شرح الأربعين النووية - الحديث السابع [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

قال رحمه الله تعالى في الحديث السابع من الأحاديث الأربعين النووية:

[الدين النصيحة.

عن أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم رواه مسلم ].

هذا الحديث -السابع من الأربعين النووية- يعده بعض العلماء ربع الدين، ومنهم من يعده نصف الدين، وآخرون يعدونه ثلاثة أرباع الدين، ولو قال قائل: إنه الدين كله -كما قال صلى الله عليه وسلم لكان حقاً، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى من الجميع.

وقبل الكلام على الحديث نقول: جرت العادة على التنبيه على بعض النوادر أو بعض الأشياء الغريبة فيما يتعلق ببعض الرواة، ومن هذا القبيل:

فإنه من المعلوم عند علماء التاريخ وعلماء الحديث أنه إذا ذكر تميم الداري ذكر معه حالاً خبر الجساسة، وخبر الجساسة -كما رواه مسلم مطولاً- عن فاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها، أنه دخل عليها بعض التابعين وقال:

حدثينا حديثاً سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسندينه إلى أحد غيره -يعني: لا تجيئن بواسطة بينك وبين الرسول صلى الله عليه وسلم، بل بحديث تقولين: إنك سمعتيه مشافهةً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقالت: تزوجت فلاناً وطلقني، وفلاناً .. ثم في يوم نادى المنادي: الصلاة جامعة، فحضر الناس المسجد وكنت في صف النسوة خلف القوم، فصعد صلى الله عليه وسلم المنبر وتبسم، وقال: أتدرون لِمَ جمعتكم؟ ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة؛ ولكن حدثني تميم الداري بشيء كنتُ حدثتكم بمثله، فأحببت أن تسمعوا.

تميم الداري أن يتكلم فقام وقال: ركبنا سفينة بحرية في ثلاثين رجلاً -وكلمة بحرية قيد ليبين أنها سفينة كبيرة تبحر في البحار وليست سفينة نهرية صغيرة تمشي في النهر- .

قال في بعض الروايات: ركبنا البحر حينما اغتلم علينا، فهاج بنا شهراً، حتى أرفأْنا -يعني: رست السفينة- إلى جزيرة، فجئنا وركبنا في قُرُب السفينة -القُرُب: جمع قارب، ومن المعروف الآن أن مع البواخر الكبيرة: قوارب نجاة، وتكون تلك القوارب متصلة بالسفينة الكبيرة حتى وقت الحاجة الطارئة إذا أرادوا أن يذهبوا إلى ماء خفيف إلى الشاطئ، والعمق لا يحتمل السفينة الكبيرة فينزلونها لتكون أخف في الحركة وأسرع- فجلسنا في قُرُب السفينة ثم نزلنا إلى الجزيرة.

وفي بعض رواياته: فطلبنا الماء.

وبعض رواياته: فانكسرت السفينة فركب البعض منا على لوح منها.

كل تلك الروايات: فجئنا تلك الجزيرة، فلقيَنا دابةٌ أهلب كثيفة الشعر لا يُعرَف قُبُلها من دبرها -لايعرف مؤخرها من مقدمها من كثرة الشعر فيها- فقلنا: من أنتِ؟

قالت: أنا الجساسة.

قالت: ومن أنتم؟ وما خبركم؟

فذكرت لنا رجلاً وقالت: ائتوا ذلك الرجل في هذا الدير.

فلما ذكرت لنا رجلاً خفنا منها، وظننا أنها من الجن، فأسرعنا إلى الدير، فوجدنا رجلاً أشد وأكبر ما يكون، موثوقة يداه إلى رجليه ما بين الركبتين إلى القدمين في الحديد، فقال: من أنتم؟

فأخبرناه أمر الجساسة وقلنا: وجدنا دابة صفتها كذا وكذا، ثم قالت: هلموا إلى هذا الرجل في هذا الدير، فخشينا منها، فمن أنت؟

فقال: أنا المسيح، ومن أنتم؟

قلنا: قوم من العرب هاج بنا البحر وأرفأنا إلى هذه جزيرتك، فنزلنا فيها.

فقال: أما وقد علمتم مكاني، فإني أنا المسيح، أسألكم عن نخل بيسان.

قلنا: وعن أي شيء تسأل؟

قال: هل يثمر إلى الآن؟

قلنا: نعم يثمر.

قال: يوشك ألَّا يثمر.

ثم قال: أسألكم عن بحيرة طبرية: أفيها ماء؟

قلنا: نعم، مليئة بالماء.

قال: أسألكم عن عين كذا -وهي عين في أقصى الشام- هل تسيل؟ وهل يزرع أهلها؟

قلنا: ماؤها يفيض، ويزرع أهلها على مائها.

قال: يوشك ألَّا تجري، وألَّا يزرع أهلها.

ثم قال: أسألكم عن النبي الأمي: أظهر؟

قلنا: نعم، ظهر في مكة وهاجر إلى طيبة.

قال: ماذا فعل مع العرب، هل قاتلوه وقاتلهم؟

قلنا: نعم، قاتلوه وقاتلهم.

قال: ماذا فعل معهم؟

قلنا: لقد نصره الله عليهم وأظهره على كل من لقي وأطاعه العرب.

قال: هذا خير لهم.

ثم قال: إنه المسيح، ويوشك أن تُحلَّ قيوده وأن يظهر.

قال: فإذا خرجت فلن أترك قرية في الأرض إلا وطئتها إلا مكة وطيبة.

وبعض الروايات: ويثرب.

ورواية مسلم : وطيبة.

فإن على أنقابها ملائكة بأيديهم سيوف مصلتة.

وبعض الرويات: ملك يحرسها بيده سيف مصلت، فإذا جئت إلى أحد أبوابها ردني بسيفه.

ثم يقول تميم : أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال رسول الله: هل كنتُ حدثتكم بمثل ذلك من قبل؟

قالوا: نعم.

قال: أحببت أن أخبركم بخبر تميم يطابق ما كنت أخبرتكم به.

هذه نبذة عن قصة الجساسة، وسميت جساسة؛ لأنها تتجسس الأخبار للدجال عما يحدث عند الناس، أوردنا هذا على غير العادة لأن اسم تميم الداري دائماً يصحبه خبر الجساسة.

وتميم الداري رضي الله تعالى عنه كان نصرانياً وكان راهباً متعبداً، قالوا: ولما أسلم جاء إبان عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، وأسلم ومكث على الاجتهاد في عبادته، وكان يقوم الليل وربما قرأ القرآن كله في ليلة، وربما قضى الليلة في آية واحدة، فكان متعبداً رضي الله تعالى عنه، ثم خرج بعد مقتل عثمان رضي الله تعالى عنه إلى الشام ومات بفلسطين.

موافقة الواقع للخبر يزيد في اليقين

وهنا يقول العلماء: ما الحاجة إلى عرض الرسول صلى الله عليه وسلم خبراً عن تميم مع أنه كان يخبر أصحابه بمثل ذلك؟

نقول إن مثل هذه الأخبار، وتلك القضايا التي يأتي الواقع يصدقها تزيد في يقين المؤمن وتزيد في إيمانه، فهذا الخليل إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أول من يؤمن بكل ما أخبره الله به، وكان للمتقين إماماً، وكان أمة وحده، ومع ذلك يقول: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ [البقرة:260] ألستَ مصدقاً؟ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة:260]، فالخبر حينما يأتي سماعاً ليس كالخبر حينما يأتي حساً مشاهداً، (ليس الخبر كالعيان).

ولهذا إذا جاء المحسوس الواقع مطابقاً ومصادقاً للخبر السماعي زاده قوة.

فالرسول صلى الله عليه وسلم حينما يجمع الناس ويخبرهم بما سبق أن حدثهم به هل كان الرسول في شك من أمره؟

لا والله؛ ولكن أراد أن يعلن للناس واقعية ما كان قد أخبرهم به، وهذا يزيد في يقين الناس بما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.

يقين أبي بكر وعمر فيما يأتي عن النبي صلى الله عليه وسلم

وإن كان بعض المؤمنين بمجرد أن يسمع الخبر لَكأنه رأى بعينه، ونذكر من ذلك ما جاء عند ابن كثير في البداية أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم قال: (إن رجلاً كان فيمن قبلكم ركب بقرة فضربها فقالت: يا هذا! لم أخلق لذلك، فقال الناس: واعجبا! بقرة تتكلم؟! فقال صلى الله عليه وسلم: نعم. وأنا أؤمن بذلك ومعي عليه أبو بكر وعمر - أبو بكر وعمر ليسا حاضرَين-، وما هما ثمة، ورجل كانت له غنم، فجاء ذئب وخطف شاةً فأدركه وخلصها منه، فالتفت إليه الذئب وقال: أنت خلصتها مني، من لها حينما لا يكون لها راعٍ غيري! قالوا: سبحان الله! ذئب يتكلم؟! قال: نعم. وأنا أؤمن بذلك ومعي أبو بكر وعمر ، وما هما ثمة) وهنا يتجلى اليقين بمجرد سماعِ الخبرِ.

والصديق رضي الله تعالى عنه لما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بأمر الإسراء والمعراج وقام أهل مكة يصفقون ويصفرون وذهبوا سراعاً إلى أبي بكر وقالوا: (اسمع ماذا يقول صاحبك!

قال: ما يقول؟

قالوا: يقول: إنه ذهب البارحة وأتى إلى بيت المقدس، وأسري به إلى السماوات، ثم نزل إلى الأرض وجاء في ليلة، ونحن نضرب أكباد الإبل شهراً ذهاباً وشهراً إياباً.

قال: أقال ذلك؟

قالوا: نعم.

قال: لَإن قاله فهو صادق.

قالوا: كيف تصدقه على مثل ذلك.

قال: أنا أصدقه على ما هو أبعد من هذا، أصدقه على خبر السماء، فكيف لا أصدقه على بيت المقدس؟!

إذاً: بعض الناس يكون اليقين والإيمان عنده بمجرد سماع الخبر ولا يعتريه أدنى شك.

يقين علي والزبير فيما يأتي عن النبي صلى الله عليه وسلم

وعلي رضي الله تعالى عنه لما كتب حاطب كتابه لأهل مكة فيما يتعلق بتهيؤ رسول الله صلى الله عليه وسلم لفتح مكة، وسبق أنه صلى الله عليه وسلم دعا الله قائلاً: (اللهم عمِّ عليهم الأخبار)، ودعوته صلى الله عليه وسلم غالباً مستجابة، وأعطى حاطب الكتاب لضعينة -أي امرأة مسافرة- وقال لها: إن أوصلتِه إلى أهل مكة فلك كذا وكذا، فجاء جبريل عليه السلام وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا قال الله في حقه: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم:3] وذاك قال فيه سبحانه: مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ [التكوير:21] لا شك في هذا ولا يحتاج الأمر إلى تثبت.

فقال لـعلي والزبير: (أدركا الضعينة في روضة خاخ، وخذا منها الكتاب)فأسرعا وأدركا الضعينة في الروضة التي أخبرهم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال علي : أخرجي الكتاب.

قالت: ما عندي كتاب.

ففتشا الزاد والرحل ولم يجدا شيئاً، فكادا أن يرجعا، فاستل علي سيفه، وقال: والله ما كذبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنه لصادق، ولابد أن تخرجي الكتاب، وإلا فتشنا الثياب.

فلم يكن علي رضي الله تعالى عنه في شك من إخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

وقد هددها بالقتل وجزم بأن الكتاب موجود؛ لأن الرسول صادق، ما توقف حتى يفتش ويتيقن أهو موجود أم لا؟! لا. وإنما قال قبل أن يفتشها:(لتخرجن الكتاب أو لأفتشن تحت الثياب -وتحت الثياب ممنوع- فأخرجته من عقاص شعرها).

فيقين علي رضي الله تعالى عنه بصدق الخبر ومطابقته للواقع من رسول الله صلى الله عليه وسلم جعله كأنه يشاهد الكتاب، فما حمله على أن جزم بوجوده وهدد المرأة حتى أخرجت الكتاب.

مراتب الناس في اليقين

الناس في اليقين على مراتب، إذ يتفاوتون بقدر صدق الإيمان وقوته، وبعض الناس يحتاج إلى تأليف قلبه حتى بالمادة، إلى أن يستقر الإيمان في قلبه.

وجاء أيضاً في باب طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما يذكره العلماء- عند قوله سبحانه: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً [النساء:66]، هذا في سياق المنافقين.

وقبلها قال جل شأنه: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً [النساء:60] إلى قوله: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً * وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا [النساء:65-66].

فلو أن الله سبحانه وتعالى كتب عليهم القتل كما كتب على اليهود من قبل في توبتهم أو الخروج من ديارهم كما خرج المهاجرون من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، ما فعل هذا القتل أو الخروج إلا قليل منهم.

جاء بعض اليهود إلى بعض المسلمين -قيل: جاءوا إلى أبي بكر ، وقيل: إلى عمر ، وقيل: إلى بلال ، وقيل: إلى فلان، فقالوا: (واعجباً! نحن كلفنا بأن نقتل أنفسنا توبةً لله ففعلنا، وأنتم يأتيكم رسول منكم تعرفونه وتؤمنون به وتتبعونه ولا تحكمونه فيما بينكم؟!

فقال عمر رضي الله عنه: والله لو أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل نفسي لفعلت، والحمد لله لم يأمرنا -قالها يقيناً وامتثالاً- فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قاله اليهود رد عليهم بمقالتهم، فقال: إن هذا الإيمان لهو في قلوب بعض الناس كأمثال الجبال).

أيحتاج إلى شواهد مادية؟!

لا. ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع الناس لأنه يحدثهم بأمر غيب وبأمر بعيد و.. و.. إلى آخره.

فلما جاءت قصة تميم الداري وسمع منه رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع الناس وأخبرهم بما رأى تميم .

وهنا يقول بعض العلماء: الرسول يروي عمن؟

يقولون: هذا من رواية الأكابر عن الأصاغر، فقد يأتي إمام كبير جليل ويأتي أحد طلابه ويسمع حديثاً من جهة ما عن بعض الشيوخ بسند أطول ويسمعه شيخه منه ويكون الطالب عدلاً ثقة عنده، فيروي الشيخ عن تلميذه، وقد يروي الشيخ حديثاً ويسمعه طلابُه وينسى الشيخ ما حدث به، فيأتي الطلاب فيظلون يذكرونه: أنت حدثتنا كذا، فيقول: أنا نسيت، فيروي الشيخ مرة أخرى: حدثني فلان عني أني حدثتهم عن فلان عن فلان، فيجعل نفسه أحد الرواة بعد أن كان هو الشيخ الذي روى ذلك، وهذا باب في علم مصطلح الحديث، وهو يشف عن مدى التحري والصدق والأمانة في النقل.

وفي هذا الحديث لما ذكره تميم؛ قال صلى الله عليه وسلم: (إلا مكة وطيبة. تقول فاطمة في بعض رواياتها: لكأني أنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم يخمش في المنبر بإصبعه: طيبة هذه، طيبة هذه) أي: المدينة المنورة، ومن أسمائها: طيبة، وطابة وذكر لها بعض العلماء في كتب التاريخ فوق الأربعين اسماً.

وهنا يقول العلماء: ما الحاجة إلى عرض الرسول صلى الله عليه وسلم خبراً عن تميم مع أنه كان يخبر أصحابه بمثل ذلك؟

نقول إن مثل هذه الأخبار، وتلك القضايا التي يأتي الواقع يصدقها تزيد في يقين المؤمن وتزيد في إيمانه، فهذا الخليل إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أول من يؤمن بكل ما أخبره الله به، وكان للمتقين إماماً، وكان أمة وحده، ومع ذلك يقول: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ [البقرة:260] ألستَ مصدقاً؟ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة:260]، فالخبر حينما يأتي سماعاً ليس كالخبر حينما يأتي حساً مشاهداً، (ليس الخبر كالعيان).

ولهذا إذا جاء المحسوس الواقع مطابقاً ومصادقاً للخبر السماعي زاده قوة.

فالرسول صلى الله عليه وسلم حينما يجمع الناس ويخبرهم بما سبق أن حدثهم به هل كان الرسول في شك من أمره؟

لا والله؛ ولكن أراد أن يعلن للناس واقعية ما كان قد أخبرهم به، وهذا يزيد في يقين الناس بما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.