شرح العقيدة الطحاوية [43]


الحلقة مفرغة

قال رحمه الله تعالى: [ ثم قد صار لفظ التأويل مستعملاً في غير معناه الأصلي، فالتأويل في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هو الحقيقة التي يئول إليها الكلام، فتأويل الخبر: هو عين المخبر به، وتأويل الأمر نفس الفعل المأمور به، كما قالت عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، يتأول القرآن)، وقال تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ [الأعراف:53]، ومنه تأويل الرؤيا وتأويل العمل، كقوله: هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ [يوسف:100]، وقوله: وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ [يوسف:6]، وقوله: ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59]، وقوله: سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا [الكهف:78]، إلى قوله: ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا [الكهف:82]، فمن ينكر وقوع مثل هذا التأويل والعلم بما تعلق بالأمر والنهي منه؟! ].

هذا السؤال إنكاري، حيث يقول: فمن ينكر وقوع مثل هذا التأويل؟

تأويل الخبر باعتقاد عين المخبر به

وفي هذا المقطع ذكر أنواع التأويل عند السلف، يعني: الأنواع الصحيحة للتأويل التي تفهم من النصوص الشرعية والتي عليها السلف، فالتأويل عند السلف على أنواع:

النوع الأول: تأويل الخبر الوارد في الكتاب والسنة، سواء كان هذا الخبر يتعلق بعالم الغيب أو يتعلق بعالم الشهادة، فإن تأويل الخبر هو اعتقاد عين المخبر به، كقوله عز وجل: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، فهذا خبر جاءنا عن الله عز وجل، فتأويله حقيقة الاستواء، تأويله أن الله عز وجل استوى على عرشه، ليس له معنى آخر، وهذا تأويل فطري سليم يناسب الفطرة والعقل السليم، ثم إنه يتناسب مع فهم العرب للغتهم، ثم إنه هو الحق الذي يقتضي صدق خبر الله عز وجل؛ لأن الله أخبرنا بأخبار غيبية وأخرى غير غيبية.

فالخبر لابد من أن يكون هو عين التأويل، والخبر لابد من أن يكون هو عين المخبر به، ومعنى (عين المخبر به): أن هذا الخبر الذي جاء عن الله تعالى أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم تأويله هو ذات المخبر به، ليس شيئاً آخر، فلا نبحث له عن تفسير بعيد؛ لأن الله عز وجل لا يقول إلا الحق والصدق؛ ولأن الخبر إن كان غيبياً فلا سبيل إلى معرفته إلا من خلال ما تكلم الله به، وما تكلم الله به له معنى يدركه الذهن والعقل، وإن كان من عالم الشهادة فسيراه الإنسان بمداركه وحواسه.

المهم أن هذا النوع الأول -أي: تأويل الخبر-: هو أن تعتقد حقيقة المخبر به كما أخبر الله به، وكما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، كإخبار الله عز وجل عن الاستواء، وإخبار الله عز وجل عن أحوال البعث، وإخبار الله عن الرؤية، وإخبار الله عن أشراط الساعة، فإن تأويل هذا الخبر هو اعتقاد عين المخبر به دون زيادة ولا نقص.

تأويل الأمر بالفعل والنهي بالكف

النوع الثاني: تأويل الأمر، كقوله عز وجل: اصْبِرُوا وَصَابِرُوا [آل عمران:200]، ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77]، فإن تأويل هذا الأمر الذي أُمِر به إيقاعه كما أمر الله، وامتثاله كما أمر الله، وفعله كما أمر الله، فإن كان أمراً بفعله، وإن كان نهياً فبالانتهاء عنه، فقوله تعالى: ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77] تأويله: وقوع الركوع والسجود كما أمر الله تعالى، وقوله عز وجل: اصْبِرُوا وَصَابِرُوا [آل عمران:200] تأويله: تنفيذ الصبر عندما يأتي له سبب.

إذاً: تأويل الأمر فعل المأمور به، كما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن)، أي: يتأول قوله عز وجل: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ [النصر:1-3].

فتأويل الأمر كما قالت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم حينما أمر صلى الله عليه وسلم بأن يسبح ويستغفر، فصار ذلك عادة له في ركوعه، فهنا أول معنى الآية بالفعل، وكل أمر ونهي يأتي في القرآن والسنة فإن تأويله بامتثاله.

تأويل الشيء بوقوعه

النوع الثالث: تأويل الشيء بمعنى: وقوعه، فتأويل خبر الله بمعنى: وقوعه، فتأويل يوم القيامة وقوعه، وتأويل أشراط الساعة وقوعها، وكل ما أخبر الله به وأخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وقع فقد وقع تأويله، فإذا وقع الشيء وقع تأويله، فالأخبار التي وردت ولم يقع تأويلها لا يحتاج الناس إلى تكلف في معنى ذلك، فمثلاً: النبي صلى الله عليه وسلم أخبر في الحديث الصحيح: (أنه ستخرج نار من المدينة تضيء لها أعناق الإبل ببصرى) أو نحو ذلك، فوقعت هذه النار، فلما وقعت وقع تأويلها، فلا يحتاج الناس إلى أن يؤولوا الخبر، لكن هناك أخبار لم يقع تأويلها، وتأويلها وقوعها، كالخبر عن يوم القيامة، كما جاء في قوله عز وجل: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ [الأعراف:53]، يعني: هل ينظرون إلا وقوع يوم القيامة؟! هذا هو التأويل.

تأويل الرؤيا بما ستقع وتأويلها بنفس وقوعها

النوع الرابع: تأويل الرؤيا، وتأويل الرؤيا على صنفين: تأويلها بمعنى: تفسيرها كما ستقع، وهذا قد يحدث لمن أعطاهم الله عز وجل شيئاً من الفراسة والموهبة في التأويل، كما كان يوسف عليه السلام، وكما كان كثير من أهل الفراسة، فأهل العلم يؤولون الرؤيا، بمعنى: أنهم يفسرونها كما ستقع، فتقع على ما أولوه.

والصنف الثاني: ما لا يمكن إدراكه حتى تقع، فيكون وقوعها تأويلها.

فقد ترى رؤيا فتسأل بعض أهل العلم بها فيفسر لك الرؤيا فتقع كما فسرها، فهذا نوع من التأويل، فتفسير ذلك الشخص لك صار تأويلاً للرؤيا؛ لأنها وقعت على نحو ما فسر.

وأحياناً لا تسأل عنها، أو تسأل فلا تجد من يخبرك، فتصبر حتى يقع تأويلها وهو وقوع ما يصدق الرؤيا، والنوعان متشابهان، لكن هذا يكون بإدراك البشر وهذا لا يدرك إلا بعد الوقوع، فكل ذلك يعد من التأويل الحقيقي الذي لا مجال للعدول فيه عن المعاني الصحيحة إلى التخرصات أو الظنون.

التأويل العملي الامتثالي

النوع الخامس: التأويل العملي، كقوله عز وجل: ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59]، يعني: مثل ما نسميه الآن التطبيق، وإن كانت الكلمة -في الحقيقة- فيها نظر، فتطبيق الشيء يعتبر تأويلاً له، وتأويل العمل تطبيقه أو تمثيله.

وقد لا يكون العمل عن سابق أمر، فتأويل الأمر هو العمل به، لكنه أحياناً يكون العمل نفسه تأويلاً، بمعنى: أنه مآل للشيء، وكل هذه المعاني تعود إلى معنى المآل والتفسير.

فهذه أنواع التأويل عند السلف، وما عداها في الأمور الشرعية يعد تكلفاً، وأحياناً يعد إفراطاً، وقد يعد ضلالاً، وقد يعد كفراً، كما سيأتي في أنواع التأويل الأخرى.

وفي هذا المقطع ذكر أنواع التأويل عند السلف، يعني: الأنواع الصحيحة للتأويل التي تفهم من النصوص الشرعية والتي عليها السلف، فالتأويل عند السلف على أنواع:

النوع الأول: تأويل الخبر الوارد في الكتاب والسنة، سواء كان هذا الخبر يتعلق بعالم الغيب أو يتعلق بعالم الشهادة، فإن تأويل الخبر هو اعتقاد عين المخبر به، كقوله عز وجل: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، فهذا خبر جاءنا عن الله عز وجل، فتأويله حقيقة الاستواء، تأويله أن الله عز وجل استوى على عرشه، ليس له معنى آخر، وهذا تأويل فطري سليم يناسب الفطرة والعقل السليم، ثم إنه يتناسب مع فهم العرب للغتهم، ثم إنه هو الحق الذي يقتضي صدق خبر الله عز وجل؛ لأن الله أخبرنا بأخبار غيبية وأخرى غير غيبية.

فالخبر لابد من أن يكون هو عين التأويل، والخبر لابد من أن يكون هو عين المخبر به، ومعنى (عين المخبر به): أن هذا الخبر الذي جاء عن الله تعالى أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم تأويله هو ذات المخبر به، ليس شيئاً آخر، فلا نبحث له عن تفسير بعيد؛ لأن الله عز وجل لا يقول إلا الحق والصدق؛ ولأن الخبر إن كان غيبياً فلا سبيل إلى معرفته إلا من خلال ما تكلم الله به، وما تكلم الله به له معنى يدركه الذهن والعقل، وإن كان من عالم الشهادة فسيراه الإنسان بمداركه وحواسه.

المهم أن هذا النوع الأول -أي: تأويل الخبر-: هو أن تعتقد حقيقة المخبر به كما أخبر الله به، وكما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، كإخبار الله عز وجل عن الاستواء، وإخبار الله عز وجل عن أحوال البعث، وإخبار الله عن الرؤية، وإخبار الله عن أشراط الساعة، فإن تأويل هذا الخبر هو اعتقاد عين المخبر به دون زيادة ولا نقص.

النوع الثاني: تأويل الأمر، كقوله عز وجل: اصْبِرُوا وَصَابِرُوا [آل عمران:200]، ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77]، فإن تأويل هذا الأمر الذي أُمِر به إيقاعه كما أمر الله، وامتثاله كما أمر الله، وفعله كما أمر الله، فإن كان أمراً بفعله، وإن كان نهياً فبالانتهاء عنه، فقوله تعالى: ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77] تأويله: وقوع الركوع والسجود كما أمر الله تعالى، وقوله عز وجل: اصْبِرُوا وَصَابِرُوا [آل عمران:200] تأويله: تنفيذ الصبر عندما يأتي له سبب.

إذاً: تأويل الأمر فعل المأمور به، كما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن)، أي: يتأول قوله عز وجل: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ [النصر:1-3].

فتأويل الأمر كما قالت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم حينما أمر صلى الله عليه وسلم بأن يسبح ويستغفر، فصار ذلك عادة له في ركوعه، فهنا أول معنى الآية بالفعل، وكل أمر ونهي يأتي في القرآن والسنة فإن تأويله بامتثاله.

النوع الثالث: تأويل الشيء بمعنى: وقوعه، فتأويل خبر الله بمعنى: وقوعه، فتأويل يوم القيامة وقوعه، وتأويل أشراط الساعة وقوعها، وكل ما أخبر الله به وأخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وقع فقد وقع تأويله، فإذا وقع الشيء وقع تأويله، فالأخبار التي وردت ولم يقع تأويلها لا يحتاج الناس إلى تكلف في معنى ذلك، فمثلاً: النبي صلى الله عليه وسلم أخبر في الحديث الصحيح: (أنه ستخرج نار من المدينة تضيء لها أعناق الإبل ببصرى) أو نحو ذلك، فوقعت هذه النار، فلما وقعت وقع تأويلها، فلا يحتاج الناس إلى أن يؤولوا الخبر، لكن هناك أخبار لم يقع تأويلها، وتأويلها وقوعها، كالخبر عن يوم القيامة، كما جاء في قوله عز وجل: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ [الأعراف:53]، يعني: هل ينظرون إلا وقوع يوم القيامة؟! هذا هو التأويل.