رأيي في سيد قطب


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

السؤال: فضيلة الشيخ! عندنا كثير من الإخوة عندهم تركيز شديد على الحاكمية، والتهوين من شأن الشرك الأكبر شرك القبور والأضرحة، ويسمونه شركاً ساذجاً بدائياً، وأخذوا هذا عن دعاتهم، فيقولون: (لو كان الأنبياء أو المصلحون إلى يوم القيامة يحاربون من ألوان الشرك المناقض لكلمة (لا إله إلا الله) ما يتعلق بالأوضاع الشعبية فقط لما تعرض لهم أحد، ولما وقف في وجوههم إلا القليل)، ما هو تعليقكم يا شيخ؟

الجواب: تعليقي هو:

تعرض الناس للداعية ليس هدفاً وليس غرضاً، وإنما القصد هو تبليغ الدعوة إلى الناس، فإن استجابوا فبها ونعمت، وإن لم يستجيبوا فتلك سنن الذين من قبلهم.

فكلمتهم هذه تشعر السامع لها أن الدين يأمر بأن يتكلف الإنسان أن يكون مصادماً من الآخرين ومعارضاً، فأنت اليوم تدعو -مثلاً- إذا دعوت إلى التوحيد ما أحد يخالفك، أما إذا اشتغلت بالسياسة فسيخالفونك ويعادونك ... إلخ.

هذا أكبر دليل على أن كثيراً من أفراد الإخوان المسلمون يهرفون بما لا يعرفون، ويتلفظون بما لا يعلمون، لقد سئلت أكثر من مرة أن زعيم الإخوان المسلمين في الجزائر يقول: لو كان الرسول عليه الصلاة والسلام اليوم في هذا العصر للبس (الجاكت) و(البنطلون) وعقد (الكرفته). الإنسان إذا تكلم بجهل فلا يقف أمام جهله شيء، وهذا الكلام من هذا القبيل.

الخلاصة: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]، هذا هو المقصود، و: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، ورسول الله صلى الله عليه وسلم خوطب بقوله تعالى: فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90]، فالأنبياء كلهم بدءوا بدعوة التوحيد، وأنا أقول: نوح عليه السلام الذي لبث في قومه بنص القرآن ألف سنة إلا خمسين عاماً، ماذا عمل في هذه الألف سنة؟ هؤلاء لو كانوا يعرفون ما يتكلمون به لكفروا وخرجوا عن الملة؛ لأنهم يخطئون الأنبياء بعامة، ونوح عليه السلام بخاصة؛ لأنه تميز على سائر الأنبياء بأن بارك الله عز وجل في عمره فلبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً.

نحن نعلم أن الشرائع التي تقدمت شريعة الإسلام لم يكن فيها هذا الفقه الواسع الذي يشمل شئون الحياة كلها، كان فقهاً مبسطاً، ولذلك نوح عليه السلام عندما أقام هذا العمر الطويل المديد المبارك، إنما كان همه أن يعبدوا الله ويجتنبوا الطاغوت، وهذا الكلام ينافي ذاك الكلام، ولذلك فهم جهلة بالمرة، وهم الآن يسلكون سنن الإخوان الذين سيمضي عليهم قرن من الزمان وهم لم يقدموا للإسلام شيئاً، سوى الهتافات والصياحات، وهم على النظام العسكري (مكانك ..راوح) لا يتقدمون إطلاقاً.

لذلك لا يبالى بكلام هؤلاء، وأنا أتعجب من بعض إخواننا طلاب العلم، ما يكادون يسمعون ضلالة من أي جاهل من أي إنسان إلا ويقول لك: ما رأيك في كذا؟

السائل: يا شيخ! المشكلة أن هؤلاء يتبعهم كثير جداً يقولون مثل هذا الكلام، كهذا الجزائري الذي قال على الرسول صلى الله عليه وسلم: أنه لو كان في عصرنا هذا لكان كذا وكذا، فهذا الذي قال هذا الكلام داعية معروف جداً ويتبعه كثير جداً، حتى بعض أتباعه إذا قلت لهم؛ فلان أخطأ، هو مستعد أن تقول له: عمر أخطأ .. الشافعي أخطأ .. أما فلان -فيقيم عليك الدنيا ولا يقعدها!!

الشيخ: ماذا نفعل لهؤلاء؟

السائل: ادع لهم بالهداية.

الشيخ: ما علينا إلا أن ندعو بالتي هي أحسن، والعلم نور، هؤلاء يقعون في هذه الضلالات بسبب جهلهم بالإسلام، ولذلك ما علينا إلا أن نشفق عليهم، ونعتبرهم مرضى، ونعالجهم بما نستطيع من الحكمة والموعظة الحسنة.

السؤال: فضيلة الشيخ! جاء إليك عدد من الإخوة اليمنيين يسألونك عن الجمعية، وفي سؤالهم تلبيس، وقالوا: إنهم أصحاب الجمعية الفلانية، وأنهم من طلبة الشيخ مقبل .. وكذا.. وكذا.. رغم أن الشيخ مقبل قد حذر منهم كثيراً، وبح صوته في التحذير منهم، بل وتبرأ منهم، وهم يطعنون في الشيخ مقبل كثيراً جداً، بل إن بعضهم -وهو تلميذ للشيخ- يقول في شريط اسمه: (حوار هادئ مع مقبل بن هادي ) قال له: أنت و الغزالي عندي سواء، الغزالي طعن في السنة، وأنت تطعن في السنة باسم الدفاع عن السنة، وأحدهم -وهو أيضاً من تلاميذه لكنه تلميذ عاق- قال لي: أهل الحديث فيهم قسوة وقلة تعبد، أما ترى الشيخ مقبلاً؟!

وأيضاً في الوقت نفسه يثنون على المبتدعة، لا أقول المبتدعة الذين يشك في ابتداعهم، بل المبتدعة القبوريين، رجل صوفي عندنا في حضرموت فيه كل بلية، قبوري، مفوض.. كل شيء فيه، فيذهبون عنده ويدرسون عنده، بل بعضهم قال: رحبة صدر فلان -الصوفي هذا- خير من ضيق صدر مقبل، والصوفي هذا يرسل أبناء الذين يسمون بالسادة، يرسلهم إلى السقاف هنا، وأخبرني أبو الحارث علي حسن أن عددهم بلغ أربعين شخصاً، والله نزل علي هذا الخبر كالصاعقة! هو لما رأى الشباب أقبلوا على السنة أخذ أبناء السادة وأرسلهم إلى هنا.

فهؤلاء الحزبيون أصحاب الجمعيات، أو الحزبيون عامة سمعناهم يزهدون الشباب في أن يذهبوا إلى الشيخ مقبل، في الوقت الذي يثنون فيه على هؤلاء المبتدعة الذين يرسلون أبناءهم إلى السقاف وغيره، فما تعليقكم يا شيخ؟ وقد تعبنا منهم، والله أتعبونا وأشغلونا.

الجواب: أنا أقول: هداك الله، لماذا تهتم بهؤلاء، لا نملك شيئاً -يا أخي- هؤلاء كُثُر غلبوا الدنيا كلها، الباطل هكذا.

السائل: يتبعهم كثير.

الشيخ: من المناسب هنا من الآيات: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً [الكهف:6]، خذ -يا أخي- موعظة وعبرة من مواساة رب العالمين لنبيه بمثل هذا الكلام، مع أن أولئك كفرة وضلال ومشركون، وهؤلاء وإن كانوا ضلالاً ولكن على كل حال لا يخرجون عن دائرة الإسلام والمسلمين، ولذلك فأنا أتعجب -والله- كلما رأى أحدكم شخصاً أو أشخاصاً كانوا يزعمون أنهم من السلفيين ثم انحرفوا، يقولون فيه كذا وكذا وكذا، هذا القول ناشئ عن شيئين: إما عن جهل، وإما عن تجاهل، وقد يجتمعان.

يقولون عندنا في الشام عن الصوفية : (فلان مثل الصوفي، لا ينكر ولا يوفي)، فعنده لسان عذب؛ لأنه ليس عنده أمر بمعروف ولا نهي عن منكر.. ليس عنده حب في الله.. ليس عنده بغض في الله، بينما من كان على طريقة السلف الصالح فهو يحب في الله ويبغض في الله، يتكلم تارة باللين، وتارة بالشدة؛ لأن هذه سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن الصوفي لا يعرف الشدة؛ لأنه لا تهمه الأحكام الشرعية، يهمه جذب قلوب الناس فقط، يهمه أن الناس تقبّل يده أو يديه كلتيهما معاً.

ولذلك هؤلاء عندما يقولون: مقبل متشدد، أما ذاك الصوفي فهو هين لين؛ ما أوتوا إلا بسبب جهلهم، أو بسبب تجاهلهم وركضهم وراء مصالحهم الشخصية.

ثم أنت تقول: جاءني أناس من هؤلاء اليمنيين، ثم ماذا وراء ذلك؟

السائل: هم أرادوا أن يلبسوا.

الشيخ: ماذا نفعل لهم؟

السائل: الله المستعان، أنا سألت عن هذا؛ لأن كثيراً من الشباب هنا يسمعون كلام الشيخ، فإذا سمعوا هذا -إن شاء الله- يتبين لهم الأمر.

مداخلة: أنا أذكر أن الشيخ ما أجاز لهم وضع أموالهم في البنوك، وأن جمعيتهم لا تجوز إلا بشروط: عدم التحزب و... أما تذكر يا شيخ؟

الشيخ: كيف لا؟!

السائل: يا شيخ! أنتم أجبتم إجابة صحيحة، إن كانت حسب الشروط وكذا، إنما هم هكذا، والله المستعان!

الشيخ: يا أخي! ماذا نفعل لهم؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.

السؤال: يا شيخ! ماذا تقولون فيمن خالف أئمة الإسلام في أمر من الأمور التي قد أجمعوا عليها، وقامت عليه الحجة ولم يرجع، بل زاد على ذلك أنه يمدح بعض الصوفية والمفوضة، ويمدح من يقول بقول جهم في القرآن، ويطعن في الصحابة بل وفي الأنبياء، ويسميهم أئمة ومجددين، بل ويثني على بعض الزنادقة الذين أباحوا الردة، وطعنوا في العقيدة وفي الرسول صلى الله عليه وسلم وفي أهل الحديث، ويقول عنهم: فيهم خير كثير، وسمى زيغهم وضلالهم اجتهاداً، فقال: وإن كنا نتحفظ عن بعض اجتهاداتهم. فهل يكون هذا مبتدعاً؟ وهل نعينه ونقول: فلان مبتدع، تحذيراً للأمة ونصحاً لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم؟

الشيخ: ذكر هذا في كتاب؟

السائل: في أماكن متفرقة.

الشيخ: ليس في كتاب؟

السائل: أيضاً في بعض الكتب.

الشيخ: حسناً .. منها؟

السائل: هو الذي مدح هذا ..

الشيخ: لا تحد .. لا تحد.

السائل: حسناً. الرجل الذي قال هذا في بعض الكتب، مثلاً في العدالة الاجتماعية، أو في ظلال القرآن، لكن الذي يمدحه وقال عنه: مجتهد، وكذا في شريط أو في بعض الأشرطة، وأيضاً شخص آخر حاله كحال هذا له كتاب اسمه الخلافة والملك، وله كتب أخرى تكلم فيها عن بعض الأنبياء، عن نوح -مثلاً- فقال عنه لما قال: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي [هود:45] قال: غلبت عليه عاطفة الجاهلية، وعن يوسف لما قال: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف:55] قال: هذا دكتاتوري يطلب منصب الدكتاتورية كـ ( موسوليني ) في زماننا.

الشيخ: من هذا الذي يقول هذا؟

السائل: في كتاب الخلافة والملك للمودودي .

الشيخ: المودودي . ومن الذي يمدح هذا الكلام؟

السائل: أحد الدعاة مدحهم.

الشيخ: لماذا لا تسميه؟ هل تسميته غيبة؟

السائل: لا. إن شاء الله، هو الشيخ سلمان مدحه.

الشيخ: أنا أقول لك: مدح الكلام أم المتكلم؟

السائل: مدحهم في أشرطة.

الشيخ: اسمع! فهمت سؤالي.

السائل: حسناً .. أعد علي السؤال.

مداخلة: يقول الشيخ: أمدح هذا الكلام، أم مدح صاحب هذا الكلام؟

السائل: لا. بل صاحب هذا الكلام، ما مدح الكلام.

الشيخ: إذاً مدح صاحب الكلام! قد أمدحه أنا؛ فهل معنى ذلك أنني أصوب كل ما قال؟

السائل: لا يعني هذا.

الشيخ: إذاً ماذا تعني أنت بهذا السؤال؟

السائل: بلغني أن في بعض الأشرطة لبعض المشائخ أنهم ذهبوا إليه، وقالوا له: إن فلاناً -أي المودودي - فيه كذا وكذا، فقال لهم: والله لو سئلت يوم القيامة، سأقول: إمام ومجدد، فنحن اختلط علينا هذا الأمر، وقلنا: نسأل عنه الشيخ!

الشيخ: انظر! -يا أخي- أنا أنصحك أنت والشباب الآخرين الذين يقفون في خط منحرف فيما يبدو لنا والله أعلم: ألا تضيعوا أوقاتكم في نقد بعضكم بعضاً، وتقولوا: فلان قال كذا، وفلان قال كذا؛ لأنه أولاً: هذا ليس من العلم في شيء، وثانياً: هذا الأسلوب يوغر الصدور، ويحقق الأحقاد والبغضاء في القلوب، إنما عليكم بالعلم، فالعلم هو الذي سيكشف هل هذا الكلام في مدح زيد من الناس الذي له أخطاء كثيرة؟ وهل -مثلاً- يحق لنا أن نسميه صاحب بدعة؟ وبالتالي هل هو مبتدع؟ ما لنا ولهذه التعمقات؟ أنا أنصح بألا تتعمقوا هذا التعمق؛ لأننا في الحقيقة نشكو الآن هذه الفرقة التي طرأت على المنتسبين لدعوة الكتاب والسنة، أو كما نقول نحن: للدعوة السلفية، هذه الفرقة -والله أعلم- السبب الأكبر فيها هو حظ النفس الأمارة بالسوء، وليس هو الخلاف في بعض الآراء الفكرية، هذه نصيحتي.

مداخلة: يا شيخنا! الصورة قاتمة جداً فيما يجري بين الشباب في كثير من بقاع الأرض، ولا نشك أن هناك منحرفين وهناك مخطئين ومبتدعين، لكن أصبحت المواجهة في كثير من الأحايين مواجهة شخصية، ومواجهة للقيل والقال، مما لا يشعر الشباب ما يترتب على ذلك من إضاعة الأوقات، وإثارة كثير من الحقد بينهم، هذه مسألة لا يتنبهون لها، وهم -ولا نشك- معهم الحق، لكن كثيراً من الشباب عندما أسأله: كم تحفظ من القرآن؟ يقول: أحفظ أقل من ثلاثة أجزاء! أسأله: كم لك تناقش هذه القضية؟ يقول: ثلاث سنوات، ثلاث سنوات وهم يجلسون يتناقلون: زيد مبتدع، غير مبتدع، كافر، غير كافر، زنديق، غير زنديق، قال ما قال، منحرف غير منحرف، وقد يكون منحرفاً أو مخطئاً أو ضالاً!

وهم يظنون إذا جاءهم الناصح وقال لهم: هذا مضيعة للأوقات، الأغلب يظنون أن الناصح مع أولئك، وهذا أمر عجيب! وهو يريد نصحهم، شاب عمره سبع عشرة سنة لا يحفظ إلا القليل وهو الآن يناقش في مسائل عميقة جداً، قد يتأنى فيها شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه ويتريثون فيها، بينما هم يتسرعون إلى مثل هذه القضايا، فنريد توجيهاً لمثل هذا.

الشيخ: أنا كثيراً ما أُسْأَل: ما رأيك بفلان؟ فأفهم أنه متحيز له أو عليه، وقد يكون الذي يسأل عنه من إخواننا، وقد يكون من إخواننا القدامى يقال عنه: إنه انحرف، فأنا أنصح السائل: يا أخي! ماذا تريد بزيد وبكر وعمرو؟ استقم كما أمرت، وتعلم العلم، وهذا العلم سيميز لك الصالح من الطالح، والمخطئ من المصيب... إلخ، ثم لا تحقد على أخيك المسلم لمجرد أنه لا أقول: أخطأ، بل لمجرد أنه انحرف، لكن انحرف في مسألة أو اثنتين أو ثلاث، والمسائل الأخرى ما انحرف فيها، ونحن نجد في أئمة الحديث من يتقبلون حديثه، ويقولون عنه في ترجمته أنه مرجئ، وأنه خارجي، وأنه ناصبي ... إلخ، فهذه كلها عيوب وكلها ضلالات، لكن عندهم ميزان يتمسكون به، ولا يرجحون كفة سيئة على الحسنات أو سيئتين أو ثلاث على جملة حسنات، ومن أعظمها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

أنا أقول -مثلاً- في سلمان وأمثاله: بعض إخواننا السلفيين يتهمونهم بأنهم من الإخوان المسلمين، أنا أقول: لا أعلم أنه من الإخوان المسلمين، لكن ليت الإخوان المسلمين مثله، الإخوان المسلمون يحاربون دعوة التوحيد، ويقولون: إنها تفرق الأمة وتمزق الكلمة، أما هؤلاء -فيما أعتقد وأهل مكة أدرى بشعابها- يدعون إلى التوحيد، ويدرسون التوحيد، أليس كذلك؟

السائل: نعم.

الشيخ: إذاً: ليت الإخوان المسلمين يكونون كذلك، وقد يوجد عندهم عمل سياسي، وعندهم ما يشبه الخروج على الحكام …إلخ، نعم، الخوارج كانوا كذلك، الخوارج الرسميون الذين لا يشك العلماء أن قول الرسول عليه السلام: (الخوارج كلاب النار) إنما قُصِدُوا هم؛ الذين خرجوا على علي، وأنهم (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)، كما في الحديث المعروف في الصحيحين ؛ هم المقصودون، مع ذلك يروون الحديث عنهم، ويعتبرونهم مسلمين، فهم يدعون ضلالاتهم ويبينون حسناتهم، وهذا من باب قوله تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8] .

فهؤلاء إذا كان عندهم انحراف، ولا أعتقد أنه انحراف في العقيدة، إنما هو انحراف في الأسلوب، وعلى كل حال نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الأمة الوسط، التي لا تقع لا في الإفراط ولا في التفريط.

رأي الشيخ الألباني في كلمات للشيخ سلمان العودة

السائل: فضيلة الشيخ! لا أدري السؤال الأول الذي سألتك عنه لا أدري هل هو خطأ في العقيدة؟

الشيخ: ما هو؟

السائل: قولهم: لو كان الأنبياء والمصلحون إلى يوم القيامة يحاربون ....

الشيخ: ضلالة كبرى، وأنا أجبتك عن نوح عليه السلام.

السائل: هذه هو قالها أيضاً.

الشيخ: من هو؟

السائل: الشيخ سلمان .

الشيخ: أين قالها؟

السائل: في هذا الكتاب.

الشيخ: أرني هذا الكتاب.

السائل: صفحة (170).

الشيخ: يقول: (وأن يعلموا -أي هؤلاء الدعاة- أنه لو كان الأنبياء أو المصلحون إلى يوم القيامة، يحاربون من ألوان الشرك المناقض لكلمة (لا إله إلا الله) ما يتعلق بالأوضاع الشعبية فقط لما تعرض لهم أحد، ولما وقف في وجوههم إلا القليل)

كلمة (الشعبية) هنا لها مفهوم من حيث اللغة العربية أم لا؟

السائل: يا شيخ! أنا الذي أفهمه -والله أعلم- وقد أكون مخطئاً فيه.

الشيخ: قد يكون كلنا كذلك.

السائل: الأوضاع الشعبية هي هذه الموجودة عند الناس -مثلاً- جلوس الناس عند القبور، والطواف بها، والنذور، وتعليق الخرق .. وكذا، والله أعلم.

الشيخ: نعم، نعم، لكن هل دعوة التوحيد واقفة إلى هنا، أي محاربة الشركيات الشعبية؟

السائل: لا، بل الشرك كاملاً.

الشيخ: حسناً؛ فهو يعني أشخاصاً معينين، يفهم خطأً أو صواباً أنهم يرضون عن الحكام وعن تصرفاتهم المخالفة للشريعة، وإنما يعنون فقط بإصلاح قلوب الشعب وأفراد الشعب، لعلي استطعت أن أبين لك ماذا يعني الرجل، يعني أن دعوة الحق لا تنحصر فقط بإصلاح أفراد الشعب دون الحكام، والرضى عن تصرفات الحكام، وتركهم فيما هم يتصرفون فيه من مخالفات شرعية.

السائل: يا شيخ! الجملة الأخيرة هل هي صحيحة؟

الشيخ: نسمع من أهل مكة .

رجل مكي: أقول: الحقيقة في كثير من القضايا الناس بين إفراط وتفريط، فإما قوم لا يفقهون دعوة التوحيد إلا توحيد الحاكمية فقط، ويتركون الناس في شركهم الأكبر! وكما يسمونه الآن شرك القبور، وإما أناس آخرون لا يحبون بل يتحسسون من الحاء، مجرد ما يقول إنسان: إن التوحيد فيه حاكمية لله عز وجل، يتحسسون من هذه القضية ولا يلتفتون إليها لا من قريب ولا من بعيد، بل عليهم محاربة ما يسمى بشرك القبور، وإذا عدلنا في القضية عُرِفَ الصواب أن دعوة التوحيد هي دعوة توحيد الحاكمية أن تكون الحاكمية لله، وكثير من الكتاب -والحق يقال- أنه أحياناً يعني بالحاكمية من خلال قراءته لها يعني الحاكمية المطلقة أن الأمر كله يرجع إلى الله عز وجل، وأحياناً يعنون بها السياسة التي ظلوا وراءها، فمن العدل والإنصاف أن نقول: إن التوحيد يشمل كلا الجهتين.

فإذا فهم هذا الكلام -يا أخي- على أن الأنبياء لو بقوا فقط على أن يمنعوا الناس من القبور لما اعترضهم معترض، هذا هو فحوى الكلام، لكن هناك نقطة ثانية -يا أخي! ومع الاستئذان من شيخنا وحبيبنا-: الكلام لا يحمل على فهم الرجل الذي فهمه القارئ، وإلا كان ضل كثير من الناس، ولكن يحمل على كلام الرجل الآخر، إما في مواقع أخرى أو من واقعه، فإذا كان الرجل معروفاً بالتوحيد الكلي، وداعية إلى هذا التوحيد، أو أنه من الموحدين، ثم قال لفظة أو قال لفظتين، فلا يحمل على أسوأ محمل؛ لأنه لو حمل على هذا المحمل لكان زنديقاً بكل معنى الكلمة، وكان خارجاً من ملة الإسلام، ثم نحن نرى أن واقعه ليس كذلك، فهذه مسألة جديرة.

وبالمناسبة حمل الكلام على أسوأ محمل هذه قاعدة ليست من قواعد أهل السنة والجماعة .

رأي الشيخ الألباني في كلمات لسيد قطب

أنا أذكر يا شيخنا! بالمناسبة نفس هذا الكلام كيف حمله بعض إخواننا الأفاضل على محمل سيئ، ولعلكم تسددونني فيما أقول.

يقول سيد قطب في بعض كتبه: (إن عبادة الأصنام التي دعا إبراهيم عليه السلام ربه أن يجنبه هو وبنيه إياها، لا تتمثل فقط في تلك الصورة الساذجة التي كان يزاولها العرب في جاهليتهم، أو التي كانت تزاولها شتى الوثنيات في صور شتى مجسمة في أحجار، أو أشجار، أو حيوان، أو طير، أو نجم، أو نار، أو أرواح، أو أشباح... إن هذه الصورة الساذجة كلها لا تستغرق صور الشرك بالله، ولا تستغرق كل صور العبادة للأصنام من دون الله، والوقوف بمدلول الشرك عند هذه الصورة الساذجة يمنعنا من رؤية صور الشرك الأخرى التي لا نهاية لها، ويمنعنا من الرؤية الصحيحة لحقيقة ما يعتور البشرية من صور الشرك والجاهلية الجديدة، ولا بد من التعمق في إدراك طبيعة الشرك وعلاقة الأصنام بها، كما أنه لا بد من التعمق في معنى الأصنام وتمثل صورها المجردة، المتجددة مع الجاهليات المستحدثة).

نريد تعليق شيخنا، ثم نقرأ تعليق أحد الإخوة الأفاضل على هذا الكلام.

الشيخ: لا يوجد شيء على الكلام، هو كلام سليم (100%)، ويكفي في ذلك قوله تعالى في القرآن الكريم: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31] والتفسير الذي جاء في هذه الآية لما نزلت، وهي نزلت في حق النصارى، وكان من العرب الذين تنصروا في الجاهلية -مع قلة المتنصرين- عدي بن حاتم الطائي، ثم هداه الله عز وجل وأسلم، والقصة مذكورة في مسند الإمام أحمد وغيره، فلما نزلت هذه الآية أشكلت على عدي بن حاتم الطائي؛ لأنه فهمها بمعنى الشرك الذي ينكر الرجل أن يكون الشرك كله محصوراً في هذا النوع من عبادة الأصنام والوثنيات، فقال له عليه السلام موضحاً المعنى العام الأشمل للشرك بالله عز وجل في اتباع غير شريعته، قال له: (ألستم كنتم إذا حرموا عليكم حلالاً حرمتموه، وإذا حللوا لكم حراماً حللتموه؟ قال: أما هذا فقد كان، قال: فذاك اتخاذكم إياهم أرباباً من دون الله).

الآن هذا النوع من الشرك غير ملاحظ حتى عند الذين يعلنون أن الحاكمية لله عز وجل، وأنا أذكر بمثل هذه المناسبة لما كنت في دمشق في مخيم اليرموك، في مسجد صلاح الدين بالذات، حينما صعد المنبر خطيب من شباب الإخوان المسلمين، وألقى خطبة نارية في أن الحاكمية لله عز وجل، سبحان الله! ولما صلى وانتهى من الصلاة، لفتُّ نظره إلى خطأ -ونسيت الآن ما هو هذا الخطأ- قلت له: هذا مخالف للسنة، قال: لكن أنا حنفي! قلت: يا أخي! الله يهديك، أنت الآن خطبتك كلها في أن الحاكمية لله عز وجل، فما معنى الحاكمية؟ فقط أنه إذا جاءك قانون من كافر مخالف للشرع فهذا هو الكفر، وأنه يلزمك أن تتمسك بالشرع، أما إذا جاءك حكم من مسلم كان مخالفاً للشرع، هذا تتبعه مع مخالفة الشرع، أين الحاكمية لله عز وجل إذاً؟!

هذا المعنى -في الحقيقة- شامل وجامع، وهو أحسن حينما دفع شبهة من قد يقف، فقال: فقط، أي: ليس الشرك فقط هذا، فوسع المعنى؛ وهذه التوسعة هي الإسلام، ولذلك نحن نقول: إن الوقوف عند محاربة الشركيات في أفراد الشعب، وترك الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله -وهذا لا يعني أن ندخل في خضم التكفير وإخراجهم عن الملة، يكفي أنهم يحكمون بغير ما أنزل الله، والتفصيل الذي ندين الله به هو أن هناك كفراً دون كفر، كفر عملي وكفر اعتقادي، هذا التفصيل الحق هو الذي يجعلنا معتدلين، ولا نتسارع إلى تكفير الحكام دون أن نفرق بين حاكم يؤمن بما شرع الله، ولكن يتبع هواه في بعض مخالفته لما شرع الله- أقول: إن الوقوف عند محاربة الشركيات في أفراد الشعب، وترك الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله فيه ما فيه، وهذا الجانب من التوحيد يجب أيضاً أن يشتغل به الدعاة.

لكن الحقيقة أنا أقول كلمة صريحة: إن دعاة التوحيد اليوم في امتحان مرير، فكل قرار يصدر تجد الجواب: هذا أمر ولي الأمر! صح يا زين! أم لا؟ وقعنا فيما نحذر منه، لماذا نحن لا نتوجه -إذاً- إلى الدعوة بعامة وليس فقط فيما يتعلق بالشعوب، العبارة هذه تشبه تماماً كلمة (فقط) هناك، فهو قيدها بالوقوف في محاربة الشركيات المتعلقة بالشعوب وترك الحكام دون نصح ودون تحذير، ودون إنكار، ولو مع عدم الخروج، هل الجواب واضح؟

السائل: لا يستلزم هذا مواجهة؟

الشيخ: نعم. لا يستلزم.

السائل: علق أخ فاضل على هذا الكلام بما يلي، الذي كأني فهمت أنه كلام ابن القيم بأسلوب عصري!

قال: في هذا الكلام أولاً تهوين من دعوات الأنبياء.

الشيخ: لا. هكذا كلام ابن القيم !!

السائل: التي ركزت على عبادة الأصنام والأوثان، هل في هذا تهوين؟

الشيخ: بَيِّنٌ.

السائل: يعني: لا.

الشيخ: طبعاً!!

السائل: قال! ثانياً: فيه صرف الدعاة عن أعظم وأكبر أنواع الكفر والشرك الذي حاربه كل الأنبياء والمرسلون المصلحون، وأدركوا أنه أكبر خطر على الإنسانية. هل في هذا الكلام صرف؟

الشيخ: لا يوجد.

السائل: لا يوجد؟

الشيخ: نعم.

السائل: ثالثاً: فيه خلط بين قضايا الشرك الأكبر والأصغر، وبين قضايا المعاصي صغيرها وكبيرها.

الشيخ: أين هذا؟

السائل: والله ما فهمته! لكن سأقول لك: أين؟

الشيخ: بفهم أو بدون فهم؟

السائل: إن شاء الله بفهم.

السائل: بعض الناس يرى أن مسألة الحاكمية والحاكم بصورة عامة هي شرك أصغر، وأما شرك القبور بصورة مطلقة شرك أكبر، ولا يفصلون بين الشرك العملي والشرك الاعتقادي إلا عند الحاكم، ولا يدرجون هذا على الناس الذين يقعون في الشرك المسمى شرك القبور، فيرون أن هذا ليس فيه تفصيل، أي شرك يأتي به الرجل في شرك القبور هو خارج من الملة دون تفصيل، دون جهل، دون إقامة حجة .. إلى غير ذلك، وأما ذاك ففيه تفصيل، ولعل إن أصبت والتسديد لكم، فهكذا: فيه خلط، مع أنه ذكر كلاماً بديعاً.

ثم النقطة الثانية يقولون: إنه وصف الشرك هذا بأنه ساذج، لا شك أنه ساذج، فلا أدري هم فهموا ما معنى ساذج أم لا، يقول: هؤلاء الذين يعبدون الأصنام شركهم ساذج، ولكن أولئك الذين يعبدون ويطيعون ويفعلون مثل الحديث الجميل الذي ذكرته، فهذا كذلك داخل في الشرك.

الشيخ: إي .. نعم.

مداخله: هل يحسن أن نقول عن شرك الأوثان أنه بدائي.

الشيخ: يا أخي -بارك الله فيك- كلمة شرك بدائي نزلت في شيءٍ من القرآن أو في السنة؟

السائل: لا.

الشيخ: حسناً .. من الذي تكلم؟ زيد من الناس، نحن نستوضح منه هل يقصد من كلمة (بدائي) بمعنى أنه لا يخرج من الملة بعد إقامة الحجة؟ فإن كان يقصد هذا ننكر ذلك عليه، إذا كان يريد التهوين من هذا الشرك، إذاً نحن نستوضح منه، ماذا تريد من كلمة (بدائي)؟

والذي أفهمه أنه يعني: أن هؤلاء العرب وثنيون ليس عندهم كتاب كاليهود والنصارى يرشدهم ويدلهم ويهديهم، ولو في بعض النواحي التي بقيت محفوظة عند أهل الكتاب وغير محرفة، فهم وثنيون يعيشون هكذا على الجاهلية، هذا الذي يعنيه بأنه شرك بدائي، ما أفهم أنه يعني أنه شرك لا ينبغي أن يهتم به، وأظن أنك أنت وأمثالك تريدون أن تفهموا هكذا، ولذلك لا تقفوا عند هذه الكلمات، لماذا؟

لأنها: أولاً: ما صدرت من معصوم.

ثانياً: حاولوا أن تفهموا ماذا يعني بهذه الكلمة، كما يروى عن بعض السلف: التمس لأخيك عذراً، هذا إذا كانت العبارة فيها إيحاء بما يخالف الشرع، أما إذا كانت العبارة ما هي واضحة؛ فنحملها على أحسن الاحتمالين.

السائل: لعل هذا -إن شاء الله- فيه هداية للجميع، يقول سيد قطب : إن الاعتقاد بالألوهية الواحدة قاعدة لمنهج حياة متكامل، وليس مجرد عقيدة مستكنة في الضمائر، وحدود العقيدة أبعد كثيراً من مجرد الاعتقاد الساكن -كأنها لفتة إلى المرجئة دون أن يدري، الذين لا يجاوزون الإيمان حدود القلب- يقول: إن حدود الاعتقاد تتسع وتترامى حتى تتناول كل جانب من جوانب الحياة، وقضية الحاكمية كذلك فروعها -أو كلمة خطأ- في الإسلام هي قضية عقيدة، والحاكمية هي قضية عقيدة، كما أن قضية الأخلاق بمجملها هي قضية عقيدة، فمن العقيدة ينبثق منهج الحياة الذي يشمل الأخلاق والقيم، كما يشمل الأوضاع والشرائع سواء بسواء.

الشيخ: صحيح.

السائل: هذا الكلام صحيح؟

الشيخ: نعم.

السائل: يقول أخونا يعلق على هذا الكلام: هذا كلام حق وخطأ!

الشيخ: عجيب!

السائل: أما العقيدة قاعدة لمنهج حياة متكامل فمسلَّم.

الشيخ: الحمد لله.

السائل: وهذا أقره على كلامه كله.

الشيخ: نعم.

السائل: تابع لكلام الأخ الفاضل: وأما أن حدود العقيدة تتسع وتترامى حتى تتناول كل جانب من جوانب الحياة؛ فهذا لم يدل عليه كتاب ولا سنة ولا قاله علماء الإسلام.

الشيخ: هذا رجل سطحي.

السائل: هذا الكلام غير صحيح؟

الشيخ: نعم، نقدر نفهم مَن هذا؟

السائل: ما أحبه.

الشيخ: ما تحبه!

السائل: فهذا من شذوذات سيد قطب ليوسع به دائرة التكفير!

ألا ترون أن هذا إلزام بما لا يلزم؟

الشيخ: نعم، ولا شك.

السائل: تابع: لمن يخالف منهجه -أي: لا يكفر الآخرين، مجرد أي واحد يخالف منهجه، فيريد سيد بهذا أن يكفر-.

الشيخ: ما عرفنا ذلك عنه.

أنا أعتقد أن الرجل ليس عالماً.

السائل: لا شك.

الشيخ: لكن له كلمات في الحقيقة! -خاصة في السجن- كأنها من الإلهام.

السائل: تابع لكلام الأخ: وهو مع ذلك يحيد عن ذكر شرك القبور.

السائل: قد وجدت كلاماً لـابن القيم في إعلام الموقعين هو نفس الكلام بالتمام، وهو يقول: التوحيد يشمل كذا، ويشمل كذا، وهو ينبثق من القلب إلى الأعضاء .. إلى غير ذلك، فيشابه هذا الكلام.

فالحقيقة أنهم أتوا من جهة أنهم هم يفسرون كلام الآخرين، مع أن إخوانهم في العقيدة والمنهج وبخاصة من أمثالكم وأمثال سماحة الشيخ عبد العزيز وغيره؛ ترون أن هذا الأمر لا يحتمل مثل هذه الأمور التي حملوا كلام الناس عليها.

الشيخ: هذا صحيح.

مناقشة الشيخ لتحريريين حول شمول العقيدة

أنا بالمناسبة لما كنت أناقش جماعة التحرير في مذهبهم وفي ضلالاتهم أن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة، وكنت أقول لهم: إن قولكم هذا عقيدة، وأنتم تشترطون في العقيدة الدليل القاطع ثبوتاً ودلالة، فأين الدليل القاطع على أن العقيدة لا تؤخذ إلا من حديث قطعي الثبوت قطعي الدلالة؟ وأثبت لهم بأنهم ليسوا في عقيدة منذ نشأ حزبهم؛ لأنهم تطوروا في هذه المسألة بالذات على ثلاث مراحل وثلاثة أقوال:

القول الأول: الذي كان مسطوراً في الطبعة الأولى من كتاب لهم لا أذكر الآن اسمه، لكنَّ فيه فصلاً بعنوان: (طريق الإيمان) يقولون هناك: لا يجوز الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة، هكذا (لا يجوز).

ثم صدرت الطبعة الثانية للكتاب، وإذا هم يستبدلون (لا يجوز) بـ(لا يجب) رفعوا كلمة (لا يجوز) ووضعوا كلمة (لا يجب) فصارت: يجوز الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة، ومن قبل كانوا يقولون: (لا يجوز) عدلوها إلى (لا يجب) فقولهم: (لا يجب) أي: يعطيك الحرية، إن شئت ألا تأخذ وإن شئت أن تأخذ، أما من قبل قالوا: (لا يجوز) هذا التطور الثاني.

التطور الثالث: وما أدري إذا كانوا لا يزالون مستقرين عليه، قالوا: يجب الأخذ بحديث الآحاد بمعنى التصديق وليس العقيدة! تلاعب بالألفاظ (التصديق لا العقيدة) وهذا نقاش جرى بيني وبين بعض أبناء بلدك بالذات حينما جمعنا سجن الحسكة، وجدت هناك خمسة عشر حزبياً تحريرياً، وعليهم رئيس واحد حلبي اسمه: مصطفى بكري، أتعرفون مصطفى بكري؟

الحضور: لا.

الشيخ: لا تعرفونه! والحموي الذي كان هو مجادلهم الكبير كان بديناً طويلاً أشقر ذا هيئة -ولا أقول: ذا هيبة- المقصود: قلت له: أنت -يا أخي- تتحمس لعقيدة الحزب وأنت لا تعرفها، قال: كيف؟ قلت له: ألا تعتقد أن الحزب كان يرى من قبل أنه لا يجوز الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة؟ قال: نعم، وهذه هي عقيدتنا، قلت له: ثم طوروا هذا وقالوا: لا يجب، قال: أين؟ قلت له: الطبعة الثانية، وأخيراً قالوا بجواز الأخذ، ولكن بالتصديق وليس بالإيمان والاعتقاد.

الله أكبر! يتلاعبون بالألفاظ حتى لا يظهروا تراجعهم أمام أفراد حزبهم، المهم هذه مقدمة، وكنت قد احتججت عليهم بأمور لا قبل لهم بردها، قلت لهم: يا جماعة! -وهنا الشاهد بالنسبة للكلام الذي سمعناه آنفاً- الإسلام بكل ما جاء فيه هو لابد من عقيدة، أنت إذا أديت فريضة وجردتها من العقيدة لم تصنع شيئاً، إذا ابتعدت عن محرم لا لأن الله حرمه ما تعبدت الله بهذا الابتعاد … إلخ، ومن جملة ما قلت: لو كان هناك تفريق بين العقيدة وبين الأحكام لكان القول على العكس هو الأقرب إلى الصواب؛ ذلك لأن كل حكم يتضمن عقيدة، فإذا عري هذا الحكم من العقيدة بَطَلَ.

بينما ليس كل عقيدة يتضمن عملاً، وأنت تستطيع أن تعتقد ولا يلزمك أي عمل بمثل هذه العقيدة، مثلاً: الإيمان بعذاب القبر، وهم يشكون فيه ويقولون: إن عذاب القبر غير ثابت؛ لأنه لا يوجد دليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة، ولسنا بصدد إبطال دعواهم هذه أيضاً، المهم أنت اعتقادك أن هناك عذاباً في القبر أو لا يوجد عذاب في القبر، لا يغير هذا الاعتقاد شيئاً من منطلقك في حياتك وفي عملك، وفي العاقبة لها تأثير، ولكن أريد التفريق بين الأحكام الشرعية، فكل حكم يتضمن عقيدة، أنت تقول: هذا حرام، أي: تعتقد أنه حرام، تقول: هذا فرض، أي: تعتقد أنه فرض، وهكذا الأحكام الخمسة كما يقولون، فإذاً: الإسلام كله عقيدة -وهذه حقيقة- وهذه العقيدة حينذاك لا بد أن تحفز صاحبها على التجاوب معها؛ إن كان مجرد إيمان بالغيب آمن بالغيب، وإن كان إيماناً بحكم شرعي فهو يعمل به على ضوء ما تضمنه الحكم الشرعي، وضربت له مثلاً:

كان مما ابتليت به هناك في دمشق مجادلة القاديانيين، ومن جملة عقائد القاديانيين الضالين أنهم يعتقدون أن ركعتي الفجر -السنة- واجبة، أنا أتخذ هذا مثلاً وأقول: رجلان بعد أذان الفجر قاما وصليا ركعتين، أحدهما بنية السنة -وهذا هو الصحيح- والآخر بنية الواجب -وهذا غير صحيح-؛ فالعمل واحد لكن اختلفت النية، فنية أبطلت العبادة، ونية صححت العبادة.

إذاً: المدار في كل أحكام الإسلام هو العقيدة، فلا يجوز فصل العقيدة في بعض الإسلام دون بعض إطلاقاً، وهذا نوع من الفقه الذي ينبغي أن نتنبه له.

مداخلة: هنا مسألة: أحياناً إخواننا في مسألة العقيدة وغيرها عندما نقول: منهاج، وعقيدة، وشريعة، مثل بعض الآيات في القرآن التي فصلت مثل هذا، أو العلماء الأقدمون الذين قالوا: عبادات، وعقيدة، ومعاملات؛ لا يفرقون بين الاصطلاح الذي هو للتدريس والتعليم والتدريب وبين أصل الدين ككل، ثم هنا يبدو لي ملاحظتان:

أن حزب التحرير وغيرهم، فضلاً عن أنهم لا يفقهون الدين لا يفقهون اللغة العربية، عندما يقولون: تصديق دون عقيدة.

الشيخ: طبعاً هذا خلاف القرآن.

مداخلة من الشخص السابق: نعم. والملاحظة الثانية هذه من ملاحظات الاصطلاح.

الشيخ: وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6] قال: مبشراً!

مداخلة من الشخص السابق: فعقيدتهم هذه تكذبها السنة، وهي قول الرسول صلى الله عليه وسلم -إن أصبت في الفهم-: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها (لا إله إلا الله) وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) فيلزم منه الاعتقاد.

السائل: لعل الرجل أراد هنا في المقال لما قال: يريد أن يوسع دائرة التكفير، لعله أراد بهذا أن سيد قطب قال في الأمة الإسلامية الآن في هذا العصر: إنها تعيش جاهلية لا تعيشها الجاهلية الأولى، وقال: إن هذه مساجدها معابد جاهلية، وإن الإسلام يرفض (أَسْلَمَةَ) هذه المجتمعات، أنا قرأته بعيني يا شيخ!

الشيخ: هل ذهبت إلى مصر؟

السائل: لا.

الشيخ: هو مصري، هو يحكي ما يشاهده في مساجد عن الست زينب والبدوي إلخ.

السائل: فتكون كل مساجد مصر هكذا؟

الشيخ: لا، أنا لا أقول بالكلية وهو لا يقول بالكلية، لكن هو يتكلم بصفة عامة.

السائل: لكن هو عم المجتمعات يا شيخ!

خاتمة رأي الشيخ في سيد وكتبه

الشيخ: على كل حال، الرجل مات وانتقل إلى رحمة الله وإلى ظنه، ونحن كما نصحتك آنفاً لا تبحث في الأشخاص، خاصة إذا كانوا انتقلوا إلى رحمة الله.

رجل: ألا يمكن أن نقول: إن قصد بالجاهلية التكفير وتكفير هذه الأمة فهذا ضلال بعيد، وإن قصد أنك ما تمر بالشارع إلا كان على يمينك قمار، والدكان الثاني يبيع الخمر علناً، والثالث مرقص، والرابع سينما، والخامس سفور، ثم أزياء الكفار، ثم سن قوانين غير شرعية، فإن قصد مثل هذا فهو كما قال فيه جاهلية، فهذا كلام لا ينكر، بل قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب ما هو أشد من هذا في الناس.

وأما إن قصد التكفير فالأمر والحمد لله واضح، فنحن نفصل، ولا يهمنا الرجل بذاته، إن كان قصد التكفير المخرج من الملة فهذا ضلال ونأباه وأمره إلى الله، وإن كان قصده الجاهلية التي نراها فلا تشك معي أن الأمر كذلك.

الشيخ: أنت ماذا ينادونك؟

الرجل: أبو طلحة .

الشيخ: انظر يا أبا طلحة ! يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ولو في غير هذه المناسبة : (إنما الأعمال بالخواتيم)، فما هي خاتمة البحث في كلام سيد قطب أو غيره، إن كان قصد كذا أو قصد كذا؟

السائل: الشاهد يا شيخ!

الشيخ: لا تحد عن الجواب.

السائل: ما قصدت الحيدة يا شيخ!

الشيخ: أنا لا أتكلم قصدت أم لم تقصد، إنما أذكرك وأقول: لا تحد عن الجواب، ما هي ثمرة البحث في أن سيد قطب أو غيره قال كذا وكذا وكذا؟ فما هو المقصود من حكايتنا لكلامه؟

السائل: نحن الآن نريد أن نحذر الناس من كتب هذا الرجل؛ لأن الناس الآن عظموا مؤلفات هذا الرجل، حتى فاقت في طباعتها وانتشارها مؤلفات الأئمة، فيا شيخ! هو عنده أخطاء عقائدية كثيرة، وقد تكلم في عثمان.

الشيخ: هذا هو الجواب.

السائل: لا أقصد أنه لهذا يا شيخ!

رجل آخر: لدينا سؤال واحد فقط!

الشيخ: تفضل.

السائل: هل قلتم مرة أن معالم على الطريق هو توحيد كتبَ بأسلوب عصري؟

الشيخ: أنا أقول: إن في هذا الكتاب فصلاً قيماً جداً، أظن عنوانه: (لا إله إلا الله منهج حياة) هذا الذي أقوله وقلته آنفاً، ومثل ما يقولون عندنا في الشام : (على غير عباية):

الرجل ليس عالماً، لكن له كلمات عليها نور وعليها علم، مثل ( ... منهج حياة) أنا أعتقد أن هذا العنوان كثير من إخواننا السلفيين ما تبنوا معناه، أن (لا إله إلا الله منهج حياة) هذا الكلام الذي تكلمت عنه.

الرجل: قلتم لنا هذا الكلام في بيتنا منذ خمسة وعشرين سنة.

الشيخ: ممكن، لكن أنا لا أذكر ما أقول. لكن الرجل له كتاب العدالة الاجتماعية لا قيمة له، لكن كتاب معالم على الطريق له بحوث قيمة جداً.

وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.