رجال الفلوجة


الحلقة مفرغة

حرب صليبية

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد..

فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة بالنار.

عباد الله!

لا زالت الفلوجة المدينة الصغيرة تقاوم أقوى دولة بصورة أسطورية عظيمة رغم الأكاذيب الإعلامية الأمريكية، لا زالت الفلوجة تقاوم رغم أشنع الكوارث والجرائم الإنسانية وسط صمت العالم المخزي.

ألا فاحمل إلى الأنذال أبياتي وحي بها من الفلوجة الآتي

أتيتكم حجيج أم به عجب من الإله تنزلت السماوات

ورمحكم سلاح أم هو الصعق يزلزل جيش المجرم الآتي

عباد الله!

من بين آلاف الصور للإبادة الجماعية في الفلوجة والعراق سمح الجيش الأمريكي بنشر تلك الصور التي تصور ذلك الجندي الصليبي وهو يقتل المسلم في المسجد، سمحوا بذلك ليقولوا لنا: إنها حرب صليبية ولكنكم لا تفهمون! سمحوا بنشر تلك الصور ليقولوا لنا بكل وقاحة: إنها حرب صليبية ولكنكم لا تفهمون! قال سبحانه: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217]، وقال سبحانه: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]، وقال سبحانه: وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [البقرة:135].

والله إننا لفي حيرة مع بني جلدتنا أنصدقهم أم نصدق كلام الله؟! أنصدقهم وهم يقولون لنا: هؤلاء دعاة للحرية وللسلام، وهدفهم نشر العدل والاحترام لحقوق الإنسان، أي إنسان يقصدون؟ هل رأيتم صورة ذلك الشيخ الكبير الأعزل من السلاح وهو متكئ على حائط المسجد يقطر الدم من أنفه وقد فارق الحياة؟ هل رأيتم صور الأطفال تحت الأنقاض وتحت الدبابات؟ أرأيتم صور النساء وهن جرحى وثكلى وينادين: واإسلاماه واإسلاماه؟

دماء السم بالأنذال تجري يئن لها قلبي أنينا

تئن ولا مجيب لها يلبي ولا حر بأرض الخائنينا

عذارى تستباح إلى المنايا فيذبحها اليهود المعتدينا

وطفل يستغيث فلا قلوب ترق ولا تحن له الحنينا

وشيخ قد علاه من الخطوب وجوم أين قومي الأولينا

فأين الدين يا أتباع قومي أما فيكم رجال صادقونا

ألسنا إخوة في دين طه ألسنا المحسنين المؤمنينا

أما لمحمد فيكم ذمام فآثرتم ولاء المشركينا

ألا غوث وقد نزل الصليب بأرضكم ونزول الحاقدينا

أليست هذه بغداد تحكي حكاية مجدكم مجد القرونا

صروحكم هنا تاريخ عز تعيث به العلوج المفسدينا

إيقاظ روح التحدي في الأمة

عباد الله! لقد أيقظت الفلوجة الأمة وأشعلت فيها روح التحدي، وضربت مثلاً للصبر والاستبسال مهما كانت قوة العدو، والأهم أنها كشفت حقيقة الشعارات الزائفة عن الحرية وحقوق الإنسان، وفضحت المنافقين والخونة والعملاء، لقد علمتنا الفلوجة دروساً وأظهرت لنا حقائق وعبراً منها:

إن الأمة لا زالت بخير ولا زالت كالجسد الواحد مهما حاولوا تفريقها بتقسيمها إلى ممالك ودويلات وإقامة الحدود بين شعوبها، فها هي شعوب العالم الإسلامي تنادي بالفلوجة وتردد اسمها، وتقنت لها مساجدها ويدعو لها شيبها وشبابها ونسائها وأطفالها، ها هي الأمة تردد:

فلوجة يا درة الأحرار صبراً سيسحق صبرك النذل اللعينا

رجالك لن يقوم لهم جبال رجال الحرب طاحنة طحونا

إذا لاحت لهم سود المنايا تلقوها أسوداً ناصحينا

وإن نهضوا فصوتهم يدوي فتحسب أن صوتهم المنونا

وإن قاموا إلى الأعداء ولوا علوجاً صائحين مولولينا

قال ربنا: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92]، وقال نبينا صلوات ربي وسلامه عليه: (مثل المسلمين في توادهم وترابطهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

فلا تحزني يا فلوجة! فقلوبنا تبكي دماً، وإن أصوات الرجال وبكاء الأطفال واستغاثات النساء قد وصلت إلى مسامع الرجال والأبطال: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:227].

ومن الدروس والعبر التي علمتنا إياها فلوجة العز:

أن الصليب قد تورط ورطة كبيرة ومعقدة جداً، ظنوا أن الخروج مثل الدخول، لقد أدخل المجاهدون الصليب في نفق لا عودة منه، وإن قبورهم قد حفرت لهم، بل ستترك جثثهم لتأكلها الكلاب، ظنوا أنهم إن دمروا الفلوجة دامت لهم العراق.

يا لهم من أغبياء حين ظنوا أن الفلوجة كالنجف وكربلاء، لقد انطلقت المقاومة من بعقوبة والرمادي والموصل وبيجن وكركوك وبغداد وسائر الأنحاء أقوى مما كانت عليه من قبل، ولئن احتاج عباد الصليب عشرين ألفاً من أعتى جنودهم لاقتحام مدينة فارغة فكم سيحتاجون من أتباع الباطل وجنود العهر واللواط كي يقفوا في وجه هذه الأمة، إذا ما قرر النائم منهم أن يستيقظ والغافل منهم أن ينتبه والعاصي منهم أن يتوب.

قناص الفلوجة

ولقد شهد شاهد منهم أنهم ما كانوا يظنون أنهم سيواجهون بمثل تلك القوة والشراسة -والحق ما شهدت به الأعداء- اسمع معي هذا الخبر والذي نشرته مجلة ( النيويورك تايمز ) في عددها الأخير بعنوان: ( واحد من أصعب دروس المعركة ): مائة وخمسون من المارينز من جنود البحرية في مواجهة قناص واحد، يقول الخبر: في يوم الأربعاء من الساعة الثامنة صباحاً قامت الطائرات مرتين بقصف ذلك المبنى الصغير المكون من ثلاثة طوابق الواقع على الطريق السريع بطلب من جنود المارينز، فألقت الطائرات قنبلتين زنة الواحدة خمسمائة رطل مع إطلاق المدفعية حوالي خمسة وثلاثين قذيفة، كما قامت الدبابات بإطلاق عشر قذائف بالإضافة إلى ثلاثين ألف طلقة من رشاشاتهم بواسطة جنودهم حتى لم يبق من المبنى سوى حطام ودخان، ومع ذلك بقي القناص يطلق عليهم النار بل أوقع فيهم مقتلة وعدد من الجنود قد سقطوا تحت رشاشه.

قناص واحد أبقى كتيبة كاملة دون حراك وليوم كامل، يقول قائد تلك الكتيبة: بينما نحن نحاول بجنون أن نجد مكانه، يجلس أحدهم في مكانه يأكل طعامه يتربص بنا برصاصاته، وقد جن جنوننا حتى نعرف من أين تأتي تلك الطلقات.

نسى القائد الجاهل أن الأرض تقاتل مع أهلها، ثم استعانوا بالطائرات لقصف المبنى الآخر المجاور ولمدة ساعتين، قنابل من الأرض وقنابل من السماء، وبعد أن هدأت قنابلهم فاجأهم القناص مرة أخرى وأوقع فيهم مقتلة، فقال قائدهم: لا أعرف أين هو ولكنه مدرب بشكل جيد.

قلت: هو يرمى بأمر الله القائل: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17]، لكم أن تتخيلوا معركة بين واحد وبين ومائة وخمسين من الثامنة صباحاً وحتى الخامسة مساءً، ثم انسحب القناص المسلم المجاهد بعد أن لقنهم درساً من دروس القرآن، قال الله: وَلَنْ تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:19].

شكراً لكم يا أبطال الفلوجة، شكراً لكم يا أبطال العراق والشيشان وفلسطين، فلقد رفعتم رءوسنا في زمن الذل والعار.

المنافقون وخطرهم على الأمة الإسلامية

ومن الدروس والعبر التي اتضحت وظهرت: أن الإعلام العربي إعلام خائن جبان، وأنه لا يستطيع أن يقول الحق، فليته اتقى الله وسكت ولكنه نطق بالباطل بل بالكفر والعياذ بالله!

لقد تواطأ الإعلام العربي لدرجة غير مسبوقة، فانطلق كلاب الإعلام المرئي والمقروء والمسموع يفخمون ويضخمون ويعظمون الهالة الأمريكية، وتسارعت وسائل الإعلام لتبث تهديد الحكومة العميلة لشعبها وأنها ستسحقه كما تسحق الشعوب المسلمة في كل مكان، وما رأينا في وسائل الإعلام إلا تهديدات بوش ورامسفيلد وباقي قتلة الأطفال من الجنرالات الأمريكية والمسئولين الخونة من العراقيين، وفي المقابل لم نسمع من إعلامنا أنه نقل لنا أنات الأطفال وصيحات النساء وبكاء الشيوخ وهم يقصفون بعشرات الآلاف من القنابل المحرمة، لكنها محرمة علينا وحلال عليهم، بل بلغ الجبن إلى درجة أنه لم يتجاسر إعلامنا الجبان على إعلان أية خسائر للقوات الأمريكية إلا ما سمح له بذلك سيدهم الأمريكي، وهدفهم والله من هذا: إحباط معنويات الشارع المسلم، فلا يسمع إلا عن انتصارات الصليب حتى لا يتفاعل مع شعب العراق المسلم ومع المجاهدين.

عجيب أمرهم قتلوا بالفلوجة بزعمهم أكثر من ألف وخمسمائة من المجاهدين، أين صورهم؟ أين وثائقهم؟ أين أخبارهم الصحيحة؟ أين أخبارهم الموثقة؟ فليأتوا ببرهانهم إن كانوا صادقين.

على مدى عام ونصف لم يستطيعوا دخول الفلوجة، بل أذاقتهم الويل، فجمعوا لها أكثر من عشرين ألفاً وحاصروها براً وبحراً وسماءً، جاءوا ومعهم أذنابهم من القوات العراقية المرتدة التي سجلت أعظم خيانة لله ولرسوله، فأي خيانة أعظم من أن تقاتل مع المحتل لتدمير بلاد المسلمين وقتل الضعفاء والفقراء والمساكين؟ أما قال الله: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ [المائدة:52] وقال قبل هذا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51]؟

عباد الله!

لا تنطلين عليكم الحيلة؛ فإن المعركة تنقل لنا بالعدسة الأمريكية وبأيدي إعلامنا الكذاب الخائن الجبان، وسيتبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا وسيرون العذاب الأليم.

بالأمس القريب نشرت جريدة الشرق الأوسط الخبيثة مقالات وتحليلات عن الأحداث هناك فقالت: لقد تسبب المتمردون -أي المجاهدون- بحرمان أهل الفلوجة من بيع الخمور وسماع الأغاني ومشاهدة الأفلام.

قبح الله أقلامهم وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ * لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ [التوبة:56-57]، والله الذي لا إله إلا هو سيتبرأ منهم بوش وشارون وسيعلم أهل الإعلام الكاذب أي منقلب ينقلبون.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

كشف أهداف الحرب الأمريكية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.

أما بعد..

أحبتي! أوصيكم ثم نفسي بتقوى الله، فاتقوا الله عباد الله وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281].

عباد الله! لقد كشفت لنا الأيام الماضية أن الصليب لا يحمل مشروع حرية ولا ديمقراطية مزعومة، ولا جاء من أجل ذلك أصلاً، إنما جاء بطراً ورئاء الناس كما قال الله: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ * وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال:47-48].

أما قال كبيرهم: إنها حرب صليبية! فدافع عنه إعلامنا وقال: إنها زلة لسان.

عجيب أن نجد من يدافع عنهم ولا نجد من يدافع عن حقوقنا، وما أخبار سجن أبو غريب عنا ببعيد، قال الله: كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ * اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ [التوبة:8-10].

سهولة الإيقاع بالعدو وهزيمته

أحبتي وما أعظم الدروس والعبر المستفادة من عراقنا وفلوجتنا الصامدة، ومن أعظمها:

أن الوحش الكاسر مهما بلغت قوته ومهما بلغ تسلطه فليس من الصعب هزيمته وكسر أنفه وتمريغ وجهه في التراب، وها هي الفلوجة تلقنهم الدرس يوماً بعد يوم، قال الله: فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة:249-251].

نعم. إن مصدر عزنا وقوتنا هو قرآننا الذي يحاولون أن يحولوا بيننا وبينه، وشغلونا عن تلاوته والعمل بآياته بالغناء والخنا والزنا والربا، إنه الكتاب الذي أفحم الخطباء وأخرس العظماء وأسكت الشعراء وأدهش الأذكياء وتحدى العرب العرباء، تلاوته تذهب الأحزان، وتثير الأشجان، وترفع الشان، وتثقل الميزان، وتخسئ الشيطان، وتثبت الإيمان.

تباً لمن يقول بأننا سنهزم والقرآن بين أيدينا، وتباً لمن يدعونا للتشاؤم والقرآن بين ظهرانينا، هم يقاتلوننا بتوراتهم وأناجيلهم المحرفة، فلماذا يريدها بنو جلدتنا قومية وعلمانية.

بالقرآن سنهزمهم، ولقد أخبرنا الله بطرق هزيمتهم وشرح لنا نصوصهم ورسم لنا خططهم وحذرنا منهم, القرآن هو الذي فضح المنافقين وعراهم وأظهر مكنونهم وحذرنا أشد التحذير منهم، كيف لا وهم السبب في تراجعنا وذلنا ومن أسباب تسلط أعدائنا علينا!

بالقرآن انتصرنا على التتار الجيش الذي لا يقهر والوحوش الذين لا ينتسبون إلى البشرية، انتصرنا عليهم بعد أن خاضوا بخيولهم في دماء المسلمين في المساجد كما يفعلون اليوم، وليس العجب أننا هزمناهم في عين جالوت وغيرها، ولكن العجب أننا أدخلناهم في الإسلام طواعية، ولبست نساؤهم اللباس الساتر، صنعنا هذا بالقرآن وسنصنعه مرة ثانية وثالثة، وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ [محمد:35].

وما النصر إلا من عند الله

المطلوب منا عباد الله! أن نرجع إلى الله وأن نعلم أن النصرة ليس بكثرة عددنا ولا بعظيم عدتنا ولا بمناصرة الملائكة لنا، ولكن النصر من عند الله كما قال الله: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [آل عمران:126]، فلذلك أراد الله أن يبين لنا الأمر في غزوة بدر لما اشتدت الاستغاثة بالله فأنزل الله تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال:9]، فمدهم بهذا العدد، ولكن عقب عليه ليخبرهم بأمر في غاية الأهمية، وهو أن هؤلاء الملائكة أمددناكم بها بشرى ولتطمئن قلوبكم بها فحسب، أما النصر فهو من عند الله، فقال تعالى: وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [آل عمران:126].

بل أكد الله لنا هذا الأمر في درس جلي في غزوة حنين فقال: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا [التوبة:25]، فبين لنا ربنا أن النصر ليس بالكثرة، وزاد الأمر تأكيداً في سورة الأنفال فقال: وَلَنْ تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:19].

تأمل معي كيف أطلق الله الكثرة ولم يقيدها بعدد، وتأمل جيداً وافتح قلبك وسمعك معاً لما ذكره الله في آخر الآية: وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:19]، فهل تظن أنه يهزم من كان الله معه وناصره؟! لا وألف لا، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21]، قد تسقط الفلوجة وينحاز المجاهدون ولكن أبداً أبداً لن تسقط لا إله إلا الله، قالها أعرابي ورددها في الصحراء فدخل بها الجنة فكيف بمن قاتل دونها وتحت لوائها ورايتها، وهذه كلمات إلى أمريكا ومن حالفها:

الله معنا وناصرنا، الله مولانا، والله أكبر، فإن متنا أخذنا الله إلى جنته وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن، يا أمريكا! نحن نقتل؟ نعم، نحن نكلم؟ نعم، نحن نبتلى؟ نعم، ولكننا لا نغلب والذي فطرنا ولا نغلب لا لشيء لأن الله معنا.

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد..

فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة بالنار.

عباد الله!

لا زالت الفلوجة المدينة الصغيرة تقاوم أقوى دولة بصورة أسطورية عظيمة رغم الأكاذيب الإعلامية الأمريكية، لا زالت الفلوجة تقاوم رغم أشنع الكوارث والجرائم الإنسانية وسط صمت العالم المخزي.

ألا فاحمل إلى الأنذال أبياتي وحي بها من الفلوجة الآتي

أتيتكم حجيج أم به عجب من الإله تنزلت السماوات

ورمحكم سلاح أم هو الصعق يزلزل جيش المجرم الآتي

عباد الله!

من بين آلاف الصور للإبادة الجماعية في الفلوجة والعراق سمح الجيش الأمريكي بنشر تلك الصور التي تصور ذلك الجندي الصليبي وهو يقتل المسلم في المسجد، سمحوا بذلك ليقولوا لنا: إنها حرب صليبية ولكنكم لا تفهمون! سمحوا بنشر تلك الصور ليقولوا لنا بكل وقاحة: إنها حرب صليبية ولكنكم لا تفهمون! قال سبحانه: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217]، وقال سبحانه: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]، وقال سبحانه: وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [البقرة:135].

والله إننا لفي حيرة مع بني جلدتنا أنصدقهم أم نصدق كلام الله؟! أنصدقهم وهم يقولون لنا: هؤلاء دعاة للحرية وللسلام، وهدفهم نشر العدل والاحترام لحقوق الإنسان، أي إنسان يقصدون؟ هل رأيتم صورة ذلك الشيخ الكبير الأعزل من السلاح وهو متكئ على حائط المسجد يقطر الدم من أنفه وقد فارق الحياة؟ هل رأيتم صور الأطفال تحت الأنقاض وتحت الدبابات؟ أرأيتم صور النساء وهن جرحى وثكلى وينادين: واإسلاماه واإسلاماه؟

دماء السم بالأنذال تجري يئن لها قلبي أنينا

تئن ولا مجيب لها يلبي ولا حر بأرض الخائنينا

عذارى تستباح إلى المنايا فيذبحها اليهود المعتدينا

وطفل يستغيث فلا قلوب ترق ولا تحن له الحنينا

وشيخ قد علاه من الخطوب وجوم أين قومي الأولينا

فأين الدين يا أتباع قومي أما فيكم رجال صادقونا

ألسنا إخوة في دين طه ألسنا المحسنين المؤمنينا

أما لمحمد فيكم ذمام فآثرتم ولاء المشركينا

ألا غوث وقد نزل الصليب بأرضكم ونزول الحاقدينا

أليست هذه بغداد تحكي حكاية مجدكم مجد القرونا

صروحكم هنا تاريخ عز تعيث به العلوج المفسدينا




استمع المزيد من الشيخ خالد الراشد - عنوان الحلقة اسٌتمع
انها النار 3540 استماع
بر الوالدين 3408 استماع
أحوال العابدات 3408 استماع
يأجوج ومأجوج 3346 استماع
البداية والنهاية 3333 استماع
وقت وأخ وخمر وأخت 3268 استماع
أسمع وأفتح قلبك - ذكرى لمن كان له قلب 3250 استماع
أين دارك غداً 3202 استماع
أين أنتن من هؤلاء؟ 3095 استماع
هذا ما رأيت في رحلة الأحزان 3094 استماع