أرشيف المقالات

مسائل في ميراث الجد لأب وإن علا

مدة قراءة المادة : 38 دقائق .
مسائل في ميراث الجد لأب وإن علا
المرتع المشبع في مواضع من الروض المربع

قوله: (والجد لأب وإن علا مع ولد أبوين، أو ولد أب كأخ منهم في مُقاسمتِهم المال، أو ما أبقت الفروض...) إلى آخره[1].
 
قال في «المقنع»: «وللأب ثلاثة أحوال:
حالٌ يرث فيها السدس بالفرض، وهي مع ذكور الولد أو ولد الابن.
وحالٌ يرثُ فيها بالتعصيب، وهي مع عدم الولد أو ولد الابن.
وحال يجتمع له الفرض والتعصب، وهي مع إناث الولد أو ولد الابن.
 
فصل: وللجدّ هذه الأحوال الثلاثة وحال رابع، وهي مع الإخوة والأخوات من الأبوين أو الأب فإنه يُقاسمهم كأخ، إلا أن يكون الثلث خيراً له فيأخذه والباقي لهم، فإن كان معهم ذو فرضٍ أخذ فرضه، ثم للجدِّ الأحظّ من المُقاسمة كأخ، أو ثلث الباقي، أو سدس جميع المال، فإن لم يفضل عن الفرض إلا السدس فهو له، وسقط من معه منهم إلا في الأَكْدَرِيَّة، وهي زوج وأم وأخت [وجد]، فللزوج النصف، وللأم الثلث، وللجد السدس، وللأخت النصف، ثم يُقسم نصف الأخت وسدس الجد بينهما على ثلاثة فتضربها في المسألة وَعَوْلِها، وهي تسعة تكن سبعة وعشرين: للزوج تسعة، وللأم ستة، وللجد ثمانية، وللأخت أربعة، ولا يَعول من مسائل الجد غيرها، ولا يُفرض لأخت مع جد إلا فيها.
 
وإن لم يكن فيها زوج فللأم الثلث، وما بقي بين الجد والأخت على ثلاثة فتصح من تسعة وتسمى: الخرقاء؛ لكثرة اختلاف الصحابة فيها»
[2].
 
قال في «الحاشية»: «قوله: (وللجد هذه الأحوال الثلاثة، وحال رابع...) إلى آخره، هذا مبنيٌّ على الصحيح من المذهب[3]: أن الجد لا يُسقِط الإخوة، وبه قال علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وبه قال مالك[4] والأوزاعي والشافعي[5] وأبو يوسف ومحمد[6]؛ لأن الأخ ذكر يعصب أخته فلم يسقطه الجد كالابن، ولأن ميراثهم ثبت بالكتاب، ولا يُحجَبُون إلا بنصٍّ أو إجماعٍ، وما وجد شيء من ذلك، ولأنهم تساووا في سبب الاستحقاق فتساووا فيه، فإن الأخ والجد يُدلِيان بالأب، وقرابة البُنُوَّة لا تنقص عن قرابة الأبوة، بل ربما كانت أقوى؛ فإن الابن يُسقط تعصيب الأب.
 
وعن أحمد[7]: أنه يسقط الإخوة، وبه قال أبو بكر الصديق، وابن الزبير، وابن عباس رضي الله عنهم ورُويَ عن عثمان، وعائشة، وأُبي بن كعب، وأَبي الدرداء، ومعاذ بن جبل، وأبي موسى، وأبي هريرة، وعمران بن حصين، وجابر بن عبد الله، وأبي الطفيل، وعبادة بن الصامت، وعطاء، وطاوس، وجابر بن زيد، وبه قال قتادة، وإسحاق، وأبو ثور، ونعيم بن حماد، وأبو حنيفة[8]، والمزني، وابن المنذر، وداود، وابن سريج، وابن اللبان، وابن بطة، وأبو حفص البرمكي، وأبو حفص العكبري، والآجري، والشيخ تقي الدين[9]، وصاحب «الفائق».
 
وقال في «الفروع»: «وهو أظهر»[10]، قال في «الإنصاف»: وهو الصواب[11]»
[12].
 
«واحتج من ذهب إلى هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقيَ فَلِأَولى رجُلٍ ذَكَر)[13]، والجدُّ أَولى من الأخ؛ بدليل المعنى والحكم:
أما المعنى: فإن له قرابة إيلاد وبعضية كالأب.
وأما الحكم: فإن الفروض إذا ازدحمت سقط الأخ دونه، ولا يُسقطه أحد إلا الأب.
 
والإخوة يسقطون بثلاثة، ويجمع له بين الفرض والتعصيب كالأب وهم ينفردون بواحدٍ منها، ويسقط ولد الأم، وولد الأب يسقطون بهم بالإجماع[14] إذا استغرقت الفروض المال وكانوا عصبة، ولأنه لا يُقتل بقتل ابن ابنه، ولا يُحدُّ بقذفهِ، ولا يُقطع بسرقة ماله، وتجب عليه نفقته، ويُمنع من دفع زكاته إليه كالأب سواء.
 
فإن قيل: فالحديث حُجَّة في تقديم الأخوات؛ لأن فروضهن في كتاب الله فيجب أن يلحق بهن فروضهن ويكون للجد ما بقي!
 
فالجواب: أن هذا الخبر حجة [في الذكور المنفردين، وفي الذكور مع الإناث، أو نقول: هو حجة في الجميع، ولا فرض لولد الأب مع] الجد؛ لأنهم كَلَالة، والكَلَالة اسم للوارث مع عدم الولد والوالد، ولا يكون لهن معه إذاً فرضٌ، ولأن الجد أب فيَحْجُب ولد الأب كالأب الحقيقي.
 
ودليل كونه أباً قوله تعالى: ﴿ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الحج: 78] وقول الله تعالى حكاية عن يوسف: ﴿ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ﴾ [يوسف: 38] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ارموا بني إسماعيل؛ فإن أباكم كان رامياً)[15][16].
 
وقال في «الإفصاح»: «وقع إجماعهم على أن الابن يُسقط ولد الابن الذَّكر والأنثى[17]، وأن الأب يُسقط الجد والأجداد[18]، وأن الأم تُسقط الجدة والجدات[19].
 
وأجمعوا على أن ولد الأم يَسقط بأربعة: بالولد، وولد الابن، والأب والجد[20].
 
وأجمعوا على أن ولد الأب والأم يسقط بثلاثة: بالابن وابن الابن والأب، وكل واحدٍ من هؤلاء الثلاثة يُسقط ولد الأبوين بالإجماع[21].
 
ثم اختلفوا في الجدِّ، هل يُسقط ولد الأبوين كهؤلاء؟
فقال أبو حنيفة[22]: يُسقط الجدُّ الإخوة والأخوات من الأبوين، أو من الأب كما يُسقطهم الأب لا فرق.
 
وقال مالك[23] والشافعي[24] وأحمد[25]: إن الجد لا يُسقطهم، ولكنه يُقاسم الإخوة والأخوات من الأبوين أو من الأب ما لم تنقصه المُقاسمة عن ثلث الأصل، فإذا نقصته المُقاسمة عن ثلثِ الأصلِ فُرض له ثلث الأصل وأعطي الإخوة والأخوات ما بقي، هذا إذا لم يكن مع الإخوة والأخوات من له فرض.
 
فإن كان معهم من له فرض أُعطي فرضه وقاسمهم الجد ما لم تنقصه المقاسمة عن سدس الأصل أو ثلث ما بقي، فأيهما كان أَحَظ له أُعطيه.
 
فأما ولد الأب فإنَّ إجماع الأئمة وقع على أنهم يَسقطون بالابن وابن الابن والأب والأخ من الأب والأم[26].
 
ثم اختلفوا في الجد، هل يُسقطهم أو لا؟ وقد قدمنا ذكر ذلك في أولاد الأبوين فأغنى عن إعادته[27].
 
إلى أن قال: وحُكم الجد في جميع أحواله حُكم الأب، إلا في ثلاثة أحوال:
أحدها: أن الأب يُسقط الجد، والأب لا يُسقطه أحد.
والثاني: أن الأب مع الزوجين يُزاحم الأم من ثلث الأصل إلى ثلث الباقي، والجد بخلافه، وهذان الحالان إجماعاً.
والثالث: أن الأب يُسقط الإخوة والأخوات من الأبوين، أو من الأب، والجد يُقاسمهم على الاختلاف الذي ذكرناه[28].
 
واتفقوا على أن الجدَّ لا يَنقص عن السدسِ في حالِ السدسِ كاملاً أو عائلاً[29]»
[30].
 
«واختلفوا في مسائل الجد في رجلٍ مات وخلف أخاً وأختاً لأب وأم أو لأب وجدّ:
فقال أبو حنيفة[31]: المال كله للجد.
 
وقال مالك والشافعي[32] وأحمد[33]: المال بينهم على خمسة أسهم: للجد سهمان، وللأخ سهمان، وللأخت سهم.
 
واختلفوا في مسائل الجد في الأَكْدَرِيَّة، وهي امرأة ماتت وخلفت زوجا ًوأمّاً وجدّاً وأختاً لأب وأم أو لأب: فقال مالك[34] والشافعي[35] وأحمد[36]: للزوج النصف، وللأم الثلث، وللأخت النصف، وللجد السدس، ثم يُقسم سدس الجد ونص الأخت بينهما على ثلاثة أسهم، فَتَصِبحُّ من سبعة وعشرين سهماً: للزوج تسعة، وللأم ستة، وللجد ثمانية، وللأخت أربعة.
 
وقال أبو حنيفة[37]: للأم الثلث، وللزوج النصف، والباقي للجد، وتسقط الأخت، ولا يفرض للجد مع الأخوات في غير هذه المسألة.
 
واختلفوا في أم وأخت وجد:
فقال مالك[38] والشافعي[39] وأحمد[40]: للأم الثلث، وما بقي فبين الجد والأخت على ثلاثة أسهم: للجد سَهْمَان، وللأخت سهم.
 
وقال أبو حنيفة[41]: للأم الثلث، والباقي للجد.
 
وهذه المسألة تُسمَّى الخرقاء؛ لأن أقوال الصحابة تَخَرَّقَت فيها، وانتهى الأمر فيها بين الأئمة الأربعة المذكورين رضي الله عنهم إلى هذين القولين الذين ذكرتهما لا غير»
[42].
 
«ومن المسائل الخلافية في الجد: أخت لأب وأم، وأخت لأب وجد: فقال مالك[43] والشافعي[44] وأحمد[45]: الفريضة بين الأختين والجد على أربعة أسهم: للجدِّ سهمان، ولكل أخت سهم، ثم رجعت الأخت للأبوين على الأخت للأب فأخذت مما في يدها حتى استكملت النصف.
 
فإن كان مع التي من قبل الأب أخوها، فإن المال بين الجد والأخ والأختين على ستة أسهم: للجد سهمان، وللأخ سهمان، ولكل أختٍ سهم، ثم رجعت الأخت من الأبوين على الأخ والأخت من الأب فأخذت مما في أيديهما حتى استكملت النصف، فتصح الفريضة من ثمانية عشر سهماً: للجد ستة أسهم، وللأخت للأب والأم تسعة أسهم، وللأخ من الأب سهمان، وللأخت من الأب سهم.
 
وقال أبو حنيفة[46]: المال كله للجد»
[47].
 
«وأجمعوا على أن الجد يُقاسم الأخوات من الأب أو من الأبوين كما يُقاسم الإخوة منهم، وإن انفردن عن إخوتهن[48]، إلا أبا حنيفة[49] فإنه على أصله في إسقاطه.
 
وأجمعوا على أنه إذا كان مع الإخوة للأبوين أو الأخوات[50] لأب؛ فإنهم يعادون الجد بهم في المُقاسمة[51]، كما وصفنا من قبل، ثم يرجع ولد الأبوين على ولد الأب فيأخذون تمام حقوقهم منهم.
 
فإن فضل بعد استيفاء حقوق ولد الأبوين شيءٌ كان لولد الأب، وإن لم يفضل فلا شيء لهم.
 
ومعنى المعاداة: أن مذهب الفقهاء: أنهم يعدون أولاد الأب مع الجد إضراراً به، فإذا أخذ الجدُّ سهمه من الميراث أجرى ولد الأبوين وولد الأب فيما بقي على حكمهم، لو انفردوا بالميراث[52]»
[53].
 
وقال ابن رشد: «وأجمع العلماء على أن الأب يَحجب الجدَّ، وأنه يقوم مقام الأب عند عدم الأب مع البنين، وأنه عاصبٌ مع ذوي الفرائض[54].
 
فذهب ابن عباس وأبو بكر رضي الله عنهما وجماعة إلى أنه يحجبهم، وبه قال أبو حنيفة[55] وأبو ثور وابن سريج - من أصحاب الشافعي - وداود وجماعة.
 
واتفق علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وزيد بن ثابت، وابن مسعود رضي الله عنهم، على توريث الإخوة مع الجد، إلا أنهم اختلفوا في كيفية ذلك على ما أقوله بعد.
 
وعُمدة من جعل الجدَّ بمنزلة الأب: اتفاقهما في المعنى - أعني: من قبل أن كليهما أب للميت - ومن اتفاقهما في كثير من الأحكام التي أجمعوا على اتفاقهما فيها، حتى إنه قد رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهم أنه قال: أما يتقي الله زيد بن ثابت يجعل ابن الابن ابناً، ولا يجعل أب الأب أباً؟!
 
وقد أجمعوا على أنه مثله في أحكام أُخر سوى الفروض، منها: أن شهادته لحفيده كشهادة الأب، وأن، الجد يُعْتَقُ على حفيده كما يُعْتَقُ الأب على الابن، وأنه لا يُقْتَص له من جد كما لا يُقْتَص له من أب[56].
 
وعُمدة من ورَّث الأخ مع الجد: أن الأخَ أقرب إلى الميت من الجد؛ لأن الجد أبو أبي الميت والأخ ابن أبي الميت، والابن أقرب من الأب.
 
وأيضاً فما أجمعوا عليه من أن ابن الأخ يُقدم على العم، وهو يُدْلي بالأب، والعم يُدْلي بالجد[57].
 
فسبب الخلاف: تعارض القياس في هذا الباب، فإن قيل: فأيُّ القياسين أرجح بحسب النظر الشرعي؟
 
قلنا: قياس من ساوى بين الأب والجد؛ فإن الجد أب في المرتبة الثانية أو الثالثة، كما أن الابن ابن في المرتبة الثانية أو الثالثة، وإذا لم يَحجب الابن الجد وهو يحجب الإخوة فالجد يجب أن يَحجب من يَحجب الابن، والأخ ليس بأصل للميت ولا فرع؛ وإنما هو مُشارك له في الأصل، والأصل أحق بالشيء من المُشارك له في الأصل، والجد ليس هو أصلاً للميت من قبل الأب، بل هو أصل أصله.
 
والأخ يرث من قِبَل أنه فرعٌ لأصل الميت، فالذي هو أصل لأصله أولى من الذي هو فرع لأصله؛ ولذلك لا معنى لقول من قال: إن الأخ يُدْلِي بالبُنُوَّة والجد يُدْلِي بالأبوة؛ فإن الأخ ليس ابناً للميت، وإنما هو ابن أبيه والجد أبو الميت.
 
والبُنُوَّة إنما هي أقوى في الميراث من الأُبُوَّة في الشخص الواحد بعينه، أعني: الموروث.
 
وأما البنوة التي تكون لأب الموروث فليس يلزم أن تكون في حق الموروث أقوى من الأبوة التي تكون لأب الموروث؛ لأن الأبوة التي لأبِ الموروث هي أُبُوَّة ما للموروث - أعني: بعيدة - وليس البنوة التي لأب الموروث بنوة ما للموروث لا قريبة ولا بعيدة، فمن قال: الأخ أحق من الجد؛ لأن الأخ يُدْلِي بالشيء الذي من قبله كان الميراث بالبنوة وهو الأب، والجد يُدْلِي بالأبوة، وهو قول غالط مخيل؛ لأن الجد أب ما، وليس الأخ ابناً ما.
 
وبالجملة: الأخ لاحقٌ من لواحق الميت وكأنه أمر عارض، والجد سبب من أسبابه والسبب أملك للشيء من لاحقه»
[58].
 
وقال البخاري: «(باب ميراث الجد مع الأب والإخوة).
 
وقال أبو بكر وابن عباسٍ وابن الزبير: الجد أبٌ، وقرأ ابن عباس: ﴿ يَا بَنِي آَدَمَ ﴾ [الأعراف: 26] ﴿ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ﴾ [يوسف: 38] ولم يذكر أن أحداً خالف أبا بكر في زمانه وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم متوافرون.
 
وقال ابن عباس: يرثني ابن ابني دون إخوتي، ولا أرث أنا ابن ابني! ويُذكر عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد أقاويل مختلفة.
 
حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا وهيب، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فَلِأَولى رجُل ذَكَر)[59].
 
حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: أما الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو كنت مُتَّخِذاً من هذه الأُمة خليلاً لاتخذته، ولكن خُلَّة الإسلام أفضل)، أو قال: (خير)، (فإنه أنزله أباً)، أو قال: (قضاه أباً[60] »
.
 
قال الحافظ: «قوله: (باب مِيراث الجد مع الأب والإخوة)، المراد بالجد هنا: من يكون من قِبَل الأب، والمراد بالإخوة: الأشقاء ومن الأب، وقد انعقد الإجماع على أن الجدَّ لا يرث مع وجود الأب[61].
 
قوله: (وقال أبو بكر وابن عباس وابن الزبير: الجد أب)، أي: هو أب حقيقة لكن تتفاوت مراتبه بحسب القُرب والبُعد، وقيل: المعنى: أنه يُنَزَّل مَنزلة الأب في الحُرْمَة ووجوه البر والمعروف.
 
قوله: (ولم يُذكر أن أحداً خالف أبا بكر في زمانه وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم متوافرون)، كأنه يريد بذلك تقوية حُجة القول المذكور؛ فإن الإجماع السكوتي حُجة، وهو حاصل في هذا.
 
وممن جاء عنه التصريح بأن الجد يرث ما كان يرث الأب عند عدم الأب غير من سماه المُصَنِّف: معاذ وأبو الدرداء وأبو موسى وأُبي بن كعب وعائشة وأبي هريرة، ونقل ذلك أيضاً عن: عمر وعثمان وعلي وابن مسعود على اختلاف عنهم، ومن التابعين: عطاء وطاوس وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبو الشعثاء وشريح والشعبي، ومن فقهاء الأمصار: عثمان البتي وأبو حنيفة[62] وإسحاق بن راهويه وداود وأبو ثور والمزني وابن سريج.
 
وذهب عمر وعلي وزيد بن ثابت وابن مسعود إلى توريث الإخوة مع الجد، لكن اختلفوا في كيفية ذلك.
 
قوله: (وقال ابن عباس: يرثني ابن ابني دون إخوتي، ولا أرث أنا ابن ابني).
 
قال ابن عبد البر[63]: وجه قياس ابن عباس: أن ابن الابن لما كان كالابن عند عدم الابن كان أبو الأب عند عدم الأب كالأب.
 
قوله: (ويُذكر عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد أقاويل مختلفة)، وقد أخذ بقول جمهور العلماء، وتمسكوا بحديث: (أفرضكم زيد)[64]...
إلى أن قال: فأما عمر فأخرج الدارمي بسند صحيح عن الشعبي قال: أول جد ورث في الإسلام عمر، فأخذ ماله فاتاه علي وزيد - يعني: ابن ثابت - فقالا: ليس لك ذلك إنما أنت كأحد الأخوين[65].
 
وأخرج الدارقطني بسندٍ قويٍّ عن زيد بن ثابت أن عمر أتاه...
فذكر قصة فيها: إن مثل الجد كمثل شجرة نبتت على ساق واحد فخرج منها غُصن، ثم خرج من الغصن غصن، فإن قَطَعْتَ الغُصْنَ رَجَعَ الماءُ إلى الساق، وإن قَطَعْتَ الثاني رجع الماء إلى الأول، فخطب عمر الناس فقال: إن زيداً قال في الجد قولاً وقد أَمْضَيْتُه[66].
 
وأخرج يزيد بن هارون في كتاب الفرائض، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة بن عمرو قال: إني لأحفظ عن عمر في الجد مئة قضية، كلها ينقض بعضها بعضاً[67].
 
وأما علي: فأخرج ابن أبي شيبة ومحمد بن نصر بسندٍ صحيحٍ عن الشعبي: كتب ابن عباس إلى عليٍّ يسأله عن ستة إخوة وجدّ، فكتب إليه أن اجعله كأحدهم وامح كتابي[68]...
إلى أن قال: ثم ذكر المُصَنِّف حديث ابن عباس: (ألحقوا الفرائض)[69].
 
ووجه تعلقه بالمسألة: أنه دلَّ على أن الذي يبقى بعد الفرض يُصرَف لأقرب الناس للميت، فكان الجد أقرب فَيُقَدَّم، انتهى مُلَخَّصاً»
[70].
 
وقال في «الاختيارات»: «والجد يُسقط الإخوة من الأم إجماعاً[71]، وكذا من الأبوين أو الأب، وهي رواية عن الإمام أحمد[72]، واختارها بعض أصحابه، وهو مذهب الصديق وغيره من الصحابة رضي الله عنهم»[73].
 
وقال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم: سُئِلَ الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: هل الجد أب...
إلى آخره؟
 
فأجاب: أما كون الجد أباً فرجح بأمور:
الأول: العموم واستدلال ابن عباس رضي الله عنهما على ذلك بقوله تعالى: ﴿ يَا بَنِي آَدَمَ ﴾ [الأعراف: 26].
 
الثاني: مَحْضُ القياس، كما قال ابن عباس: ألا يتقي الله زيد، يجعل ابن الابن ابناً، ولا يجعل أبا الأب أباً؟!
 
الثالث: أنه مذهب أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو هو.
 
الرابع: أن الذين ورثوا معه اختلفوا في كيفية ذلك، كما قال البخاري لما ذكر قول الصديق، ويُذكر عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد أقاويل مختلفة.
 
الخامس: أن الذين ورثوهم لم يجزموا، بل معهم شك وأقروا أنهم لم يجدوه في النص لا بعموم ولا غيره.
 
السادس: وهو أبينها كلها -: أن هذا التوريث وكيفياته لو كان من الله لم يُتصور أن يهمله النبي صلى الله عليه وسلم بالكلية من صعوبته والاختلاف فيه.
 
وأما حجة المخالف: فهم مُقرون أنه محضُ رأيٍ لا حُجة فيه إلا قياساً فيما زعموا.
 
وقال ابنه الشيخ عبد الله: إذا صحَّ لنا نصٌّ جلي من كتاب أو سنة، غير منسوخ ولا مُخَصَّص ولا مُعارض بأقوى منه، وقال به أحد الأئمة الأربعة، أخذنا به وتركنا المذهب، كإرث الجد والإخوة، فإنا نُقدم الجد بالإرث وإن خالفه مذهب الحنابلة.
 
وأجاب الشيخ عبد الرحمن بن حسن: وأما مسألة الجد والإخوة، فذكر في «الاختيارات»: أن الجد يَحجب الإخوة، وهو قول أبي بكر، وقال به غيره من الصحابة، وهو رواية عن أحمد[74]، وهو الذي يختاره أشياخنا»
[75].



[1] الروض المربع ص354.


[2] المقنع 2/ 402 - 406.


[3] شرح منتهى الإرادات 4/ 537، وكشاف القناع 10/ 345.


[4] الشرح الصغير 2/ 485، وحاشية الدسوقي 4/ 463.


[5] تحفة المحتاج 6/ 404، ونهاية المحتاج 6/ 25.


[6] حاشية ابن عابدين 6/ 835 - 836.


[7] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 18/ 17 - 18.


[8] حاشية ابن عابدين 6/ 835.


[9] الاختيارات ص197.


[10] الفروع لابن مفلح 5/ 11.


[11] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 18/ 19.


[12] حاشية المقنع 2/ 402 - 403.


[13] البخاري (3737)، ومسلم (1615)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.


[14] الإجماع ص82 (296).
وحاشية ابن عابدين 6/ 835.
والشرح الصغير 2/ 490، وحاشية الدسوقي 4/ 461.
وتحفة المحتاج 6/ 398، ونهاية المحتاج 6/ 16.
وشرح منتهى الإرادات 4/ 536، وكشاف القناع 10/ 340.


[15] البخاري (2899)، من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.


[16] الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 18/ 18 - 21.


[17] حاشية ابن عابدين 6/ 835.
والشرح الصغير 2/ 490، وحاشية الدسوقي 4/ 467.
وتحفة المحتاج 6/ 397، ونهاية المحتاج 6/ 16.
وشرح منتهى الإرادات 4/ 559، وكشاف القناع 10/ 380.


[18] حاشية ابن عابدين 6/ 835.
والشرح الصغير 2/ 490، وحاشية الدسوقي 4/ 466.
وتحفة المحتاج 6/ 398، ونهاية المحتاج 6/ 16.
وشرح منتهى الإرادات 4/ 559، وكشاف القناع 10/ 380.


[19] حاشية ابن عابدين 6/ 835.
والشرح الصغير 2/ 491، وحاشية الدسوقي 4/ 462.
وتحفة المحتاج 6/ 399.
ونهاية المحتاج 6/ 17.
وشرح منتهى الإرادات 4/ 559، وكشاف القناع 10/ 380.


[20] حاشية ابن عابدين 6/ 837.
والشرح الصغير 2/ 490، وحاشية الدسوقي 4/ 462.
وتحفة المحتاج 6/ 398، ونهاية المحتاج 6/ 16.
وشرح منتهى الإرادات 4/ 560، وكشاف القناع 10/ 381.


[21] حاشية ابن عابدين 6/ 836.
والشرح الصغير 2/ 490.
وتحفة المحتاج 6/ 398، ونهاية المحتاج 6/ 16.
وشرح منتهى الإرادات 4/ 560، وكشاف القناع 10/ 380.


[22] حاشية ابن عابدين 6/ 835.


[23] الشرح الصغير 2/ 485، وحاشية الدسوقي 4/ 463.


[24] تحفة المحتاج 6/ 504، ونهاية المحتاج 6/ 25.


[25] شرح منتهى الإرادات 4/ 537، وكشاف القناع 10/ 345.


[26] حاشية ابن عابدين 6/ 836.
والشرح الصغير 2/ 490.
وتحفة المحتاج 6/ 398، ونهاية المحتاج 6/ 16.
وشرح منتهى الإرادات 4/ 560، وكشاف القناع 10/ 380.


[27] الإفصاح 3/ 76 - 78.


[28] الإفصاح 3/ 80 - 81.


[29] حاشية ابن عابدين 6/ 835.
والشرح الصغير 2/ 485 - 486، وحاشية الدسوقي 4/ 463 - 465.
وتحفة المحتاج 6/ 412، ونهاية المحتاج 6/ 25.
وشرح منتهى الإرادات 4/ 538، وكشاف القناع 140/ 345.


[30] الإفصاح 3/ 87.


[31] حاشية ابن عابدين 6/ 835.


[32] تحفة المحتاج 6/ 412، ونهاية المحتاج 6/ 25.


[33] شرح منتهى الإرادات 4/ 537، وكشاف القناع 10/ 344.


[34] الشرح الصغير 2/ 486، وحاشية الدسوقي 4/ 464 - 465.


[35] تحفة المحتاج 6/ 415، ونهاية المحتاج 6/ 26.


[36] شرح منتهى الإرادات 4/ 539، وكشاف القناع 10/ 345 - 346.


[37] حاشية ابن عابدين 6/ 841.


[38] الشرح الصغير 2/ 486، وحاشية الدسوقي 4/ 464.


[39] تحفة المحتاج 6/ 414، ونهاية المحتاج 6/ 26.


[40] شرح منتهى الإرادات 4/ 540، وكشاف القناع 10/ 348.


[41] حاشية ابن عابدين 6/ 835.


[42] الإفصاح 3/ 93 - 95.


[43] الشرح الصغير 2/ 485، وحاشية الدسوقي 4/ 463.


[44] تحفة المحتاج 6/ 412 - 413، ونهاية المحتاج 24 - 25.


[45] شرح منتهى الإرادات 4/ 543، وكشاف القناع 10/ 352.


[46] حاشية ابن عابدين 6/ 835.


[47] الإفصاح 3/ 98.


[48] الشرح الصغير 2/ 485، وحاشية الدسوقي 4/ 463.
وتحفة المحتاج 6/ 504، ونهاية المحتاج 6/ 25.
وشرح منتهى الإرادات 4/ 537، وكشاف القناع 10/ 345.


[49] حاشية ابن عابدين 6/ 835.


[50] في حاشية الأصل: «لعله إخوة».


[51] الشرح الصغير 2/ 485، وحاشية الدسوقي 4/ 463.
وتحفة المحتاج 6/ 413، ونهاية المحتاج 6/ 25.
وشرح منتهى الإرادات 4/ 541 - 542، وكشاف القناع 10/ 350.


[52] الإفصاح 3/ 103 - 104.


[53] الإفصاح 3/ 76 - 104.


[54] حاشية ابن عابدين 6/ 835.
والشرح الصغير 2/ 490، وحاشية الدسوقي 4/ 466.
وتحفة المحتاج 6/ 398، ونهاية المحتاج 6/ 16.
وشرح منتهى الإرادات 4/ 559، وكشاف القناع 10/ 380.


[55] حاشية ابن عابدين 6/ 835.


[56] الإجماع (312).
وفتح القدير 6/ 31و 8/ 259، وحاشية ابن عابدين 5/ 507و 6/ 570.
والشرح الصغير 2/ 350، وحاشية الدسوقي 4/ 168.
وتحفة المحتاج 8/ 403و 10/ 230، ونهاية المحتاج 7/ 271و 8/ 303.
وشرح منتهى الإرادات 6/ 33و 674، وكشاف القناع 13/ 256و 15/ 311.


[57] حاشية ابن عابدين 6/ 850 - 851.
والشرح الصغير 2/ 482، وحاشية الدسوقي 4/ 467.
وتحفة المحتاج 6/ 399، ونهاية المحتاج 6/ 17.
وشرح منتهى الإرادات 4/ 563، وكشاف القناع 10/ 385.


[58] بداية المجتهد 2/ 319 - 321.


[59] البخاري (6737).


[60] البخاري (6738).


[61] حاشية ابن عابدين 6/ 835.
والشرح الصغير 2/ 490، وحاشية الدسوقي 4/ 466.
وتحفة المحتاج 6/ 298.
ونهاية المحتاج 6/ 16.
وشرح منتهى الإرادات 4/ 559، وكشاف القناع 10/ 380.


[62] حاشية ابن عابدين 6/ 835.


[63] الاستذكار 5/ 342.


[64] أخرجه الترمذي (3791)، وابن ماجه (154)، وأحمد 3/ 184، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الحاكم 3/ 422.
اهـ
وحسنه الحافظ في «الفتح» 12/ 20.
وله متابعات وشواهد ذكرها الحافظ في «التلخيص» 3/ 79 - 80.


[65] رواه الدارمي 2/ 452 (2914).


[66] أخرج الدارقطني 4/ 93.


[67] أخرجه البيهقي 6/ 245.


[68] أخرج ابن أبي شيبة 11/ 293، والبيهقي 6/ 249.


[69] البخاري (6737).
ورواه أيضاً مسلم (1615).


[70] فتح الباري 12/ 19 - 23.


[71] حاشية ابن عابدين 6/ 837.
والشرح الصغير 2/ 490، وحاشية الدسوقي 4/ 462.
وتحفة المحتاج 6/ 398، ونهاية المحتاج 6/ 16.
وشرح منتهى الإرادات 4/ 560، كشاف القناع 10/ 381.


[72] شرح منتهى الإرادات 4/ 537، وكشاف القناع 10/ 345.


[73] الاختيارات الفقهية ص197.


[74] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 18/ 17 - 18.


[75] الدرر السنية 7/ 137 - 138.

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير