خطب ومحاضرات
شرح العقيدة الطحاوية [31]
الحلقة مفرغة
حديث أبي هريرة رضي الله عنه
فمنها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه (أن ناساً قالوا: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا، قال: فإنكم ترونه كذلك). الحديث، أخرجاه في الصحيحين بطوله ].
مثل هذا الحديث صريح في إثبات الرؤية، بل إنه محكم، وكثير من أحاديث الرؤية محكمة في إثبات الرؤية، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يتحدث عن عظمة الله عز وجل وعن نعيم الجنة، فسأله بعض الصحابة سؤالاً صريحاً في الرؤية موجهاً إليه صلى الله عليه وسلم، وهو المبلغ عن ربه، فقالوا: (هل نرى ربنا يوم القيامة؟)، وهم عرب، والنبي صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم ويتكلم بلسان عربي مبين، وليس في سياق الحديث -وكذلك الأحاديث الأخرى- ما يدل على أن المقصود بالرؤية غير رؤية البصر، بل الحديث يشهد آخره لأوله: (هل نرى ربنا؟)، فإذا تكلم المتكلم عن الرؤية في مثل هذا السياق فهل تنصرف لغير الرؤية البصرية؟! والجواب: لا، ثم بعد ذلك تأكيد ذلك بتشبيه رؤية الله عز وجل ووضوحها وتحققها برؤية الناس للشمس والقمر ليس دونهما سحاب، والشمس والقمر بأي شيء يريان سوى البصر؟! وهل يستطيع الأعمى الكفيف أن يدعي أنه رأى الشمس وهو لا يملك الآلة للرؤية؟!
وكذلك الإشارة إلى السحاب، فالسحاب شيء مادي يحجب العيون عن الرؤية، ولا يحجب القلوب، ولو كان الأمر كما قالت المعتزلة: إن الرؤية قلبية، لما كان لذكر السحاب فائدة؛ لأن السحاب هو الذي يحجب رؤية العين، لكنه لا يحجب رؤية القلب؛ لأن الرؤية القلبية أمر ليس بمادي ولا يمكن أن يخضع للعوائق المادية المنظورة.
إذاً: فالإشارة إلى السحاب دليل على أن الرؤية بصرية فعلاً؛ لأن السحاب إنما يحجب أبصارنا عن رؤية الشمس والقمر، ومن هنا صار الحديث محكماً ودليلاً قاطعاً على أن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم في الجنة على ما يليق بجلاله.
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
وحديث صهيب رضي الله عنه المتقدم رواه مسلم وغيره ].
في هذا الحديث زيادة فائدة، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الرؤية في معرض نظره بعينه إلى القمر، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان الصحابة عنده جلوساً، فنظر إلى القمر، فلما نظر إلى القمر تذكر الرؤية في الآخرة فقال: (إنكم سترون ربكم)، وليس المقصود تشبيه القمر بالله عز وجل، إنما المقصود تشبيه رؤية الله عز وجل في الجزم بها ووضوحها وتأكيدها برؤية القمر ليس دونه سحاب ليلة أربع عشرة، إذ هو أوضح ما يكون، ثم في نفس النص قال: (إنكم سترون ربكم عياناً) وهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، ومعنى (عياناً): بالعين الباصرة، فهذا تصريح بالعيان الذي هو فعل العين الباصرة.
حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه
هذا أيضاً فيه تصريح بإمكان الرؤية، وقد أورد هذا الحديث بعض المعاصرين الذين أنكروا الرؤية تبعاً لمن سبقوه، لكنه ذنب، فزعم أن الرؤية غير ممكنة؛ لأن الله عز وجل جعل بيننا وبينها رداء الكبرياء! مع أنه دليل على إمكان الرؤية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما نفى رؤية الله عز وجل من قبل عباده، إنما ذكر الحاجب الذي يحجبهم عن الرب، فما بين القوم وبين أن يروا ربهم تبارك وتعالى إلا رداء الكبرياء، وهذا أمر متعلق بقدرة الله عز وجل، فإذا رفع الله عز وجل عنهم هذا المانع رأوه، فهو دليل على أن الرؤية ممكنة لكنها دونها حاجز، وهذا الحاجز خاضع لقدرة الله.
إذاً: الرؤية ممكنة، لكن الله عز وجل حجبهم برداء الكبرياء، والله عز وجل الذي حجبهم برداء الكبرياء قادر على أن يرفع هذا الحجاب إذا شاء، وقد ثبت أنهم يرونه تبارك وتعالى.
حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه
هنا أشار إلى أمرين: إلى مسألة الرؤية والتكليم، فقوله: (ليس بينه وبينه حجاب) يعني: عن الرؤية، (ولا ترجمان) يعني: عن التكليم، وهذا متعلق بلقاء الله عز وجل يوم القيامة في المحشر قبل الرؤية التي تثبت للمؤمنين، متعلق بما يسميه أهل العلم الرؤية العامة، وهي أن جميع الخلائق يوم القيامة يرون ربهم، لكن الرؤية تختلف من شخص إلى آخر، فالمؤمن يرى ربه رؤية المسرور، والكافر يرى ربه وهو حسير البصر نادم كئيب خجل من ربه عز وجل، فلا يتمتع بالرؤية كما يتمتع بها المؤمن، فلذلك قال: (وليلقين الله أحدكم يوم القيامة)، فليس المقصود به مجرد اللقاء العام؛ لأن هذا لقاء خاص لكل فرد، (وليس بينه وبينه حجاب) عن الرؤية (ولا ترجمان) في مسألة سماع كلام الله عز وجل، فيرى الله عز وجل ويسمع كلامه، وهذا على القول بالرؤية العامة، وهل هي بصرية خالصة أو قلبية أو بعضها بصري وبعضها قلبي، أو هي بصرية للمؤمنين ولغيرهم، أو أن الكفار والمنافقين يدركون أن هذا ربهم لكن لا يستطيعون رؤيته مما لقوا الله به من أعمال غير صالحة، هذا مسألة خلافية.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وأما الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم الدالة على الرؤية فمتواترة، رواها أصحاب الصحاح والمسانيد والسنن.
فمنها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه (أن ناساً قالوا: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا، قال: فإنكم ترونه كذلك). الحديث، أخرجاه في الصحيحين بطوله ].
مثل هذا الحديث صريح في إثبات الرؤية، بل إنه محكم، وكثير من أحاديث الرؤية محكمة في إثبات الرؤية، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يتحدث عن عظمة الله عز وجل وعن نعيم الجنة، فسأله بعض الصحابة سؤالاً صريحاً في الرؤية موجهاً إليه صلى الله عليه وسلم، وهو المبلغ عن ربه، فقالوا: (هل نرى ربنا يوم القيامة؟)، وهم عرب، والنبي صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم ويتكلم بلسان عربي مبين، وليس في سياق الحديث -وكذلك الأحاديث الأخرى- ما يدل على أن المقصود بالرؤية غير رؤية البصر، بل الحديث يشهد آخره لأوله: (هل نرى ربنا؟)، فإذا تكلم المتكلم عن الرؤية في مثل هذا السياق فهل تنصرف لغير الرؤية البصرية؟! والجواب: لا، ثم بعد ذلك تأكيد ذلك بتشبيه رؤية الله عز وجل ووضوحها وتحققها برؤية الناس للشمس والقمر ليس دونهما سحاب، والشمس والقمر بأي شيء يريان سوى البصر؟! وهل يستطيع الأعمى الكفيف أن يدعي أنه رأى الشمس وهو لا يملك الآلة للرؤية؟!
وكذلك الإشارة إلى السحاب، فالسحاب شيء مادي يحجب العيون عن الرؤية، ولا يحجب القلوب، ولو كان الأمر كما قالت المعتزلة: إن الرؤية قلبية، لما كان لذكر السحاب فائدة؛ لأن السحاب هو الذي يحجب رؤية العين، لكنه لا يحجب رؤية القلب؛ لأن الرؤية القلبية أمر ليس بمادي ولا يمكن أن يخضع للعوائق المادية المنظورة.
إذاً: فالإشارة إلى السحاب دليل على أن الرؤية بصرية فعلاً؛ لأن السحاب إنما يحجب أبصارنا عن رؤية الشمس والقمر، ومن هنا صار الحديث محكماً ودليلاً قاطعاً على أن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم في الجنة على ما يليق بجلاله.
قال رحمه الله تعالى: [وحديث أبي سعيد الخدري أيضاً في الصحيحين نظيره، وحديث جرير بن عبد الله البجلي قال: (كنا جلوساً مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة فقال: إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون هذا، لا تضامون في رؤيته) الحديث أخرجاه في الصحيحين.
وحديث صهيب رضي الله عنه المتقدم رواه مسلم وغيره ].
في هذا الحديث زيادة فائدة، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الرؤية في معرض نظره بعينه إلى القمر، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان الصحابة عنده جلوساً، فنظر إلى القمر، فلما نظر إلى القمر تذكر الرؤية في الآخرة فقال: (إنكم سترون ربكم)، وليس المقصود تشبيه القمر بالله عز وجل، إنما المقصود تشبيه رؤية الله عز وجل في الجزم بها ووضوحها وتأكيدها برؤية القمر ليس دونه سحاب ليلة أربع عشرة، إذ هو أوضح ما يكون، ثم في نفس النص قال: (إنكم سترون ربكم عياناً) وهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، ومعنى (عياناً): بالعين الباصرة، فهذا تصريح بالعيان الذي هو فعل العين الباصرة.
قال رحمه الله تعالى: [ وحديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن يروا ربهم تبارك وتعالى إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن) أخرجاه في الصحيحين ].
هذا أيضاً فيه تصريح بإمكان الرؤية، وقد أورد هذا الحديث بعض المعاصرين الذين أنكروا الرؤية تبعاً لمن سبقوه، لكنه ذنب، فزعم أن الرؤية غير ممكنة؛ لأن الله عز وجل جعل بيننا وبينها رداء الكبرياء! مع أنه دليل على إمكان الرؤية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما نفى رؤية الله عز وجل من قبل عباده، إنما ذكر الحاجب الذي يحجبهم عن الرب، فما بين القوم وبين أن يروا ربهم تبارك وتعالى إلا رداء الكبرياء، وهذا أمر متعلق بقدرة الله عز وجل، فإذا رفع الله عز وجل عنهم هذا المانع رأوه، فهو دليل على أن الرؤية ممكنة لكنها دونها حاجز، وهذا الحاجز خاضع لقدرة الله.
إذاً: الرؤية ممكنة، لكن الله عز وجل حجبهم برداء الكبرياء، والله عز وجل الذي حجبهم برداء الكبرياء قادر على أن يرفع هذا الحجاب إذا شاء، وقد ثبت أنهم يرونه تبارك وتعالى.
استمع المزيد من الشيخ ناصر العقل - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح العقيدة الطحاوية [68] | 3362 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [43] | 3127 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [64] | 3036 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [19] | 2997 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [23] | 2854 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [45] | 2834 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [80] | 2805 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [92] | 2787 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [95] | 2759 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [66] | 2711 استماع |