شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث [11]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

قال المصنف رحمه الله: [ ومن مذهب أهل الحديث أن الإيمان قول وعمل ومعرفة].

تقدم معنا الكلام على مسألة الإيمان, وأن الإيمان قول وعمل واعتقاد, وذلك خلافاً للطوائف التي خالفت في هذا الباب من الجهمية وغيرهم, وأهل السنة يقولون: إن الإيمان هو القول والعمل والاعتقاد, وتقدم معنا أن هذه الثلاثة هي الإيمان, لا نقول: إنه يتكون من, ولا أجزاء, ولا أقسام, ولا أركان, وإن كان مؤدى بعض هذه الألفاظ صحيح، أو ربما يلزم منه بعض اللوازم التي تؤدي إلى معانٍ خاطئة.

ولهذا نقول: إن الإيمان هو قول وعمل واعتقاد, فإذا فقد الإيمان شيء منها فقدها كلها.

حصر الكفر بجحود القلب دون العمل

وقد سأل أحد الإخوة سؤالاً يقول: إن الإنسان إذا كان يصلي وهو جاحد لوجوب الصلاة؛ فإنه يقال بكفره؟ فعلى هذا مرد ذلك إلى الجحود في القلب لا إلى العمل, فهذا توقف عمله، واختل ما في قلبه, فقالوا: حينئذٍ العبرة بجحود القلب, فهل سبب الخلل أنه جعل العمل وجعل القول وجعل الاعتقاد أجزاء؛ إن فقد الإنسان واحداً منها فإن الباقي ناقص؟

نقول: إن العمل والاعتقاد والقول كلها واحدة بالنسبة للإيمان, فإذا فقد الإنسان واحداً منها كعمل القلب لا عبرة بالباقي, سواء وجد أو لم يوجد, ولهذا تجد إطلاقات السلف عليهم رحمة الله يقولون: إن الإيمان قول وعمل واعتقاد؛ وتقدم معنا التمثيل في اسم النبي صلى الله عليه وسلم؛ محمد بن عبد الله بن عبد المطلب, فإذا قلنا: سليمان بن عبد الله بن عبد المطلب؛ هل هذا رسول الله؟ هذه الثلاثة هي رسول الله: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب, لا نقول: يتكون من, ولا أجزاء, ولا شروط, بل هذه الثلاثة مجتمعة تعني رسول الله وخاتم الأنبياء والمرسلين.

فقولنا: (قول وعمل واعتقاد) هذه الثلاثة هي الإيمان, إذا فقدنا قول اللسان ووجد الاعتقاد؛ هل هذا الإيمان؟ ليس بالإيمان, كذلك في حال النبي صلى الله عليه وسلم, لو أتانا رجل اسمه سليمان بن عبد الله بن عبد المطلب؛ هل هذا رسول الله وخاتم الأنبياء والمرسلين؟ نقول: لا, هذا بشر, وهو رجل, وكذا نقول: هو رجل واسمه كذا، لكن ليس رسول الله.

وكذلك بالنسبة للعمل قد يقول قائل: هذا الرجل ينطق بالشهادتين, ويقول: إني أعتقد كذا وكذا, لكنه لا يعمل شيئاً من الخير, نقول: هذا قول وهذا اعتقاد, لكنه ليس بإيمان الإسلام الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والخلل الذي يوجد عند كثير ممن تكلم في هذه المسألة أنه يجعل هذه الثلاثة إما مركبة تركيباً للإيمان, أو شروطاً, أو أجزاء وأقساماً وأنواعاً, فإذا نقص واحد منها قال: هذا الإيمان ناقص، وقد وجد فيه الثلثان ونحو ذلك, ولكن نقول: إن هذه كلها هي الإيمان, محمد هو كل اسم النبي صلى الله عليه وسلم, وابن عبد الله هو كل اسم النبي صلى الله عليه وسلم, كذلك ابن عبد المطلب هو كل اسم النبي صلى الله عليه وسلم, فإذا فقد اسم النبي صلى الله عليه وسلم واحداً من هذه الثلاثة انتفى الباقي؛ فإذا جاء رجل يقول: محمد بن عبد الله بن سليمان, هذا قول كقولنا: اعتقاد وقول ولا عمل.

ولهذا نقول: إن هذا اعتقاد وقول, لكنه ليس بإيمان الإسلام الذي جاء به الشريعة, وننظر للأمر المفقود، ولا ننظر للشيء الموجود؛ لأن المفقود ألغى الموجود؛ وذلك كحال كثير من الأحوال حتى في مسائل الحدود ونحو ذلك, تجد الإنسان إذا وقع في الزنا أو شرب الخمر أو غير ذلك يقام عليه الحد إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع، أو لا يقام عليه؟ يقام عليه الحد, قد يأتينا رجل يصلي ويزكي ويصوم ويحج ونحو ذلك، هل هذه متصلة بذلك؟ ليست متصلة بذلك، هذه أوجبت حكماً.

وكذلك مع الخلاف في مسألة الإيمان ونفيه, هنا في مسألة القول والعمل والاعتقاد: إذا انتفى العمل انتفى الإيمان, إذا انتفى القول انتفى الإيمان, إذا انتفى الاعتقاد انتفى الإيمان.

دعوى الاكتفاء بمعرفة القلب دون قول اللسان وعمل الجوارح

والطوائف في مسألة القول والعمل وكذلك الاعتقاد المخالفة لمنهج الحق كثيرة, وقد زادت في مسائل تنوع ألفاظها ونحو ذلك في الأزمنة المتأخرة كثيراً, والغلاة في ذلك الذين يجعلون العبرة بعمل القلب لا بقول اللسان ولا بعمل الجوارح, فهم يقولون: إذا وجدت المعرفة القلبية والتصديق القلبي فإن ذلك كافٍ في ثبوت إيمان الإنسان, وأما بالنسبة للقول فيجعلون ذلك دلالة ظاهرة على إيمانه, لا هي الإيمان بذاته, وهؤلاء غلاة الجهمية الذين يقولون: إن الإيمان هو المعرفة, وكان ثمة لوازم لقولهم هذا أن كل من في الأرض من الأمم التي حاربهم الأنبياء وقاتلهم على نطق الشهادة إيمان بالله سبحانه وتعالى أن هؤلاء من أهل الإيمان, ففرعون يعلم أن الله عز وجل واحد، لكنه جاحد, كذلك كفار قريش, والله عز وجل يقول عن قوم موسى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14], إذاً هم يعلمون بالربوبية معرفة قلبية.

ولهذا الذي يستدل بالمعرفة القلبية أو بالمعاني الروحانية من معرفة الله عز وجل، وتعلق قلبه بالله، ومع ذلك لا يتوجه إلى الله عز وجل بشيء من العمل ولا بالقول الذي يثبت صحة إيمانه هذا لا ينتفع بما يزعمه من معرفة قلبية.

وكذلك إبليس ألا يعلم أن الله عز وجل واحد؟ وأنه هو الخالق وهو الرازق وهو المستحق للعبادة؟ ولكنه معاند, ولهذا يقول موسى عليه السلام عن فرعون: قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا [الإسراء:102], لقد علمت إذاً أنت تعرف.

وأكثر الأمم لا تنكر وحدانية الله عز وجل؛ ولا تنفي وحدانية الله عز وجل، ولكنها تجحدها ظاهراً, وعلى هذا تكون المعرفة القلبية مجردة لا قيمة لها.

وأما ما جاء في حديث حذيفة في قوله: ( لا إله إلا الله تنجيهم من النار لا أب لك! ), نقول: حديث حذيفة بن اليمان قال فيه: ( يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يدرى ما صلاة ولا صيام ولا صدقة ), (لا يُدرى) يعني: لا يوجد شيء, إذاً فالعمل فقد؛ وسبب فقده الجهل أو العلم؟ الجهل, لا يوجد علم، ولكنه جاهل, ولهذا الشخص الذي يعذر بجهله لعدم معرفته للأعمال في زمن دروس الإسلام في بلده, ولم يستطع معرفة للأعمال, ثم اكتفى بالاعتقاد وقول اللسان, وحاول أن يعمل فلم يجد عملاً, نقول: لا إله إلا الله تنجيه من النار, وهو من أهل الأعذار.

فاقد العمل اختياراً

فإن قال قائل: فاقد العمل اختياراً هل هو فاقد لأصل الإيمان؟

نقول: نعم, فاقد العمل اختياراً فاقد لأصل الإيمان؛ لماذا؟ لأنه بانتفاء العمل انتفى الإيمان بالكلية, والعمل على ما تقدم الكلام عليه هو العمل الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم, الذي يكون دليلاً على إثبات صحة قوله بالإيمان بالرسالة.

وهنا موضع خلاف في مسألة كفر تارك الصلاة, وكذلك في ترك العمل بالكلية من غيره.

ولهذا نقول: إن الإنسان إذا تعامل مع مسألة الإيمان على أنها قول وعمل واعتقاد, وأن هذه الثلاثة هي الإيمان, ليست أقساماً ولا أجزاء, إذا قلنا: أقسام كحال الأرض أو كحال البيت الذي يكون من ثلاثة طوابق, أو أرض لديها أقسام, إذا نقص قسم ألا تسمى أرضاً؟ تسمى أرضاً, البيت إذا نقص شيء منه ألا يسمى بيتاً؟ نعم, لكن الإيمان هو هذه الثلاثة كلها, إذا فقد الإيمان واحداً منها انتفى الباقي, ولهذا مثلنا حتى تتضح المسألة في محمد بن عبد الله بن عبد المطلب, هل هي أجزاء؟ إذا فقدنا اسماً أصبح ثلث النبوة؟ لا. اسمين ثلثي النبوة؟ حتى نفقد الثلاثة, حتى ينتفي كله, نقول: هذه الثلاثة كلها رسول الله, إذا انتفى واحد انتفت النبوة أو لم تنتفِ عن هذا الشخص؟ انتفت النبوة, لا بد من وجود هذه الثلاثة.

وكذلك في مسألة الإيمان: قول وعمل واعتقاد, إذا لم يفهم الإنسان مثل هذا الأمر، وتوجه إلى قضية الإيمان على أنه ثلاثة أقسام, أو للإيمان ثلاثة شروط, وكأنه جعل الإيمان شيئاً, والشروط خارجة عنه, وإن وجد بعضها فيه كحال شروط الصلاة, فالإنسان ربما يصلي بلا وضوء، وتصح صلاته, إما بتيمم أو بفقد الماء والتراب وصلى عاجزاً عنها, أو ناسياً لها، وبقي على نسيانه إلى يوم الدين, نقول: يتقبل الله عز وجل منه ذلك. وكذلك في مسألة استقبال القبلة وغير ذلك.

ولكن نقول: إن هذه الثلاثة ليست خارجة عن الإيمان, هي الإيمان, إذا نقص واحد منها انتفى الإيمان, وأما ما يقوله الإنسان نقول: هذا إذاً الرجل لا ينطق الشهادتين, ما هذه الصلاة التي يصليها؟ ألا تعدها من الإيمان؟ نقول: هذه صلاة، لكن ليست صلاة الإسلام, كحال هذا الرجل, هذا الرجل في جسد كامل، ولكنه ليس رسول الله, يشبهه وعلاماته نعم, لكنه ليس رسول الله؛ لأن انتفاء واحد منها انتفاء النبوة عنه.

الحكمة من عدم جعل الإيمان ثلاثة أجزاء

فإن قال قائل: لماذا لا نجعل الثلاثة أجزاء للإيمان؟

هذا من الألفاظ الجديدة, توجد في كلام بعض أهل العلم، ولكن لما كانت تؤدي إلى معان مخالفة لمنهج الحق ينبغي أن نتوقف عنها, ولا نقول بها أجزاء؛ لأنه إذا نقص جزء واحد منها أصبح الكل ناقصاً, ولهذا نقول: لو جاء شخص وأراد أن يصلي صلاة الظهر ثلاثاً, هذه صلاة ظهر أو ليست صلاة ظهر؟ ليست صلاة ظهر, إذاً الركعة الأولى والثانية والثالثة والرابعة هي أجزاء أو أقسام أو تتكون من أو كلها صلاة الظهر؟ كلها صلاة الظهر, رجل ترك الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة هل هذه صلاة ظهر؟ ليست صلاة الظهر, ما هي؟ نقول: هي صلاة, مثل هذا نقول: هو تصديق، لكن ليس تصديق النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء به بهذا الوصف.

ولهذا نقول: إن الصدور عن ألفاظ وعبارات لم ترد في الشريعة ولا في كلام السلف الأُول هو الذي يجعل لدى الإنسان شيئاً من تلازم المعاني الجديدة التي تخالف منهج الحق, ولهذا تقدم معنا في مسألة القرآن بعض الكلمات التي أصبحت تدون في كلام العلماء؛ كقولهم في مسألة اللفظية على ما تقدم تفصيله, وكذلك مسألة كلام الله ليس بمخلوق, ففي ابتداء هذا الأمر لما بدأت إرهاصاته كان العلماء لا يشيرون إلى هذه المسألة، ويجادلون حتى فيما يطلق عليه من ألفاظ، لماذا؟ لأن هذا سيدعو إلى أشياء كثيرة؛ أن تأتي إلى اليد, يد الله ليست مخلوقة, والبصر ليس بمخلوق, نحن مؤمنون بهذا, لكن لسنا بحاجة إلى مثل هذا الكلام.

ولكن شاع عند كثير من الناس في زمننا أنهم يأتون إلى هذه الثلاثة ويقولون: هي أجزاء, شروط, أركان, ثم أخذوا يقيسون على كثير من التقسيمات, سواء كانوا متكلمين أو فقهاء, ثم ينظرون إلى انتفى الشرط أو انتفى الركن, أو نقص واحد منها، هل يعتبر الباقي صحيحاً أو ليس بصحيح؟ ثم ينظرون ويسبرون الشريعة، ويبحثون عن دلائل، وسيجدون دلائل من المتشابهات مما يؤيد هذا, على ما تقدم الكلام عليه في كلام المتكلمين من الأشاعرة وغيرهم, حينما تكلم على مسألة القرآن, قالوا: هو معنى قائم في نفسه أوجده الله عز وجل أو كتبه جبريل, على العبارات التي يصفونها, يختلفون في هذا, فبحثوا في القرآن قالوا: إن الله عز وجل يقول: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [الحاقة:40], هذا بعد ما قعدوا المسألة بحثوا عن دليل فوجدوا شيئاً من المتشابهات التي تعضد هذا.

ولهذا تجد كلام السلف الأُول في القرون الأولى إذا جاءوا للإيمان يقولون: الإيمان قول وعمل واعتقاد, يعني: هذه الثلاثة هي الإيمان, ليست أقساماً, وانظروا إلى مسألة الأركان, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, وصوم رمضان, وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً ), فجعل هذه أركان لذلك البناء, وأما ما يتعلق بمسألة الإيمان فهي قول وعمل واعتقاد؛ كمسألة الصلاة إذا انتفت منها ركعة لا نسميها ظهراً, ولو جاء الإنسان بركعتين أو جاء بثلاث أو جاء بواحدة, لا نقول: هذه الصلاة ناقصة تقبل بعضها، بل نقول: هي مردودة؛ لأنه نقص واحد منها فنقصت كلها وترد على صاحبها.

مقدار العمل الذي يثبت معه الإيمان

فإن قيل: ما مقدار العمل الذي يثبت معه الإيمان؟

نقول: ينبغي أن نعلم أن العمل المراد به هنا عند قول الأئمة: الإيمان قول وعمل واعتقاد, أنه ما اختصت به شريعة محمد صلى الله عليه وسلم عن الشرائع السابقة وعن دافع الفطرة, فالشرائع السابقة دلت على أعمال حسنة, والفطرة تدل على أعمال حسنة ولو من غير تشريع؛ لأن الله خلق الإنسان على الفطرة, الصدق أليس عملاً صالحاً تؤمن به الفطر؟ أهل الكتاب, عبدة الأصنام, الملحدون وغير ذلك, ألا يؤمنون أنه عمل صالح؟ يؤمنون, هل يخلو أحد من الأرض من حب الصدق والعمل به؟ لا. بل هو موجود في الناس, ولكن من الناس من يعمل به تارة ويخالفه تارة أخرى, لكن هذا الأمر موجود في الفطرة, وكذلك السرقة, لا يمكن أن الإنسان يقول: إن السرقة مباحة, بل يكرهها الناس في سائر عقائدهم, حتى الملحدون الذين لا يؤمنون بوجد خالق, فهذه الدلالة دلالة الفطرة.

إذاً دلالة الفطرة ودلالة الشرائع السابقة ليست مقصودة في قولنا: العمل, وإنما العمل الذي اختصت به شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.

وما الذي اختصت به شريعة محمد صلى الله عليه وسلم؟ قد يقول قائل: الصلاة موجودة, كل الأعمال موجودة في الشرائع السابقة, الصيام موجود, كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183], الحج موجود أيضاً, مناسك إبراهيم عليه السلام وغير ذلك, الزكاة أيضاً موجودة, ?وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا [مريم:31], ولهذا نقول: إن المراد بهذا أن تأتي العبادة على وصف محمد لا على وصف غيره, يأتي بصلاة محمد صلى الله عليه وسلم التي جاء بها, أو يأتي بالصيام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم, وذلك من ظهور الخيط الأبيض من الخيط الأسود إلى غروب الشمس, في الأزمنة التي جاء ودل الدليل عليها, وكذلك في المناسك التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسائل الحج وغير ذلك.

وجود الإيمان بوجود الصلاة

ومن العلماء من يقول: إن الإيمان أصلاً لا يثبت إلا بوجود الصلاة, قالوا: لوجود الأدلة في ذلك, وبغض النظر عن بقية الأعمال, هي إيمان يثبت به إيمان الإنسان، قالوا: ولكنه لا ينتفي إلا بالصلاة, ويستدلون لذلك بجملة من الأحاديث, منها: حديث أبي الزبير عن جابر في صحيح الإمام مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( بين الرجل وبين الشرك ترك الصلاة ), وكذلك حديث بريدة عن أبيه كما جاء في المسند والسنن, قال عليه الصلاة والسلام: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة, فمن تركها فقد كفر ), وغير ذلك أيضاً كما جاء في سنن الترمذي : ( ما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئاً تركه كفر إلا الصلاة ), وكذلك ما جاء عند محمد بن نصر المروزي في كتابه تعظيم فضل الصلاة عن حماد بن زيد عن أيوب بن تميمة السختياني قال: ترك الصلاة كفر لا نختلف فيه, وهذا صحيح عن الصحابة وصحيح أيضاً عن التابعين.

وكذلك ما جاء عند محمد بن نصر وجاء أيضاً عند ابن جرير الطبري في تفسير قول الله عز وجل: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5], جاء من حديث مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: إذا كان تركاً كان كفراً.

وهذه من المسائل التي يحكى الإجماع في كفر تاركها, وحمل بعض العلماء الإجماع المروي عن السلف في ذلك, قال: هو إجماع صحيح، ولكنه خلاف في كونه الكفر الأكبر أو الكفر الأصغر, وأشار إلى هذا المعنى محمد بن نصر وغيره.

ومن العلماء من يجزم بأن مراد السلف في ذلك هو الكفر الأكبر, وهو الأرجح, باعتبار بقية الأدلة, وغير هذه الإطلاقات لا يأتي تأكيدها على الكفر الأصغر، وإنما يأتي تأكيدها على الكفر الأكبر, وكذلك جملة من القرائن والدلالات في هذا الباب.

وقد سأل أحد الإخوة سؤالاً يقول: إن الإنسان إذا كان يصلي وهو جاحد لوجوب الصلاة؛ فإنه يقال بكفره؟ فعلى هذا مرد ذلك إلى الجحود في القلب لا إلى العمل, فهذا توقف عمله، واختل ما في قلبه, فقالوا: حينئذٍ العبرة بجحود القلب, فهل سبب الخلل أنه جعل العمل وجعل القول وجعل الاعتقاد أجزاء؛ إن فقد الإنسان واحداً منها فإن الباقي ناقص؟

نقول: إن العمل والاعتقاد والقول كلها واحدة بالنسبة للإيمان, فإذا فقد الإنسان واحداً منها كعمل القلب لا عبرة بالباقي, سواء وجد أو لم يوجد, ولهذا تجد إطلاقات السلف عليهم رحمة الله يقولون: إن الإيمان قول وعمل واعتقاد؛ وتقدم معنا التمثيل في اسم النبي صلى الله عليه وسلم؛ محمد بن عبد الله بن عبد المطلب, فإذا قلنا: سليمان بن عبد الله بن عبد المطلب؛ هل هذا رسول الله؟ هذه الثلاثة هي رسول الله: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب, لا نقول: يتكون من, ولا أجزاء, ولا شروط, بل هذه الثلاثة مجتمعة تعني رسول الله وخاتم الأنبياء والمرسلين.

فقولنا: (قول وعمل واعتقاد) هذه الثلاثة هي الإيمان, إذا فقدنا قول اللسان ووجد الاعتقاد؛ هل هذا الإيمان؟ ليس بالإيمان, كذلك في حال النبي صلى الله عليه وسلم, لو أتانا رجل اسمه سليمان بن عبد الله بن عبد المطلب؛ هل هذا رسول الله وخاتم الأنبياء والمرسلين؟ نقول: لا, هذا بشر, وهو رجل, وكذا نقول: هو رجل واسمه كذا، لكن ليس رسول الله.

وكذلك بالنسبة للعمل قد يقول قائل: هذا الرجل ينطق بالشهادتين, ويقول: إني أعتقد كذا وكذا, لكنه لا يعمل شيئاً من الخير, نقول: هذا قول وهذا اعتقاد, لكنه ليس بإيمان الإسلام الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والخلل الذي يوجد عند كثير ممن تكلم في هذه المسألة أنه يجعل هذه الثلاثة إما مركبة تركيباً للإيمان, أو شروطاً, أو أجزاء وأقساماً وأنواعاً, فإذا نقص واحد منها قال: هذا الإيمان ناقص، وقد وجد فيه الثلثان ونحو ذلك, ولكن نقول: إن هذه كلها هي الإيمان, محمد هو كل اسم النبي صلى الله عليه وسلم, وابن عبد الله هو كل اسم النبي صلى الله عليه وسلم, كذلك ابن عبد المطلب هو كل اسم النبي صلى الله عليه وسلم, فإذا فقد اسم النبي صلى الله عليه وسلم واحداً من هذه الثلاثة انتفى الباقي؛ فإذا جاء رجل يقول: محمد بن عبد الله بن سليمان, هذا قول كقولنا: اعتقاد وقول ولا عمل.

ولهذا نقول: إن هذا اعتقاد وقول, لكنه ليس بإيمان الإسلام الذي جاء به الشريعة, وننظر للأمر المفقود، ولا ننظر للشيء الموجود؛ لأن المفقود ألغى الموجود؛ وذلك كحال كثير من الأحوال حتى في مسائل الحدود ونحو ذلك, تجد الإنسان إذا وقع في الزنا أو شرب الخمر أو غير ذلك يقام عليه الحد إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع، أو لا يقام عليه؟ يقام عليه الحد, قد يأتينا رجل يصلي ويزكي ويصوم ويحج ونحو ذلك، هل هذه متصلة بذلك؟ ليست متصلة بذلك، هذه أوجبت حكماً.

وكذلك مع الخلاف في مسألة الإيمان ونفيه, هنا في مسألة القول والعمل والاعتقاد: إذا انتفى العمل انتفى الإيمان, إذا انتفى القول انتفى الإيمان, إذا انتفى الاعتقاد انتفى الإيمان.

والطوائف في مسألة القول والعمل وكذلك الاعتقاد المخالفة لمنهج الحق كثيرة, وقد زادت في مسائل تنوع ألفاظها ونحو ذلك في الأزمنة المتأخرة كثيراً, والغلاة في ذلك الذين يجعلون العبرة بعمل القلب لا بقول اللسان ولا بعمل الجوارح, فهم يقولون: إذا وجدت المعرفة القلبية والتصديق القلبي فإن ذلك كافٍ في ثبوت إيمان الإنسان, وأما بالنسبة للقول فيجعلون ذلك دلالة ظاهرة على إيمانه, لا هي الإيمان بذاته, وهؤلاء غلاة الجهمية الذين يقولون: إن الإيمان هو المعرفة, وكان ثمة لوازم لقولهم هذا أن كل من في الأرض من الأمم التي حاربهم الأنبياء وقاتلهم على نطق الشهادة إيمان بالله سبحانه وتعالى أن هؤلاء من أهل الإيمان, ففرعون يعلم أن الله عز وجل واحد، لكنه جاحد, كذلك كفار قريش, والله عز وجل يقول عن قوم موسى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14], إذاً هم يعلمون بالربوبية معرفة قلبية.

ولهذا الذي يستدل بالمعرفة القلبية أو بالمعاني الروحانية من معرفة الله عز وجل، وتعلق قلبه بالله، ومع ذلك لا يتوجه إلى الله عز وجل بشيء من العمل ولا بالقول الذي يثبت صحة إيمانه هذا لا ينتفع بما يزعمه من معرفة قلبية.

وكذلك إبليس ألا يعلم أن الله عز وجل واحد؟ وأنه هو الخالق وهو الرازق وهو المستحق للعبادة؟ ولكنه معاند, ولهذا يقول موسى عليه السلام عن فرعون: قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا [الإسراء:102], لقد علمت إذاً أنت تعرف.

وأكثر الأمم لا تنكر وحدانية الله عز وجل؛ ولا تنفي وحدانية الله عز وجل، ولكنها تجحدها ظاهراً, وعلى هذا تكون المعرفة القلبية مجردة لا قيمة لها.

وأما ما جاء في حديث حذيفة في قوله: ( لا إله إلا الله تنجيهم من النار لا أب لك! ), نقول: حديث حذيفة بن اليمان قال فيه: ( يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يدرى ما صلاة ولا صيام ولا صدقة ), (لا يُدرى) يعني: لا يوجد شيء, إذاً فالعمل فقد؛ وسبب فقده الجهل أو العلم؟ الجهل, لا يوجد علم، ولكنه جاهل, ولهذا الشخص الذي يعذر بجهله لعدم معرفته للأعمال في زمن دروس الإسلام في بلده, ولم يستطع معرفة للأعمال, ثم اكتفى بالاعتقاد وقول اللسان, وحاول أن يعمل فلم يجد عملاً, نقول: لا إله إلا الله تنجيه من النار, وهو من أهل الأعذار.

فإن قال قائل: فاقد العمل اختياراً هل هو فاقد لأصل الإيمان؟

نقول: نعم, فاقد العمل اختياراً فاقد لأصل الإيمان؛ لماذا؟ لأنه بانتفاء العمل انتفى الإيمان بالكلية, والعمل على ما تقدم الكلام عليه هو العمل الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم, الذي يكون دليلاً على إثبات صحة قوله بالإيمان بالرسالة.

وهنا موضع خلاف في مسألة كفر تارك الصلاة, وكذلك في ترك العمل بالكلية من غيره.

ولهذا نقول: إن الإنسان إذا تعامل مع مسألة الإيمان على أنها قول وعمل واعتقاد, وأن هذه الثلاثة هي الإيمان, ليست أقساماً ولا أجزاء, إذا قلنا: أقسام كحال الأرض أو كحال البيت الذي يكون من ثلاثة طوابق, أو أرض لديها أقسام, إذا نقص قسم ألا تسمى أرضاً؟ تسمى أرضاً, البيت إذا نقص شيء منه ألا يسمى بيتاً؟ نعم, لكن الإيمان هو هذه الثلاثة كلها, إذا فقد الإيمان واحداً منها انتفى الباقي, ولهذا مثلنا حتى تتضح المسألة في محمد بن عبد الله بن عبد المطلب, هل هي أجزاء؟ إذا فقدنا اسماً أصبح ثلث النبوة؟ لا. اسمين ثلثي النبوة؟ حتى نفقد الثلاثة, حتى ينتفي كله, نقول: هذه الثلاثة كلها رسول الله, إذا انتفى واحد انتفت النبوة أو لم تنتفِ عن هذا الشخص؟ انتفت النبوة, لا بد من وجود هذه الثلاثة.

وكذلك في مسألة الإيمان: قول وعمل واعتقاد, إذا لم يفهم الإنسان مثل هذا الأمر، وتوجه إلى قضية الإيمان على أنه ثلاثة أقسام, أو للإيمان ثلاثة شروط, وكأنه جعل الإيمان شيئاً, والشروط خارجة عنه, وإن وجد بعضها فيه كحال شروط الصلاة, فالإنسان ربما يصلي بلا وضوء، وتصح صلاته, إما بتيمم أو بفقد الماء والتراب وصلى عاجزاً عنها, أو ناسياً لها، وبقي على نسيانه إلى يوم الدين, نقول: يتقبل الله عز وجل منه ذلك. وكذلك في مسألة استقبال القبلة وغير ذلك.

ولكن نقول: إن هذه الثلاثة ليست خارجة عن الإيمان, هي الإيمان, إذا نقص واحد منها انتفى الإيمان, وأما ما يقوله الإنسان نقول: هذا إذاً الرجل لا ينطق الشهادتين, ما هذه الصلاة التي يصليها؟ ألا تعدها من الإيمان؟ نقول: هذه صلاة، لكن ليست صلاة الإسلام, كحال هذا الرجل, هذا الرجل في جسد كامل، ولكنه ليس رسول الله, يشبهه وعلاماته نعم, لكنه ليس رسول الله؛ لأن انتفاء واحد منها انتفاء النبوة عنه.

فإن قال قائل: لماذا لا نجعل الثلاثة أجزاء للإيمان؟

هذا من الألفاظ الجديدة, توجد في كلام بعض أهل العلم، ولكن لما كانت تؤدي إلى معان مخالفة لمنهج الحق ينبغي أن نتوقف عنها, ولا نقول بها أجزاء؛ لأنه إذا نقص جزء واحد منها أصبح الكل ناقصاً, ولهذا نقول: لو جاء شخص وأراد أن يصلي صلاة الظهر ثلاثاً, هذه صلاة ظهر أو ليست صلاة ظهر؟ ليست صلاة ظهر, إذاً الركعة الأولى والثانية والثالثة والرابعة هي أجزاء أو أقسام أو تتكون من أو كلها صلاة الظهر؟ كلها صلاة الظهر, رجل ترك الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة هل هذه صلاة ظهر؟ ليست صلاة الظهر, ما هي؟ نقول: هي صلاة, مثل هذا نقول: هو تصديق، لكن ليس تصديق النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء به بهذا الوصف.

ولهذا نقول: إن الصدور عن ألفاظ وعبارات لم ترد في الشريعة ولا في كلام السلف الأُول هو الذي يجعل لدى الإنسان شيئاً من تلازم المعاني الجديدة التي تخالف منهج الحق, ولهذا تقدم معنا في مسألة القرآن بعض الكلمات التي أصبحت تدون في كلام العلماء؛ كقولهم في مسألة اللفظية على ما تقدم تفصيله, وكذلك مسألة كلام الله ليس بمخلوق, ففي ابتداء هذا الأمر لما بدأت إرهاصاته كان العلماء لا يشيرون إلى هذه المسألة، ويجادلون حتى فيما يطلق عليه من ألفاظ، لماذا؟ لأن هذا سيدعو إلى أشياء كثيرة؛ أن تأتي إلى اليد, يد الله ليست مخلوقة, والبصر ليس بمخلوق, نحن مؤمنون بهذا, لكن لسنا بحاجة إلى مثل هذا الكلام.

ولكن شاع عند كثير من الناس في زمننا أنهم يأتون إلى هذه الثلاثة ويقولون: هي أجزاء, شروط, أركان, ثم أخذوا يقيسون على كثير من التقسيمات, سواء كانوا متكلمين أو فقهاء, ثم ينظرون إلى انتفى الشرط أو انتفى الركن, أو نقص واحد منها، هل يعتبر الباقي صحيحاً أو ليس بصحيح؟ ثم ينظرون ويسبرون الشريعة، ويبحثون عن دلائل، وسيجدون دلائل من المتشابهات مما يؤيد هذا, على ما تقدم الكلام عليه في كلام المتكلمين من الأشاعرة وغيرهم, حينما تكلم على مسألة القرآن, قالوا: هو معنى قائم في نفسه أوجده الله عز وجل أو كتبه جبريل, على العبارات التي يصفونها, يختلفون في هذا, فبحثوا في القرآن قالوا: إن الله عز وجل يقول: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [الحاقة:40], هذا بعد ما قعدوا المسألة بحثوا عن دليل فوجدوا شيئاً من المتشابهات التي تعضد هذا.

ولهذا تجد كلام السلف الأُول في القرون الأولى إذا جاءوا للإيمان يقولون: الإيمان قول وعمل واعتقاد, يعني: هذه الثلاثة هي الإيمان, ليست أقساماً, وانظروا إلى مسألة الأركان, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, وصوم رمضان, وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً ), فجعل هذه أركان لذلك البناء, وأما ما يتعلق بمسألة الإيمان فهي قول وعمل واعتقاد؛ كمسألة الصلاة إذا انتفت منها ركعة لا نسميها ظهراً, ولو جاء الإنسان بركعتين أو جاء بثلاث أو جاء بواحدة, لا نقول: هذه الصلاة ناقصة تقبل بعضها، بل نقول: هي مردودة؛ لأنه نقص واحد منها فنقصت كلها وترد على صاحبها.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث [13] 2898 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث [12] 2223 استماع
شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث [6] 2100 استماع
شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث [3] 1845 استماع
شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث [4] 1477 استماع
شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث [7] 1454 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث [10] 1410 استماع
شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث [1] 1408 استماع
شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث [2] 1307 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث [14] 1283 استماع