شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث [7]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله: [ ويثبت أصحاب الحديث نزول الرب سبحانه وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا, من غير تشبيه له بنزول المخلوقين، ولا تمثيل ولا تكييف, بل يثبتون ما أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينتهون فيه إليه، ويمرون الخبر الصحيح الوارد بذكره على ظاهره، ويكلون علمه إلى الله تعالى ].

ذكر هنا إثبات نزول الله عز وجل إلى السماء الدنيا بعد ما ذكر الاستواء, وأنه لا تنافي بين الاستواء وبين نزول الله عز وجل إلى السماء الدنيا, وأما من يجعل بين ذلك تضاداً فإن حامله إلى ذلك شيء من التشبيه انقدح في ذهنه فانقلب على المعنيين, ولكن أهل الحديث يثبتون الاستواء لله عز وجل على عرشه, ويثبتون نزوله سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله وعظيم سلطانه, فلا يشبهونه بشيء من المخلوقات, ولا يكيفونه على أي صفة كانت, باعتبار أن التكييف لا يمكن أن ينقدح في ذهن الإنسان إلا على تشبيه, فينفون ويمتنعون عن ذلك كله باعتبار عدم وروده, ويكلون أمره إلى الله سبحانه وتعالى.

وقد تقدم الإشارة معنا إلى أن الصفات لها لوازم, وكثير من اللوازم تكون سبباً للرجوع إلى ذات الصفة ونفيها كما تقدم الكلام عليه, وربما لبعض الصفات لوازم, وللصفات الأخرى لوازم أخرى, وهذه اللوازم تتعارض مع بعضها في دين الإنسان في الظاهر, فيرجعون في ذلك إلى النفي, كما يتعلق بمسألة نزول الله عز وجل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل, فينزل الله عز وجل ويبسط يده سبحانه وتعالى, فنقول حينئذ: إن تقلب الثلث في الليل, وتحول الزمان من بلد إلى بلد, لا ينفي ذلك استواء الله عز وجل على عرشه, فالله سبحانه وتعالى مستو, وهو نازل جل وعلا إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير, نثبت هذا ونثبت هذا, وأما اللوازم التي تنقدح في ذهن الإنسان بتنافي اجتماع هاتين الصفتين؛ فذلك دافعه تشبيه الإنسان للخالق بالمخلوق سبحانه وتعالى, وهذا منتفي, وينتفي من ذلك تبعاً اللوازم التابعة له.

قال المؤلف رحمه الله: [ وكذلك يثبتون ما أنزله الله عز اسمه في كتابه، من ذكر المجيء والإتيان المذكورين في قوله عز وجل: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ [البقرة:210], وقوله عز اسمه: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر:22].

قال: قرأت في رسالة الشيخ أبي بكر الإسماعيلي إلى أهل جيلان: أن الله سبحانه ينزل إلى السماء الدنيا على ما صح به الخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ].

واقتران مجيء الله عز وجل والملائكة لا يعني من ذلك المساواة, فالاقتران في ذلك شيء, فلله عز وجل مجيء, وللملائكة كذلك مجيء, والله سبحانه وتعالى نفى المثلية له سبحانه وتعالى, وهذا ينتفي عن المخلوقين من الناس, وكذلك أيضاً عن غيرهم من الملائكة وغيرهم.

قال المؤلف رحمه الله: [ ونؤمن بذلك كله على ما جاء بلا كيف, فلو شاء سبحانه أن يبين لنا كيفية ذلك فعل، فانتهينا إلى ما أحكمه، وكففنا عن الذي يتشابه, إذ كنا قد أمرنا به في قوله عز وجل: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ [آل عمران:7].. إلى آخر الآية ].

قال المؤلف رحمه الله: [ قال: أخبرنا أبو بكر بن زكريا الشيباني بسنده إلى إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: قال لي الأمير عبد الله بن طاهر : يا أبا يعقوب ! هذا الحديث الذي ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا ), كيف ينزل؟ قال، قلت: أعز الله الأمير، لا يقال لأمر الرب: كيف؟ إنما ينزل بلا كيف.

حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بسنده إلى عبد الله بن المبارك عن نزول ليلة النصف من شعبان، فقال عبد الله : يا ضعيف, في كل ليلة ينزل, فقال الرجل: يا أبا عبد عبد الرحمن ! كيف ينزل؟ أليس يخلو ذلك المكان منه؟ فقال عبد الله : ينزل كيف شاء ].

وهذا الاستشكال الذي يرد في الأذهان في قوله: إذا نزل خلا مكانه منه, هذا دافعه في ذلك التشبيه؛ أن الإنسان إذا انقدح في ذهنه تحوله من موضع إلى موضع, فإنه يخلو منه أحد الموضعين, وهذا لا يليق أن يجعله الإنسان لربه سبحانه وتعالى, فلا يثبته ولا ينفيه, وإنما يثبت لله عز وجل نزولاً يليق بجلاله وعظيم سلطانه, وما عدا ذلك فإنه يتوقف عنه باعتبار أن الأذهان تقصر عن إدراك ذلك.

وتقدم معنا مراراً أن كل هذه المسائل التي يذكرها المصنف عليه رحمة الله دافع ضلال من ضل فيها هو ما انقدح في أذهانه من التشبيه, فينقدح في ذهنهم تشبيه ومعاني متناقضة متضادة أو معاني سيئة فيريدون نفي الله عز وجل عنها, ولهذا يتأولون كثيراً من الصفات هروباً من بعض المعاني التي تنقدح في أذهانهم ولا يصرحون بها, ولهذا لما خالفهم أهل السنة وأهل الحديث في إثبات صفات الله عز وجل أخذوا يسمونهم بالمجسمة أو الحشوية وغير ذلك؛ وذلك أنهم يثبتون لله عز وجل يداً, ويثبتون لله عز وجل قدماً وإصبعاً وعيناً وغير ذلك, فينقدح في ذهنهم شيء من اللوازم, فقالوا: يلزم من ذلك أن له جسداً وجسماً وغير ذلك, فنقول: إن مثل هذا مما هو مسكوت عنه لا يخوض فيه المؤمن, فيثبت لله عز وجل ما أثبته سبحانه وتعالى لنفسه, ولا يخوض فيما زاد عن ذلك, وهم إنما ينفون الجسم ويفرون منه لأنهم يقولون: إننا إذا أثبتنا الجسم لله سبحانه وتعالى أثبتنا له الجهة, وإذا أثبتنا له الجهة أثبتنا أنه محدود بحد معين, فيحده من جهة كذا كذا ويحده من جهة كذا كذا, وهذه المعاني هي لوازم تنقدح في ذهن الإنسان وهو ليس بحاجة إليها؛ باعتبار أنه مما هو مسكوت عنها ولا يخاطب الإنسان بما لا يعلم, فخطابه وحسابه وعقابه على ما علم من أمر الله عز وجل أن يؤمن به وأن يقره كما جاء, وما زاد عن ذلك فهو موكول إلى ربه سبحانه وتعالى.

وكذلك أيضاً في قولهم: إن الاستواء على العرش ينقدح فيه مسألة القعود والجلوس ونحو ذلك, وكذلك أيضاً في الاستواء أي: أن الإنسان إذا استوى على شيء أو جلس عليه فإنه يلزم من ذلك حاجته إليه, وهذا مما لا حاجة إليه باعتبار أنه انقدح في ذهن الإنسان معنى من المعاني الباطنة فجعل لها لوازم, وهذه اللوازم باطلة وأصلها باطل, فصار الإنسان إلى عقيدة باطلة بعد ذلك.

قال المؤلف رحمه الله: [ وفي رواية أخرى لهذه الحكاية أن عبد الله بن المبارك قال للرجل: إذا جاءك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخضع له.

قال: سمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: سمعت أبا زكريا بسنده ذكره إلى أبي عبد الله الرباطي يقول: حضرت مجلس الأمير عبد الله بن طاهر ذات يوم, وحضر إسحاق بن إبراهيم يعني: ابن راهويه ، فسئل عن حديث النزول: أصحيح هو؟ قال: نعم, فقال له بعض قواد عبد الله : يا أبا يعقوب ! أتزعم أن الله تعالى ينزل كل ليلة؟ قال: نعم, قال: كيف ينزل؟ فقال له إسحاق : أثبته فوق, حتى أصف لك النزول، فقال الرجل: أثبته فوق, فقال: إسحاق : قال الله عز وجل: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر:22], فقال الأمير عبد الله : يا أبا يعقوب ! هذا يوم القيامة, فقال إسحاق : أعز الله الأمير، ومن يجيء يوم القيامة من يمنعه اليوم؟ وخبر نزول الرب كل ليلة إلى السماء الدنيا خبر متفق على صحته, مخرج في الصحيحين، من طريق مالك بن أنس عن الزهري عن الأغر و أبي سلمة عن أبي هريرة .

أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد بسنده إلى مالك .

وأخبرنا أبو بكر بن زكريا بسنده إلى مالك .

وأخبرنا أبو بكر بن زكريا كذلك بسنده إلى أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ينزل ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا, حتى يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له ).

ولهذا الحديث طرق إلى أبي هريرة ، رواه الأوزاعي بسنده إلى أبي هريرة. ورواه يزيد بن هارون بسنده إلى أبي هريرة ، وكذلك مالك بسنده إلى أبي هريرة ، و عبيد الله بن عمر بسنده إلى أبي هريرة , و عبد الأعلى بسنده إلى أبي هريرة . وروي هذا الخبر من غير طريق أبي هريرة , فقد رواه نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه، و موسى بن عقبة بسنده إلى عبادة , و عبد الرحمن بسنده إلى جابر , و عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب , و شريك بسنده إلى عبد الله بن مسعود , و محمد بن كعب بسنده إلى جابر , وكذلك سعيد بن جبير عن ابن عباس وعن أم المؤمنين عائشة و أم سلمة رضي الله عنهن ].

وحديث نزول الله سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا متواتر, قد جاء من طرق متعددة يؤكد بعضها بعضاً, ويقطع الإنسان بذلك بثبوتها, ولهذا نقول: إن نزول الله عز وجل هو من الأمور القطعية المتواترة الظاهرة في الوحي, وليس لأحد إنكارها؛ باعتبار عدم استيعاب ذهن الإنسان لها, أو للوازمها, وأعظم ما يجعل الإنسان يستقر في قلبه الإيمان ويسلم لما جاء في كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يعلم ضعف عقله وإدراكه, وعدم إحاطته بكثير من الأمور المشاهدة, فضلاً عن الأمور الغيبية التي لا يراها الإنسان, وإذا أراد الإنسان أن يضع بركة كاملة من الماء في كفه لما استطاع؛ لأنها لا تحويه, كذلك أيضاً كثير من حكم الله سبحانه وتعالى لا يستطيع الإنسان أن يضعها في عقله الصغير, وإدراك علل الله سبحانه وتعالى في ذلك, فكثير من المعلومات يحتاج الإنسان في معرفتها إلى السبر, وهو: إطالة التأمل, ثم يخرج بنتيجة معينة, منها ما يسبره في دقيقة, ومنه ما يسبره في ساعة, ومنها ما يسبره في يوم, ومنها في يومين, ومنها في أسبوع وشهر ونحو ذلك, فكلما أطال سبراً خرج بنتائج جديدة, ومنها ما لو سبره الإنسان بمائة سنة ما استطاع أن يخرج بنتيجة, ويحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك, إذاً فإمكان الإنسان وعقله وإدراكه قاصر عن الآلة الموصلة إلى معرفة الحق, فإذا كان قاصراً في آلته فهو قاصر أيضاً في معرفة الحقائق والنتائج, ولهذا كثير من الأمور والمعادلات التي يريد الإنسان أن يتأملها بمعادلات حسابية ونحو ذلك ينظر الإنسان فيها ويتأملها الساعة والساعتين فربما يحصل على نتيجة وربما حصل على نتيجة خاطئة, وإن كان قد سبر باعتبار قصوره عن التأمل, أو العجلة في ذلك, ولهذا نقول: إن الحقائق ليست مواكبة لعمر الإنسان, وعمر الإنسان قاصر في هذا, ولهذا الناس يجتمعون على سبر حقيقة واحدة فيوجدون نتيجة بعد أجيال, ولهذا تجد في صناعات الناس وابتكاراتهم ونحو ذلك يجتمع أجيال ثم ينقرض هذا الجيل, ويكمل بعده جيل آخر, وهكذا, ثم يخرجون بنتيجة لم يدرك أولهم آخرهم عليها؛ كما في صناعات الناس في بيوتهم ومراكبهم ونحو ذلك, فهذه جاءت بعد تضافر أناس وتتابع أقوام على إدراك أشياء محسوسة ضعيفة, وهي محسوسة بين أيديهم فكيف بالأمور المغيبات, لا يدركها الإنسان, ولهذا إذا عرف الإنسان ضعف عقله وعدم استيعابه للأمور الغيبية أو المشاهدة التي بين يديه, فإنه يعلم ويقطع يقيناً أنه أبعد من أن يستوعب ما هو من الأمور الغيبية التي لم ير منها شيئاً, والإنسان مع ضعف إدراكه وتحليله فإنه ينسى, فإذا أراد أن يسبر حقيقة ليوم أو يومين أنسى اليوم الثاني حقيقة سبره لليوم الأول, وهكذا, وصار بحاجة إلى أن يعيد العجلة مرة أخرى حتى يستذكر ما مضى؛ حتى تكتمل قضية السبر لديه, ولهذا نقول: هو ضعيف في تركيبته وذاته, وليس بقادر بالآلة الموجودة لديه عن إدراك وسبر ومعرفة حكم الله سبحانه وتعالى, ولهذا تجد كثيراً من الناس يبحث عن شيء وهو في يده, وترى بعض الناس يبحث عن القلم وهو في يده, وترى بعض الناس يبحث عن نظارته وهي على أنفه؛ فكيف يأتي هذا ليحاجَّ الله سبحانه وتعالى في أمور الغيب؟ هذا من الأمور الصعبة الشاقة, وأذكر أن أحداً قد زارني في المنزل وهو من المولعين بأمور العلل والتعلق بالتشريعات, وحكم الله سبحانه وتعالى ومعارضة بعض الحكم بعقله, وأخذ يناظر ويجادل في كثير من الأمور, فلما أراد أن يخرج من عندي لبس حذائي خطأ فقلت له: أنت لم تبصر موضع قدميك فكيف تبصر موضع السماء وما كان من أمور الغيب, قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ [عبس:17], يخطئ وينسى ويسهو عن أشياء مدركة بين يديه, فكيف يريد أن يعرف عللاً أو حقائق مغيبة كلها عنه, ولهذا مبدأ التسليم هو الفيصل بين أهل الإيمان الحق والتصديق وبين غيرهم, ولهذا نقول: إن المؤمن الحق الذي لا يتعلق إيمانه بورود العلة المقنعة بالتسليم بالحكم, فإذا وجد علة سلم, وإذا لم يجد توقف, هذا هل هو تعطيل للعقل؟ لا, وإنما هو بيان لضعفه, فعقل الإنسان لا يدرك كل شيء, ولو كانت أحكام الشريعة كلها ثابتة العلل مدركة للإنسان إدراكاً تاماً لما خالف شريعة الله سبحانه وتعالى أحد, وما خالفهم في ذلك إلا المجانين, ولهذا نقول: إن الحقائق الكونية الموجودة في الكون تدل على صدق وحي الله سبحانه وتعالى؛ ولكن العلة في عقل الإنسان أنه يقصر عن إدراكها؛ يولد الإنسان وعمره خمسين أو ستين أو سبعين سنة في حقبة زمنية معينة ولم يسبر الزمن, جاء في أواخر حوادث وتوفي في أوائل حوادث, فلم يدرك بداية السابقة ولا نهاية اللاحقة, فهو حتى من جهة قضية السبر لديه ضعيف؛ ولو قدر أن إنساناً عاش من أول الكون إلى نهايته لوجد أن دلائل الكون كلها تدل على صدق ما أخبر الله عز وجل عنه سبحانه وتعالى, ولهذا كان كفار قريش يصفون النبي صلى الله عليه وسلم بالجنون حينما أخبرهم أنه يذهب من مكة إلى المسجد الأقصى في ليلة ويرجع؛ لأنهم لا يرون الأمور والأسباب المادية قد تحققت, أو يوجد شيء ما يؤكد ذلك, فالعلة لديهم غير موجودة, ولو وجدوا اليوم لندموا عن معارضتهم في السابق, ولو وجد من ينفي هذا اليوم لاتهم بالجنون والجهل والتخلف, الذي وصف في السابق النبي صلى الله عليه وسلم بالجنون, والآن من وصف الذي ينفي بالجنون أليس هو العقل ذاته؟ بلى هو العقل ذاته, العقل الذي تحمله أنت هو الذي يحمله السابقون, ولكن يختلف في ذلك التسليم, ولهذا نقول: إن الحقائق الكونية لو عاشها الإنسان ومكن من عرضها كاملة لوجد أنها موافقة لأمر الله سبحانه وتعالى ومصدقة له, ولكن الإنسان في نظره قاصر عن استيعابها.

قال المؤلف رحمه الله: [ وفي رواية الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا مضى نصف الليل أو ثلثاه ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل فيعطى؟ هل من داع فيستجاب له؟ هل من مستغفر فيغفر له؟ حتى ينفجر الصبح ), وفي رواية سعيد بن مرجانة عن أبي هريرة زيادة في آخره وهي: ( ثم يبسط يديه فيقول: من يقرض غير عدوم ولا ظلوم ), وفي رواية أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله ينزل إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الأخير فينادي: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ فلا يبقى شيء فيه الروح إلا علم به، إلا الثقلين الجن والإنس, قال: وذلك حين تصيح الديوك, وتنهق الحمير, وتنبح الكلاب ), وفي رواية موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى عن عبادة بن الصامت زيادات حسنة, وهي التي أخبرنا بها أبو يعلى حمزة بن عبد العزيز المهلبي بسنده إلى ابن المبارك قال: بسنده إلى عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ينزل الله تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: ألا عبد من عبادي يدعوني فأستجيب له؟ ألا ظالم لنفسه يدعوني فأغفر له؟ ألا مقدر عليه رزقه فيدعوني فأرزقه؟ ألا مظلوم يذكرني فأنصره؟ ألا عان يدعوني فأفكه؟ قال: فيكون كذلك إلى أن يطلع الصبح ويعلو على كرسيه ).

وفي رواية أبي الزبير عن جابر من طريق مرزوق بن أبي بكر الذي خرجه محمد بن إسحاق بن خزيمة , ومن طريق أيوب بسنده إلى حسن بن سفيان , ومن طريق هشام بسنده إلى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن عشية عرفة ينزل الله فيه إلى السماء الدنيا, فيباهي بأهل الأرض أهل السماء, ويقول: انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً ضاحيين, جاءوا من كل فج عميق, يرجون رحمتي ولم يروا عذابي, فلم ير يوماً أكثر عتقاً من النار من يوم عرفة ), وروى هشام بسنده إلى رفاعة الجهني حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا مضى ثلث الليل أو شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول: لا أسأل عن عبادي غيري, من يستغفرني فأغفر له؟ من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني أعطيه؟ حتى ينفجر الصبح ).

أخبرنا أبو محمد بسنده إلى أبي مسلم الأغر قال: أشهد على أبي سعيد و أبي هريرة أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأنا أشهد عليهما أنهما سمعا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الله يمهل حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول هبط إلى السماء الدنيا فيقول: هل من مذنب؟ هل من مستغفر؟ هل من سائل؟ هل من داع؟ حتى تطلع الشمس ).

أخبرنا أبو محمد بسنده إلى أبي مسلم الأغر قال: أشهد على أبي سعيد و أبي هريرة أنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يمهل حتى إذا كان ثلث الليل هبط إلى هذه السماء، ثم أمر بأبواب السماء ففتحت, فقال: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فأجيبه؟ هل من مستغفر فاغفر له؟ هل من مضطر أكشف عنه ضره؟ هل من مستغيث أغيثه؟ فلا يزال ذلك مكانه حتى يطلع الفجر في كل ليلة من الدنيا ).

قال: أخبرنا أبو محمد بسنده إلى أبي إسحاق عن الأغر أنه شهد على أبي هريرة و أبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا كان ثلث الليل نزل تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فقال: ألا هل من مستغفر يغفر له؟ هل من سائل يعطى سؤله؟ ألا هل من تائب يتاب عليه؟ ).

قال: حدثنا الأستاذ أبو منصور بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسم: ( ينزل الله تعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا، فيقول: أنا الملك, أنا الملك ثلاثاً. من يسألني فأعطيه؟ من يدعوني فأستجيب له؟ من يستغفرني فاغفر له؟ فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر ).

سمعت الأستاذ أبا منصور على إثر هذا الحديث الذي أملاه علينا يقول: سئل أبو حنيفة عنه فقال: ينزل بلا كيف. وقال بعضهم: ينزل نزولاً يليق بالربوبية بلا كيف، من غير أن يكون نزوله مثل نزول الخلق، بالتخلي والتملي؛ لأنه جل جلاله منزه أن تكون صفاته مثل صفات الخلق، كما كان منزهاً أن تكون ذاته مثل ذوات الخلق، فمجيئه وإتيانه ونزوله على حسب ما يليق بصفاته، من غير تشبيه وكيف.

وقال الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتاب التوحيد الذي صنفه: سمعته من حافده أبي طاهر رحمه الله:

باب: ذكر أخبار ثابتة السند رواها علماء الحجاز والعراق في نزول الرب إلى السماء الدنيا كل ليلة, من غير صفة كيفية النزول مع إثبات النزول, فنشهد شهادة مقر بلسانه، مصدق بقلبه، مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر النزول, من غير أن نصف الكيفية؛ لأن نبينا صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلى السماء الدنيا، وأعلمنا أنه ينزل، والله عز وجل ولى نبيه صلى الله عليه وسلم بيان ما بالمسلمين إليه الحاجة من أمر دينهم، فنحن مصدقون بما في هذه الأخبار من ذكر النزول، غير متكلفين للنزول بصفة الكيفية، إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف كيفية النزول.

أخبرنا الحاكم بسنده إلى مخرمة بن بكير عن أبيه وقال: أخبرنا الحاكم بسنده إلى محمد بن المنكدر يزعم أنه سمع أم سلمة زوج الني صلى الله عليه وسلم تقول: ( نعم اليوم يوم ينزل الله تعالى فيه إلى السماء الدنيا, قالوا: وأي يوم؟ قالت: يوم عرفة ).

وروت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( ينزل الله تعالى في النصف من شعبان إلى السماء الدنيا ليلاً إلى آخر النهار من الغد، فيعتق من النار بعدد شعر معز كلب، ويكتب الحاج, وتنزل أرزاق السنة، ولا يترك أحداً إلا غفر له إلا مشركاً أو قاطع رحم أو عاقاً أو مشاحنا ) ].

الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم هو نزوله جل وعلا في الثلث الأخير من كل ليلة, ونزول الله سبحانه وتعالى أيضاً في يوم عرفة, ويوم عرفة يكون في النهار نزول الله جل وعلا, وأما في كل ليلة فينزل الله سبحانه وتعالى في الثلث الأخير من كل ليلة, وأما تخصيص ليلة النصف من شعبان عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يثبت في ذلك الخبر, جاء من حديث عائشة , وجاء من حديث أبي موسى , وجاء أيضاً من حديث عبد الله بن عمرو , فحديث عائشة عليها رضوان الله قد أخرجه الترمذي رحمه الله في كتابه السنن من حديث الحجاج بن أرطأة , و الحجاج يرويه عن يحيى بن أبي كثير عن عروة عن عائشة عليها رضوان الله وهو معلول بعلل؛ فـالحجاج لم يسمعه من يحيى , و يحيى لم يسمعه من عروة, وهذا لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويغني عنه أن الله عز وجل ينزل في كل ليلة, سواء كانت ليلة النصف من شعبان أو غيرها في الثلث الأخير, ويغفر الله عز وجل لمن شاء من عباده لمن صدق الله سبحانه وتعالى فإن الله عز وجل يصدقه سبحانه وتعالى.

وكما تقدم الإشارة إليه؛ نقول: إن إثبات نزول الله جل وعلا إلى السماء الدنيا هذا من الأمور المتواترة, قد جاء في ذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مما يستحيل معها التواطئ على الكذب.

ونفي بعض المبتدعة لنزول الله سبحانه وتعالى بسبب بعض العلل, خاصة ما يتعلق بالعلل الزمنية؛ كتقلب الثلث الأخير من الليل من بلد إلى بلد, قالوا: يلزم من ذلك ديمومة النزول, فنقول: إن الله سبحانه وتعالى نفى المثلية عن نفسه سبحانه وتعالى فلا يشابهه مخلوق جل وعلا, وعلى هذا نقول: إن تعليل الناس أو تعليل بعض المبتدعة لنفي نزول الله جل وعلا لعلة الزمن نقول: هذا تشبيه انقدح في ذهن الإنسان, فالإنسان ربط بعجلة زمنية معينة, ويرى أن مخلوقات الله سبحانه وتعالى تدور عليها, والله عز وجل جعل لك دورة زمنية تدورها, وجعل لك بداية ونهاية, وتظن أن الله عز وجل كذلك؛ تعالى الله عز وجل عن ذلك, ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى مثل هذه العلة؛ أن الإنسان حينما يرى من نفسه ويرى من أبيه وجده أنه يدور في دورة زمنية ثم يبدأ ثم يموت, وهكذا هذه الدورة, والدورة الزمنية منها دورة صغيرة؛ تكون بالثواني ثم الدقائق ثم الساعات ونحو ذلك, يظن أن مخلوقات الله عز وجل كذلك, وكذلك أيضاً في مسألة ابتدائها ونحو ذلك, ولهذا ربما لا يتصور الإنسان حتى من كان يدور معه في هذه الدورة الزمنية أن الأمم السابق منهم من يعيش الألف والألفين وغير ذلك, ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول: من خلق كذا ), انظروا إلى استدلال الشيطان بمسألة التشبيه لعقل الإنسان ببعض النظائر حتى يوصله إلى شيء هو خارج دائرة التشبيه, فيقول: ( من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق الله؟ ), إذاً هو لا يريد الخالق الأول؛ ولكن يريد الخالق الأخير, تعالى الله عز وجل عن ذلك علواً كبيراً, ولهذا نقول: إن الله سبحانه وتعالى جعل الإنسان في دائرة زمنية, وجعل هذه الدائرة في ذات الإنسان من جهة تقلب الليل والنهار والبداية والنهاية يظن أن الموجود في الكون يدور على نحو تلك العجلة, وهذا مستبعد في المخلوقات فكيف بالخالق سبحانه وتعالى؟ ولهذا نقول: ينبغي للإنسان أن يسلم فيما يخبر الله عز وجل عن نفسه, وما يخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه سبحانه وتعالى, وأن ينفي العلل التي تنقدح في ذهنه مما يراه الإنسان من أمور, وينقدح في ذلك شيء يتعلق بالخالق سبحانه وتعالى.

قال المؤلف رحمه الله: [ وحدثنا الزعفراني بسنده إلى الدستوائي ح وحدثنا ابن ميمون بسنده إلى الأوزاعي كلهم عن يحيى بن أبي كثير عن عطاء بن يسار حدثني رفاعة بن عرابة الجهني ح قال: وحدثني أبو هاشم بسنده إلى رفاعة الجهني قال: ( صدرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة, فجعلوا يستأذنون الني صلى الله عليه وسلم، فجعل يأذن لهم, فقال النبي صلى الله عليه وسم: ما بال شق الشجرة الذي يلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبغض إليكم من الآخر، فلا ترى من القوم إلا باكياً, قال يقول أبو بكر الصديق : إن الذي يستأذنك بعدها لسفيه، فقام النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه, وكان إذا حلف قال: والذي نفسي بيده, أشهد عند الله ما منكم من أحد يؤمن بالله واليوم الآخر ثم يسدد إلا سلك به في الجنة، ولقد وعدني ربي أن يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفاً بغير حساب ولا عذاب، وإني لأرجو ألا تدخلوها حتى تتبوءوا ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكنكم في الجنة، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إذا مضى شطر الليل -أو قال: ثلثاه- ينزل الله إلى السماء الدنيا ثم يقول: لا أسأل عن عبادي غيري، من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يدعوني فأجيبه؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ حتى ينفجر الصبح ), هذا لفظ حديث الوليد ].

جاء في الخبر القدسي: ( أن الله عز وجل يقول: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر ), وما في الجنة من مخلوقات الله سبحانه وتعالى لم يرها, ولهذا يقول عبد الله بن عباس : ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء, فعنب وزعفران وطلح وغير ذلك مما أخبر الله عز وجل عنه في الجنة, هي أسماء تتشابه, حتى الماء والعسل والخمر واللبن وغير ذلك مما أخبر الله عز وجل عنه, يشابه ما في الدنيا بالأسماء, فلم تره عين, ولم تسمع به أذن, وما خطر أيضاً على قلب بشر, يعني: كلما يخطر في بال الإنسان أنه على هذه الصفة فهو على غيرها, هذا في المخلوق, هذا في مخلوق خلقه الله عز وجل فكيف بالخالق سبحانه وتعالى, ولهذا نقول: إذا كان الله عز وجل قد جعل مخلوقاً في الآخرة أو أوجد مخلوقاً جل وعلا لم يره الإنسان وليس له مثيل عنده فالخالق سبحانه وتعالى يجب أن يقر أنه أولى, وهذا ظاهر في قول الله عز وجل على ما تقدم: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].

قال المؤلف رحمه الله: [ قال شيخ الإسلام -وهو المؤلف- قلت: فلما صح خبر النزول عن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر به أهل السنة، وقبلوا الخبر، وأثبتوا النزول على ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعتقدوا تشبيهاً له بنزول خلقه، ولم يبحثوا عن كيفيته, إذا لا سبيل إليها بحال, وعلموا وتحققوا واعتقدوا أن صفات الله سبحانه لا تشبه صفات الخلق، كما أن ذاته لا تشبه ذوات الخلق, تعالى الله عما يقول المشبهة والمعطلة علواً كبيراً، ولعنهم لعناً كبيراً ].

ذلك أنه كل أحد شبه الخالق بالمخلوق لابد أن يلتزم بلوازم ذلك التشبيه, فإذا شبه للخالق سبحانه وتعالى باليد أو القدم أو نحو ذلك أنه يلتزم بلوازم ذلك, كذلك أيضاً من شبه الخالق بالمخلوق من جهة العين لابد أن يلتزم باللوازم في هذا الباب, وأهل السنة في ذلك يتوسطون.

قال المؤلف رحمه الله: [ وقرأت لـأبى عبد الله بن أبي حفص البخاري _ وكان شيخ بخارى في عصره بلا مدافعة _ و أبو حفص هذا كان من كبار أصحاب محمد بن الحسن الشيباني , قال أبو عبد الله - أعني: ابن أبي حفص هذا : عبد الله بن عثمان وهو: عبدان شيخ مرو يقول: سمعت محمد بن الحسن الشيباني يقول: قال حماد بن أبي حنيفة : قلنا لهؤلاء: أرأيتم قول الله عز وجل: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر:22] ؟ وقوله عز وجل: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ [البقرة:210], فهل يجيء ربنا كما قال؟ وهل يجيء الملك صفاً صفاً؟ قالوا: أما الملائكة فيجيئون صفاً صفاً، أما الرب فإنا لا ندري ما عنى بذاك، ولا ندري كيف جيئته، فقلنا لهم: إنا لم نكلفكم أن تعلموا كيف جيئته، ولكنا نكلفكم أن تؤمنوا بمجيئه، أرأيتم من أنكر أن الملك لا يجيء صفاً صفاً, ما هو عندكم؟ قالوا: كافر مكذب, قلنا: فكذلك إن أنكر أن الله سبحانه لا يجيء فهو كافر مكذب ].

قال المؤلف رحمه الله: [ قال أبو عبد الله بن أبي حفص البخاري أيضاً في كتابه: ذكر إبراهيم عن الأشعث قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: إذا قال لك الجهمي: أنا لا أؤمن برب يزول عن مكانه. فقل أنت: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء ].

وهذا لا يتضمن إثبات التحول والزوال, ولكنه يؤمن بخالق يفعل ما يريد, وذلك ليس فيه إقرار بذلك اللازم؛ أن الإنسان إذا نظر إلى صفة من صفات الله عز وجل كنزوله سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا, وما يخطر في باله من تحول أو زوال من موضعه الذي هو عليه, لا يلتزم بهذا اللازم؛ ولكنه يؤمن بأن الله عز وجل إذا أراد أن يفعل شيئاً فعل, فهو يؤمن بكمال الاختيار له سبحانه وتعالى, وهذا لا يوافق فيه الإنسان الابتداع بجريانهم على لوازمهم, ويجري الإنسان على عقيدة حقة من غير أن يحيد عنها, لا من جهة التشبيه, ولا من جهة التعطيل.