شرح السنة [6]


الحلقة مفرغة

قال الإمام الحسن بن علي البربهاري رحمه الله تعالى: [ وكل شيء مما أوجب الله عليه الفناء يفنى إلا الجنة والنار، والعرش، والكرسي، والصور، والقلم، واللوح، ليس يفنى شيء من هذا أبداً، ثم يبعث الله الخلق على ما ماتوا عليه يوم القيامة، ويحاسبهم بما شاء فريق في الجنة وفريق في السعير، ويقول لسائر الخلق ممن لم يُخلق للبقاء: كونوا تراباً ].

في هذا المقطع عدة مسائل:

المسألة الأولى: فيما يتعلق بفناء المخلوقات ما عدا الأمور المذكورة، هذه مسألة تحتاج إلى بحث مستوفى، أرجو أن نتمكن من عرضه في الدرس القادم أو الذي بعده إن شاء الله؛ لأن المسألة طويلة وفيها وجوه كثيرة من الاستدلال وأقوال العلماء.

قوله: (ثم يبعث الله الخلق على ما ماتوا عليه يوم القيامة)، يعني على ما ماتوا عليه من أعمال، فيبعثهم الله عز وجل على حالهم التي كانوا عليها في الدنيا، مثل ما ذُكر من أن الحاج الذي يموت وهو محرم يبعث بإحرامه، وكذلك الشهيد يبعث وجرحه يثعب دماً.. إلى غيرهم.

(ويحاسبهم) الله عز وجل (بما شاء)، يعني على ما يشاء من وجوه الحساب، (فريق في الجنة وفريق في السعير)، ونحن نعرف أن أهل الجنة على نوعين كما ورد في النصوص: فريق في الجنة منذ وقت النشر والحساب، بمعنى أنهم يُعطون صحائفهم في اليمين من أول وهلة، وفريق آخر وهم أهل الكبائر، إذا لم يغفر الله لهم ابتداءً يعذبون على قدر أعمالهم ثم يخرجون من النار.. فهذا الفريق الذين يدخلون الجنة بعد تطهيرهم من الكبائر بالنار، ويخرجون من النار بأسباب كثيرة: أولها برحمة الله عز وجل لطوائف منهم، ثم بالشفاعات التي يهيئها الله لهم بشروطها وأعظمها شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر من أمته، وشفاعات أخرى.

وهؤلاء عند الإجمال يُعدّون من أهل الجنة، أما عند التفصيل فيقال إنهم يعذبون بالنار ثم يُخرجون إلى الجنة.

قوله: (ويقول لسائر الخلق ممن لم يُخلق للبقاء: كونوا تراباً)، يعني غير المكلفين، وهم غير الجن والإنس، فإنهم يصيرون إلى التراب إلا من يخلقهم الله عز وجل ممن كُلّف بأعمال أخرى كالملائكة وخدم أهل الجنة.

قال رحمه الله تعالى: [ والإيمان بالقصاص يوم القيامة بين الخلق كلهم: بني آدم والسباع والهوام حتى للذرة من الذرة ].

نعم حتى الجن يدخلون في ذلك.

قال رحمه الله تعالى: [ حتى يأخذ الله عز وجل لبعضهم من بعض: لأهل الجنة من أهل النار، وأهل النار من أهل الجنة، وأهل الجنة بعضهم من بعض، وأهل النار بعضهم من بعض ].

قال رحمه الله تعالى: [ وإخلاص العمل لله، والرضا بقضاء الله، والصبر على حكم الله، والإيمان بما قال الله عز وجل، والإيمان بأقدار الله كلها خيرها وشرها وحلوها ومرها، قد علم الله ما العباد عاملون وإلى ما هم صائرون، لا يخرجون من علم الله، ولا يكون في الأرضين ولا في السماوات إلا ما علم الله عز وجل، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولا خالق مع الله عز وجل ].

الرضا بقضاء الله

في هذه الفقرات إشارة إلى قواعد القدر، كما أن فيها إشارة إلى الرد على كثير ممن ضلوا في القدر، سواء القدرية النفاة أو الجبرية الغلاة، ففي قوله: (الرضا بقضاء الله)، فهذا فيه رد على عموم الخلق الذين يضيقون بقضاء الله وقدره، وكذلك قوله: (والصبر على حكم الله)، فهذا أمر عام يجب فيه على العبد أن يصبر على ما حكم الله وقضى، وهذا فيه إشارة أيضاً إلى نزعة في عموم الخلق الذين يضعف إيمانهم، فضعف الرضا بقضاء الله والصبر على حكمه نزعة توجد متى ضعف إيمان الإنسان حتى لو لم يكن من أصحاب الأهواء والبدع والافتراء، بل قد يكون ممن ينتسب إلى السنة من يتبرم بقضاء الله، وقد لا يصبر الصبر الكافي على حكم الله، فهذا التقرير هو تذكير لأهل الإيمان والتقوى والصلاح والاستقامة ولغيرهم بأن يروضوا أنفسهم على الرضا بقضاء الله والصبر على حكم الله.

قوله: (والإيمان بما قال الله عز وجل)، يعني في القدر وغيره، لكن الغالب أنه هنا يقصد ما قال الله في أمر القدر.

مراتب القدر ووجوب الإيمان بها

قوله: (والإيمان بأقدار الله كلها خيرها وشرها)، هذا فيه رد على عموم القدرية، فإن منهم من ينكر أقدار الله عز وجل في الخير والشر، وهؤلاء القدرية الغلاة، ومنهم من ينكر أن يكون الشر من تقدير الله، وهذا هو قول القدرية الأولى قدرية معبد الجهني وغيلان الدمشقي، وكذلك قول طوائف من القدرية الثانية وهم المعتزلة، فهم يقولون بأن الخير من تقدير الله لكن ينفون أن يكون الشر من تقدير الله، وبعضهم ينفي القدر مطلقاً، ويقول: لا قدر والأمر أنف، يعني أن الله لم يقدر أفعال المكلّفين.

فالقدرية الأولى أو ما بدأ قولهم بإنكار القدر إطلاقاً ثم خففت من قولها حتى حصرت إنكار القدر في الشر فقط، زعماً منهم أن نسبتها إلى الله لا تليق! مع أننا نعلم أن نسبتها إلى الله تقديراً غير نسبتها إلى الله عز وجل في الإرادة الدينية أو في الحب والرضا، فإن الله لا يحب الشر ولا يرضاه، لكنه قدره على العباد ابتلاء وجزاء لأعمالهم.

وقوله: (وحلوها ومرها) داخلة في خيرها وشرها.

الشاهد أن القدرية بداية أمرها كانت تُنكر أن يكون الله عز وجل قدّر أفعال المكلفين إطلاقاً، وهذا معنى شعارهم: لا قدر والأمر أنف، أي أن أفعال العباد مستأنفة لم يكن لله فيها تقدير ولا علم حتى حدثت، فلما حدثت دخلت في علم الله، ثم تدرجوا في التخفيف فأثبتوا العلم وبقوا على إنكار أقدار المكلفين، ثم أثبتوا أن يكون الخير من تقدير الله والشر ليس من تقدير الله، لكنهم أيضاً بفلسفة مخففة.

قوله: (قد علم الله ما العباد عاملون)، هذا فيه إثبات العلم المطلق لله عز وجل، وإثبات المرتبة الأولى من مراتب القدر.

ومراتب القدر أربع لا بد من الإيمان بها مجملة كلها، ثم لا بد من الإيمان بها مرتبة:

فأول مراتب القدر العلم، ومعناه أن الله علم ما كان وما يكون، وما سيكون كيف يكون.

ثم بعد ذلك الكتابة، فإن الله كتب كل شيء، فلما خلق القلم قال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء، فكل شيء في كتاب بما في ذلك أفعال العباد، بل أفعال العباد هي الأهم؛ لأنها خلقت من أجل هذه الأمانة التي تحملها العباد، وخُلقت من أجلها السماوات والأرضين.

ثم الدرجة الثالثة وهي المشيئة والإرادة: فإن الله أراد كل شيء إرادة كونية وشاءه مشيئة عامة.

ثم بعد ذلك الخلق، أي أن آخر مراتب القدر الخلق وهي المرتبة الرابعة، فالله خالق كل شيء.. فعلم كل شيء، وكتبه، وشاءه، وخلقه.. ومن هنا تنتظم جميع صور الموجودات في علمها وكتابتها ومشيئتها وتقديرها وخلقها، ومقاديرها التفصيلية كلها داخلة في علم الله عز وجل، فلا يعزب عن علمه مثقال ذرة سبحانه.

علم الله بكل شيء

قوله: (ولا يكون في الأرضين ولا في السماوات إلا ما علم الله عز وجل)، يعني لا يحدث شيء من دون علمه، وهذا أيضاً فيه إشارة إلى الرد على القدرية الذين يزعمون أن العباد يفعلون أشياء ليست في علم الله عز وجل.

قوله: (وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك)، بمعنى أن تعلم أنه إذا حدث لك شيء من خير أو شر فإنه مقدر، وقبل أن يحدث كان بإمكانك أن تفعل الأسباب في درء الشر وجلب الخير؛ لأن الله عز وجل علّق الأقدار بالأسباب في سابق علمه.. لكن إذا حدث الشيء فيجب ألا تفكّر في أنه بإمكانك أن تدفعه، ولا تدخل في حسابك للأمور السابقة كلمة (لو)، فتقول: لو أني فعلت كذا لحصلت على كذا من الخير، ولو أني فعلت كذا لما أصابني كذا؛ لأن ما أصابك من خير أو شر لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك.

قوله: (ولا خالق مع الله عز وجل)، هذا أيضاً فيه رد على المعتزلة أو طوائف من المعتزلة الذين يزعمون أن المكلف هو الذي يخلق أفعاله الاختيارية.

في هذه الفقرات إشارة إلى قواعد القدر، كما أن فيها إشارة إلى الرد على كثير ممن ضلوا في القدر، سواء القدرية النفاة أو الجبرية الغلاة، ففي قوله: (الرضا بقضاء الله)، فهذا فيه رد على عموم الخلق الذين يضيقون بقضاء الله وقدره، وكذلك قوله: (والصبر على حكم الله)، فهذا أمر عام يجب فيه على العبد أن يصبر على ما حكم الله وقضى، وهذا فيه إشارة أيضاً إلى نزعة في عموم الخلق الذين يضعف إيمانهم، فضعف الرضا بقضاء الله والصبر على حكمه نزعة توجد متى ضعف إيمان الإنسان حتى لو لم يكن من أصحاب الأهواء والبدع والافتراء، بل قد يكون ممن ينتسب إلى السنة من يتبرم بقضاء الله، وقد لا يصبر الصبر الكافي على حكم الله، فهذا التقرير هو تذكير لأهل الإيمان والتقوى والصلاح والاستقامة ولغيرهم بأن يروضوا أنفسهم على الرضا بقضاء الله والصبر على حكم الله.

قوله: (والإيمان بما قال الله عز وجل)، يعني في القدر وغيره، لكن الغالب أنه هنا يقصد ما قال الله في أمر القدر.

قوله: (والإيمان بأقدار الله كلها خيرها وشرها)، هذا فيه رد على عموم القدرية، فإن منهم من ينكر أقدار الله عز وجل في الخير والشر، وهؤلاء القدرية الغلاة، ومنهم من ينكر أن يكون الشر من تقدير الله، وهذا هو قول القدرية الأولى قدرية معبد الجهني وغيلان الدمشقي، وكذلك قول طوائف من القدرية الثانية وهم المعتزلة، فهم يقولون بأن الخير من تقدير الله لكن ينفون أن يكون الشر من تقدير الله، وبعضهم ينفي القدر مطلقاً، ويقول: لا قدر والأمر أنف، يعني أن الله لم يقدر أفعال المكلّفين.

فالقدرية الأولى أو ما بدأ قولهم بإنكار القدر إطلاقاً ثم خففت من قولها حتى حصرت إنكار القدر في الشر فقط، زعماً منهم أن نسبتها إلى الله لا تليق! مع أننا نعلم أن نسبتها إلى الله تقديراً غير نسبتها إلى الله عز وجل في الإرادة الدينية أو في الحب والرضا، فإن الله لا يحب الشر ولا يرضاه، لكنه قدره على العباد ابتلاء وجزاء لأعمالهم.

وقوله: (وحلوها ومرها) داخلة في خيرها وشرها.

الشاهد أن القدرية بداية أمرها كانت تُنكر أن يكون الله عز وجل قدّر أفعال المكلفين إطلاقاً، وهذا معنى شعارهم: لا قدر والأمر أنف، أي أن أفعال العباد مستأنفة لم يكن لله فيها تقدير ولا علم حتى حدثت، فلما حدثت دخلت في علم الله، ثم تدرجوا في التخفيف فأثبتوا العلم وبقوا على إنكار أقدار المكلفين، ثم أثبتوا أن يكون الخير من تقدير الله والشر ليس من تقدير الله، لكنهم أيضاً بفلسفة مخففة.

قوله: (قد علم الله ما العباد عاملون)، هذا فيه إثبات العلم المطلق لله عز وجل، وإثبات المرتبة الأولى من مراتب القدر.

ومراتب القدر أربع لا بد من الإيمان بها مجملة كلها، ثم لا بد من الإيمان بها مرتبة:

فأول مراتب القدر العلم، ومعناه أن الله علم ما كان وما يكون، وما سيكون كيف يكون.

ثم بعد ذلك الكتابة، فإن الله كتب كل شيء، فلما خلق القلم قال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء، فكل شيء في كتاب بما في ذلك أفعال العباد، بل أفعال العباد هي الأهم؛ لأنها خلقت من أجل هذه الأمانة التي تحملها العباد، وخُلقت من أجلها السماوات والأرضين.

ثم الدرجة الثالثة وهي المشيئة والإرادة: فإن الله أراد كل شيء إرادة كونية وشاءه مشيئة عامة.

ثم بعد ذلك الخلق، أي أن آخر مراتب القدر الخلق وهي المرتبة الرابعة، فالله خالق كل شيء.. فعلم كل شيء، وكتبه، وشاءه، وخلقه.. ومن هنا تنتظم جميع صور الموجودات في علمها وكتابتها ومشيئتها وتقديرها وخلقها، ومقاديرها التفصيلية كلها داخلة في علم الله عز وجل، فلا يعزب عن علمه مثقال ذرة سبحانه.

قوله: (ولا يكون في الأرضين ولا في السماوات إلا ما علم الله عز وجل)، يعني لا يحدث شيء من دون علمه، وهذا أيضاً فيه إشارة إلى الرد على القدرية الذين يزعمون أن العباد يفعلون أشياء ليست في علم الله عز وجل.

قوله: (وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك)، بمعنى أن تعلم أنه إذا حدث لك شيء من خير أو شر فإنه مقدر، وقبل أن يحدث كان بإمكانك أن تفعل الأسباب في درء الشر وجلب الخير؛ لأن الله عز وجل علّق الأقدار بالأسباب في سابق علمه.. لكن إذا حدث الشيء فيجب ألا تفكّر في أنه بإمكانك أن تدفعه، ولا تدخل في حسابك للأمور السابقة كلمة (لو)، فتقول: لو أني فعلت كذا لحصلت على كذا من الخير، ولو أني فعلت كذا لما أصابني كذا؛ لأن ما أصابك من خير أو شر لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك.

قوله: (ولا خالق مع الله عز وجل)، هذا أيضاً فيه رد على المعتزلة أو طوائف من المعتزلة الذين يزعمون أن المكلف هو الذي يخلق أفعاله الاختيارية.