خطب ومحاضرات
ثمرات الأوراق
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(ثمرات الأوراق) هو عنوان هذه الجلسة المباركة المنعقدة في ليلة الإثنين (2/ذي القعدة/ من سنة 1412هـ), وهي الحلقة الثامنة والخمسون في سلسلة الدروس العلمية العامة في الجامع الكبير بـبريدة.
ولهذا الموضوع علاقة واضحة بالدرس الذي ألقيته من قبل بعنوان: "
لقد كان لذلك الموضوع المعنون بـ"من هنا وهناك" أثر كبير في نفوس عدد من المستمعين، واصلوني به من خلال اتصالاتهم أو رسائلهم أو مهاتفاتهم أو غير ذلك؛ لذلك كان ذلك الإلحاح على أن يتكرر مثل هذا الدرس بين الفينة والأخرى, فكلما تجمع لدينا مجموعة من الموضوعات والأوراق والمسائل المتنوعة المختلفة التي لا تنضبط تحت موضوع معين خصص لها مجلس تعرض فيه, ومثل هذا المجلس يعد معبراً تمر عليه بعض مشاركات الإخوة ممن يرغبون أن يوصلوا إلى إخوانهم المسلمين شيئاًَ من الخير، وقد لا يتسنى لهم ذلك بمفردهم، فيعتبرون هذا الدرس معبراً وجسراً إلى ما يريدون أن يقولوا لإخوانهم المسلمين.
ولهذا فإنني أعلن -مرة أخرى- الترحيب الدائم بكل ما يصل إليّ من الإخوة الغيورين على دينهم, الناصحين لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم, ولا يحقرن أحدكم شيئاًَ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيح: {لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق} وفي الحديث الآخر الصحيح: {لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة} وفي حديث ثالث: {ولو بظلف محرق}.
وقد أرسل إليّ مجموعة من الشباب قبل أيام ورقة يخاطبون بها بعض قادة الجهاد الأفغاني, ويطالبونهم بأن يكونوا على مستوى ظن المسلمين بهم, وأن يجمعوا كلمتهم ويتحدوا ويتفقوا, وأن يحذروا من مؤامرات الأعداء, وأقول لكم: ربما كان هؤلاء الطلاب في المرحلة المتوسطة, فلما طلبوا مني أن أسعى في إيصالها إلى المجاهدين, قلت في نفسي: فلماذا لا أرسلها؟!
ربما يكون فيها خير كثير, ولا ينبغي للإنسان أن يزدري من الخير شيئاً فإنه لا يدري أين تكون البركة.
أما عنوان هذا الدرس: (ثمرات الأوراق) فهو إشارة إلى أن جل محتويات هذه الجلسة هي من أرواق شتى وصلت إليّ وهي كثيرة وانتخبت منها قليلاً مما أعتقد أن في تقديمه لكم في هذه الليلة بعض الفائدة.
أما عناوين هذه الجلسة فهي عشرة:
1- الجديد في أفغانستان.
2- في موكب الشعر.
3- من يشرب دم المسلم.
4- السودان أبيض أم أسود.
5- صحافتنا إلى أين؟!
6- تغيير مناهج التعليم.
7- الكيد الضعيف والمكر الكبار.
8- رسائل.
9- أسئلة وتساؤلات.
10- أين الغيورون؟!
سمعتم قبل أسبوعين درساً كان بعنوان "الله أكبر سقطت كابل" ولم تكن سقطت تماماً يومها، ولكن الله تعالى أذن بسقوطها فعلاً, فالحمد لله تعالى على ذلك حمداً كثيراً طيباً مباركاً كما يحب ربنا ويرضى, فقد عودنا كل خير, وإن لم نكن لذلك أهل فإنه هو سبحانه لذلك أهل، فهو أهل التقوى وأهل المغفرة.
وإنه مما يفرحني ولا أجد غضاضة أو حرجاً أن أقوله لكم: أنني كنت البارحة في مجلس سماحة الوالد الكبير الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله تعالى وأمد في عمره على طاعته, وبحضرة جماعة من مشايخنا الكبار من أعضاء هيئة كبار العلماء, فسرني أن يخبرني سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز أنه قد استمع إلى ذلك الدرس: (الله أكبر سقطت كابل) في ثلاث ليال متواصلات, ودعا لي جزاه الله خيراً، ولخص مضمون ذلك الدرس للمشايخ الحاضرين, وأثنى عليه خيراً.
وهذا إذ أقوله فإنني لا أجد في ذلك إلا دلالة على عظمة هذا الرجل الذي أعطاه الله تعالى ما أعطاه, فعلى رغم كثرة مشاغله، وكبر سنه، وسعة علمه، فإنه لا يرى بأساً أن يستمع كما استمع من قبل إلى عدد من أشرطة بعض تلاميذه الصغار، وربما وجد فرصة للثناء لما في الثناء من التشجيع والحث, فجزاه الله تعالى عني وعنكم وعن المسلمين خيراً.
أما فيما يتعلق بجديد أفغانستان على ساحتها، فمن الناحية العسكرية كما هو معروف أن أفغانستان كلها قد أصبحت في أيدي المجاهدين عملياً, ولم تبق أية قلعة تمتنع منهم مطلقاً, لكن هناك القضية الثانية وهي: أنه لا يزال ثمة تبادل في إطلاق النار في بعض المواقع، وربما يحيط بهذا التبادل شيء من الغموض.
خطورة المليشيات
فهذه المليشيات لما رأت تهاوي النظام السابق حاولت أن تسبق الأحداث؛ وبالتالي عملت نوعاً من التحالف مع بعض قادة المجاهدين, وخصوصاً مع أحمد شاه مسعود قائد الشمال التابع للجمعية الإسلامية, وانضمت المليشيات بقادتها من أمثال عبد الرشيد دوستم وغيره إلى طرف من أطراف المجاهدين, ومن المعلوم أن انضمامها إلى المجاهدين بكاملها لا يعني أنها تحولت إلى جيش إسلامي -كما تعبر بعض الصحف أحياناً- أو إلى جنود مدافعين عن دين الله تعالى, فهي انضمت بقائدها ومقودها وبأوضاعها السابقة, والانضمام بذاته ليس أمراً مشكلاً، بل هو قد يكفي المسلمين شر القتال لهم والمقاومة, ولكن الخطوة التي يجب أن تتبع ذلك هي أن يكون هناك أولاً دعوة إسلامية قوية في أوساط هذه المليشيات حتى تستقيم وتصلح على أمر الله, هذا أولاً.
وثانياً: أنه يجب عدم الاعتماد عليها في حماية النظام الإسلامي الذي يجب أن يقوم في أفغانستان, ثم يجب التنبه إلى أن هذه المليشيات إذا وجدت في بلد بعينه كأن توجد في عاصمة كـكابل -مثلاً- فإنها قد تشكل خطراً اليوم أو غداً على هذه الحكومة الفتية.
وفعلاً وجد شيء من المصادمة بين المليشيات والحزب الإسلامي بقيادة المهندس حكمتيار الذي أبى أن يدخل كابل إلا أن تسلم للمجاهدين أو يدخلها دخول الفاتحين, فصارت مناوشات بينه وبين تلك المليشيات وتكلمت الصحف الغربية والعربية عن هذا على أنه قتال بين المجاهدين, وبعد تدخل اتفق على وقف إطلاق النار, وقعه الحزب الإسلامي والجمعية الإسلامية، ووصلت إلي أوراق هذا الاتفاق، وصار هناك هدوء ولا يزال هناك هدوء إلى اليوم.
ولكن الأمر الغريب أن عدداً من قادة المليشيات رفضوا وقف إطلاق النار, وقالوا: لا بد من القضاء على جنود الحزب الإسلامي، وربما توافق هذا الميول مع ميول الرئيس الحالي المؤقت "مجددي" الذي لم يجد حرجاً أن يقول في مقابلة معه في محطة (cnn) الأمريكية: إن حكمتيار خصم لنا، وإنه يتحالف مع عدونا الشيوعي، وإنه يخالفنا ليس في الرأي فحسب؛ بل فيما هو أبعد من ذلك, بل يطالب بتجريد الحزب الإسلامي من السلاح، وإذا وجدوا أفراداً من الحزب الإسلامي في وزارة من الوزارات وهم قد ألقوا السلاح لا يقاتلون ولا يحاربون، فإنهم يخرجونهم ويقولون: تم طردهم أو إخراجهم, وهذه في الواقع قضية تتطلب حلاً سريعاً؛ لأننا نعلم:
أولاً: أن الحزب الإسلامي جزء من المجاهدين الذي قضى أكثر من ثلاثة عشر عاماً في القتال، ولعله من أكثر الأحزاب بلاءً إن لم يكن أكثرها فعلاً وقتالاً واستبسالاً, هذا أولاً.
ثانياً: أننا نجد أن الغرب يكره الحزب الإسلامي وقائده، وهذا نعتبره نحن توثيقاً وتزكية؛ لأن هؤلاء الكافرين لا يحبون إلا من يكونُ أقرب إليهم وأكثر تسامحاً معهم, ولا يبغضون إلا من يكونُ أقوى في الحق وأصدق في حمل الدين وحمل المبدأ.
وثالثاً: لأن المليشيات هذه كانت شوكة في حلوق المجاهدين على مدى الفترة السابقة.
ورابعاً: لأن الحزب الإسلامي ينضم إليه عشرات الآلاف من المقاتلين, ويملك أعداداً هائلة من الأسلحة.
خطورة التفكير في إبعاد الحزب الإسلامي
وأقول: الحزب الإسلامي أعلن وقف إطلاق النار, وقد وصلت إلي أوراق منه, وهناك مؤتمر صحفي عقده رئيس اللجنة السياسية واسمه "خطب الدين هلال" هو معي الآن, وقد قال في ضمن ما قال: ليس هناك خلاف بين المجاهدين، ومتى خرجت قوات المليشيا من كابل فإن السلام سوف يعود كما عاد إلى مدن جلال أباد وقندهار وهرات، وقد تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين القادة ورؤساء المنظمات الجهادية أمس بمساعي الإخوة المخلصين من العرب, ووافق الجانبان على تشكيل لجنة ذات صلاحية للإشراف على عملية وقف إطلاق النار, وتبع ذلك تشكيل مجلس مشترك ثم قال: وبعد مضي ثلاث ساعات من التوقيع على الاتفاقية أعلن أحد الجنرالات -عبر مكالمة مع إذاعة bbc- رفضه للاتفاقية المبرمة, وتلا ذلك تصريح أحمد ولي مسعود أخو أحمد شاه مسعود الذي أيد فيه التصريحات السابقة، ثم قال: أما نحن فقد قبلنا وقف إطلاق النار، وأصدرنا الأوامر إلى مجاهدي الحزب الإسلامي بضرورة التقيد بوقف إطلاق النار وفي حالة خرق الاتفاقية من الجانب المقابل، عليهم أن يردوا العدوان فقط, والحرب الدائرة -الآن- من وجهة نظرنا هي بين المجاهدين من جهة، وبين ميلشيات عبد الرشيد دوستم، ونبي عظيمي، وعبد المؤمن وغيرهم.
ثم قال: نحن الآن ملتزمون بالعهد، وننفذ وقف إطلاق النار، وقد عينا هيئة معينة من شخصين ونأمل أن يعين الجانب المقابل مثله, ونحن نرى أنه ليس هناك مبرر للحرب.
الموضوع الثاني -ولا يزال الكلام لرئيس اللجنة السياسية- يقول: الموضوع الثاني الذي وافقت عليه ست منظمات من المنظمات الجهادية في بيشاور هو عبارة عن تشكيل لجان ثلاث هي:
1- مجلس الشورى القيادي.
2- الحكومة.
3- الهيئة الانتقالية المكونة من (51) عضواً.
ونحن لا نرى ضرورة إلى الأخيرة، وعلى مجلس الشورى والمجلس القيادي أن يباشرا أعمالهما, ولكن لإلحاح الآخرين وافقنا أن نعين خمسة أشخاص لهذه الهيئة, وفي الاتفاقية المبرمة بين المنظمات الجهادية الست, أعطي منصب رئاسة الوزارء إلى الحزب الإسلامي وقد عين الحزب الإسلامي تولي هذا المنصب الأستاذ فريد أمير الجهاد في ولاية بروان, ونأمل بتشكيل حكومته.
إذاً: ما يتعلق بالأوضاع العسكرية بين المجاهدين بعضهم ببعض، أو بين المجاهدين والأطراف الأخرى، فهذا الأمر -كما ذكرت لكم- ليس ثمة داعٍ الآن إلى مواصلة الاشتباكات بين المليشيات وبين الحزب الإسلامي؛ بل ينبغي أن يكون هناك سعي جاد من المخلصين والراغبين في الصلح إلى إيقاف مثل هذه المعارك, وبالتالي ينبغي أن يكون هناك سعي إلى استصلاح أوضاع المليشيات وإلى تقليص دورها وإبعادها عن العاصمة كابل, وأن تعود إلى المواقع التي خرجت منها, فهذه ضرورات لحفظ هذه الدولة وحفظ أمنها ولا بد منها.
محاولة الغرب إبعاد المجاهدين عن السلطة
والرجل -الآن- بدأ يتصرف بشكل واضح على أنه رئيس للدولة ربما يطول أمده, فقام بمحاولة تعيين بعض السفراء وأعلن عفواً عاماً؛ بل خطب الجمعة، وكان يتحدث عن قضية إمكانية العفو حتى عن كبار المسئولين في الدولة السابقة, وأخشى ما أخشاه ليست قضية أن يظل حاكماً لمدة شهرين فهذا شر، ولكن مهما يكن فإنه يهون بالقياس إلى ما لو تصورنا أن يظل بعد ذلك حاكماً، ويستمر ويتم القضاء على الاتفاقيات الأخرى التي بموجبها يجب أن يتولى برهان الدين رباني -رئيس الجمعية الإسلامية- بعد شهرين رئاسة الدولة.
بل إنني أذهب إلى أبعد من هذا, فأقول: إن العالم الغربي ودول الجوار لـأفغانستان وغيرها تسعى جاهدة إلى إبعاد جميع الأطراف الجهادية المعروفة عن أن يكون لها تأثير كبير في الحكم؛ لأنهم يعتبرونهم أصوليين ومتشديين, فـبرهان الدين ليس مقبولاً عند الغرب ولا عند حلفائهم, وسياف ليس مقبولاً عندهم جميعاً, وحكمتيار ليس مقبولاً عندهم, ويونس خالص ليس مقبولاً عندهم؛ ولذلك يجب أن يكون هناك جهود كبيرة لجمع هؤلاء المجاهدين وتوحيد كلمتهم ليكون لهم ثقل في الحكومة حاضراً ومستقبلاً.
فإنني أعتقد أن الخطر الذي يهدد قلب الدين حكمتيار الآن -هو أيضاً- يهدد برهان الدين رباني، وهو خطر يهدد محمد يونس خالص, وهو خطر يهدد عبد رب الرسول سياف, وهو خطر يهدد كل القادة والمجاهدين الذين ثبت لهم خلال المدة الماضية قدر كبير من الجهاد والبلاء.
فينبغي أن يكون هناك جهود تبذل لجمع كلمة هؤلاء الأربعة، ومن كان على مثل ما هم عليه لمحاولة أن يكونوا جبهة واحدة، ويقفوا أمام وجه المؤامرات الدولية التي لن ترضى ببساطة أن يتولى من تسميهم بالأصوليين حكم أفغانستان.
ولهذا يتساءل الكثير من الناس عن الطريقة التي تم بها تسليم الحكومة, فإن تسليم الحكومة قد تم بصورة نظامية؛ حيث أقيم حفل وجاء عبد الوكيل ومحمد نبي عظيمي وبعض الذين كانوا من الحكومة السابقة, وتكلموا ثم قالوا: الآن نقوم بتسليم الحكومة إلى مجددي، فكان هناك احتفال لنقل السلطة, وكأن المسألة مسألة نقل وليست مسألة نصر للمجاهدين, وكذلك المسلمون يتعجبون كثيراً من هذا الاعتراف المتسارع بدولة أفغانستان, من قبل أمريكا وروسيا ودول عربية وغير عربية لم يكونوا مخلصين للمجاهدين ولا حريصين على انتصارهم.
فلذلك أقول: يجب أن تبذل المزيد من الجهود.
وهناك سؤال يفرض نفسه: هل أفلح المسلمون في إيصال مشاعرهم إلى المجاهدين الأفغان؟!
وهذا سؤال كبير!
إن الغرب استطاع أن يوصل كل ما في ذهنه وما يريد إلى المجاهدين الأفغان من خلال وسائل الإعلام التي تخدمه, فأصبح الغرب -مثلاً- إذا أراد أن يبرز شخصاً ركز الأضواء عليه، وإذا أراد أن يقضي على شخص فإنه يتحدث عنه, على أنه أصولي ومتطرف ومعاند وخطير، وأنه دموي إلى غير ذلك؛ حتى إني قرأت في مجلة الشرق الأوسط تقريراً عن حكمتيار, يقول: "إنه رجل دموي"، وأنه يقول: لا بد من الدم، وأنه أعد قائمة بستة عشر ألف شخص يريد أن يعدمهم في أفغانستان..!! وكلام من هذا القبيل ليس له زمام ولا خطام.
فالغرب إذا أحب شخصاً ورأى أنه أصلح له, فإنه يبرزه ويلمعه ويلقي عليه الأضواء, وإذا تخوف من شخص أو شعر أنه لا يخدم مصالحه فإنه يحاول أن يحصره في زاوية ضيقة, وهذا له تأثير كبير على نفسيات المجاهدين -عامتهم وخاصتهم- بلا شك، لكن المسلمين -أعتقد أنهم- لم يفلحوا في إيصال مشاعرهم الحقيقية وتمنياتهم وتطلعاتهم إلى المجاهدين, كم عدد العلماء الذين ذهبوا إلى أفغانستان؟!
لقد سمعت -وهذا أمر يسر- أن الأستاذ الشيخ محمد قطب -وفقه الله تعالى وبارك فيه- قد ذهب إلى هناك, والتقى بالمجاهدين لقاءً طويلاً, وتحدث معهم حتى قال لي أحد الإخوة وكان حاضراً: إن الرجل تأثر وبكى وأبكى، وكان لوجوده تأثير كبير في نفسيات المجاهدين, ولكن هذا لا يكفي فكان ينبغي أن يحمل كل إنسان قادر على عاتقه عبء إيصال شيء من المشاعر الإسلامية إلى المجاهدين.
إن المجاهدين يريدون اجتماع الكلمة, وهم لا يريدون أن تتكرر بعض الأخطاء السابقة, إلى غير ذلك من الأشياء التي كان لها ولا بد -لو حصلت- تأثير كبير في أي قرار يمكن أن يتخذه المجاهدون, خاصة وهم -الآن- على مفرق طرق وفي البداية، ودائماً البدايات تؤثر تأثيراً كبيراً.
إننا ننادي أولاً: قادة الجهاد -خاصة الذين أشرت إليهم- إلى ضرورة اجتماع كلمتهم, وأن يكونوا صفاً ضد المؤامرات الغربية وغيرها، كما ننادي المسلمين وعلماءهم ودعاتهم ومخلصيهم وغيوريهم والقادرين وأصدقاء الجهاد الأفغاني إلى أن يوصلوا صوتهم ورأيهم إلى المجاهدين هناك, ويطالبوا بالوفاء للمبادئ التي جاهد من أجلها المجاهدون, وقتل من أجلها أعداد غفيرة من الناس في سوح الجهاد, وبذل من أجلها ما بذل من المسلمين، ليس من أفغانستان فحسب؛ بل في أنحاء العالم الإسلامي.
فإن الوفاء لهذا الجهاد من ألزم الواجبات, وأهم الضرورات.
الواقع -والله تعالى أعلم- أن أبرز قضية في موضوع إطلاق النار هي قضية المليشيات التي كانت عمدة للحكومة الشيوعية السابقة في مقاومة المجاهدين وترسيخ دعائم الدولة الشيوعية, فلما تهاوت أركان الدولة الشيوعية، وكان هؤلاء المليشيات غالبهم من المرتزقة, الذين لا يدافعون عن مبدأ أو عقيدة، وإنما يبحثون عن الرزق، وقد يكون من بينهم من تكون لهم أوضاع غير محمودة. وفي جريدة الحياة تحليل قوي جداً عن هذه المليشيات، وأعدادها وأوضاعها ودوافعها، وتاريخها وغير ذلك.
فهذه المليشيات لما رأت تهاوي النظام السابق حاولت أن تسبق الأحداث؛ وبالتالي عملت نوعاً من التحالف مع بعض قادة المجاهدين, وخصوصاً مع أحمد شاه مسعود قائد الشمال التابع للجمعية الإسلامية, وانضمت المليشيات بقادتها من أمثال عبد الرشيد دوستم وغيره إلى طرف من أطراف المجاهدين, ومن المعلوم أن انضمامها إلى المجاهدين بكاملها لا يعني أنها تحولت إلى جيش إسلامي -كما تعبر بعض الصحف أحياناً- أو إلى جنود مدافعين عن دين الله تعالى, فهي انضمت بقائدها ومقودها وبأوضاعها السابقة, والانضمام بذاته ليس أمراً مشكلاً، بل هو قد يكفي المسلمين شر القتال لهم والمقاومة, ولكن الخطوة التي يجب أن تتبع ذلك هي أن يكون هناك أولاً دعوة إسلامية قوية في أوساط هذه المليشيات حتى تستقيم وتصلح على أمر الله, هذا أولاً.
وثانياً: أنه يجب عدم الاعتماد عليها في حماية النظام الإسلامي الذي يجب أن يقوم في أفغانستان, ثم يجب التنبه إلى أن هذه المليشيات إذا وجدت في بلد بعينه كأن توجد في عاصمة كـكابل -مثلاً- فإنها قد تشكل خطراً اليوم أو غداً على هذه الحكومة الفتية.
وفعلاً وجد شيء من المصادمة بين المليشيات والحزب الإسلامي بقيادة المهندس حكمتيار الذي أبى أن يدخل كابل إلا أن تسلم للمجاهدين أو يدخلها دخول الفاتحين, فصارت مناوشات بينه وبين تلك المليشيات وتكلمت الصحف الغربية والعربية عن هذا على أنه قتال بين المجاهدين, وبعد تدخل اتفق على وقف إطلاق النار, وقعه الحزب الإسلامي والجمعية الإسلامية، ووصلت إلي أوراق هذا الاتفاق، وصار هناك هدوء ولا يزال هناك هدوء إلى اليوم.
ولكن الأمر الغريب أن عدداً من قادة المليشيات رفضوا وقف إطلاق النار, وقالوا: لا بد من القضاء على جنود الحزب الإسلامي، وربما توافق هذا الميول مع ميول الرئيس الحالي المؤقت "مجددي" الذي لم يجد حرجاً أن يقول في مقابلة معه في محطة (cnn) الأمريكية: إن حكمتيار خصم لنا، وإنه يتحالف مع عدونا الشيوعي، وإنه يخالفنا ليس في الرأي فحسب؛ بل فيما هو أبعد من ذلك, بل يطالب بتجريد الحزب الإسلامي من السلاح، وإذا وجدوا أفراداً من الحزب الإسلامي في وزارة من الوزارات وهم قد ألقوا السلاح لا يقاتلون ولا يحاربون، فإنهم يخرجونهم ويقولون: تم طردهم أو إخراجهم, وهذه في الواقع قضية تتطلب حلاً سريعاً؛ لأننا نعلم:
أولاً: أن الحزب الإسلامي جزء من المجاهدين الذي قضى أكثر من ثلاثة عشر عاماً في القتال، ولعله من أكثر الأحزاب بلاءً إن لم يكن أكثرها فعلاً وقتالاً واستبسالاً, هذا أولاً.
ثانياً: أننا نجد أن الغرب يكره الحزب الإسلامي وقائده، وهذا نعتبره نحن توثيقاً وتزكية؛ لأن هؤلاء الكافرين لا يحبون إلا من يكونُ أقرب إليهم وأكثر تسامحاً معهم, ولا يبغضون إلا من يكونُ أقوى في الحق وأصدق في حمل الدين وحمل المبدأ.
وثالثاً: لأن المليشيات هذه كانت شوكة في حلوق المجاهدين على مدى الفترة السابقة.
ورابعاً: لأن الحزب الإسلامي ينضم إليه عشرات الآلاف من المقاتلين, ويملك أعداداً هائلة من الأسلحة.
التفكير بإبعاد الحزب الإسلامي عن الدولة تفكير خطير, وقد عين رئيس الدولة رئيس الحكومة من الحزب الإسلامي، كما أن التفكير بمحاولة مواجهة الحزب أو نـزع السلاح منه أمر أكبر خطورة، وهو يقتضي فعلاً مشاكل كبيرة بين المجاهدين, ولا يقول هذا إلا إنسان لا يستطيع أن يضع الأمور في مواضعها ويضع الحق في نصابه.
وأقول: الحزب الإسلامي أعلن وقف إطلاق النار, وقد وصلت إلي أوراق منه, وهناك مؤتمر صحفي عقده رئيس اللجنة السياسية واسمه "خطب الدين هلال" هو معي الآن, وقد قال في ضمن ما قال: ليس هناك خلاف بين المجاهدين، ومتى خرجت قوات المليشيا من كابل فإن السلام سوف يعود كما عاد إلى مدن جلال أباد وقندهار وهرات، وقد تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين القادة ورؤساء المنظمات الجهادية أمس بمساعي الإخوة المخلصين من العرب, ووافق الجانبان على تشكيل لجنة ذات صلاحية للإشراف على عملية وقف إطلاق النار, وتبع ذلك تشكيل مجلس مشترك ثم قال: وبعد مضي ثلاث ساعات من التوقيع على الاتفاقية أعلن أحد الجنرالات -عبر مكالمة مع إذاعة bbc- رفضه للاتفاقية المبرمة, وتلا ذلك تصريح أحمد ولي مسعود أخو أحمد شاه مسعود الذي أيد فيه التصريحات السابقة، ثم قال: أما نحن فقد قبلنا وقف إطلاق النار، وأصدرنا الأوامر إلى مجاهدي الحزب الإسلامي بضرورة التقيد بوقف إطلاق النار وفي حالة خرق الاتفاقية من الجانب المقابل، عليهم أن يردوا العدوان فقط, والحرب الدائرة -الآن- من وجهة نظرنا هي بين المجاهدين من جهة، وبين ميلشيات عبد الرشيد دوستم، ونبي عظيمي، وعبد المؤمن وغيرهم.
ثم قال: نحن الآن ملتزمون بالعهد، وننفذ وقف إطلاق النار، وقد عينا هيئة معينة من شخصين ونأمل أن يعين الجانب المقابل مثله, ونحن نرى أنه ليس هناك مبرر للحرب.
الموضوع الثاني -ولا يزال الكلام لرئيس اللجنة السياسية- يقول: الموضوع الثاني الذي وافقت عليه ست منظمات من المنظمات الجهادية في بيشاور هو عبارة عن تشكيل لجان ثلاث هي:
1- مجلس الشورى القيادي.
2- الحكومة.
3- الهيئة الانتقالية المكونة من (51) عضواً.
ونحن لا نرى ضرورة إلى الأخيرة، وعلى مجلس الشورى والمجلس القيادي أن يباشرا أعمالهما, ولكن لإلحاح الآخرين وافقنا أن نعين خمسة أشخاص لهذه الهيئة, وفي الاتفاقية المبرمة بين المنظمات الجهادية الست, أعطي منصب رئاسة الوزارء إلى الحزب الإسلامي وقد عين الحزب الإسلامي تولي هذا المنصب الأستاذ فريد أمير الجهاد في ولاية بروان, ونأمل بتشكيل حكومته.
إذاً: ما يتعلق بالأوضاع العسكرية بين المجاهدين بعضهم ببعض، أو بين المجاهدين والأطراف الأخرى، فهذا الأمر -كما ذكرت لكم- ليس ثمة داعٍ الآن إلى مواصلة الاشتباكات بين المليشيات وبين الحزب الإسلامي؛ بل ينبغي أن يكون هناك سعي جاد من المخلصين والراغبين في الصلح إلى إيقاف مثل هذه المعارك, وبالتالي ينبغي أن يكون هناك سعي إلى استصلاح أوضاع المليشيات وإلى تقليص دورها وإبعادها عن العاصمة كابل, وأن تعود إلى المواقع التي خرجت منها, فهذه ضرورات لحفظ هذه الدولة وحفظ أمنها ولا بد منها.
أما ما يتعلق بالناحية السياسية فلعلكم سمعتم الاتفاقيات التي اتفق عليها جميع المجاهدين بما في ذلك الحزب الإسلامي, وليس ثمة حاجة -الآن- إلى التعليق إلا على أمر واحد, وهو أن الجميع فوجئوا بأن صبغة الله مجددي قد أصبح رئيساً لدولة أفغانستان, والكثيرون الكثيرون أصيبوا بخيبة أمل نتيجة لذلك, وهناك أخبار كثيرة تردد أن هناك ضغوطاً دولية وعالمية وعربية، وضغوط دول الجوار كـإيران وباكستان من أجل تعيين هذا الرجل؛ بل إن هناك أخباراً أن بعض الأحزاب أعطيت نحو مائة وخمسين مليون دولار من أجل الضغط لتعيين صبغة الله مجددي في رئاسة الدولة, وأعتقد جازماً أن المجاهدين لم يقاتلوا ثلاثة عشر عاماً من أجل تعيين مثل هذا الرجل, الذي ليس له بلاء في الجهاد يذكر, وليس هناك ارتياح على أقل تقدير إلى تصوراته ومعتقداته ونظراته.
والرجل -الآن- بدأ يتصرف بشكل واضح على أنه رئيس للدولة ربما يطول أمده, فقام بمحاولة تعيين بعض السفراء وأعلن عفواً عاماً؛ بل خطب الجمعة، وكان يتحدث عن قضية إمكانية العفو حتى عن كبار المسئولين في الدولة السابقة, وأخشى ما أخشاه ليست قضية أن يظل حاكماً لمدة شهرين فهذا شر، ولكن مهما يكن فإنه يهون بالقياس إلى ما لو تصورنا أن يظل بعد ذلك حاكماً، ويستمر ويتم القضاء على الاتفاقيات الأخرى التي بموجبها يجب أن يتولى برهان الدين رباني -رئيس الجمعية الإسلامية- بعد شهرين رئاسة الدولة.
بل إنني أذهب إلى أبعد من هذا, فأقول: إن العالم الغربي ودول الجوار لـأفغانستان وغيرها تسعى جاهدة إلى إبعاد جميع الأطراف الجهادية المعروفة عن أن يكون لها تأثير كبير في الحكم؛ لأنهم يعتبرونهم أصوليين ومتشديين, فـبرهان الدين ليس مقبولاً عند الغرب ولا عند حلفائهم, وسياف ليس مقبولاً عندهم جميعاً, وحكمتيار ليس مقبولاً عندهم, ويونس خالص ليس مقبولاً عندهم؛ ولذلك يجب أن يكون هناك جهود كبيرة لجمع هؤلاء المجاهدين وتوحيد كلمتهم ليكون لهم ثقل في الحكومة حاضراً ومستقبلاً.
فإنني أعتقد أن الخطر الذي يهدد قلب الدين حكمتيار الآن -هو أيضاً- يهدد برهان الدين رباني، وهو خطر يهدد محمد يونس خالص, وهو خطر يهدد عبد رب الرسول سياف, وهو خطر يهدد كل القادة والمجاهدين الذين ثبت لهم خلال المدة الماضية قدر كبير من الجهاد والبلاء.
فينبغي أن يكون هناك جهود تبذل لجمع كلمة هؤلاء الأربعة، ومن كان على مثل ما هم عليه لمحاولة أن يكونوا جبهة واحدة، ويقفوا أمام وجه المؤامرات الدولية التي لن ترضى ببساطة أن يتولى من تسميهم بالأصوليين حكم أفغانستان.
ولهذا يتساءل الكثير من الناس عن الطريقة التي تم بها تسليم الحكومة, فإن تسليم الحكومة قد تم بصورة نظامية؛ حيث أقيم حفل وجاء عبد الوكيل ومحمد نبي عظيمي وبعض الذين كانوا من الحكومة السابقة, وتكلموا ثم قالوا: الآن نقوم بتسليم الحكومة إلى مجددي، فكان هناك احتفال لنقل السلطة, وكأن المسألة مسألة نقل وليست مسألة نصر للمجاهدين, وكذلك المسلمون يتعجبون كثيراً من هذا الاعتراف المتسارع بدولة أفغانستان, من قبل أمريكا وروسيا ودول عربية وغير عربية لم يكونوا مخلصين للمجاهدين ولا حريصين على انتصارهم.
فلذلك أقول: يجب أن تبذل المزيد من الجهود.
وهناك سؤال يفرض نفسه: هل أفلح المسلمون في إيصال مشاعرهم إلى المجاهدين الأفغان؟!
وهذا سؤال كبير!
إن الغرب استطاع أن يوصل كل ما في ذهنه وما يريد إلى المجاهدين الأفغان من خلال وسائل الإعلام التي تخدمه, فأصبح الغرب -مثلاً- إذا أراد أن يبرز شخصاً ركز الأضواء عليه، وإذا أراد أن يقضي على شخص فإنه يتحدث عنه, على أنه أصولي ومتطرف ومعاند وخطير، وأنه دموي إلى غير ذلك؛ حتى إني قرأت في مجلة الشرق الأوسط تقريراً عن حكمتيار, يقول: "إنه رجل دموي"، وأنه يقول: لا بد من الدم، وأنه أعد قائمة بستة عشر ألف شخص يريد أن يعدمهم في أفغانستان..!! وكلام من هذا القبيل ليس له زمام ولا خطام.
فالغرب إذا أحب شخصاً ورأى أنه أصلح له, فإنه يبرزه ويلمعه ويلقي عليه الأضواء, وإذا تخوف من شخص أو شعر أنه لا يخدم مصالحه فإنه يحاول أن يحصره في زاوية ضيقة, وهذا له تأثير كبير على نفسيات المجاهدين -عامتهم وخاصتهم- بلا شك، لكن المسلمين -أعتقد أنهم- لم يفلحوا في إيصال مشاعرهم الحقيقية وتمنياتهم وتطلعاتهم إلى المجاهدين, كم عدد العلماء الذين ذهبوا إلى أفغانستان؟!
لقد سمعت -وهذا أمر يسر- أن الأستاذ الشيخ محمد قطب -وفقه الله تعالى وبارك فيه- قد ذهب إلى هناك, والتقى بالمجاهدين لقاءً طويلاً, وتحدث معهم حتى قال لي أحد الإخوة وكان حاضراً: إن الرجل تأثر وبكى وأبكى، وكان لوجوده تأثير كبير في نفسيات المجاهدين, ولكن هذا لا يكفي فكان ينبغي أن يحمل كل إنسان قادر على عاتقه عبء إيصال شيء من المشاعر الإسلامية إلى المجاهدين.
إن المجاهدين يريدون اجتماع الكلمة, وهم لا يريدون أن تتكرر بعض الأخطاء السابقة, إلى غير ذلك من الأشياء التي كان لها ولا بد -لو حصلت- تأثير كبير في أي قرار يمكن أن يتخذه المجاهدون, خاصة وهم -الآن- على مفرق طرق وفي البداية، ودائماً البدايات تؤثر تأثيراً كبيراً.
إننا ننادي أولاً: قادة الجهاد -خاصة الذين أشرت إليهم- إلى ضرورة اجتماع كلمتهم, وأن يكونوا صفاً ضد المؤامرات الغربية وغيرها، كما ننادي المسلمين وعلماءهم ودعاتهم ومخلصيهم وغيوريهم والقادرين وأصدقاء الجهاد الأفغاني إلى أن يوصلوا صوتهم ورأيهم إلى المجاهدين هناك, ويطالبوا بالوفاء للمبادئ التي جاهد من أجلها المجاهدون, وقتل من أجلها أعداد غفيرة من الناس في سوح الجهاد, وبذل من أجلها ما بذل من المسلمين، ليس من أفغانستان فحسب؛ بل في أنحاء العالم الإسلامي.
فإن الوفاء لهذا الجهاد من ألزم الواجبات, وأهم الضرورات.
وذلك أن قضية الجهاد الأفغاني قضية تُعَدُّ نصراً كبيراً ومناسبة ضخمة، فلم يكن غريباً أن يسجلها الشعر -كما قيل ديوان العرب- في عدد كبير من القصائد, وقد وصلت إلي قصائد كثيرة, بعضها للشاعر عبد الرحمن العشماوي, وبعضها لشباب ناشئين؛ بل حتى وصلت إلي قصيدة من الشعر النبطي الشعبي وهي جميلة جداً, وهي تعبر عن مشاعر نظيفة وقوية وسليمة, إضافة إلى عدد من القصائد العربية لمجموعة من الشباب، ووجدت أن الوقت يطول لو أردت أن أقرأها عليكم، فأحببت الاجتزاء بأبيات يسيرة جداً تعبر عن مشاعر هؤلاء الشباب تجاه قضية الجهاد الأفغاني.
فأحد الإخوة ضمن قصيدة طويلة يخاطب المجاهدين وقادتهم ويقول:
تجاوزوا الطمع الممقوت وانتصروا على النفوس فذاك النصر والشرفُ |
وحكموا شرع رب الناس قاطبة ففي النفوس لحكم عادل لهف |
كونوا على حذر فالغرب أقلقه هذا التقدم بالإسلام يتصفُ |
إنا نرى الغرب محموماً على قدم أَحُمَّ من وجل أم سامه أسف |
قد كان يأمل خلفاً في جحافلكم نـزاعكم هدف وفيكم الهدف |
تلك الحقائق لا تخفى على أحد فبالذي نصر الإسلام لا تقفوا |
سيروا على هدي خير الناس كلهم فإن قدوتكم في الأمة السلف |
صونوا عقيدتكم من كل شائبة كما يصون جديدَ اللؤلؤ الصدف |
وأحد الإخوة -وهو أيضاً- من أصدقاء الجهاد الذين ذهبوا إلى أرض الجهاد أكثر من مرة -يقترح عدم ذكر الأسماء في مناسبات معينة- يقول أحد الشباب:
مئات من الآلاف قتلى وإنهم لنحسبهم أحياء والله أعلمُ |
مئات من الآلاف من خير من مضى وقد صدقوا الرحمن عهداً وسلموا |
مئات من الآلاف من كل دولة ومن كل صقع والهوية مسلمُ |
أراقوا دماهم زاكيات لربهم وما قطرة منها لدى الله تعدم |
سقوا أرض أفغان الدِّما لا ليرتوي بها شجر، أثماره بينهم دم |
ولا شجر أثماره قد تعفنت أو ارتشفت ماءً من الغرب يعلم |
ولا شجر من حنظل البدعة اغتذى وكل ابتداع فهو للكفر سلم |
ولا شجر يجني جناه الذي جنى على قومه والحر باللحظ يفهم |
ولكن سقوها بالدماء ليغرسوا بها دولة الإسلام لله تسلم |
وهذه قصيدة ثالثة، ولعلها مناسبة للمقام كتبها -أيضاً- أحد الإخوة وعنونها بعنوان: (اجمعوا شملنا) وهي جميلة:
أنت يا داعي الجهاد كبير وحياة الدنيا متاع صغير |
ظهرت عندك الحياة غرورا ومتاع الغرور شيء حقير |
فطن أنت والعدو كثير حازم أنت والخلاف مبير |
أنت يا شمعة الهداة بصير أنت يا قدوة الدعاة خطير |
أنت يا أسوة البناة ذكي افهم الدرس، والدروس كثير |
كم ضربنا يا ويلتا أنسينا؟! فلماذا بعقلنا لا نسير؟! |
احتكم للكتاب في كل شأن إنما الحل بالكتاب يصير |
كم ترى فتنة وللعقل فيها طيرة شد ما العقول تطير! |
فتن يا غريب خلف دواه بعضها جر بعضها فتسير |
قلّ عقل تراه في كل حال يزن الأمر وزنه ويدير |
اجمعوا شملنا بحبل متين أحكم الفتل منه حكم خبير |
أعلى كل فقرة قد عرانا خلف رأي يدمي القلوب خطير |
الهداة الدعاة إما تراهم في اتفاق أبشر فنعم المصير |
وإذا الفكر منهم ما تلاقى فلعمري ذاك الفساد الكبير |
وحصاد الجهاد إن كان حرباً بين إخواننا فعيش مرير |
استشيروا أرباب علم ورأي كل خطب عند النقاش يسير |
واقصدوا إخوة الجهاد ليسر كل شيء يزينه التيسير |
أيها المسلمون..طيروا جميعاً أصلحوا بينهم على الجو طيروا |
وهذا العنوان يشير إلى كلمة يتبادلها الصرب الذين يقتلون إخواننا قتل الخراف في يوغسلافيا في جمهورية البوسنة والهرسك, فإن الجندي الصربي يحمل السلاح الذي يذبح به المسلم ويقول: أنا أشرب دم المسلم أولاً؛ أو دم التركي أولاً, فمن يشربه ثانياً.
تصرفات العرب مع المسلمين في البوسنة
أولاً: لأنهم يعتبرون أن كثيراً من هؤلاء يرجعون إلى أصول تركية.
ثانياً: لأنهم يعلمون أن هؤلاء -وهذا هو الأهم- مسلمون, فهم يعتبرونهم خونة للوطن وللدين.
فقد كانوا يوماً من الأيام نصارى، ثم فتح الله عليهم في أزمنة الدولة العثمانية وهداهم إلى الإسلام, فآمنوا وأسلموا وكانوا جزءاً من الدولة العثمانية, فيعتبر النصارى أن هؤلاء قد خانوهم وخرجوا من دينهم, وأيضاً وجد من بينهم بعض المهاجرين من تركيا فاعتبروا أنهم يحتوون في ضمنهم على عرق أو دم آخر؛ ولذلك هناك حرب إبادة ضارية وضروس, والآن تدور رحاها في عاصمة البوسنة سراييفو التي يوجد فيها قتل في الشوارع والبيوت وذبح، حتى إنه بالأمس قاموا باعتقال رئيس الدولة -نفسه- من شدة ما وصلوا إليه في إيذاء المسلمين واضطهادهم ومضايقتهم.
فهناك ذبح للمسلمين، وأخطر ما في الأمر لو اتفق الصرب مع الكروات على ضرب المسلمين, فإن هناك -الآن- حرباً بين الصرب والكروات -أيضاً- وهذه الحرب يستفيد منها المسلمون فتصل إليهم الأسلحة عن طريق الكروات، ولم يتفقوا عليهم، لكن هناك جهوداً لمحاولة الإصلاح بين الصرب والكروات, وكلهم نصارى, ولو تصالحوا لاتفقت أسلحتهم على ضرب المسلمين، واعتبروا أشبه ما يكونون بفكي الرحى التي تحاول أن تطحن فيها القومية الإسلامية في البوسنة والهرسك.
صدقني -أيها المسلم- أنه في ثاني أيام العيد قام الصرب بحملة ضروس شرسة على المسلمين، وقتلوا منهم مئات, وأراقوا دماءهم, وكانوا يقتلون الآباء أمام أعين أطفالهم, وربما قتلوا النساء, وقتلوا الأطفال دون رحمة ولا هوادة, وهدموا البيوت على من فيها, وحولوا عيد المسلمين -عيد الفطر- إلى مأتم ومناحة ومجزرة بقوة الحديد والنار التي يملكون.
والآن: إخواننا المسلمون هناك يقولون: نحن لا نطالبكم بأن تدخلوا معنا في المقاومة لهؤلاء, فنحن نعلم أنكم لن تفعلوا هذا؛ بل ولا نطالبكم بتوفير السلاح لنا فقد جربناكم؛ فوجدنا أنكم لا تغضبون لنا غضب المسلم لأخيه المسلم, ووجدنا أن العدو أفلح في تعميق الفواصل بيننا وبينكم؛ فأصبح المسلم يقول: ماذا يعنيني من أمر البوسنة والهرسك؟!!
إنما نطالبكم بالإغاثات الإنسانية من لقمة العيش التي تسد جوعنا، والثوب الذي يستر عرينا، والحليب الذي يغذي أطفالنا، ونطالبكم بالدعم المعنوي لمحاولة وقف هذه الحرب، والتدخل لدى المنظمات المختلفة في إيقافها!! هذا ما يطالبون به الآن, وهناك جهود وأصوات كثيرة تنادي لمثل ذلك, ولكن أخشى أن يكون الأمر بالنسبة للمسلمين كما قيل:
لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي |
ولو ناراً نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رمادِ |
والحقيقة أن التقارير التي تصل من تلك البلاد تقارير مؤلمة جداً, وأخطر من التقارير الصور التي يعرضها الإعلام, فإن الإعلام العالمي كله يعرض صوراً في منتهى الغرابة، تجد الرجل الصربي يضع قدمه على خد المسلم ثم يذبحه ذبحاً!! والعالم كله يتفرج!!
ومن أغرب ما يفعله الصرب -الآن- أنهم حاولوا أن يدمروا مبنى التلفزيون هناك, لماذا؟!
لأنه هو الذي ينقل الصور التي أفزعت العالم كله, ففي محاولة للحيلولة بين العالم وبين ما يجري في البوسنة والهرسك؛ يحاولون القضاء على أي وسيلة إعلامية يمكن أن تنقل الصورة نقلاً مؤثراً.
فيا معشر المسلمين!! إيانا أن نكون كما قيل: أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
إن الجسم الإسلامي -الآن- يقتطع من أطرافه, والذي حل بالمسلم في يوغسلافيا يمكن أن يحل به في أي بلد, فينبغي أن ننصر إخواننا, استنصرونا في الدين فعلينا النصر, ولا يجوز لمسلم يشعر برابطة الإخوة والإيمان بينه وبينهم إلا أن يغيثهم وينصرهم, فهذا مقتضى الولاء للدين ومقتضى الأخوة في الله عز وجل, يقول ربنا تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] وقال: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] وقال: وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ [الأنفال:72] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في حق المسلم على المسلم: {وإذا استنصرك فانصره} فهم استنصرونا الآن ويريدون منا الإغاثة الإنسانية, ويريدون منا أن نبلغ حاجاتهم إلى آذان إخوانهم المسلمين في كل مكان, ولا يجوز أن يكون حظنا -فقط- هو التوجع لهم والندم على ما أصابهم، كلا؛ بل ينبغي أن يكون هناك مشاركة فعليه, وأقل قدر للمشاركة هو أن نبذل المال لهؤلاء الإخوة الذين يقتلون, قال تعالى: وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج:8] والله الذي لا إله إلا هو لو كان البوسنة والهرسك بروتستانت أو كاثوليك أو يهوداً لثار العالم كله من أجلهم, ولكن لأنهم مسلمون لا بواكي لهم!
تجاهل الأمم المتحدة للأمر
هذا تقرير وصل إلي من أحد الإخوة عن هذه النقطة, يقول: بعد أن أعلنت كرواتيا الاستقلال عن يوغسلافيا قاوم الجيش الاتحادي هذا الاستقلال، وقام الجيش الصربي والمليشيات بمهاجمة كرواتيا -كلهم نصارى، الصرب والكروات- وبعد حوالي شهرين من هذه الحرب أصدرت الأمم المتحدة قراراً بإرسال أربعة عشر ألف فرد؛ لإقرار السلام والفصل بين المتحاربين، وكانت التكلفة حوالي ألفي مليون دولار, وبعد ذلك كان الهجوم الوحشي والقتل المريع للبوسنة والهرسك من قبل الجيش الاتحادي، ومن قبل المليشيات الصربية؛ ذلك القتل الذي لا يشبهه إلا مجازر وهمجيات المغول والتتر على البلاد الإسلامية, وبعد ذلك يقول أمين الأمم المتحدة: إن الأمم المتحدة لا تستطيع توسيع نطاق عمليات حفظ السلام إلى جمهورية البوسنة والهرسك!! وقال: إن نشر قوات حفظ السلام هناك ليس أمراً عملياً، ثم قال في إشارة إلى رفع المسئولية عن النصارى وتحميلها المسلمين: ليس هناك طرف في الصراع في البوسنة والهرسك يمكن إلقاء كل اللائمة عليه في هذا الوضع الحالي وتصعيده أي: أن المسلمين يتحملون جزءاً على الأقل من المسئولية, ثم قال: ثم يتعين على كل الأطراف تحمل بعض المسئولية في تفجير الصراع واستمراره، إذاً: هو يدافع عن بني دينه وقومه!!
ولذلك لا نستغرب -الآن- لماذا يختار أميناً عاماً للأمم المتحدة, والغريب في الأمر أن عدداً من المندوبين الغربيين النصارى لم يعجبهم هذا الكلام, فـفرنسا -مثلاً- أرسلت تقريراً إلى مجلس الأمن تدعوه أن يتخذ خطوات عاجلة لإحلال السلام في تلك الجمهورية إلى حد نشر قوة لحفظ السلام.
وفي اجتماع بين وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبولندا أعرب الاجتماع عن القلق الشديد بشأن الوضع هناك, ودعا مجلس الأمن للقيام بالتحرك.
وإذا كان الأمين العام للأمم المتحدة يعتذر بقصور الموارد الإنسانية والمادية، والمالية ولا سيما -كما يقول- في ضوء أعمال العنف الواسعة -الآن- فإن السفير الفرنسي قد رد عليه بأن هذا الكلام غير مقنع، وأن الاعتبارات المالية والأمنية التي أشير إليها كأسباب لعدم إرسال قوة لحفظ السلام التابعة للأمم المتحدة غير كافية.
ولذلك نعرف -أيها الإخوة- الآن أولاً: ما معنى -أو جزءاً من معنى- قول الله تعالى: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51] فجميع ألوان النصارى مهما اختلفت أسماؤهم (البروتستانت-الكاثوليك- أرثوذكس.. إلخ) كلهم حلفاء ضد المسلمين، وهم واليهود والشيوعيون حلفاء أيضاً ضد المسلمين إذا وجد أي بادرة لوجود إسلامي.
ولقد أزعجهم كثيراً -ما يعتبرونه خطراً- الوجود الأصولي في يوغسلافيا؛ وذلك لأن الحزب الحاكم -وهو حزب العمال- هناك يعتبر حزب المسلمين, والحاكم نفسه قضى أكثر من عشر سنوات في السجن في أيام الحكومة الشيوعية.
وقد حدثنا الثقات أن الرجل مصلٍّ، ومهما يكن من وضع الحكومة الحالية فهي حكومة تنتسب بلا شك إلى حزب يعلن العلمانية -وإن كانوا يعتذرون أنهم مضطرون إلى ذلك, وأنهم لا يستطيعون إلا هذا في ظل هذه الظروف القائمة عندهم- وعلى أي حال مهما يكن وضع الحزب القائم هناك, فإن المسلمين من الشعوب الموجودة هناك تعاني صعوبات كثيرة، والغرب يعتبر أنها خطر أصولي يهدده, ولا بد من القضاء عليه.
إذاً: هناك محاولة القضاء على العرق الإسلامي، والجنسية الإسلامية هناك قضاءً مبرماً؛ لأنهم يعتبرونه أضخم وجود إسلامي في أوروبا.
وهذا -أيضاً- يكشف لنا عن قضية ثانية خطيرة، وهي أن النصارى العرب من أخبث نصارى العالم, ولا يقارنون بغيرهم أبداً, فعندهم من الحقد والبغضاء والكراهية للمسلم ما لا يوجد عند النصراني في بلاد الغرب, فينبغي الحذر من النصارى العرب وإبعادهم, وألا نثق بهم، ومع الأسف أقول: كثير من الناس -عندنا هنا- من أرباب الأعمال والشركات والمؤسسات؛ بل ومن المثقفين يعطون النصارى العرب ثقة كبيرة لا يستحقونها.
والواجب أن نحذر من هؤلاء النصارى، وندرك أنهم وإن كانوا أذكياء ولبقين, إلا أنهم يحملون في قلوبهم من الحقد على المسلمين ما لا يحمله أي نصراني آخر.
وعلى أي حال فإن قضية الصرب قضية تتطلب لفت النظر, وبدلاً أن أسترسل معكم في الحديث عنه أكتفي بأن ألفت نظركم بأن هناك محاضرة أو ندوة سوف تقام بعنوان:
إن إخواننا المسلمين هناك يواجهون حرب إبادة, فعدد الذين قتلوا يزيد على خمسة وعشرين ألفاً, وعدد الذين هجروا من بلادهم حسب آخر التقارير أنه نحو (300) ألف مسلم, أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله, إن هناك مؤامرة لإقامة ما يسمى بدولة صربيا الكبرى, وهم يعتقدون أن وجود المسلمين في البوسنة والهرسك خطر عليهم:-
أولاً: لأنهم يعتبرون أن كثيراً من هؤلاء يرجعون إلى أصول تركية.
ثانياً: لأنهم يعلمون أن هؤلاء -وهذا هو الأهم- مسلمون, فهم يعتبرونهم خونة للوطن وللدين.
فقد كانوا يوماً من الأيام نصارى، ثم فتح الله عليهم في أزمنة الدولة العثمانية وهداهم إلى الإسلام, فآمنوا وأسلموا وكانوا جزءاً من الدولة العثمانية, فيعتبر النصارى أن هؤلاء قد خانوهم وخرجوا من دينهم, وأيضاً وجد من بينهم بعض المهاجرين من تركيا فاعتبروا أنهم يحتوون في ضمنهم على عرق أو دم آخر؛ ولذلك هناك حرب إبادة ضارية وضروس, والآن تدور رحاها في عاصمة البوسنة سراييفو التي يوجد فيها قتل في الشوارع والبيوت وذبح، حتى إنه بالأمس قاموا باعتقال رئيس الدولة -نفسه- من شدة ما وصلوا إليه في إيذاء المسلمين واضطهادهم ومضايقتهم.
فهناك ذبح للمسلمين، وأخطر ما في الأمر لو اتفق الصرب مع الكروات على ضرب المسلمين, فإن هناك -الآن- حرباً بين الصرب والكروات -أيضاً- وهذه الحرب يستفيد منها المسلمون فتصل إليهم الأسلحة عن طريق الكروات، ولم يتفقوا عليهم، لكن هناك جهوداً لمحاولة الإصلاح بين الصرب والكروات, وكلهم نصارى, ولو تصالحوا لاتفقت أسلحتهم على ضرب المسلمين، واعتبروا أشبه ما يكونون بفكي الرحى التي تحاول أن تطحن فيها القومية الإسلامية في البوسنة والهرسك.
صدقني -أيها المسلم- أنه في ثاني أيام العيد قام الصرب بحملة ضروس شرسة على المسلمين، وقتلوا منهم مئات, وأراقوا دماءهم, وكانوا يقتلون الآباء أمام أعين أطفالهم, وربما قتلوا النساء, وقتلوا الأطفال دون رحمة ولا هوادة, وهدموا البيوت على من فيها, وحولوا عيد المسلمين -عيد الفطر- إلى مأتم ومناحة ومجزرة بقوة الحديد والنار التي يملكون.
والآن: إخواننا المسلمون هناك يقولون: نحن لا نطالبكم بأن تدخلوا معنا في المقاومة لهؤلاء, فنحن نعلم أنكم لن تفعلوا هذا؛ بل ولا نطالبكم بتوفير السلاح لنا فقد جربناكم؛ فوجدنا أنكم لا تغضبون لنا غضب المسلم لأخيه المسلم, ووجدنا أن العدو أفلح في تعميق الفواصل بيننا وبينكم؛ فأصبح المسلم يقول: ماذا يعنيني من أمر البوسنة والهرسك؟!!
إنما نطالبكم بالإغاثات الإنسانية من لقمة العيش التي تسد جوعنا، والثوب الذي يستر عرينا، والحليب الذي يغذي أطفالنا، ونطالبكم بالدعم المعنوي لمحاولة وقف هذه الحرب، والتدخل لدى المنظمات المختلفة في إيقافها!! هذا ما يطالبون به الآن, وهناك جهود وأصوات كثيرة تنادي لمثل ذلك, ولكن أخشى أن يكون الأمر بالنسبة للمسلمين كما قيل:
لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي |
ولو ناراً نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رمادِ |
والحقيقة أن التقارير التي تصل من تلك البلاد تقارير مؤلمة جداً, وأخطر من التقارير الصور التي يعرضها الإعلام, فإن الإعلام العالمي كله يعرض صوراً في منتهى الغرابة، تجد الرجل الصربي يضع قدمه على خد المسلم ثم يذبحه ذبحاً!! والعالم كله يتفرج!!
ومن أغرب ما يفعله الصرب -الآن- أنهم حاولوا أن يدمروا مبنى التلفزيون هناك, لماذا؟!
لأنه هو الذي ينقل الصور التي أفزعت العالم كله, ففي محاولة للحيلولة بين العالم وبين ما يجري في البوسنة والهرسك؛ يحاولون القضاء على أي وسيلة إعلامية يمكن أن تنقل الصورة نقلاً مؤثراً.
فيا معشر المسلمين!! إيانا أن نكون كما قيل: أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
إن الجسم الإسلامي -الآن- يقتطع من أطرافه, والذي حل بالمسلم في يوغسلافيا يمكن أن يحل به في أي بلد, فينبغي أن ننصر إخواننا, استنصرونا في الدين فعلينا النصر, ولا يجوز لمسلم يشعر برابطة الإخوة والإيمان بينه وبينهم إلا أن يغيثهم وينصرهم, فهذا مقتضى الولاء للدين ومقتضى الأخوة في الله عز وجل, يقول ربنا تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] وقال: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] وقال: وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ [الأنفال:72] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في حق المسلم على المسلم: {وإذا استنصرك فانصره} فهم استنصرونا الآن ويريدون منا الإغاثة الإنسانية, ويريدون منا أن نبلغ حاجاتهم إلى آذان إخوانهم المسلمين في كل مكان, ولا يجوز أن يكون حظنا -فقط- هو التوجع لهم والندم على ما أصابهم، كلا؛ بل ينبغي أن يكون هناك مشاركة فعليه, وأقل قدر للمشاركة هو أن نبذل المال لهؤلاء الإخوة الذين يقتلون, قال تعالى: وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج:8] والله الذي لا إله إلا هو لو كان البوسنة والهرسك بروتستانت أو كاثوليك أو يهوداً لثار العالم كله من أجلهم, ولكن لأنهم مسلمون لا بواكي لهم!
ولذلك أين تدخل الأمم المتحدة؟! هذا الأمين العام للأمم المتحدة؛ وهو يبحث إمكانية التدخل وإرسال قوات إلى هناك, ماذا يقول؟!!
هذا تقرير وصل إلي من أحد الإخوة عن هذه النقطة, يقول: بعد أن أعلنت كرواتيا الاستقلال عن يوغسلافيا قاوم الجيش الاتحادي هذا الاستقلال، وقام الجيش الصربي والمليشيات بمهاجمة كرواتيا -كلهم نصارى، الصرب والكروات- وبعد حوالي شهرين من هذه الحرب أصدرت الأمم المتحدة قراراً بإرسال أربعة عشر ألف فرد؛ لإقرار السلام والفصل بين المتحاربين، وكانت التكلفة حوالي ألفي مليون دولار, وبعد ذلك كان الهجوم الوحشي والقتل المريع للبوسنة والهرسك من قبل الجيش الاتحادي، ومن قبل المليشيات الصربية؛ ذلك القتل الذي لا يشبهه إلا مجازر وهمجيات المغول والتتر على البلاد الإسلامية, وبعد ذلك يقول أمين الأمم المتحدة: إن الأمم المتحدة لا تستطيع توسيع نطاق عمليات حفظ السلام إلى جمهورية البوسنة والهرسك!! وقال: إن نشر قوات حفظ السلام هناك ليس أمراً عملياً، ثم قال في إشارة إلى رفع المسئولية عن النصارى وتحميلها المسلمين: ليس هناك طرف في الصراع في البوسنة والهرسك يمكن إلقاء كل اللائمة عليه في هذا الوضع الحالي وتصعيده أي: أن المسلمين يتحملون جزءاً على الأقل من المسئولية, ثم قال: ثم يتعين على كل الأطراف تحمل بعض المسئولية في تفجير الصراع واستمراره، إذاً: هو يدافع عن بني دينه وقومه!!
ولذلك لا نستغرب -الآن- لماذا يختار أميناً عاماً للأمم المتحدة, والغريب في الأمر أن عدداً من المندوبين الغربيين النصارى لم يعجبهم هذا الكلام, فـفرنسا -مثلاً- أرسلت تقريراً إلى مجلس الأمن تدعوه أن يتخذ خطوات عاجلة لإحلال السلام في تلك الجمهورية إلى حد نشر قوة لحفظ السلام.
وفي اجتماع بين وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبولندا أعرب الاجتماع عن القلق الشديد بشأن الوضع هناك, ودعا مجلس الأمن للقيام بالتحرك.
وإذا كان الأمين العام للأمم المتحدة يعتذر بقصور الموارد الإنسانية والمادية، والمالية ولا سيما -كما يقول- في ضوء أعمال العنف الواسعة -الآن- فإن السفير الفرنسي قد رد عليه بأن هذا الكلام غير مقنع، وأن الاعتبارات المالية والأمنية التي أشير إليها كأسباب لعدم إرسال قوة لحفظ السلام التابعة للأمم المتحدة غير كافية.
ولذلك نعرف -أيها الإخوة- الآن أولاً: ما معنى -أو جزءاً من معنى- قول الله تعالى: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51] فجميع ألوان النصارى مهما اختلفت أسماؤهم (البروتستانت-الكاثوليك- أرثوذكس.. إلخ) كلهم حلفاء ضد المسلمين، وهم واليهود والشيوعيون حلفاء أيضاً ضد المسلمين إذا وجد أي بادرة لوجود إسلامي.
ولقد أزعجهم كثيراً -ما يعتبرونه خطراً- الوجود الأصولي في يوغسلافيا؛ وذلك لأن الحزب الحاكم -وهو حزب العمال- هناك يعتبر حزب المسلمين, والحاكم نفسه قضى أكثر من عشر سنوات في السجن في أيام الحكومة الشيوعية.
وقد حدثنا الثقات أن الرجل مصلٍّ، ومهما يكن من وضع الحكومة الحالية فهي حكومة تنتسب بلا شك إلى حزب يعلن العلمانية -وإن كانوا يعتذرون أنهم مضطرون إلى ذلك, وأنهم لا يستطيعون إلا هذا في ظل هذه الظروف القائمة عندهم- وعلى أي حال مهما يكن وضع الحزب القائم هناك, فإن المسلمين من الشعوب الموجودة هناك تعاني صعوبات كثيرة، والغرب يعتبر أنها خطر أصولي يهدده, ولا بد من القضاء عليه.
إذاً: هناك محاولة القضاء على العرق الإسلامي، والجنسية الإسلامية هناك قضاءً مبرماً؛ لأنهم يعتبرونه أضخم وجود إسلامي في أوروبا.
وهذا -أيضاً- يكشف لنا عن قضية ثانية خطيرة، وهي أن النصارى العرب من أخبث نصارى العالم, ولا يقارنون بغيرهم أبداً, فعندهم من الحقد والبغضاء والكراهية للمسلم ما لا يوجد عند النصراني في بلاد الغرب, فينبغي الحذر من النصارى العرب وإبعادهم, وألا نثق بهم، ومع الأسف أقول: كثير من الناس -عندنا هنا- من أرباب الأعمال والشركات والمؤسسات؛ بل ومن المثقفين يعطون النصارى العرب ثقة كبيرة لا يستحقونها.
والواجب أن نحذر من هؤلاء النصارى، وندرك أنهم وإن كانوا أذكياء ولبقين, إلا أنهم يحملون في قلوبهم من الحقد على المسلمين ما لا يحمله أي نصراني آخر.
وعلى أي حال فإن قضية الصرب قضية تتطلب لفت النظر, وبدلاً أن أسترسل معكم في الحديث عنه أكتفي بأن ألفت نظركم بأن هناك محاضرة أو ندوة سوف تقام بعنوان:
طبعاً لا يعنينا لون البشرة، فهذا يكفينا فيه قول الرب جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] ويكفينا فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب سيدنا بلال بن رباح رضي الله عنه كما في صحيح البخاري فيقول له: {أخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام؟ فإني سمعت دف نعليك أمامي في الجنة! فقال
وضع السودان الحالي
والغرب يصف الحكومة السودانية بأنها حكومة أصولية، ويتكلم أنها تدعم الإرهاب، وأنها بداية للحركات، أو الدعوات الأصولية القائمة؛ ولذلك أوقف عنها جميع ألوان المساعدات من صندوق النقد الدولي، والجمعيات التابعة للأمم المتحدة أوقفت المساعدات عن السودان نهائياً، على الرغم من أن السودان دولة فقيرة جداً, ودخل الفرد فيها ضعيف, وعلى الرغم من أن السودان تؤوي آلافاً من اللاجئين من إرتيريا، وتعيش فترات من الجفاف طيلة السنين الماضية, إلا أنهم لم يأبهوا بهذا الوضع الصعب، وأوقفوا ألوان الدعم -الدعم الإنساني كما يسمونه- عن السودان, اللهم إلا أن يكون الدعم لـجنوب السودان حيث يكثر النصارى، وحيث كان يسيطر عليها جون قرنق وأتباعه.
وأبداً لسنا نعتقد أن الحكومة القائمة في السودان هي الحكومة الإسلامية المثالية التي يطمح إليها المسلمون, ولكننا -أيضاً- نقول إن تلك الحكومة القائمة في السودان هي أفضل من جميع الحكومات العلمانية التي لا تقول -أصلاً-: إنها تحكم الشريعة, ولا تقول: إنها تطمح إلى تحكيم الإسلام، وإنما تقول: إنها لا تسمح ولا ترضى بقيام أي حزب فيها على أساس الدين, والله تعالى يأمر بالعدل والإحسان, فمن هو الذي يستطيع أن يوالي ويحب ويدافع عن حكومة تقول: إنها لا تسمح بقيام حزب على أساس دين, ويحارب ويناوئ ويتهجم على حكومة أخرى تقول: نحن مسلمون, ونسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية, ونسعى إلى تكميل النقص الموجود فينا بين آونة وأخرى, ونطلب من شعبنا أن يلتزم بالحجاب الشرعي, ونحارب بيوت الدعارة, ونحارب النصارى في بلادنا، وننتصر عليهم -بإذن الله تعالى- ونتيح الفرصة للدعاة أن يقوموا بدعوتهم.
ومرة أخرى أقول: هذه الكلمة ليست تزكية مطلقة للوضع في السودان، فإننا نعلم أن هناك ثغرات كبيرة موجودة, وعلى بعض قادة الجبهة الإسلامية هناك تحفظات -لي ولغيري من دعاة الإسلام- على ما يطرحونه من أفكار ومبادئ واجتهادات وتصورات, لا يقرون عليها ولا يوافقون على ما فيها.
ولكننا نقول مع ذلك: إنه بالنظر إلى وضع السودان -الآن- وإلى وضع العالم والدول المحيطة به والأوضاع التي يعيشها المسلمون، فإننا نقول: إن وضع السودان يعتبر بداية ينبغي أن نفرح بها من هذا المنطلق, نفرح بها على أنها بداية يمكن أن تكتمل بعون الله تعالى؛ خاصة مع اجتهاد المسلمين في التواصل مع إخوانهم هناك, ولو بالنصيحة.
ولقد رأينا كثيراً من صحفنا هنا والصحف العربية والعالمية شنت حرباً ضروساً على وضع السودان، ووصفته بأنه وضع أصولي، وأنهم متطرفون، وأنهم يغذون حركات الإرهاب وأنهم وأنهم.. إلخ.
لكنني أتساءل: هل سمعتم -أيها الإخوة- صوت النصيحة الذي يدعو إخواننا المسلمين في السودان إلى تصحيح أي خطأ موجود عندهم, أما أنا فوالله لم أسمعه حتى الآن, ما سمعنا إلا صوت الشجب والذم, والاتهام والطعن والتشهير, وهذه الأصوات هي أصوات الأعداء, لكن أين أصوات المخلصين لشعب السودان وحكومته؟!
أين أصوات المخلصين للمسلمين؟!
لماذا لا يناصحون إخوانهم هناك؟
لماذا لا يدعونهم إلى ما يعتقدون أنه خير وأفضل لهم؟!!
بغض بعض المنتسبين للصحافة العربية للحكومة السودانية
أحلف بالله لو انتصر قرنق على الحكومة السودانية لصفقت لذلك صحف عربية كثيرة, واعتبرت هذا نصراً، وإن كانت ليست بالضرورة مؤيدة لـقرنق، لكن يكفيها أنه انتصار على حكومة البشير والترابي، وعلى الجبهة الإسلامية في السودان.
فهل بلغ بنا الحال من العداوة لهؤلاء أن نفرح بانتصار النصارى عليهم، ونحزن حين ينتصر المسلمون على أولئك النصارى, إن الذين يغطون أخبار الانتصارات العسكرية في جنوب السودان هم في الغالب إما أن يكونوا من غير المسلمين وإما من الناس العاديين العلمانيين, أما الصحف التي تصدر في البلاد الإسلامية فإنها لا تغطي هذه الانتصارات ولا تفرح بها, ولعل الجميع يلجئون إلى إذاعة لندن -مثلاً- أو جريدة الحياة حتى يمكنهم متابعة أخبار الانتصارات في جنوب السودان, مع أننا نعلم أنهم لما انتصروا -مثلاً- جاءوا إلى مسجد كان النصارى قد حولوه إلى كنيسة، أو إلى مستودع فنظفوه وصلّى فيه قائدهم -شخصياً- صلاة الشكر لله تعالى أو صلاة الفتح.
ونعلم أن كثيراً ممن قاوموا النصارى وانتصروا عليهم هم من الشباب المتدين في السودان، وهذه أشياء ينبغي أن تذكر ويشاد بها, ومع ذلك فإننا نعلم أن في حكومة السودان ثغرات كما في أي مجتمع إسلامي آخر, ولا بد من مواصلتهم في سد هذه الثغرات ومناصحتهم, وهذا أقل حق للمسلم على أخيه, فأين المسلم عالماً كان أو داعية أو إعلامياً أو شخصاً، الذي يناصح إخوانه المسلمين؟!
نداء للحكومة السودانية
وهذا الكلام أقوله في هذه المناسبة وأقول: يجب أن يقوله كل مسلم بالوسيلة التي يستطيع أن يوصلها إلى هناك, على أقل تقدير أن يقولها لإخواننا السودانيين الموجودين هنا, وهم بحمد الله كثير، وعليهم أن يبلغوا هذه الرسالة, وهي أن المسلمين مع السودان ضد النصارى, ومع السودان ضد الغرب, ومع السودان لو فرض عليه حصار من الغرب, وأنه مع السودان حين يرفع شعار الإسلام.
وهو يطالب السودان بمزيد من الالتزام بالكتاب والسنة, ومزيد من الانضباط على هدي السلف الصالح، ومزيد من التصحيح للأوضاع العقائدية والسلوكية الموجودة هناك, ومزيد من تبني قضايا المسلمين والدفاع عن حقوقهم، خاصة المسلمين المجاورين لهم, ونطالبهم -مثلاً- بأن يكونوا مع إخواننا في إرتيريا بقدر ما يستطيعون, وأن يمدوا يد العون لهم, وأن يجعلوا أرضهم مجالاً لاستقبال المشردين في بلاد أفريقيا، وإيوائهم وبذل ما يمكن لهم, وأن المسلمين لن يدخروا وسعاً في دعم هؤلاء اللاجئين في أرض السودان, ومساعدتهم بكل ما يحتاجون إليه من المساعدات الإنسانية, وما عهدنا -إن شاء الله- منهم إلا مثل ذلك.
فحوى مقابلة مع أحد زعماء السودان
يقول: يجب أولاً: توضيح مفهوم الإرهاب, فعندما كان الفرنسيون يتصدون للاحتلال الألماني كنتم تستعملون كلمة نبيلة وهي كلمة المقاومة, أما عندما يتصدى الفلسطينيون لمحتل أرضهم اليهود فإنكم تسمون هذا إرهاباً, ففي الغرب هناك وزنان وقياسان, واليوم أنتم تميلون -وللأسف- للدمج بين الإسلام والإرهاب, وصحيح أن تولي الإسلام السلطة يرهبكم بسبب الأفكار التاريخية المسبقة لديكم, لكنكم تنسون أن الصليبيين والاستعماريين كانوا أنتم.
ويخاطب الفرنسيين والغرب -أيضاً- فيقول: أنتم تبشرون بالتسامح والتعددية لديكم، أما عندما تأتون إلى هنا -يعني الأرض الإسلامية- فإنكم لا تتحملون أن يكون هناك نموذج آخر للحضارة.
ثم سألوه: هل تريد أن تقول إن فرنسا وراء الانقلاب العسكري في الجزائر؟
قال: ليس لدي أدلة على ذلك، لكن هذا يشكل قناعة عامة, فإذا كانت فرنسا وضعت ثقلها كله في الميزان لكانت الديمقراطية قد انتصرت في الجزائر، ومن الممكن أن تدخل الأنظمة المجاورة للجزائر -والتي عرفت أن هذه الانتخابات الحرة تهددها- قد كان أكثر أهمية، ومرة أخرى سألوه عن الإرهاب؟
فقال: نحن لا نمارس الإرهاب المجرم, فديننا ينهانا عنه, لكن لنا الحق في حماية أنفسنا، وإذا كان الأمريكيون لا يريدون مساعدتنا فليحتفظوا بأموالهم, وإن سياسة مساعدات الشمال للجنوب هي شكل جديد لاستغلال الأغنياء للفقراء... إلى آخر المقابلة.
على كل حال أقول: ينبغي أن ندرك أن السودان يواجه حصاراً غربياً, وقد يكون هو أحد ضحايا الغرب بعد ليبيا وسوريا وبعد أية دولة أخرى يطمع الغرب في أن يضحي بها لغرض أو لآخر, والغرب يتدخل، ولذلك لا يلام المسلمون إذا فرحوا وطربوا للأخبار التي تتكلم عن الاضطرابات في أمريكا, التي اتسعت لتشمل خمس مدن في ثلاث ولايات, والتي ذهب فيها عشرات القتلى, ومئات الجرحى, ومئات الملايين من الدولارات، التي ذهبت بسبب سرقة المتاجر والحرائق وغيرها؛ حتى اضطر الجيش والحرس والقوات البحرية وغيرها إلى التدخل, وبدأ عدد من رموز النظام الأمريكي يعيدون النظر في مدى تماسك الجبهة الداخلية، ومدى قناعتهم بالوضع القائم هناك, نحن لا نملك إلا أن نفرح؛ لأننا نعلم أن أمريكا أصبحت تقاوم أي صوت للإسلام في السودان أو الجزائر أو فلسطين أو مصر أو أفغانستان, وأن بصماتها واضحة هنا وهناك, فهي لن تسمح بقيام حكومة إسلامية وهي تستطيع ذلك.
ولهذا نسأل الله تعالى أن يشغلهم بأنفسهم، فنقول: اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، اللهم اجعل كيدهم في نحورهم, واجعل الدائرة عليهم, ونسأل الله تعالى أن يجعل عندهم من القلاقل والمشاكل الأمنية والاقتصادية ما يشغلهم عن المسلمين في كل مكان.
ونحن نعلم أن الله على كل شيء قدير, والذي أسقط الامبراطورية الشيوعية في الشرق, قادر على أن يسقط الامبراطورية الصليبية النصرانية في الغرب إنه على كل شيء قدير.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أحاديث موضوعة متداولة | 5118 استماع |
حديث الهجرة | 5007 استماع |
تلك الرسل | 4155 استماع |
الصومال الجريح | 4146 استماع |
مصير المترفين | 4123 استماع |
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة | 4052 استماع |
وقفات مع سورة ق | 3976 استماع |
مقياس الربح والخسارة | 3929 استماع |
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية | 3872 استماع |
التخريج بواسطة المعجم المفهرس | 3833 استماع |