شرح العقيدة الطحاوية [19]


الحلقة مفرغة

السؤال: يرد أحياناً إلى قلب المؤمن ما يلقيه الشيطان من وساوس، ومن ذلك ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم -فيما معناه- قوله: (إن الشيطان يوسوس في قلب الرجل، فيقول له: من خلق هذا.. إلى أن يقول: من خلق الله؟)، فهل هذا من الشك في الله عز وجل؟

الجواب: الحديث حسم الأمر وبين أن هذا إذا لم يستقر في القلب فلا يصل إلى حد الشك ولا نقص الإيمان إن شاء الله، وأن هذا من وساوس الشيطان التي تنتهي، وهذه قاعدة في كل أمور الدين، بمعنى أن الشيطان قد يوسوس بعارض يعرض في الفكر، فهذا العارض إذا ما استقر وصار أصلاً أو صار مساراً للشك والوسواس فهو لا يضر، وعلى الإنسان إذا تعرض لمثل هذه الأمور أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فالشيطان بعد ذلك يخنس، فالإنسان لا تضيره الخواطر ما لم تكن اعتقاداً، أو ما لم يتماد في الخواطر ويقف عندها وقوف الشاك أو المستريب، أما أن ترد فلا يمكن أن يسلم الإنسان من ورود الخواطر، وليدفعها بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم وقراءة القرآن واستحضار أسرار معاني الإيمان، وبذلك إن شاء الله تزول ولا تستقر.

إذاً: الخاطر الذي يخطر ولا يستقر لا إثم فيه إن شاء الله ولا يؤثر في الإيمان، والنبي صلى الله عليه وسلم خاطب الصحابة وهم أكمل الناس إيماناً، وبين لهم أنه يأتيهم الشيطان ويقول لهم كذا وكذا إلى أن يقول: من خلق الله، فإذا وصل الأمر إلى هذا الحد فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وبذلك -إن شاء الله- لا يضره.

السؤال: ما هو الضابط والفارق بين الاسم والصفة والإخبار عن الله عز وجل، وهل نثبت صفة الهرولة والسكوت؟

الجواب: أسماء الله وصفاته توقيفية، والأسماء التي وردت في الكتاب والسنة هي التي تثبت، وما عداها لا يثبت، إلا الكمال المطلق لله سبحانه وتعالى؛ لأن أسماء الله التي وردت في الكتاب والسنة تتضمن كل كمال، وما يرد على أذهان البشر أو على ألسنتهم أو خواطرهم من أي معنى من معاني الكمال بأي لغة وبأي لهجة أو بأي لفظ، فإن في الكتاب والسنة ما هو أوفى منه، وكل معنى من معاني الكمال يرد في أذهان البشر، فلابد من أن يكون في مفردات أسماء الله تعالى ما يفي به وزيادة.

إذاً: لا حاجة إلى ابتداع أسماء جديدة، وإن كان بعض أهل العلم استنبط من بعض أفعال الله تعالى ومن بعض صفاته أسماء، فهذا محل خلاف قد يسع الكلام فيه، لكن ما عدا ذلك لا يجوز.

ومسألة الصفات كذلك، فالصفات هي ما قرر السلف أنه صفات، ويبدو لي أن الخلط عند السائل جاء من بعض أفعال الله تعالى التي وردت، فهل كل أفعال الله تثبت منها الصفات؟ لا، فليس كل فعل يرد عن الله تعالى يثبت منه صفة؛ لأن هناك من الأفعال ما يدل على مظاهر قدرة الله تعالى في خلقه، فلا يعني بالضرورة إثبات صفة، إلا الصفات العامة مثل القدرة والخلق والإيجاد وغير ذلك، فهذه صفات عامة، وترجع إليها كل معاني أفعال الله تعالى، أما أن نثبت من أي فعل صفة -كالهرولة مثلاً-؛ فالصحيح والراجح عند أهل العلم أنه لا يلزم أن نثبت صفة الهرولة صفة مستقلة، وإن كانت هذه محل نزاع لأنها وردت، لكن إن أثبتت فتثبت لله تعالى على ما يليق بجلاله، لكن الأولى ألا نثبت من كل فعل صفة، فبعض الأفعال تثبت منها صفات وأسماء، وبعضها لا يلزم أن نثبت منها صفات وأسماء، كالسكوت، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال عن الله تعالى: (وسكت عن أشياء رحمة بكم)، فهذا فعل من أفعال الله، والسكوت هنا بمعنى أن الله لم ينزل فيها تشريعاً، فلا يثبت من هذه اللفظة صفة.

السؤال: عندما سأل موسى عليه السلام الله سبحانه وتعالى أن ينظر إليه، كما قال تعالى: رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف:143] ألم يكن عليه السلام مؤمناً بأن الله موجود؟

الجواب: موسى عليه السلام ما طلب النظر لإثبات وجود الله، فموسى عليه السلام يعرف أن الله يرى يوم القيامة، وأنه يكلم عباده، ويعرف أن هذا من نعيم الله لخلقه، يعرف أن من أعظم النعيم الذي وعد الله به أهل الجنة -نسأل الله أن يجعلنا جميعاً منهم- من أن يروا ربهم، وهذا نعيم عظيم لا يعدله أي نعيم، بل هو أعظم من نعيم الجنة، فموسى عليه السلام يعرف أنه يرى ربه يوم القيامة، ويعرف أنه يكلمه ربه يوم القيامة، فلما كلمه ربه طمع في الرؤية، وموسى طماع في الخير فقط، ليس الأمر أكثر من ذلك، ولا يشك في وجود الله، فكيف يشك والله يكلمه؟! فإنه طلب النظر والرؤية عند التكليم، فلما كلمه ربه طلب الرؤية، فلا يمكن أن يرد بحال من الأحوال أن المسألة نتجت عن شك.

السؤال: إذا كان يجوز إطلاق الصانع على الله من باب الصفات، فكيف يجوز ذلك والصفات توقيفية؟

الجواب: أنا ما قلت: من باب الصفات، قلت: من باب وصف فعل الله، فما قلت: إن الصانع صفة لله، ما قلت هذا، أنا قلت: قد جوز بعض أهل العلم إطلاق الصانع من باب وصف فعل الله تعالى، من باب الوصف لا الصفة، ففرق بين الوصف والصفة، الوصف يندرج بألفاظ كثيرة، والصفة لفظة محددة، والأصح أنه لا يطلق على الله من الصفات إلا ما ثبت، ولا من الأسماء إلا ما ثبت، أما الوصف وتقرير وصف الاسم ووصف الصفة، أو شرح الصفة وشرح الاسم؛ فهذا قال به بعض أهل العلم، كشرح الأول بالقديم الذي ليس له ابتداء، فبعض أهل السنة والجماعة شرح كلمة (الأول) من أسماء الله تعالى بأن معناها القديم الذي ليس له ابتداء، فهذا من باب شرح الاسم، وكذلك الصانع لعلها من باب شرح معنى الخالق، أو لمقابلة الكلمة عند المتكلمين.

السؤال: نرى في كثير من كتب الأصول أن أحاديث الآحاد ظنية في الأحكام والعقائد؟

الجواب: هذا خلاف منهج أهل السنة والجماعة، فأحاديث الآحاد قد تكون ظنية أحياناً في الأحكام وقد لا تكون، لكن في العقائد لا يمكن أن تكون ظنية؛ لأن أحاديث الآحاد إذا ثبتت واعتقدنا صحتها فلابد من أن نعتقد ما جاء فيها، والتفريق بين حديث الآحاد وغيره في العقائد بأنه ظني أو غير ظني تفريق حادث، وهو وسيلة من وسائل المتكلمين ومن معاولهم التي استعملوها.

السؤال: قلت: إن الشك لا يكون إلا في أفراد من الناس، ولا يكون في أمة أو جماعة، فكثرة العصاة والفسقة من المسلمين أليست دليلاً على شك كثير من المسلمين، أي أن إيمانهم بالبعث واليوم الآخر إيمان ظني ليس إيماناً جازماً؟

الجواب: أنا ما تكلمت عن الشك في اليوم الآخر، إنما قصدي الشك في وجود الله وربوبيته، وأما ارتكاب المعاصي والآثام والجرائم فلا يعني الشك في الله، إنما قد يكون ضعف إيمان، وقد يكون معصية، وقد يكون رفضاً لدين الله حتى ممن يؤمن بوجود الله، فهناك من يرفضون الدين لهوى، أو لشبهات، أو يرفضون الدين لأغراض شخصية أو غير شخصية، أو لمذاهب يعتنقونها أو لأفكار، فقضية رفض الدين موجودة -ولا شك- عند الكثير، حتى في المسلمين لا تزال فئات ترفض الدين، وممن يرفض الدين العلمانيون الذين يهيمنون على السلطات في أكثر العالم الإسلامي، فهؤلاء يرفضون الدين ويؤمنون بوجود الله.

السؤال: ألا ترى أن الدعاة يركزون على تقوية الإيمان بالله واليوم الآخر ويزاد التأثر بالنظرية الغربية؟

الجواب: بعض الناس يريد أن يقوي إيمانه، وهذا أمر جيد، لكن لا يكون بمسألة تقرير وجود الله، وتقرير أن الله هو الرب، فهذا أمر بدهي، أفي الله شك؟! لكن يكون الوعظ في مسألة تقوية هذا الإيمان وما يزيده وما يوقظه في القلوب، هذا هو المطلوب.

السؤال: سمعت أن قبر الرسول صلى الله عليه وسلم مرفوع وأن عليه قبة حديد، فإذا كان ما سمعته صحيحاً، فهل يجوز هذا؟

الجواب: القبر ليس بمرفوع، قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال في الأرض ولم يرفع منه شيء، إنما بنيت حوله أبنية، والأبنية أنواع، منها ما بني حماية للقبر بعدما همت طائفة من الرافضة في القرون السالفة أن تنبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فحفرت خندقاً حتى كادت تصل إلى القبر، فأوقظ بعض الصالحين من المسلمين برؤيا، وتبينت المكيدة، فبعد ذلك حمي القبر بسياج من أسفله من نواحيه البعيدة عنه، ولا تزال هذه الحماية، أما البناء فوقه فلا يعني أن القبر مرفوع، فهذه القبة بنيت فيما بعد.

السؤال: ذكرت أن وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فيه شبهة، فما الحل لهذه المشكلة، هل يهدم المسجد أم ينبش القبر؟

الجواب: هذه مشكلة واجهها المسلمون منذ زمن، وواجهها أيضاً أهل السنة والجماعة، خاصة بعد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، ولهم فيها موقف معروف، والقبة من حيث وجودها ليست شرعية، لكن مسألة هدمها ربما ينبني عليها مفسدة أكبر، والله أعلم، وعلى أي حال فالمشكلة كبيرة وتحتاج إلى عرض على أهل العلم.

السؤال: هل يضل الإنسان بعد الهداية، حيث إن الله تعالى يقول: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى [محمد:17]؟

الجواب: نسأل الله العافية، فقد يضل الإنسان، والمضلات كثيرة، والنبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من المضلات، وكان يقول صلى الله عليه وسلم: (يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك)، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن قلب العبد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء، فمسألة الانتكاس بعد الهداية واردة، فلذلك يسأل المسلم ربه دائماً الاعتصام بالحق.