شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الغسل وحكم الجنب - حديث 115-119


الحلقة مفرغة

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

وفيما يتعلق بأحاديث هذه الليلة، فإن المصنف رحمه الله بوب لها بقوله: باب الغسل وحكم الجنب، وأما الغسل فهو بضم الغين على المشهور، والغسل من الكلمات المثلثة فهو يقال: الغُسل والغَسل والغِسل بضم الغين وفتحها وكسرها.

فأما بضم الغين الغُسل فهو اسم للماء الذي يغتسل به، أو اسم للفعل أيضاً يعني الاغتسال.

وأما بالفتح الغَسل فهو اسم للاغتسال؛ اسم للفعل.

وأما بكسر العين الغِسل فهو ما يغسل به الرأس من خطمي أو سدر أو غيره.

فبناءً على هذا أقول: الاغتسال الذي هو تعميم البدن بالماء الفعل هل يقال بضم الغين أم بفتحها؟

الغسل الذي هو المصدر (الفعل) يقال بضم الغين وبفتحها، فيقال: الغُسل والغَسل، ولا وجه لتخطئة بعض من صنف في لحن الفقهاء، أنه خطأ الفقهاء لإطلاقهم الغسل عليه، فإنه يجوز فيه الضم والفتح، فيقال: الغُسل والغَسل.

وقول المصنف رحمه الله: (وحكم الجنب)، يعني: ما يلزم للجنب من الأحكام في الأكل والشرب والنوم ودخول المسجد وغير ذلك.

الحديث الأول في هذا الباب هو حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الماء من الماء).

تخريج الحديث

قال المصنف: رواه مسلم وأصله في البخاري .

والحديث رواه أيضاً أبو داود، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما.

سبب الحديث

لهذا الحديث عند مسلم قصة، وهي: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب في نفر من أصحابه إلى بني عمرو بن عوف حي من الأنصار، فوقف عند باب عتبان بن مالك -بكسر العين على المشهور- فصرخ به، فخرج عتبان رضي الله عنه يجر إزاره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أعجلنا الرجل، يعني: أنه كان على أهله، فلما سمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم قام إليه، فلما جاء عتبان قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( لعلنا أعجلناك؟ قال: نعم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أعجلت أو أقحطت فإن عليك الوضوء )، وفي لفظ أن عتبان قال: ( يا رسول الله! أرأيت الرجل يقوم عن أهله ولما يمني؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الماء من الماء ).

ومعنى قوله: (أقحطت) من القحط، يعني: إذا كسل الرجل عن الإنزال.

وقول المصنف رحمه الله هاهنا: وأصله في البخاري، يعني القصة والله أعلم، وإلا فاللفظ ليس فيه.

وهذا الحديث يدل بظاهره على أن الغسل إنما يجب بالإنزال، فهو يدل بظاهره على أن الغسل إنما يجب بالإنزال، فلو جامع الرجل امرأته ولم ينزل فإنه لا غسل عليه على حسب ما يقتضيه ظاهر هذا الحديث.

شواهد الحديث

وقد ورد هذا المعنى عن جمع من الصحابة فرواه البخاري، ومسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأبي بن كعب، وأبي أيوب الأنصاري، ورواه البخاري عن علي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، أن الغسل إنما يجب بالإنزال، وورد هذا المعنى أيضاً في صحيح مسلم عن جماعة من الأنصار -كما لعله يمر- أنهم كانوا يقولون: إنما يجب الغسل بالإنزال.

وورد للحديث أيضاً شواهد غير ما سبق عن رافع بن خديج عند الإمام أحمد في مسنده وغيره.

حكم الغسل من الإيلاج إذا لم يكن إنزال

هذا المعنى الذي يفهم من ظاهر الحديث وإن ذهب إليه من ذهب من الصحابة والتابعين، فذهب إليه كما أسلفت فيما نقله بعض أهل العلم عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وأبو أيوب، ورافع بن خديج، وأكثر الأنصار، وأبو سعيد الخدري، وذهب إليه بعض التابعين كـالأعمش، وورد بإسناد صحيح عند أبي داود عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وكذلك ورد بإسناد صحيح عند ابن أبي شيبة عن هشام بن عروة، وهو مذهب داود الظاهري.

أقول: وإن ذهب هؤلاء إلى هذا إلا أنه مذهب ضعيف، وقد ثبت عن أكثر الذين نقل عنهم من الصحابة أنهم رجعوا عنه، كما ذكره الإمام أحمد فيما رواه عنه الأثرم وغيره، ولذلك أعل الإمام أحمد الحديث الذي فيه أن عثمان، وعلياً، وأبياً، وطلحة، والزبير يقولون بذلك .. أعله لأنه ثبت عنهم خلاف هذا، ولكن لا مانع أن يقال: إنهم كانوا يقولون بهذا في أول أمرهم، فلما اطلعوا على الدليل الآخر رجعوا عن قولهم، وصاروا يقولون بمذهب الجمهور، والجمهور يقولون بأن الغسل يجب بالإيلاج، فإذا أولج الزوج حشفته في فرج زوجته وجب عليه الغسل ولو لم ينزل، كما سيأتي في الحديث الذي بعده، فجوابهم عن هذا الحديث بأحد وجهين:

الأول وهو المشهور عند كافة العلماء: أن حديث أبي سعيد هذا منسوخ بحديث أبي هريرة وعائشة وغيرهما، التي توجب الغسل بمجرد الإيلاج ولو لم يحصل إنزال.

ومما يؤيد القول بالنسخ ما رواه أبو داود والترمذي وصححه، وابن ماجه وأحمد وغيرهم، عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: ( إن الفتيا التي كانوا يقولون إنما الماء من الماء كانت رخصة رخص بها النبي صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام، ثم أمرنا بعد بالاغتسال )، يعني: بالاغتسال من التقاء الختانين ولو لم يحصل إنزال، وحديث أبي هذا هو صريح في النسخ، وقد رواه من ذكرت، وصححه الترمذي، وقال الإسماعيلي: هو صحيح على شرط البخاري، وتعقبه الحافظ ابن حجر بأن الحديث فيه علة لا تجعله صحيحاً على شرطه، ولكنه قال بعد ذلك: وفي الجملة فالإسناد صالح لأن يحتج به.

فحديث أبي هذا وهو مما يصلح أن يقال: إنه حديث حسن صريح في نسخ حديث أبي سعيد، وبذلك قال الجمهور من أهل العلم: إنه منسوخ.

الطريقة الثانية في الجواب على هذا الحديث هي: طريقة عبد الله بن عباس رضي الله عنه، فيما رواه عنه الطبراني وابن أبي شيبة وغيرهما بإسناد فيه ضعف، أنه كان يقول: إن ذلك في الاحتلام، يعني: ( إنما الماء من الماء ) خاص بحال الاحتلام، وإذا كان في حال الاحتلام فيكون معنى الحديث على مذهب ابن عباس رضي الله عنه أن الإنسان لو رأى في المنام أنه يجامع أهله مثلاً، ثم استيقظ ولم يجد بللاً ولم يخرج منه شيء لا يجب عليه الغسل، وهذا إجماع من أهل العلم على أن الإنسان لو رأى في المنام أنه يجامع، ثم استيقظ ولم يجد بللاً في بدنه ولا في سراويله، أنه لا غسل عليه في هذه الحال.

وعلى الضد من ذلك لو استيقظ فلم يذكر احتلاماً ولكنه وجد في ثيابه منياً وجب عليه أن يغتسل، وهذا أيضاً بالاتفاق، لم يخالف فيه إلا إبراهيم النخعي، وقوله قول شاذ مطرح في هذا، ولذلك قال الإمام النووي في المجموع وغيره: إن ما ينسب إلى النخعي لعله لا يصح عنه، ولو صح فهو محجوج بالأحاديث، فكأنه ضعف هذا القول.

ولكن الحافظ ابن حجر رحمه الله ذكر في فتح الباري هذا القول، وقال: إنه رواه ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي بسند صحيح، فيقال: كل قول خالف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو قول مردود وكما قيل:

دعوا كل قول عند قول محمد فما آمن في دينه كمخاطر

فإذا جاء قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بطل كل قول، ولو صح عن إبراهيم النخعي، وهو قول شاذ مخالف للإجماع قبله، فبذلك علم أن الماء من الماء يصلح أن يكون في حال الاحتلام؛ لأن الإنسان إن وجد بللاً ومنياً اغتسل، وإن لم يجد فلا غسل عليه، ولو تذكر أنه كان يجامع في نومه، فهذا رأي ابن عباس في الحديث.

وبناءً على هذا الرأي يكون الحديث باقياً على أصله غير منسوخ، لكنه مخصص، ويمكن الجمع والله أعلم بين قول الجمهور ومذهب ابن عباس فيقال: إن مذهب الجمهور الذين قالوا بالنسخ، قد يقصد به النسخ عند السلف، الذي يدخل فيه التخصيص والاستثناء وما شابه ذلك، فتكون الأحاديث الأخرى -كحديث أبي هريرة وعائشة في أن الغسل يجب بالتقاء الختانين- مخصصة لحديث أبي سعيد، ويبقى حديث أبي سعيد في مجال الاحتلام، أنه إذا احتلم فنقول له: الماء من الماء، إن رأيت ماء تغتسل، وإن لم تر ماء لا تغتسل، أما في اليقظة فحكمه منسوخ أو مخصص، أنه في حال اليقظة يجب الغسل بالإيلاج ولو لم ينزل.

وابن عباس لا يقول: إن عتبان كان في حالة الاحتلام، إنما يقول: إن الحديث مخصوص بحال الاحتلام، وذكرت في الجمع بين القولين أن النسخ عند السلف يدخل فيه التخصيص والاستثناء، فلا يمنع أن يكون سبب الحديث في الأصل عام، سبب الحديث في حال اليقظة، وأصل الحديث في أول الإسلام عام وهذا شيء مؤكد، أنه في أول الإسلام كان الغسل من الإنزال، هذا شيء حتى ابن عباس منقول عنه، فنسخ الحكم فيما يتعلق بحال اليقظة إذا جامع الرجل زوجته، وبقي الحكم في حال الاحتلام غير منسوخ.

وهذا هو الحديث الأول..

وقد أحسن المصنف رحمه الله صنعاً حين أعقب الحديث الأول بالحديث الآخر وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه: ( إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل )، للإشارة إلى أن حكم الحديث الأول منسوخ أو مخصص، وأن الإنسان في حالة اليقظة يجب أن يغتسل من الإيلاج ولو لم يحصل إنزال، فثنى المصنف بحديث أبي هريرة : ( إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل).

شواهد أخرى لحديث: (الماء من الماء)

وأذكر بما أشرت إليه من شواهد الحديث الأول أبي سعيد ذكرت أن له شواهد منها حديث رافع بن خديج عند الإمام أحمد .

ومنها حديث عن عتبان بن مالك نفسه صاحب القصة عند الإمام أحمد أيضاً.

ومنها حديث أنس بن مالك عند ابن شاهين، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن ابن شاهين جمع طرق هذا الحديث ثم الحازمي، يعني جمعوها في مصنف، والله أعلم.

قال المصنف: رواه مسلم وأصله في البخاري .

والحديث رواه أيضاً أبو داود، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما.

لهذا الحديث عند مسلم قصة، وهي: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب في نفر من أصحابه إلى بني عمرو بن عوف حي من الأنصار، فوقف عند باب عتبان بن مالك -بكسر العين على المشهور- فصرخ به، فخرج عتبان رضي الله عنه يجر إزاره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أعجلنا الرجل، يعني: أنه كان على أهله، فلما سمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم قام إليه، فلما جاء عتبان قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( لعلنا أعجلناك؟ قال: نعم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أعجلت أو أقحطت فإن عليك الوضوء )، وفي لفظ أن عتبان قال: ( يا رسول الله! أرأيت الرجل يقوم عن أهله ولما يمني؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الماء من الماء ).

ومعنى قوله: (أقحطت) من القحط، يعني: إذا كسل الرجل عن الإنزال.

وقول المصنف رحمه الله هاهنا: وأصله في البخاري، يعني القصة والله أعلم، وإلا فاللفظ ليس فيه.

وهذا الحديث يدل بظاهره على أن الغسل إنما يجب بالإنزال، فهو يدل بظاهره على أن الغسل إنما يجب بالإنزال، فلو جامع الرجل امرأته ولم ينزل فإنه لا غسل عليه على حسب ما يقتضيه ظاهر هذا الحديث.

وقد ورد هذا المعنى عن جمع من الصحابة فرواه البخاري، ومسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأبي بن كعب، وأبي أيوب الأنصاري، ورواه البخاري عن علي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، أن الغسل إنما يجب بالإنزال، وورد هذا المعنى أيضاً في صحيح مسلم عن جماعة من الأنصار -كما لعله يمر- أنهم كانوا يقولون: إنما يجب الغسل بالإنزال.

وورد للحديث أيضاً شواهد غير ما سبق عن رافع بن خديج عند الإمام أحمد في مسنده وغيره.




استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 38-40 4735 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة - حديث 442 4383 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62 4201 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285 4082 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 727-728 4036 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 405-408 4011 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 313-316 3963 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 36 3910 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 2-4 3889 استماع
شرح بلوغ المرام - كتاب الحج - باب فضله وبيان من فرض عليه - حديث 734-739 3871 استماع