خطب ومحاضرات
شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث [3]
الحلقة مفرغة
قال المؤلف رحمه الله: [ ويعرفون ربهم عز وجل بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، أو شهد له بها رسوله صلى الله عليه وسلم, على ما وردت الأخبار الصحاح به، ونقلت العدول الثقات عنه ].
هنا يبين المؤلف أن ما يتعلق بأسماء الله عز وجل وصفاته أن مردها في ذلك إلى الوحي أي: إلى كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ باعتبار أن الأسماء والصفات من أمور الغيب, وليست من أمور المشاهدة التي يكتسبها الإنسان بحواسه, ومن المعلوم أن حواس الإنسان ست؛ وهي: السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس، والإدراك؛ فالإنسان يعلم أنه حزين أو فرحان بنفسه القائمة في ذاته, إذاً فهي مصدر من مصادر المعرفة, فالإنسان يعرف الحزن والخوف والحب من معنى قائم في نفسه, فهي من مصادر العلم.
وهل الإنسان في ذلك يعرف أسماء الله عز وجل وصفاته بمجرد هذه الحواس أم لابد من إخبار صاحب غيب؟ نقول: لابد من إخبار صاحب غيب, ولهذا نقول: إن معرفة أسماء الله عز وجل وصفاته لابد فيها من وحي, ولهذا ينبغي للإنسان أن يعلم أن الله عز وجل إنما خلق الإنسان، وجعل له هذه الحواس، وهي منافذ إلى العلم وليست بعلم بذاتها, وإنما هي منافذ إلى الإنسان, تعطي قلب الإنسان علم الخارج عنه, وأما في ذاتها فهي ليست من مواضع العلم, وأما ما يجعله الله عز وجل في نفس الإنسان، وكذلك في قلبه وعقله من تحليل المعلومات وتركيبها فهذه موهبة يجعلها الله عز وجل في الإنسان, ويتباين فيها الناس.
ولهذا نقول: إن الأسماء والصفات مردها إلى السمع, أي: أنه لابد أن يرد في ذلك وحي؛ والعلماء يقولون: إن مردها إلى السمع باعتبار أنها لا يمكن أن ترى في الدنيا؛ لأن الله عز وجل جعل ذلك لأهل الإيمان في الآخرة, فمردها إلى سماع الإنسان, فيستوعب الإنسان من ذلك حكماً ثم يجريه على ما سمعه من غير زيادة ولا نقصان.
قال المؤلف رحمه الله: [ ويثبتون له جل جلاله ما أثبت لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ].
ولا يخرجون عن هذين, فيثبتون ما أثبته الله عز وجل لنفسه في كتابه, ورسوله صلى الله عليه وسلم في سنته, ولا يخرجون عن شيء من هذا, ولكن ثمة كلام لبعض العلماء فيما يتعلق فيما يروى عن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى في الأسماء والصفات؛ فهل يجرى مجرى السنة أو لا يجرى عليه؟
من العلماء من يقول: إنه ينظر في ذلك بحسب حال الصحابي, فإذا كان الصحابي ممن يأخذ عن أهل الكتاب فإنه لا يجري مجرى السنة, وإذا كان لا يأخذ عن أهل الكتاب فإنه يجري مجرى السنة, ونقول في ذلك: إنه بحسب منزلة ذلك الصحابي؛ لأن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى يجتهدون، واجتهادهم في ذلك محتمل للأمرين, وإن كانوا للصواب أكثر حظاً ممن يأتي بعدهم من غيرهم, إلا أن الأسماء والصفات مردها إلى الدليل من كلام الله عز وجل, وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ ولا يعتقدون تشبيهاً لصفاته بصفات خلقه ].
لأن التشبيه لابد فيه من معرفة الأصل وشبيهه, والله عز وجل قد نفى لنفسه المثيل والشبيه, ولهذا الله عز وجل يقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11], وهذه فيها إثبات ونفي؛ نفي للمثيل والشبيه له جل وعلا, وإثبات لصفات خاصة به سبحانه وتعالى, فقال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11], ومن هذا الشيء السمع والبصر, أي: أن سمع الله عز وجل وبصره وغير ذلك من صفاته أنها صفات خاصة بالله عز وجل, وينبغي أن نعلم أن ذهن الإنسان إنما يحكي مشابهة لما يعلمه من أحوال الناس مما يراه, ولهذا الله عز وجل إنما نفى التشبيه حتى لا يتسلسل الأمر في أذهان الناس, ولهذا نقول: إذا كان الإنسان لم ير الله عز وجل فكيف يوجد له شبيه وهو لم يره, والله عز وجل ليس له مثيل.
ولهذا الإنسان إذا سمع شيئاً تذكر حادثة نظير تلك الحادثة, فإذا قيل: إن فلاناً جرح في يده, تخيل الإنسان نوع جرح قد مر عليه, أو إذا قيل له: إن فلاناً قد أصيب بحادث؛ تخيل نوعاً من الحوادث، فإذا عاين الحادثة أو عاين ذلك الجرح وجد أن الأمر على خلافه؛ لأنه يحكي على أمره الذي هو عليه, فمثلاً: إذا كنت تحدث أناساً من العرب متنوعين: مثلاً: عربي من أهل اليمن، وعربي من أهل العراق, وعربي من أهل الحجاز, وعربي من أهل مصر؛ تحدثهم بشيء من الحوادث وقلت لهم: إني دخلت على فلان، وعنده ثلاثة نفر، وهم يأكلون الطعام, ستجد رجلاً يتخيل أولئك الذين يأكلون أنهم على الأرض, ورجلاً يتخيل أنهم على طاولة, وشخصاً يتخيل أنهم يأكلون بملعقة, وشخصاً يتخيل أنهم يأكلون بأيديهم, فكلٌ على ما يجري مما اعتاد عليه, فهو شبه تلك الحال على أمر قد انقدح سابقاً في ذهنه, ولهذا الله عز وجل حينما يقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11], يعني: لا يوجد مثال قد رأيته قبل ذلك.
ولهذا نقول: إن الإنسان كلما خطر في باله أن الله كذلك فالله غير ذلك؛ لأن عقل الإنسان مرآة تحفظ صوراً, فإذا سمعت حوادثاً فإن أقرب الصور حضوراً هي أقربها تشبيهاً, ولهذا نقول: إنه ينبغي للإنسان أن يثبت أسماء الله عز وجل وصفاته له من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف, والتكييف في ذلك أن الإنسان لا يعرف المثال أصلاً؛ فكيف يكيفها وهو لم يعرف حقيقتها.
قال المؤلف رحمه الله: [ ولا يعتقدون تشبيهاً لصفاته بصفات خلقه, فيقولون: إنه خلق آدم بيده، كما نص سبحانه عليه في قوله عز من قائل: قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75], قال: ولا يحرفون الكلام عن مواضعه ].
يثبتون لله سبحانه وتعالى صفاته جل وعلا, وصفات الله سبحانه وتعالى على نوعين: صفات ذاتية, وصفات فعلية.
فالصفات الذاتية هي: اللازمة له سبحانه وتعالى, والصفات الفعلية هي: التي يفعلها الله عز وجل متى شاء.
والصفات الذاتية كالسمع, والبصر, واليد, والساق, والقدم, والإصبع له سبحانه وتعالى, فنثبتها كما وردت, ولا نشبه ولا نكيف ولا نمثل.
وأما الفعلية فهي التي يفعلها الله عز وجل متى شاء, وهذه كثيرة, مثل: الغضب، والرضا، والمحبة، والسخط, وغير ذلك من صفات الله سبحانه وتعالى, وهي صفات فعلية, وكذلك بطش الله عز وجل وغير ذلك.
قال المؤلف رحمه الله: [ ولا يحرفون الكلم عن مواضعه, بحمل اليدين على النعمتين أو القوتين ].
أصل التحريف عن المواضع التي أرادها الله سبحانه وتعالى: أن الإنسان في ظاهر أمره أنه يريد من ذلك تنزيهاً لله جل وعلا, وينبغي أن نعلم أن الإنسان إذا حل عقدة التشبيه والتمثيل الواردة في ذهن الإنسان فطرة في مسألة الأسماء والصفات انحلت كل مشاكل البدع الواردة عنده, وعند كثير من الطوائف أيضاً, فنقول: الإنسان لا يمكن أن يوجد علماً غائباً, وإنما هو يركب بين العلوم الموجودة في الكون, ويركب بين هذه الموجودات؛ وذلك كحال المادة الموجودة التي يوجدها الإنسان, فالإنسان مثلاً في الكأس؛ وهذه المادة هي موجودة في الأرض، ولكن الإنسان ركب بينها ثم ألف بينها، كذلك أيضاً المعلومات لا يمكن للإنسان أن يوجد علماً معدوماً, وإنما معلومات يجمع بينها, وكلما كثرت الأجزاء أوجد شكلاً، وظن أنه بديعاً، ولم يسبق إليه، ولم يسبق إلى هذا الشكل, ولكن سبق إلى إيجاد أجزائه.
وأما ما يتعلق بأسماء الله عز وجل وصفاته فقد نفى الله عز جل إمكان علم الإنسان كله, ولهذا الله عز وجل يقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
إذاً: إنما ضل من ضل في مسألة تعطيل أسماء الله عز وجل؛ لأنه قد انقدح في أذهانهم معان سيئة, أو يلزم منها معنى سيئاً مناقضاً أو لا يستقر, ولهذا تجد مثلاً الذين ينفون نزول الله عز وجل إلى السماء الدنيا، يتساءلون في أذهانهم قبل, ويقولون: إذا نزل إلى السماء الدنيا خلا عرشه، والله مستو على عرشه, وإذا نزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، فإن الثلث الأخير يتقلب من بلد إلى بلد فيبقى نازلاً, وهذا ينفي الاستواء, وهذا الذي دفعه إلى ذلك, وهو أنه ينظر إلى الإنسان إذا نزل من الدور الثاني إلى الأول خلا منه الدور الثاني, وهذا تشبيه.
إذاً: العقدة هذه هي مرحلة الانعطاف في الضلال, ولهذا إذا طرأ في ذهن الإنسان شيء من هذه اللوازم فإن عليه أن ينفيها؛ لأن الإنسان داخل إطار من المعلومات، وهو في هذا الكون لا يؤمن بغيره, ولهذا على سبيل المثال في الكأس يقول: إنه إذا رماه الإنسان فإنه يسقط إلى أسفل, هذا يتبادر إلى ذهنه, ولا يخطر في بال الإنسان أنه إذا وضع شيئاً أنه لا يسقط، وإنما يستمر ويمضي؛ لأنه داخل عجلة, ولكن اكتشف أنه إذا كان خارج الجاذبية ووضع شيئاً مضى إلى غير هذا الاتجاه.
لهذا نقول: إن ذات الإنسان في نفسه مما يكسبه الإنسان من معلومات، وما يعرفه في حال الناس فيستنكر ما غيره, والمعلومة التي بين يديه يقوم بحرفها, لهذا إنما كفر من كفر من الأمم؛ بسبب أن ما وجدوه من النصوص يخالف ما في أذهانهم فجحدوا, فكفار قريش مثلاً لما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم رجع في ليلته كفروا بذلك؛ لأن هذا الأمر محال, ولكنه في زماننا هذا ليس بمحال، ولكن الإنسان ليس كل ما يشاهده في ذاته أنه كل القدرة التي جعلها الله عز وجل للإنسان، فكيف بالقدرة الغائبة التي هي ليست للإنسان, لهذا نقول: إن سبب ضلال الإنسان في تعطيله لأسماء الله عز وجل وصفاته أنه يضل في هذا الباب في مسألة التشبيه, فيمر في باب التشبيه، ثم يقع في شيء من الابتداع في دين الله سبحانه وتعالى, ولهذا عليه أنه إذا تفكر أو خطر في باله أن الله عز وجل على هذا النحو، أو على هذه الصفة فليعلم أن الله عز وجل على خلاف ذلك؛ لأنه لا يرتسم في ذهنك إلا صورة قد جربتها، أو سمعت عنها، أو رأيتها, فالله عز وجل على خلاف هذا سبحانه وتعالى.
وكذلك أيضاً ما يتعلق بمعية الله عز وجل مع عباده، منهم من غلا في هذا الباب, فمنهم من نفى علو الله سبحانه وتعالى؛ لأنه رأى بزعمه أن الله عز وجل إذا كان معنا أينما كنا، وإذا كان ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، فهذا ينفي الاستواء الذي هو علو الله سبحانه وتعالى على عرشه, واستواؤه جل وعلا عليه, فقالوا: إن الله عز وجل في كل مكان, والتزموا بلوازم في ذلك باطلة, منها ما كان بإحسان ظن، وإن خالفوا الحق في ذلك حتى غلب عليهم الباطل المحض، والتزموا ذلك الطريق, حتى إنهم لما سئلوا: أين الله عز وجل؟ قالوا: في كل مكان, وإذا قيل: في كل مكان هل يستثنى منه مكان أم لا يستثنى؟ قالوا: لا يستثنى منه مكان, وإذا قالوا: لا يستثنى منه مكان فالحشوش التي هي مواضع النجاسات هل تستثنى من الله عز وجل؟ قالوا: لا تستثنى؛ لأنهم لابد أن يلتزموا في ذلك, فإذا قالوا: إنها لا تستثنى؛ فهل مواضع النجاسات العينية كالجيف وغير ذلك هل الله عز وجل يوجد فيها -عافانا الله عز وجل من أمثال هذه الأقوال-؟ يقولون: إن الله عز وجل في كل مكان حتى في أمثال هذه المواضع, فالتزموا بكثير من اللوازم حتى جاءت عقيدة الحلول؛ وهي: أن الله حال في كل مكان, فكل عقيدة تنتج عقيدة؛ والسبب في ذلك هو عقيدة الضلال, ولهذا نقول: إن عقائد الضلال إذا كانت بوابتها خاطئة فإنها تفضي إلى أنواع من الضلال, والذي يسير على عقيدة حق في ذلك يغلق منافذ تسلسل الضلال.
والرافضة إنما كان ابتداع ضلالهم في ذلك هي عصمة الأئمة, وأن ما يقولونه وحي عن الله سبحانه وتعالى, فكان الإمام الأول, ثم الثاني, ثم الثالث, ثم تفاجئوا أن آخر الأئمة لم يولد له ولد, واصطدموا, فإما أن يرجعوا عن تلك العقيدة الباطلة التي مرت على قرون أو يمضوا عليها, فمضوا عناداً على ذلك, وابتكروا مسألة الغيبة, فجعلوا المهدي في السرداب, وأخذوا يأخذون عن مسألة الغيبة, والأصل في ذلك هي عقيدة فاسدة, ولهذا لا أسلم من العقيدة التي يأخذها الإنسان من كلام الله، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتوقف عن مزيد في ذلك من تشبيه أو تمثيل أو تكييف أو غير ذلك, ولهذا نقول: هذا هو الحق الذي أمر الله عز وجل باتباعه وسلوكه.
قال المؤلف رحمه الله: [ ولا يحرفون الكلم عن مواضعه بحمل اليدين على النعمتين أو القوتين ].
فيثبتون صفة اليد لله سبحانه وتعالى ولا يقولون: هي النعمة، أو الرحمة، أو القدرة، أو غير ذلك, بل نجريها على ما هي عليه, فهي يد حقيقة, أما كيفيتها وصفتها فهي إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأننا لا نشبه ولا نكيف إلا ما رأينا, ولم نر الله سبحانه وتعالى, والله عز وجل يقول عن نفسه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11], ولا أعلم بالله عز وجل منه سبحانه وتعالى, ولهذا نقول: إن بعض المواضع في كلام الله عز وجل حملها بعضهم على أنها تأويل وليست بتأويل.
وبعض الذين يؤولون يقولون: إن بعض السلف أوَّلوا بعض الصفات؛ وذلك كقول الله عز وجل: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115], وفي قول الله عز وجل: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ [الذاريات:47], قالوا: هذا جاء بقوة عن عبد الله بن عباس وغيره, قال: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115], قال: جهته وناحيته, فهل هذا تأويل أم ليس بتأويل؟ نقول: هذا ليس بتأويل؛ لأنهم لا يرون أن هذه الآية من الصفات, كذلك أيضاً في قول الله عز وجل: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ [القلم:42], قالوا: إن هذه الآية ليست من آيات الصفات عند عامة المفسرين من السلف, ولكن صفة الساق لها موضع آخر، وقد جاء في ذلك بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم, جاء من حديث عبد الله بن مسعود , وجاء أيضاً من حديث أبي سعيد الخدري وغيرها من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولهذا نقول: إن ما يرد في قول الله عز وجل مثلاً: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115], أن المراد بذلك هي الجهة, وليس المراد بذلك هي صفة الوجه له سبحانه وتعالى؛ فهذا ليس بتأويل؛ لأن وجه الله عز وجل يثبته السلف في آيات أخر, مثل قوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88], فصفة الوجه له سبحانه وتعالى ثابتة، وفي الحديث: ( لا يسأل بوجه الله إلا الجنة ), فصفة الوجه لله سبحانه وتعالى ثابتة, ويثبتها السلف, ولكن في مثل هذا الموضع لا يرون أن هذه الآية من آيات الصفات, وإن كانوا يقولون: إن الناحية أو الجهة إذا جاءت في مثل هذا السياق لا تكون إلا لمن له صفة الوجه, وهذا لازم للصفة وليس هو الصفة بذاته.
وقول المؤلف رحمه الله: (ولا يحرفون الكلم عن مواضعه). تحريف الكلم عن مواضعه على نوعين: تحريف حروف, وتحريف معاني, فتحريف الحروف: أن يقوم الإنسان بتغيير اللفظ, وهذا ما غلب على النصارى, أما تحريف المعاني فهذا ما غلب على اليهود, ولهذا نقول: إن التوراة هي أصح لفظاً من الإنجيل, ولكن التوراة أبعد بصحة المعنى الثابت لليهود من الإنجيل, والإنجيل وإن كان فيه الألفاظ محرفة أكثر من التوراة إلا أنه من جهة المعاني أصح من التوراة, ولهذا من حرف اللفظ ففيه شبه من النصارى, ومن حرف المعاني ففيه شبه من اليهود, والذي يحرف المعنى مع ثبوت اللفظ أشد خطراً وأعظم ممن يحرف اللفظ؛ لأن الحجة في اللفظ قائمة على الأمم, ثم يقومون بالمكابرة, أما الذي غير اللفظ الأول وبقيت الأمم بعد ذلك معتمدة على لفظ محرف, فالحقيقة غائبة ولا يمكن الوصول إليها, ولهذا كان العناد في اليهود أكثر من النصارى؛ لأن الحرف عند اليهود أصح من النصارى ومع ذلك يكابرون بقلب معناه, بخلاف النصارى فإن اللفظ لديهم حرف وتبعه في ذلك المعنى فكانت الحجة, وكذلك المعاني عند المتأخرين أكثر بعداً من أتباع اليهود.
نقف عند هذا الحد, وصلى الله وسلم على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث [13] | 2898 استماع |
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث [12] | 2224 استماع |
شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث [6] | 2100 استماع |
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث [11] | 2061 استماع |
شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث [4] | 1477 استماع |
شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث [7] | 1454 استماع |
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث [10] | 1410 استماع |
شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث [1] | 1408 استماع |
شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث [2] | 1307 استماع |
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث [14] | 1283 استماع |