Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

شرح زاد المستقنع كتاب اللعان [4]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا الفصل في الحقيقة ليس من فصول اللعان، وليس هو من المسائل التي تتعلق بباب اللعان من كل وجه، ولكنه مختص بمسألة الأنساب، وإلحاق الولد بوالده في نسبته إليه، ومن عادة العلماء رحمهم الله أنهم يذكرون المسائل المتشابهة في أقرب المظان، فمسألة الأنساب مسألة مهمة، وتترتب عليها حقوقٌ شرعية، ولذلك اعتنت الشريعة الإسلامية بها، وجاءت نصوص الكتاب والسنة تبين أحكام هذه المسألة التي تعم بها البلوى ويحتاج إلى الفصل في كثير من مشاكلها؛ لأن مسألة النسب تقوم على الإثبات والنفي، فإما أن يثبت نسبة شخص إلى والديه، وإما أن تنفى هذه النسبة، فنظراً إلى أن مسائل النسب فيها إثبات ونفي، وبعض مسائل اللعان تتضمن نفي الولد، فنظراً لوجود هذا الاشتراك ناسب أن يعتني المصنف رحمه الله بذكر أحكام النسب ولحوق الولد بعد باب اللعان؛ لأن اللعان في بعض صوره فيه نفي الزوج للحمل، أو ينفي الولد الذي وضعته زوجته، فينفي نسبته إليه، وحينئذٍ يرد السؤال: ما هو الأصل في هذه المسائل؟ هل الأصل أن كل من ادعى نسبة ولدٍ إلى شخص أنه يصدق ويقبل منه أم أن الأمر فيه تفصيل؟ هذا ما سيوضحه المصنف رحمه الله في هذا الموضع.

مسألة النسب تارة تكون من رجل يدعي نسبة ولدٍ إليه، وتارة تكون من ولدٍ يدعي النسبة إلى رجلٍ آخر ويقول: إنه والده، وقد يدعي ذلك في حال حياة الشخص، ويطالب بإثبات نسبه إلى ذلك الشخص، وتارة يدعي ذلك بعد موته، وقد تحصل الدعوى لشيءٍ عظيمٍ كريم كأن يدعي نسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إلى الأنصار وغيرهم ممن لهم فضل ومكان، والأصل أن الناس مؤتمنون على أنسابهم إلا من ادعى الشرف، فإن من ادعى الشرف والانتساب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إلى من لهم الفضل كالأنصار ونحوهم ممن لهم حق في الإسلام فإنه لا تقبل منه الدعوى مجردة، لكن لو كان يعلم بشهادة العدول من قرابته الذين يأتمنهم في دينه، حيث قالوا له: نحن من آل البيت، أو عندنا ما يثبت أننا من آل البيت، فإن من حقه أن يبني على شهادة من يثق بهم.

فلا يقبل من أحد أن يدعي النسب والشرف إلا أذا أثبت، والإثبات يكون بالشجرة -كما هو معلوم- التي يعرفها أهل الخبرة، ويكون بشهادة العدول أن فلاناً من آل فلان، ويكون آل فلان قد ثبت نسبتهم إلى آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يكون الإثبات بما يسميه العلماء: شهادة السماع، وشهادة السماع هي: أن يعرف بين الناس أن البيت الفلاني أو الفخذ الفلاني أو القبيلة الفلانية تنسب إلى كذا وكذا، فإذا اشتهر بين الناس أن هذا البيت من آل البيت فإنه يلحق ويحكم بثبوت نسبه بهذه الشهادة، وهذه التي يسميها العلماء: شهادة السماع، يعني يتسامع الناس في بيئة أو حي أو قبيلة أو جماعة بأن بني فلان من آل النبي صلى الله عليه وسلم، أو بني فلان من آل البيت، فيحكم بهذه الشهادة.

وقد ذكر غير واحد من العلماء رحمهم الله أن شهادة السماع حجة في النسب، وشهادة السماع هي أن يستفيض في البيئة أو المجتمع أو بين الناس الذي يعيش بينهم نسبة هذه الجماعة أو هذا الفرد إلى تلك الجماعة وحينئذٍ يحكم بهذا ويعمل به، كما هو معلوم في باب الشهادات.

الحاصل: أن الشريعة الإسلامية حرمت على المسلم أن ينفي نسبة ولدٍ من ولده، وحرمت على المسلم أن ينتسب لغير والده، فإذا انتسب الإنسان إلى غير والده فقد اعتدى على حدود الله، وانتهك محارم الله، وحلت عليه لعنة الله والعياذ بالله! لأنه عق والده، وقطع رحمه، وكذب في النسب، والكذب في النسب تترتب عليه حقوق، وتترتب عليه أمور عظيمة، وقد تكون هناك أمور مرتبة على وجود هذا النسب، فبنفيه وإبطاله له تسقط هذه الحقوق؛ كحق العاقلة، وحق الإرث، ونحو ذلك، فيسقطه عن آله وقرابته، ممن يلد أو ممن ينسب إليه.

كذلك أيضاً لا يجوز للوالد أن يعتدي على حدود الله عز وجل فينفي نسبة ولدٍ من ولده، إلا إذا كان عنده ما يدل على عدم نسبته إليه فهذا أمرٌ آخر، أما من حيث الأصل فإنه كفرٌ بنعمة الله، وهذا من أعظم الظلم؛ لأن الظلم مراتب، وأعظم ما يقع الظلم إذا كان على القرابة، وإذا كان الظلم على أقرب الناس إلى الإنسان وهم أولاده فهو أعظم ذنباً عند الله عز وجل، ولذلك قرر العلماء أن الذنب مع الغريب ليس كالذنب مع القريب، فالذنب مع القريب ذنبٌ وقطيعة رحم، فكيف إذا كان من أقرب قريب الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه بضعة من الإنسان فقال عليه الصلاة والسلام: (إنما فاطمة بضعةٌ مني) .

وقد تهور كثيرٌ من الناس -إلا من رحم الله- وتفننوا في مسألة أذية الولد إلى درجة أن الوالد يقول لولده عند الغضب: لست بولدي ولا أعرفك ولا تعرفني! فيتبرأ منه، وهذه كلمة عظيمة جداً، ينبغي أن يحذر منها الناس، وينبغي على الخطباء وطلاب العلم أن ينبهوا الناس إلى هذا الأمر؛ لأنه اعتداءٌ لحدود الله عز وجل، وإذا أخطأ المخطئ فإنه يقوم في خطئه، ولا تزال الحقوق الثابتة ويدعى غير الحقيقة، فالتبري من الأولاد عند حدوث خطأ أو شيء من ذلك لا يجوز شرعاً؛ إلا في مسائل محددة دلت عليها الشريعة، ومنها البراءة في مسألة الولاء والبراء في العقيدة، وهذه مسألة خاصة والتبري فيها له حدود وله ضوابط، ولا يتعرض للنسب، بل لا يجوز للوالد إذا أغضبه ابنه أو أخطأ عليه وهو مسلم وابنه مسلم أن يتبرأ منه إلى درجة أن يحرمه من الإرث وكأنه أجنبي نسأل الله السلامة والعافية! فهذا من أعظم الذنب، ولذلك ذكروا أن من علامات سوء الخاتمة والعياذ بالله! الجور في الوصية، وذلك بحرمان المستحق من الورثة، فهذا ممن يختم له بخاتمة سيئة، حتى أن بعض العلماء ذكر في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)، قالوا: هذا يكون من أصناف أهل الكبائر فيدخلها دخول أهل الكبائر المعذبين، فيظلم ولده فيتبرأ منه فيقول لأولاده: فلان لا تعطوه الإرث، فلان ليس مني ولست منه، فيختم له -والعياذ بالله- بهذه الخاتمة التي توجب دخول النار والعياذ بالله! بناءً على أنها من كبائر الذنوب لما فيها من الظلم وحرمان المستحق من حقه.

الشاهد أن باب نسبة الولد لوالده بينت الأصول الشرعية في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض، وهو أن ينسب المولود لوالده، ولذلك قال تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب:5]، وبين النبي صلى الله عليه وسلم الأصل في قوله: (الولد للفراش) كما في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في الصحيحين، فدل على أن المرأة إذا ولدت ولداً على فراش زوجها فالولد منسوب إلى ذلك الزوج.

سيبين رحمه الله في هذا الفصل متى يحكم بلحوق الولد ونسبته إلى صاحب الفراش؟ ومتى يحكم بعدم اللحوق؟ وهذه مسائل -كما ذكرنا- مهمة جداً، ولها أهمية، خاصة النفي إذا كان في غير موضعه أو الإثبات إذا كان على غير وجهه.

أن يكون الزوج ممن يمكن أن يولد لمثله

قال المصنف رحمه الله: [من ولدت زوجته من أمكن كونه منه لحقه ].

(من ولدت زوجته) هذا شرط أن تكون زوجة له، والأصل أن يكون الزواج زواجاً شرعياً صحيحاً، فلا إشكال حينئذ في نسبة الولد للوالد، وأيضاً لو كان الزواج فيه خطأ ويعتقد أنه زواجٌ شرعي، مثل أن ينكح نكاح الشغار ويظن أنه نكاح صحيح، يزوج هذا بنته على أن يزوجه الآخر بنته ويقع النكاح بينهما ثم يولد لأحدهما، فينسب الولد إلى والده مع أن النكاح محرمٌ شرعاً ولا يجوز، فإذا كان في نكاح صحيح، أو نكاح فاسد وعنده تأويلٌ ويظن أنه صحيح؛ فإن الولد يلتحق به، أو نكح المرأة بدون إذن وليها ويظن أن هذا جائز، ولا يعتقد اشتراط الولي وهذا مذهب الحنفية رحمهم الله فالعقد فاسد، لكن الولد يلتحق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نكاح إلا بولي)، كما تقدم معنا في باب النكاح.

فالشاهد أنه إذا كان الولد ناتجاً عن وطء في نكاح صحيح أو نكاح فاسد أو ناتجاً عن وطء شبهة -هذه ثلاث صور- فإن الولد يلتحق، ووطء الشبهة مثل أن يأتي شخص إلى امرأة يظنها زوجته وتظنه زوجاً لها، ويطؤها على خلوٍ وبراءة ثم بعد ذلك يتبين أنها ليست بزوجته وتحمل من هذا الوطء، فالولد ينسب لهذا الواطئ، ويكون وجود الشبهة موجباً لدرء الحد.

كذلك لو تزوج أختاً له -نسأل الله العافية- من الرضاع وهو لا يدري، ثم بعد عشر سنوات أو عشرين سنة تبين أنها أخته من الرضاع، فيفرق بينهما، ويعذر لعدم علمه وجهله بالحكم، ثم ينسب جميع الأولاد الذين ولدوا إليه، وحكم من ولدت زوجته في نكاح صحيح أو نكاح فاسد حكم الموطوءة بشبهة.

وقوله: (ولدت من أمكن): عندنا ضابط يتعلق بالزوج، وضابط يتعلق بالموطوءة التي هي الزوجة، فمعنى الإمكان الذي ذكره المصنف رحمه الله أنه لابد وأن يكون الزوج ممن يمكن أن يولد لمثله، فقد يكون زوجاً لا يمكن أن يولد لمثله، مثلاً قال: أريد بنتك -يخاطب شخصاً آخر- فلانة لابني محمد، ومحمد عمره سبع سنوات، قال: قبلت، وعقد النكاح بينهما، ثم إن هذه البنت حملت! ابن سبع سنوات وثمان سنوات لا يمكن أن تحمل المرأة منه ولو وطئها، فمثله غير داخل في الإمكان، فهناك إمكان جرت العادة والحس بإمكانه.

عدم نقصان مدة الحمل عن ستة أشهر

قوله: (ومن أمكن) أي: أن يولد لمثله، وكذلك تكون المرأة أيضاً في حملها ووضعها على صفة لا يستحيل أن ينسب الولد إليه، وهذا ما فسره رحمه الله بقوله: [بأن تلده بعد نصف سنة].

بأن تلد الولد بعد نصف سنة من دخوله عليها، فإذا كان دخوله في أول السنة وولدت بعد ستة أشهر من دخوله، فإن الستة الأشهر زمن يمكن أن يكون به الحمل، فينسب الولد للداخل، لكن لو كان قبل ستة أشهر فلا يمكن؛ لأن الله يقول: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف:15]، فجعل الحمل مع الفصال -يعني: انتهاء مدة الرضاع حين يفصل الولد وينتهي من الرضاع- ثلاثين شهراً، الرضاع له سنتان، أي: أربعة وعشرون شهراً لقوله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233]، فالحولان أربعة وعشرون شهراً، وإذا كان الله عز وجل يقول: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف:15] فبقي من الثلاثين ستة أشهر، وهي أيام الحمل.

ومن فقه العلماء أنهم فرعوا من هذه الآية الكريمة ما لا يقل عن خمسين مسألة من مسائل الأحكام الشرعية، بل كان بعض مشايخنا يقول: لو شئت أن أوصلها إلى مائة مسألة لأوصلتها! وكلها من قوله تعالى: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف:15]، ومنها مسائل الحمل والإثبات خاصة عند اختلاط الأنساب، وحصول وطء الخطأ، ووطء الشبهة، ومسألة إسقاط الجنين إذا كانت المرأة توفيت وفي بطنها جنين فمتى يشق بطنها؟ كل هذه المسائل تتعلق بالستة الأشهر التي جعلوها زمن الإمكان لدلالة نص القرآن عليه، حتى الأطباء يستفيدون من هذه الآية الكريمة، فالستة الأشهر هي مدة الحمل، فإذا ولد الجنين في أقل منها فإنه ينسب إلى الداخل السابق، لا إلى الداخل الأخير، فإنه إذا ولدت قبل ستة أشهر من دخوله عليها فمعنى ذلك أن الحمل من غيره لا منه هو؛ لأنه لا يمكن أن يقع حمل ووضع قبل ستة أشهر، وبناءً على ذلك قال المصنف رحمه الله: (بأن تلده بعد نصف سنة) أي: ستة أشهر، السنة القمرية اثنا عشر شهراً، فإذا ولدت بأقل من ستة أشهر فإنه لا يمكن أن ينسب الولد إليه.

قال المصنف رحمه الله: [منذ أمكن وطؤه ].

القضية ترجع إلى دخوله عليها، فما هو الضابط في السن؟ هل العبرة بتسع سنين أو بعشر سنين أو باثنتي عشرة سنة أو بخمس عشرة سنة؟ ومتى يبلغ الذكر حتى يتأتى منه المني وتحمل امرأته؟ الضابط عند بعض العلماء عشر سنوات، وهي سن التمييز، فإذا دخل في العاشرة فإنه يمكن أن يحتلم، فمن الناس من يبكر ويحتلم وهو في العاشرة، فقالوا: العشر هي أقل حد، فإذا حملت منه وعمره تسع سنين لا ينسب إليه، ولو حملت منه وعمره ثمان سنين لا ينسب إليه؛ لأنه في الغالب -والحكم للغالب- لا يحتلم في مثل هذه السن، وقالوا: سن التمييز ذكره النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنوات، وهي أقل ما يمكن أن يكون فيها الاحتلام، وبعض الأطباء المتأخرين يقولون: فعلاً في الطب ما يشهد بصدق من قال من الفقهاء بهذا القول، وهذا من معجزاته عليه الصلاة والسلام حينما أمر بضرب الصبي لعشر.

على كل حال، الأصل أنه لابد أن يكون حمل هذه المرأة يمكن أن ينسب لزوجها، بأن تلده بستة أشهر منذ أمكن وطؤه، فالعبرة بالوطء الذي يتأتى منه الحمل، فإذا كان إمكان الوطء له أربعة أشهر أو خمسة أشهر؛ نسب إلى ما قبله لا إليه.

عدم زيادة مدة الحمل على أربع سنوات

قال المصنف رحمه الله: [أو دون أربع سنين منذ أبانها].

هنا تحتاج إلى معرفة أقل مدة الحمل وأكثر مدة الحمل، فقد يطلق الزوج المرأة ثم بعد شهر أو شهرين يتبين أنها حامل، وقد يتبين أنها حامل بعد سنة، وقد يتبين بعد سنتين، وقد يتبين بعد ثلاث سنوات، وقد تضع بعد ثلاث سنوات، فهنا مشكلة، إذا طلق الرجل المرأة وبانت منه وانفصلت عنه، ثم تبين حملها في المدد المعروف فلا إشكال؛ لأنه إذا طلقها وبان أنها حامل بقيت على حالها حتى تضع، والولد ولده، لكن الإشكال إذا لم يقع هذا الحمل، ولم تلده على المعتاد، بل تأخرت في وضعها إلى أربع سنوات! فهل هناك مدة تبين آخر الحمل؟ اختلف العلماء رحمهم الله: بعضهم يقول: لا أقبل فوق تسعة أشهر، وهذا قول ابن عبد الحكم من فقهاء المالكية، وما بعد التسعة الأشهر لو طلقها وأبانها ثم ظهر فيها حمل؛ فهو لغيره وليس له.

وهذا إذا لم تكن قد تزوجت؛ لأنه إذا تزوجت ينسب للثاني ولا إشكال، نحن نتكلم في امرأة طلقت، وبقيت خالية من الأزواج حتى وضعت ما في بطنها، فهل ينسب إلى الزوج الذي طلقها أو ينسب إليها، ويكون هناك شبهة أنها زنت أو استكرهت على الزنا؟

هنا الإشكال، فما هي أقصى مدة يمكن أن ننسب فيها الولد للفراش؟ من أهل العلم من قال: تسعة أشهر -كما ذكرنا- وهو من أضعف الأقوال، ومن أهل العلم من قال: أربع سنوات، وهو مذهب الشافعية والحنابلة في المشهور، وبعض أصحاب الإمام مالك يقولون بهذا القول، قالوا: إن أقصى ما وجدناه من الحمل أربع سنوات، فإذا وضعت الولد لأربع سنين، يعني: لم يتجاوز أربع سنوات منذ طلاقه وفراقه لها؛ نسب الولد إليه، وقال الحنفية: خمس سنين، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمة الله على الجميع، والحقيقة أن الأربع سنوات هي التي حكيت كأقصى حد وجد، وذكر عن بعض العلماء أن أمه بقيت في حملها أربع سنين، والله عز وجل على كل شيء قدير، وهذا أمر لله فيه حكمة، وقد تضعف المرأة ويكمل الجنين، وحدث في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن امرأة صالحة معروفة بالخير والصلاح غاب عنها زوجها، ثم قتل واستشهد، فحزنت عليه حزناً عظيماً، ثم تزوجت برجلٍ من بعده، وبعد زواجها بأقل من ستة أشهر بان الحمل فيها، وهمّ عمر رضي الله عنه أن يرجمها؛ لأنها محصنة، والحمل عند عمر رضي الله عنه دليل على إثبات الزنا، كما في خطبته المشهورة في الصحيح، فكان يرى أن الحمل يدل على الزنا، وأن المرأة إذا كانت لا زوج لها وحملت يقام عليها الحد، فالشاهد أنه هم أن يرجمها، ولكن كان رضي الله عنه يشاور الصحابة، وكانت له طريقته أنه يستشير المهاجرين ثم الأنصار، ثم بعد ذلك يجمع الناس، فلما هم أن يرجمها سأل عنها فوجد أنها امرأة صالحة، وأنها يبعد أن يكون منها الزنا لما عرف من استقامتها وصلاحها، فتورع رضي الله عنه، وكان محدثاً ملهماً كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : (إن يكن في أمتي محدثون فـعمر)، فامتنع عن رجمها وأحب أن يشاور الناس، فاستشار المهاجرين فلم يجد شيئاً، ثم استشار الأنصار فلم يجد شيئاً، ثم جمع الناس كلهم فلم يجد شيئاً، فجمع النساء واستشارهن، فقامت امرأة كبيرة السن معروفة بالعقل وقالت: يا أمير المؤمنين! أنا أقص عليك خبرها، إن هذه المرأة حملت من زوجها الأول، ولما جاءها الحزن ركن الجنين، يعني: ضعف أن يخرج لأمده، ثم لما تزوجها الثاني انكشف بماء الثاني فولدت الجنين قبل زمانه، فحمد الله أنه لم يكن رجمها، وأسقط عنها الحد، وألحق الولد بالزوج الأول.

فقد يقع في بعض الأحيان تأخر في الحمل سواءً لأمور طبية، أو لمشيئة الله عز وجل، وهو على كل شيء قدير، ومن حكمة الله أنه يخلف العادات، ودائماً ينتبه طالب العلم بل كل مسلم إلى أن إخلاف العادات من أكبر الأدلة على وحدانية الله عز وجل؛ لأن أهل الطبيعة يستدلون بأن الطبيعة هي التي أوجدت نفسها، فلما تختلف العادات يدل ذلك على أن هناك رباً يدبر هذا الكون ويصرفه سبحانه وتعالى، وهذا من أقوى الحجج في دمغ قولهم؛ لأن الطبيعة لا تضطرب، وهي التي ينسبون إليها الأشياء، فالشاهد أن الحمل قد يخرج عن الشيء المعتاد وقد يطول أمده، فبين ذلك رحمه الله حين قال: (أو دون أربع سنين منذ أبانها)، فاعتبر الحد أربع سنوات، وهذا قول من ذكرنا من السلف رحمهم الله أنه أربع سنين كحد أقصى، فما بين تطليقه لها وإبانتها من عصمته وبين وضعها لا يجاوز هذه المدة: الأربع السنين.

قال المصنف رحمه الله: [من ولدت زوجته من أمكن كونه منه لحقه ].

(من ولدت زوجته) هذا شرط أن تكون زوجة له، والأصل أن يكون الزواج زواجاً شرعياً صحيحاً، فلا إشكال حينئذ في نسبة الولد للوالد، وأيضاً لو كان الزواج فيه خطأ ويعتقد أنه زواجٌ شرعي، مثل أن ينكح نكاح الشغار ويظن أنه نكاح صحيح، يزوج هذا بنته على أن يزوجه الآخر بنته ويقع النكاح بينهما ثم يولد لأحدهما، فينسب الولد إلى والده مع أن النكاح محرمٌ شرعاً ولا يجوز، فإذا كان في نكاح صحيح، أو نكاح فاسد وعنده تأويلٌ ويظن أنه صحيح؛ فإن الولد يلتحق به، أو نكح المرأة بدون إذن وليها ويظن أن هذا جائز، ولا يعتقد اشتراط الولي وهذا مذهب الحنفية رحمهم الله فالعقد فاسد، لكن الولد يلتحق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نكاح إلا بولي)، كما تقدم معنا في باب النكاح.

فالشاهد أنه إذا كان الولد ناتجاً عن وطء في نكاح صحيح أو نكاح فاسد أو ناتجاً عن وطء شبهة -هذه ثلاث صور- فإن الولد يلتحق، ووطء الشبهة مثل أن يأتي شخص إلى امرأة يظنها زوجته وتظنه زوجاً لها، ويطؤها على خلوٍ وبراءة ثم بعد ذلك يتبين أنها ليست بزوجته وتحمل من هذا الوطء، فالولد ينسب لهذا الواطئ، ويكون وجود الشبهة موجباً لدرء الحد.

كذلك لو تزوج أختاً له -نسأل الله العافية- من الرضاع وهو لا يدري، ثم بعد عشر سنوات أو عشرين سنة تبين أنها أخته من الرضاع، فيفرق بينهما، ويعذر لعدم علمه وجهله بالحكم، ثم ينسب جميع الأولاد الذين ولدوا إليه، وحكم من ولدت زوجته في نكاح صحيح أو نكاح فاسد حكم الموطوءة بشبهة.

وقوله: (ولدت من أمكن): عندنا ضابط يتعلق بالزوج، وضابط يتعلق بالموطوءة التي هي الزوجة، فمعنى الإمكان الذي ذكره المصنف رحمه الله أنه لابد وأن يكون الزوج ممن يمكن أن يولد لمثله، فقد يكون زوجاً لا يمكن أن يولد لمثله، مثلاً قال: أريد بنتك -يخاطب شخصاً آخر- فلانة لابني محمد، ومحمد عمره سبع سنوات، قال: قبلت، وعقد النكاح بينهما، ثم إن هذه البنت حملت! ابن سبع سنوات وثمان سنوات لا يمكن أن تحمل المرأة منه ولو وطئها، فمثله غير داخل في الإمكان، فهناك إمكان جرت العادة والحس بإمكانه.

قوله: (ومن أمكن) أي: أن يولد لمثله، وكذلك تكون المرأة أيضاً في حملها ووضعها على صفة لا يستحيل أن ينسب الولد إليه، وهذا ما فسره رحمه الله بقوله: [بأن تلده بعد نصف سنة].

بأن تلد الولد بعد نصف سنة من دخوله عليها، فإذا كان دخوله في أول السنة وولدت بعد ستة أشهر من دخوله، فإن الستة الأشهر زمن يمكن أن يكون به الحمل، فينسب الولد للداخل، لكن لو كان قبل ستة أشهر فلا يمكن؛ لأن الله يقول: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف:15]، فجعل الحمل مع الفصال -يعني: انتهاء مدة الرضاع حين يفصل الولد وينتهي من الرضاع- ثلاثين شهراً، الرضاع له سنتان، أي: أربعة وعشرون شهراً لقوله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233]، فالحولان أربعة وعشرون شهراً، وإذا كان الله عز وجل يقول: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف:15] فبقي من الثلاثين ستة أشهر، وهي أيام الحمل.

ومن فقه العلماء أنهم فرعوا من هذه الآية الكريمة ما لا يقل عن خمسين مسألة من مسائل الأحكام الشرعية، بل كان بعض مشايخنا يقول: لو شئت أن أوصلها إلى مائة مسألة لأوصلتها! وكلها من قوله تعالى: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف:15]، ومنها مسائل الحمل والإثبات خاصة عند اختلاط الأنساب، وحصول وطء الخطأ، ووطء الشبهة، ومسألة إسقاط الجنين إذا كانت المرأة توفيت وفي بطنها جنين فمتى يشق بطنها؟ كل هذه المسائل تتعلق بالستة الأشهر التي جعلوها زمن الإمكان لدلالة نص القرآن عليه، حتى الأطباء يستفيدون من هذه الآية الكريمة، فالستة الأشهر هي مدة الحمل، فإذا ولد الجنين في أقل منها فإنه ينسب إلى الداخل السابق، لا إلى الداخل الأخير، فإنه إذا ولدت قبل ستة أشهر من دخوله عليها فمعنى ذلك أن الحمل من غيره لا منه هو؛ لأنه لا يمكن أن يقع حمل ووضع قبل ستة أشهر، وبناءً على ذلك قال المصنف رحمه الله: (بأن تلده بعد نصف سنة) أي: ستة أشهر، السنة القمرية اثنا عشر شهراً، فإذا ولدت بأقل من ستة أشهر فإنه لا يمكن أن ينسب الولد إليه.

قال المصنف رحمه الله: [منذ أمكن وطؤه ].

القضية ترجع إلى دخوله عليها، فما هو الضابط في السن؟ هل العبرة بتسع سنين أو بعشر سنين أو باثنتي عشرة سنة أو بخمس عشرة سنة؟ ومتى يبلغ الذكر حتى يتأتى منه المني وتحمل امرأته؟ الضابط عند بعض العلماء عشر سنوات، وهي سن التمييز، فإذا دخل في العاشرة فإنه يمكن أن يحتلم، فمن الناس من يبكر ويحتلم وهو في العاشرة، فقالوا: العشر هي أقل حد، فإذا حملت منه وعمره تسع سنين لا ينسب إليه، ولو حملت منه وعمره ثمان سنين لا ينسب إليه؛ لأنه في الغالب -والحكم للغالب- لا يحتلم في مثل هذه السن، وقالوا: سن التمييز ذكره النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنوات، وهي أقل ما يمكن أن يكون فيها الاحتلام، وبعض الأطباء المتأخرين يقولون: فعلاً في الطب ما يشهد بصدق من قال من الفقهاء بهذا القول، وهذا من معجزاته عليه الصلاة والسلام حينما أمر بضرب الصبي لعشر.

على كل حال، الأصل أنه لابد أن يكون حمل هذه المرأة يمكن أن ينسب لزوجها، بأن تلده بستة أشهر منذ أمكن وطؤه، فالعبرة بالوطء الذي يتأتى منه الحمل، فإذا كان إمكان الوطء له أربعة أشهر أو خمسة أشهر؛ نسب إلى ما قبله لا إليه.

قال المصنف رحمه الله: [أو دون أربع سنين منذ أبانها].

هنا تحتاج إلى معرفة أقل مدة الحمل وأكثر مدة الحمل، فقد يطلق الزوج المرأة ثم بعد شهر أو شهرين يتبين أنها حامل، وقد يتبين أنها حامل بعد سنة، وقد يتبين بعد سنتين، وقد يتبين بعد ثلاث سنوات، وقد تضع بعد ثلاث سنوات، فهنا مشكلة، إذا طلق الرجل المرأة وبانت منه وانفصلت عنه، ثم تبين حملها في المدد المعروف فلا إشكال؛ لأنه إذا طلقها وبان أنها حامل بقيت على حالها حتى تضع، والولد ولده، لكن الإشكال إذا لم يقع هذا الحمل، ولم تلده على المعتاد، بل تأخرت في وضعها إلى أربع سنوات! فهل هناك مدة تبين آخر الحمل؟ اختلف العلماء رحمهم الله: بعضهم يقول: لا أقبل فوق تسعة أشهر، وهذا قول ابن عبد الحكم من فقهاء المالكية، وما بعد التسعة الأشهر لو طلقها وأبانها ثم ظهر فيها حمل؛ فهو لغيره وليس له.

وهذا إذا لم تكن قد تزوجت؛ لأنه إذا تزوجت ينسب للثاني ولا إشكال، نحن نتكلم في امرأة طلقت، وبقيت خالية من الأزواج حتى وضعت ما في بطنها، فهل ينسب إلى الزوج الذي طلقها أو ينسب إليها، ويكون هناك شبهة أنها زنت أو استكرهت على الزنا؟

هنا الإشكال، فما هي أقصى مدة يمكن أن ننسب فيها الولد للفراش؟ من أهل العلم من قال: تسعة أشهر -كما ذكرنا- وهو من أضعف الأقوال، ومن أهل العلم من قال: أربع سنوات، وهو مذهب الشافعية والحنابلة في المشهور، وبعض أصحاب الإمام مالك يقولون بهذا القول، قالوا: إن أقصى ما وجدناه من الحمل أربع سنوات، فإذا وضعت الولد لأربع سنين، يعني: لم يتجاوز أربع سنوات منذ طلاقه وفراقه لها؛ نسب الولد إليه، وقال الحنفية: خمس سنين، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمة الله على الجميع، والحقيقة أن الأربع سنوات هي التي حكيت كأقصى حد وجد، وذكر عن بعض العلماء أن أمه بقيت في حملها أربع سنين، والله عز وجل على كل شيء قدير، وهذا أمر لله فيه حكمة، وقد تضعف المرأة ويكمل الجنين، وحدث في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن امرأة صالحة معروفة بالخير والصلاح غاب عنها زوجها، ثم قتل واستشهد، فحزنت عليه حزناً عظيماً، ثم تزوجت برجلٍ من بعده، وبعد زواجها بأقل من ستة أشهر بان الحمل فيها، وهمّ عمر رضي الله عنه أن يرجمها؛ لأنها محصنة، والحمل عند عمر رضي الله عنه دليل على إثبات الزنا، كما في خطبته المشهورة في الصحيح، فكان يرى أن الحمل يدل على الزنا، وأن المرأة إذا كانت لا زوج لها وحملت يقام عليها الحد، فالشاهد أنه هم أن يرجمها، ولكن كان رضي الله عنه يشاور الصحابة، وكانت له طريقته أنه يستشير المهاجرين ثم الأنصار، ثم بعد ذلك يجمع الناس، فلما هم أن يرجمها سأل عنها فوجد أنها امرأة صالحة، وأنها يبعد أن يكون منها الزنا لما عرف من استقامتها وصلاحها، فتورع رضي الله عنه، وكان محدثاً ملهماً كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : (إن يكن في أمتي محدثون فـعمر)، فامتنع عن رجمها وأحب أن يشاور الناس، فاستشار المهاجرين فلم يجد شيئاً، ثم استشار الأنصار فلم يجد شيئاً، ثم جمع الناس كلهم فلم يجد شيئاً، فجمع النساء واستشارهن، فقامت امرأة كبيرة السن معروفة بالعقل وقالت: يا أمير المؤمنين! أنا أقص عليك خبرها، إن هذه المرأة حملت من زوجها الأول، ولما جاءها الحزن ركن الجنين، يعني: ضعف أن يخرج لأمده، ثم لما تزوجها الثاني انكشف بماء الثاني فولدت الجنين قبل زمانه، فحمد الله أنه لم يكن رجمها، وأسقط عنها الحد، وألحق الولد بالزوج الأول.

فقد يقع في بعض الأحيان تأخر في الحمل سواءً لأمور طبية، أو لمشيئة الله عز وجل، وهو على كل شيء قدير، ومن حكمة الله أنه يخلف العادات، ودائماً ينتبه طالب العلم بل كل مسلم إلى أن إخلاف العادات من أكبر الأدلة على وحدانية الله عز وجل؛ لأن أهل الطبيعة يستدلون بأن الطبيعة هي التي أوجدت نفسها، فلما تختلف العادات يدل ذلك على أن هناك رباً يدبر هذا الكون ويصرفه سبحانه وتعالى، وهذا من أقوى الحجج في دمغ قولهم؛ لأن الطبيعة لا تضطرب، وهي التي ينسبون إليها الأشياء، فالشاهد أن الحمل قد يخرج عن الشيء المعتاد وقد يطول أمده، فبين ذلك رحمه الله حين قال: (أو دون أربع سنين منذ أبانها)، فاعتبر الحد أربع سنوات، وهذا قول من ذكرنا من السلف رحمهم الله أنه أربع سنين كحد أقصى، فما بين تطليقه لها وإبانتها من عصمته وبين وضعها لا يجاوز هذه المدة: الأربع السنين.

قال المصنف رحمه الله: [وهو ممن يولد لمثله كابن عشرٍ].

(وهو): يعني الزوج الذي ولدت زوجته، يشترط فيه أن يكون ممن يولد لمثله، فإن كان ممن لا يولد لمثله -كأن يكون صغيراً- لم ينسب إليه، وعند العلماء الدليل الشرعي والدليل الحسي، فهناك أشياء دل الحس على صدقها، ودل الحس على كذبها، فيستند فيها إلى الحس، فهنا الدليل دليل حسي، إذ يستحيل أن الطفل أو الصبي الذي عمره ست سنوات أو سبع سنوات أن تحمل زوجته، ومن هنا يستند إلى دليل الحس، فإذا كان دون العشر لا ينسب الولد إليه اتفاقاً، فأقل سن ذكروه العشر، فأقل من عشر لا ينسب الولد إليه.

وهكذا بالنسبة للأسباب الأخرى مثل المجبوب، وهو: المقطوع العضو، لا يتأتى منه وطء، فلا ينسب الولد إليه، إلا في مسألة استدخال المني في الفرج، فبعض العلماء يقول: إذا أقر به، وثبت أن زوجته استدخلت منيه إلى فرجها، وإن لم يقع وطء منه لها؛ فإن الولد ولده.

وهذه المسألة ذكرها العلماء في القديم والآن في زماننا جاءت مسألة طفل الأنابيب! وجاءت مسألة تجميد المني من الرجل! بغض النظر عن كون ذلك يجوز أو لا يجوز، لكن انظروا كانت فرضية في القديم ومع ذلك فصلوا في حكمها من جهة ثبوت الولد أو عدم ثبوته، ومسألة يجوز أو لا يجوز هذه مسألة أخرى، إذ لا يجوز الإيلاج في الفرج من الأجنبي، ولا استدخال فيه في الفرج، ولا النظر إليه ولا لمسه، كما هو مقرر، لكن نحن نتكلم على إلهام الله عز وجل لتلك العقول وأولئك الأئمة الذين تكلموا على هذه المسألة، ففتحت وبينت الكثير من الإشكالات الموجودة في زماننا.

على كل حال، إذا كان مجبوباً لا يتأتى منه الحمل فإنه لا ينسب الولد إليه، وكذلك لو كان صغيراً لا يتأتى منه المني الذي يكون به الحمل.

قال المصنف رحمه الله: [ولا يحكم ببلوغه إن شك فيه]

يعني: إن شُك في البلوغ، فلا يُحكم ببلوغه، (إن شك فيه) يعني: في الزوج؛ لأن العبرة بالبلوغ، لأن البلوغ يكون منه المني، وبينا أن من علامات البلوغ الاحتلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة -وذكر منهم- الصبي حتى يحتلم)، فالمني يكون منه الولد؛ لأن الله خلق الولد من ماء الرجل وماء الأنثى، فإذا كان في سنٍ يتأتى منه أن يحتلم -وهو سن الاحتلام- حكم بأنه بلغ والاحتمال قائم، لكن إذا شك هل بلغ أو لم يبلغ؟ فالأصل أنه لم يبلغ حتى يدل الدليل على أنه بلغ، فلا نثبت أنه بلغ إلا إذا ثبت بالدليل أنه قد بلغ بالاحتلام وبخروج المني، ولا يثبت البلوغ بالشكوك.

وهذا مبني على قاعدة: الأصل بقاء ما كان على ما كان، فهو دون البلوغ، فلا نحكم بكونه بالغاً إلا إذا قام الدليل على بلوغه، لأنه ببلوغه تتعلق به التكاليف والإلزامات، والأصل براءة ذمته حتى يدل الدليل على بلوغه، وهذا مفرع على قاعدة: اليقين لا يزال بالشك، فنحن على يقين من أنه صبي وأنه دون البلوغ حتى نتأكد ونتحقق أنه قد بلغ.