شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث [1]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإنه مما لا يخفى أن الله عز وجل قد جعل للعلم منزلة رفيعة؛ وذلك أن الإنسان لا يمكن أن يتحقق له سبيل من سبل الخير إلا بواسطة العلم, ولا يمكن أن يتقي ضرراً أو جهالة إلا وقد تحقق لديه شيء من العلم, والعلم كلٌ يتمناه, ويتبرأ من ضده كل عاقل, وهذا من أظهر وجوه الشرف فيه, والله عز وجل لم يأمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن يسأله زيادة في شيء من أمر الدين والدنيا إلا في العلم, فقد قال الله عز وجل في كتابه العظيم: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه:114], فأمره الله عز وجل أن يسأله زيادة في ذلك, ولذلك ينبغي للإنسان أن يستزيد في تحصيله للعلم مهما بلغ مرتبة وعلواً, وألا يتوقف عند شيء من مراتبه, بل يكون طالباً له في كل حين, وفي كل زمن، وفي كل مكان؛ وذلك أن علم الله عز وجل الذي جعله للناس علماً عظيماً وافراً, ومع ذلك لا يؤتى الإنسان من ذلك العلم إلا شيئاً قليلاً.

وقد وردت أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل العلم ومنزلته, وفضل المتعلمين, وكذلك المعلمين, وبيان منزلة مراتب العلم والعلماء عند الله سبحانه وتعالى, وكلما كان الإنسان أوفق إلى معرفة العلم, وأكثر حرصاً وعناية بمعرفة مراتبه, وأن يأخذ أولى العلوم حظاً له، وأوجب عليه عند الله سبحانه وتعالى؛ كان أكثر سداداً وتوفيقاً.

ومما ينبغي أن نعلم أن الله عز وجل حينما جعل الصراط المستقيم مستقيماً إليه سبحانه وتعالى قد جعل أسهل ما يدل الإنسان إلى هذا الصراط هو العلم, ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم -كما جاء في حديث أبي هريرة في الصحيح-: ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ), فلدينا صراط مستقيم، ولدينا صراط معوج, والصراط المستقيم واحد, وأما المعوج فهي متعددة, والصراط المستقيم إذا قلنا: إن الإنسان أراد أن يسلك طريقاً واحداً مستقيماً فإن المستقيم لا يستطيع الإنسان أن يعدده باعتبار أن الاستقامة واحدة, أما الاعوجاج فهو على صور، وعلى أشكال متعددة، فيستطيع الإنسان أن يشكل طرقاً من الغواية متعددة, ولهذا وصف الله عز وجل طريق الحق والنور والهداية بأنه واحد, وأما بالنسبة للظلمات وطرق الغي فوصفها بأنها متعددة؛ يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [البقرة:257], فجعل الله عز وجل طرق الظلمات متعددة, وأما بالنسبة لطريق النور فهو واحد؛ وهو الصراط المستقيم, ولهذا قال الله عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108], وهذا الصراط المستقيم هو الذي خطه رسول الله صلى الله عليه وسلم, كما جاء في حديث عبد الله بن مسعود: ( وخط عن يمينه وعن شماله خطوطاً ), فهذا الصراط المستقيم الذي رسمه الله عز وجل للناس.

وقد يكون هذا الصراط المستقيم فيه شيء من الصعوبة, فليس كل طريق مستقيم يكون سهلاً للإنسان, وذلك أن الإنسان ربما يسلك باباً من أبواب العلم، ويكون هذا الباب مفضولاً, وهذا من الفتنة التي ينبغي للإنسان أن يحذر منها, وذلك أن العلوم يدخلها التشهي وحظ النفس كغيرها, ولو كانت علوماً شرعية, فيطلب الإنسان من العلوم المفضولة ويدع العلم الفاضل مما أوجبه الله عز وجل عليه.

فبعض طلاب العلم يلتفت إلى العلوم, ويكثر منها بحسب رغبة النفس، وكذلك ربما حظوظها التي يميل الإنسان إلى شيء منها, فيميل الإنسان إلى بعض دقائق العلم من علوم الآلة ونحو ذلك، وهو من أهل الجهل بعلوم العقائد، وأصول الدين وأحكامه الظاهرة, وهذا من الفتنة التي ينبغي للإنسان أن يحذر منها, فالعلم الشرعي تدخله الفتنة، ويدخله أيضاً حظوظ النفس والهوى وغير ذلك, لهذا حذر الله عز وجل من طلب العلم لغيره, وجعل الله عز وجل العلم من أظهر العبادات, وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من سلوك غاية من يطلب العلم لغير الله عز وجل؛ فقد جاء في حديث أبي هريرة عند مسلم من حديث سليمان بن يسار: أن أبا هريرة عليه رضوان الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أول من تسعر بهم النار ثلاثة: وذكر منهم عليه الصلاة والسلام: رجلاً طلب العلم ليقال: عالم, فيؤمر به في النار ), ومعلوم أن العالم إذا طلب العلم وأخلص لله عز وجل سهل الله له طريقه إلى الجنة, ويقابل ذلك أن الإنسان إذا طلب العلم لغير الله سهل الله له به طريقاً إلى النار, وهذا أمر متلازم, والدليل العكس؛ أن الله عز وجل إذا أثاب الإنسان ثواباً عظيماً على عمل معين فإن عقابه بنحوه إذا انتقضت النية أو انتقض المقصد في ذلك.

لهذا ينبغي للإنسان أن يعلم أن الله عز وجل قد جعل العلوم متنوعة, وهي على مراتب, ثمة ما يتعلق بعلوم الأصول؛ وهي مسائل الدين الظاهر, ومسائل الدين الكلية من مسائل العقائد, مثل: الإيمان بالله, وبملائكته, وبكتبه, وبرسله, وباليوم الآخر, وبالقدر خيره وشره, وغير ذلك مما يتبع هذه المسائل من الإيمان بأركان الإسلام, وكذلك أيضاً صفتها الواردة في كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم, وغير ذلك من أحكام الدين الذي ينبغي للإنسان أن يتبصر بها, وألا يلتفت الإنسان إلى علم مفضول -مع عدم إدراكه- إلى علم فاضل, فإنه إن انصرف إلى غير ذلك كان ممن يطلب العلم لغير الله, فقد يطلبه لحظ نفسه لإشباع نزواتها ورغبتها, أو حباً للبروز والظهور؛ باعتبار أن الناس يرغبون بحاجة الإنسان لعلم من العلوم, أو ربما يجد الإنسان وظيفة أو نحو ذلك.

فنقول: إن العلم لا يطلبه الإنسان إلا بالقدر الذي أمر الله عز وجل به، والمرتبة التي وضعه الله عز وجل عليها, ولهذا نقول: إن العلم لا يوكل إلى الإنسان, بل ينظر إلى حاجة الناس, ولهذا كثير من الآباء حينما يسأله ابنه عن تخصص في علم معين ليدرسه يقول له: انظر إلى مستقبلك, فهذا قد ربط العلم بمستقبل ابنه، ولم يربط العلم بحاجة الناس, وهذا لا شك أنه من الأخطاء العظيمة الجسيمة التي تحيد بنية الإنسان إلى غير مراد الله سبحانه وتعالى.

إذاً: ينبغي للإنسان أن يعلم أن العلم بجميع أنواعه -سواء كان علم الأبدان أو علم الأديان- لا ينظر فيه إلى حظ الشخص ورغبته, وإنما ينظر فيه إلى حاجة الناس, فإذا كان الناس في انحراف في مسائل أصول الدين, أو كثرت فيهم البدع والضلال والزيغ ونحو ذلك، فينبغي للإنسان أن يتفقه بذلك, وأن يكون داعية إلى الله عز وجل على هذا النحو, وإذا كان الناس أهل استقامة في مسائل العقائد، واستقرار في هذا الباب, وثمة باب من مسائل الدين يجهله الناس فعليه أن يضرب بسهم في ذلك, ويدعو الناس إلى تحقيق ما جهلوه في هذا الباب, فالإنسان إنما يتعلم لينشر الحق, ويقيم أيضاً ما في نفسه, ويقيم ذلك الاعوجاج الذي ربما يطرأ عليه, أو ربما يدفع ذلك اللبس من الافتتان بشيء من الأقوال الظاهرة؛ من أقوال أهل الزيغ والبدع والضلال والانحراف وغير هذا, والذي ينبغي للإنسان أن يزيله، ولا يزيله الإنسان إلا بالعلم, ونحن إنما نتكلم على أمثال هذه المسائل؛ أنه ينبغي للإنسان ألا يحضر الدروس بحسب رغبة نفسه المجردة، أو حظها أو نحو ذلك, وإنما يتعلق أو يحضر الدروس ومجالس العلم إخلاصاً لله عز وجل, وتحقيقاً أيضاً للحق الذي أراد الله عز وجل إحقاقه, وكذلك بياناً لما أراد الله عز وجل له أن يبين؛ من بيان معالم الخير، وطمس معالم الشر والتحذير من أهلها.

وإنما جعلنا الكلام في هذا المجلس -وكذلك المجالس التالية- على نوعين من هذه العلوم:

النوع الأول: ما يتعلق بمسائل العقائد؛ باعتبار أن الإنسان لا يتحقق إيمانه إلا بذلك, فلا ينبغي للإنسان أن ينصرف إلى شيء من العلوم المفضولة وهو مقصر في علم الأصول, والمراد بعلم الأصول: أصول الديانة مما يتعلق بالإيمان بالله سبحانه وتعالى؛ بتوحيد الله عز وجل بجميع أنواعه, لهذا ينبغي للإنسان ألا يخلي نفسه من كل مجلس، ومن كل قراءة, من قراءة في هذه المسائل؛ باعتبار أنها أعظم ما يسأل عنها الإنسان عند الله سبحانه وتعالى, ولهذا الإنسان إذا كان من أهل الكفر والإعراض عن الله عز وجل لا ينفعه العلم الآخر مهما توسع وأطنب، وأكثر من الحفظ والدراسة، والنظر ومعرفة الأدلة، وكذلك القياس, ومعرفة علوم الآلة الموصلة إلى ذلك العلم, ومهما عرف أقوال العلماء وتنوع وتشعب في الأخذ في ذلك عن المدارس, فإنه لا ينفعه ذلك ولا يغنيه من الله سبحانه وتعالى شيئاً, حتى يكون الإنسان متبصراً بالعلم الذي يقيم دينه الأصل, وهو توحيد الله سبحانه وتعالى, فإذا كان مشركاً أو ملحداً أو واقعاً في شيء من نواقض الإيمان ثم يطلب فضول العلم الأخرى فلا شك أن هذا من أعظم الفتنة التي يفتن بها الإنسان, وغالب أولئك أنهم ينصرفون إلى غير مرضاة الله سبحانه وتعالى.

ونحن دائماً نحرص على أنه ينبغي لطالب العلم أن يتعلق بمسائل العقائد، المروية عن أجلة هذه الأمة من السلف الصالح، الذين حثنا الله عز وجل على الاقتداء بهم، والتأسي بمنهجهم, وهم أطهر الناس أفئدة، وكذلك أزكاهم قلوباً وأصفاهم أذهاناً من جهة معرفة الحق, وأبعد عن حظوظ النفس وشوائبها بعدما تمكنت من الناس، وأوجدت في نفوسهم ملاذاً في أمر الدنيا من شهوات وغير ذلك, ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول -كما جاء في الصحيحين وغيرهما-: ( خير القرون قرني, ثم الذين يلونهم, ثم الذين يلونهم ), فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الخيرية في قرنه, ثم الذين يلونهم, ثم الذين يلونهم, ثم بعد ذلك يزيد الخير والشر ويتغالبان في ذلك, والغلبة في ذلك لما يقدره الله عز وجل, ولكن الله عز وجل قد قضى وقدر أن الخيرية الأعظم هي للقرن الأول, ثم الخيرية الثانية هي للقرن الثاني, ثم الثالثة للقرن الثالث, ثم بعد ذلك يتغالب أهل الزمان بحسب دعوة الحق فيه, لهذا ينبغي للإنسان أن يحرص أن يأخذ مسائل الدين عن الصدر الأول.

والله عز وجل قد شبه العلم الذي أنزله على رسوله عليه الصلاة والسلام بالغيث, وجعل الله عز وجل أولئك الذين يتلقون ذلك العلم أنهم كحال الأواني الذين يأخذون الغيث ويحملونه, ولهذا نقول: إن الوحي من كلام الله عز وجل، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنزله الله عز وجل على نبيه عليه الصلاة والسلام عذباً زلالاً ليس فيه شيء من الشائبة, وأفرغه النبي صلى الله عليه وسلم في الصحابة, وأفرغه الصحابة في التابعين, وأفرغه التابعون في أتباع التابعين, وأفرغه أتباع التابعين في أتباعهم, وهكذا, وكلما زاد إفراغاً زاد كدراً, وينبغي للإنسان أن يأخذ الماء نقياً من منبعه الأول, ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً التباين بين طبقتين؛ وهي: طبقة النبوة ومقامها, وبين طبقة خير القرون بعده عليه الصلاة والسلام؛ وهي طبقة الصحابة, كما جاء في مسلم من حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( النجوم أمنة للسماء, فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد, وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون, وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون ).

والعلم أمان للإنسان, والإنسان إذا أخذ الأمان ممن يحميه ويقيه كان من أهل الطمأنينة والسكينة, ومن أهل الحق, والاعتصام والاستمساك بحبل الله عز وجل, وما كل أحد تمسك بالحق كان تمسكه قوياً, والله عز وجل يقول في كتابه العظيم: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [آل عمران:103], ونعمة الله عز وجل المراد بذلك هي دينه سبحانه وتعالى, لهذا قال الله عز وجل في كتابه العظيم: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3], فسمى الله عز وجل دينه نعمة منه سبحانه وتعالى, وهي التي أمرنا الله عز وجل بالاعتصام بها, فالله عز وجل قد أمر بالتمسك بكتابه بقوله: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا [آل عمران:103], فمن الناس من يتمسك بيد, ومنهم من يتمسك بيدين, ومنهم من يتمسك بإصبع, ومنهم من يتمسك بشخص آخر قد تمسك بذلك الحبل, فهو كحال المقلد؛ إن انفلت ذلك الأصل انفلت معه, ولهذا ينبغي للإنسان أن يعظم طلباً وقصداً وتحريراً معرفة للحق, فإنه كلما كان أكثر تمحيصاً كان أكثر إصابة، وأدق استمساكاً واعتصاماً, وأعظم هداية ووقاية عند وجود الفتن والامتحان فيها, وهذا من المواضع التي ينبغي للإنسان أن يطيل تأملاً فيها من جهة التمسك بالحق ومواضع التمسك, وكذلك ما ينبغي للإنسان أن يستمسك به من وجوه الحق, وذلك بحسب تقلب الزمان, وكذلك أيضاً أحوال الناس وكثرة الفتن.

ونحن في هذا الزمن قد كثرت الفتن، وتنوعت المشارب والمذاهب والآراء, وتنوعت الأهواء, فقذفت بأصحابها يمنة ويسرة عن طرق الحق حتى أشكل على كثير من المنتسبين إلى العلم فضلاً عن العامة معرفة الحق من الصواب؛ وذلك لكثرة أدعيائه, والتباس كثير من الناس وتسترهم بالأدلة من كلام الله، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم, والحق أحق أن يتبع, وهو الذي ينبغي للإنسان أن يسير إليه, وألا يتهيب قولاً, وألا يتهيب بلداً ما اتضح له الدليل، وسلمت له النفس، وطهرها من شوائب الحظ والهوى, وكان له سلف في ذلك من خير القرون من الصحابة عليهم رضوان الله تعالى وكذلك التابعين, وكلما كان الإنسان أكثر اتباعاً لأكثر الأمة عدداً من الصحابة كان أقرب إلى الصواب, وكذلك أيضاً من التابعين.

وعلم العقائد هو الذي يسأل عنه كل أحد, وهو الذنب الذي إذا خالف الإنسان فيه كان أعظم سؤالاً عند الله عز وجل من غيره, ولهذا يقول الله عز وجل في كتابه العظيم: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48], فالله عز وجل لا يغفر للإنسان إذا وقع في شيء من الشرك, وقد نص غير واحد من العلماء أن الإنسان إذا وقع في شيء من الشرك ولو كان من الشرك الأصغر أن الله عز وجل لا يغفره لصاحبه؛ وذلك أن الشرك في مرتبة بين الكفر الأكبر والشرك الأكبر وبين الكبائر, فهذه المرتبة قد جعلها الله عز وجل لهذا النوع من الذنوب باعتبار أن فيه ظلم للإنسان لنفسه فيما يتعلق بحق الله عز وجل.

وأعظم الظلم هو: الإشراك بالله عز وجل, ولهذا ينبغي للإنسان أن يحتاط في أمثال هذا الخطأ, فالخطأ في مسائل العقائد يختلف عن الخطأ في غيره, والصواب فيه يختلف توفيقاً وتسديداً وأجراً عن الصواب في غيره, وكثير من طلاب العلم يلتذ ويجد أنساً إذا أصاب في مسألة جزئية, أو حرر مسألة أو موضعاً من مواضع العلم, أو اسم راو من الرواة, أو حقق صواباً في مخطوط أو نحو ذلك, وهذا من المسائل الجزئية التي إذا وجد الإنسان فيها أنساً وفرحاً، ولم يجد ذلك في تصويبه لمسألة من مسائل العقائد فليعلم أن النفس قد دخلها داخل, وأنها إنما مالت إلى شيء من إشباع رغبة النفس باتباع علم من العلوم قبل غيره.

والكلام على مسائل العقائد وأهميته وجلالة قدره يأتي في ثنايا ومدراج الكلام على هذه العقيدة الجليلة؛ وهي: عقيدة الإمام الصابوني رحمه الله.

وإنما كان الاختيار والانتقاء لهذا الكتاب لقدم ذلك الإمام, وكذلك لأن كثيراً من البدع وتشعب الأقوال كانت في زمنه, فأراد كثير من الأئمة أن يردوا تلك البدع بالأدلة الظاهرة من كلام الله عز وجل، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهدي خير القرون من الصحابة عليهم رضوان الله تعالى، وكذلك أيضاً من التابعين وغيرهم من أئمة الإسلام, وهذا يدل على أن الأقوال التي جاءت بعد ذلك إنما هي أقوال قد تصدى لها أهل العلم.

كذلك أيضاً أنه ينبغي للمؤمن أن يعلم أن العقائد الحقة إنما نأخذها من الأسلاف, وأن الإنسان ينبغي له أن يأخذ الحق من منبعه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً, وأن العقيدة التي يأخذها الإنسان في الأزمنة المتأخرة إن وافقت الحق يستأنس الإنسان ويطمئن أنها هي التي كان عليها أصحاب القرون المفضلة من القرون الثلاثة ومن جاء بعدهم.

وهذا الكتاب -كما تقدم الإشارة إليه- هو من الكتب المهمة الجليلة القدر, والتي اعتنى بها الأئمة, وأيضاً هو من الكتب التي تعتني برواية المرويات بالأسانيد, والعناية بنقل ما ثبت وصح واستقر عليه العمل اعتقاداً في ذلك الزمن, وكذلك أيضاً قد جمع أصول المسائل التي وقع فيها الخلاف في زمنه من أقوال أهل الضلال من الجهمية، وكذلك من المعتزلة، وغيرهم ممن ضل في هذا الباب, سواء ما يتعلق في مسائل الإيمان، أو كذلك في مسائل الصحابة من الرافضة، أو غيرهم ممن وقعوا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكذلك أيضاً البدع المكفرة في هذا الباب, ويأتي الكلام عليها في كلام المصنف رحمه الله تعالى.

نقف عند هذا الحد, وصلى الله وسلم على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث [13] 2900 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث [12] 2226 استماع
شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث [6] 2102 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث [11] 2062 استماع
شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث [3] 1848 استماع
شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث [4] 1480 استماع
شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث [7] 1456 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث [10] 1413 استماع
شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث [2] 1310 استماع
شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث [14] 1287 استماع