شرح الأربعين النووية - الحديث التاسع والعشرون [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فيقول المؤلف رحمه الله ونفعنا بعلمه آمين:

[ عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار؟ قال: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل ، ثم تلا: (( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ))[السجدة:]، حتى بلغ: (( يَعْمَلُونَ))[السجدة:]، ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله! قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله! فأخذ بلسانه وقال: كف عليك هذا، قلت: يا نبي الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح ].

نبذة مختصر عن راوي الحديث

هذا الحديث عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه، هذا الصحابي الجليل الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم: (أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل).

ومعاذ رضي الله تعالى عنه كما يقال في الاصطلاح الحاضر تولى عدة مناصب، قد كان معلِّماً لأهل مكة، وذلك إثر فتح مكة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك بُعث إلى اليمن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وحينما وجهه قال: (بم تقضي يا معاذ ؟ قال: أقضي بما في كتاب الله، قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: بما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو، فقال صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يحبه الله ورسوله) .

وهذا الحديث عمدة في باب القضاء، وإن كان بعض المتأخرين يتكلم على سنده، ولكن جميع علماء الحديث تلقوه بالقبول وسطروه ولم يضعفوه.

وبعد أن توفي النبي عليه الصلاة والسلام، عاد في خلافة عمر إلى المدينة ، فبعثه عمر بن الخطاب إلى الشام لحاجة أهل الشام إلى من يفقههم في الدين.

وعند مالك في الموطأ من رواية الليثي : 1711 - وحدثني عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن أبي إدريس الخولاني أنه قال: (دخلت مسجد دمشق فإذا فتى شاب براق الثنايا، وإذا الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه وصدروا عن قوله، فسألت عنه فقيل: هذا معاذ بن جبل ، فلما كان الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير، ووجدته يصلي قال: فانتظرته حتى قضى صلاته، ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه، ثم قلت: والله إني لأحبك لله، فقال: آلله؟ فقلت: آلله، فقال: آلله؟ فقلت: آلله، فقال: آلله؟ فقلت: آلله، قال: فأخذ بحبوة ردائي فجبذني إليه وقال: أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتزاورين في، والمتباذلين في) .

التخصص العلمي أسلوب نبوي

وأحب أن أشير لكم بأن منهج التخصص العلمي المادي كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا معاذ تخصص في معرفة الحلال والحرام، وهذا زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه يقول فيه صلى الله عليه وسلم: (أفرضكم زيد) ، يعني: أعرفكم بالفرائض.

وكذلك قال في علي رضي الله تعالى عنه: (أقضى أمتي علي)، وقال في أبي عبيدة : (أمين هذه الأمة أبو عبيدة)، وقال في ابن عباس -حبر هذه الأمة- : (اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل، ).

فكان الصحابة رضي الله تعالى عنهم إذا اختلفوا في مسألة من تلك المسائل رجعوا إلى صاحبها إذا أشكلت عليهم آية في كتاب الله رجعوا إلى ابن عباس ، وإذا أشكلت عليهم مسألة في الميراث رجعوا إلى زيد بن ثابت ، وإذا أشكل عليهم شيء في الحلال والحرام رجعوا إلى معاذ بن جبل .

ومن تلك النماذج ما جاء عن ابن عباس في مجلس عمر رضي الله تعالى عنهما، وقد كان يدني ابن عباس وهو شاب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو غلام، قد ناهز الاحتلام، كما جاء في حديثه في مِنى في حجة الوداع قال: جئت على أتانٍ والناس يصلون بمنى فمررت بين الصفوف حتى وجدت فرجة، فتركت الأتان ترتع ونزلت وصليت، وقد ناهزت الاحتلام حينئذٍ.

وحجة الوداع في أخريات حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان شاباً ناهز -قارب- الاحتلام، ومع ذلك كان عمر يدنيه ويدخله في مجلسه، وفيه شيوخ قريش، فقال بعضهم: علام يدخل عمر علينا هذا الغلام، ولنا أولاد مثله، فعلم بذلك عمر ، فأراد أن يعلمهم قدر ابن عباس ، وأنه لا يدخل ابن عباس معهم لمجرد قربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسب -وإن كانت هذه لها قيمتها، قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23]، فله حق القربى- ولكن لشيءٍ آخر اختص به.

يقول ابن عباس عن نفسه: فدعا عمر ذات يوم الناس ودعاني، فعلمت أنه ما دعاني إلا لأمر، وهذا من الفقه والذكاء، فلما اجتمعوا سأل عمر رضي الله تعالى عنه: ما تقولون في قوله تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1]، فقالوا: بشرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتح وانتشار الإسلام، وابن عباس ساكت، قال له عمر : ما تقول أنت يا ابن عباس ، قال: لقد نَعَت إلينا رسول الله وهو بين أظهرنا.. قال: وكيف فهمت ذلك؟ قال: لأن الله يقول: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا [النصر:1-2]، والله قد أرسل رسوله ليبلغ الرسالة، فإذا كان الأمر كذلك فقد أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، وجاهد في سبيل الله حتى علت كلمة الله، وأصبح الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فكأنه أتم رسالته وأدى مهمته، ولم يبق إلا أن يتوجه ويلقى ربه لينال جزاءه. فقال عمر : وأنا أرى فيها ذلك.

وسألهم عن ليلة القدر فتكلموا فيها بنصوص كثيرة حتى سأل ابن عباس فقال: لسبع بقين أو لسبع خلون من العشر الأواخر. يعني إما في ليلة ثلاث وعشرين وذلك من قوله: لسبع بقين من الشهر، أو ليلة سبع وعشرين لقوله: لسبع مضت من العشر الأواخر، قالوا: وكيف هذا؟ فذكر لهم ابن عباس توجيه ذلك.

أساليب التعليم عند النبي عليه الصلاة والسلام

يهمنا أن معاذاً رضي الله تعالى عنه راوي هذا الحديث أعرف الأمة بالحلال والحرام، ويظهر فقهه في سؤاله، وقد جاء عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله أنه قال: على طالب العلم أن يتعلم السؤال قبل أن يتعلم الإجابة؛ لأن سؤال الشخص ينبئ عن عقله وعن فهمه.

وكم وجدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه، إذا سأل طالب سؤالاً علمياً في محله يقول: جزاك الله خيراً إنك طالب علم، وإذا سأل إنسان سؤالاً لا يدري يميناً أو يساراً، يقول: أنت في حاجة أن تذهب إلى الطبيب يعطيك إبرة، لأن تفكيرك يحتاج إلى علاج، وذلك من باب المزح مع الطالب، ومن باب التفريق بين سؤال وسؤال.

وإذا جئنا إلى منهج السؤال في العلم، نجد الباب واسعاً، ونجد القرآن الكريم قد أورد أسئلة وأجاب عليها، كما قال ابن عباس : أقل الأمم سؤالاً هذه الأمة، سألت عن اثنتي عشرة مسألة، وورد الجواب عنها في القرآن، سألوا عن الأهلة، وسألوا عن المحيض، وسألوا عن الأشهر الحرم، وسألوا عن الصيد، وسألوا، وسألوا، والقرآن يجيبهم عليه.

وكان صلى الله عليه وسلم أحياناً يورد السؤال، ومعاذ ممن ورد عليه سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كنت يوماً رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا معاذ ! أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم... الحديث.

ويستفيد طالب العلم والمعلم أساليب التربية والتعليم من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي عليه الصلاة والسلام قبل أن يسأل معاذاً يعلم أن معاذاً لا يعلم الإجابة، ومع ذلك يورد عليه هذا الأسلوب.. أتدري؟ ولذا قال: الله ورسوله أعلم. إذاً لماذا يقدم السؤال؟

لأن النبي عليه الصلاة والسلام أراد أن ينبه حسه ويجمع شعوره؛ ليجتهد في طلب معرفة ما لا يعرفه، ونحن لو تمكنا من الكشف عن نفسية معاذ وعن فكره وعقله، لوجدنا كل قواه تركزت لتلقي الجواب عن هذا الموضوع الذي سئل عنه، وهو يجهله، قال: الله ورسوله أعلم، ماذا ينتظر معاذ؟ إنه ينتظر معاذ سماع الجواب من الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله: أن يدخل من لا يشرك به شيئاً الجنة).

ومعاذ هنا يسأل رسول الله في شيءٍ جال ودار في نفسه، يقول: يا رسول الله! دلني.. أرشدني.. بين لي عملاً، وهو من أوائل المسلمين ومعلم الناس في مكة، ومعلم الناس في اليمن، ولكن لعله انتهز فرصة خلوته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ينتهز الطالب شيخه إذا اختلى به، وله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موقف آخر، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يا معاذ ! والله إني لأحبك، فلا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).

فلما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيّن رسول الله عليه الصلاة والسلام قيمة هذا السؤال، فقال: (لقد سألت عن عظيم).

إذاً: طالب العلم حينما يستطيع أن يصيغ السؤال يكون حقاً له استعداد وقدرة على استيعاب الجواب، وهنا كما كانوا يقولون عن الإمام أبي حنيفة، جاء شخص وجلس في المجلس وله هيئة وهيبة، وكان الإمام أبو حنيفة يتكلم عن مسألة فطر الصائم عند غروب الشمس،فقال ذلك الرجل: يا شيخ: إذا تأخر غروب الشمس إلى نصف الليل ماذا نفعل؟

وقد كان أبو حنيفة يأنف مد رجليه احتراماً لهذا الرجل ذي الهيبة، فلما سمع منه هذا الكلام الذي ينبئ عن شخصية هذا الرجل، قال: آن لـأبي حنيفة أن يمد رجليه.

والرسول صلى الله عليه وسلم لما سأله معاذ عن هذا السؤال المهم جداً، نبه ونوه صلى الله عليه وسلم، وقال: (لقد سألت عن عظيم). ومثل هذا فيه تشجيع من رسول الله عليه الصلاة والسلام لطالب العلم.

نظير هذا سؤال أبي هريرة رضي الله تعالى عنه لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم: من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: (لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد قبلك).

هذا الحديث عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه، هذا الصحابي الجليل الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم: (أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل).

ومعاذ رضي الله تعالى عنه كما يقال في الاصطلاح الحاضر تولى عدة مناصب، قد كان معلِّماً لأهل مكة، وذلك إثر فتح مكة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك بُعث إلى اليمن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وحينما وجهه قال: (بم تقضي يا معاذ ؟ قال: أقضي بما في كتاب الله، قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: بما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو، فقال صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يحبه الله ورسوله) .

وهذا الحديث عمدة في باب القضاء، وإن كان بعض المتأخرين يتكلم على سنده، ولكن جميع علماء الحديث تلقوه بالقبول وسطروه ولم يضعفوه.

وبعد أن توفي النبي عليه الصلاة والسلام، عاد في خلافة عمر إلى المدينة ، فبعثه عمر بن الخطاب إلى الشام لحاجة أهل الشام إلى من يفقههم في الدين.

وعند مالك في الموطأ من رواية الليثي : 1711 - وحدثني عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن أبي إدريس الخولاني أنه قال: (دخلت مسجد دمشق فإذا فتى شاب براق الثنايا، وإذا الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه وصدروا عن قوله، فسألت عنه فقيل: هذا معاذ بن جبل ، فلما كان الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير، ووجدته يصلي قال: فانتظرته حتى قضى صلاته، ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه، ثم قلت: والله إني لأحبك لله، فقال: آلله؟ فقلت: آلله، فقال: آلله؟ فقلت: آلله، فقال: آلله؟ فقلت: آلله، قال: فأخذ بحبوة ردائي فجبذني إليه وقال: أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتزاورين في، والمتباذلين في) .

وأحب أن أشير لكم بأن منهج التخصص العلمي المادي كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا معاذ تخصص في معرفة الحلال والحرام، وهذا زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه يقول فيه صلى الله عليه وسلم: (أفرضكم زيد) ، يعني: أعرفكم بالفرائض.

وكذلك قال في علي رضي الله تعالى عنه: (أقضى أمتي علي)، وقال في أبي عبيدة : (أمين هذه الأمة أبو عبيدة)، وقال في ابن عباس -حبر هذه الأمة- : (اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل، ).

فكان الصحابة رضي الله تعالى عنهم إذا اختلفوا في مسألة من تلك المسائل رجعوا إلى صاحبها إذا أشكلت عليهم آية في كتاب الله رجعوا إلى ابن عباس ، وإذا أشكلت عليهم مسألة في الميراث رجعوا إلى زيد بن ثابت ، وإذا أشكل عليهم شيء في الحلال والحرام رجعوا إلى معاذ بن جبل .

ومن تلك النماذج ما جاء عن ابن عباس في مجلس عمر رضي الله تعالى عنهما، وقد كان يدني ابن عباس وهو شاب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو غلام، قد ناهز الاحتلام، كما جاء في حديثه في مِنى في حجة الوداع قال: جئت على أتانٍ والناس يصلون بمنى فمررت بين الصفوف حتى وجدت فرجة، فتركت الأتان ترتع ونزلت وصليت، وقد ناهزت الاحتلام حينئذٍ.

وحجة الوداع في أخريات حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان شاباً ناهز -قارب- الاحتلام، ومع ذلك كان عمر يدنيه ويدخله في مجلسه، وفيه شيوخ قريش، فقال بعضهم: علام يدخل عمر علينا هذا الغلام، ولنا أولاد مثله، فعلم بذلك عمر ، فأراد أن يعلمهم قدر ابن عباس ، وأنه لا يدخل ابن عباس معهم لمجرد قربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسب -وإن كانت هذه لها قيمتها، قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23]، فله حق القربى- ولكن لشيءٍ آخر اختص به.

يقول ابن عباس عن نفسه: فدعا عمر ذات يوم الناس ودعاني، فعلمت أنه ما دعاني إلا لأمر، وهذا من الفقه والذكاء، فلما اجتمعوا سأل عمر رضي الله تعالى عنه: ما تقولون في قوله تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1]، فقالوا: بشرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتح وانتشار الإسلام، وابن عباس ساكت، قال له عمر : ما تقول أنت يا ابن عباس ، قال: لقد نَعَت إلينا رسول الله وهو بين أظهرنا.. قال: وكيف فهمت ذلك؟ قال: لأن الله يقول: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا [النصر:1-2]، والله قد أرسل رسوله ليبلغ الرسالة، فإذا كان الأمر كذلك فقد أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، وجاهد في سبيل الله حتى علت كلمة الله، وأصبح الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فكأنه أتم رسالته وأدى مهمته، ولم يبق إلا أن يتوجه ويلقى ربه لينال جزاءه. فقال عمر : وأنا أرى فيها ذلك.

وسألهم عن ليلة القدر فتكلموا فيها بنصوص كثيرة حتى سأل ابن عباس فقال: لسبع بقين أو لسبع خلون من العشر الأواخر. يعني إما في ليلة ثلاث وعشرين وذلك من قوله: لسبع بقين من الشهر، أو ليلة سبع وعشرين لقوله: لسبع مضت من العشر الأواخر، قالوا: وكيف هذا؟ فذكر لهم ابن عباس توجيه ذلك.




استمع المزيد من الشيخ عطية محمد سالم - عنوان الحلقة اسٌتمع
الأربعين النووية - الحديث الثاني عشر 3518 استماع
الأربعين النووية - الحديث الحادي عشر [2] 3206 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الرابع والعشرون [3] 3178 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الأربعون 3128 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الرابع [1] 3109 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الثامن عشر 3058 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث العاشر [1] 3041 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الثامن [1] 2988 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث التاسع عشر [2] 2885 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الثالث والعشرون [1] 2871 استماع