شرح زاد المستقنع باب تعليق الطلاق بالشروط [6]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [ وإن قال: كلما طلقتك أو كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق. فوجدا، طلقت بالأولى طلقتين وفي الثانية ثلاثاً ].

تقدم معنا أن الطلاق له حالتان:

الحالة الأولى: أن يوقعه الزوج منجزاً، كقوله لامرأته: أنت طالقٌ، فهذا طلاق منجز، حيث أمضى طلاقها دون أن يعلقه على شيء.

الحالة الثانية: أن يكون معلقاً، والتعليق له مسائل وأحكام اعتنى العلماء -رحمهم الله- ببيانها وتفصيلها، وبين المصنف -رحمه الله- مسائل التعليق، وذكرنا أن التعليق لا يكون إلا من زوج، وبينا أنه إذا وقع من الأجنبي فلا يقع على أصح أقوال العلماء رحمهم الله.

ثم هذا التعليق يشتمل على ربط حصول مضمون جملة على حصول مضمون جملة أخرى، وبينا أن لهذا التعليق أدواتٍ يتم من خلالها ربط الجمل بعضها ببعض، ومنها ما يقتضي التكرار، ومنها ما لا يقتضي التكرار، وبينا مسائل الطلاق بالشروط، وفصلنا جملة من تلك المسائل، وما زال المصنف -رحمه الله- في نوع خاص من التعليق، في معرض بيانه لتعليق الطلاق على الطلاق، فالطلاق قد يعلق على وقوع شيء إذا وقع وقع الطلاق، فيعلق إما على أقوال وإما على أفعال، ثم هذا الشيء إذا كان من جنس الطلاق فإنه يعتبر فرداً من أفراد تعليق الطلاق على وقوع الشيء، لأن التعليق قد يكون على الأقوال وقد يكون على الأفعال، والطلاق من الأقوال، فالمصنف -رحمه الله- لا زال في معرض بيانه للمسائل التي تتعلق بتعليق الطلاق على الطلاق، وتعليق الطلاق على الطلاق تارةً يكون تعليقاً لطلقة على وقوع طلاق منه، وتارةً ينسحب الطلاق ويتكرر.

قال رحمه الله: [ وإن قال: كلما طلقتك أو كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ].

الفرق بين: (كلما طلقتك) و(كلما وقع عليك طلاقي)

هناك فرق بين الجملتين، فقوله: (كلما طلقتك) لا تقع الطلقة إلا بعد وقوع الطلاق منه، فأصبح الطلاق معلقاً عليه هو، وليس على وقوع الطلقة، وهناك فرق بين أن يعلق الطلاق على وقوعه من المطلق وبين أن يعلق الطلاق على مجرد وقوع الطلاق، فإذا علقه على تطليقه فلا تطلق إلا بتطليقه، ويكون الطلاق منحصراً في ذلك التطليق الذي يقع منه، وأما (كلما وقع عليك طلاقي) فقد علق الطلاق على وقوع الطلاق، فينسحب الطلاق وراء بعضه، فتطلق لوقوع الشرط الطلقة الأولى، فإن وقعت الطلقة الأولى جاء الشرط وتحقق للطلقة الثانية؛ لأنه كلما وقع عليها طلاق تقع طلقة ثانية لشرط ثان مستأنف، ويكون هذا مقتضياً للتكرار.

اللفظة الأولى: كلما طلقتك فأنت طالق، فلو قال لها: أنت طالقٌ فإنها تطلق عليه طلقتين:

الطلقة الأولى: بقوله: أنت طالق، والطلقة الثانية: مرتبة على شرط بينه وبين الله، أنه إن طلقها فهي طالق، فيكون الطلاق معلقاً على وقوعه من المطلق، ولا تستطيع أن تحدث طلقة ثالثة بعد هاتين الطلقتين لأنه يتقيد الطلاق في هذا الشرط بأن يحصل منه الطلاق، ولم يحصل منه إلا مرةً واحدة فلا يتكرر.

اللفظة الثانية: كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق، فقد علق الطلاق على وقوع الطلاق، فإذا قال لها: أنت طالق، وقع عليها الطلاق فتطلق الطلقة الثانية، فإذا طلقت الطلقة الثانية، وقع عليها طلاق فوقع الشرط فتطلق الثالثة، هذا الفرق بين الصورة الأولى والصورة الثانية، يقول رحمه الله:

(وإن قال كلما طلقتك أو كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق).

(كلما طلقتك) أسند إلى نفسه، (كلما وقع عليك طلاقي) أسند الطلاق ورتبه على وقوع الطلاق، وفي كلتا الصورتين لا يمكن أن يقع الطلاق في الابتداء إلا إذا حصل منه طلاق، فإذا حصل منه طلاق في قوله: (كلما طلقتك) فأسند الطلاق إلى نفسه؛ فتطلق طلقة واحدة مع الطلقة التي طلقها، لكن في قوله: كلما وقع عليك الطلاق مني فأنت طالق، فإنه إذا طلقها الطلقة الأولى؛ جاءت الطلقة الثانية بالشرط مثل الصورة الأولى، لكن هناك أمر آخر مرتب على الطلقة الثانية، وهو أنه كلما وقع طلاق تقع طلقة، فوقعت الثانية بالشرط ووقعت الثالثة بعدها بالوقوع؛ لأنه وقع طلاق فتحقق الشرط مرتين، ففي المرة الأولى تحقق بتطليقه، وفي المرة الثانية تحقق بوقوعه لتحقق الشرط فتطلق عليه ثلاثا.

ففي اللفظ الأول تطلق عليه مرتين، الطلقة الأولى بناءً على لفظه وتطليقه، والطلقة الثانية بناءً على شرطه، وأما في اللفظ الثاني: فإنها تطلق عليه ثلاثا، تطلق عليه الطلقة الأولى؛ لأنه طلق، وتطلق عليه الطلقة الثانية؛ لأنه وقع عليها طلاقه، وتطلق عليه الطلقة الثالثة لأنه وقع طلاقه بالطلقة الثانية، ولو كان الطلاق عشرين لانسحب الطلاق وراء بعضه حتى يستتم العشرين، هذا الفرق بين الصورة الأولى والثانية.

في الصورة الأولى: التكرار بوقوع الطلاق منه، وفي الصورة الثانية: التكرار بوقوع الطلاق؛ و(كلما) تقتضي التكرار، فيتكرر عليه الطلاق في الصورة الأولى بتكرره منه، كلما وقع منه طلاقه، ولا يتكرر إذا لم يقع منه طلاق، وفي الصورة الثانية: تقتضي (كلما) التكرار لحدوث الطلاق ويسحب بعضه بعضاً، فالطلقة الأولى موجبةٌ للثانية، والثانية موجبةٌ للثالثة، وهكذا حتى يستتم عدد الطلاق.

هناك فرق بين الجملتين، فقوله: (كلما طلقتك) لا تقع الطلقة إلا بعد وقوع الطلاق منه، فأصبح الطلاق معلقاً عليه هو، وليس على وقوع الطلقة، وهناك فرق بين أن يعلق الطلاق على وقوعه من المطلق وبين أن يعلق الطلاق على مجرد وقوع الطلاق، فإذا علقه على تطليقه فلا تطلق إلا بتطليقه، ويكون الطلاق منحصراً في ذلك التطليق الذي يقع منه، وأما (كلما وقع عليك طلاقي) فقد علق الطلاق على وقوع الطلاق، فينسحب الطلاق وراء بعضه، فتطلق لوقوع الشرط الطلقة الأولى، فإن وقعت الطلقة الأولى جاء الشرط وتحقق للطلقة الثانية؛ لأنه كلما وقع عليها طلاق تقع طلقة ثانية لشرط ثان مستأنف، ويكون هذا مقتضياً للتكرار.

اللفظة الأولى: كلما طلقتك فأنت طالق، فلو قال لها: أنت طالقٌ فإنها تطلق عليه طلقتين:

الطلقة الأولى: بقوله: أنت طالق، والطلقة الثانية: مرتبة على شرط بينه وبين الله، أنه إن طلقها فهي طالق، فيكون الطلاق معلقاً على وقوعه من المطلق، ولا تستطيع أن تحدث طلقة ثالثة بعد هاتين الطلقتين لأنه يتقيد الطلاق في هذا الشرط بأن يحصل منه الطلاق، ولم يحصل منه إلا مرةً واحدة فلا يتكرر.

اللفظة الثانية: كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق، فقد علق الطلاق على وقوع الطلاق، فإذا قال لها: أنت طالق، وقع عليها الطلاق فتطلق الطلقة الثانية، فإذا طلقت الطلقة الثانية، وقع عليها طلاق فوقع الشرط فتطلق الثالثة، هذا الفرق بين الصورة الأولى والصورة الثانية، يقول رحمه الله:

(وإن قال كلما طلقتك أو كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق).

(كلما طلقتك) أسند إلى نفسه، (كلما وقع عليك طلاقي) أسند الطلاق ورتبه على وقوع الطلاق، وفي كلتا الصورتين لا يمكن أن يقع الطلاق في الابتداء إلا إذا حصل منه طلاق، فإذا حصل منه طلاق في قوله: (كلما طلقتك) فأسند الطلاق إلى نفسه؛ فتطلق طلقة واحدة مع الطلقة التي طلقها، لكن في قوله: كلما وقع عليك الطلاق مني فأنت طالق، فإنه إذا طلقها الطلقة الأولى؛ جاءت الطلقة الثانية بالشرط مثل الصورة الأولى، لكن هناك أمر آخر مرتب على الطلقة الثانية، وهو أنه كلما وقع طلاق تقع طلقة، فوقعت الثانية بالشرط ووقعت الثالثة بعدها بالوقوع؛ لأنه وقع طلاق فتحقق الشرط مرتين، ففي المرة الأولى تحقق بتطليقه، وفي المرة الثانية تحقق بوقوعه لتحقق الشرط فتطلق عليه ثلاثا.

ففي اللفظ الأول تطلق عليه مرتين، الطلقة الأولى بناءً على لفظه وتطليقه، والطلقة الثانية بناءً على شرطه، وأما في اللفظ الثاني: فإنها تطلق عليه ثلاثا، تطلق عليه الطلقة الأولى؛ لأنه طلق، وتطلق عليه الطلقة الثانية؛ لأنه وقع عليها طلاقه، وتطلق عليه الطلقة الثالثة لأنه وقع طلاقه بالطلقة الثانية، ولو كان الطلاق عشرين لانسحب الطلاق وراء بعضه حتى يستتم العشرين، هذا الفرق بين الصورة الأولى والثانية.

في الصورة الأولى: التكرار بوقوع الطلاق منه، وفي الصورة الثانية: التكرار بوقوع الطلاق؛ و(كلما) تقتضي التكرار، فيتكرر عليه الطلاق في الصورة الأولى بتكرره منه، كلما وقع منه طلاقه، ولا يتكرر إذا لم يقع منه طلاق، وفي الصورة الثانية: تقتضي (كلما) التكرار لحدوث الطلاق ويسحب بعضه بعضاً، فالطلقة الأولى موجبةٌ للثانية، والثانية موجبةٌ للثالثة، وهكذا حتى يستتم عدد الطلاق.

حكم إيقاع الطلاق بالحلف بالطلاق

قال رحمه الله تعالى: [ فصل: إذا قال: إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال: أنت طالق إن قمت، طلقت في الحال ].

شرع المصنف -رحمه الله- في تعليق الطلاق على الحلف، والحقيقة أن الحلف له بابٌ مخصوص وهو باب الأيمان، والحلف شيء والطلاق شيءٌ آخر، لكن تجوّز العلماء وتسامحوا في إطلاق الحلف على الطلاق، وهذا لا يستلزم أن الطلاق يأخذ أحكام اليمين كلها، إنما هذا تجوز لوجه الشبه بين اليمين الذي هو الحلف وبين الطلاق، ووجه الشبه ينحصر في صور خاصة، منها: الطلاق في هذه الصورة في تعليق الطلاق بالشرط لقصد الكف أو الحمل على الفعل، فإذا علق الطلاق على شيء زاجراً امرأته عن ذلك الشيء أو حاثاً لها على ذلك الشيء، فإنه حينئذٍ يكون في معنى اليمين من جهة الحث على الترك أو على الفعل، لا أنه يمين؛ لأن الحلف لا يصلح بغير الله عز وجل، ولا ينعقد بغير الله عز وجل: (ومن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)، فليس بيمين شرعي من كل وجه، وإن كان بعض العلماء يرى أنه يكفر كفارة يمين، لكن هذا قول مرجوح، وجمهور السلف والأئمة -رحمهم الله- على وقوع الطلاق المعلق بالشرط الذي ألزم فيه المكلف نفسه فيما بينه وبين الله أن امرأته إن خرجت طلقت عليه، فلا فرق بين قوله: إن جاء الغد أو إن طلعت الشمس فأنت طالق، وبين قوله: إن قمت فأنت طالق، أو إن قعدت، أو إن سلمت على أبيك، أو إن زرت أهلك، فكلٌ منهما بمعنىً واحد، وهذا قول جمهور العلماء -رحمهم الله- ومنهم الأئمة الأربعة، فإذا علق فيما بينه وبين الله عز وجل من أجل أن يحث امرأته على فعل أو يمنعها ويزجرها من فعل فإنه في معنى اليمين من جهة الحث والمنع، لكنه لا يأخذ حكم اليمين من كل وجه، هذا من حيث الأصل، قال بعض العلماء: إنه يكون في حكم اليمين، وهذا قول مرجوح لأنه مبني على القياس والنظر، وأنتم تعلمون أن الطلاق مبناه تعبدي، وألفاظه في الأصل تعبدية في الكيفية، فالشرع جعل الطلاق جده جدٌ وهزله جدٌ، يقول العلماء: لفظ الطلاق على الخطر والمخاطرة، فالأصل أنه لا يتكلم متكلم بهذا الطلاق إلا ألزمه الشرع به، هذا هو الأصل، فلن يستطيع أحد أن يسقط هذا الإلزام الذي ألزم به المكلف نفسه إلا بدليل شرعي يبين أنه لا يأخذ حكم الطلاق، حتى الهازل الذي لا يقصد ولا يريد إيقاع الطلاق أمضى الشرع عليه الطلاق، مع أنه لا نية له، والشرع يعظم أمر النية، وقد تقدم بيان حكمة الشرع في اعتماد الطلاق، وأخذ الناس فيه بالحزم وبالجد، حتى أن الرجل لو قال لامرأته: أنت طالق، وفيما بينه وبين الله قصد أنها طالق من حبل؛ فإنها تطلق عليه قضاءً، كل هذا حتى لا يتلاعب الناس بهذا اللفظ المبني على الخطر، وأنه ينبغي أن يحتاط في أمر دينه، فهو حينما يقول لامرأته: إن خرجت من الدار فأنت طالق، لا يختلف اثنان أنه فيما بينه وبين الله عز وجل يريد إيقاع الطلاق إن خرجت من داره، وكونه يريد أن يمنعها أو يريد أن يحثها على الفعل؛ هذا أمر خارج عن صلب الموضوع، صلب الموضوع أن الله أعطاه إذا تلفظ بهذا الطلاق أن يمضي عليه الطلاق، هذا الذي مضت عليه الشريعة في جد الطلاق وهزله، وإذا ثبت كونه يقصد المنع فهذا أمر جاء تبعاً، وشرع الله ألزم كل مطلق بطلاقه، وجمهور العلماء على وقوع الطلاق المعلق بشرط سواءً تضمن الشرط حثاً أو منعاً وزجراً بحيث يقصد منه أن يحث امرأته على شيء أو تمتنع منه، فإن وقع الشرط وقع المشروط، فلو قال لها: إن خرجت فأنت طالق، فكل شخص يعرف معنى الطلاق، ويعرف أنه يقول لزوجته: إن خرجت -يعني: بينه وبين الله- فأنت طالق، فلا فرق بين قوله: إن خرجت فأنت طالق، وبين قوله: إن جاء الغد فأنت طالق، هذا قصده في الزمان، وهذا قصده في وقوع الفعل أو عدم وقوعه إن لم تقومي، إن لم تذهبي، إن لم تأتي، إن لم تعملي، كل هذا بينه وبين الله، وجاء بصيغة معروفةٍ في لسان العرب، وربط مضمون جملة بمضمون جملة أخرى، فنلزمه فيما بينه وبين الله بطلاقه، هذا من حيث الأصل.

إذا ثبت هذا، فإن تسمية الطلاق حلفاً ليس المراد أنه من كل وجه يأخذ حكم اليمين، ولا تشرع فيه كفارة اليمين، وما حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أحداً في الطلاق أن يكفر كفارة يمين، ولا عن واحدٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه أفتى أحداً في مسألة من مسائل الطلاق أن يكفر كفارة يمين، بل جماهير السلف من العلماء والأئمة -رحمهم الله- على أن من علق طلاقاً بينه وبين الله عز وجل على وقوع الشيء الذي اشترطه؛ أنه يلزم بالطلاق، ولا فرق في ذلك بين أن يعلق على زمان أو مكان أو بين أن يعلق على وقوع شيء أمراً وحثاً أو زجراً وتركاً.

تعليق الطلاق على الحلف بالطلاق

شرع المصنف -رحمه الله- في تعليق الطلاق على الحلف، وكما ذكرنا أنه إذا قال لها: إن ذهبت إلى أمك، إن ذهبت إلى أهلك، إن قمت، إن قعدت، إن لم تتكلمي، إن لم تعملي، إن تكلمت فأنت طالق، إن خرجت فأنت طالق، وكان يقصد منعها من الخروج، أو منعها من الكلام... إلخ. هذه يسميها العلماء الحلف بالطلاق، ويتجوزون في تسمية الطلاق بالحلف.

فهنا كي يبين المصنف حكم التعليق على وجود أمرٍ آخر مرتبط بالحث على فعل شيء أو ترك شيء قال رحمه الله:

(إذا قال: إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال: أنت طالق إن قمت، طلقت في الحال).

(إذا حلفت بطلاقك) أي: إذا وقعت مني صيغة الحلف بالطلاق فإنك طالقة، بناءً على هذا: ننتظر منه أن يقول هذه الصيغة، فلو قال لها بعد هذا: إن قمت فأنت طالق، فإنها تطلق؛ لأنها وجدت صيغة الحلف؛ لأنه لا يريد منها القيام إن قال لها: إن قمت، أو قال لها: إن خرجت، فهو لا يريد منها الخروج، فهذا في معنى الحلف لما ذكرنا، فعلق الطلاق على الحلف وكأنه قال: إن علقت طلاقك على فعلك شيئاً أو تركك شيئاً فأنت طالق، فإن وقع منه تعليق على هذا الوجه فإنه يحكم بالطلاق، سواءً قال لها: إن قمت، إن قعدت، إن أكلت، إن تكلمت ونحو ذلك من صيغ التعليق فإنها تطلق في الحال، ولو قال لها: إن حلفت بطلاقك فأنت طالقٌ، قال ذلك -مثلاً- الساعة الواحدة ظهراً، ثم الساعة الثانية قال لها: إن ذهبت إلى بيت أبيك فأنت طالق، طلقت في الساعة الثانية ظهراً بالتعليق الأول؛ لأنه وقع منه تعليق على الخروج، وهو بمعنى الحلف، ثم ننتظر إن خرجت إلى أبيها وقعت الطلقة الثانية، وهذا مبني على ما ذكرناه من مسألة التعليق على الحلف.

قال المصنف رحمه الله: [لا إن علقه بطلوع الشمس ونحوه لأنه شرط لا حلف].

تقدمت معنا مسائل التعليق على الزمان، وإضافته إلى الزمان المستقبل، وبينا الصور والمسائل التي ذكرها العلماء في هذا الموضع.

صورة المسألة التي ذكرها المصنف: أن يقول لها: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال لها: إن طلعت الشمس فأنت طالق، (إن طلعت الشمس) ليست بحلف؛ لأنها لا تتضمن حثاً على فعل، ولا منعاً من شيء، فهذه الجملة ليست عندهم في معنى اليمين ولا في معنى الحلف، وقالوا: في هذه الحالة علق طلاقه على طلوع الشمس فإن طلعت الشمس حكم بطلاقها، وفي هذه المسألة بعض العلماء يقول: إنها تطلق حالاً، والجمهور على أنها تطلق بطلوع الشمس، فعلى هذا إذا اشترط الحلف فلا بد وأن تتضمن صيغة التعليق أمراً بشيء أو نهياً عنه كما ذكرنا.

تكرار صيغة (إن حلفت بطلاقك فأنت طالق)

قال المصنف رحمه الله: [ وإن حلفت بطلاقك فأنت طالق أو إن كلمتك فأنت طالق وأعاده مرة أخرى طلقت واحدة ومرتين فاثنتان وثلاثا فثلاث ].

(إن حلفت بطلاقك فأنت طالق) يقع الطلاق فيها بصورتين:

الصورة الأولى: أن يحلف وتقع منه صيغة ثانية غير الصيغة التي قالها أولاً، مثال ذلك: أن يقول: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق؛ ثم يقول لها: إن قمت فأنت طالق، فإنها تطلق في الحال؛ لأنه حلف بطلاقها بقوله: إن قمت، وهي صيغة للحلف غير الصيغة التي ذكرها أولاً.

الصورة الثانية: أن يكون التطليق بهذا التعليق بنفس الصيغة، مثال ذلك: أن يقول لها: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم بعد وقت قال لها: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق، فهذا حلفٌ بالطلاق فتطلق عليه، ولو جاء مرة ثانية وقال لها: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق فالطلقة ثانية، وإن جاء مرة ثالثة وقال: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق، تطلق الطلقة الثالثة؛ لأنه في كل إعادة يعيدها وقعت منه صيغة الحلف، ووقع منه التعليق الذي يوصف بكونه حلفا عند من يسميه بهذا الاسم من العلماء رحمهم الله.

إذاً: (إن حلفت بطلاقك) لها صورتان:

إما أن يحلف بطلاقها حقيقة وحينئذٍ لا إشكال، إذا وقع الشرط وقع المشروط.

وإما أن يكرر نفس الصيغة، وهي من صيغ الحلف.

فالتطليق يكون إما بوقوع حلف خارجٍ عن الصيغة الأساسية أو يكون بتكرار الصيغة نفسها؛ لأنه فيما بينه وبين الله أنه مطلقٌ لها إن وقعت منه صيغة الحلف، فإن طلقنا عليه في المرة الأولى فقد طلقنا عليه بصيغة الحلف وتحقق الشرط، وهكذا في المرة الثانية، وهكذا في المرة الثالثة.

(أو إن كلمتك فأنت طالق وأعاده مرة أخرى طلقت واحدة ومرتين فاثنتان، وثلاثاً فثلاث).

(أو إن كلمتك فأنت طالق) في هذه الحالة لو جاء وقال لها مرة ثانية: إن كلمتك فأنت طالق، فقد كلمها، مثلاً: قال لها الآن: إن كلمتك فأنت طالق، ثم بعد دقيقة قال لها: إن كلمتك فأنت طالق، فإنها تطلق عليه، فإن رجع مرة ثانية وقال: إن كلمتك فأنت طالق، فطلقة ثانية، وإن رجع فثالثةً؛ لأنه تكلم، وإذا وقع الشرط فقد وقع المشروط، بناءً على ذلك: يحكم بطلاقها ثلاثاً إن تكرر منه ذلك ثلاثاً.

قال رحمه الله تعالى: [ فصل: إذا قال: إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال: أنت طالق إن قمت، طلقت في الحال ].

شرع المصنف -رحمه الله- في تعليق الطلاق على الحلف، والحقيقة أن الحلف له بابٌ مخصوص وهو باب الأيمان، والحلف شيء والطلاق شيءٌ آخر، لكن تجوّز العلماء وتسامحوا في إطلاق الحلف على الطلاق، وهذا لا يستلزم أن الطلاق يأخذ أحكام اليمين كلها، إنما هذا تجوز لوجه الشبه بين اليمين الذي هو الحلف وبين الطلاق، ووجه الشبه ينحصر في صور خاصة، منها: الطلاق في هذه الصورة في تعليق الطلاق بالشرط لقصد الكف أو الحمل على الفعل، فإذا علق الطلاق على شيء زاجراً امرأته عن ذلك الشيء أو حاثاً لها على ذلك الشيء، فإنه حينئذٍ يكون في معنى اليمين من جهة الحث على الترك أو على الفعل، لا أنه يمين؛ لأن الحلف لا يصلح بغير الله عز وجل، ولا ينعقد بغير الله عز وجل: (ومن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)، فليس بيمين شرعي من كل وجه، وإن كان بعض العلماء يرى أنه يكفر كفارة يمين، لكن هذا قول مرجوح، وجمهور السلف والأئمة -رحمهم الله- على وقوع الطلاق المعلق بالشرط الذي ألزم فيه المكلف نفسه فيما بينه وبين الله أن امرأته إن خرجت طلقت عليه، فلا فرق بين قوله: إن جاء الغد أو إن طلعت الشمس فأنت طالق، وبين قوله: إن قمت فأنت طالق، أو إن قعدت، أو إن سلمت على أبيك، أو إن زرت أهلك، فكلٌ منهما بمعنىً واحد، وهذا قول جمهور العلماء -رحمهم الله- ومنهم الأئمة الأربعة، فإذا علق فيما بينه وبين الله عز وجل من أجل أن يحث امرأته على فعل أو يمنعها ويزجرها من فعل فإنه في معنى اليمين من جهة الحث والمنع، لكنه لا يأخذ حكم اليمين من كل وجه، هذا من حيث الأصل، قال بعض العلماء: إنه يكون في حكم اليمين، وهذا قول مرجوح لأنه مبني على القياس والنظر، وأنتم تعلمون أن الطلاق مبناه تعبدي، وألفاظه في الأصل تعبدية في الكيفية، فالشرع جعل الطلاق جده جدٌ وهزله جدٌ، يقول العلماء: لفظ الطلاق على الخطر والمخاطرة، فالأصل أنه لا يتكلم متكلم بهذا الطلاق إلا ألزمه الشرع به، هذا هو الأصل، فلن يستطيع أحد أن يسقط هذا الإلزام الذي ألزم به المكلف نفسه إلا بدليل شرعي يبين أنه لا يأخذ حكم الطلاق، حتى الهازل الذي لا يقصد ولا يريد إيقاع الطلاق أمضى الشرع عليه الطلاق، مع أنه لا نية له، والشرع يعظم أمر النية، وقد تقدم بيان حكمة الشرع في اعتماد الطلاق، وأخذ الناس فيه بالحزم وبالجد، حتى أن الرجل لو قال لامرأته: أنت طالق، وفيما بينه وبين الله قصد أنها طالق من حبل؛ فإنها تطلق عليه قضاءً، كل هذا حتى لا يتلاعب الناس بهذا اللفظ المبني على الخطر، وأنه ينبغي أن يحتاط في أمر دينه، فهو حينما يقول لامرأته: إن خرجت من الدار فأنت طالق، لا يختلف اثنان أنه فيما بينه وبين الله عز وجل يريد إيقاع الطلاق إن خرجت من داره، وكونه يريد أن يمنعها أو يريد أن يحثها على الفعل؛ هذا أمر خارج عن صلب الموضوع، صلب الموضوع أن الله أعطاه إذا تلفظ بهذا الطلاق أن يمضي عليه الطلاق، هذا الذي مضت عليه الشريعة في جد الطلاق وهزله، وإذا ثبت كونه يقصد المنع فهذا أمر جاء تبعاً، وشرع الله ألزم كل مطلق بطلاقه، وجمهور العلماء على وقوع الطلاق المعلق بشرط سواءً تضمن الشرط حثاً أو منعاً وزجراً بحيث يقصد منه أن يحث امرأته على شيء أو تمتنع منه، فإن وقع الشرط وقع المشروط، فلو قال لها: إن خرجت فأنت طالق، فكل شخص يعرف معنى الطلاق، ويعرف أنه يقول لزوجته: إن خرجت -يعني: بينه وبين الله- فأنت طالق، فلا فرق بين قوله: إن خرجت فأنت طالق، وبين قوله: إن جاء الغد فأنت طالق، هذا قصده في الزمان، وهذا قصده في وقوع الفعل أو عدم وقوعه إن لم تقومي، إن لم تذهبي، إن لم تأتي، إن لم تعملي، كل هذا بينه وبين الله، وجاء بصيغة معروفةٍ في لسان العرب، وربط مضمون جملة بمضمون جملة أخرى، فنلزمه فيما بينه وبين الله بطلاقه، هذا من حيث الأصل.

إذا ثبت هذا، فإن تسمية الطلاق حلفاً ليس المراد أنه من كل وجه يأخذ حكم اليمين، ولا تشرع فيه كفارة اليمين، وما حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أحداً في الطلاق أن يكفر كفارة يمين، ولا عن واحدٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه أفتى أحداً في مسألة من مسائل الطلاق أن يكفر كفارة يمين، بل جماهير السلف من العلماء والأئمة -رحمهم الله- على أن من علق طلاقاً بينه وبين الله عز وجل على وقوع الشيء الذي اشترطه؛ أنه يلزم بالطلاق، ولا فرق في ذلك بين أن يعلق على زمان أو مكان أو بين أن يعلق على وقوع شيء أمراً وحثاً أو زجراً وتركاً.

شرع المصنف -رحمه الله- في تعليق الطلاق على الحلف، وكما ذكرنا أنه إذا قال لها: إن ذهبت إلى أمك، إن ذهبت إلى أهلك، إن قمت، إن قعدت، إن لم تتكلمي، إن لم تعملي، إن تكلمت فأنت طالق، إن خرجت فأنت طالق، وكان يقصد منعها من الخروج، أو منعها من الكلام... إلخ. هذه يسميها العلماء الحلف بالطلاق، ويتجوزون في تسمية الطلاق بالحلف.

فهنا كي يبين المصنف حكم التعليق على وجود أمرٍ آخر مرتبط بالحث على فعل شيء أو ترك شيء قال رحمه الله:

(إذا قال: إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال: أنت طالق إن قمت، طلقت في الحال).

(إذا حلفت بطلاقك) أي: إذا وقعت مني صيغة الحلف بالطلاق فإنك طالقة، بناءً على هذا: ننتظر منه أن يقول هذه الصيغة، فلو قال لها بعد هذا: إن قمت فأنت طالق، فإنها تطلق؛ لأنها وجدت صيغة الحلف؛ لأنه لا يريد منها القيام إن قال لها: إن قمت، أو قال لها: إن خرجت، فهو لا يريد منها الخروج، فهذا في معنى الحلف لما ذكرنا، فعلق الطلاق على الحلف وكأنه قال: إن علقت طلاقك على فعلك شيئاً أو تركك شيئاً فأنت طالق، فإن وقع منه تعليق على هذا الوجه فإنه يحكم بالطلاق، سواءً قال لها: إن قمت، إن قعدت، إن أكلت، إن تكلمت ونحو ذلك من صيغ التعليق فإنها تطلق في الحال، ولو قال لها: إن حلفت بطلاقك فأنت طالقٌ، قال ذلك -مثلاً- الساعة الواحدة ظهراً، ثم الساعة الثانية قال لها: إن ذهبت إلى بيت أبيك فأنت طالق، طلقت في الساعة الثانية ظهراً بالتعليق الأول؛ لأنه وقع منه تعليق على الخروج، وهو بمعنى الحلف، ثم ننتظر إن خرجت إلى أبيها وقعت الطلقة الثانية، وهذا مبني على ما ذكرناه من مسألة التعليق على الحلف.

قال المصنف رحمه الله: [لا إن علقه بطلوع الشمس ونحوه لأنه شرط لا حلف].

تقدمت معنا مسائل التعليق على الزمان، وإضافته إلى الزمان المستقبل، وبينا الصور والمسائل التي ذكرها العلماء في هذا الموضع.

صورة المسألة التي ذكرها المصنف: أن يقول لها: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال لها: إن طلعت الشمس فأنت طالق، (إن طلعت الشمس) ليست بحلف؛ لأنها لا تتضمن حثاً على فعل، ولا منعاً من شيء، فهذه الجملة ليست عندهم في معنى اليمين ولا في معنى الحلف، وقالوا: في هذه الحالة علق طلاقه على طلوع الشمس فإن طلعت الشمس حكم بطلاقها، وفي هذه المسألة بعض العلماء يقول: إنها تطلق حالاً، والجمهور على أنها تطلق بطلوع الشمس، فعلى هذا إذا اشترط الحلف فلا بد وأن تتضمن صيغة التعليق أمراً بشيء أو نهياً عنه كما ذكرنا.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع كتاب البيع [4] 3698 استماع
شرح زاد المستقنع باب الرجعة [1] 3616 استماع
شرح زاد المستقنع باب ما يختلف به عدد الطلاق 3438 استماع
شرح زاد المستقنع باب صلاة التطوع [3] 3370 استماع
شرح زاد المستقنع واجبات الصلاة 3336 استماع
شرح زاد المستقنع باب الإجارة [10] 3317 استماع
شرح زاد المستقنع باب التيمم [1] 3267 استماع
شرح زاد المستقنع باب صوم التطوع [2] 3223 استماع
شرح زاد المستقنع باب شروط القصاص 3183 استماع
شرح زاد المستقنع باب نفقة الأقارب والمماليك [6] 3163 استماع