أرشيف المقالات

تخصيص السنة للقرآن

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
تخصيص السنة للقرآن


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَنْ لا نبيَّ بعده.

تخصيص السنة للقرآن الكريم ينقسم إلى قسمين:
أولاً: تخصيص السُّنة المتواترة للقرآن:
اتفق العلماء: على جواز تخصيص السُّنة المتواترة[1] للقرآن[2].
 
الأدلة:
1- من أمثلة تخصيص السُّنة المتواترة (القولية) للقرآن:
أ - قوله تعالى: ﴿ يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ ﴾ [النساء: 11].
هذه الآية الكريمة خُصِّصت بقوله صلى الله عليه وسلم: (الْقَاتِلُ لاَ يَرِثُ) [3].
 
ب- وقوله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [البقرة: 43].
دل عموم الآية على وجوب إخراج الزكاة فيما يملكه الإنسان.
 
لكن هذا العموم خُصِّص بالسنة القولية المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدم إخراج الزكاة من الخيل، في قوله: (لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ في عَبْدِهِ وَلاَ فَرَسِهِ صَدَقَةٌ)[4].
 
2- ومن أمثلة تخصيص السُّنة المتواترة (الفعلية) للقرآن:
قوله تعالى: ﴿ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ [البقرة: 222].
دلَّ عموم الآية الكريمة على حُرمة قربان الحائض في أيام الحيض، بجماع أو غيره.
 
لكن هذا العموم خُصِّص بالسُّنة الفعلية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ قالت مَيْمُونَةُ - رضي الله عنها: (كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا أَرَادَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَةً من نِسَائِهِ، أَمَرَهَا فَاتَّزَرَتْ وَهِيَ حَائِضٌ)[5].
 
دليل الإجماع:
حكى الإجماعَ على جواز تخصيص السنة المتواترة للقرآن غيرُ واحد من أهل العلم، وممن حكاه:
1- الآمدي - رحمه الله - حيث قال: (يجوز تخصيص عموم القرآن بالسُّنة، أمَّا إذا كانت السُّنة متواترةً، فلم أعرف فيه خلافاً)[6].
 
2- الشوكاني - رحمه الله - حيث قال: (ويجوز تخصيص عموم الكتاب بالسُّنة المتواترة إجماعاً)[7].
 
ثانياً: تخصيص خبر الآحاد للقرآن:
اختلف العلماء: في تخصيص أخبار الآحاد[8] للقرآن، على خمسة أقوال، والراجح: جواز تخصيص خبر الواحد للقرآن، وهو قول جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة[9].
 
قال الغزالي - رحمه الله -: (والمختار: أنَّ خبر العدل أَولى؛ لأنَّ سكون النفس إلى عدلٍ واحدٍ في الرواية لما هو نصٌّ، كسكونها إلى عدلَين في الشهادة)[10].
 
وقال الشنقيطي - رحمه الله: (يجوز تخصيص الكتاب والسُّنة المتواترة بأخبار الآحاد؛ لأنَّ التخصيص بيان، والقطعي يُبَيَّن المقصود منه بالآحاد على التَّحقيق)[11].
 
الأدلة:
1- قوله تعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ﴾ [المائدة: 3].
 
الآية الكريمة خُصِّصت بإباحة النبي صلى الله عليه وسلم للحوت والجراد وهما ميتتان، والكبد والطحال وهما دمان، في قوله صلى الله عليه وسلم: (أُحِلَّتْ لَكُمْ مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ؛ فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ؛ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ)[12].
 
2- قوله تعالى: ﴿ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ﴾ [النساء: 24].
الآية الكريمة خُصِّصت بقولِ النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ على عَمَّتِهَا، ولا عَلَى خَالَتِهَا)[13].
فالحِلُّ العام في الآية خُصِّص بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها.
 
3- أنَّ الصحابة - رضي الله عنهم - أجمعوا على تخصيص القرآن بخبر الواحد، ولم يُخالف منهم أحد، فكان إجماعاً[14].
والخلاصة: جواز تخصيص القرآن الكريم بالسُّنة النبوية الشريفة بقسميها: المتواتر والآحاد.



[1] (الحديث المتواتر): هو الخبر الذي يرويه جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب عادة عن   أمر محسوس.
انظر: تدريب الراوي، للنووي (2/ 180).


[2] انظر: المحصول في علم الأصول، للرازي (3/ 78)؛ الإحكام، للآمدي (2/ 394)؛ نهاية  السول في شرح منهاج الأصول، لجمال الدين الأسنوي (2/ 456)؛ إرشاد الفحول، (ص138)؛ نسخ وتخصيص وتقييد السنة النبوية للقرآن الكريم، (ص271).


[3] رواه ابن ماجه، (2/ 913)، (ح2735)؛ والترمذي، (4/ 425)، (ح2109).
وصححه الألباني في (صحيح سنن ابن ماجه)، (2/ 348)، (ح2157).


[4] رواه مسلم، (2/ 675)، (ح982).


[5] رواه البخاري، واللفظ له، (1/ 115)، (ح297)؛ ومسلم، (1/ 243)، (ح294).


[6] الإحكام في أصول الأحكام، (2/ 347).


[7] إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول، (ص267).


[8] (خبر الآحاد): الآحاد جمع أحد، وهو بمعنى الواحد، وهمزة أحد مبدلة من واو، فأصلها
وحد.
وخبر الآحاد: هو الخبر الذي قَصُرَ عن التواتر.
انظر: مختار الصحاح، (ص6)؛ إرشاد الفحول، (ص41).
واختلف العلماء فيما يفيده (خبر الواحد) على ثلاثة أقوال، والراجح: أنَّ خبر الواحد يفيد العلم، وهو مذهب أكثر المحدثين والفقهاء، وهو الصحيح عن الإمام أحمد - رحمه الله، وهو قول جمهور أهل الظاهر.
وأقسامه ثلاثة: مشهور: وهو ما رواه أكثر من اثنين في جميع طبقات السند، ولم يصل إلى حد التواتر.
وعزيز: وهو ما روي من طريقين، أو ما رواه اثنان فقط.
وغريب: وهو ما لم يثبت إلاَّ من طريق واحد.
انظر: التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، للعراقي (ص268)؛ الحديث حجة بنفسه، للألباني (ص19).


[9] انظر: إحكام الفصول في أحكام الأصول، للباجي؛ المحصول في علم الأصول، للرازي   (3/ 85)؛ المستصفى، للغزالي (2/ 159)؛ روضة الناظر، لابن قدامة (2/ 564)؛ شرح    الكوكب المنير، لابن النجار (3/ 362)؛ نسخ وتخصيص وتقييد السنة النبوية للقرآن    الكريم، (ص275).


[10] المستصفى، (ص249).


[11] نثر الورود على مراقي أبي السعود، (1/ 306).


[12] رواه أحمد في (المسند)، (2/ 97)، (ح5723)؛ وابن ماجه (2/ 1102)، (ح3314).
وصححه الألباني في (صحيح سنن ابن ماجه)، (3/ 129)، (ح2695).


[13] رواه البخاري، (5/ 1965)، (ح4819)؛ ومسلم، واللفظ له، (2/ 1029)، (ح1408).


[14] انظر: المحصول في علم الأصول، للرازي (3/ 86)؛ المستصفى، (2/ 160).

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير