يوم الفرار


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه أجمعين، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى من استن بسنته واهتدي بهديه إلى يوم الدين.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيتها المؤمنة.. أيتها التقية النقية! حديثنا هو عن اليوم الآخر، اليوم الآخر الذي لا يوم بعده، ولا يوم مثله.

إن الإيمان بالله واليوم الآخر ركن من أركان الإيمان وعقيدة من عقائد الإسلام الأساسية، فقضية الإيمان باليوم الآخر هي التي يقوم عليها بناء العقيدة بعد قضية التوحيد، واليوم الآخر وما فيه من الأمور الغيبية التي لا يدركها العقل، ولا سبيل لمعرفتها إلا بالنص القرآني والسنة النبوية.

وفي كتاب الله من ذكر اليوم الآخر وما فيه من الأهوال الشيء الكثير، فما تكاد تخلو صفحه من صفحات الكتاب الحكيم من صور ذلك اليوم أو موقف من مواقف ذلك اليوم العصيبة، فهو الذي لا يوم مثله ولا يوم قبله ولا بعده، إنه اليوم العقيم، قال سبحانه : وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ [الحج:55].

ولأهمية هذا اليوم العظيم نجد أن الله تعالى كثيراً ما يربط الإيمان به بالإيمان باليوم الآخر، قال سبحانه: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:177]، وقال عز من قائل: ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [الطلاق:2].

لماذا هذا الموضوع؟ ولماذا الكلام عن اليوم الآخر؟

أقول: لأسباب عدة:

أولها: الغفلة التي قد استحكمت على حياة كثير من الناس، وأصبحوا لا يبالون من حلال أم من حرام يأكلون، قال سبحانه: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [الأنبياء:1].

ثانياً : الانشغال بالدنيا وعمارتها أكثر من الانشغال بالاستعداد لليوم الآخر، قال سبحانه: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة:281].

ثالثاً -وهو الأهم-: أن الإيمان بالله واليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب هو الموجه الحقيقي والضابط الحقيقي لسلوك الإنسان، فهناك فرق بين سلوك من تؤمن بالله واليوم الآخر ومن لا تؤمن بالله واليوم الآخر، فإن من تعلم أن الدنيا مزرعة الآخرة، وأن الأعمال الصالحة هي زاد الآخرة، لن تنشغل بعمارة الدنيا عن الآخرة، أما قال سبحانه: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197].

وقال صلى الله عليه وسلم: (من جعل الهموم هماً واحداً -يعني: هم الآخرة- كفاه الله هم الدنيا وهم الآخرة) فهناك فرق بين سلوك من تؤمن بالله واليوم الآخر وسلوك ضعيفة الإيمان.

قال صاحب الظلال: فالمصدق بيوم الدين يعمل وهو ناظر لميزان السماء لا لميزان الأرض، ولحساب الآخرة لا لحساب الدنيا. انتهى كلامه رحمه الله.

فترى في المؤمنة بالله واليوم الآخر نظرة مختلفة للحياة، ترى فيها استقامة على الدين، ترى فيها سعة تصور وقوة إيمان، ترى فيها ثباتاً في الشدائد وصبراً على المصائب، فهي تعلم أن ما عند الله خير وأبقى، أما التي لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر، وما فيه من حساب وجزاء، فهي تحاول جاهدة أن تحقق مآربها في هذه الحياة، لاهثة وراء متعها، حريصة على جمعها، الدنيا أكبر همها ومبلغ علمها، تقيس الأمور بمنافعها ومصالحها الخاصة، لا تلتفت إلى بنيات جنسها إلا في حدود ما يحقق لها المصلحة، فتباً لها ولأمثالها!

أنكروا قضية الإيمان بالله واليوم الآخر، أنكروا قضية البعث والنشور، قال الله عنهم: وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ [الأنعام:29]، قال سبحانه عنهم: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [التغابن:7].

لهذا أيتها المؤمنة! ركز القرآن على قضية الإيمان باليوم الآخر، وإثبات البعث والنشور والجزاء، وجاءت أدلة كثيرة على ذلك.

النشأة الأولى

النشأة الأولى قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ [الحج:5]، فمن قدر على خلق الإنسان في أطوار متعددة فإنه لا يعجز عن إعادته مرة أخرى، بل الإعادة أهون عليه من البدء.

جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبيده عظمة بالية أكل الزمان عليها وشرب، فوضعها بين كفيه ثم فتها، ثم نفخها في الهواء وقال: يا محمد! ربك يحيي هذه بعد أن جعلتها هباء منثوراً؟ قال بأبي هو وأمي صلوات ربي وسلامه عليه: نعم، ويدخلك النار، فقال سبحانه عنه وعن أمثاله: أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس:77-79].

سبحانه جلت قدرته، وعلا سلطانه.

المشاهد الكونية المحسوسة

قدرة الله المتجلية في خلق ما هو أعظم

الحكمة الإلهية

النشأة الأولى قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ [الحج:5]، فمن قدر على خلق الإنسان في أطوار متعددة فإنه لا يعجز عن إعادته مرة أخرى، بل الإعادة أهون عليه من البدء.

جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبيده عظمة بالية أكل الزمان عليها وشرب، فوضعها بين كفيه ثم فتها، ثم نفخها في الهواء وقال: يا محمد! ربك يحيي هذه بعد أن جعلتها هباء منثوراً؟ قال بأبي هو وأمي صلوات ربي وسلامه عليه: نعم، ويدخلك النار، فقال سبحانه عنه وعن أمثاله: أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس:77-79].

سبحانه جلت قدرته، وعلا سلطانه.