أرشيف المقالات

أين سيذهب ماء الدنيا؟! - عبد اللطيف بن هاجس الغامدي

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
الحمد لله الذي خلق الماء والهواء، وما في الأرض والسماء، والصلاة والسلام على خير الأنبياء، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فإن نوعًا من الحروب الخفية بدأت تظهر على السطح، وتبرز في المحافل، وتطل برأسها في المجامع، تتجاذبها المصالح، وتتنازعها المطامع، وتشتغل بها الندوات والمنتديات، وتتناقلها الأخبار، وتبحث فيها التقارير!
إنها الحرب الموسومة بـ(حرب المياه)!

فكم هو الصراع محتدم بين دول الشام والهلال الخصيب على أنهار دجلة والفرات وصفد والعاصي وغيرها من أنهار الشام الحبيب والهلال الخصيب؟
وكم هو النزاع شديد بين الدول الأفريقية التي ينطلق منها ويصب فيها ويعبر من أراضيها نهر النيل الجميل؟
فكلُّ دولة ترغب أن يكون لها نصيب الأسد من خيرات تلك الأنهار، سواءً فيما تشربه من مياهها، أو لتوليد الطاقة الكهربائية منها، أو ما تحتاجه من الزراعة والصناعة على ضفافها، أو ما فيها من ثروات سمكية، أو ما تناله منها من مكتسبات سياحية، أو حتى ما تلقيه فيها من نفايات كيميائية أو جرثومية أو ملوثات بيئية، أو غير ذلك مما فيه منفعة العباد والبلاد.
فإذا كان هو حال الدول التي حباها مولاها بهذه الأنهار تجري فيها، فكيف يكون حال من لا أنهار ولا مياه عذبة تستقي منها؟!
ولذا فإن أشد ما تعانيه الكثير من البلاد هو الجفاف الذي يأكل الأخضر واليابس ويضرب بأطنابه في نواحيها، مما يؤول إلى هلاك الزرع وجفاف الضرع وقلة الموارد وندرة المحاصيل، ويزيد في بلائها ولاوائها قلة أمطارها وانحباس السماء بالماء عنها.
قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41].
مع أن الحقيقة الشرعية تقول بأن الأمطار في كل عام تنزل بكمية متساوية من السماء على هذه الأرض، ويكون توزيعها على أقطارها بما قضى بها الله لكلِّ بلد، ولا يظلم ربك أحدًا.
فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما مِن عامٍ بِأكثَرَ مَطَرًا مِن عامٍ، ولكنَّ الله يُصَرِّفُهُ بينَ خَلقِهِ حيثُ يشاءُ»، ثم قرأ: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} [الفرقان:50](أخرجه ابن جرير في ( التفسير )، والحاكم في (المستدرك)، والبغوي في (معالم التنزيل)، انظر: السلسلة الصحيحة: [2461]).
فالله تعالى يصرفه لمن يشاء ويصرفه عمّن يشاء، وله في كلِّ تقدير وتدبير حِكمٌ بالغة، أكثر الناس عنها غافلين، وعن رحمة الله معرضين، ولو أن تعرَّضوا لرحمته لرزقهم من حيث لا يحتسبون، ولاغناهم من حيث لا يشعرون، فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثًا ولا يهتدون سبيلًا؟!
والحقيقة الشرعية الثانية في موضوعنا هذا تخبر بأن الماء سيتجه إلى جزء من الأرض، وتغور المياه في نواحي الدنيا ، لتنسكب إلى مكان معلوم في زمن معلوم، ويصيب الناس من ذلك بلايا لا يطيقون لها احتمالًا، ولا يملكون لها منعًا، ولا يستطيعون لها دفعًا!
فتأمل معي قول من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم الذي أخبرنا بحقيقة دقيقة خفية لا يعلمها إلا من خلق الكون وسواه، ويعلم مستقرَّه ومنتهاه.
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُوشِكُ أن تطلبُوا في قُراكم هذه طستًا من ماءٍ فلا تجدونَه، ينزوي كلُّ ماءٍ إلى عنصرِه فيكونُ في الشامِ بقيةُ المؤمنين والماءِ» (أخرجه الحاكم في المستدرك، انظر: السلسة الصحيحة: [3078]).
وهذا الحديث يؤيده الواقع الذي ليس له دافع، فمن سنن الله الكونية أن الماء ينزل من الشواهق والعلو إلى الأسافل والدنو، ولقد ثبت بما لا يدع مجالًا للشك والريبة؛ أن أدنى منطقة في العالم تحت مستوى البحر هي منطقة الشام، وصدق القائل سبحانه: {الم .
غُلِبَتِ الرُّومُ .
فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ}
 [الروم:1-3].
فلا تعارض بين العقل الصحيح والنقل الصريح، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، فتبًا لمن هم عن آيات الله معرضون!

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣