شرح الأربعين النووية - الحديث الرابع [2]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيد الأولين والآخرين سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

معنى قوله: ( ثم يكون مضغة مثل ذلك)

يقول العلماء: المضغة قطعة لحم بقدر ما يمضغ في الفم، نقول: إن هذا والله تعالى أعلم على مقتضى المعنى اللغوي، ولكن الذي يظهر أن معنى مضغة: لم يزل في حالته مجتمعاً لم تتفصل أجزاؤه، وإجماع المفسرين في هذه الحالة -مهما كان الأمر- أنه تأتي عليه هذه الثلاثة الأربعينات وهي تعادل مائة وعشرين يوماً، فإذا قسمناها على أيام الشهر ثلاثين يوماً كانت الأربعة الأشهر تماماً، فحينئذٍ بعد الأطوار الثلاث يكون قد تهيأ لنفخ الروح فيه، فيأتي الملك وينفخ فيه الروح.

معنى قوله: (ويؤمر بأربع كلمات)

قال صلى الله عليه وسلم: (ويؤمر بأربع كلمات) هذه الكلمات التي أشرنا أنها نوع من أنواع القضاء والقدر الذي قدره الله قبل أن يوجد العالم، وهو القدر الخاص بكل فرد.

فيكتب أجله، وهذا الأجل لا يمكن أن يزيد ولا ينقص، ويكتب رزقه، وعمله، ويكتب نهايته شقي أو سعيد، ويختم صحيفته، ولا يزيد في عمره ولا ينقص منه.

ولقائل أن يقول: كيف يحدد رزقه فلا يزيد ولا ينقص منه، مع وجود الأحاديث الأخرى: (من أراد أن ينسأ له في أثره، ويوسع له في رزقه؛ فليصل رحمه) وكيف ينسأ له في أثره؟ بمعنى: يزيد أي: يؤخر كما في قوله: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا [البقرة:106] أي: نؤخرها. فقوله: (من أراد أن ينسأ له في أثره) أي: يؤخر ويطول عمره، (وأن يوسع له في رزقه ويزيد فليصل رحمه) ، مع أن الكلمات كتبت وحددت وعيّنت، وهناك الآية الكريمة: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34]، فكيف يمكن الجمع بين ما سبق وبين هذا الحديث؟

فيجاب على ذلك بقول النووي رحمه الله في شرح مسلم: للعلماء في الجمع بين هذه النصوص أقوال:

إما أن المولى سبحانه كتب في هذه الصحيفة في قدر الإنسان وهو يعلم في علمه الأزلي أنه سيزيد له من عمره، ولكن هذه الكتابة الظاهرة هي التي أطلع عليها الملك، والتي يمشي بمقتضاها الملائكة الموكلون بأمر الإنسان، ثم هو في علمه سيزيد، وبعضهم يورد على ذلك اعتراضاً: إذا جاء الأجل المكتوب سيأتي ملك الموت.

والآخرون يقولون: الزيادة في العمر والتوسعة في الرزق على سبيل المجاز وليس على سبيل الحقيقة، بمعنى إذا وصل رحمه بارك الله له في عمره بما قدر له، فلو كان عمره خمسين سنة، يبارك الله له في الخمسين، فيعمل فيها من الخير، ويحصل له فيها من توفيق الله كما لو كان يعيش إلى ثمانين أو تسعين سنة، وكذلك رزقه مقدر، له عشرة آلاف فهذه العشرة آلاف من أي نوع كان لن تكون أحد عشر ألفاً أبداً، كما لن تكون تسعة آلاف أبدا، ولكن هذه العشرة آلاف يطرح فيها البركة، بحيث تصبح أكثر من عشرين وثلاثين ألفا، وهناك عشرة آلاف منزوعة البركة لا تساوي ألفاً واحداً، فقالوا: (ينسأ له في أثره) أي: يبارك له في زمنه ووقته، كما لو عاش أكثر من ذلك.

ولقد وجدنا بعض العلماء وبعض الأشخاص في عمر قليل أنتجوا ما لم ينتجه الذين عمروا أضعاف ذلك العمر، وهكذا ما جاء في رزقه يبارك الله له فيه.

يقول العلماء: المضغة قطعة لحم بقدر ما يمضغ في الفم، نقول: إن هذا والله تعالى أعلم على مقتضى المعنى اللغوي، ولكن الذي يظهر أن معنى مضغة: لم يزل في حالته مجتمعاً لم تتفصل أجزاؤه، وإجماع المفسرين في هذه الحالة -مهما كان الأمر- أنه تأتي عليه هذه الثلاثة الأربعينات وهي تعادل مائة وعشرين يوماً، فإذا قسمناها على أيام الشهر ثلاثين يوماً كانت الأربعة الأشهر تماماً، فحينئذٍ بعد الأطوار الثلاث يكون قد تهيأ لنفخ الروح فيه، فيأتي الملك وينفخ فيه الروح.

قال صلى الله عليه وسلم: (ويؤمر بأربع كلمات) هذه الكلمات التي أشرنا أنها نوع من أنواع القضاء والقدر الذي قدره الله قبل أن يوجد العالم، وهو القدر الخاص بكل فرد.

فيكتب أجله، وهذا الأجل لا يمكن أن يزيد ولا ينقص، ويكتب رزقه، وعمله، ويكتب نهايته شقي أو سعيد، ويختم صحيفته، ولا يزيد في عمره ولا ينقص منه.

ولقائل أن يقول: كيف يحدد رزقه فلا يزيد ولا ينقص منه، مع وجود الأحاديث الأخرى: (من أراد أن ينسأ له في أثره، ويوسع له في رزقه؛ فليصل رحمه) وكيف ينسأ له في أثره؟ بمعنى: يزيد أي: يؤخر كما في قوله: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا [البقرة:106] أي: نؤخرها. فقوله: (من أراد أن ينسأ له في أثره) أي: يؤخر ويطول عمره، (وأن يوسع له في رزقه ويزيد فليصل رحمه) ، مع أن الكلمات كتبت وحددت وعيّنت، وهناك الآية الكريمة: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34]، فكيف يمكن الجمع بين ما سبق وبين هذا الحديث؟

فيجاب على ذلك بقول النووي رحمه الله في شرح مسلم: للعلماء في الجمع بين هذه النصوص أقوال:

إما أن المولى سبحانه كتب في هذه الصحيفة في قدر الإنسان وهو يعلم في علمه الأزلي أنه سيزيد له من عمره، ولكن هذه الكتابة الظاهرة هي التي أطلع عليها الملك، والتي يمشي بمقتضاها الملائكة الموكلون بأمر الإنسان، ثم هو في علمه سيزيد، وبعضهم يورد على ذلك اعتراضاً: إذا جاء الأجل المكتوب سيأتي ملك الموت.

والآخرون يقولون: الزيادة في العمر والتوسعة في الرزق على سبيل المجاز وليس على سبيل الحقيقة، بمعنى إذا وصل رحمه بارك الله له في عمره بما قدر له، فلو كان عمره خمسين سنة، يبارك الله له في الخمسين، فيعمل فيها من الخير، ويحصل له فيها من توفيق الله كما لو كان يعيش إلى ثمانين أو تسعين سنة، وكذلك رزقه مقدر، له عشرة آلاف فهذه العشرة آلاف من أي نوع كان لن تكون أحد عشر ألفاً أبداً، كما لن تكون تسعة آلاف أبدا، ولكن هذه العشرة آلاف يطرح فيها البركة، بحيث تصبح أكثر من عشرين وثلاثين ألفا، وهناك عشرة آلاف منزوعة البركة لا تساوي ألفاً واحداً، فقالوا: (ينسأ له في أثره) أي: يبارك له في زمنه ووقته، كما لو عاش أكثر من ذلك.

ولقد وجدنا بعض العلماء وبعض الأشخاص في عمر قليل أنتجوا ما لم ينتجه الذين عمروا أضعاف ذلك العمر، وهكذا ما جاء في رزقه يبارك الله له فيه.

قال: (وعمله وشقي أم سعيد) هذه الفقرة الأخيرة يقسم النبي صلى الله عليه وسلم على نتائجها، فيقول: (والله الذي لا إله إلا هو)، وهنا أيضاً نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه يقسم وهو الصادق المصدوق لا يحتاج إلى أن يقسم، ولكن الله سبحانه وتعالى كثيراً ما يقسم في كتابه، وقسمه صلى الله عليه وسلم بالله الذي لا إله إلا هو على أي شيء؟ (إن أحدكم يعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب -الذي كتب شقي أو سعيد- فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) فهنا يأتي التساؤل: كيف يعمل بعمل أهل الجنة ولم يبق بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، ما ذنبه؟ وماذا فعل؟

يجيب عن ذلك العلماء ويقولون: نعم، جاء في بعض الروايات: (وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة في الظاهر) أما الخفي والنية الخفية فلا يعلمها إلا الله، ولقد وجدنا قضية كبرى بينها سبحانه في قضية إبليس مع آدم والملائكة، لما قال سبحانه للملائكة: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:30] يقول العلماء: (إني أعلم ما لا تعلمون) ما ظهر من موقف إبليس، حيث كان في ظاهر الأمر يعبد الله، وكان في الأرض من أشد خلق الله عبادة حتى رفع إلى مصاف الملائكة بعد أن قاتل الحن والبن ومن كان قبلهم، فلما وجد آدم ورآه تعاظم في نفسه واستنكر خلقته، ثم كان يستهزئ به، فلما أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم أظهر ما كان خفياً وقال: أنا خير منه، فقدم قياسه ونظرته الفاسدة لنفسه على أمر الله له اسْجُدُوا لِآدَمَ [البقرة:34] ومن هنا كان يظهر عمله مع الملائكة، وكان يخفي استهزاءه وتكبره على آدم الذي خلقه الله بيديه.

إذاً: منكم من يعمل بعمل أهل الجنة، وإذا أخذنا في الاعتبار رواية في ظاهر الأمر، يكون كثير من الناس يعملون عملاً خيراً لكنه في الظاهر، وقلوبهم وبواطن أمورهم لا يعلمها إلا الله، ويكون القسم الثاني يعمل بعمل أهل النار، ولكن نبتة الإيمان في قلبه رطبة، وحسن اعتقاده بربه قوي، وأمله في الله ورجاؤه لا زال حياً، فهو على هذا الرجاء، وعلى ذاك الإيمان عندما يريد الله له الخير، ويتوجه بوجهته إلى الخير يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وهناك يدخل الجنة ويسبق بسبق الكتاب إليه.

نماذج ممن ختم لهم بالسعادة

النموذج الأول: ما قاله صلى الله عليه وسلم (كان رجلٌ فيمن كان قبلكم قتل تسعاً وتسعين نفساً، فجاء وسأل رجلاً عابداً: هل لي من توبة؟ قال: كيف تتوب وقد قتلت تسعاً وتسعين؟ فقتله فأكمل المائة، ثم ذهب وسأل عالماً، فقال له: نعم، ومن يحول بين العبد وربه؟ تب إلى الله يقبل توبتك، ولكن اخرج من هذه البلدة التي فيها قرناء السوء، واذهب إلى القرية الفلانية فيها رجال صالحون يعبدون الله فاعبد الله معهم، فخرج الرجل تائباً إلى الله، فلما انتصف به الطريق مات، فجاءت ملائكة الرحمة بكفن وحنوط من الجنة، وجاءت ملائكة العذاب بكفن وحنوط من النار، وكل جلس مد البصر ينتظر انتزاع الروح ليأخذها إلى جانبه، فاختصموا فيه فأرسل الله إليهم ملكاً على صورة رجل، فقال: قيسوا ما بين البلدين وألحقوه بأقربهما منه، فقاسوا ما بين البلد التي خرج منها والبلد التي ذهب إليها، وفي الحديث: إن الله قد أوحى إلى هذه أن تباعدي، وأوحى إلى تلك أن تقاربي- تنـزوي الأرض، بقدرة الله- وفي بعضها: أن الله أقدره بأن نأى بصدره إلى الجهة التي خرج إليها، فكان الفرق ذراعاً فقط فأخذت روحه ملائكة الرحمة).

النموذج الثاني: قصة الغلام اليهودي الذي كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، (افتقده الرسول صلى الله عليه وسلم فسأل عنه، فقالوا: إنه مريض. قال: قوموا بنا إليه لنعوده، فذهبوا إليه فوجدوه في النزع، فقال صلى الله عليه وسلم للغلام: يا غلام! قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فنظر الغلام إلى أبيه وكان عند رأسه، فقال له: أطع أبا القاسم، فنطق الغلام بما أملى عليه رسول الله قائلا: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وافتلتت روحه، فحينئذ قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: تولوا أنتم أمر صاحبك) بمجرد أن قال: لا إله إلا الله أصبح صاحبنا، وأصبح المسلمون أولى به من أبيه، ماذا صلى؟ وماذا صام؟ وماذا زكى؟ وماذا فعل من خير؟ لا شيء، ولكنه كان يعمل بعمل أهل النار، وكان بينه وبينها أقل من ذراع فسبق عليه الكتاب فدخل الجنة.

ومن هنا كان السلف إذا تذكروا هذا الحديث بكوا وقالوا: لا ندري حينما كتب الملك هل كنا من الأشقياء أم من السعداء؟ كما يقولون: ما ندري عند نزع الروح أي الصنفين من الملائكة يكون عندنا؟ وما ندري كيف يكون حالنا عند خاتمة الأمر.. وعند تطاير الصحف.. وعند وعند؟ والعبد دائماً وأبداً دائر بين الرجاء والخوف.

ويقول العلماء: إذا كان العبد في مقتبل حياته فيغلب جانب الخوف ليجتهد في الخير ويبتعد عن الشر، وإذا كان في أخريات حياته يغلب جانب الرجاء في الله سبحانه وتعالى، وهكذا فقد جاء النووي بهذا الحديث بعد حديث جبريل، وبعد حديث : (بني الإسلام على خمس) ليبين أن الأعمال بالخواتيم، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف شاء) وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) نسأل الله أن يثبت قلوبنا على دينه، ويجعلنا وإياكم من السعداء، وأن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه.


استمع المزيد من الشيخ عطية محمد سالم - عنوان الحلقة اسٌتمع
الأربعين النووية - الحديث الثاني عشر 3522 استماع
الأربعين النووية - الحديث الحادي عشر [2] 3210 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الرابع والعشرون [3] 3184 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الأربعون 3132 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الرابع [1] 3114 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الثامن عشر 3065 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث العاشر [1] 3043 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الثامن [1] 2993 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث التاسع عشر [2] 2888 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الثالث والعشرون [1] 2874 استماع