خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/68"> الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/68?sub=33614"> شرح كتاب زاد المستقنع
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح زاد المستقنع باب تعليق الطلاق بالشروط [4]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم.
أما بعد:
فقال الإمام المصنف رحمه الله تعالى: [ فصلٌ: إذا قال: إن حضتِ فأنت طالق طلقت بأول حيضٍ متيقن ]:
ذكر المصنف -رحمه الله- في هذا الموضع جملةً من المسائل المتعلقة بتعليق الطلاق بالحيض، وقد قدمنا أن النصوص في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم تدل دلالة واضحة على أنه ينبغي للمسلم إذا أراد أن يطلق زوجه أن يطلقها في طهرٍ لم يمسها فيه، وبينا أن الإجماع منعقد على تحريم تطليق المرأة إذا كانت في الحيض، وهذا الإجماع مستندٌ إلى النصوص التي ذكرناها، ولذلك غضب صلى الله عليه وسلم على ابن عمر حينما أخبره عمر أنه طلق زوجته وهي حائض.
تعليق الطلاق بوقوع الحيض
القسم الأول: أن يكون الطلاق في الحيض، فلو أن رجلاً طلق امرأته بعد أن دخل بها في حال حيضها فالإجماع منعقد على أنه طلاق حيضٍ محرم.
القسم الثاني: أن يطلقها تعليقاً بالحيض، فتكون طاهرة، ويقول: إن حضتِ، فهذه المسألة حكمها حكم الطلاق في الحيض، فالرجل إذا قال لامرأته: إن حضت فأنت طالق، فإنه طلاقٌ محرم، وهو طلاق بدعي، وعلى هذا يكون آثماً بهذا النوع من التعليق، فهذا التعليق محرم، واستفدنا من هذه الجملة أن الطلاق في حال الحيض يستوي فيه أن تكون المرأة أثناء الطلاق حائضاً أو تكون المرأة غير حائضٍ فيطلقها معلقاً طلاقها على الحيض، فإذا علق طلاقها على الحيض، فإن الطلاق غالباً يكون مستقبلاً، فيشمل التطليق في الحيض ما يكون حالاً وما يكون مسنداً إلى الاستقبال بصيغة التعليق.
قال رحمه الله: (إن قال لها: إن حضت فأنت طالق) أي: بينه وبين الله، فإن امرأته طالق إن حاضت حيضة كاملة، يعني: إن دخلت في حيضها، فإننا نحكم بتطليقها إذا تبين حيضها.
وهذه الجملة تفيد أنه بمجرد دخولها في الحيض وثبوت الحيض بالنسبة لها تكون طالقا، فإن تكلم بهذه الصيغة والمرأة صغيرة لم تحض بعد، كأن يكون عمرها خمس سنوات، أو ست سنوات، أو سبع سنوات، أو ثماني سنوات، فقال لها: أنت طالقٌ مني إن حضت، يعني: إن جاءك دم الحيض فأنت طالق، فننتظر إلى أقل سنٍ تحيض فيه المرأة، ولا نتيقن بكونها حائضاً إلا إذا بلغت تسع سنين على التفصيل الذي قدمناه في كتاب الحيض، وقد ذكرنا رواية البيهقي رحمه الله عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة)، أي: تأهلت للحيض لتسع سنين، ومن هنا أخذ طائفة من أهل العلم أن أقل سنٍ تحيض فيه المرأة تسع سنوات، وأبو بكر رضي الله عنه زوج النبي صلى الله عليه وسلم بـعائشة وعمرها ست سنين، ودخل عليه الصلاة والسلام بها وعمرها تسع سنين، وهذا يؤكد أن تسع سنين تتأهل فيها المرأة للزواج وتتأهل للحيض، فإذا قال رجل: زوجتك ابنتي وعمرها ست سنوات، فعقد عليها، فتم العقد فقال له: إن حاضت ابنتك فهي طالق فحينئذٍ ما قبل سن المحيض تكون في عصمة الرجل ولا يقع الطلاق، فننتظر إلى أقل سنٍ تحيض فيه المرأة، ثم ننظر إلى دم الحيض بصفاته على التفصيل والضوابط التي تقدمت معنا في كتاب الحيض، فلا بد من أمرين:
أولاً: السن.
والثاني: أن يكون الدم الذي يجري من المرأة دم حيضٍ لا دم استحاضة؛ لأنه ربما كان عمرها تسع سنين ولا يتبين أن ما يخرج منها دم حيض ولهذا قال المصنف رحمه الله: (بأول حيض متيقن) فعندنا في الحيض شك ويقين، ومسألة أقل سن تحيض فيه المرأة قد بيناها، وكذلك مسألة أقل الحيض قد تقدمت في كتاب الحيض وذكرنا خلاف العلماء -رحمهم الله- في أقل الحيض وأنه تتفرع عليه مسائل عديدة ومنها هذه المسألة، فأنت إذا قلت: إن أقل الحيض يوم وليلة أي: أربع وعشرون ساعة، فلو أن بنتاً عمرها تسع سنوات خرج منها دم لكن هذا الدم استمر سبع ساعات وانقطع فليس بحيض على هذا القول، ولا تطلق المرأة عند من يقول: إنه لا بد أن يستمر أربعاً وعشرين ساعة.
فلو أن امرأة بلغت تسع سنين وجرى معها دم ولم يستتم أربعاً وعشرين ساعة فإنها لا تطلق بذلك الدم، ولا يعتبر ذلك الدم دم حيض، وهذا على مذهب الشافعية والحنابلة الذين يقولون: أقل الحيض يوم وليلة، والحنفية -رحمهم الله- يقولون: ثلاثة أيام، والظاهرية والمالكية واختيار شيخ الإسلام رحمه الله أن الحيض لا حد لأقله، وأن المرأة ممكن أن تدفع الدفعة من الحيض، وذكرنا أن هذا هو أصح أقوال العلماء؛ لأنه لم يرد في كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تحديد يدل على أن اليوم أو الليلة أو أن الثلاثة الأيام هي أقل ما تحيض به المرأة، وإنما استندوا في ذلك إلى أدلة نظرية، والصحيح أن الحيض يكون قليلاً وكثيراً ولا ضابط له من حيث الساعات أو الزمان.
إذا ثبت هذا فنحسب أقل سن تحيض فيه المرأة، فإن كانت السن سن حيض وخرج معها دم الحيض على صفاته فإننا نحكم بكونها طالقاً.
تعليق الطلاق باكتمال الحيض
قوله: (وإذا حضت) لاحظ، (إن حضت) بمجرد تيقن الحيض، (وإذا حضت حيضة) هذا له حكم، فهنا لفظ وهنا لفظ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [الطلاق:3] وينبغي أن نتنبه إلى أن العلماء -رحمهم الله- حينما يذكرون هذه الألفاظ ويدققون في كل كلمة وكل جملة ليست القضية قضية الحيض فقط، بل القضية قضية تمرين الفقيه وطالب العلم على أن يعطي كل كلمة حقها وقدرها، فقد تأتي مسألة من المسائل التي تتعلق بالحقوق والأموال وتتفرع على هذا الأصل الذي ذكره العلماء في الألفاظ، فأنت إذا عرفت من باب الحيض أن التعليق بالشروط له ضوابط معينة من جهة الألفاظ فتستطيع أن تطرد ذلك في كل شيء يقع، حتى لو أن رجلاً قال لعامل عنده: إن جاءك محمد فأعطه مائة ألف، فاتصل محمد على العامل وقال له: سيأتيك سعد وأعطه المائة ألف، فجاء سعد وأخذها وسرق المال، من يضمن؟ يضمن العامل؛ لأنه قال له: إن جاء وكلمة (إن جاء) ليست كما لو اتصل، ففي الشريعة تقييد وإلزام ولا يقول الإنسان لماذا الفقهاء يقولون: إن حضت وإذا حضت؟ فالشريعة تامة كاملة، ومن تمامها وكمالها أنها تعطي كل لفظٍ حقه، ودلالته ومعناه.
فلو قال الرجل لزوجته: إن حضت، وقصد حيضة كاملة فحينئذٍ لا تطلق قبل أن تحيض حيضة كاملة، والفرق: أن قوله: إن حضت، مراده الدخول في الحيض، وأما قوله: إن حضت حيضة كاملة أو إن حضت حيضة، مراده إكمال مدة الحيض، فلو قال هذا الكلام أثناء حيضها فإنها تطلق على الأول ولا تطلق على الثاني، حتى تأتي الحيضة التي تلي الحيضة التي قال ذلك فيها؛ لأنه إذا قال لها: إن حضت حيضة كاملة، أو إن حضت حيضة فإنه أثناء الحيض لم تحض بعد حيضة كاملة من قوله إلى نهاية الحيض، فلو قال لها: (إن حضت حيضة فأنت طالق) وقصد الحيضة الكاملة الثانية، فإن وقع هذا الكلام قبل الحيض ننتظر حتى تبدأ الحيض، فإن حاضت وتمت عادتها من الحيض طلقت، وحكمنا بطلاقها، وإن كانت أيست وانقطع حيضها لم يقع الطلاق؛ لأن الطلاق موقوفٌ على وجود الحيض، وفائدة التعليق وجود الحيض، فلو قال لها وعمرها ستون سنة: إن حضت حيضة فأنت طالق، فبعد الستين انقطع عنها الحيض فحينئذٍ لا تطلق؛ لأن الشرط مركب على وجود حيضة تامة كاملة، حتى ولو قال لها هذا الكلام في آخر حيضة حاضتها من عمرها لم تطلق؛ لأنه لو مضى من الحيضة ثلاثة أيام أو أربع أيام، أو مضى منها ساعة أو مضى منها يوم فإنها لم تحض بعد الشرط حيضة كاملة، مثال ذلك: امرأة عادتها أن تحيض سبعة أيام، فلما صارت في آخر حيضة من عمرها حاضت اليوم الأول فقال لها زوجها في اليوم الثاني: إن حضت حيضة كاملة فأنت طالق، فإنها بعد هذا الشرط حاضت حيضة ناقصة؛ لأنها بقي لها من عادتها ستة أيام، فما دام أنه قد مضى جزءٌ من الحيضة قبل الشرط فالحيضة غير كاملة، فتوفي هذه الحيضة وتنتظر هل تحيض بعد هذا الشرط أو لا؟ فإن لم تحض؛ فحينئذٍ لا يقع الطلاق، وإن طهرت ثم حاضت فإننا ننتظر إلى تمام عادتها ونحكم بطلاقها، فهذا الفرق بين قوله: إن حضت حيضة، وقوله: إن حضت.
تعليق الطلاق بمضي جزء من الحيض
لاحظ الفرق، والعلماء يرتبون المسألة على المسألة، فأنت تقول: إن حضت حيضة كاملة، فمعناه: أنه لو خاطبها بهذا الشرط أثناء حيضها، فإننا نلغي الحيضة التي وقع عليها الشرط، وننتظر إلى طهرها وحيضها من بعد، فلو انقطع حيضها فلا تطلق، وإن حاضت حيضة تامة بعد هذا الشرط حكمنا بطلاقها بمجرد تمام الحيض، ولو قال لها: إن حضت نصف حيضة فأنت طالق، ننظر حينئذٍ إلى عادتها فإن كانت عادتها ثمانية أيام، فمعناه: أن نصفها أن تحيض أربعة أيام، فتتفرع مسائل عديدة، منها: أنه لو قال لها: إن حضت نصف حيضة وكانت قد مضت ثلاثة أيام فإننا نعتد بالأربعة أيام، ونحكم بطلاقها بمضي أربعة أيام بعد الثلاث، فتكون طالقاً في اليوم السابع عند من يوقع الطلاق في الحيض، وإن مضى أربعة أيام وبقيت أربعة أيام فتطلق بعد تمام اليوم الثامن الذي هو الطهر، لكن لو قال لها: إن حضت نصف حيضة وكان قد بقي من عادتها ثلاثة أيام وحيضتها ثمانية أيام فإنها تلغى هذه الحيضة كلها، وتنتظر إلى الحيضة الثانية، فلو أنها توفيت قبل الحيضة الثانية، أو انقطع حيضها قبل الحيضة الثانية لم يتبعها طلاقها.
فالمسائل كلها تترتب عليها أحكام، إذا علقت الطلاق على شرطٍ معين كلاً أو جزءاً تراعي الكلية في ما يشترط فيه الكلية، والجزء فيما يشترط فيه الجزء، فإن بقي من زمان الحيض ما يتحقق به وصف النصف أو الربع -على حسب ما يذكر من شرطه- حكمنا بوقوع الطلاق بعد ذهاب ذلك العدد الذي اشترط فيما بينه وبين ربه أن زوجه تطلق به.
هذا بالنسبة لمسألة: إن حضت حيضة، وإن حضت نصف حيضة، فانظر إلى ترتيب المصنف، فهي ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: إن حضت، ومتى حضت، وأي وقتٍ تحيضين، فحينئذٍ نحكم بالطلاق بمجرد دخولها في الحيض على القول الراجح بأن أقل الحيض لا حد له، وأما عند من يشترط اليوم والليلة، أو يشترط ثلاثة أيام فلا نحكم بطلاقها إلا إذا بقي الدم يوماً وليلة، أو بقي ثلاثة أيام على الخلاف المذكور، وأما على القول بأن قليل الحيض وكثيره سواء فتطلق بمجرد دخولها في الحيض، هذه هي المسألة الأولى، ووجه هذه المسألة أن الرجل طلق امرأته فيما بينه وبين الله إذا دخلت في حيضٍ، فبمجرد دخولها في الحيض تطلق.
المسألة الثانية: يعطي شرطاً أوسع من شرط الدخول، فيقول لها: إن حضت حيضة كاملة، فلا يكفي دخولها في الحيض، ولا يكفي ابتداؤها الحيض أو شروعها في الحيض بل ننتظر إلى تمام عادتها فلو قال لها وهي طاهر: إن حضت حيضة كاملة فأنت طالق فحاضت يوم السبت وماتت الأحد فهي في عصمته، ولا يتبعها طلاقه؛ لأنها لم تحض حيضة تامة كاملة.
المسألة الثالثة: إن قال لها: إن حضت نصف حيضة أو ربع حيضة فننظر إلى عدد أيام عادتها ونحكم بالطلاق مجزأ فإن قال لها: إن حضت نصف حيضة، لم يخل من حالتين:
إما أن يتكلم به قبل الحيض فنقول: بمجرد ما تبتدئ الحيضة المستقبلة الآتية نحسب عدد النصف، ونطلقها في نصف عادتها التي ستأتي، هذا إذا كان وقع كلامه قبل الحيض، فتطلق في نصف العادة الآتية، وإما إن قال هذا الكلام أثناء الحيض نظرنا: فإن بقي من أيام عادتها ما يعادل النصف فأكثر طلقناها بمجرد مضي عدد الأيام التي تستوعب نصف العادة، وحينئذٍ نحكم بأنها طالق، فإن مضى من عادتها يومان وعادتها ثمانية، فنحكم بكونها طالقاً بعد مضي أربعة أيام بعد اليومين أي: بعد السادس، ولا ننتظر إلى النصف الثاني وإنما نقول: تتجزأ بالأيام، وأما لو كان اعتد به كاملاً وجعل الطلاق على الحيض كاملاً فالعبرة بكماله، أو جعل الطلاق على بعضه، فالعبرة بذلك البعض، أو جعل الطلاق بمجرد تيقن دخول الحيض وحكمنا بالطلاق.
وتبين بهذا أن قوله: إن حضت حيضة تامة، أهون من قوله: إن حضت، أو إن حضت نصف حيضة، فإن قوله: إن حضت، مراده: بمجرد دخول الحيضة فيكون طلاقاً بدعياً، وإن قال: إن حضت نصف حيضة فيكون قبل الحيض بدعياً، وإذا بقي من عادتها النصف يكون سنياً؛ لأنه إذا قال لها: إن حضت نصف حيضة، في أثناء الحيض، وبقي من حيضها النصف فمعناه أنها ستطلق بعد طهرها، فيكون سنياً، فافترق الحكم، والحاصل: أن الطلاق يكون بدعياً إن قصد مجرد وجود الحيض إن حاضت، ويكون سنياً إن قال: إن حضت حيضة تامة، لأنه يقع بعد الطهر، فبمجرد دخولها في طهرٍ لم يجامعها فيه يقع الطلاق سنياً، ويكون محتملاً إن قال: نصف حيضة، فإن قال ذلك قبل الحيض فبدعيٌ؛ لأنه سيقع في نصف العادة، وإن قاله وقد بقي من عادتها ما يستوعب النصف فأكثر فبدعي أيضاً؛ لأنه سيبقى من حيضها يوم أو يومان فيقع الطلاق وهي حائض، وإن قال ذلك ولم يبق إلا القدر الذي اشترط فسنيٌ لأنها تطهر ويكون حينئذٍ طلاقها في طهرٍ لم يجامعها فيه.
الطلاق في الحيض ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون الطلاق في الحيض، فلو أن رجلاً طلق امرأته بعد أن دخل بها في حال حيضها فالإجماع منعقد على أنه طلاق حيضٍ محرم.
القسم الثاني: أن يطلقها تعليقاً بالحيض، فتكون طاهرة، ويقول: إن حضتِ، فهذه المسألة حكمها حكم الطلاق في الحيض، فالرجل إذا قال لامرأته: إن حضت فأنت طالق، فإنه طلاقٌ محرم، وهو طلاق بدعي، وعلى هذا يكون آثماً بهذا النوع من التعليق، فهذا التعليق محرم، واستفدنا من هذه الجملة أن الطلاق في حال الحيض يستوي فيه أن تكون المرأة أثناء الطلاق حائضاً أو تكون المرأة غير حائضٍ فيطلقها معلقاً طلاقها على الحيض، فإذا علق طلاقها على الحيض، فإن الطلاق غالباً يكون مستقبلاً، فيشمل التطليق في الحيض ما يكون حالاً وما يكون مسنداً إلى الاستقبال بصيغة التعليق.
قال رحمه الله: (إن قال لها: إن حضت فأنت طالق) أي: بينه وبين الله، فإن امرأته طالق إن حاضت حيضة كاملة، يعني: إن دخلت في حيضها، فإننا نحكم بتطليقها إذا تبين حيضها.
وهذه الجملة تفيد أنه بمجرد دخولها في الحيض وثبوت الحيض بالنسبة لها تكون طالقا، فإن تكلم بهذه الصيغة والمرأة صغيرة لم تحض بعد، كأن يكون عمرها خمس سنوات، أو ست سنوات، أو سبع سنوات، أو ثماني سنوات، فقال لها: أنت طالقٌ مني إن حضت، يعني: إن جاءك دم الحيض فأنت طالق، فننتظر إلى أقل سنٍ تحيض فيه المرأة، ولا نتيقن بكونها حائضاً إلا إذا بلغت تسع سنين على التفصيل الذي قدمناه في كتاب الحيض، وقد ذكرنا رواية البيهقي رحمه الله عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة)، أي: تأهلت للحيض لتسع سنين، ومن هنا أخذ طائفة من أهل العلم أن أقل سنٍ تحيض فيه المرأة تسع سنوات، وأبو بكر رضي الله عنه زوج النبي صلى الله عليه وسلم بـعائشة وعمرها ست سنين، ودخل عليه الصلاة والسلام بها وعمرها تسع سنين، وهذا يؤكد أن تسع سنين تتأهل فيها المرأة للزواج وتتأهل للحيض، فإذا قال رجل: زوجتك ابنتي وعمرها ست سنوات، فعقد عليها، فتم العقد فقال له: إن حاضت ابنتك فهي طالق فحينئذٍ ما قبل سن المحيض تكون في عصمة الرجل ولا يقع الطلاق، فننتظر إلى أقل سنٍ تحيض فيه المرأة، ثم ننظر إلى دم الحيض بصفاته على التفصيل والضوابط التي تقدمت معنا في كتاب الحيض، فلا بد من أمرين:
أولاً: السن.
والثاني: أن يكون الدم الذي يجري من المرأة دم حيضٍ لا دم استحاضة؛ لأنه ربما كان عمرها تسع سنين ولا يتبين أن ما يخرج منها دم حيض ولهذا قال المصنف رحمه الله: (بأول حيض متيقن) فعندنا في الحيض شك ويقين، ومسألة أقل سن تحيض فيه المرأة قد بيناها، وكذلك مسألة أقل الحيض قد تقدمت في كتاب الحيض وذكرنا خلاف العلماء -رحمهم الله- في أقل الحيض وأنه تتفرع عليه مسائل عديدة ومنها هذه المسألة، فأنت إذا قلت: إن أقل الحيض يوم وليلة أي: أربع وعشرون ساعة، فلو أن بنتاً عمرها تسع سنوات خرج منها دم لكن هذا الدم استمر سبع ساعات وانقطع فليس بحيض على هذا القول، ولا تطلق المرأة عند من يقول: إنه لا بد أن يستمر أربعاً وعشرين ساعة.
فلو أن امرأة بلغت تسع سنين وجرى معها دم ولم يستتم أربعاً وعشرين ساعة فإنها لا تطلق بذلك الدم، ولا يعتبر ذلك الدم دم حيض، وهذا على مذهب الشافعية والحنابلة الذين يقولون: أقل الحيض يوم وليلة، والحنفية -رحمهم الله- يقولون: ثلاثة أيام، والظاهرية والمالكية واختيار شيخ الإسلام رحمه الله أن الحيض لا حد لأقله، وأن المرأة ممكن أن تدفع الدفعة من الحيض، وذكرنا أن هذا هو أصح أقوال العلماء؛ لأنه لم يرد في كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تحديد يدل على أن اليوم أو الليلة أو أن الثلاثة الأيام هي أقل ما تحيض به المرأة، وإنما استندوا في ذلك إلى أدلة نظرية، والصحيح أن الحيض يكون قليلاً وكثيراً ولا ضابط له من حيث الساعات أو الزمان.
إذا ثبت هذا فنحسب أقل سن تحيض فيه المرأة، فإن كانت السن سن حيض وخرج معها دم الحيض على صفاته فإننا نحكم بكونها طالقاً.
قال رحمه الله: [وإذا حضت حيضةً تطلق بأول الطهر من حيضة كاملة]
قوله: (وإذا حضت) لاحظ، (إن حضت) بمجرد تيقن الحيض، (وإذا حضت حيضة) هذا له حكم، فهنا لفظ وهنا لفظ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [الطلاق:3] وينبغي أن نتنبه إلى أن العلماء -رحمهم الله- حينما يذكرون هذه الألفاظ ويدققون في كل كلمة وكل جملة ليست القضية قضية الحيض فقط، بل القضية قضية تمرين الفقيه وطالب العلم على أن يعطي كل كلمة حقها وقدرها، فقد تأتي مسألة من المسائل التي تتعلق بالحقوق والأموال وتتفرع على هذا الأصل الذي ذكره العلماء في الألفاظ، فأنت إذا عرفت من باب الحيض أن التعليق بالشروط له ضوابط معينة من جهة الألفاظ فتستطيع أن تطرد ذلك في كل شيء يقع، حتى لو أن رجلاً قال لعامل عنده: إن جاءك محمد فأعطه مائة ألف، فاتصل محمد على العامل وقال له: سيأتيك سعد وأعطه المائة ألف، فجاء سعد وأخذها وسرق المال، من يضمن؟ يضمن العامل؛ لأنه قال له: إن جاء وكلمة (إن جاء) ليست كما لو اتصل، ففي الشريعة تقييد وإلزام ولا يقول الإنسان لماذا الفقهاء يقولون: إن حضت وإذا حضت؟ فالشريعة تامة كاملة، ومن تمامها وكمالها أنها تعطي كل لفظٍ حقه، ودلالته ومعناه.
فلو قال الرجل لزوجته: إن حضت، وقصد حيضة كاملة فحينئذٍ لا تطلق قبل أن تحيض حيضة كاملة، والفرق: أن قوله: إن حضت، مراده الدخول في الحيض، وأما قوله: إن حضت حيضة كاملة أو إن حضت حيضة، مراده إكمال مدة الحيض، فلو قال هذا الكلام أثناء حيضها فإنها تطلق على الأول ولا تطلق على الثاني، حتى تأتي الحيضة التي تلي الحيضة التي قال ذلك فيها؛ لأنه إذا قال لها: إن حضت حيضة كاملة، أو إن حضت حيضة فإنه أثناء الحيض لم تحض بعد حيضة كاملة من قوله إلى نهاية الحيض، فلو قال لها: (إن حضت حيضة فأنت طالق) وقصد الحيضة الكاملة الثانية، فإن وقع هذا الكلام قبل الحيض ننتظر حتى تبدأ الحيض، فإن حاضت وتمت عادتها من الحيض طلقت، وحكمنا بطلاقها، وإن كانت أيست وانقطع حيضها لم يقع الطلاق؛ لأن الطلاق موقوفٌ على وجود الحيض، وفائدة التعليق وجود الحيض، فلو قال لها وعمرها ستون سنة: إن حضت حيضة فأنت طالق، فبعد الستين انقطع عنها الحيض فحينئذٍ لا تطلق؛ لأن الشرط مركب على وجود حيضة تامة كاملة، حتى ولو قال لها هذا الكلام في آخر حيضة حاضتها من عمرها لم تطلق؛ لأنه لو مضى من الحيضة ثلاثة أيام أو أربع أيام، أو مضى منها ساعة أو مضى منها يوم فإنها لم تحض بعد الشرط حيضة كاملة، مثال ذلك: امرأة عادتها أن تحيض سبعة أيام، فلما صارت في آخر حيضة من عمرها حاضت اليوم الأول فقال لها زوجها في اليوم الثاني: إن حضت حيضة كاملة فأنت طالق، فإنها بعد هذا الشرط حاضت حيضة ناقصة؛ لأنها بقي لها من عادتها ستة أيام، فما دام أنه قد مضى جزءٌ من الحيضة قبل الشرط فالحيضة غير كاملة، فتوفي هذه الحيضة وتنتظر هل تحيض بعد هذا الشرط أو لا؟ فإن لم تحض؛ فحينئذٍ لا يقع الطلاق، وإن طهرت ثم حاضت فإننا ننتظر إلى تمام عادتها ونحكم بطلاقها، فهذا الفرق بين قوله: إن حضت حيضة، وقوله: إن حضت.