خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/68"> الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/68?sub=33614"> شرح كتاب زاد المستقنع
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح زاد المستقنع أحكام الهلال وأهل العذر في رمضان [2]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول المصنف رحمه الله: [ويصام برؤية عدل ولو أنثى]:
أي: يصام شهر رمضان إذا رآه شخص واحد، والعدل المراد به: من يجتنب الكبائر ويتقي في غالب حاله الصغائر.
العدل من يجتنب الكبائرا ويتقي في الأغلب الصغائرا
فإذا كان مجتنباً للكبائر وهي المعاصي الكبيرة كالقتل والزنا وشرب الخمر ونحوها فهو عدل.
وقلنا: ويجتنب في غالب حاله؛ لأنه لا يمكن لأحد أن يسلم من الصغائر، وقد أشار عليه الصلاة والسلام إلى ذلك بقوله في الحديث: : (إن تغفر اللهم تغفر جما، وأي عبد لك ما ألما؟) .
جماً: أي شيئاً كثيراً.
وأي عبد لك ما ألما: أي: أي عبد من عبادك لم يصب اللمم وهي صغائر الذنوب.
فلا يمكن لإنسان أن يسلم من صغائر الذنوب، وصغائر الذنوب لها أمثلة منها: مثل النظرة، وإن كان بعض العلماء يفاوتها بحسبها؛ فالنظر إلى العورة المغلظة ليس كالنظر إلى الوجه، ونحو ذلك.
فالمقصود أنه إذا اتقى في غالب حاله صغائر الذنوب فهو عدل، أما لو أصر على الصغيرة وداوم عليها فإنه لا يكون عدلاً، ولذلك قالوا: لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار. فإن صغائر الذنوب تهلك صاحبها، كما أن الجبال تكون من دقائق الحصى، فإن هلاك الإنسان قد يكون بصغائر الذنوب.
ولذلك يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (لا تنظر إلى معصيتك، ولكن انظر إلى من عصيت)، فإذا كان نظر الإنسان إلى عظمة الله سبحانه وتعالى فإن الصغيرة تصبح في عينه كبيرة؛ لكن إذا استخف بذلك ونظر إلى أنها شيء يسير فقد تهلكه وتوبقه، نسأل الله السلامة والعافية.
فالعدل هو الذي يتقي في غالب حاله صغائر الذنوب، ويمتنع من كبائر الذنوب، فإذا كان كذلك فهو العدل الذي تقبل شهادته، وهو الرضا الذي يعتد بشهادته، أشار الله إليهما بقوله: وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2] وقوله: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ [البقرة:282] فلا يرضى إلا العدل.
وقوله: (شهد عدل) معناه: إذا شهد غير العدل لم تقبل شهادته، وغير العدل هو الذي يفعل كبائر الذنوب، سواء كانت قولية كأن يكون إنساناً نماماً، أو يكون كثير الاغتياب للناس، فهذا لا تقبل شهادته، وهذه من الكبائر القولية، وأما الفعلية فكشرب الخمر والزنا؛ ولهذا تسقط عدالته ويجب رد شهادته، والسبب ذلك كما يقول العلماء: أنه إذا كان جريئاً على هذه الكبيرة فمن باب أولى أن يجرؤ على الكذب، ومن هنا كان وجود هذه الكبيرة يعتبر دليلاً على أنه غير مأمون؛ لأنه إذا لم يؤتمن على حق الله فمن باب أولى ألا يكون أميناً على حقوق الناس.
أما الحنفية رحمة الله عليهم فعندهم تفصيل في الفاسق، فيقولون: إن الفاسق ينقسم إلى قسمين:
الأول: فاسق تحصل بفسقه التهمة.
الثاني: وفاسق لا تحصل بفسقه التهمة.
فالفاسق التي تحصل بفسقه التهمة: كأن يكون معروفاً بالكذب ومعروفاً بارتكاب كبائر الذنوب.
والفاسق الذي لا تحصل التهمة بفسقه: كأن يكون إنسان يشرب الخمر ولكنه لا يكذب، وهذا موجود فإنك قد ترى بعض الناس على سمته أنه ليس بمطيع، وتجده من أبر الناس بوالديه، وتجده محافظاً على العهد لا يكذب ولا يغش، فتجد مظهره على أن عنده بعض الإخلال، لكن تجد في نفسه وفي قرارة قلبه مالا تجده عند من يوصف بكونه صالحاً، فقد تجد الإنسان على سمت ظاهره طيب لكنه كذاب أو غشاش أو خائن -والعياذ بالله- أو سارق أو شارب خمر في الخفية.
فالحنفية رحمة الله عليهم يقولون: العبرة بالأمانة، فإذا عرف بالصدق ولو كان يشرب الخمر أو يزني فإننا نقبل شهادته؛ لأنه لما عرف بالصدق غلب على الظن أنه صادق فيما يقول؛ قالوا: فلا تقوى التهمة في رد شهادته.
والذي يظهر أنه لا تقبل شهادة من طعن في عدالته، لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6] فأمرنا بالتثبت والتبين والتروي في خبر هذا النوع، فدل على عدم قبوله؛ لأن التثبت والتروي نوع من الرد؛ لأنه لم يقبلها مباشرة، وعلى هذا فالصحيح مذهب الجمهور: أنه لا تقبل شهادته، سواء كان ممن يغلب على الظن صدقه أو لا يغلب على الظن صدقة.
مسألة قبول شهادة الفاسق عند انتشار الفسق
قرر شيخ الإسلام ابن تيمية أنه إذا عم وانتشر فإنه يقبل أمثل الفساق، يعني: ممن يعرف بالصدق، أو يعرف بالانضباط.
والحقيقة أن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية أصل قوي؛ لأن الحاجة تدعو إليه، وهي التي يسمونها: مسائل عموم البلوى، وهي مفرعة على القاعدة المعروفة: أن الأمر إذا ضاق اتسع وإذا اتسع ضاق، فإذا كان الناس في سعة وكان العدول كثيرين فحينئذٍ نضيق على الناس في الشهادة، أما إذا كان الأمر على العكس، أي: كان العدول قليلين فحينئذٍ يتسع الأمر ونحكم بقبول شهادة من هو أمثل.
شهادة العدل الواحد برؤية الهلال
الجمهور على أن شهادة الواحد تقبل، وأن هذا ليس من باب الشهادة وإنما هو من باب الخبر، لأن الشهادة لابد فيها من التعدد، ولا تقبل فيها شهادة الواحد، والشرع دائماً يقبل العدد.
وبناءً على ذلك قالوا: تقبل شهادة الواحد لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه رأى الهلال وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فصامه وأمر الناس بصيامه؛ فدل ذلك على قبول شهادة الواحد في دخول شهر رمضان، وفي حديث الأعرابي أنه شهد عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: (أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: نعم. قال: يا
وإذا قلنا: إن قبول شهادته إنما هو من باب الخبر لا من باب الشهادة فحينئذٍ يقال بقبول شهادة الأنثى، فلو أن امرأة شهدت برؤية الهلال قبلت شهادتهها لكن من باب الخبر لا من باب الشهادة، والفرق بينهما: أن الشهادة يشترط فيها العدد وأيضاً لابد أن يحكم القاضي بها، فيأتي إلى مجلس القضاء ويشهد، ويثبت الدخول بشهادته.
وكذلك تكون الشهادة بلفظ: أشهد أني رأيت الهلال ويصف رؤيته على وجه تنتفي به التهمة.
وكذلك يشترط في الشهادة الذكورية، فلا يقبل فيها أقل من شاهدين ويشترط فيها الذكورية، فلا تقبل شهادة الأنثى؛ لأن الأنثى شهادتها على نوعين: إن كانت في الأموال وما يتبع الأموال قبلت شهادتها، وإن كانت في غير الأموال فالإناث لا تقبل شهادتهن؛ لحكمة من الله سبحانه تعالى، والدليل على ذلك: أن الله سبحانه وتعالى في آية النور أمرنا باستشهاد أربعة على الزنا فلو كانت المرأة تشهد لقال: أو ثمان، لكن في الأموال في آية البقرة قال سبحانه وتعالى: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ [البقرة:282] فنـزل المرأتين منـزلة الرجل الواحد، وقال تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ [البقرة:282] في قراءة (فتذكر إحداهما الأخرى) أي: أن شهادتها معها بمثابة الرجل، تذكرها، بمعنى: تنزلها منزلة الذكر.
والسبب في ذلك: أن الله سبحانه وتعالى جبلهن على العاطفة، وفيهن من الضعف واللين ما جعله الله عز وجل بحكمته لصلاح هذا الكون، فلا يستقيم الكون باثنين بصفات واحدة متماثلة؛ لأن هذا يفضي إلى مفاسد لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، ولكن جعل الله في المرأة العاطفة واللين حتى تقوم على الذرية، فهذا اللين والضعف في مكان كامل وفي مكان ناقص فإذا جاءت المرأة تشهد فإنها لا تستطيع لأن فيها العاطفة.
ولذلك يقول العلماء: لو أن المرأة خاصمت الرجل فإنها تتكلم بكلمتين أو ثلاث ثم تبكي وتستولي عليها العاطفة، فلا تستطيع أن تكمل كلامها، والسبب في هذا: أن الله جبلها على هذا حكمة منه سبحانه ورفقاً بالأولاد وبالذرية، فتجد من حنانها وعطفها على ولدها ما لا يستطيع الرجل أن ينزل منزلتها وهذا لحكمة منه سبحانه وتعالى.
ولما كانت الشهادة تحتاج إلى ترو وتثبت، فالشاهد يرى الدماء ويرى الأشلاء ويرى القطع، فإذا كانت المرأة ضعيفة القلب فإنها لا تستطيع أن تتحمل هذا، ولذلك بمجرد أن ترى هذه الأشياء فإنها تصرخ، ولربما تصاب بشيء في رؤيتها مما يؤدي إلى التأثير في شهادتها، ومن هنا منعت من الشهادة في غير الأموال، وعلى هذا جماهير العلماء رحمة الله عليهم، وظاهر القرآن يدل عليه، فلو كانت شهادة المرأة في غير الأموال مقبولة لنص سبحانه وتعالى على البدلية.
فالصحيح: أن شهادتهن قاصرة على الأموال وما في حكم الأموال.
ما في حكم الأموال كالشهادة على الوصية التي تتضمن إثبات مال، فهذه يمكن أن يثبت بها إذا شهدنا بأن الميت أوصى لفلان بنصف ماله أو بربع ماله، أو بثلث ماله، ونحو ذلك، فهذه شهادة وإن لم تكن مالية محضة لكنها آيلة إلى المال، وهي التي يسمونها الشهادة في حكم المال.
هنا مسألة ذكرها شيخ الإسلام رحمة الله عليه وأشار إليها ابن فرحون في التبصرة والطرابلسي صاحب معين الأحكام الذي كتبه في مناهج القضاء وهذه المسألة تقول: لو حدث شيء في مكان لا تجد فيه العدل أو قد لا تجد العدل إلا بصعوبة، ثم جاء شهود من هذا المكان الذي أصحابه فساق، فهل نقبل شهادتهم أو لا؟
قرر شيخ الإسلام ابن تيمية أنه إذا عم وانتشر فإنه يقبل أمثل الفساق، يعني: ممن يعرف بالصدق، أو يعرف بالانضباط.
والحقيقة أن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية أصل قوي؛ لأن الحاجة تدعو إليه، وهي التي يسمونها: مسائل عموم البلوى، وهي مفرعة على القاعدة المعروفة: أن الأمر إذا ضاق اتسع وإذا اتسع ضاق، فإذا كان الناس في سعة وكان العدول كثيرين فحينئذٍ نضيق على الناس في الشهادة، أما إذا كان الأمر على العكس، أي: كان العدول قليلين فحينئذٍ يتسع الأمر ونحكم بقبول شهادة من هو أمثل.
فلو جاءنا رجل واحد وشهد أنه رأى هلال رمضان فهل يصام أو لا؟ للعلماء وجهان:
الجمهور على أن شهادة الواحد تقبل، وأن هذا ليس من باب الشهادة وإنما هو من باب الخبر، لأن الشهادة لابد فيها من التعدد، ولا تقبل فيها شهادة الواحد، والشرع دائماً يقبل العدد.
وبناءً على ذلك قالوا: تقبل شهادة الواحد لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه رأى الهلال وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فصامه وأمر الناس بصيامه؛ فدل ذلك على قبول شهادة الواحد في دخول شهر رمضان، وفي حديث الأعرابي أنه شهد عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: (أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: نعم. قال: يا
وإذا قلنا: إن قبول شهادته إنما هو من باب الخبر لا من باب الشهادة فحينئذٍ يقال بقبول شهادة الأنثى، فلو أن امرأة شهدت برؤية الهلال قبلت شهادتهها لكن من باب الخبر لا من باب الشهادة، والفرق بينهما: أن الشهادة يشترط فيها العدد وأيضاً لابد أن يحكم القاضي بها، فيأتي إلى مجلس القضاء ويشهد، ويثبت الدخول بشهادته.
وكذلك تكون الشهادة بلفظ: أشهد أني رأيت الهلال ويصف رؤيته على وجه تنتفي به التهمة.
وكذلك يشترط في الشهادة الذكورية، فلا يقبل فيها أقل من شاهدين ويشترط فيها الذكورية، فلا تقبل شهادة الأنثى؛ لأن الأنثى شهادتها على نوعين: إن كانت في الأموال وما يتبع الأموال قبلت شهادتها، وإن كانت في غير الأموال فالإناث لا تقبل شهادتهن؛ لحكمة من الله سبحانه تعالى، والدليل على ذلك: أن الله سبحانه وتعالى في آية النور أمرنا باستشهاد أربعة على الزنا فلو كانت المرأة تشهد لقال: أو ثمان، لكن في الأموال في آية البقرة قال سبحانه وتعالى: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ [البقرة:282] فنـزل المرأتين منـزلة الرجل الواحد، وقال تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ [البقرة:282] في قراءة (فتذكر إحداهما الأخرى) أي: أن شهادتها معها بمثابة الرجل، تذكرها، بمعنى: تنزلها منزلة الذكر.
والسبب في ذلك: أن الله سبحانه وتعالى جبلهن على العاطفة، وفيهن من الضعف واللين ما جعله الله عز وجل بحكمته لصلاح هذا الكون، فلا يستقيم الكون باثنين بصفات واحدة متماثلة؛ لأن هذا يفضي إلى مفاسد لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، ولكن جعل الله في المرأة العاطفة واللين حتى تقوم على الذرية، فهذا اللين والضعف في مكان كامل وفي مكان ناقص فإذا جاءت المرأة تشهد فإنها لا تستطيع لأن فيها العاطفة.
ولذلك يقول العلماء: لو أن المرأة خاصمت الرجل فإنها تتكلم بكلمتين أو ثلاث ثم تبكي وتستولي عليها العاطفة، فلا تستطيع أن تكمل كلامها، والسبب في هذا: أن الله جبلها على هذا حكمة منه سبحانه ورفقاً بالأولاد وبالذرية، فتجد من حنانها وعطفها على ولدها ما لا يستطيع الرجل أن ينزل منزلتها وهذا لحكمة منه سبحانه وتعالى.
ولما كانت الشهادة تحتاج إلى ترو وتثبت، فالشاهد يرى الدماء ويرى الأشلاء ويرى القطع، فإذا كانت المرأة ضعيفة القلب فإنها لا تستطيع أن تتحمل هذا، ولذلك بمجرد أن ترى هذه الأشياء فإنها تصرخ، ولربما تصاب بشيء في رؤيتها مما يؤدي إلى التأثير في شهادتها، ومن هنا منعت من الشهادة في غير الأموال، وعلى هذا جماهير العلماء رحمة الله عليهم، وظاهر القرآن يدل عليه، فلو كانت شهادة المرأة في غير الأموال مقبولة لنص سبحانه وتعالى على البدلية.
فالصحيح: أن شهادتهن قاصرة على الأموال وما في حكم الأموال.
ما في حكم الأموال كالشهادة على الوصية التي تتضمن إثبات مال، فهذه يمكن أن يثبت بها إذا شهدنا بأن الميت أوصى لفلان بنصف ماله أو بربع ماله، أو بثلث ماله، ونحو ذلك، فهذه شهادة وإن لم تكن مالية محضة لكنها آيلة إلى المال، وهي التي يسمونها الشهادة في حكم المال.
يقول المصنف رحمه الله: [وإن صاموا بشهادة واحد ثلاثين يوماً فلم ير الهلال، أو صاموا لأجل غيم لم يفطروا].
لا زال المصنف رحمه الله يبين لنا الأحكام المتعلقة برؤية الهلال، فبعد أن بين الأحكام المتعلقة بثبوت شهر رمضان ودخوله، شرع في بيان ما يتعلق بالخروج من شهر رمضان، والأصل أن الخروج من شهر رمضان يكون بتمام الشهر ثلاثين يوماً، وذلك أنهم إذا صاموا ثلاثين يوماً فقد تم الشهر، وحينئذٍ يكون ما بعده من شوال قطعاً.
وأما العلامة الثانية: فهي أن يشهد العدلان لرؤية هلال شهر شوال، فإذا شهد العدلان أنهما رأيا هلال شهر شوال فإن الناس يفطرون؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإن شهد عدلان فصوموا، وإن شهد عدلان فأفطروا) فجعل رؤية العدلين موجبة لثبوت دخول شهر شوال وانتهاء شهر رمضان.
لكن هنا مسألة، وهي: إذا شهد عدل واحد، ثم أكمل الناس العدة ثلاثين يوماً من رمضان ولم يروا الهلال، قال العلماء: هذه أمارة ودليل على خطأ الشاهد، ومن هنا فإنه يجب عليهم أن يتموا العدة لظهور خطأ الشهادة.
وهكذا الحال في المسألة التي ذكرناها: لو كان هناك غيم ليلة الثلاثين من شهر شعبان، ولم يتمكنوا من رؤية الهلال، فإن المذهب -على ما قرره المصنف- أن يصام ذلك اليوم، وإن كان الصحيح: أنه لا يصام، لكن على القول بصيامه لو صاموا ثم أتموا العدة ثلاثين، وتراءوا الهلال ليلة الواحد من شوال على تمام الشهر فلم يروه، قالوا: هذا يدل على أن الشهر -أعني: شهر شعبان- يعتبر كاملاً، وحينئذٍ عليهم أن يتموا عدة رمضان ثلاثين يوماً ولا يفطرون.
وعلى هذا هناك حالتان ذكرهما المصنف:
الأولى: أن يشهد عدل واحد، ثم نحكم بدخول شهر رمضان، ثم بعد تمام العدة ثلاثين يوماً نتراءى الهلال ليلة شوال فلا نراه، وعلى هذا تبين لنا خطأ الشاهد الواحد؛ لأن الخطأ في الشاهد الواحد أكثر منه من الخطأ في الشاهدين، وحينئذٍ يلزمون بتمام شهر رمضان ثلاثين يوماً، وهذا على سبيل الاحتياط، وهذه قاعدة: أن بعض العلماء يحتاط في الخروج من شهر رمضان أكثر من احتياطه في دخول شهر رمضان، ولذلك يرون أنهم في هذه الحالة يتمون العدة ثلاثين يوماً حتى يخرجوا من الصوم بيقين.
الثانية في قوله: (أو صاموا لأجل غيم لم يفطروا).
هذا على المذهب المرجوح، وإن كان الصحيح: أنه إذا كان هناك غيم ليلة الثلاثين من شعبان أنه يجب إتمام عدة شعبان ثلاثين يوماً.
وقوله: [ومن رأى وحده هلال رمضان ورد قوله، أو رأى هلال شوال، صام].
هذه مسألة مفرعة على الشاهد الواحد، فلو أن إنساناً رأى هلال شهر رمضان -أو رأى هلال شهر شوال، فجاء يشهد فلم تقبل شهادته وردت، وهو متأكد أنه قد رأى الهلال- فقد وقع في يقين نفسه أن رمضان قد دخل، ولكن في حكم الشرع الظاهر أن رمضان لم يدخل، فهل نوجب عليه في خاصة نفسه أن يصوم هذا اليوم أو لا يصوم؟
للعلماء مذاهب:
منهم من يقول: نوجب عليه الصيام لأنه قد تحقق من دخول شهر رمضان؛ وهو متعبد لله عز وجل بما تحققه، وقد أوجب الله على من رأى الهلال أن يصوم، وهذا قد تحقق من رؤيته وأن هذه الليلة من رمضان، فلا وجه لإسقاط الصوم عنه، قالوا: فحينئذٍ يلزمه أن يصوم.
القول الثاني: أن العبرة بجماعة المسلمين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) قالوا: كما لو أنهم تراءوا الهلال فلم يروه -مع أنه رمضان حقيقة- قالوا: فقد تعبدهم الله عز وجل بالدخول، فحينئذٍ لا نوجب عليه هذا اليوم؛ لأنه ليس من رمضان حكماً.
والقول الثالث يفصل فيقول: دخول رمضان يوجب عليه الصيام، وفي خروجه لا يفطر احتياطاً.
وهذا المذهب من أقوى المذاهب -أي: التفريق بين الدخول وبين الخروج- والسبب في هذا: أن الدخول تقبل فيه شهادة الواحد كما ذكرنا، وأنه من باب الخبر.
ولذلك نقول: من رأى هلال رمضان وحده -كما لو كان مسافراً فرآه وحده- فبالإجماع أنه يصوم، مع أنه في هذه الحالة لم يثبت شهر رمضان عند الجميع، فنقول: إذا رآه في الدخول وجب عليه أن يصوم؛ لأن الدخول تقبل فيه شهادة الواحد.
أما الخروج فقد قال صلى الله عليه وسلم : (فطركم يوم تفطرون) فرد الأمر إلى جماعة المسلمين، ففي الخروج لا نقول له: إنه يفطر، وإنما يبقى مع جماعة المسلمين؛ لأن الفطر للجميع بخلاف دخول شهر رمضان، ولذلك نقول: إنه قد ثبت في ذمته صيام اليوم الأول من رمضان بيقين؛ لأنه قد استيقن برؤية الهلال بنفسه، وحينئذٍ نوجب عليه الصيام دخولاً، ولكننا لا نوجب عليه الفطر خروجاً؛ لأن الفطر مقيد بالجماعة، فيفطر إذا ثبتت رؤيته مع رؤية غيره وحكم بها، ولا يفطر إذا ردت شهادته أو كان شاهداً واحداً ولم تقبل شهادته.
وهناك مذهب يقول: يفطر سراً، ولكن القول بالتفصيل اعتماداً على السنة أقوى وأظهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل شهادة ابن عمر وحده في دخول شهر رمضان، فألزم الجماعة بشهادة ابن عمر ، فلئن نلزم الشاهد نفسه والرائي نفسه من باب أولى وأحرى، ولكن في الخروج ردنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى جماعة المسلمين فقال: (فطركم يوم تفطرون) فجعل الفطر لجماعة المسلمين كلهم، كما لو رأى هلال ذي الحجة -مثلاً- ليلة الخميس والناس لم يروه، ثم بعد ذلك أصبح وقوف الناس متأخراً عن وقوفه؛ فإننا نقول: لا يصح وقوفه لوحده؛ لأن الوقوف بجماعة المسلمين، وعلى هذا فإنه يصح أن يصوم وحده ولا يصح أن يفطر لوحده.
وقد يشكل على هذا مسألة: كيف نحكم بالظاهر ونترك الباطن؟
والجواب: أن الشرع يحكم بالظاهر، ويلغي الحقيقة والباطن.
مثال ذلك: لو أن رجلاً -والعياذ بالله- رأى امرأة على الزنا، وقد رآها بعينه وشهد أنها زانية، أو شهد رجلان أو ثلاثة أنها زانية، فأتي بها إلى القاضي فلم تعترف وأنكرت، فإنه بالإجماع يجلد هؤلاء الثلاثة، ويعتبرون قذفه، والله تعالى يقول: فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النور:13] فوصفهم بالكذب بالنسبة للظاهر؛ لكنهم في الحقيقة والباطن صادقون، ولذلك يعطي الحكم للظاهر، والباطن مرده إلى الله عز وجل.
ومن أمثلته: قوله عليه الصلاة والسلام : (إنكم تختصمون إلي، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو مما أسمع) فدل على أن حكم الظاهر لا يبيح الباطن، كما أن الباطن لا يبيح حكم الظاهر، وعلى هذا فرقت الشريعة، فما كان الشرع معتبراً فيه بشهادة الواحد -وهو دخول شهر رمضان- فنعتبره ملزماً بالصيام برؤيته، كما لو رآه وحده في الصحراء فإنهم كلهم يقولون: عليه أن يصوم.
أما بالنسبة لخروج رمضان فقد جاء النص باعتبار الشاهدين، ولم يأت استثناء كالدخول، فالدخول جاء فيه استثناء في حديث ابن عمر ، فقبلت فيه شهادة الواحد، وأما الخروج فلم يأت فيه استثناء، فبقينا على الأصل من كونه مطالباً بصيام هذا اليوم الذي هو يوم الثلاثين، والأصل أن الشهر كامل، وعلى هذا يقولون: إنه يقيد بجماعة المسلمين؛ لورود النص بتأكيد الجماعة.
ففي الخروج ورد النص بتأكيد الجماعة، وفي الدخول ورد النص بالاعتداد بشهادة الواحد، فخفف في الدخول ولم يخفف في الخروج، وهذا هو الذي يسميه العلماء مذهب الاحتياط.
والاحتياط ينقسم إلى قسمين:
الأول: احتياط ينبني على دفع الشبهة والبعد عن الريبة، والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) وقوله عليه الصلاة والسلام: (دع ما يربيك إلى ما لا يريبك).
الثاني: احتياط يكون مستنداً إلى النصوص، فلما جاء النص بقبول شهادة الواحد دخولاً؛ احتطنا وقلنا: يجب عليه الصوم، فكان الاحتياط أن يصوم، بخلاف ما لو قلنا له: أفطر؛ لأنه لو أفطر ربما أفطر يوماً من رمضان، ولكن في الخروج نقول له: يبقى على صيامه، فأصبح الاحتياط هنا مستنداً إلى أصل الشرع، فكان اعتباره أولى وأحرى مع الأصل الذي دل على أنه ينبغي للمسلم أن يخرج من الريبة والشبهة.
[ويلزم الصوم لكل مسلم مكلف قادر].
يلزم: أي: يجب، وهو فريضة الله عز وجل على كل مسلم، فالكافر لا يلزمه صوم بالنسبة له، بمعنى أنه لا يخاطب ولا يصح منه صومه إلا بعد أن يحقق أصل الدين وهو التوحيد، فلو صام الدهر كله وهو لم يوحد الله فلا عبرة بصيامه، قال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23] فالكافر لا يعتد بصومه ولا يعتد بطاعته حتى يسلم، فإن أسلم أثناء الشهر وجب عليه أن يصوم ما بقي، ولا يجب عليه قضاء ما مضى.
وإن أسلم أثناء اليوم وجب عليه الإمساك بعد إسلامه وقضاء ذلك اليوم، وهذا مبني على حديث يوم عاشوراء الذي رواه معاوية رضي الله عنه وأرضاه كما في الصحيح، عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه لما كان يوم عاشوراء قال: إن الله فرض عليكم صيام هذا اليوم، فمن أصبح منكم صائماً فليتم صومه، ومن أصبح منكم مفطراً فليمسك بقية يومه) قالوا: فيجب على الكافر أن يمسك بقية اليوم، ثم يقضي هذا اليوم؛ لأنه لما أسلم ولو قبل غروب الشمس بلحظة فقد وجب عليه قضاء هذا اليوم، ولذلك يقولون: إنه يطالب بالقضاء، وأما بالنسبة للأيام التي مضت فإنه لا يطالب بقضائها لوجود الانفصال، وفرق بين المتصل والمنفصل، فإن إفطاره في اليوم نفسه متصل، وإلزامه بقضاء ما مضى من رمضان منفصل؛ فوجبت عليه العبادة المتصلة دون العبادة المنفصلة.
وقوله: (على كل مسلم مكلف) ويشترط بعد الإسلام أن يكون مكلفاً، والتكليف يكون بالعقل والبلوغ.
فإذا قيل: مكلف، تضمن ذلك كونه عاقلاً وكونه بالغاً، فلا يجب الصوم على صبي، ولا يجب الصوم على مجنون.
أما الصبي فالسنة إذا أطاق الصوم أن يعود عليه من الصغر، كما في حديث أنس رضي الله عنه وأرضاه (أنهم كانوا يروضونهم على الصيام، ويعطونهم اللعب يلعبون بها وهم صبيان)، ولكن ينبغي أن يكون مطيقاً لذلك.
أما إذا كان صغير السن ويتضرر بالإمساك ولو بعض اليوم؛ فإنه لا يحمل فوق طاقته؛ لأن هذا يزعجه ولربما يجعله يكره هذه العبادة، فإنه إذا أطاقها ألفها وأحبها كما أمر الأولياء أن يأمروا صبيانهم بالصلاة لسبع؛ تعويداً لهم على هذه العبادة وترويضاً لهم عليها، فيعود الصبي الصيام من الصغر، كأن يكون ابن العاشرة أو الحادية عشرة، أو يكون دون ذلك إذا أحب هذه العبادة وألفها، وإذا صام فليشجعه وليه على ذلك ويعينه عليه؛ لما فيه من تحصيل مقصود الشرع من تحبيب العبادة لنفسه وتعويده عليها.
وأما المجنون فلا نطالبه بالصوم، سواء بلغ مجنوناً أو طرأ عليه الجنون.
وهكذا لو صار كبير السن فأصبح يضيع ويخلط، فإذا أصبح يضيع ويخلط أو كان مجنوناً وحصل له هذا التضييع والخلط أو الجنون أثناء الصوم، فإننا لا نلزمه بذلك اليوم، سواء كان جنونه مسترسلاً أو متقطعاً.
وإذا كان جنونه متقطعاً بأن طرأ عليه الجنون في نصف رمضان، فالنصف الذي جن فيه ليس عليه قضاؤه، والنصف الذي كان فيه عاقلاً صحيحاً فإنه يطالب بصيامه.
وإذا أفاق بعد ذلك فلا نطالبه بقضاء الشهر إن كان مجنوناً في الشهر كله؛ لأن المجنون حال جنونه غير مكلف.
حكم صيام المغمى عليه
كما يقع الآن في موتى الدماغ فبعضهم ربما يستمر الشهر والشهرين وربما السنة بكاملها، وقد يستمر سنوات وهو تحت هذه الأجهزة وقد مات دماغه، فمثل هذا لا يطالب بصوم، بل لا يطالب أولياؤه لا بقضاء ولا بإطعام؛ لأنه لم يجب عليه الصوم أصلاً، إذا قرر الأطباء أنه قد فقد عقله، فإنه في هذه الحالة لا يطالب بقضاء، ولا يطالب أولياؤه أيضاً بالقضاء أو بالصيام عنه ولا بالإطعام؛ لأنه غير مكلف بالصوم أصلاً.
وأما بالنسبة للجنون المتقطع فحكمه ما ذكرناه: في حال إفاقته يطالب بالصوم، ويطالب بالقضاء إن أفاق أثناء اليوم، وبالنسبة للأيام التي هو فيها عاقل فإنه يطالب فيها بالصوم.
اشتراط القدرة في الصيام
فهناك نوعان من المرض:
النوع الأول: أن يقرر الأطباء أنه لو صام فإنه سيهلك، كما يقع في بعض الحالات التي يكون فيها فشل الكلى، بحيث يقرر الأطباء أنه في حالة خطرة بحيث لو انقطع عن الماء فإن مصيره إلى الموت والهلاك، وهكذا إذا كان فيه مرض قلب، أو كان حديث عهد بعمليات ويحتاج إلى الاستمرار على دوائها، فمثل هؤلاء يلزمهم ويجب عليهم أن يفطروا؛ لأن تعاطي الأسباب الموجبة للهلاك لا يؤمر به شرعاً، ولذلك قال العلماء: من ترك أكل الميتة وهو مضطر لها حتى مات، يحكم بكونه قاتلاً لنفسه والعياذ بالله؛ لأنه قد تحقق أو غلب على ظنه أنه سيموت فتعاطى أسباب الهلاك.
وقد أشار شيخ الإسلام -رحمة الله عليه- إلى هذا القول: أنه لا يجوز للمسلم إذا توقفت نجاته على أمر أن يتعاطى أسباب فوات النفس؛ لأن الله تعالى يقول: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195] فليس في دين الله ولا في شريعته إلزام إنسانٍ بالصوم على وجه يوجب هلاكه، ولذلك أسقط الله الصوم في حال المرض لمكان المشقة الفادحة؛ فلأن يسقط في حال الخوف على النفس من باب أولى وأحرى.
وعلى هذا: فإنه إذا كان المرض مخوفاً بحيث يخشى على صاحبه أن يهلك فإنه لا يصوم، وأما إذا كان يجد المشقة والحرج فإنه يخير بين الفطر وبين الصوم، والأفضل له أن يفطر؛ لما فيه من الأخذ برخصة الله عز وجل؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم عتب على الرجل أن شق على نفسه بالصوم، وقال: (ليس من البر الصيام في السفر) أي: على من يشق عليه ويحرجه.
أما لو كان في حال مرضه يطيق الصوم، والصوم عليه يسير بدون حرج، فالأصل فيه أنه مطالب بالصوم، ولا يرخص له.
مثاله: لو أن إنساناً كسرت يده، لكن كسر اليد لا يتأثر بالصوم، فنقول: إنه يجب عليه أن يصوم إلا في حالة ما إذا كان عنده ألم شديد وتوقف على علاج يسكن له هذا الألم، فرخص بعض العلماء -رحمهم الله- في تسكينه من باب دفع الحرج، والله تعالى يقول: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78].
إذاً: لابد أن يكون المكلف قادراً، فإذا كان قادراً فإنه يجب عليه، والدليل على اشتراط القدرة قوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] وقوله عليه الصلاة والسلام (اكلفوا من الأعمال ما تطيقون) فأمرنا أن نتكلف من الأعمال والعبادات ما نطيقه، وقال: (إن المنبت لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع) فالشخص الذي يصوم وهو غير قادر سينتهي به الأمر إلى أن يهلك، أو أن يؤدي العبادة على مضض وسآمة وملل، ولربما يترتب على ذلك ضرر أعظم من تركه للصوم.
وهل المغمى عليه في حكم المجنون أو في حكم النائم؟
كما يقع الآن في موتى الدماغ فبعضهم ربما يستمر الشهر والشهرين وربما السنة بكاملها، وقد يستمر سنوات وهو تحت هذه الأجهزة وقد مات دماغه، فمثل هذا لا يطالب بصوم، بل لا يطالب أولياؤه لا بقضاء ولا بإطعام؛ لأنه لم يجب عليه الصوم أصلاً، إذا قرر الأطباء أنه قد فقد عقله، فإنه في هذه الحالة لا يطالب بقضاء، ولا يطالب أولياؤه أيضاً بالقضاء أو بالصيام عنه ولا بالإطعام؛ لأنه غير مكلف بالصوم أصلاً.
وأما بالنسبة للجنون المتقطع فحكمه ما ذكرناه: في حال إفاقته يطالب بالصوم، ويطالب بالقضاء إن أفاق أثناء اليوم، وبالنسبة للأيام التي هو فيها عاقل فإنه يطالب فيها بالصوم.
قوله: (قادر) أي: يشترط للصائم أن يكون قادراً على الصوم، فخرج بهذا المريض، فإن المريض لا يلزم بالصوم إذا كان لا يستطيع معه الصوم، سواء كان لا يستطيع بالكلية كأن يخشى على نفسه الموت، أو كان المرض يوجب الحرج والمشقة عليه إن صام.
فهناك نوعان من المرض:
النوع الأول: أن يقرر الأطباء أنه لو صام فإنه سيهلك، كما يقع في بعض الحالات التي يكون فيها فشل الكلى، بحيث يقرر الأطباء أنه في حالة خطرة بحيث لو انقطع عن الماء فإن مصيره إلى الموت والهلاك، وهكذا إذا كان فيه مرض قلب، أو كان حديث عهد بعمليات ويحتاج إلى الاستمرار على دوائها، فمثل هؤلاء يلزمهم ويجب عليهم أن يفطروا؛ لأن تعاطي الأسباب الموجبة للهلاك لا يؤمر به شرعاً، ولذلك قال العلماء: من ترك أكل الميتة وهو مضطر لها حتى مات، يحكم بكونه قاتلاً لنفسه والعياذ بالله؛ لأنه قد تحقق أو غلب على ظنه أنه سيموت فتعاطى أسباب الهلاك.
وقد أشار شيخ الإسلام -رحمة الله عليه- إلى هذا القول: أنه لا يجوز للمسلم إذا توقفت نجاته على أمر أن يتعاطى أسباب فوات النفس؛ لأن الله تعالى يقول: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195] فليس في دين الله ولا في شريعته إلزام إنسانٍ بالصوم على وجه يوجب هلاكه، ولذلك أسقط الله الصوم في حال المرض لمكان المشقة الفادحة؛ فلأن يسقط في حال الخوف على النفس من باب أولى وأحرى.
وعلى هذا: فإنه إذا كان المرض مخوفاً بحيث يخشى على صاحبه أن يهلك فإنه لا يصوم، وأما إذا كان يجد المشقة والحرج فإنه يخير بين الفطر وبين الصوم، والأفضل له أن يفطر؛ لما فيه من الأخذ برخصة الله عز وجل؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم عتب على الرجل أن شق على نفسه بالصوم، وقال: (ليس من البر الصيام في السفر) أي: على من يشق عليه ويحرجه.
أما لو كان في حال مرضه يطيق الصوم، والصوم عليه يسير بدون حرج، فالأصل فيه أنه مطالب بالصوم، ولا يرخص له.
مثاله: لو أن إنساناً كسرت يده، لكن كسر اليد لا يتأثر بالصوم، فنقول: إنه يجب عليه أن يصوم إلا في حالة ما إذا كان عنده ألم شديد وتوقف على علاج يسكن له هذا الألم، فرخص بعض العلماء -رحمهم الله- في تسكينه من باب دفع الحرج، والله تعالى يقول: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78].
إذاً: لابد أن يكون المكلف قادراً، فإذا كان قادراً فإنه يجب عليه، والدليل على اشتراط القدرة قوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] وقوله عليه الصلاة والسلام (اكلفوا من الأعمال ما تطيقون) فأمرنا أن نتكلف من الأعمال والعبادات ما نطيقه، وقال: (إن المنبت لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع) فالشخص الذي يصوم وهو غير قادر سينتهي به الأمر إلى أن يهلك، أو أن يؤدي العبادة على مضض وسآمة وملل، ولربما يترتب على ذلك ضرر أعظم من تركه للصوم.