شرح زاد المستقنع باب القطع في السرقة [2]


الحلقة مفرغة

بسم الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [ويقطع الطرّار الذي يبط الجيب أو نحوه ويأخذ منه]:

ما زال المصنف رحمه الله يتكلم على صور يتحقق بها مفهوم السرقة، ومن ذلك قوله: (ويقطع الطرّار الذي يبط الجيب) ففي بعض صور السرقة: يقدم السارق على قطع الجيب: إما بالسكين، أو بالموس، أو بالشفرة، فالطرّار هو: الذي يسرق من الجيب، والسرق من الجيب له صورتان:

الصورة الأولى: أن يدخل يده فيستلّ المال الموجود في داخل الجيب.

الصورة الثانية: أن يقطع الجيب من أسفله أو من جنبه، ثم يستل المال منه.

فمن أهل العلم من قال: أن الذي يبطّ الجيوب -أي: يقطع الجيوب- لا تقطع يده، ويرون أن القطع لا يكون إلا إذا كان في حرز، وكان صاحب الحرز منتبهاً -يعني: عينه على الحرز- ومن هنا قالوا: إن من نام في المسجد، ورداؤه تحته، أنه ينبغي اشتراط كون الرداء تحت الجسم، أو تحت الرأس، فإذا استله من تحت الرأس فقد استله من حافظ، وحينئذٍ قالوا: إنه إذا كان الرجل في غفلة واستل المال منه بدون أن يعلم فإن يده لا تقطع؛ لأن المال في الجيب ليس في حرز عند من يقول بعدم القطع، إلا إذا كان صاحبه عينه على الجيب، ومن هنا يرون أنه لا قطع عليه، واختار المصنف القول بالقطع.

قالوا: لو استغفل صاحب المال، ثم استل المال من جيبه، وقطع الجيب فأخرج منه المال -من أسفله أو من عرضه- فإنه يعتبر سارقاً، وقالوا: إن الشخص عينه على ماله ما دام حاملاً للمال، ثم إنه قد استل المال منه خفية، فتتحقق فيه شرط السرقة، وقالوا: الطرّار في حكمه إذا كان يبط الشنطة، مثل ما يقع في (المحافظ) ونحوها يقطعها ثم يستل المال منها، فقوله: (أو نحوه) مثل: المحفظة، أو الهميان والكمر، فإذا كان (الكمر) مشدوداً على صاحبه، ثم جاء واستل المال من (الكمر) وصاحبه حامل له قطعت يده.

فقوله: (الطرّار): هو الذي يبط الجيب (يبط الجيب) أي: يقطعه، سواءً كان القطع من أسفله أو من عرضه؛ لأنه لما قطع الجيب فقد أخذ المال من الحرز، وحينئذ يكون بط الجيب مثل كسر الأقفال في الصناديق، وكسر الأبواب، وهذا يعتبر أخذاً للمال من حرزه، فقالوا: إن صورة هذه السرقة -على هذا الوجه الذي اختار المصنف- توجب القطع.

قال رحمه الله: [ويشترط أن يكون المسروق مالاً محترماً].

أي: لا نقطع يد السارق إلا إذا توافرت الشروط في السارق، وفي المال المسروق، وفي فعل السرقة، ومن هنا: ابتدأ رحمه الله فقال: (يشترط أن يكون المسروق مالاً) والمال عند العلماء هو: كل شيء له قيمة فيعاوَض عليه، ويشمل الذهب والفضة وهو ما يسمى بالأثمان، ويشمل المثمونات، وعلى هذا: تقع السرقة في الذهب والفضة، وتقع في المجوهرات، وتقع في المعادن، مثل: النحاس، والحديد، والرصاص، والنيكل، والزنك، وكذلك تقع في الثياب، وتقع في الأطعمة، وتقع في الأشياء التي يرتفق بها كقطع الغيار الموجود في زماننا لاستصلاح الأدوات الكهربائية، أو أدوات النقل، كل هذا يعتبر مالاً له قيمة، وسمي المال مالاً؛ لأن النفوس تميل إليه وتهواه.

رأيت الناس قد مالوا إلى من عنده مال

فالنفوس تميل بطبعها إلى الذهب والفضة، وكل شيء له قيمة.

لما قال رحمه الله: (أن يكون مالاً): هذا الشرط، مفهوم عكسه: أنه لو سرق شيئاً ليس بمال فلا قطع، والذي ليس بمال، مثل: أن يسرق آدمياً حراً، فالحر ليس بمال، لا يباع ولا يشترى، ومن هنا اختلف العلماء في سرقة الأطفال الصغار: فلو أنه اختطف طفلاً صغيراً؛ خدعه حتى خرج من المدينة، أو خرج به من بيت أهله، فبعد أن أخذه -كانوا في القديم يأخذونه ويبيعونه- أو اختطفه، وأصبح يستخدمه لخدمته، أو نحو ذلك.

الطفل الحر من الصغار غير المميزين والمجنون الذي لا يعقل، اختلف فيهما العلماء رحمهم الله، أما الحر البالغ فلا يمكن أن تقع السرقة به -كما ذكر العلماء- أن يكون نائماً ثم يسرقه، فجماهير السلف والخلف -رحمهم الله- على أنه لو سرق حراً كبيراً لا قطع؛ لأنه ليس بمال، ولا في حكم المال، ولا يباع ولا يشترى.

وأما إذا كان صغيراً مثل: الأطفال الذين لا يميزون، والمجانين الذين يُخدعون، ويسرقون إلى خارج المدن، ويقع هذا في ذوي العاهات، فبعض الأحيان يسرقهم ضعاف النفوس -نسأل الله السلامة والعافة- من أجل أن يتكسبوا بهم، أو نحو ذلك، فلو سرقه؛ هل تقطع يده أو لا؟ جمهور العلماء على أنه لا تقطع يده، فالجمهور على أنه لا تقطع يد من سرق الأطفال، ومن سرق الكبير المجنون، أو الطفل غير المميز.

وذهب بعض العلماء إلى أنه تقطع يده، واحتجوا بحديث ضعيف: أن رجلاً كان يسرق الصبيان، ثم يخرجهم من المدينة، ثم يبيعهم، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقطعت يده، وهذا الحديث ضعيف؛ لا يصلح للاحتجاج به، وأجاب العلماء عنه سنداً: بالضعف، وأجابوا عنه متناً: بأنه يحتمل أن يكونوا صغاراً وصبياناً مماليك، وحينئذ يكونون من جنس الأموال؛ لأن المملوك يباع ويشترى.

وقوله: (مالاً محترماً) الشرط الأساسي: المال، ثم شرط الشرط: أن يكون محترماً؛ لأن المال منه ما هو محترم، ومنه ما ليس بمحترم، فإذا قلنا: إنه يشترط المال، هذا شرط يخرج منه: سرقة الحر كبيراً كان أو صغيراً، ومن اشتراط المال ذهب بعض العلماء إلى أن من سرق المصحف لا تقطع يده، إذا كانت قيمة المصحف تعادل النصاب؛ قالوا: لأن المصحف ليس بمال، هو كلام الله عز وجل؛ ولذلك لا يعتبر مالاً، لكن هذا ضعيف؛ لأن البيع والشراء ليس لكلام الله عز وجل، والبيع لم يقع لنفس المصحف، إنما هو قيمة الصحف، وكتابة هذه الآيات، والمعاوضة على هذا الشيء، وليس على كلام الله عز وجل؛ ولذلك جماهير السلف والخلف -رحمهم الله- أجازوا بيع المصاحف كما تقدم معنا في كتاب البيع، ومنعه الإمام أحمد -رحمه الله - في إحدى الروايات عنه، وقال ابن عمر : (وددت أن الأيدي تقطع في بيع المصاحف).

والصحيح: أن المعاوضة في المصحف واقعة على الورق، وعلى ما يكتب فيه المصحف، وعلى كتابة الآيات، ويجوز أن تستأجر شخصاً في كتابة القرآن، وتكون الأجرة على تعبه في الكتابة، وحينئذ الثمن المدفوع لشيء له قيمة، وجمهور العلماء أجازوا بيعه وخالفوا الإمام أحمد ، قال الناظم:

ومنع بيعه لدى ابن حنبل وكرهه لدى ابن شافع جلي

أي: منع بيع المصحف الإمام أحمد ، وكرهه الجمهور، ومنهم الشافعي .

إذا ثبت هذا؛ فإنه لو سرق المصحف، والمصحف له قيمة تعادل النصاب قطعت يده، وهكذا لو سرق كتب العلم.

وهناك شرط آخر لم يذكره -رحمه الله-: أن يكون مالاً منقولاً؛ لأن المال ينقسم إلى ثابت: وهو العقار، ومنقول: وهو من غير العقار والأثمان كما بيناه في البيع، وقلنا: إن المثمونات إما أن تكون من العقارات أو من المنقولات، فالأموال تنقسم: إلى ثمن ومثمن، والمثمن ينقسم إلى: عقار ومنقول، والثمن: هو الذهب والفضة، والمثمن: هو كل شيء من غير الذهب والفضة له قيمة، ثم هذا المثمن: إما أن يكون عقاراً كالبيوت، والأراضين، والمزارع، فهذه لا تقع فيها السرقة؛ لأن شرط السرقة: النقل، وهذه لا يمكن نقلها، فيسمى اغتصاباً ولا يسمى سرقة، فلا تقع عليه ضوابط السرقة، كما سيأتي في الشروط التي دلت عليها الأدلة.

ومن هنا: اشترط النبي صلى الله عليه وسلم في ثبوت السرقة: نقلها من الحرز، وثبوت الأخذ الذي هو شرط الفعل، وإذا ثبت هذا: فإن السرقة لا تتحق بالمنقولات، وعليه بنى العلماء: اشتراط أن يكون المال منقولاً؛ لكي يخرج العقار، فإن العقار لا قطع فيه، وكذلك لو أنه اغتصب عمارة، أو اغتصب مزرعة، أو اغتصب مخططاً، فإنه لا يعتبر سارقاً.

إذاً: يشترط أن يكون مالاً، وأن يكون المال متقوماً منقولاً.

وقوله: (محترماً)، المال ينقسم إلى قسمين:

إما أن يكون المال محترماً شرعاً، مثل: الذهب والفضة، والمعادن، والمجوهرات، والأكيسة، والأطعمة، ونحوها.

وإما أن يكون غير محترم شرعاً، مثل: الميتة.. الخمر.. الخنزير، فهذه كلها لا قيمة لها شرعاً، فلو أن شخصاً سرق خمراً؛ فإنه لا تقطع يده، مع أن الخمر قد تباع ولها قيمة، فهي مال في الشكل، لكن الشرع أسقط عنها المالية.

والدليل على أن الخمر والخنزير والميتة لا قيمة لها شرعاً: قوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله ورسوله حرما بيع الميتة، والخمر، والخنزير، والأصنام)فهذا يدل على أن هذه الأشياء ليس لها قيمة في الشرع، وإذا لم يكن لها قيمة في الشرع؛ فهي غير محترمة، فلو أنه سرق خمراً، نقول: إنه لم يسرق مالاً؛ لأن الخمر ليست بمال، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا قطع إلا في ربع دينار) والخمر لا تساوي ربع الدينار ولا أقل؛ لأن الشرع أسقط المالية عنها، وفي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام: أنه لما أهداه الرجل المزادتين من الخمر امتنع من قبولهما، وقام رجل وسارّ المهدي، فقال له عليه الصلاة والسلام: (بم ساررته؟ قال: أمرته أن يبيعها يا رسول الله! قال: إن الذي حرم شربها حرم ثمنها)وفي رواية: (حرم بيعها)، فلما قال: (حرم ثمنها، حرم بيعها) دل على أنه لا قيمة لها.

من هنا: اشترط العلماء المالية، وأن يكون المال منقولاً ليخرج العقارات، وأن يكون متقوماً محترماً شرعاً، فيخرج آلة اللهو، ويخرج الخمر، والخنزير، والميتة، فهذه لا قيمة لها شرعاً.

حكم سرقة آلات اللهو

قال رحمه الله: [فلا قطع بسرقة آلة لهو].

آلة اللهو ينبغي أن يفصل في حكمها، آلة اللهو لا قيمة لها شرعاً، لكن لو كانت الآلة -مثلاً- مصنوعة من ذهب، فإنه إذا سرقها فقد سرق مالاً، إذا كانت مموهة بالذهب، مطلية بالذهب، مصنوعة من الذهب، وفيها ربع دينار من الذهب فأكثر؛ فقد سرق ربع الدينار، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً)، ومن هنا: إذا كانت مصنوعة من مادة في الأصل لها قيمة، فإنه حينئذ لا ننظر إلى كونها آلة لهو، وإنما ننظر إلى وجود المالية في عين المال المسروق، ومن هنا: لو أنها كُسّرت جاز بيعها؛ لأنها كسرت، - إذاً: لها قيمة، وإذا كانت مطلية بذهب، أو فضة، وتعادل النصاب فأكثر فقد سرق مالاً معتبراً شرعاً، فكونها آلة لهو لا يضر، وبعض العلماء يفصل، ويقول: آلات اللهو إذا كانت لها قيمة في نفسها، بحيث لو كسرت تصلح أن تباع، وتكون قيمتها في البيع تعادل النصاب فأكثر، حينئذ يثبت القطع؛ لأنه سرق المال المعتبر شرعاً، أو ما يبلغ النصاب، وأما إذا كسرت ولا قيمة لها -أي: لا تعادل النصاب- فإنه لا قطع فيها.

حكم سماع الدف

فقوله: (آلة لهو) خرج اللهو المأذون به شرعاً، مثل: الدف، فالدف مأذون به شرعاً، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أعلنوا النكاح، واضربوا عليه بالدف)فلما قال عليه الصلاة والسلام: (الدف) دل على أن الدف من آلات اللهو المأذون بها شرعاً، والمباحة، والنص في هذا واضح؛ ولذلك ضربت الجارية على رأس النبي صلى الله عليه وسلم بالدف، وسمع الدف عليه الصلاة والسلام، وأذن به عليه الصلاة والسلام في النكاح.

والعجيب! من البعض يقول: نعجب من الشيخ يفتي بحل جواز الدف، وكأنه منكر عظيم! يعتبرون أن هذا شيء لا يجوز، كيف يأذن النبي صلى الله عليه وسلم بضرب الدف في النكاح ويقول: (أعلنوا)؟ ولا يمكن أن يتحقق الإعلان إلا بسماع الناس له، ومن هنا: لا ينبغي للإنسان أن يحكم بالأحكام الشرعية بهواه وبالشيء الذي يألفه والذي لا يألفه، وإذا أنكر على غيره ممن بينه وبينه أخذ وعطاء، فلا يدعوه ذلك إلى ألا يتجرد للنص، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أعلنوا) وهذا خطاب عام، ومن هنا نقول: إن آلات الدف آلات محترمة شرعاً، لها قيمة، ولو أنه استأجر أمرأة لضرب الدف في العرس فبإجماع العلماء -رحمهم الله- على أنها إجارة شرعية، وذكر العلماء هذا وفرقوا بين الدف وغيره كما هو معروف في كتاب الشهادات، ففرقوا بين آلات اللهو والعزف وبين الدف، فالدف مأذون به شرعاً، وضربت الجارية على رأس النبي صلى الله عليه وسلم حينما قفل من غزوته، وكانت قد نذرت أن تضرب بذلك، ودخل عمر رضي الله عنه على المرأة وهي تغني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع، وكان عند عائشة رضي الله عنه جاريتان تغنيانها بما كان في يوم بعاث، فالأصول الشرعية تقتضي جواز ضربه وسماعه، لكننا نقول: الإغراق في هذا الشيء والمبالغة فيه مكروهة، لكن لا نقول: إنه حرام، ولا نقول: يسمعه النساء ولا يسمعه الرجال، من أين هذا التفصيل؟! الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أعلنوا) ما قال: أعلنَّ، والنص واضح في هذا، وينبغي للإنسان أن يتجرد للنص وأن يتبع النص، وإذا سمع أحد من أهل العلم يفتي بشيء عنده دليل وعنده حجة، ويعلم أن هناك سنة وأن هناك دليلاً فإنه ربما يرد سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن رد سنة -والعياذ بالله- عن هوى ضل، فعلينا أن نتقي الله عز وجل في الأحكام الشرعية، وأن نفرق بين الدف وغيره، ونقول: إن الإغراق فيه وكثرة سماعه خلاف الأولى، أو نقول: إن هذا مكروه؛ لأنه يشغل عن ذكر الله عز وجل الذي هو أفضل، لكن لا نستطيع أن نقول: إن هذا حرام! وهل يتعبد الله عز وجل عباده أن يضربوا الدف بالنكاح بالمحرمات؟! وهل يأمر الله عز وجل بإعلان النكاح بالأمور الممقوتة شرعاً والمحرمة شرعاً؟! حاشا والله!

إذا جاء النص فالإنسان يعمل به، وعليه أن يحترم أهل العلم ويحترم اجتهادهم ونظرهم؛ لأننا مأمورون بالوقوف عند النصوص، وعلينا أن نظن خيراً بأهل العلم المتقدمين الذين أجازوا، والمتأخرين مادام عندهم حجة، فنقف معهم وألا يدعو الإنسان إلى رد السنة بالهوى، وبالشيء الذي يألفه، فيرى الذي يألفه مسنوناً، والذي لا يألفه غير مسنون، ولو كان في بيئة تضرب الدف لكان شيئاً عادياً أن يقول: إنه جائز ومباح!

فلذلك ينبغي لنا أن نتجرد للحق، وأن نعلم أن هناك سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا النوع من الآلات وهو الدف وأنه جائز ومشروع.

وإذا كسر الدف وجب ضمانه، وإذا باع الدف واشتراه جاز ذلك؛ لأنه آلة لم يحرمها الشرع، ولم يحرم سماعها الشرع، وعلى هذا لو سرق هذه الآلة يجب القطع إن كانت تساوي نصاباً أو أكثر، وهذا على الأصل عند أهل العلم.

حكم سرقة مال محرم كالخمر

قال رحمه الله: [ولا محرم كالخمر].

ولا تقطع اليد في محرم كالخمر، المصنف -رحمه الله- أسقط المالية عن آلة اللهو، وعن الخمر، والخمر إسقاط المالية عنها لنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (إن الله ورسوله حرما بيع الميتة، والخمر، والخنزير، والأصنام)فأسقط عن الميتة والخمر والخنزير المالية، والأصنام مفصل فيها على حسب مادتها كما هو معروف في قول جماهير العلماء والأئمة رحمهم الله، ولذلك لو كانت الأصنام من ذهب وسرقها شخص، وفيها ما يعادل النصاب فأكثر؛ قطعت يده، والخمر الخنزير والميتة محرمة العين؛ ولذلك لا مالية لها.

يقول رحمه الله: (فلا قطع)، هذا مفرع على اشتراط المالية، أما الخمر ليست بمال، والميتة ليست بمال، والخنزير ليس بمال، والدليل على أن هذه الأشياء ليست بمال: حديث جابر بن عبد الله في الصحيحين وهو المتقدم، وأما الخمر ففيها قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الذي حرم شربها حرم بيعها)، والخنزير فيه حديث نزول عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان كما في الحديث الصحيح: أنه ينزل حكماً عدلاً مقسطاً، وأنه يحكم بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: (فيقتل الخنزير، ويكسر الصليب)فلما قال: (يقتل الخنزير) أسقط عنه المالية، ودل على أنه لا قيمة له شرعاً، ومن هنا: لو أنه سرق خنزيراً فإنه لا يجب عليه القطع.

ولو سرق حيواناً محنطاً، وهذا الحيوان المحنط قيمته -مثلاً- خمسة آلاف ريال، وهذا الحيوان المحنط من الميتات، فنقول: لا قطع؛ لأنه ليس له قيمة شرعاً، ولو سرق آلة لهو، وهذه آلة اللهو من خشب فلو كسرت لا تساوي شيئاً، أو تساوي ما دون النصاب؛ فإنه لا قطع، لكن لو كسرت مادتها وفيها ربع دينار فأكثر أو ثلاثة دراهم فأكثر؛ ففيه القطع، ويفصل بهذا التفصيل.

قال رحمه الله: [فلا قطع بسرقة آلة لهو].

آلة اللهو ينبغي أن يفصل في حكمها، آلة اللهو لا قيمة لها شرعاً، لكن لو كانت الآلة -مثلاً- مصنوعة من ذهب، فإنه إذا سرقها فقد سرق مالاً، إذا كانت مموهة بالذهب، مطلية بالذهب، مصنوعة من الذهب، وفيها ربع دينار من الذهب فأكثر؛ فقد سرق ربع الدينار، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً)، ومن هنا: إذا كانت مصنوعة من مادة في الأصل لها قيمة، فإنه حينئذ لا ننظر إلى كونها آلة لهو، وإنما ننظر إلى وجود المالية في عين المال المسروق، ومن هنا: لو أنها كُسّرت جاز بيعها؛ لأنها كسرت، - إذاً: لها قيمة، وإذا كانت مطلية بذهب، أو فضة، وتعادل النصاب فأكثر فقد سرق مالاً معتبراً شرعاً، فكونها آلة لهو لا يضر، وبعض العلماء يفصل، ويقول: آلات اللهو إذا كانت لها قيمة في نفسها، بحيث لو كسرت تصلح أن تباع، وتكون قيمتها في البيع تعادل النصاب فأكثر، حينئذ يثبت القطع؛ لأنه سرق المال المعتبر شرعاً، أو ما يبلغ النصاب، وأما إذا كسرت ولا قيمة لها -أي: لا تعادل النصاب- فإنه لا قطع فيها.

فقوله: (آلة لهو) خرج اللهو المأذون به شرعاً، مثل: الدف، فالدف مأذون به شرعاً، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أعلنوا النكاح، واضربوا عليه بالدف)فلما قال عليه الصلاة والسلام: (الدف) دل على أن الدف من آلات اللهو المأذون بها شرعاً، والمباحة، والنص في هذا واضح؛ ولذلك ضربت الجارية على رأس النبي صلى الله عليه وسلم بالدف، وسمع الدف عليه الصلاة والسلام، وأذن به عليه الصلاة والسلام في النكاح.

والعجيب! من البعض يقول: نعجب من الشيخ يفتي بحل جواز الدف، وكأنه منكر عظيم! يعتبرون أن هذا شيء لا يجوز، كيف يأذن النبي صلى الله عليه وسلم بضرب الدف في النكاح ويقول: (أعلنوا)؟ ولا يمكن أن يتحقق الإعلان إلا بسماع الناس له، ومن هنا: لا ينبغي للإنسان أن يحكم بالأحكام الشرعية بهواه وبالشيء الذي يألفه والذي لا يألفه، وإذا أنكر على غيره ممن بينه وبينه أخذ وعطاء، فلا يدعوه ذلك إلى ألا يتجرد للنص، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أعلنوا) وهذا خطاب عام، ومن هنا نقول: إن آلات الدف آلات محترمة شرعاً، لها قيمة، ولو أنه استأجر أمرأة لضرب الدف في العرس فبإجماع العلماء -رحمهم الله- على أنها إجارة شرعية، وذكر العلماء هذا وفرقوا بين الدف وغيره كما هو معروف في كتاب الشهادات، ففرقوا بين آلات اللهو والعزف وبين الدف، فالدف مأذون به شرعاً، وضربت الجارية على رأس النبي صلى الله عليه وسلم حينما قفل من غزوته، وكانت قد نذرت أن تضرب بذلك، ودخل عمر رضي الله عنه على المرأة وهي تغني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع، وكان عند عائشة رضي الله عنه جاريتان تغنيانها بما كان في يوم بعاث، فالأصول الشرعية تقتضي جواز ضربه وسماعه، لكننا نقول: الإغراق في هذا الشيء والمبالغة فيه مكروهة، لكن لا نقول: إنه حرام، ولا نقول: يسمعه النساء ولا يسمعه الرجال، من أين هذا التفصيل؟! الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أعلنوا) ما قال: أعلنَّ، والنص واضح في هذا، وينبغي للإنسان أن يتجرد للنص وأن يتبع النص، وإذا سمع أحد من أهل العلم يفتي بشيء عنده دليل وعنده حجة، ويعلم أن هناك سنة وأن هناك دليلاً فإنه ربما يرد سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن رد سنة -والعياذ بالله- عن هوى ضل، فعلينا أن نتقي الله عز وجل في الأحكام الشرعية، وأن نفرق بين الدف وغيره، ونقول: إن الإغراق فيه وكثرة سماعه خلاف الأولى، أو نقول: إن هذا مكروه؛ لأنه يشغل عن ذكر الله عز وجل الذي هو أفضل، لكن لا نستطيع أن نقول: إن هذا حرام! وهل يتعبد الله عز وجل عباده أن يضربوا الدف بالنكاح بالمحرمات؟! وهل يأمر الله عز وجل بإعلان النكاح بالأمور الممقوتة شرعاً والمحرمة شرعاً؟! حاشا والله!

إذا جاء النص فالإنسان يعمل به، وعليه أن يحترم أهل العلم ويحترم اجتهادهم ونظرهم؛ لأننا مأمورون بالوقوف عند النصوص، وعلينا أن نظن خيراً بأهل العلم المتقدمين الذين أجازوا، والمتأخرين مادام عندهم حجة، فنقف معهم وألا يدعو الإنسان إلى رد السنة بالهوى، وبالشيء الذي يألفه، فيرى الذي يألفه مسنوناً، والذي لا يألفه غير مسنون، ولو كان في بيئة تضرب الدف لكان شيئاً عادياً أن يقول: إنه جائز ومباح!

فلذلك ينبغي لنا أن نتجرد للحق، وأن نعلم أن هناك سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا النوع من الآلات وهو الدف وأنه جائز ومشروع.

وإذا كسر الدف وجب ضمانه، وإذا باع الدف واشتراه جاز ذلك؛ لأنه آلة لم يحرمها الشرع، ولم يحرم سماعها الشرع، وعلى هذا لو سرق هذه الآلة يجب القطع إن كانت تساوي نصاباً أو أكثر، وهذا على الأصل عند أهل العلم.

قال رحمه الله: [ولا محرم كالخمر].

ولا تقطع اليد في محرم كالخمر، المصنف -رحمه الله- أسقط المالية عن آلة اللهو، وعن الخمر، والخمر إسقاط المالية عنها لنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (إن الله ورسوله حرما بيع الميتة، والخمر، والخنزير، والأصنام)فأسقط عن الميتة والخمر والخنزير المالية، والأصنام مفصل فيها على حسب مادتها كما هو معروف في قول جماهير العلماء والأئمة رحمهم الله، ولذلك لو كانت الأصنام من ذهب وسرقها شخص، وفيها ما يعادل النصاب فأكثر؛ قطعت يده، والخمر الخنزير والميتة محرمة العين؛ ولذلك لا مالية لها.

يقول رحمه الله: (فلا قطع)، هذا مفرع على اشتراط المالية، أما الخمر ليست بمال، والميتة ليست بمال، والخنزير ليس بمال، والدليل على أن هذه الأشياء ليست بمال: حديث جابر بن عبد الله في الصحيحين وهو المتقدم، وأما الخمر ففيها قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الذي حرم شربها حرم بيعها)، والخنزير فيه حديث نزول عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان كما في الحديث الصحيح: أنه ينزل حكماً عدلاً مقسطاً، وأنه يحكم بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: (فيقتل الخنزير، ويكسر الصليب)فلما قال: (يقتل الخنزير) أسقط عنه المالية، ودل على أنه لا قيمة له شرعاً، ومن هنا: لو أنه سرق خنزيراً فإنه لا يجب عليه القطع.

ولو سرق حيواناً محنطاً، وهذا الحيوان المحنط قيمته -مثلاً- خمسة آلاف ريال، وهذا الحيوان المحنط من الميتات، فنقول: لا قطع؛ لأنه ليس له قيمة شرعاً، ولو سرق آلة لهو، وهذه آلة اللهو من خشب فلو كسرت لا تساوي شيئاً، أو تساوي ما دون النصاب؛ فإنه لا قطع، لكن لو كسرت مادتها وفيها ربع دينار فأكثر أو ثلاثة دراهم فأكثر؛ ففيه القطع، ويفصل بهذا التفصيل.