شرح العقيدة الطحاوية [100]


الحلقة مفرغة

قال رحمه الله تعالى: [ قوله: (ولا نفضل أحداً من الأولياء على أحد من الأنبياء عليهم السلام، ونقول: نبي واحد أفضل من جميع الأولياء).

يشير الشيخ رحمه الله إلى الرد على الاتحادية وجهلة المتصوفة ].

هذا مذهب تفضيل طوائف من الناس على الأنبياء والرسل، وهذا المذهب يوجد في كثير من الطوائف الضالة، فبعضهم يصرح، وبعضهم يكون واقع حاله تفضيل البشر، أو تفضيل من يزعمون له الولاية أو القداسة والإمامة على الأنبياء، فممن يصرحون بالتفضيل، تفضيل أنفسهم، أو تفضيل من يقدسونه، أو تفضيل الأولياء والفلاسفة على الأنبياء، ممن يصرح بذلك الفلاسفة، فالفلاسفة كلهم، حتى الذين يسمون بالإسلاميين وعلى رأسهم الفارابي وابن سينا والسهروردي المقتول وابن سبعين وابن الفارض ومن سلك سبيلهم ممن زعم لهم الإسلام وليسوا كذلك، هؤلاء يصرحون بتفضيل الفلاسفة والأولياء على الأنبياء والمرسلين، وتوجد هذه النزعة عند طوائف الباطنية بشتى أنواعها، كل الباطنية بفرقها تفضل الأولياء أو الأئمة كل له في ذلك نزعة، يفضلون رؤسائهم على الأنبياء والمرسلين، وأحياناً يصرحون بإهانة المرسلين، وكذلك طوائف من المتصوفة، والمتصوفة أغلبهم ينزعون إلى الفلسفة وإلى الباطنية، لا تخلو أغلب مدارس الصوفية من النزعة الفلسفية التي تقول بتفضيل الأولياء على النبيين، أو النزعة الباطنية التي تقول بتفضيل الأئمة على الأنبياء.

ثم الرافضة حقيقة مذهبهم أنهم يفضلون الأئمة على الأنبياء، والاتحادية وغلاة الجهمية يدخلون في طوائف الفلاسفة وغلاة المتصوفة والباطنية.

كذلك كبار الجهمية وكبار المعتزلة نجد منهم من يفضل الطوائف من الفلاسفة والعقلانيين على الأنبياء، وبعضهم يلزمه ذلك من باب الإلزام، يعني: غلاة المتكلمين تدل نظرتهم إلى الدين الذي جاء به الرسل على أنهم يفضلون أنفسهم على الأنبياء؛ وذلك أنهم فضلوا عقولهم وأفكارهم وما ابتدعوه من مناهج في الدين على الأنبياء، هذا من باب الإلزام.

وهناك طوائف من الجهمية وطوائف من المعتزلة وبعض المتصوفة وبعض المتشيعة يلمحون لهذا ولا يصرحون، أما خلّص الرافضة وخلّص الباطنية وخلّص المتصوفة الغلاة، وخلّص الفلاسفة فهؤلاء يصرحون بالتفضيل، ولا عندهم في ذلك أي تردد، ويبالغون في هذا في مؤلفاتهم، وفيما أُثر عنهم من كلام، وفي أشعارهم.. وفي غير ذلك، فقد قرروه تقريراً، وانتصروا له في مؤلفات وكتب.

قال رحمه الله تعالى: [ يشير الشيخ رحمه الله إلى الرد على الاتحادية وجهلة المتصوفة، وإلا فأهل الاستقامة يوصون بمتابعة العلم ومتابعة الشرع، فقد أوجب الله على الخلق كلهم متابعة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ [النساء:64].. إلى أن قال: وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].

وقال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31] ].

الاتحادية هم أصحاب الاتحاد من الفلاسفة والباطنية وغلاة الصوفية، وهؤلاء كلهم مذهبهم واحد، يختلفون فقط في التعبيرات عن المذهب.

والاتحادية هم الذين يرون اتحاد الخالق بالمخلوق أو اتحاد المخلوق بالخالق، بعضهم يعبر عن مسألة الاتحاد بزعمه أنه حلت فيه الإلهية، مثل ما فعل الحلاج ، وبعضهم يزعم أن الله الخالق حل في المخلوقات أو اتحد فيها، وهذا مذهب كثير من غلاة الصوفية، فهؤلاء كلهم اتحادية، الذين يزعمون اتحاد الخالق بالمخلوق أو ببعض مخلوقاته، أو الذين يزعمون اتحاد المخلوقات أو بعض المخلوقات بالله عز وجل بأي نوع من أنواع الاتحاد.

وعلى ذلك يعد التثليث عند النصارى والتثنية عند المجوس، وكذلك مذاهب غلاة الصوفية كلها نوع من الاتحاد.

والاتحاد يشمل وحدة الوجود، وإن كانت الوحدة أخص أو أصرح في التعبير من الاتحاد، لكن مع ذلك فإن الاتحاد يشمل هذه المذاهب كلها؛ لأن الاتحاد يعبر عنه بعدة تعبيرات، فمنهم من يقصد بالاتحاد الاتحاد الجزئي، وهم أغلب أصحاب الاتحاد، ومنهم من يقصد بالاتحاد الاتحاد الكلي، وهؤلاء أحياناً يعبرون عن ذلك بوحدة الوجود، ولذلك يقال لهم: أصحاب وحدة الوجود، وهم في الحقيقة اتحادية، لكن عمموا مسألة الاتحاد حتى سموا بأصحاب وحدة الوجود، وهم الذين يرون أنه لا فرق بين الخالق والمخلوق، فكل من الخالق والمخلوق يتمثلون في هذا الخلق، تعالى الله عما يزعمون.

قال رحمه الله تعالى: [ قال أبو عثمان النيسابوري : من أمّر السنة على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة.

وقال بعضهم: ما ترك بعضهم شيئاً من السنة إلا لكبر في نفسه.

والأمر كما قال؛ فإنه إذا لم يكن متبعاً للأمر الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يعمل بإرادة نفسه، فيكون متبعاً لهواه بغير هدى من الله، وهذا غش النفس، وهو من الكبر، فإنه شعبة من قول الذين قالوا: لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [الأنعام:124]، وكثير من هؤلاء يظن أنه يصل برياسته واجتهاده في العبادة، وتصفية نفسه، إلى ما وصلت إليه الأنبياء من غير اتباع لطريقتهم.

ومنهم من يظن أنه قد صار أفضل من الأنبياء.

ومنهم من يقول: إن الأنبياء والرسل إنما يأخذون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء، ويدعي لنفسه أنه خاتم الأولياء، ويكون ذلك العلم هو حقيقة قول فرعون، وهو أن هذا الوجود المشهود واجب بنفسه، ليس له صانع مباين له، لكن هذا يقول: هو الله، وفرعون أظهر الإنكار بالكلية، لكن كان فرعون في الباطن أعرف بالله منهم، فإنه كان مثبتاً للصانع، وهؤلاء ظنوا أن الوجود المخلوق هو الوجود الخالق كـابن عربي وأمثاله، وهو لما رأى أن الشرع الظاهر لا سبيل إلى تغييره قال: النبوة ختمت، لكن الولاية لم تختم! وادعى من الولاية ما هو أعظم من النبوة، وما يكون للأنبياء والمرسلين، وأن الأنبياء مستفيدون منها، كما قال:

مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي ].

أشار المؤلف إلى بدعة تفضيل الأولياء على الأنبياء، وسبق الكلام عن هذا في درس من دروس الأهواء الملحق بهذا الدرس، لكن أحب الآن أن أنبه إلى مسألة مهمة دائماً تحدث عند تصور البدع، ولعلنا نستفيد منها فيما يجب أن يسلكه طلاب العلم في محاربة البدع، أو محاربة ذرائع البدع التي تحدث كثيراً عند الناس، وهو أن كثيراً من هذه الأفكار التي من ضمنها تفضيل الأولياء على الأنبياء، بدأت وكأنها ساذجة، وكأنها أفكار أو شبهات خفيفة ما تنبه لها الناس، وتفضيل الأولياء على الأنبياء، أو تفضيل طائفة من الناس على الأنبياء، هذه نزعة فلسفية كما قلت، توجد عند أكثر المستكبرين على النبوة وعلى الأنبياء، وعلى رأسهم الفلاسفة والباطنية وغلاة الصوفية وأهل الأهواء في كل ديانة، الذين يفارقون ديانات الأنبياء يوجد عندهم هذا الاستكبار، الذي يجعلهم يفضلون طوائف ممن يقدسونهم على الأنبياء، إما التفضيل المباشر الصريح، وإما التفضيل غير المباشر، وإنما يكون من لوازم المذاهب التي يلجئون إليها؛ لأن من سلك غير طريق النبيين لا شك أنه استهان بهم، وفضل عليهم غيرهم، لكن هنا نشأت هذه البدعة في تاريخ الإسلام، ربما يقول قائل: كيف تنتشر هذه البدعة التي يظهر عوارضها وخطؤها بشكل بيّن بين المسلمين؟ أقول: انتشرت غيرها من البدع في البداية حذرة غير بينة، وقد بدأت هذه الدعوى في منتصف القرن الثالث على أيدي العباد الجهلة، أو العباد الذين اختلط فيهم -والله أعلم- مسلك العبادة السنية عن جهل مع مسالك العبادات البدعية، أو عن تبييت لإفساد الإسلام والله أعلم بأحوال الأشخاص، لكن في الجملة الذي يتأمل أحوال العباد الأوائل في القرن الثاني والثالث، يجد منهم طوائف عمقت البدعة، وأخذت عن الأمم السابقة كثيراً من المذاهب والنحل والديانات، وأظهرتها بين المسلمين بشعار المسلمين وبالصبغة الإسلامية، وقد يكون ممن ينتسبون للسنة من العباد والنساك من وقع في هذه البدع، تقليداً لغيرهم دون أن يشعر أنها بدعة، وذلك ناتج عن جهله، وعن بعده عن مناهج العلماء، وعن عدم التزامه لسلوك الأئمة في وقته، وقد يكون من أصحاب الخير والفضل والاستقامة في ذاته، لكن نجد دائماً أن كل من كان عنده شيء من الجهل، أو الابتعاد عن مسالك السلف، إذا وضع نفسه إماماً في الدين، أو وضعته طائفة من الناس إماماً في الدين، فإنه يخطئ ويزل، ويتبع الناس زلته؛ بسبب صلاحه، فذكر شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من المحققين أن أول من تكلم بمسألة تفضيل الولي على النبي أحمد بن أبي الحواري ، وهو من العباد المشاهير المتوفى سنة (246هـ)، وكانت عبارته حذرة، ولما استنكر العلماء ذلك عليه أخرجه العوام من دمشق؛ لأن العوام الذين هم على الفطرة في الغالب يمتثلون توجيهات أهل العلم، ثم لما شاعت هذه المسألة وتكلم عنها أهل العلم انطفأت بعض الوقت، ولم يجرؤ أحد أن يقولها، حتى جاء الحكيم الترمذي ، وهو معاصر لـابن أبي الحواري تقريباً، فكتب هذه المسألة في كتاباته ومؤلفاته، وأشار إشارة صرح فيها بختم الولاية، وأن الولاية تختم كما تختم النبوة، وهذه مسألة في الحقيقة فيها نوع من الأخذ بالقول بتفضيل الأولياء، لكن غير صريح، يعني: مسألة القول بختم الأولياء كما تختم النبوة فيها نوع من رفع مقام الأولياء، ولم يصرح صاحب هذا القول بالتفضيل، لكنه قال بختم الولاية، وختم الولاية تعلق بها أهل البدعة بعد ذلك، وبدءوا يتكلمون عن الأولياء، وأنهم لهم مقام مثل مقام الأنبياء، وأن لهم خاتماً كما للأنبياء خاتم، وأن الولاية تختم كما أن النبوة تختم، هذا القول صار مذهباً في الصوفية الأوائل بعد ابن أبي الحواري ، وبعد الحكيم الترمذي ؛ لأن الحكيم الترمذي أيضاً ينتسب للتصوف، وينتسب لأهل الحديث مع الأسف، وهذا مما جعل الناس يفتنون بأقواله في وقتها، رغم أن السلف أنكروا عليه وخطئوه، وقالوا فيه القول اللازم؛ لكن نظراً لأنه جمع بين الاهتمام بالحديث وبين نزعة التصوف، تلقف الناس الذين عندهم نزعة تصوف هذا القول له، ثم تطور حتى صرح أصحابه بتفضيل الأولياء على الأنبياء، وأن هناك خاتماً للأولياء كما للأنبياء خاتم، ثم ادعى ابن عربي أنه خاتم الأولياء بعد ذلك، وهو المتوفى سنة (636هـ).

وابن أبي الحواري من العباد المشاهير أثنى السلف عليه خيراً، لكن بعض العباد الذين أثنى عليهم السلف خرجت منهم دواه، وكثير من السلف يعذرونهم؛ لجهلهم ولتأولهم، ولأنهم ما أصلوا هذه البدعة قصداً، ولأنهم في الغالب تأثروا بغيرهم، والمشكلة بأن أكثر العباد الأوائل مقلدة لعباد الأمم الأخرى، فتجد المتصوفة الأوائل أكثرهم من المعجبين بعباد النصارى، وعباد المجوس، وعباد الصابئة، في جوانب من جوانب عباداتهم، قد يرفضون عقيدتهم ويرفضون ديانتهم، لكن يعجبون بمظاهر العبادة عندهم، ولذلك تجد كثيراً من العباد الأوائل يقول: سمعت راهباً، وقال لي، وقلت له، ورأيت راهباً يفعل ويقول، أو رأيت راهباً يلبس ويفعل، فيفعل مثله، يعني: ما عندهم نوع من الالتزام في التلقي؛ بسبب جهلهم وبعدهم عن العلماء، ونزعة البعد عن العلم والعلماء هي بداية الانحراف، خاصة في العباد المنتسبين للسنة، فأول نزعة انحراف عندهم أنهم هجروا العلم والعلماء، وتعبدوا الله بذلك، فبدأت عندهم مثل هذه الأقوال، ودخلت من خلالهم مذاهب الأمم الضالة، وربما استغفلهم كثير من الضالين ومن الزنادقة، فيوحون إليهم بهذه الوساوس، فتقع منهم هذه الزلات، مثل ما وقع من أحمد بن أبي الحواري .

كذلك الجنيد نفسه وقعت منه أشياء رغم التزامه السنة، حصلت منه أشياء تعتبر مرتكزاً لأهل البدعة فيما بعد.

وكذلك الحارث المحاسبي إمام في العبادة والنسك والتنسك.. وغير ذلك، وقعت منه أشياء صارت مرتكزاً للزلات الطرقية فيما بعد، ومع ذلك أثنى على هؤلاء العباد العلماء حتى أعلنوا البدع، لما أعلن الحارث المحاسبي بعض البدع المتعلقة بمتابعته لـابن كلاب ، وأيضاً لتعلقه ببعض مظاهر التصوف هجره الإمام أحمد وغضب عليه، وأمر بهجره، لكن أكثرهم لا يظهر شيئاً وإذا رأى الإنكار تراجع، فـابن أبي الحواري لما رأى الإنكار تراجع، لكن بعد ما انتشرت عنه هذه المقولة، ثم تلقفها الحكيم الترمذي في وقته، ثم بعد الحكيم الترمذي صارت أصلاً من أصول الطرقية المتصوفة، ثم فرح بها أمثال ابن عربي فأعلنها، وزعم أنه خاتم الأولياء كما أن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، كما سيأتي التفصيل.

قال رحمه الله تعالى: [ وهذا قلب للشريعة، فإن الولاية ثابتة للمؤمنين المتقين، كما قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:61-62]، والنبوة أخص من الولاية، والرسالة أخص من النبوة، كما تقدم التنبيه على ذلك ].

وقال ابن عربي أيضاً في فصوصه: ولما مثل النبي صلى الله عليه وسلم النبوة بالحائط من اللبن، فرآها قد كملت إلا موضع لبنة، فكان هو صلى الله عليه وسلم موضع اللبنة، وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤية، فيرى ما مثله النبي صلى الله عليه وسلم، ويرى نفسه في الحائط في موضع لبنتين، ويرى نفسه تنطبع في موضع كلتا اللبنتين، فيكمل الحائط؛ والسبب الموجب لكونه يراها لبنتين أن الحائط لبنة من فضة ولبنة من ذهب، واللبنة الفضة هي ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام، كما هو آخذ عن الله في السر ما هو في الصورة الظاهرة متبع فيه؛ لأنه يرى الأمر على ما هو عليه؛ فلا بد أن يراه هكذا، وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحى إليه إلى الرسول.

قال: فإن فهمت ما أشرنا إليه، فقد حصل لك العلم النافع ].

عند تأمل كلام ابن عربي ينبغي أن نستصحب من خلال هذا التأمل مدى جهل الذين يعتذرون لـابن عربي أو يجهلون كفره؛ لأن كفريات ابن عربي كثيرة وثابتة في كل كتبه، ومن أمثلته هذا، مع أن هذا على وضوحه يعتبر من الكفريات التي تحتاج إلى بيان عند بعض الناس، وله كفريات صريحة وواضحة مثل الشمس.

قال رحمه الله تعالى: [ فمن أكفر ممن ضرب لنفسه المثل بلبنة ذهب، وللرسول المثل بلبنة فضة، فيجعل نفسه أعلى وأفضل من الرسول؟! تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ [البقرة:111].

إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ [غافر:56]، وكيف يخفى كفر من هذا كلامه؟! وله من الكلام أمثال هذا، وفيه ما يخفى من الكفر، ومنه ما يظهر، فلهذا يحتاج إلى ناقد جيد ليظهر زيفه، فإن من الزغل ما يظهر لكل ناقد، ومنه ما لا يظهر إلا للناقد الحاذق البصير.

وكفر ابن عربي وأمثاله فوق كفر القائلين: لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ [الأنعام:124]، ولكن ابن عربي وأمثاله منافقون زنادقة، اتحادية في الدرك الأسفل من النار، والمنافقون يعاملون معاملة المسلمين؛ لإظهارهم الإسلام، كما كان يظهره المنافقون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ويبطنون الكفر، وهو يعاملهم معاملة المسلمين؛ لما يظهر منهم، فلو أنه ظهر من أحد منهم ما يبطنه من الكفر لأجرى عليه حكم المرتد، ولكن في قبول توبته خلاف، والصحيح عدم قبولها، وهي رواية معلى عن أبي حنيفة رضي الله عنه، والله المستعان.

قوله: (ونؤمن بما جاء من كراماتهم، وصح عن الثقات من رواياتهم).

المعجزة في اللغة تعم كل خارق للعادة، وفي عرف أئمة أهل العلم المتقدمين وغيره، ويسمونها الآيات، ولكنْ كثير من المتأخرين يفرقون في اللفظ بينهما، فيجعلون المعجزة للنبي، والكرامة للولي، وجماعها: الأمر الخارق للعادة ].

أقرب الأوصاف الشرعية لمعجزات الأنبياء أنها آيات أو دلالات، وقد ذكر الله عز وجل أنها آيات، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم بأنها آيات، وكلمة معجزة هي وصف للآيات وليست اسماً لها، فلذلك ينبغي أن يعبر عن المعجزة بالآية، ويقال: من أوصاف هذه الآيات أنها معجزة، ومن سمات الآيات أنها معجزة، فحصر الشيء ببعض وصفه فيه إضعاف للدلالة، هذا بالنسبة لمعجزات الأنبياء، والآيات التي تحدث من دون الأنبياء تسمى كرامات، إذا كانت على أيدي صالحين، وتسمى دجلاً ومخارق وخوارق إذا كانت على أيدي غير صالحين، ومع ذلك فالكرامات خارقة في وصفها اللغوي، لكن لا تسمى الآيات والمعجزات والخوارق كرامات، إلا إذا توافرت فيها صفات الكرامة، وإذا كانت الخوارق للأنبياء فهي آيات، ومن أوصافها أنها معجزة، وإذا ما توافرت في الأنبياء فلا تسمى معجزات، لكن تسمى آيات ودلائل؛ لأنها تلحق بدلائل النبوة.

فكرامات الأولياء تلحق بدلائل النبوة؛ لأن الأولياء الذين توافرت عندهم صفة الكرامة أتتهم الكرامة باتباعهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وبتقواهم، وصارت كراماتهم امتداداً لآيات النبي صلى الله عليه وسلم، ودلائل نبوته.

قال رحمه الله تعالى: [ فصفات الكمال ترجع إلى ثلاثة: العلم، والقدرة، والغنى، وهذه الثلاثة لا تصلح على الكمال إلا لله وحده ].

يعني: هذه صفات الكمال التي يكون فيها الإعجاز، والتي تنبثق منها الآيات الكونية، أو آيات الأنبياء، فشيء يرجع إلى العلم، وشيء يرجع إلى القدرة، وشيء يرجع إلى الغنى.

قال رحمه الله تعالى: [وهذه الثلاثة لا تصلح على الكمال إلا لله وحده، فإنه الذي أحاط بكل شيء علماً، وهو على كل شيء قدير، وهو غني عن العالمين، ولهذا أُمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبرأ من دعوى هذه الثلاثة، بقوله: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ [الأنعام:50]، وكذلك قال نوح عليه الصلاة والسلام، فهذا أول أولي العزم، وأول رسول بعثه الله إلى الأرض، وهذا خاتم الرسل وخاتم أولي العزم، وكلاهما تبرأا من ذلك؛ وهذا لأنهم يطالبونهم تارة بعلم الغيب، كقوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا [الأعراف:188] ].

الآن بدأ يفصل في مسألة الثلاثة: العلم، والقدرة، والغنى، وأن هذه هي التي يكون فيها الإعجاز، وهي التي لا تكون على وجه الكمال إلا لله عز وجل، بدأ يفصل فيها، فالأولى كمال العلم، ومن ذلك علم الغيب، وهذا لا يكون إلا لله.

قال رحمه الله تعالى: [ وتارة بالتأثير ].

الحديث عن التأثير يرجع إلى كمال القوة، التي لا تكون إلا لله عز وجل، أو كمال القدرة التي أشار إليها قبل قليل.

قال رحمه الله تعالى: [ كقوله تعالى: وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا [الإسراء:90].

وتارة يعيبون عليهم الحاجة البشرية ].

هذا راجع إلى كمال الغنى الذي أشار إليه من قبل.

قال رحمه الله تعالى: [ كقوله تعالى: وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ [الفرقان:7].

فأمر الرسول أن يخبرهم بأنه لا يملك ذلك ].

يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك كمال العلم، ولا كمال القدرة، ولا كمال الغنى، إلا ما منحه الله عز وجل.

قال رحمه الله تعالى: [ وإنما ينال من تلك الثلاثة بقدر ما يعطيه الله، فيعلم ما علّمه الله إياه، ويقدر على ما أقدره عليه، ويستغني عما أغناه عنه من الأمور المخالفة للعادة المطردة، أو لعادة غالب الناس ].

العادة المطردة المخالفة هي الآيات الكونية، والعادة المخالفة لعادة غالب الناس هذه ما دون العادات الكونية، مثل: كشف المجهول، والقدرة على ما يعجز عنه كثير من المخلوقين، أو جلب النفع، أو دفع الضر فيما لا يقدر عليه البعض ويقدر عليه الآخر، هذا مما يقدر عليه بعض المخلوقين، وكشف المجهول من دون الغيب، ليس هو الغيب؛ لأن الغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل، لكن ما هو مجهول عنا تعلمه الملائكة، وكذلك ما هو مجهول عنا تعلمه الجن؛ لأن الجن ليس عليهم حجب في كثير من الأمور، وكذلك هناك أمور لا يقدر عليها البشر، يقدر عليها الملك، ويقدر عليها الجني، وهناك أمور أيضاً قد لا يستطيع أن ينفع بها الإنسي، لكن قد ينفع بها الجني.. وغيره، وهذه داخلة في خوارق العادات.

أما الأمور المخالفة للعادات المطردة فهي لا شك الآيات الكونية، مثل: شق القمر، مثل: حبس الشمس، هذه أمور تخرج عن قدرة جميع الخلق، وهناك أمور لا تخرج عن قدرة جميع الخلق، لكنها تخرج عن قدرة البشر، وهذه التي غالباً تكون فيها الكرامات، وتكون فيها أيضاً المخارق وأنواع الدجل من السحرة والدجالين؛ لأنهم يستعينون بمن يقدر على ما لا يقدر عليه الإنسان، يستعينون بجني ليأتي بخبر بينك وبينه آلاف الأميال، لكن الجني أعطاه الله عز وجل قدرة، قد يحضر الجني والشيطان شيئاً غائباً، فهذه داخلة في مخالفة عادة غالب الناس أو عادة الناس، لكن مما يقدر عليه مخلوق آخر.

قال رحمه الله تعالى: [ فجميع المعجزات والكرامات ما تخرج عن هذه الأنواع.

ثم الخارق إن حصل به فائدة مطلوبة في الدين كان من الأعمال الصالحة المأمور بها ديناً وشرعاً، إما واجب أو مستحب، وإن حصل به أمر مباح، كان من نعم الله الدنيوية التي تقتضي شكراً، وإن كان على وجه يتضمن ما هو منهي عنه نهي تحريم أو نهي تنزيه، كان سبباً للعذاب أو البغض، كالذي أوتي الآيات فانسلخ منها بلعام بن باعورا ، لاجتهاد أو تقليد، أو نقص عقل أو علم، أو غلبة حال، أو عجز أو ضرورة.

فالخارق ثلاثة أنواع: محمود في الدين، ومذموم، ومباح؛ فإن كان المباح الذي فيه منفعة كان نعمة، وإلا فهو كسائر المباحات التي لا منفعة فيها.

قال أبو علي الجوزجاني : كن طالباً للاستقامة لا طالباً للكرامة، فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة، وربك يطلب منك الاستقامة.

قال الشيخ السهروردي في عوارفه: وهذا أصل كبير في الباب، فإن كثيراً من المجتهدين المتعبدين سمعوا سلف الصالحين المتقدمين، وما منحوا به من الكرامات وخوارق العادات، فنفوسهم لا تزال تتطلع إلى شيء من ذلك، ويحبون أن يرزقوا شيئاً منه، ولعل أحدهم يبقى منكسر القلب متهماً لنفسه في صحة عمله، حيث لم يحصل له خارق، ولو علموا بسر ذلك لهان عليهم الأمر، فيعلم أن الله يفتح على بعض المجاهدين الصادقين من ذلك باباً، والحكمة فيه أن يزداد بما يرى من خوارق العادات وأمارة القدرة يقيناً؛ فيقوى عزمه على الزهد في الدنيا، والخروج عن دواعي الهوى، فسبيل الصادق مطالبة النفس بالاستقامة، فهي كل الكرامة ].

هذه إشارة إلى أن تعلق بعض الناس بالكرامة، واعتبارها هي دليل الصلاح أو دليل التوفيق هذا خطأ، خاصة من يطلبون الكرامات ويلتمسونها، ولذلك الذين يجعلون كثرة الكرامات دليلاً على الاستقامة، أو أن قلة الكرامات دليل على عدم الاستقامة وعدم التوفيق، هؤلاء يخطئون؛ فإن الكرامة هبة من الله عز وجل يهبها لمن يشاء بقدر، أيضاً لم تكن من الأمور الذي يفتن بها الصالحون، ولذلك نجد أن الكرامات عند أولياء الله الصالحين من الصحابة رضي الله عنهم، ومن جاء بعدهم قليلة.

ولما وجد من العباد والجهلة والمبتدعة من كثر تعلقهم بالكرمات، كثرت عندهم الكرامات والمخارق أيضاً، واختلطت عليهم الكرامة بالخوارق وبالمخارق والدجل، ولذلك فتن بعضهم.

وهناك طائفة من الدعاة الذين ينتسبون لبعض الجماعات يتعلقون كثيراً بالكرامات، ويجعلونها دليلاً دائماً أو غالباً على التوفيق والصلاح والاستقامة، وهذا خطأ، فكونهم يفرحون بالكرامة هذا أمر طيب، وإذا حدثت الكرامة لمسلم استبشر بها، لكن أن يطلبها ويتعلق بها قلبه، بحيث يعتمد عليها كثيراً، وأن يشيعها ويجعلها دليلاً على الاستقامة والتوفيق، فهذا خطأ؛ لأن الإكثار من ذلك ليس هو من سبيل المؤمنين، ولم يكن الإكثار من الكرامة أو التنويه عنها أو التماسها والتعلق بها من السنة، وإنما كما قال الشارح: إن أكبر كرامة للمؤمن أن هداه الله عز وجل ووفقه وسدده وأعانه، هذه بحد ذاتها كرامة، فلا ينبغي أن يبحث عن غيرها، إلا إن جاءت بدون طلب فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وليستبشر بها خيراً، لكن أن يلتمسها ويتعلق بها خاطره، ثم يبدأ يتعلق بها في مناماته ورؤاه، ويتعلق بها في أحواله الأخرى، فهذا مما يضعف التوكل على الله عز وجل، ويروج البدعة في كثير من الأمور، ويضعف جانب الصلاح والاستقامة في الظاهر.

قال رحمه الله تعالى: [ ولا ريب أن للقلوب من التأثير أعظم مما للأبدان، لكن إن كانت صالحة كان تأثيرها صالحاً، وإن كانت فاسدة كان تأثيرها فاسداً، فالأحوال يكون تأثيرها محبوباً لله تعالى تارة، ومكروهاً لله أخرى، وقد تكلم الفقهاء في وجوب القود على من يقتل غيره في الباطن ].

يشير المؤلف رحمه الله إلى جانب آخر مما يلتبس على الناس بالكرامات، وهو جانب المؤثرات المعنوية والمؤثرات النفسية وتعلق النفس بها، وجعلها من ضمن الأسباب.

والمقصود بهذا أن هناك من يتوسع في مفهوم الخوارق، حتى يستخدمها في ضر الناس ونفعهم، أو في كف الشر عنه، أو في جلب الخير إليه، كما يحدث من بعض الرقاة الجهلة، ويحدث من بعض المشعوذين وبعض الدجالين أو بعض المبتدعة، أو غيرهم من الذين عندهم نوع من الصلاح، لكن عن جهل، فهؤلاء قد يستخدمون بعض التأثيرات النفسية، أو يستخدمون أحياناً الجن، أو يستخدمون الرقى في التأثير على الخصم.

ولذلك تكلم الفقهاء في وجوب القود على من يقتل غيره في الباطن، يعني: بغير سلاح مباشر، كمن يستخدم العين للقتل، وهذا يوجد عند بعض الحسدة مرضى القلوب، يعين الناس حتى يقتل بعضهم، نسأل الله العافية.

أو يستعين بعائن، بأن يذهب إلى عائن مشهور ممن لا يتقون الله، من الجهلة المركبين في الجهل، ويكون مشهوراً بالعين، فيقول عن لي فلاناً، أو افعل معه كذا، أو سأصفه وأنت اصرف له العين.. إلى آخره..! فيحدث أحياناً قتل للنفس، ويحدث مثل هذا عن طريق الجن أيضاً، بعض الناس يستعين بالجن استعانة يظن أنها مشروعة على قتل خصومه، أو قتل من يكرههم ومن يحسدهم، هذا كله من القتل بغير سلاح، واختلف أهل العلم هل فيه قود أو ليس فيه قود؟ هذه مسألة خلافية مبنية على عدم وجود القرينة أو الدليل القطعي على التعمد في القتل؛ أما إذا وجد التعمد في القتل بهذه الوسيلة فلا شك أنه من باب القتل الذي توعد الله به من يفعله، إنما يبقى هل يكون فيه قود (قصاص) أو لا يكون؟

والشاهد عندنا أن هؤلاء يستعملون هذه المخارق، وهذه الأساليب الدجلية، ويظنون أنها مشروعة في التأثير على خصومهم، أو في الإضرار بالآخرين، وبعضهم ربما يظن أن من الكرامة أن يستعين بعائن، أو ساحر، أو دجال على خصمه، كما يفعل كثير من المبتدعة، وأكثر ما توجد هذه الخرافات عند المبتدعة، لكن مع الأسف بدأت هذه الظواهر تظهر في مجتمعاتنا، وينبغي لأهل العلم أن يأخذوا هذه الأمور بحزم، وأن ينبهوا الناس بخطرها، بدأت تدخل هذه الأمور على كثير ممن يمارسون الرقى، أو كثير ممن يمارسون العلاج بالأدوية الطبيعية، أو بالدجل والشعوذات، بدءوا يجرءون على مثل هذه الأمور، ويجعل ذلك بطرق باطلة، أما استعمال الأدوية الطبيعية أو الرقية الشرعية فهذا مشروع، لكن بدأت طوائف من الناس تتعدى المشروع، وفتن الناس بهذه الطوائف، وصار كثير ممن يبتلون بشيء من الأمراض أو الأضرار أو غيرها يلجئون إلى بعض من عنده شيء من الدجل؛ من أجل فعل هذه الممنوعات، فينبغي أن يتنبه طلاب العلم لهذا الأمر، وأجد -بحمد الله- في الآونة الأخيرة هناك نوعاً من التوعية المركزة من قبل المسئولين والمشايخ وطلاب العلم، لكنها تحتاج إلى مزيد مواصلة في هذه الأمور.

قال رحمه الله تعالى: [ وهؤلاء يشهدون ببواطنهم وقلوبهم الأمر الكوني، ويعدون مجرد خرق العادة لأحدهم أنه كرامة من الله له، ولا يعلمون أنه في الحقيقة إنما الكرامة لزوم الاستقامة، وأن الله تعالى لم يكرم عبداً بكرامة أعظم من موافقته فيما يحبه ويرضاه، وهو طاعته وطاعة رسوله، وموالاة أوليائه، ومعاداة أعدائه، وهؤلاء هم أولياء الله الذين قال الله فيهم: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، وأما ما يبتلي الله به عبده من السراء بخرق العادة أو بغيرها أو بالضراء، فليس ذلك لأجل كرامة العبد على ربه ولا هوانه عليه، بل قد سعد بها قوم إذ أطاعوه، وشقي بها قوم إذ عصوه، كما قال تعالى: فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا [الفجر:15-17] ].

في هذا إشارة إلى أن بعض ما يحصل للناس من دفع الضر أو جلب النفع، بأمور غيبية أو بأمور خارقة، أو حتى أحياناً بكرامات قد تكون من الأمور التي يكرم الله بها عبده، قد تكون من باب الابتلاء، وبعض الناس قد ينفعه الله عز وجل بأن يدفع عنه الضر، أو يجلب إليه النفع بأمر غامض، أحياناً عن طريق رؤيا من الرؤى، وكثيراً ما يحدث أن يرى بعض الناس لنفسه رؤيا تنقذه من هلكة بإذن الله، أو يرشده الله عز وجل إلى ما يدفع به بلاءً عنه، أو ما يجلب به مصلحة، وأحياناً يرى له غيره، وهذا حق في حد ذاته، إذا جعلنا الرؤيا جزءاً من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، وهي مبشرات، لكن ليست هذه قاعدة مضطردة، قد يكون هذا من باب الاضطرار، أي: أن ييسّر الله للعبد هذا عن طريق رؤيا، أو عن طريق كرامة، أو عن طريق أمر غيبي، قد يكون هذا بسبب كثرة اللجوء إلى الله عز وجل، والله يجيب المضطر حتى وإن كان كافراً أحياناً، وأحياناً يكون من باب الابتلاء، وأحياناً يكون أيضاً بسبب دعوة أخ له بظهر الغيب، ولا يلزم أن يكون هذا من باب الإكرام، بل أحياناً قد تكون كرامة يكرم الله بها العبد؛ ليبتليه بعد ذلك، هل يشكر ويصبر؟ وأحياناً تكون استدراجاً للعاصي، وقد تكون أيضاً مفتاح خير له، بعض الناس إذا انتفع بأمر غيبي قد يكون هذا من أسباب الهداية له.

إذاً: القاعدة أنه لا يلزم أن تكون مثل هذه الأمور كرامة، وإذا كانت كرامة لا يلزم أن تكون دليلاً على الصلاح إلى الأبد، قد تكون هذه الكرامة موعظة للإنسان وعبرة له، فإن استمر على الاستقامة حسنت حاله، وإن اغتر بالكرامة، وجعلها دليلاً على الصلاح، ثم لم يشكر الله عز وجل كما ينبغي، ولم يواصل العبادة والاستقامة هلك، ولذلك نجد كثيراً من أهل البدع الأوائل الذين أنشئوا البدع، ابتلي ببدعته بسبب كثرة الرؤى، وظن أن هذه الرؤى دليل الصلاح، حتى إن بعضهم ادعى النبوة لهذا السبب، تواترت عليه الخوارق حتى وصل الأمر به إلى أن ادعى النبوة، أو ادعى المهدية، وتجدون في الأحداث الماضية بعض الذين خرجوا من بين أهل السنة والجماعة مع الأسف، لما تعلقت نفوسهم بالرؤى والأحلام والكرامات ادعوا لواحد منهم المهدية كذباً وزوراً، وهذا من عبث الشياطين بهم، وهم في ظاهرهم يظنون أنهم من الصالحين، ويظنهم كثير من الناس أنهم من الصالحين، لكن إذا تجاوز المرء الحد الشرعي، وعلق على الرؤى أحكاماً تخالف أحكام الله عز وجل، ووضع مناهج تخالف مناهج السلف، كان هذا من باب الابتداع، فلذلك فليحذر طالب العلم من التعلق بهذه الأمور، ونقف عند هذا الحد؛ لأن المقطع الثاني مقطع فاصل.

المقصود بولاية الفقيه وبيان وقت ظهور هذا المصطلح

السؤال: ما المقصود بولاية الفقيه عند الرافضة؟ وهل هو مصطلح قديم أو هو حادث بعدما قامت دولتهم في إيران أذلهم الله؟

الجواب: ولاية الفقيه لا شك أنها من حيث فلسفتها الحديثة تعتبر أمراً حادثاً عند الرافضة، وإن كان يوجد عند بعض فقهائهم من يشير إلى هذا، لكنها كمذهب معلن لم يجرؤ أحد على إعلانه، والقول به واعتماده عند الرافضة إلا الخميني، ويقصد به الخميني أنه لا بد من أن يكون للمهدي المزعوم الذي يسمونه المنتظر من يمهّد لهم لظهوره؛ وذلك بأن يتولى ولاية الرافضة في شئونهم العلمية والفقهية والدينية، نيابة عن المهدي ، وهذا الوالي الذي يمهّد للمهدي هو الفقيه، أو ما يسمونه: الآية.

إذاً: معنى ولاية الفقيه: أن الفقيه ينبغي أن يقوم ببعض واجبات المهدي المعلقة إلى خروج المهدي ، فهم مثلاً: يعتقدون أنه لا تقوم لهم دولة إلى بـالمهدي ، فـالخميني وهو سياسي داهية عبث بعقولهم، قال: إلى متى ننتظر خروج المهدي من أجل أن يقيم دولة؟ بل لا بد أن ننوب عنه في إقامة دولة؛ لكي نهيئ له السبيل ليخرج، فإذا خرج من سردابه وإذا بنا قد مهدنا له السبيل في دولة قائمة تحكم بالشرع كما يريد الرافضة، وهذه خرافة، ولكنه دجّل عليهم بها وصدقوه، ولا يزال أكثرهم يصدقونه وإن كانوا قد بدءوا يتراجعون بعض الشيء، فهناك من يبدّعون هذه الفكرة؛ لأنها ما أوصلتهم إلى ما يريدون، ولن يصلوا إلى أغراضهم التي يريدون بها ضر المسلمين.

أسباب اختلاف الرافضة فيما بينهم في الأصول المعتمدة لديهم

السؤال: هل لك أن تحدثنا عن الأسباب العلمية، لما يحدث عند الإيرانيين الرافضة هذه الأيام من اضطرابات بين مراجعهم؟

الجواب: أكثر ما أثّر على الرافضة بعد الخميني هو أنهم تحطمت أحلامهم، واصطدموا بصخرة الواقع، ووجدوا أنهم كانوا يحلمون حينما قاموا مع الخميني ، ولما مات الخميني ماتت آمالهم معه، فبدءوا يراجعون أمورهم، ومن ذلك رجوع كل منهم إلى أصوله العقدية، وأصوله الحزبية، وأصوله الأسرية.. إلى آخره، وهذا جعلهم يتشتتون الآن، هذا بالإضافة إلى أن كثيراً من مثقفيهم صاروا يشككون في أصوله، وهم من المثقفين الذين خرجوا عن نطاق إيران إلى الدول الأخرى، وعايشوا المسلمين وقرءوا، بدءوا يعلنون التشكيك في أصول الرافضة، والآن صدر في هذا الكتب، ولهم مقالات وردود، وردود على الردود من صميم الرافضة، وهذا مما يدل على تناقضهم، فبعضهم يرد على بعض في أصول كبرى قطعية، ليست مجرد أمور خلافية، بل اختلفوا في أمور قطعية من أصولهم التي يعتمدون عليها في دينهم، بدءوا يختلفون فيها.

حكم وصف بعض المشايخ وطلبة العلم بأنهم من أولياء الله

السؤال: نرى في وقتنا المعاصر من يبالغ في مدح المشايخ أو طلبة العلم ويصفه بأنه ولي من أولياء الله؟

الجواب: من ظهر صلاحه واستقامته من أهل العلم الراسخين في الدين، الذين لهم اعتبارهم، والذين جعل الله في قلوب عامة المسلمين الحب لهم، يُشهد لهم -إن شاء الله- بالولاية، لا حرج في ذلك، هناك من علمائنا -بحمد الله- من شهد الناس لهم بالاستقامة، ونجد حبهم في قلوب عامة المسلمين، فهؤلاء -إن شاء الله- يقال: إنهم من أولياء الله، هذه من باب الشهادة العامة لا الجزم.

الفرق بين الشيخ محمد البهي تلميذ محمد عبده وبين البهي الخولي

السؤال: هل الشيخ محمد البهي تلميذ محمد عبده هل هو محمد البهي الخولي ؟

الجواب: لا، محمد البهي هو صاحب كتاب (الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي) وهو ليس بالمفكر الإسلامي الخولي ، وكلاهما يسمى بالمفكر الإسلامي، لكن هذه مشكلة التسمية.