن الرسول صبر حتى رضي الرجل.
ودخل عليه أحد المؤلفة قلوبهم بعد غزوة حنين، فلمح في عيني الرجل أنه يريد المال، فرأى الرجل غنماً بين جبلين فقال: ما أكثر هذه الغنم! فقال: (أتحب أن يكون لك مثلها؟ فقال الرجل: نعم) وهل أحد يكره أن يكون له مثل ذلك؟! (فقال: هي لك.) فالرجل أخذ قطيع الغنم ورجع إلى قبيلته وكان عددها عشرين ألفاً وقال: أيها الناس! إني لكم ناصح أمين، آمنوا بمحمد؛ فإنه يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، فدخلوا في دين الله.
فالنبي صلى الله عليه وسلم ترك له مجموعة من النعاج، ولكن الخير الذي وراءه كان كثيراً.
وقد وقعت صفية بنت حيي في السبي بعد خيبر، فأعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها.
وكانت السيدة عائشة والسيدة حفصة تقولان لها: يا ابنة اليهودية. لأن أمها ماتت على اليهودية، فشكت ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم، فكان يقول لها: (قولي لهما: إن كانت أمي يهودية فأبي هارون وعمي موسى وزوجي محمد، فأين لكما من هؤلاء؟!) فهل أحد يجتمع له أب وعم وزوج مثل هؤلاء الثلاثة؟! فأبوها في السلالة سيدنا هارون، وعمها سيدنا موسى أخوه، وزوجها محمد صلى الله عليه وسلم، فمن التي يجتمع لها مثل هذا؟!
استمع المزيد من د. عمر عبد الكافي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
سلسلة مقتطفات من السيرة [15] | 2692 استماع |
سلسلة مقتطفات من السيرة [23] | 2533 استماع |
سلسلة مقتطفات من السيرة [16] | 2144 استماع |
سلسلة مقتطفات من السيرة [12] | 2126 استماع |
سلسلة مقتطفات من السيرة [8] | 2058 استماع |
سلسلة مقتطفات من السيرة [17] | 2053 استماع |
سلسلة مقتطفات من السيرة [19] | 2035 استماع |
سلسلة مقتطفات من السيرة [18] | 2014 استماع |
سلسلة مقتطفات من السيرة [24] | 1981 استماع |
سلسلة مقتطفات من السيرة [11] | 1947 استماع |