شرح العقيدة الطحاوية [45]


الحلقة مفرغة

قال رحمه الله تعالى: [ قوله: (وتعالى عن الحدود والغايات، والأركان والأعضاء والأدوات، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات).

أذكر بين يدي الكلام على عبارة الشيخ رحمه الله مقدمة، وهي: أن للناس في إطلاق مثل هذه الألفاظ ثلاثة أقوال: فطائفة تنفيها، وطائفة تثبتها، وطائفة تفصل وهم المتبعون للسلف، فلا يطلقون نفيها ولا إثباتها إلا إذا بين ما أثبت بها، فهو ثابت، وما نفي بها، فهو منفي؛ لأن المتأخرين قد صارت هذه الألفاظ في اصطلاحهم فيها إجمال وإبهام كغيرها من الألفاظ الاصطلاحية، فليس كلهم يستعملها في نفس معناها اللغوي، ولهذا كان النفاة ينفون بها حقاً وباطلاً، ويذكرون عن مثبتيها ما لا يقولون به، وبعض المثبتين لها يدخل فيها معنى باطلاً مخالفاً لقول السلف، ولما دل عليه الكتاب والميزان، ولم يرد نص من الكتاب ولا من السنة بنفيها ولا إثباتها، وليس لنا أن نصف الله تعالى بما لم يصف به نفسه ولا وصفه به رسوله نفياً ولا إثباتاً، وإنما نحن متبعون لا مبتدعون.

فالواجب أن ينظر في هذا الباب، أعني باب الصفات، فما أثبته الله ورسوله أثبتناه، وما نفاه الله ورسوله نفيناه.

والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي، فنثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني، وننفي ما نفته نصوصهما من الألفاظ والمعاني ].

هذا الكلام كله يتعلق بالألفاظ المحدثة، والمقصود بالألفاظ المحدثة: هي تلك العبارات التي أطلقها أهل الأهواء، خاصة الجهمية والمعتزلة ومن سار على سبيلهم من أهل الكلام كالأشاعرة والماتريدية، أطلقوها في أسماء الله وصفاته، ولم ترد في الكتاب والسنة، سواء أطلقوها على سبيل الإثبات، ككلمة (القديم) وكلمة (الصانع)، أو أطلقوها على سبيل النفي كنفي المباينة والمفاصلة والعرض والجوهر والجسم.. إلى آخره، هذه العبارات كلها حينما كثرت وعمت بها البلوى قعد السلف لها بقواعد، هذه القواعد فيها تفصيل وفيها إجمال، أما التفصيل فسيأتي في الدرس القادم؛ لأن هذا الموضوع طويل، أما الإجمال فعلى ما يلي:

أولاً: هذه الألفاظ -أي: كلمة الحدود، والغايات، والأركان، والأعضاء، والأدوات، والجهات، والأجسام، والجواهر، والمباينة، والمفاصلة.. ونحو ذلك مما تكلم به المتكلمون- كل هذه الأمور: تعتبر ألفاظاً مبتدعة، لم ترد في الكتاب والسنة.

ثانياً: أنها لا تنفى بإطلاق ولا تقبل بإطلاق، يعني: لا تنفى نفياً مطلقاً ولا تثبت إثباتاً مطلقاً.

ثالثاً: أنه لابد من التفريق بين معانيها وبين ألفاظها، فما كان فيها من معانٍ صحيحة أخذت وقبلت وردت إلى ألفاظ الشرع، وما كان فيها من معانٍ فاسدة فإنها ترد مطلقاً، أما ألفاظها فليست بملزمة، بل ينبغي تجنب هذه الألفاظ البدعية.

رابعاً: أن ما تكلم الله عز وجل به عن نفسه وما تكلم به رسوله صلى الله عليه وسلم عن ربه هو الكمال المطلق الذي يدخل فيه كل كمال يمكن أن يرد في أذهان البشر أو على ألسنتهم.

خامساً: أن كل كمال فالله عز وجل أحق به، وكل ذلك راجع إلى ألفاظ الشرع، فلا يمكن لأحد من المخلوقات أن يعبر باسم أو وصف أو فعل لله عز وجل بأعظم مما تكلم الله به عن نفسه وتكلم به عنه رسوله صلى الله عليه وسلم.

مواقف الناس تجاه الحد والغاية ونحوهما من الألفاظ المحدثة

الأمر الآخر: أن الناس لهم تجاه هذه الألفاظ المحدثة ثلاثة مواقف:

الموقف الأول: موقف أهل الحق أهل السنة والجماعة، وهو التفصيل الذي ذكرته، بأن أي لفظ يرد يقصد به وصف الله أو تسميته فإنا لا نتعجل فيه، فإن اقتضى كمالاً أخذنا بمعنى الكمال لكننا نستغني عن اللفظ؛ لأنَّه لابد أن نجد هذا الكمال فيما تكلم الله به عن نفسه، بل لله عز وجل من الأسماء والصفات ما هو جامع لكل الكمال، مثل: اسم الجلالة (الله)، ومثل (الحي القيوم)، ومثل (العلي العظيم)، (الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد..) إلى آخر ذلك من عبارات الكمال التي يدخل فيها كل كمال.

أما المعاني الباطلة فترد، والألفاظ لا نلتزم بها، بل نردها.

إذاً: هذا الفريق الذي يفصل هم أهل السنة والجماعة.

الفريق الثاني أو الطائفة الثانية: هم الذين يثبتون هذه المعاني ويقصدون التشبيه أو التجسيم أو التمثيل، وهؤلاء هم المجسمة، وسيأتي الكلام عنهم في ثنايا الدرس قريباً.

والمجسمة: هم الذين يطلقون هذه العبارات أو معانيها ويحدونها في حق الله عز وجل، وقد لا يقولون بالحدود، لكنهم يقولون بما يفهم الحدود، بأن يتصوروا لربهم تصورات تدل على الحدود، ويجعلون هذه التصورات عقائد، وكذلك الغايات والأركان والأعضاء والأدوات، فالمجسمة أشكال وأنواع، والممثلة كلهم يقولون بنوع من أنواع التحديد، والغايات والأركان، والأعضاء، والأدوات، وهؤلاء أيضاً جانبوا الحق ووقعوا في الكفر.

وطائفة تنفي هذه الألفاظ وتنفي معها حقائق صفات الله عز وجل وأفعاله، بمعنى أنهم يجعلون هذه القواعد عندهم هي المحتكم ثم يردون إليها معاني ألفاظ كلام الله عز وجل على نهج غير سليم، فيردون هذه الألفاظ كما يردها السلف لكنهم يردون معها معاني أسماء الله وصفاته وأفعاله، فمثلاً: يقولون بأنه لا يجوز في حق الله الحد، والعلو الذاتي حد، إذاً: فالعلو منفي عن الله، ويقولون: العلو يكون علواً معنوياً، وأحياناً يقولون: الاستواء حد، والحد ممنوع، إذاً: الاستواء له معنى آخر، فيؤولون معنى الاستواء أو ينكرونه، وقد يقولون مثلاً: اليد عضو، والله منزه عن العضو، إذاً: لليد معنى آخر غير حقيقتها التي تكلم الله بها.. إلى آخره، فيردون هذه الألفاظ ويردون معها حقائق أسماء الله وصفاته وأفعاله.

وهذا الصنف هم المعطلة والمؤولة، وهؤلاء اللبس عندهم أكثر من اللبس عند المشبهة؛ لأن المشبهة أمرهم واضح، فالتشبيه ينفر منه الطبع، حتى العوام الذين لا يدركون تفصيل العقيدة، فإنهم في الغالب ينفرون من التشبيه، أما التأويل والتعطيل فإنه في الغالب يكون بأمور مشتبهات، ويكون بتلبيس، فيقع فيه كثير من الناس إذا لم يتشربوا العقيدة السليمة.

فالمهم أن أصناف الناس تجاه هذه الأمور ثلاثة:

الأول: الذين يفصلون ويردون المعاني إلى أسماء الله وصفاته وأفعاله الواردة في الكتاب والسنة، وهم أهل السنة والجماعة.

الثاني: الذين يقبلون هذه الألفاظ ولا يتأدبون في إطلاقها على الله عز وجل، وهم الممثلة، وهؤلاء خرجوا عن الحق وكفروا.

الثالث: الذين يردون هذه الألفاظ ويردون معها حقائق صفات الله وأفعاله وأسمائه، وهؤلاء هم الجهمية المعطلة، والمعتزلة المؤولة، وأهل الكلام المؤولة.

ثم قال: [ فالواجب أن ينظر في هذا الباب، أعني باب الصفات، فما أثبته الله ورسوله أثبتناه ] بمعنى أن هذه المعاني التي وردت بها هذه الألفاظ ما أثبته الله ورسوله منها أثبتناه، فمعانيها الحقة نردها إلى كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وما نفاه الله ورسوله نفيناه.

يقول: [ والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي ]، بمعنى: يرد إليها كل شيء، فالألفاظ التي ورد بها النص أولاً تقر وتثبت ويؤمن بها، ثم تكون هي القاعدة والمحتكم والميزان، فما ورد على ألسنة البشر يرد إليها، فما كان فيها من معنى صحيح أخذ، لكن يلتزم اللفظ الشرعي ويرد اللفظ البدعي، فاللفظ البدعي قد يحتمل حقاً وباطلاً، فالحق الذي فيه نأخذه ونرده إلى ألفاظ الشرع، ونستغني عن اللفظ المبتدع، والباطل نرده مطلقاً، فنثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني، وننفي ما نفته نصوصهما من الألفاظ والمعاني.

الأمر الآخر: أن الناس لهم تجاه هذه الألفاظ المحدثة ثلاثة مواقف:

الموقف الأول: موقف أهل الحق أهل السنة والجماعة، وهو التفصيل الذي ذكرته، بأن أي لفظ يرد يقصد به وصف الله أو تسميته فإنا لا نتعجل فيه، فإن اقتضى كمالاً أخذنا بمعنى الكمال لكننا نستغني عن اللفظ؛ لأنَّه لابد أن نجد هذا الكمال فيما تكلم الله به عن نفسه، بل لله عز وجل من الأسماء والصفات ما هو جامع لكل الكمال، مثل: اسم الجلالة (الله)، ومثل (الحي القيوم)، ومثل (العلي العظيم)، (الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد..) إلى آخر ذلك من عبارات الكمال التي يدخل فيها كل كمال.

أما المعاني الباطلة فترد، والألفاظ لا نلتزم بها، بل نردها.

إذاً: هذا الفريق الذي يفصل هم أهل السنة والجماعة.

الفريق الثاني أو الطائفة الثانية: هم الذين يثبتون هذه المعاني ويقصدون التشبيه أو التجسيم أو التمثيل، وهؤلاء هم المجسمة، وسيأتي الكلام عنهم في ثنايا الدرس قريباً.

والمجسمة: هم الذين يطلقون هذه العبارات أو معانيها ويحدونها في حق الله عز وجل، وقد لا يقولون بالحدود، لكنهم يقولون بما يفهم الحدود، بأن يتصوروا لربهم تصورات تدل على الحدود، ويجعلون هذه التصورات عقائد، وكذلك الغايات والأركان والأعضاء والأدوات، فالمجسمة أشكال وأنواع، والممثلة كلهم يقولون بنوع من أنواع التحديد، والغايات والأركان، والأعضاء، والأدوات، وهؤلاء أيضاً جانبوا الحق ووقعوا في الكفر.

وطائفة تنفي هذه الألفاظ وتنفي معها حقائق صفات الله عز وجل وأفعاله، بمعنى أنهم يجعلون هذه القواعد عندهم هي المحتكم ثم يردون إليها معاني ألفاظ كلام الله عز وجل على نهج غير سليم، فيردون هذه الألفاظ كما يردها السلف لكنهم يردون معها معاني أسماء الله وصفاته وأفعاله، فمثلاً: يقولون بأنه لا يجوز في حق الله الحد، والعلو الذاتي حد، إذاً: فالعلو منفي عن الله، ويقولون: العلو يكون علواً معنوياً، وأحياناً يقولون: الاستواء حد، والحد ممنوع، إذاً: الاستواء له معنى آخر، فيؤولون معنى الاستواء أو ينكرونه، وقد يقولون مثلاً: اليد عضو، والله منزه عن العضو، إذاً: لليد معنى آخر غير حقيقتها التي تكلم الله بها.. إلى آخره، فيردون هذه الألفاظ ويردون معها حقائق أسماء الله وصفاته وأفعاله.

وهذا الصنف هم المعطلة والمؤولة، وهؤلاء اللبس عندهم أكثر من اللبس عند المشبهة؛ لأن المشبهة أمرهم واضح، فالتشبيه ينفر منه الطبع، حتى العوام الذين لا يدركون تفصيل العقيدة، فإنهم في الغالب ينفرون من التشبيه، أما التأويل والتعطيل فإنه في الغالب يكون بأمور مشتبهات، ويكون بتلبيس، فيقع فيه كثير من الناس إذا لم يتشربوا العقيدة السليمة.

فالمهم أن أصناف الناس تجاه هذه الأمور ثلاثة:

الأول: الذين يفصلون ويردون المعاني إلى أسماء الله وصفاته وأفعاله الواردة في الكتاب والسنة، وهم أهل السنة والجماعة.

الثاني: الذين يقبلون هذه الألفاظ ولا يتأدبون في إطلاقها على الله عز وجل، وهم الممثلة، وهؤلاء خرجوا عن الحق وكفروا.

الثالث: الذين يردون هذه الألفاظ ويردون معها حقائق صفات الله وأفعاله وأسمائه، وهؤلاء هم الجهمية المعطلة، والمعتزلة المؤولة، وأهل الكلام المؤولة.

ثم قال: [ فالواجب أن ينظر في هذا الباب، أعني باب الصفات، فما أثبته الله ورسوله أثبتناه ] بمعنى أن هذه المعاني التي وردت بها هذه الألفاظ ما أثبته الله ورسوله منها أثبتناه، فمعانيها الحقة نردها إلى كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وما نفاه الله ورسوله نفيناه.

يقول: [ والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي ]، بمعنى: يرد إليها كل شيء، فالألفاظ التي ورد بها النص أولاً تقر وتثبت ويؤمن بها، ثم تكون هي القاعدة والمحتكم والميزان، فما ورد على ألسنة البشر يرد إليها، فما كان فيها من معنى صحيح أخذ، لكن يلتزم اللفظ الشرعي ويرد اللفظ البدعي، فاللفظ البدعي قد يحتمل حقاً وباطلاً، فالحق الذي فيه نأخذه ونرده إلى ألفاظ الشرع، ونستغني عن اللفظ المبتدع، والباطل نرده مطلقاً، فنثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني، وننفي ما نفته نصوصهما من الألفاظ والمعاني.