شرح الأربعين النووية - الحديث الثاني [2]


الحلقة مفرغة

أجاب النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عن الإسلام بأركان الإسلام الخمسة التي هي: (أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، قال: صدقت يا محمد! قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه) .

ونقف هنا عند هذه الأركان الخمسة، بالمقارنة بقوله: (أخبرني عن الإيمان)فأخبره بأمور كلها غيبية، قال: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره).

دلالة الإسلام على الأعمال الظاهرة والإيمان على الغيبيات

أركان الإسلام كلها أعمالٌ ظاهرة، أولها: النطق بالشهادتين، فالنطق مسموع بالآذان.

وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة: وهي جزء من مالك تخرجه للفقراء.

وصوم رمضان: وهو كف الإنسان عن الطعام والشراب والمبطلات للصيام.

وتحج البيت: وهي رحلة طويلة إلى بيت الله الحرام لها مناسك معلومة في أيام معدودة.

ولذا قالوا: أركان الإسلام تنبعث من معنى الإسلام نفسه، فهو الاستسلام والانقياد، كما قال حكيم الجاهلية:

وأسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذباً زلالا

إذا هي سـيقت إلى بلدة أطاعت فصبت عليها سجالا

وأسلمت وجهي لمن أسلمت له الأرض تحمل صخراً ثقالا

فيقول: أسلمت وجهي، بمعنى: استسلمت وانقدت لمن انقادت إليه العوالم العلوية والسفلية، الذي انقادت وأسلمت له المزن وهي السحب. تحمل عذاباً زلالا: أي الماء حينما تساق السحب إلى أرض فتسقيها. السجل: الذَنَوب الكبيرة؛ هذه السحب التي تحمل الماء العذب الزلال، من الذي أنشأها؟ ومن الذي ساقها؟ ولمن تستسلم في مسيرتها؟

لله الذي خلقها.

وهذه الأرض التي تحمل الجبال التي أرسيت بها، من الذي أرساها؟ يقول هذا الحكيم الجاهلي:

أسلمت وجهي لمن أسلمت له تلك العوالم التي يشاهدها؛ فكذلك الإسلام: أن يستسلم العبد لله في أوامره بأن يأتي ما أمره الله به، وفي نواهيه بأن يجتنب ما نهاه الله عنه، وإذا كان الأمر كذلك؛ كانت عوامل الاستسلام ظاهرة.

وقد جاءت أحاديث تدل على أن الإسلام أعم من هذه الخمس، مثله قوله صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) أي: بأن يكف عن الكذب، الغيبة، النميمة، الحسد، الحقد.. إلخ.

إذاً: الإسلام أوسع، وهو يشمل كل ما فيه معنى الاستسلام لله: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، والآية تشير إلى: (يؤمنوا) (ويسلِّموا) أو كأن الإيمان والإسلام صنوان.

بينما الإيمان: أن تؤمن بالله، وإن لم تره ولم تلمسه، فهو أمر غيبي، ولكن توقن بوجوده استدلالاً بآثاره: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21] ، أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ.. [الملك:16] الآيات.

وملائكته لم نرهم ولم نشاهدهم، وقد شاهد بعض الناس بعض الملائكة.. فرداً من أفراد الجنس، وإذا رأينا ملكاً واحداً لكأنما رأينا جميع الملائكة؛ لأنها جنس.

لو أن شخصاً ما رأى التمر قط، ثم جيء بتمرة واحدة، ولكنه يرى البرتقال والتفاح والموز، فقال: ما هو التمر؟ قيل: خذ، فإذا رأى تمرة واحدة حكم بها على جنس التمور بجميع أنواعه، وهكذا الواحد بالجنس، والواحد بالفرد، فهذا الملك قد رئي ورآه بعض الناس، ونحن نؤمن بالملائكة ولو لم نرهم؛ لأنه جاءنا الصادق المصدوق بأمرهم، كما سيأتي الكلام على أركان الإيمان.

ونحن نحتاج إلى وقفات عند كل ركن من هذه الأركان، ولكن لا نستطيع ذلك، وإلا لقضينا الوقت كله والليالي العديدة في هذا الحديث، كما يقول ابن رجب : ما من عالم من علماء المسلمين في فن من الفنون إلا ويرجع إلى هذا الحديث.

معنى: (أشهد أن لا إله إلا الله)

قال صلى الله عليه وسلم: (الإسلام: أن تشهد أن لا إله وأن محمداً رسول الله).

قولك: ( أشهد أن لا إله إلا الله) أي: معتقداً بذلك جازماً بأنه لا مألوه بحقٍ إلا الله، ومألوه بمعنى: معبود، لا معبود بحق إلا الله.

وجيء كلمة (بحق) لأن هناك معبودات كثيرة، كما اتخذ العرب في الجاهلية أصناماً متعددة، وقال تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الجاثية:23]، وفي الحديث: (تعس عبد الدرهم والدينار).

فالناس لهم معبودات كثيرة، ولكن المعبود بحق هو الله سبحانه وتعالى، وأنت تعلن ذلك في الفاتحة: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:4-5].

فإذا قلت: لا إله إلا الله؛ فمعناها: لا مألوه ولا معبود بحق إلا الله، ولا ينبغي صرف شيء من العبادات لغير الله: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110]، وتقدم الكلام على نية الإخلاص ونية القصد، وهي قصد التوجه لله تعالى بأعمال الخير، وهنا إذا قلت: لا إله إلا الله، كان عليك أن تلتزم بلوازمها ومفاهيمها.

معنى: (أشهد أن محمداً رسول الله)

إذا قلت: (أشهد أن محمداً رسول الله)، فمعنى الرسالة أن الله أرسله، والرسول لابد أن تكون معه رسالة، إذاً لا يوجد رسول بدون رسالة، ولا يسمى رسولاً إلا برسالة معه، فتؤمن بالرسول وبالرسالة التي جاءك بها من عند من أرسله.

ومن لوازم (لا إله إلا الله): أنك لا تعبد سواه، وتؤمن به وبكل ما جاء عنه، وإذا قلت: (محمد رسول الله)، كان يلزمك أن لا تعبد الله الذي ما آمنت به إلا عن طريق هذا الرسول وبمقتضى الرسالة التي جاءك بها، فإن عصيت رسول الله، فحقيقة المعصية معصية لمن أرسله إليك، مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ [المائدة:99]، وقد قال اللهم بلغت.. اللهم فاشهد، وانتهى من المهمة، وبقي التنفيذ عليك، وبقي تمام الالتزام منك.

ومن هنا يقول صلى الله عليه وسلم: (كل أمر ليس عليه أمرنا فهو رد)، ويقول مرسله سبحانه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، ثم يقول أيضاً: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4].

إذاً: معنى قولك: (أشهد أن محمداً رسول الله) التزام طاعة رسول الله، وهي طاعةٌ لله: (من أطاعني فقد أطاع الله)، ونحن نشبه ونقول إيضاحاً لهذا الالتزام: إنه في العرف الدبلوماسي يعبرون بقولهم: تبادل السفراء بين الدول؛ لأن الدولة لا تتعامل مع الدولة بأن يأتي وزراء الدولة كلهم إلى وزراء الدولة الأخرى بكل حاجياتهم، ولكن يختار رئيس الدولة مبعوثاً عنه يسمى سفيراً، فيأتي ويقدم أوراق اعتماده إلى الدولة التي هو سفير فيها، وبعد ذلك يكون سفيراً رسمياً بين الدولتين، وكل ما يأتي به هذا السفير من دولته إلى الدولة التي هو مبعوث إليها يكون كلامه لا باسمه الشخصي ولكن باسم دولته ورئيسها، فإذا قبلت تلك الدولة ما جاءهم بها كانت العلاقة حسنة وتواصلت الروابط الدبلوماسية، وإذا رفضت ما جاء به كان تعكر الجو السياسي، وسحب كل بلد سفيره، وربما قطعوا العلاقات الدبلوماسية، لأنهم رفضوا ما جاء به السفير من عند دولته، والرسول صلى الله عليه وسلم جاء بأوراق اعتماده من المعجزات الباهرات حسياً ومعنوياً.

أركان الإسلام كلها أعمالٌ ظاهرة، أولها: النطق بالشهادتين، فالنطق مسموع بالآذان.

وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة: وهي جزء من مالك تخرجه للفقراء.

وصوم رمضان: وهو كف الإنسان عن الطعام والشراب والمبطلات للصيام.

وتحج البيت: وهي رحلة طويلة إلى بيت الله الحرام لها مناسك معلومة في أيام معدودة.

ولذا قالوا: أركان الإسلام تنبعث من معنى الإسلام نفسه، فهو الاستسلام والانقياد، كما قال حكيم الجاهلية:

وأسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذباً زلالا

إذا هي سـيقت إلى بلدة أطاعت فصبت عليها سجالا

وأسلمت وجهي لمن أسلمت له الأرض تحمل صخراً ثقالا

فيقول: أسلمت وجهي، بمعنى: استسلمت وانقدت لمن انقادت إليه العوالم العلوية والسفلية، الذي انقادت وأسلمت له المزن وهي السحب. تحمل عذاباً زلالا: أي الماء حينما تساق السحب إلى أرض فتسقيها. السجل: الذَنَوب الكبيرة؛ هذه السحب التي تحمل الماء العذب الزلال، من الذي أنشأها؟ ومن الذي ساقها؟ ولمن تستسلم في مسيرتها؟

لله الذي خلقها.

وهذه الأرض التي تحمل الجبال التي أرسيت بها، من الذي أرساها؟ يقول هذا الحكيم الجاهلي:

أسلمت وجهي لمن أسلمت له تلك العوالم التي يشاهدها؛ فكذلك الإسلام: أن يستسلم العبد لله في أوامره بأن يأتي ما أمره الله به، وفي نواهيه بأن يجتنب ما نهاه الله عنه، وإذا كان الأمر كذلك؛ كانت عوامل الاستسلام ظاهرة.

وقد جاءت أحاديث تدل على أن الإسلام أعم من هذه الخمس، مثله قوله صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) أي: بأن يكف عن الكذب، الغيبة، النميمة، الحسد، الحقد.. إلخ.

إذاً: الإسلام أوسع، وهو يشمل كل ما فيه معنى الاستسلام لله: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، والآية تشير إلى: (يؤمنوا) (ويسلِّموا) أو كأن الإيمان والإسلام صنوان.

بينما الإيمان: أن تؤمن بالله، وإن لم تره ولم تلمسه، فهو أمر غيبي، ولكن توقن بوجوده استدلالاً بآثاره: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21] ، أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ.. [الملك:16] الآيات.

وملائكته لم نرهم ولم نشاهدهم، وقد شاهد بعض الناس بعض الملائكة.. فرداً من أفراد الجنس، وإذا رأينا ملكاً واحداً لكأنما رأينا جميع الملائكة؛ لأنها جنس.

لو أن شخصاً ما رأى التمر قط، ثم جيء بتمرة واحدة، ولكنه يرى البرتقال والتفاح والموز، فقال: ما هو التمر؟ قيل: خذ، فإذا رأى تمرة واحدة حكم بها على جنس التمور بجميع أنواعه، وهكذا الواحد بالجنس، والواحد بالفرد، فهذا الملك قد رئي ورآه بعض الناس، ونحن نؤمن بالملائكة ولو لم نرهم؛ لأنه جاءنا الصادق المصدوق بأمرهم، كما سيأتي الكلام على أركان الإيمان.

ونحن نحتاج إلى وقفات عند كل ركن من هذه الأركان، ولكن لا نستطيع ذلك، وإلا لقضينا الوقت كله والليالي العديدة في هذا الحديث، كما يقول ابن رجب : ما من عالم من علماء المسلمين في فن من الفنون إلا ويرجع إلى هذا الحديث.