خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/68"> الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/68?sub=33614"> شرح كتاب زاد المستقنع
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح زاد المستقنع كتاب النكاح [1]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول المصنف رحمه الله: [كتاب النكاح].
النكاح في اللغة: يُطْلَق بمعنى الجمع والضم، ومنه قول العرب: تناكحت الأشجار إذا اجتمعت ودخل بعضها في بعض، والمناسبة من هذا المعنى اللغوي ظاهرة؛ لأن النكاح يقوم على الاستمتاع الموجب لاجتماع الزوجين وارتباط كلٍّ منهما بالآخر.
وأما في اصطلاح الشرع، فإن معنى النكاح اختلفت عبارات العلماء رحمهم الله فيه، ومن أنسب ما عُرّف به النكاح: أنه عقد يفيد حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر، وبناءً على هذا فقول العلماء: (عقد) المراد به الإيجاب والقبول، والإيجاب أن يقول ولي المرأة مخاطباً الزوج: زوجتك بنتي فلانة، والقبول أن يقول الزوج: قبلت، أو قبلت نكاح فلانة.
وقولهم رحمهم الله: (عقد يفيد) الفائدة: ما يعود من الشيء، ومعنى ذلك: أن عقد النكاح ينشأ عنه ويترتب عليه حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر.
وقولهم رحمهم الله: (حل استمتاع) لأن الأصل أنه لا يجوز للرجل أن يستمتع إلا بما أحل الله أن يستمتع به من المرأة المنكوحة أو ملك اليمين.
قولهم: (حل استمتاع كل من الزوجين) الاستمتاع من المتعة، والمتعة تشمل الشيء الذي فيه اللذة سواء كانت متعلقة بالبصر أو متعلقة بالجوارح الأُخر، وقولهم: (استمتاع) يشمل جميع أنواع الاستمتاع التي هي المقدمات من التقبيل ونحوه، وغاية المتعة من الجماع، فالكل أحله الله عز وجل للزوج، ولذلك قال الله تعالى: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187] ، فهذا العقد الشرعي والرباط الذي أذن الله به للزوجين يفيد حل استمتاع كل منهما بالآخر، فالمرأة تستمتع بالرجل والرجل يستمتع بالمرأة.
وهذا النوع من العقود دل على مشروعيته دليل الكتاب والسنة والإجماع.
أما دليل الكتاب فإن الله سبحانه وتعالى يقول: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3] فندب الله عباده إليه، ودلت الآية الكريمة على أن النكاح مأذون به شرعاً، وقال سبحانه: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [النور:32]والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وأما دليل السنة: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج)، فقوله: (فليتزوج) أصل يدل على مشروعية النكاح والإذن به، وقوله عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عباس وغيره: (تزوجوا الودود الولود فإني مفاخر بكم الأمم)، وكذلك ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه فعل النكاح فتزوج عليه الصلاة والسلام، وأقر الصحابة على الزواج فاجتمعت دلالة السنة قولاً وفعلاً وتقريراً.
وأما بالنسبة للإجماع: فقد أجمعت الأمة على مشروعية النكاح وحله وجوازه، ولا خلاف بينهم بحمد الله في ذلك، وأما الحكمة أو الحكم التي يمكن أن تستفاد من هذا العقد الشرعي، فإن الله تعالى شرع النكاح وجعل في شرعيته تكثير سواد الأمة وإبقاء النسل البشري، فعن طريق النكاح يتكاثر الناس ويتناسلون بالذريات والأولاد والأحفاد، فيبقى النسل ولا ينقطع، وبقاء النسل عمارة للكون بطاعة الله عز وجل كما لا يخفى.
كذلك في النكاح إعفاف للرجل وإعفاف للمرأة عن ما حرم الله، وصيانة لهما عن الزنا.. ونحوه من المحرمات، فشرع النكاح لهذه الحكم العظيمة، وتتبعها آثار هي حكم جليلة؛ منها: أن الناس يتواصلون وتحدث بينهم الألفة والمحبة والصفاء والنقاء، وهذا يقوي أواصر الإسلام، ويوجب ارتباط المسلمين بعضهم ببعض، فإن الرجل يتزوج فيُغرب في نكاحه، فيتزوج امرأة من قبيلة غير قبيلته أو امرأة من مصر غير مصره، وحينئذٍ يتعلق المسلم بأرحام له في ذلك البلد، ويتعلق أهل ذلك البلد بأرحام لهم في بلد آخر، فترتبط جماعة المسلمين وتحصل بالنكاح أواصر المحبة والألفة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إنكم ستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط -يعني مصر- فاستوصوا بأهلها خيراً فإن لهم رحماً).
فالمقصود: أن هذا الرحم يوجب الألفة والمحبة والتواصي بالخير، ومقصود الإسلام: أن يتواصل المسلمون وأن يتراحموا، وأن يتعاضدوا، وأن يكونوا كالبيت الواحد وكالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ومن هنا إذا حصل التعدد وتزوج الرجل من أكثر من قبيلة ومن أكثر من جماعة أصبح البيت الواحد يقوم على بيوت، ولو وقعت بلية أو مصيبة في بيت من هذه البيوت تألم الجميع وكأنه بيت واحد وكأنه أسرة واحدة.
وكذلك أيضاً من حكم النكاح: أنه كفاية للمئونة، فإن الرجل إذا تزوج المرأة كفى أباها أن يعيلها وأن تكون عبئاً عليه، خاصة وأن الأب في آخر عمره يثقل عليه أن يقوم على بناته وأن يرعاهن، أو يرعى أولاده، ففي ضم هذه البنت وضم تلك البنت لاشك أنه تخفيف للأعباء والمئونة.. إلى غير ذلك من الحكم العظيمة والأسرار الكريمة، فإن الزوج تسليه زوجته وتواسيه، وتخفف عنه الأشجان والأحزان، وإذا كانت صالحة ثبتته على الصراط وقوت قلبه على الطاعات، فاستفاد خيراً كثيراً لدينه ودنياه وآخرته.
هذا العقد -وهو عقد النكاح- اختلفت أنظار العلماء إليه، وتكلموا على حكمه، فقالوا: هل النكاح واجب أو مندوب؟ على قولين مشهورين:
جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وطائفة من أهل الحديث رحمة الله على الجميع على أن النكاح ليس بواجب وأنه مندوب ومستحب، وهذا في حالة الاعتدال كما سيأتي.
وذهب فقهاء الظاهرية رحمهم الله إلى القول بوجوب النكاح، وأنه يجب على الرجل أن ينكح على الأقل واحدة، ثم من بعد ذلك يبقى نكاح الاثنتين والثلاث والأربع على سبيل الندب والاستحباب لا على سبيل الحتم والإيجاب، واستدل الظاهرية على قولهم بوجوب النكاح بدليل الكتاب والسنة.
أما دليل الكتاب: فإن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3] ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة قالوا: إن الله أمر، والقاعدة في الأصول: أن الأمر محمول على الوجوب حتى يدل الدليل على صرفه عن هذا الظاهر، فأمرنا الله أن ننكح فأصبح النكاح واجباً لازماً علينا، واستدلوا بقوله تعالى أيضاً: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ [النور:32] قالوا: هذا أمر والأمر يدل على الوجوب ولا صارف له عن ظاهره.
واستدلوا بالسنة في قوله عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج) ووجه الدلالة من الحديث أن النبي صلى لله عليه وسلم قال: (فليتزوج) وهذا أمر والأمر للوجوب، كذلك أكدوا هذا بقوله عليه الصلاة والسلام: (تزوجوا الودود الولود)، وفي رواية لحديث آخر: (تناكحوا تناسلوا) لكنه متكلم في سنده، والحديث رواه عبد الرزاق في مصنفه، وكذلك الإمام أبو حنيفة في مسنده، وله روايات في مصنف ابن أبي شيبة وغيره بلفظ: (تناكحوا تناسلوا) وفي رواية (تناكحوا تكثروا)، وفي رواية: (تناكحوا تكاثروا فإني مفاخر بكم الأمم)، وفي رواية: (فإني مباهٍ بكم الأمم) هذا الحديث كما ذكرنا أخرجه عبد الرزاق في مصنفه وابن ماجة في سننه، وكذلك أخرجه الديلمي في مسنده؛ مسند الفردوس، وأكثر طرقه ضعيفة لكن رواية: (تزوجوا الودود الولود) قالوا: هذا أمر لقوله عليه الصلاة والسلام: (تزوجوا) ففيه حث بالغ يقوي جانب الأمر.
أما الجمهور فإنهم قالوا: إن النكاح ليس بواجب، وهذه الأوامر الواردة في الكتاب والسنة ليست على ظاهرها، فإن قوله سبحانه: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3] قالوا: إنه ليس للوجوب بدليل قوله: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3] ، فلو كان أمراً للوجوب لوجب أن ينكح اثنتين وثلاثاً وأربعاً، ولكن الله قال: فَانكِحُوا [النساء:3] وجعل الأمر مرتبطاً بالمثنى والثلاث والرباع، فدل على عدم إرادة الوجوب والفرضية، كذلك أيضاً كأنهم يقولون: إن في الآية قرينة تدل على عدم الوجوب؛ لأنه أمر بالتثنية والتثليث، وكونه تكون عنده أربع وهو الحد الأقصى للنكاح فهذا كله على سبيل الندب والاستحباب عند الجميع، فدل على أن الأمر في قوله: فَانكِحُوا [النساء:3] للندب والاستحباب وليس للحتم والإيجاب.
أما قوله عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر) قالوا: إن في الحديث قرينة تدل على عدم الوجوب وهي قوله: (فإنه أغض) فإن (أغض) على وزن أفعل التفضيل، وأفعل التفضيل لا يدل على الوجوب؛ لأن المطلوب أن يغض بصره، فإذا صار النكاح أغض كأنه يحصل الواجب وهو غض البصر بما دون النكاح، وعلى هذا قالوا: إنه أمر للندب والاستحباب لا للحتم والإيجاب.
وهذا هو الصحيح: أن النكاح مستحب ومندوب إليه في حالة الاعتدال، وهي الحالة التي يسميها العلماء: انتفاء الدوافع وانتفاء الموانع، وقد قرر العلماء وهم الجمهور أن النكاح تعتريه الأحكام الخمسة؛ فيكون واجباً في حالات، ويكون مندوباً في أُخر، ويكون محرماً في أُخر، ويكون مكروهاً في أُخر، ويكون مباحاً في أُخر.
فيكون النكاح واجباً إذا كان الشخص يخاف على نفسه الزنا، وغلب على ظنه أنه إذا لم يتزوج وقع في الحرام، وعنده قدرة على النكاح؛ فهذان شرطان: أن لا يأمن الحرام، وأن تكون عنده القدرة أن يتزوج، ووجه الوجوب هنا أنه فرض عليه أن يمنع نفسه عن الحرام، وواجب عليه أن لا يتسبب في الوقوع في الزنا وما حرم الله، وهذا الواجب لا يمكن أن يتوصل إليه إلا بالنكاح، فأصبح النكاح واجباً عليه من هذا الوجه.
كذلك قالوا: هو واجب عليه؛ لأن عنده قدرة مالية فلا يعجزه ولا يعييه أن ينكح.
ويكون النكاح حراماً إذا أراد أن يتزوج ثانية وثالثة أو رابعة وغلب على ظنه أنه لا يعدل، وليست عنده حاجة، كأن تكون الزوجة الأولى يحس أنه يتحصن بها وأنها كفاية له، لكنه يغلب على ظنه أنه إن تزوج الثانية لا يستطيع أن يعدل، أو يغلب على ظنه أنه إذا تزوج الثالثة لا يستطيع أن يعدل، فكأنه يطلب المستحب للوقوع في الحرام، ولا يمكن أن يحكم باستحباب أمر بوقوعه في الحرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم غلب جانب التحريم وقال: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم فانتهوا) قالوا: والله عز وجل أشار إلى هذا الحكم في قوله: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3]، فألزم من خاف عدم العدل بالرجوع إلى الواحدة إذا كانت تعفه وتحفظه عن الحرام، وبناءً على هذا قالوا: إنه يكون حراماً عليه إذا تحقق أو غلب على ظنه أنه لا يعدل: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3] فألزمه بالواحدة، وأمره بالبقاء عليها، فإن ثنى وثلث طلب الحرام من الظلم والإجحاف بالمرأة.
ويكون النكاح مندوباً عليه إذا لم يخف الحرام، وعنده قدرة على النكاح، فيستحب له ويندب أن يتزوج ولو بالثانية والثالثة والرابعة تكثيراً لسواد الأمة.
ويكون النكاح مكروهاً قالوا: في حالة ما إذا كانت عنده زوجة تعفه عن الحرام وغلب على ظنه أنه إن تزوج الثانية أنه يقع فيما هو مكروه، فتكون الكراهية مقيدة بالأجناس وبالأفراد، مثلاً: لو أراد أن ينكح من قوم فإنه تفوت عليه مصالح أعظم، أو لربما ضيع ما هو أحق، فقالوا: يكون مكروهاً عليه بالنسبة والاعتبار.
ويكون النكاح مباحاً في حال ما إذا لم يكن في درجة الندب والاستحباب، وهي الحالة الأخف؛ كأن يكون الرجل قادراً على مئونة النكاح، وآمناً من الوقوع في الحرام إذا لم يتزوج، فإنه حينئذٍ يكون في حقه مباحاً وحلالاً.
يقول المصنف رحمه الله: [كتاب النكاح ] أي: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام والمسائل المتعلقة بالنكاح.
والعلماء رحمهم الله إذا ذكروا كتاب النكاح فإنهم يعتنون بتنظيمه وبيانه مرتباً في الأحكام الفقهية، ففي الأبواب يقررون أولاً: ابتداء النكاح، وكيف يمكن للإنسان أن يصيب السنة والهدي في زواجه؟ وهذا المبحث يسمى عند العلماء بمبحث: مقدمات النكاح، ومقدمات النكاح تستلزم أن تبحث عن المرأة التي يندب طلبها والزواج منها، فيبينون ما هو الأفضل نكاحه من النساء كقولهم: أن تكون ودوداً ولوداً بكراً، دينة صالحة .. إلى آخره، كذلك يبحثون في المقدمات المسائل المتعلقة بخطبة النكاح بالنظر إلى المخطوبة، وخطبة النكاح، وصفة الخطبة، والأمور التي ينبغي أن يتقيها المسلم في خطبته من الخطبة على أخيه المسلم وخطبة المعتدة.. ونحو ذلك من الأمور التي ينبغي أن تتقى في خطبة المسلم وطلبه للنكاح.
وبعد أن يبينوا مقدمات النكاح يدخلون في الشروط المعتبرة لصحة عقد النكاح، وهذا ما يسمى عند العلماء بالتسلسل الفكري، إذ يراعون تسلسل الأمور فيقدمون الحوادث والمسائل والأحكام على حسب الوقوع.
كذلك يبحثون بعد المقدمات في شروط صحة عقد النكاح، وهذا يستلزم النظر فيمن هو ولي الزوجة الذي من حقه أن يتولى عقد نكاحها من عصبتها؟ وتبين بعد بيان أصناف الولاية: الأبوة، البنوة، الأخوة، العمومة، وأبناء كل، وبعد أن تبُين أصناف الأولياء تُبين مراتب الأولياء، وتقديمهم على حسب الجهة، ثم القرب، ثم القوة في القرابة، ثم بعد ترتيب الأولياء في النكاح يتكلمون على الآثار إذا زوج الولي الأبعد مع حضور الأقرب.. وهكذا، هذا بالنسبة للولي، ثم بعد ذلك يتكلمون على أنه يشترط للنكاح وجود الشاهدين، وصفات الشاهدين، وقد يؤخر بعضهم الكلام على صفة الشهود في باب القضاء عند الكلام على الأصل العام في الشهادة.
كذلك أيضاً ينبهون على شرط الصداق؛ فيتكلمون في حكم الصداق، وجنس الصداق، وقدر الصداق، وصفة الصداق، والصداق المعجل والمؤجل، والخصومة في الصداق.. إلى غير ذلك من الأحكام المترتبة على شرط الصداق.
وبعد الانتهاء من هذه الأمور الثلاثة المعتبرة لعقد النكاح، ينبه العلماء رحمهم الله على المسائل المترتبة على العقد الصحيح والمسائل المترتبة على عقد النكاح الفاسد، فيعتنون بمباحث تتصل بالنكاح المشروع وبالنكاح الممنوع، فهناك نوع من النكاح أذن الشرع به وهو الذي استجمع شروطاً يحكم من خلالها بصحة العقد واعتباره شرعاً، وهناك نوع من النكاح لم يأذن الشرع به لمصادمته للشرع أو اشتماله على أمور نص الشرع على عدم صحة النكاح بسبب وجودها.
فيبينون أولاً: الموانع، ويبينون موانع النكاح المؤبدة والموانع المؤقتة، فالموانع المؤبدة: أن تكون المرأة قريبة بالنسب قرابة تمنع من النكاح؛ كالأمهات، والبنات، والأخوات، وبنات الأخوات، وبنات الإخوان، والعمات، والخالات، ثم بعد ذلك المحرمات بالمصاهرة، ثم المحرمات بالرضاع، بعد هذا يتكلمون على المحرمات تحريماً مؤقتاً؛ كالمحرمات بسبب الجمع، كأخت الزوجة، وعمة الزوجة، وخالة الزوجة، ثم يتكلمون على مانع الدين، وهو مانع مؤقت إن تابت وأسلمت، وكذلك أيضاً مانع الزواج؛ مثل كونها منكوحة للغير.. إلى غير ذلك من بقية الموانع المعتبرة في النكاح.
ثم يتكلمون أيضاً في النكاح الممنوع على النكاح الذي نص الشرع على عدم الإذن به؛ كنكاح الشغار، ونكاح المتعة، وهل خطبة الرجل على خطبة أخيه توجب فساد النكاح؟ فعلى القول بأن النكاح يفسد يكون النكاح غير مشروع، كذلك أيضاً نكاح المحلل إذا نكح امرأة من أجل أن يحللها للغير، سواء في حالة التواطؤ أو عدم التواطؤ.
بعد بيانهم لهذا الممنوع يشرعون في بيان المشروع، وأثر النكاح المشروع، وهذا يستلزم أن يبينوا ما يترتب على عقد النكاح؛ من العشرة بالمعروف، والحقوق الواجبة من النفقة والسكنى.. ونحو ذلك، ثم بعد الانتهاء من بيان مقدمات النكاح وبيان الشروط المعتبرة للصحة، وأمارات فساد عقد النكاح، والآثار المترتبة على العقد المشروع والممنوع يشرع العلماء في بيان الأمور التي تزول بها العصمة؛ إما كلية أو مؤقتاً، وهذا يستلزم الكلام على كتاب الطلاق، فيشرعون في كتاب الطلاق، وكتاب اللعان، وكتاب الظهار، ثم بعد ذلك يبينون الأثر والخلع والإيلاء، ثم يبينون الأثر المترتب على الطلاق وزوال العصمة، أو ما يكون في حكم ذلك، فيبينون أحكام الرجعة وأحكام المرأة المعتدة، وأحكام العدة، والحقوق الواجبة المترتبة على ذلك، ثم يختمون بالحداد وما يتعلق بمسائل الحداد، ثم بعد ذلك ينتهي كتاب النكاح.
هذا كله صورة مجملة؛ لأنه مما يستحب في الفقه قبل الدخول في الكتب أن يكون عند طالب العلم تصور إجمالي حتى يستطيع أن يعرف ترتيب الأفكار، وهذا الترتيب الذي تعب العلماء لتقريره وضبطه وحسن صياغته بعد توفيق الله عز وجل لهم، قصد منه: ترتيب الأفكار للفهم، وترتيبها للإفهام، وترتيبها للفتوى وللقضاء؛ لأن الفقه يحتاجه الإنسان لنفسه عملاً، ويحتاجه لغيره تعليماً، ويحتاجه لغيره فتوى، ويحتاجه لغيره قضاءً، فلذلك ينبغي أن تكون هذه المادة مرتبة، فإذا رتبت وجاءك السؤال عن مسألة ما فمباشرة تنصرف إلى الباب الذي درسته، وتتذكر مسائله، هل هذه المسألة فيه أو ليست فيه؟ وهذه فائدة قراءة الفقه؛ أنه يعين طالب العلم على أن يفهم وعلى أن يُفهم؛ لأن الفقه حصيلة لإفهام علماء من قرون عديدة وليس بالسهل، هذا الفقه ثمرة جهود لا يعلمها إلا الله جل جلاله، وعلى هذا أحببنا أن ننبه على هذا الترتيب حتى يحصل إن شاء الله بيان المسائل وترتيب الأبواب خاصة عند مباحث المناسبات.
قال رحمه الله: [ وهو سنة ]
الضمير عائد إلى النكاح، أي: من هديه عليه الصلاة والسلام النكاح، وهذه الجملة قصد منها بيان الحكم؛ لأن القاعدة عند العلماء رحمهم الله: أنهم إذا أتوا إلى أي باب أو كتاب يعتنون بجزئيتين مهمتين:
الأولى: أن يبينوا حقيقة الباب الذي هو جزئية التعريفات، ثم بعد التعريف يأتي الحكم -حكم الباب- مثلاً: في كتاب الطلاق، يقول: كتاب الطلاق، ثم يبين حكم الطلاق فيقول: وهو مباح، وإذا قال مثلاً: الظهار، فإنه يبين حكمه فيقول: وهو محرم. فالمقصود: أنهم يبتدئون أولاً بالحكم، ويقدمون التعريف على الحكم؛ لأن القاعدة أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولا يمكن أن تحكم على النكاح حتى تعرف ما هو النكاح، وحتى تعلم بعد ذلك أن الذي أباحه الله هو ذلك الشيء، وأن الذي حرمه الله هو ذلك الشيء، وقد تقدمت الأدلة من الكتاب والسنة على شرعيته، وعلى هذا اختار المصنف ما اختاره جمهور العلماء من أن النكاح ليس بواجب، فعبر بهذه الجملة حتى ينبه على أن مذهب الجمهور في مقام الندب والاستحباب وليس في مقام اللزوم والإيجاب.
قال رحمه الله: [وفعله مع الشهوة أفضل من نوافل العبادات]
هذه الجملة أولاً: ما معناها؟ ثانياً: ما موقف العلماء منها؟
المراد بهذه الجملة: أن إعفاف الرجل لنفسه وإعفافه لزوجه بالوطء أفضل من نوافل العبادات، وبناءً على هذا يترتب أن النكاح فيه عبادة؛ لأنه لا يفضل على نوافل العبادات إلا ما كان مشتركاً بينها وبينها في حصول الثواب، فقوافل العبادات من قيام ليل ونحو ذلك، قال بعض العلماء: النكاح أفضل منها، فأصبح النكاح عبادة من هذا الوجه، فيحتاج المصنف إلى دليل شرعي يدل على أن النكاح يعتبر عبادة، وهذا الدليل جاء في قوله عليه الصلاة والسلام: (وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له بها أجر؟! قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟!) فدلت هذه الجملة على أن النكاح فيه جانب العبادة، وأنه بإعفافه لزوجه يكون قد حصَّل ثواباً قد يفضل نوافل العبادات.
المسألة الثانية: ما موقف العلماء من هذه المسألة؟
الجمهور يفضلون النكاح على نوافل العبادات، والشافعية يخالفون في هذه المسألة ويرون أن النكاح شهوة، وأنه لذة وهو إلى الدنيا أقرب منه إلى الدين، ولذلك قرنه الله بشهوة الذهب والفضة في قوله: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [آل عمران:14] فالله سبحانه جعله من متاع الدنيا ولم يجعله عبادة ولم ينص على كونه عبادة، وقرنه بالمال وبالقناطير والمقنطرة وبالمغريات في الدنيا وفتنها، فقالوا: إنه ليس بأفضل من نوافل العبادات لهذا النص.
والصحيح: ما ذهب إليه الجمهور، وأن النكاح فيه جانبان: جانب دنيوي، وجانب ديني؛ وأن الجانب الديني مُثاب صاحبه، ومأجور غير مأزور، ويعظم ثوابه أكثر في مسائل: إذا قصد بها وجه الله عز وجل، كرجل يتزوج ثانيةً عَرَف منها الدين والاستقامة، وأصبحت أرملة بعد زوج، فأراد أن يضمها إليه لعلمه أنها تُفْتَن أو أنها تحتاج إلى من يعولها، فأشفق عليها وأحسن إليها، أو زوجة مات عنها أخوه، فأراد أن يضمها لأيتام أخيه، أو أراد أن يضمها لأيتام عندها من أبناء عمه أو أبناء عمومته أو قرابته، يقصد بذلك الإحسان والبر، فمثل هذه المواقف في النكاح لا شك أنها تفضله وتزيد من أجره وتزيد من ثواب صاحبه.
والصحيح: ما ذهب إليه الجمهور لصحة الدليل على ذلك.
قال رحمه الله: [ ويجب على كل من يخاف الزنا بتركه ]
الواجب: يثاب فاعله ويعاقب تاركه، فإن خاف على نفسه الزنا بترك النكاح ويقدر عليه -عنده مئونة وقدرة أن يتزوج- فحينئذٍ يجب عليه أن ينكح، وقد بينا وجه ذلك؛ لأنه إذا لم يتزوج وقد استيقن أو غلب على ظنه الوقوع في الحرام فمعنى ذلك أنه سيقع في الحرام لا محالة، والله عز وجل حرم الحرام والوسيلة إلى الحرام، ولذلك حرم الزنا وحرم وسائل الزنا، فحرم النظر للأجنبية، ولمس الأجنبية، والسفر مع الأجنبية بدون محرم، والخلوة مع الأجنبية بدون محرم، حتى حَرَّم على المرأة أن ترفع رجلها فتضربها على الأرض ليُعْلَم ما تخفيه من زينتها، من باب منع الوسائل المفضية إلى الزنا، وهو المقصد والغاية من هذه الوسائل التي نص الشرع على تحريمها.
فكأن الشرع حينما نص على تحريم هذه الوسائل قصد أمرين:
- تحريم الأصل الذي يسمى بعبارة العلماء وبمصطلحهم: مقصداً وغاية.
- وتحريم الوسيلة المفضية إليه.
قالوا: فسكوته عن زواج نفسه وسيلةٌ مفضية إلى الوقوع في الحرام، كما لو خلا بأجنبية فكأنه يتعاطى أسباب الوقوع في الحرام.
ومفهوم هذا: أنه إذا أمن الحرام أو أخَّر لزمان يراه أصلح له في اجتهاده ونظره أنه لا يصل إلى الوجوب متى ما علم أنه واثقٌ من نفسه وغلب على ظنه، فإذا استيقن أو غلب على ظنه فلا إشكال.
أحب أن أنبه على أمر وهو قضية الأطفال، فقد كثر صياحهم وإزعاجهم، فأفضِّل لا آمر ولا أنهى، لأني لا أستطيع أن أمنع أمة الله إذا احتاجت إلى إحضار أولادها، وكذلك لا أستطيع أن أمنع الأولاد؛ لكني أفضل للمرأة وللرجل إذا أمكن ألا يأتوا بالأطفال حتى لا يزعجوا طلاب العلم، ولا يتسببوا في الضرر على غيرهم، وإن كان بعض العلماء يرى أنه إذا وصل الأمر إلى حالة من الإزعاج والصراخ أنه قد لا تخلو المرأة من إثم، وكذلك الرجل.
فأنا أفضل أن يُتَّقى هذا، وإذا كانت المرأة لا تستطيع أن تترك أولادها فيمكن أن تستعين بعد الله بالشريط، وأحبِّذ ألَّا يحضر الأطفال ما أمكن، وقد اشتُكي إليَّ أكثر من مرة، فحبذا لو أن طالبات العلم والأخوات وأيضاً الأزواج يراعون ذلك.
ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر ذنوبنا، وأن يتجاوز عنا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.