شرح زاد المستقنع كتاب النكاح [2]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله: [ ويسن نكاح واحدةٍ دَيِّنةٍ أجنبيةٍ بكرٍ ولودٍ بلا أم ]

يقول: من السنة أن ينكح واحدة، وهذه الواحدة لما قال: (يسن) كأنه يشير إلى الهدي والسنة أن يتزوج واحدة، ومن نظر إلى السنة علم أن السنة التعدد، وأن الواحدة خلاف الأفضل، وأن الأفضل إن قدر على أن يعدد عدد، وإذا لم يقدر أو خاف عدم العدل -كما تقدم- فلا إشكال، لكن إذا كان قادراً على أن يعدد فالأفضل والسنة أن يعدد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عدد في نكاحه، فيكون قوله: (يسن واحدة) السنة من حيث الأفضلية، والأحسن والأكمل أن يعدد؛ لأن التعدد له مصالح ذكرناها وأشرنا إليها، خاصة إذا كان الرجل هدفه من التعدد الإحسان إلى المرأة أو الإحسان إلى أيتامها، أو تخفيف الشر على المسلمين بالزواج.. ونحو ذلك من المقاصد الحسنة.

أن تكون المرأة دينة

قال رحمه الله: [دينة]

أي: ذات دين، والدين تختلف مراتبه، فهناك المرأة الدينة التي بلغت أعالي الدرجات في دينها واستقامتها ومحافظتها، وهذا النوع أثنى الله عليه من فوق سبع سماوات وأشاد بفضله ومكانته، فقال سبحانه وتعالى: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34] والمرأة الصالحة الدينة أفضل من غيرها، وقدمها المصنف؛ لأن خير الناس وأفضل الناس من كان عنده دين، وبقدر الدين يتفاضل العباد، قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] ، (قيل: يا رسول الله! من خير الناس؟ -من هو خير الناس، ومن هو أفضلهم، ما قال صلى الله عليه وسلم: أغناهم، ولا أرفعهم حسباً أو نسباً- قال: أتقاهم) أي: خير الناس أتقاهم لله سبحانه وتعالى، فخير النساء أتقاهن لله عز وجل، ويعبر العلماء بمعنى التقوى في قولهم: دينة.

وعلى هذا فهناك مراتب للمرأة:

المرتبة الأولى: أن تكون ذات دين، بمعنى: تحافظ على الصلوات، وتحافظ على الواجبات، وتمتنع من المحرمات، لكنها ليست بحريصة على الفضائل.

المرتبة الثانية: أن تكون محافظة على الواجبات، تاركة للمحرمات، تفعل الفضائل أحياناً وتتركها أحياناً.

المرتبة الثالثة: أن تكون كما سبق، ولكنها لا تترك فضلاً ولا طاعة، كلما علمت باب خير حرصت عليه، فحينئذٍ المرأة في هذه المرتبة لا تخلو من ضربين:

النوع الأول: أن تكون حريصة على الفضائل والنوافل لنفسها، كقيام الليل وصيام النهار.. ونحو ذلك من الطاعات التي يكون نفعها خاصاً بها، وقد يلتحق بهذا النفع المتعدي نسبياً، كأن يكون عندها مال ودائماً تنفق فيكون نفعها متعدياً، لكن في الغالب ليس عندها علم، وهذا مرادنا، أن طاعتها ودينها وكثرة الخير فيها من جهة النوافل والطاعات.

النوع الثاني: أن يكون نفعها كهذه ومتعدٍ إلى الغير، كطالبة علم، وداعية إلى الله.. ونحو ذلك، فأفضلهن الأخيرة، فإن كانت ذات علم ومحافظة على دينها واستقامتها، وتنشر علمها وتدعو، فهذه أفضل وأكمل ولكنها تحتاج إلى رجل صابر، يعني: ينبغي أن يعلم أن اشتغالها بالدعوة وعلمها سيكون على حساب أمور في بيتها.

فمثل هذه عليها في الأصل أن تحفظ بيتها، ولا تخرج للدعوة وتترك ما فرض الله عز وجل عليها من تربية أولادها وبناتها؛ لأن الله فرض عليها أن تدعو الأقربين أولاً؛ فتبدأ ببيتها، ولا شك أنه من الخطر أن تترك حقوق البيت وحقوق الزوج لتخرج إلى الدعوة، وتحضر المجالس والمحاضرات وتضيع هذه الحقوق الآكد والأوجب، ولكنها تقوم بترتيب نفسها وإحسان التصرف مع بعلها وحقوق أولادها بحكمة وفطنة، والزوج الصالح يساعدها، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، يعني: يساعدها ويعينها لكن في حدود شرعية بشرط أن لا يعرض نفسه للحرام، وأن لا يعرض أولاده للضياع.

فالمرأة التي بلغت أعالي الدرجات مثل هذا النوع من الداعيات الصالحات لا شك أنه أفضل، لكن ينبغي كما ذكرنا على الزوج إذا أقدم على هذا النوع من النساء أن يضع في حسبانه اشتغالهن بالدعوة وحرصهن على الخير، وأن هذا يترتب عليه تبعات ومسئوليات، فقد يحدث ما يوجب النفرة بين الزوجين بسبب عدم إحسان التصرف في مثل هذا النوع من النساء.

أما النوع الذي هو دون ذلك، فإن الفضل في زواجه يتفاضل على حسب المراتب، لكن هناك نوع في بعض الأحيان تفضل فيه المرأة من جهة القرابة إذا كانت قريبة ووجدت أمور تفضل النكاح منها، فالدينة القريبة لا شك أنها أولى وأحرى، وسنبين هذا عند قوله: [أجنبية].

فقد يفضل نكاح الدينة بوجود صفات أُخر، وخاصة إذا اقترن نكاح المرأة ببر الوالدين، فإن الرجل الذي يحرص على الزواج من امرأة يرضى عنها والده وترضى عنها والدته حري به أن يبارك الله له في زواجه، وأن يبارك الله له فيما أقدم عليه من نكاحها، أما إذا أقدم على النكاح بشيء فيه عقوق للوالدين فقد تنزع البركة من هذا النوع من النكاح، فيحرص على أن يطلب امرأة يجمع فيها بين رضى الله سبحانه وتعالى ورضى والديه.

فإن كانت المرأة غير دينة، فهذا طبعاً يتفاوت بحسب ما ذكرنا من النساء في الدين، فكما أن الدين يتفاوت كذلك ضعف الدين يتفاوت، فإذا كانت غير دينة، يعني: تختلف لكنها في الأصل مسلمة؛ لأن غير المسلمة لا نتكلم عليها، والكتابية لها أحكام خاصة سنتكلم عليها، أما المشركة والوثنية والملحدة التي لا دين لها -نسأل الله السلامة والعافية- فهذا النوع من النساء لا يجوز نكاحه إلى الأبد حتى تسلم، فإذا أسلمت جاز نكاحها، أما وهي على وثنيتها فلا، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في المجوس: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم).

فالشرك والوثنية أمرهما عظيم، ولكن الله خص الكتابية؛ لأن هناك نوعاً من الرضا بالدين؛ لأنها ذات دين، وهناك قاسم مشترك وإن كان هناك اختلاف بين الديانات؛ فمادام أنها ارتضت الدين ارتضت الطاعة فإنك تستطيع أن تدخلها في الإسلام، ولذلك جاز نكاح الكتابية ولم يجز أن ينكح الكتابي مسلمة، وهذا يدل على أن القصد التأثير.

قلنا: إذا لم تكن دينة فهذا يتفاوت، لكن هناك المرأة التي هي ضعيفة الدين ويكون ضعفها بترك الواجبات أو فعل المحرمات، فيختلف هذا؛ لأن هناك واجبات إذا تركتها حكم بكفرها فلا إشكال، وهناك محرمات إذا وقعت فيها تعدى ضررها إلى الغير، مثل الزانية التي هي ناقصة الدين، فالزانية لا يجوز أن يتزوجها، ولذلك قال الله عز وجل: وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور:3] ، ومذهب طائفة من العلماء رحمهم الله: أنه لا يجوز نكاح الزانية إلا بشرطين، الشرط الأول: استبراؤها من الزنا؛ أن تنهي عدتها، والشرط الثاني: أن تتوب إلى الله من الزنا، ولذلك لما جاء مرثد بن أبي مرثد وسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكح عناق منعه من ذلك ونزلت الآية.

وأما ما ورد من قول: (إن امرأتي لا ترد يد لامس) فهذا حديث ضعيف، وتكلم الإمام ابن القيم رحمه الله عليه كلاماً نفيساً وبين ضعفه، ولكن على القول بتحسينه كما حسنه الحاكم، وبعض المتأخرين يميل إلى تحسينه، على هذا القول لو فرض أنه حسن أجاب ابن القيم بجواب حسن وقال: ( إن المراد بقوله: (لا ترد يد لامس) ما كان عليه أهل الجاهلية، فقد كانوا يتركون للعشيق أن يستمتع بالمرأة باللمس ونحو ذلك ولا يصل إلى الزنا، لكن هذا الحديث في الحقيقة حتى لو صح فيه دليل يدل على أنه لا يجوز استبقاء مثل هذا؛ لأنه قال له: (يا رسول الله! إن امرأتي لا ترد يد لامس، قال: طلقها، قال: يا رسول الله! إني أخشى أن تتبعها نفسي، فقال عليه الصلاة والسلام: فأمسكها) فكأنها حالة ضرورة.

( أن تتبعها نفسي ) يعني: أني تعلقت بها وأحببتها، فإن طلقتها سأعود وأزني بها، فقال: (أمسكها) وهي مسألة تعارض المفسدتين، وللعلماء فيه كلام، لكن الذي تطمئن إليه النفس أن الحديث غير ثابت، وعلى القول بثبوته يصرف إلى مسألة اللمس الذي لا يصل إلى الزنا، فيكون قوله: (فأمسكها) يمسكها لمفسدة اللمس من الأجنبي التي هي أخف من مفسدة وقوعه في الزنا، فيكون تخريجه على الوجه الذي اختاره الإمام ابن القيم على فرض ثبوت الحديث.

نرجع إلى مسألتنا: إن كانت المرأة غير دينة يسأل عنها الذي يريد زواجها: هل هي تضيع الواجبات؟ ويسأل عن نوع الواجبات، ويسأل عن نوع المحرمات، فإن كانت المحرمات الضرر فيها متعدٍ فلا يطلبها؛ لأنه لا يؤمن أن يسري الفساد إلى أولاده وذريته، وهناك تفصيلات في مسألة الزواج من غير الدينة، فإذا غلب على ظن الناكح أنه سيهديها وأنه سيؤثر عليها خاصة إذا كانت قريبة، فإنه يعزم ويتوكل على الله إذا أمره والداه وغلب على ظنه أنه سيدعوها ويؤثر عليها، وهذا مخرج من نكاح الكتابية، فإن نكاح الكتابية يجوز من أجل دعوتها إلى الإسلام، فإذا كانت قريبة وأمر بها الوالد وكان دينها خفيفاً لكنك إذا تزوجت بها قوي دينها وقويت استقامتها، فإنه مما يرغب أن تنكحها، ولا بأس في هذه الحالة من الإقدام على زواجها والنكاح منها.

أن تكون المرأة أجنبية

قال رحمه الله: [ أجنبية ]

الأجنبية مأخوذة من المجانبة بمعنى: المباعدة، ومنه سميت الجنابة؛ لأن صاحبها يبتعد عن فعل الصلاة، والأجنبية ضد القريبة، ومعنى ذلك: أن المصنف يميل إلى تفضيل نكاح الرجل من غير قرابته، وهذا مبني على أنه أنجب للولد، ويذكر بعض الأطباء من المتقدمين والمتأخرين أن النكاح من غير القريبة أفضل لنجابة الأولاد، ومنه الأثر المشهور عن ابن عمر : ( اغتربوا لا تضووا) قالوا: إن الاغتراب أن ينكح من غير قريبة، وهي التي يعبر عنها بالأجنبية.

والحقيقة: نكاح القريبة له فضائل وله محاسن، ونكاح الأجنبية له فضائل وله محاسن، والأفضل أن تترك المسألة لتقدير الشخص، فالشخص نفسه يستطيع في بعض الأحيان أن يرى أن زواجه من قريبته أفضل، فحينئذٍ يقدم ويتزوج من القريبة، وأما التزهيد في نكاح القريبة فهذا في الحقيقة لا يخلو من نظر، فإن القريبة إذا تزوج منها كان أوصل للرحم، وكون الإنسان يستر قريبته وتكون في كنفه ويضمها إلى رعايته لا شك أن هذا من الإحسان إلى القرابة ومن صلة الرحم.

وثانياً: أن القريبة أصبر على الزوج من غير القريبة، فإنه لو طرأ في مستقبله أمور أو حوادث أو أصيب بعاهة أو ضرر أو نحو ذلك لوجد أصبر الناس عليه قرابته، ولو تغير مركزه أو جاهه وأصبح في ضيق صبر عليه أرحامه، وثبتته قرابته، وأحست أن ما دخل عليه من الضرر دخل عليها، وأن ما جاءه من السوء جاء إليها، كذلك أيضاً تكون القريبة أكثر قدرة على احتواء الوالد والوالدة والأخوات والقرابات، لعلمها بطبيعة المعاشرة وكيفية كسب رضا أقربائها، وهذا نقصد به القريبة العاقلة التي تحسن تقدير الأمور، ولذلك تركنا الأمر لكل رجل أن ينظر في نوعية القريبة.

فأنا أقول: إذا كانت القريبة بهذه المثابة، أو كانت القريبة من أسرة فيها صلاح، وفيها دين، وفيها استقامة، فإنك تنتفع منها في نصح القرابات، واتخاذ طريقة لاغتنام زواجك منها في الخير، فهناك أمور تقوي جانب القريبة في مثل هذه الأحوال، وأما الغريبة وهي غير القريبة فتارة يكون النكاح منها أحظ للإنسان من حيث سلامة الولد، والبعد عن بعض الأمراض التي قد تكون موجودة وراثة في البيت والأسرة، وكأنه يريد أن ينصح لولده من هذا الوجه؛ من باب تعاطي الأسباب، وإلا فلا ينجي حذر من قدر، ولربما فر من أقربائه لعاهة فابتلاه الله بأسوأ منها، ولربما فر من عاهة الدنيا فاحتقر قرابته -خاصة إذا كان لمقصد سيئ- فابتلاه الله عز وجل بعاهة الأخلاق، فخرج أولاده على سوء وبلاء، نسأل الله السلامة والعافية.

ولذلك النكاح من الغريبة قد تخفى على الإنسان فيه أمور.

وأياً ما كان فأفضل ما ينبغي للزوج أن يبحث عنه: أولاً: أن يبحث عن طبيعة البيت الذي يريد أن يتزوج منه، وهو الذي يسمى بالحسب، والحسب من الحساب، والحسب أن تقول: أبي فلان العالم، وجدي الأول الشيخ فلان، ووالد جدي كذا، فتحتسب ما لآبائها، وهذا من باب معرفة فضل البيت، ومن باب إنزال الناس منازلهم، وهذا النوع من الحسب إذا وجد فالغالب أن الأسر التي هي ذات علم أو ذات شهامة كبيوت المشيخة والإمرة، وهؤلاء غالباً يترفعون عن عوام الناس في تصرفاتهم، فيكون فيهم الكرم، وتكون فيهم الشجاعة، ويكون فيهم الحرص على السمعة الطيبة، فتكون فيهم خصال حميدة، ومواقف طيبة تعين على التأسي بهم في الذرية، ولذلك إذا سمع الولد أن جدَّه فلانٌ وأن جد والدتِه فلانٌ دعاه ذلك أن يسأل: من هو فلان؟ وماذا كان يفعل؟ وكلٌّ منا يدرك ذلك، فإنه حينما يعلم أنه من بيت دَيِّن أحس أن عليه مسئولية وأن عليه أمانة، وأن عليه أن يحفظ لهذا البيت حقه، وأن يحفظ لهذا البيت قدره، فيحرص على أن يتوخى الحذر في أقواله وأفعاله وتصرفاته، فهذه أمور حميدة في الذرية والأسرة، فيحرص الإنسان عند نكاحه على هذا النوع وهي المعادن الطيبة والكريمة، فإن الله تعالى يضع الخير حيث شاء: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ [المائدة:54].

فالبيوت التي عُرفت بالذرية الصالحة، وعُرفت بالاستقامةِ والمحافظةِ يكون الزواجُ منها خيراً وبركة، وينبغي كذلك أن يتوخى الحذر في الأخلاق، فيبتعد عن الأسر المعروفة بالحمق والعصبية والنزعات الجاهلية، حتى لا يؤثر ذلك عليه وعلى زوجه وعلى أولاده وذريته.

فإذا أراد أن يختار الزوجة فيبحث عن الدِّين الذي هو أساس كل خير ومنبع كل فضيلة، حتى إن المرأة ربما كانت من أسرة غير دَيِّنة وهي دَيِّنة، لكنها بدينها بعد فضل الله عز وجل تستطيع أن تتقي كثيراً من السلبيات وأن تتلافاها وتبتعد عنها.

الحرص على المعادن الطيبة مع الدِّين، فإن اجتمع الدين والدنيا فهذه نعمة عظيمة وخير على خير ونور على نور، قال صلى الله عليه وسلم يشير إلى هذا المعنى: (تجدون الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) ومعنى الحديث: أن العائلات والأسر فيها معادن، (تجدون الناس معادن كمعادن الذهب والفضة) قد تجد معدناً من أخلص الذهب وأصفاه وأعلاه وأجوده، وهذا المعدن الكريم في الناس، ومعدن تجده من أضعف المعادن وأكثرها شوباً وعيباً.

وكذلك بالنسبة للأخلاق، فتجد بعض الأسر فيها حمق وفيها جاهلية وعصبية، وإذا جاءها الدين ترفضه، وتقدم العادات والتقاليد على الدين، فأصحاب هذه النعرات الجاهلية والمآخذ السيئة في الدِّين إذا تزوج الإنسان منهم لا يأمن أن تسري هذه الصفات إلى الأولاد والذرية، وكم من رجل صالح بحث عن امرأة جميلة فوجدها في منبت السوء فدمرته وأشقته -نسأل الله السلامة والعافية-، وكم من امرأة أخرجت زوجها من بر والديه حتى عقهما فدعا عليه والداه آناء الليل وأطراف النهار، وكان من قبل يجلس عند قدم أبيه! وكم من امرأة -والعياذ بالله- دمرت الإنسان فصرفته عن طلب العلم وعن حلق الصالحين! وهذا معروف وموجود ومشاهَد، فمن نظر إلى شيء غير الدين نزع الله البركة منه، ومن تزوج امرأة وهو ينظر إلى يدها وغناها لم يزده الله إلا فقراً وضياعاً؛ لأن الله يعامله بنقيض قصده، فإذا قصد متاعَ الدنيا معناه أنه يستغني بغير الله ويفتقر إلى غير الله، وذلك شقاء العبد، فسعادة العبد في الاستغناء بالله جل جلاله، والافتقار إلى الله سبحانه وتعالى.

يقول بعض العقلاء يوصي ولده: يا بني! تزوج امرأة تنظر في يدك ولا تنظر في يدها، يعني: امرأة تنظر إليك وتحس أن عندك الكثير من الدِّين والاستقامة؛ لكن إذا جاءت المرأة أغنى منك فأصبحت تنظر إلى غناها، وتنظر لما في يدها من راتبها، أو تنظر إلى ما في يدها من غنى والدها وأنها سترث وأنها كذا، فإن الله لا يزيدك إلا فقراً.

العاقل الحكيم ينظر هذه النظرة البعيدة؛ أن الزواج ينبغي أن يبنى على الدين، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى فقال: (فاظفر بذات الدين تربت يداك) وذكر المرغبات في النكاح من المال والجمال والحسب، والذي يدخل معه النسب والدين ثم قال: (فاظفر) وكأنه كنز وشيء عظيم وغنيمة (فاظفر بذات الدين تربت يداك) وهذا يدل على أن الدين يغني عن هذه الأشياء كلها، فكم من امرأة فقيرة ولكن الله سبحانه وتعالى أغناها بالدين! وكم من امرأة ضعيفة ولكن الله قوَّاها وجعل عزَّها بدينها! وكم من امرأة يراها الإنسان فيزدريها ولكن الله جعل فيها قلباً يخافه ويخشاه فيحبها سبحانه! فمثل هذه المرأة الصالحة قد يكرم الله بها الإنسان فتخرج له أولاداً صالحين تقر عينه بهم، وخاصةً عند المشيب والكبر.

فالمقصود: أن من كان قصده ما عند الله سبحانه، والحرص على الدين، فلا شك أن الله عز وجل سيوفقه وسيجعل له من ذلك خيراً كثيراً.

أن تكون المرأة بكراً

يقول المصنف رحمه الله: [ بكر ولود بلا أم..]

ذكر المصنف رحمه الله هذه الجملة التي بين فيها الصفات التي ينبغي للمسلم أن يراعيها في اختياره للزوجة، وهذا البيان فيه تأسٍ بالسنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين الصفات التي ينبغي أن يطلب المسلم من خلالها زوجته، وكذلك أثنى الله عز وجل على الصالحات من فوق سبع سماوات حتى يلفت الأنظار إلى أمانتهن وحفظهن وقيامهن بحقوق الزوجية.

قوله رحمه الله: [ بكر ] أي: يسن نكاح البكر، وهذه الصفة ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح حينما قال لـجابر رضي الله عنه: (هَلَّا بكراً تلاعبها وتلاعبك)، وفي البكر مميزات تعين على غض البصر وحفظ الفرج.

ومقصود الشرع من النكاح: أن يغض المسلم بصره، وأن يحفظ فرجه، فالبكر معينة على ذلك.

وأما بالنسبة للثيب فإن فيها صفاتٍ تفضَّل بها على البكر باعتبارٍ آخر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أكثرُ نسائه كن ثيبات، وهذا مبني على أمورٍ: إذا نكح الرجلُ المرأةَ الثيبَ من خلالها عَظُم أجرُه وكان محصلاً لثواب، فيجمع بين خيري الدنيا والآخرة، فمن ذلك: أن تكون الثيبُ أرملةً، أو يكون للثيب أيتام يحب أن يتزوجها فيحفظ أيتامها ويجبر خاطرها، أو يكون لهذه الزوجة وجه صلة؛ كأن تكون زوجةً لأخيه فيموت عنها ويخلف أيتاماً له، فيحب أن يقوم على زوجة أخيه ويرعى أيتامه.

فمثل هذه الأمور ومثل هذه المقاصد يعظم بها الأجر، وتفضَّل بها الثيب على البكر؛ لأنها مقاصد شرعية، وثواب الإنسان فيها قد يكون أعظم من حظه لنفسه، وهذا هو الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد نكح جملةً من النساء كن أزواجاً لأصحابه رضي الله عنهم، فطيَّب الخواطر، وكذلك جمع الشمل.

فمثل هذه المقاصد العظيمة والمعاني الكريمة تفضَّل بها الثيب؛ لكن من وجه.

ومما يدل على هذا الاستنباط الذي اختاره بعض العلماء: أن جابراً رضي الله عنه لما ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تزوج، فقال له لما أخبره أنها ثيب: (هَلَّا بكراً تلاعبها وتلاعبك) فذكر جابر العلة؛ وهي أن والده عبد الله بن حرام رضي الله عنه وأرضاه توفي وترك له أخوات، فأحب أن ينكح الثيب حتى تقوم عليهن وترعاهن، وهذا مقصد عظيم يعظم به الأجر ويكثر به الثواب، فأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، ودل هذا على أن الثيب قد تُفَضَّل باعتبارات مثل هذه.

أن تكون المرأة ولوداً

قال رحمه الله: [ ولود]

أي: يسن نكاح الولود؛ وهي الصفة الخامسة، والولود هي التي تنجِب، فإذا كان الرجل مخيراً بين امرأة ولود وامرأة لا تنجب، فإنه يقدم الولود على العقيم، والسبب في هذا: أن الولود يُكَثَّر بها سواد الأمة، وكذلك يحفظ بها الرجل بإذن الله تعالى نسله، ولا شك أن بقاء النسل إذا كان صالحاً من الخير الذي يبقى للعبد بعد موته، كما ثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث -وذكر منها- أو ولد صالح يدعو له) فأجمع العلماء على استحباب نكاح الولود، وفيه الحديث المشهور: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثرٌ بكم -وفي رواية: مفاخر بكم- الأمم يوم القيامة -وفي رواية: مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة-) قالوا: فالولود فيها تكثير لسواد الأمة.

ثم إن الشرع قصد هذا المعنى بإباحة نكاح الأربع وذلك حتى يكثُر سواد الأمة بكثرة الإنجاب، فيُعَزُّ دين الله وتُنْصَر كلمته، وذلك مقصود من مقاصد النكاح الشرعية.

عدم وجود الأم

قوله: [بلا أم ]

الصفة السادسة: بلا أم، وعند النظر لم يثبُت حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بيَّن استحباب أن تكون المرأة بلا أم، ولذلك تصدير المصنف للجملة بقوله: (يُسَنُّ)، ثم ذكر هذه الصفة السادسة: بلا أم، محل نظر، ومسألة وجود الأم وعدمها ليس فيها نص شرعي معين، الأم تارةً يكون وجودها حسنة، وفيه خير كثير على المرأة، إذ تثبت ابنتها وتؤدبها وتدلها على ما فيه صلاح دينها ودنياها، وتارةً تكون الأم على خلاف ذلك، والناس فيهم الصالح وفيهم من هو بخلاف ذلك، نسأل الله السلامة والعافية، والخير والشر أمر نسبي، ويختلف الناس فيه بحسب وجود الأسباب التي تبعث عليه، فالعلماء حينما قالوا: يُفَضَّل نكاحُ المرأة التي لا أم لها فإنما هو من جهة دفع ضرر التخذيل، فإن الأم ربما غارت لانقطاع ابنتها عنها، وربما أفسدت البنت على زوجها.

وأيّاً مَّا كان فهذا أمر يختلف باختلاف الأحوال وباختلاف البيئات، والرجل ينظر الأحظ لنفسه، وقد تكون الأم موجودة والمرأة صالحة، فلا ينبغي ترك الصالحات لمثل هذه الأسباب المحتملة، وقد قرر الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله في كتابه النفيس: (قواعد الأحكام) مسألة تعارض المفاسد بعضها مع بعض، وتعارض المصالح مع المفاسد، وقرر في أكثر من موضع أن هذا أمر يختلف باختلاف الأحوال والبيئات والأشخاص والأزمنة، ومن هنا يُتْرَك النظر إلى الإنسان، فإذا عَلِم أن الأم تفسد الزوجة من خلال أخواتها اللاتي سبق نكاحهن وغلب على ظنه أنه لا يستطيع أن يمنعها من ذلك، فإنه حينئذٍ يحتاط لأمره والعكس بالعكس، لكن ليس في ذلك نص معين كما يفهم من قوله رحمه الله: (يسن).

قال رحمه الله: [دينة]

أي: ذات دين، والدين تختلف مراتبه، فهناك المرأة الدينة التي بلغت أعالي الدرجات في دينها واستقامتها ومحافظتها، وهذا النوع أثنى الله عليه من فوق سبع سماوات وأشاد بفضله ومكانته، فقال سبحانه وتعالى: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34] والمرأة الصالحة الدينة أفضل من غيرها، وقدمها المصنف؛ لأن خير الناس وأفضل الناس من كان عنده دين، وبقدر الدين يتفاضل العباد، قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] ، (قيل: يا رسول الله! من خير الناس؟ -من هو خير الناس، ومن هو أفضلهم، ما قال صلى الله عليه وسلم: أغناهم، ولا أرفعهم حسباً أو نسباً- قال: أتقاهم) أي: خير الناس أتقاهم لله سبحانه وتعالى، فخير النساء أتقاهن لله عز وجل، ويعبر العلماء بمعنى التقوى في قولهم: دينة.

وعلى هذا فهناك مراتب للمرأة:

المرتبة الأولى: أن تكون ذات دين، بمعنى: تحافظ على الصلوات، وتحافظ على الواجبات، وتمتنع من المحرمات، لكنها ليست بحريصة على الفضائل.

المرتبة الثانية: أن تكون محافظة على الواجبات، تاركة للمحرمات، تفعل الفضائل أحياناً وتتركها أحياناً.

المرتبة الثالثة: أن تكون كما سبق، ولكنها لا تترك فضلاً ولا طاعة، كلما علمت باب خير حرصت عليه، فحينئذٍ المرأة في هذه المرتبة لا تخلو من ضربين:

النوع الأول: أن تكون حريصة على الفضائل والنوافل لنفسها، كقيام الليل وصيام النهار.. ونحو ذلك من الطاعات التي يكون نفعها خاصاً بها، وقد يلتحق بهذا النفع المتعدي نسبياً، كأن يكون عندها مال ودائماً تنفق فيكون نفعها متعدياً، لكن في الغالب ليس عندها علم، وهذا مرادنا، أن طاعتها ودينها وكثرة الخير فيها من جهة النوافل والطاعات.

النوع الثاني: أن يكون نفعها كهذه ومتعدٍ إلى الغير، كطالبة علم، وداعية إلى الله.. ونحو ذلك، فأفضلهن الأخيرة، فإن كانت ذات علم ومحافظة على دينها واستقامتها، وتنشر علمها وتدعو، فهذه أفضل وأكمل ولكنها تحتاج إلى رجل صابر، يعني: ينبغي أن يعلم أن اشتغالها بالدعوة وعلمها سيكون على حساب أمور في بيتها.

فمثل هذه عليها في الأصل أن تحفظ بيتها، ولا تخرج للدعوة وتترك ما فرض الله عز وجل عليها من تربية أولادها وبناتها؛ لأن الله فرض عليها أن تدعو الأقربين أولاً؛ فتبدأ ببيتها، ولا شك أنه من الخطر أن تترك حقوق البيت وحقوق الزوج لتخرج إلى الدعوة، وتحضر المجالس والمحاضرات وتضيع هذه الحقوق الآكد والأوجب، ولكنها تقوم بترتيب نفسها وإحسان التصرف مع بعلها وحقوق أولادها بحكمة وفطنة، والزوج الصالح يساعدها، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، يعني: يساعدها ويعينها لكن في حدود شرعية بشرط أن لا يعرض نفسه للحرام، وأن لا يعرض أولاده للضياع.

فالمرأة التي بلغت أعالي الدرجات مثل هذا النوع من الداعيات الصالحات لا شك أنه أفضل، لكن ينبغي كما ذكرنا على الزوج إذا أقدم على هذا النوع من النساء أن يضع في حسبانه اشتغالهن بالدعوة وحرصهن على الخير، وأن هذا يترتب عليه تبعات ومسئوليات، فقد يحدث ما يوجب النفرة بين الزوجين بسبب عدم إحسان التصرف في مثل هذا النوع من النساء.

أما النوع الذي هو دون ذلك، فإن الفضل في زواجه يتفاضل على حسب المراتب، لكن هناك نوع في بعض الأحيان تفضل فيه المرأة من جهة القرابة إذا كانت قريبة ووجدت أمور تفضل النكاح منها، فالدينة القريبة لا شك أنها أولى وأحرى، وسنبين هذا عند قوله: [أجنبية].

فقد يفضل نكاح الدينة بوجود صفات أُخر، وخاصة إذا اقترن نكاح المرأة ببر الوالدين، فإن الرجل الذي يحرص على الزواج من امرأة يرضى عنها والده وترضى عنها والدته حري به أن يبارك الله له في زواجه، وأن يبارك الله له فيما أقدم عليه من نكاحها، أما إذا أقدم على النكاح بشيء فيه عقوق للوالدين فقد تنزع البركة من هذا النوع من النكاح، فيحرص على أن يطلب امرأة يجمع فيها بين رضى الله سبحانه وتعالى ورضى والديه.

فإن كانت المرأة غير دينة، فهذا طبعاً يتفاوت بحسب ما ذكرنا من النساء في الدين، فكما أن الدين يتفاوت كذلك ضعف الدين يتفاوت، فإذا كانت غير دينة، يعني: تختلف لكنها في الأصل مسلمة؛ لأن غير المسلمة لا نتكلم عليها، والكتابية لها أحكام خاصة سنتكلم عليها، أما المشركة والوثنية والملحدة التي لا دين لها -نسأل الله السلامة والعافية- فهذا النوع من النساء لا يجوز نكاحه إلى الأبد حتى تسلم، فإذا أسلمت جاز نكاحها، أما وهي على وثنيتها فلا، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في المجوس: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم).

فالشرك والوثنية أمرهما عظيم، ولكن الله خص الكتابية؛ لأن هناك نوعاً من الرضا بالدين؛ لأنها ذات دين، وهناك قاسم مشترك وإن كان هناك اختلاف بين الديانات؛ فمادام أنها ارتضت الدين ارتضت الطاعة فإنك تستطيع أن تدخلها في الإسلام، ولذلك جاز نكاح الكتابية ولم يجز أن ينكح الكتابي مسلمة، وهذا يدل على أن القصد التأثير.

قلنا: إذا لم تكن دينة فهذا يتفاوت، لكن هناك المرأة التي هي ضعيفة الدين ويكون ضعفها بترك الواجبات أو فعل المحرمات، فيختلف هذا؛ لأن هناك واجبات إذا تركتها حكم بكفرها فلا إشكال، وهناك محرمات إذا وقعت فيها تعدى ضررها إلى الغير، مثل الزانية التي هي ناقصة الدين، فالزانية لا يجوز أن يتزوجها، ولذلك قال الله عز وجل: وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور:3] ، ومذهب طائفة من العلماء رحمهم الله: أنه لا يجوز نكاح الزانية إلا بشرطين، الشرط الأول: استبراؤها من الزنا؛ أن تنهي عدتها، والشرط الثاني: أن تتوب إلى الله من الزنا، ولذلك لما جاء مرثد بن أبي مرثد وسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكح عناق منعه من ذلك ونزلت الآية.

وأما ما ورد من قول: (إن امرأتي لا ترد يد لامس) فهذا حديث ضعيف، وتكلم الإمام ابن القيم رحمه الله عليه كلاماً نفيساً وبين ضعفه، ولكن على القول بتحسينه كما حسنه الحاكم، وبعض المتأخرين يميل إلى تحسينه، على هذا القول لو فرض أنه حسن أجاب ابن القيم بجواب حسن وقال: ( إن المراد بقوله: (لا ترد يد لامس) ما كان عليه أهل الجاهلية، فقد كانوا يتركون للعشيق أن يستمتع بالمرأة باللمس ونحو ذلك ولا يصل إلى الزنا، لكن هذا الحديث في الحقيقة حتى لو صح فيه دليل يدل على أنه لا يجوز استبقاء مثل هذا؛ لأنه قال له: (يا رسول الله! إن امرأتي لا ترد يد لامس، قال: طلقها، قال: يا رسول الله! إني أخشى أن تتبعها نفسي، فقال عليه الصلاة والسلام: فأمسكها) فكأنها حالة ضرورة.

( أن تتبعها نفسي ) يعني: أني تعلقت بها وأحببتها، فإن طلقتها سأعود وأزني بها، فقال: (أمسكها) وهي مسألة تعارض المفسدتين، وللعلماء فيه كلام، لكن الذي تطمئن إليه النفس أن الحديث غير ثابت، وعلى القول بثبوته يصرف إلى مسألة اللمس الذي لا يصل إلى الزنا، فيكون قوله: (فأمسكها) يمسكها لمفسدة اللمس من الأجنبي التي هي أخف من مفسدة وقوعه في الزنا، فيكون تخريجه على الوجه الذي اختاره الإمام ابن القيم على فرض ثبوت الحديث.

نرجع إلى مسألتنا: إن كانت المرأة غير دينة يسأل عنها الذي يريد زواجها: هل هي تضيع الواجبات؟ ويسأل عن نوع الواجبات، ويسأل عن نوع المحرمات، فإن كانت المحرمات الضرر فيها متعدٍ فلا يطلبها؛ لأنه لا يؤمن أن يسري الفساد إلى أولاده وذريته، وهناك تفصيلات في مسألة الزواج من غير الدينة، فإذا غلب على ظن الناكح أنه سيهديها وأنه سيؤثر عليها خاصة إذا كانت قريبة، فإنه يعزم ويتوكل على الله إذا أمره والداه وغلب على ظنه أنه سيدعوها ويؤثر عليها، وهذا مخرج من نكاح الكتابية، فإن نكاح الكتابية يجوز من أجل دعوتها إلى الإسلام، فإذا كانت قريبة وأمر بها الوالد وكان دينها خفيفاً لكنك إذا تزوجت بها قوي دينها وقويت استقامتها، فإنه مما يرغب أن تنكحها، ولا بأس في هذه الحالة من الإقدام على زواجها والنكاح منها.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع كتاب البيع [4] 3698 استماع
شرح زاد المستقنع باب الرجعة [1] 3615 استماع
شرح زاد المستقنع باب ما يختلف به عدد الطلاق 3438 استماع
شرح زاد المستقنع باب صلاة التطوع [3] 3370 استماع
شرح زاد المستقنع واجبات الصلاة 3336 استماع
شرح زاد المستقنع باب الإجارة [10] 3317 استماع
شرح زاد المستقنع باب التيمم [1] 3267 استماع
شرح زاد المستقنع باب صوم التطوع [2] 3223 استماع
شرح زاد المستقنع باب شروط القصاص 3182 استماع
شرح زاد المستقنع باب نفقة الأقارب والمماليك [6] 3163 استماع